مجلد 13.و14. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)
13. مجلد 13. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على
الجامع الصحيح)
المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)
[حديث:
والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة ... ]
3248# قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): هذا هو ابن عبد الرَّحْمَن النَّحْويُّ
المؤدِّب، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ):
(أُهديَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (جبَّةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ
مَنَابَ الفاعل، والذي أهدى هذه الجبَّة: هو صاحب دومةِ الجَنْدل أُكَيدر بن عبد
الملك، وقد قَدَّمْتُ الكلام عليه، وفي «طبقات ابن سعد»: منسوجةٌ بالذهب، وكذا
قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ
حَرِيرٍ) [خ¦3249]؛ هو هذه الجبَّة، و (أُتيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ
فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
قوله: (لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا): إن
قيل: لم خصَّ المنديل دون غيره؟ فالجواب: أنَّ المنديل يُمتَهن غالبًا، ولا يكون
غالبًا إلَّا دون ثياب الشخص في الرِّقَّة والحُسن، وإذا كان كذلك ممَّا يُمتَهن،
وهو دون ثياب الشخص؛ فما ظنُّك بثيابه؟! والله أعلم.
==========
[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (رَسُولُ اللهِ).
[ج 1 ص 841]
(1/6234)
[حديث: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة
أفضل من هذا]
3249# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا [1] هو
القَطَّان شيخ الحُفَّاظ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) هذا: هو الثَّوْريُّ، و
(أَبُو إِسْحَاقَ): هو عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ.
[ج 1 ص 841]
قوله: (أُتِيَ رَسُولُ اللهِ): تَقَدَّمَ قريبًا جدًّا أنَّه مَبْنيٌّ لِما لمْ
يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
(1/6235)
[حديث: موضع سوط في الجنة خير من
الدنيا وما فيها]
3250# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا
هو ابن [1] المدينيِّ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) هذا: هو ابن عُيَيْنَة،
وتَقَدَّمَ (أَبُو حَازِم) أنَّه سلَمة بن دينار.
==========
[1] (ابن): سقط من (ب).
[ج 1 ص 842]
(1/6236)
[حديث: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب
في ظلها مائة عام لا يقطعها]
3251# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي عروبة، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ [1] مِئَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا): هذه
الشجرة: الظاهر أنَّها طُوْبَى، هكذا جاء في «مسند أحمد» و «أبي يعلى الموصليِّ»
من حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أنَّ
رجلًا قال له: يا رسول الله؛ طوبى لمن رآك وآمن بك؟ قال: «طوبى لمن رآني وآمن بي»
... إلى أن قال: قال رجلٌ: وما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنَّة مسيرة مئة عامٍ، ثياب
أهل الجنَّة تخرج من أكمامها»، وفي «مسند عبد» في (مسند أبي هريرة): قال عليه
الصَّلاة والسَّلام: «إنَّ في الجنَّة لَشجرةً يسير الراكب في ظلِّها مئة عام أو
سبعين [2] عامًا»، قال شعبة: ولا [3] أُراه إلَّا (مئة عام)، ثمَّ قال: «مئة عام
لا يقطعها، شجرة الخلد»، انتهى.
قوله: (فِي ظِلِّهَا): قال ابن قرقول: أي: في ذراها وكنفها، أو راحتها ونعيمها،
ونحوه لابن الأثير.
فإن قلت: وما أحوجَهم إلى هذا التأويل؟ وهلَّا قالا بظاهره؟ والجواب: أنَّ الظلَّ
المتعارَفَ عندهم إنَّما هو وقاية حرِّ الشمس وأذاها، وليس في الجنَّة شمسٌ،
وإنَّما هي أنوارٌ متوالية لا حرَّ فيها ولا قرَّ، بل لَذَّات متوالية، ونِعَمٌ
متتابعة، والله أعلم.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (فِي ظِلِّهَا).
[2] في (ب): (ستين)، وهو تحريفٌ.
[3] زيد في (ب): (أعلم).
[ج 1 ص 842]
(1/6237)
[حديث: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب
في ظلها مائة سنة]
3252# 3253# قوله: (وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا.
قوله: (وَلَقَابُ قَوْسِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.
==========
[ج 1 ص 842]
(1/6238)
[حديث أبي هريرة: أول زمرة تدخل الجنة
على صورة القمر ليلة البدر]
3254# قوله: (كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ): (أحسنِ): مجرورٌ بالكسر؛ لأنَّه أُضيف.
قوله: (دُرِّيٍّ): (الدرِّيُّ): الثاقب المضيء، نُسِب إلى الدُّرِّ؛ لبياضه، يُقال
بضَمِّ الدال، وقد تُكسر.
قوله: (إِضَاءَةً): تَقَدَّمَ قريبًا، وأنَّه مَنْصُوبٌ على التمييز.
قوله: (لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ): كذا (زوجتان) وهي
لغة، تَقَدَّمَت، والأفصح: زوجان.
إن قلت: ما الجمع بين هذا وبين الذي في بعض «السُّنن»: «ما من أحدٍ يُدخِلُه الله
الجنَّة إلَّا زوَّجه ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل
النَّار» _قال هشام بن خالد: (من ميراثه من أهل النار)؛ يعني: رجالًا دخلوا النار،
فورث [1] أهلُ الجنَّة نساءهم؛ كما وُرِّثت امرأة فرعون، وكذا الحديث الآخر
المتضمِّن: «سبعين من الحور العين»، على تقدير صحَّة ما في بعض «السنن»، فإنَّ في
[2] سنده خالد بن يزيد، ضعَّفوه_ وبين الحديث الذي في «أبي يعلى» من رواية أبي
هريرة قال: حدَّثنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في طائفةٍ من
أصحابه ... ؛ فذكر حديثًا طويلًا وفيه: «فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجةً
ممَّا يُنشِئ الله، وثنتين من ولد آدم»، وهذا قطعة من حديث الصُّوْر الطويل، ولا
يُعرَف إلَّا من حديث إسماعيل بن رافع، وقد ضعَّفه أحمد، (ويحيى، وجماعة، وقال
الدَّارَقُطْنيّ) [3] وغيره [4]: متروك الحديث، ولكن إذا روى مثل هذا ممَّا يخالف
الأحاديث الصحيحة؛ لم يُلتفَت إليه، وأيضًا الرجل الذي روى عنه القرطبيُّ لا يُدرى
من هو، وظاهر الكلام: ثبوت ثنتين من الحور العين فقط، ولم يُتعرَّض فيه كم للمؤمن
من نساء الدنيا، غير أنَّهن أقلُّ أهل الجنَّة بالأحاديث الثابتة؟
(1/6239)
والجواب: أنَّه ليس في قوله: «زوجتان
من الحور العين» _وكذا حديث أبي يعلى [5]_ ما ينفي [6] الزيادة على الذي له، على
طريق الأصالة والإرث، ولا ينفي رواية: (سبعين)؛ لأنَّه ليس في ذكر القليل ما ينفي
الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، ولا يُعمَل به عند جمهور الأصوليِّين، وفي
«المسند» من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّ له من الحور العين لَاثنتين وسبعين
زوجةً سوى أزواجه من الدنيا»، فيه: مسكين بن عبد العزيز ضعَّفه النَّسائيُّ، وشهر
بن حَوْشَب ضعْفُه مشهور، وهو منكَر مخالف للأحاديث الصحيحة، فإنَّ طولَ ستِّين
ذراعًا لا يحتمل أن تكون صاحبته مقعدها بقدر ميل من الأرض، والذي في «الصحيح»:
«أوَّل زمرةٍ تَلِجُ الجنَّة لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان من الحور العين»، فكيف يكون
لأدناهم ثنتان وسبعون من الحور العين، وأقلُّ ساكني الجنَّة نساءُ الدنيا؟ فكيف
يكون لأدنى أهل الجنَّة جماعةٌ منهنَّ؟! وذكر شيئًا آخر في الحديث منكرًا.
ثمَّ اعلم أنَّه جاءت أحاديثُ بزيادةٍ على ثنتين وسبعين، فورد: (ثلاث وسبعون)، وفي
سنده: أحمد بن حفص هو السعديُّ، له مناكير، والحجَّاج بن أرطاة، وجاء: (أنَّ الشخص
يُفضي إلى مئة عذراء)، رواه الطَّبَرانيُّ، ثمَّ [7] قال: لم يروه عن هشام إلا
زيادة، تفرَّد به الجعفيُّ؛ يعني: عليَّ بن حسين الجُعفيَّ، قال الضياء مُحَمَّد
بن عبد الواحد المقدسيُّ الحافظ: رجال هذا الحديث عندي على شرط «الصحيح»، وروى أبو
الشيخ من حديث ابن عَبَّاسٍ: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «والذي
نفسي بيده؛ إنَّ الرجل يُفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء»، في سنده: زيد بن
الحواريِّ مُختلَف فيه.
(1/6240)
قال ابن إمام الجوزيَّة: والأحاديث
الصحيحة إنَّما فيها: «لكلٍّ منهم زوجتان»، وليس في «الصحيح» زيادةٌ على ذلك، فإن
كانت هذه الأحاديث محفوظةً؛ فإمَّا أن يُراد بها ما لكلِّ واحدٍ من السراري زيادةً
على الزوجتين، ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلَّة والكثرة، وإمَّا أن يراد
به: أنَّه يُعطى قوَّة من يُجامع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، فرواه بعض
هؤلاء بالمعنى، فقال: له كذا وكذا زوجة، وقد روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» من حديث
قتادة عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «يُعطى المؤمن في
الجنَّة قوَّة كذا وكذا من الجماع»، قيل: يا رسول الله؛ أوَيطيق ذلك؟ قال: «يعطى
قوَّة مئة»، هذا حديث صحيح، فلعلَّ من روى: (يُفضي إلى مئة عذراءَ) رواه بالمعنى،
أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات، والله أعلم، ولا ريب أنَّ
للمؤمن في الجنَّة أكثرَ من اثنتين؛ لما في «الصحيحين»، ثمَّ ذكر حديث أبي بكر بن
عبد الله بن قيس عن أبيه: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ
للعبد المؤمن في الجنَّة لَخيمةً من لؤلؤة مجوَّفة، طولها ستُّون ميلًا، للعبد
المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضًا»، انتهى.
وقد روى أبو الشيخ ابن حيَّان الحافظ أبو مُحَمَّد في كتاب «طبقات المحدِّثين»،
وفي كتاب «العظَمة» من حديث ابن [8] أبي أوفى بسند ضعيف: «إنَّ الرجل من أهل
الدنيا لَيتزوَّج خمس مئة حوراء، وأربعةَ آلافِ بكرًا، وثمانية آلاف بنتًا، يعانق
كلَّ واحدةٍ منهنَّ مقدار عمرِه في الدنيا»، والله أعلم.
تنبيه: روى المُسَيَّب بن شريك عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في
قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا} [الواقعة: 35 - 36]، قال: هنَّ [9] عجائز الدنيا، أنشأهنَّ الله خلقًا
جديدًا، كلَّما أتاهنَّ أزواجهنَّ؛ وجدوهنَّ أبكارًا، فلمَّا سمعت عائشة رضي الله
عنها؛ قالت: وا وجعاه! [10] فقال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ليس
هناكِ وجع»، المُسَيَّب بن شريك أبو سعيد التميميُّ السعديُّ الكوفيُّ _عن الأعمش_
ليس بشيء، وقال مسلم وجماعة: متروك، له ترجمة في «الميزان».
(1/6241)
ورُويَ عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما
أنَّه قال: «إنَّ الرجل من أهل الجنَّة لَيعانق الحوراء سبعين سنةً، لا يملُّها
ولا تملُّه، كلَّما أتاها؛ وجدها بكرًا، وكلَّما رجعت إليه؛ عادت شهوته [11]،
فيجامعها بقوَّة سبعين رجلًا، لا يكون بينهما منيٌّ، يأتي من غير منيٍّ منه ولا
منها»، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}
[البقرة: 25]: أي: مطهَّرةٌ من الحيض، والغائط، والبول، والنُّخام، والبصاق،
والمنيِّ، والولد، ذكره ابن المبارك.
قوله: (يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ): (يُرى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و
(مُخُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وإن شئت؛ فقل: (يَرى)؛ مَبْنيٌّ للفاعل،
و (مُخَّ): مَنْصُوبٌ مفعول.
==========
[1] في (ب): (فورثوا).
[2] زيد في (ب): (السنن في).
[3] ما بين قوسين سقط من (ب).
[4] زيد في (ب): (منكر)، وهو سبق نظر.
[5] (وكذا حديث أبي يعلى): ليس في (ب).
[6] في (ب): (يبقي)، وكذا في الموضع اللاحق، وهو تصحيف.
[7] (ثم): ليس في (ب).
[8] (ابن): سقط من (ب).
[9] في (ب): (من)، وهو تحريفٌ.
[10] في (ب): (واوجعتاه).
[11] في (ب): (تنويه)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 842]
(1/6242)
[حديث البراء: إن له مرضعًا في الجنة]
3255# قوله: (لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ): تَقَدَّمَ متى مات إبراهيم ابن النَّبيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، والخلاف في مبلَغ عمره في (الجنائز).
فائدة: إن قيل: فهل يولد لأهل الجنَّة؟
فالجواب: أنَّ التِّرْمِذيَّّ روى من حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قال
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنَّة؛
كان حمله ووضعه وسنُّه في ساعةٍ كما يشتهي»، قال التِّرْمِذيُّ: حسن، وأخرجه ابن
ماجه وقال: (في ساعة واحدة)، قال التِّرْمِذيُّ: وقد اختلف أهل العلم في هذا؛ فقال
بعضهم: في الجنَّة جِماعٌ ولا يكون ولد، هكذا يُروى عن طاووس، ومجاهد، وإبراهيم
النَّخَعيِّ، وقال مُحَمَّد: وقال إسحاق بن إبراهيم في حديث النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم «إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنَّة؛ كان في ساعة كما يشتهي»:
ولكن لا يشتهي، وقد روي عن أبي رزين العُقيليِّ [1] عن النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «إنَّ أهل الجنَّة لا يكون لهم فيها ولد»، انتهى.
[ج 1 ص 842]
قوله: (إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وهو بضَمِّ
الميم، وكسر الضاد، وقال الخَطَّابيُّ: (مَرضَعًا)؛ بفتح الميم والضاد؛ أي:
رَضاعًا، ورأيت بخطِّ الحافظ فتح الدين ابن سيِّدِ النَّاسِ على «الاستيعاب» ما
لفظُه: فيه ثلاثة أوجه: مَرْضَعٌ، ومُرْضَعٌ _وهما مصدران_ ومُرضِع، انتهى.
فائدة: تَقَدَّمَ أنَّ في «مسلم»: (لَظئرين).
ثانية: قال شيخنا: قال ابن التين: ولعلَّ ولدان المؤمنين مثله، انتهى.
==========
[1] في (ب): (أبي زر ابن العقلي)، وهو تحريفٌ.
(1/6243)
[حديث: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف
من فوقهم]
3256# قوله: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ السين، وفتح
اللام، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان، و
(الخُدْرِيُّ): بالدال المُهْمَلَة بلا خلاف، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.
قوله: (الدُّرِّيَّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الدال وكسرها قريبًا.
قوله: (الْغَابِرَ): هو بالغين المُعْجَمَة، وبعد الألف مُوَحَّدة، قال ابن قرقول:
معناه: البعيد، وقيل: الذاهب الماضي، كما قال في الرواية الأخرى: (الغابر:
العازب)، وفي كتاب ابن الحَذَّاء: (العائر)، وقال في (العين مع الزاي): (الكوكب
العازب)؛ أي: البعيد، كذا للأصيليِّ، ومنه: رجل عَزْب؛ لبعده عن النساء، و
«اشتدَّت علينا العزوبة»، وفي رواية أخرى: (الغارب)؛ وهو الذي تغرَّب للغروب، وقد
قال قوم: معنى: (الغارب): الغائب، ولا يحسنُ في هذا الحديث، وإنَّما المراد: ما
بين المنازل في الارتفاع، شُبِّه ببعد الكوكب من الأرض، وعند أبي الهيثم:
(الغابر)، وابن الحَذَّاء: (الغائر) انتهى.
وقد ذكر ابن الأثير اللَّفظة في «نهايته» في (العين _يعني: المُهْمَلَة_ والزاي)،
فقال: (العازب): هكذا جاء في رواية؛ أي: البعيد، والمعروف: (الغارب)؛ بالغين
المُعْجَمَة والراء، و (الغابر)؛ بالموحَّدة.
قوله: (فِي الأُفُقِ، مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى [2] الْمَغْرِبِ): وقال شيخنا: في
الأفق الشرقيِّ أو الغربيِّ، قال ابن التين: وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الناحية ليس يكون
الغروب فيها، وإنَّما يكون فيها المطالع، انتهى.
(1/6244)
قوله: (بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ؛ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ): قيل: إنَّهم
بلغوا درجات الأنبياء، وهذا ظاهِرُ اللفظ، وهو مشكلٌ إلَّا أن يؤوَّل، وقيل: بل
يبلغون هذه المنازل الموصوفة، وإنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، والقول الأوَّل فيه
نظر إلَّا إذا أُوِّل [3]، والله أعلم، وقال شيخنا: يريد أنَّهم لم يبلغوا درجات
الأنبياء قبل، هكذا ظاهره، وقال الداوديُّ: [يعني: يبلغون هذه المنازل التي وصف،
وأنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، فعلى ما عند أبي ذرٍّ: (بل ... ) إلى آخره الأمر بيِّنٌ
كما ذكره الداوديُّ] [4]، وعلى ما عند الشيخ أبي الحسن: (بلى) يكون كما تَقَدَّمَ
أنَّهم يبلغون درجات الأنبياء، وقال القرطبيُّ: كذا وقع هذا الحرف (بلى) الذي أصله
[5] حرفُ جوابٍ وتصديق، وليس هذا موضعَها؛ لأنَّهم لم يستفهموا، وإنَّما أُخبروا
أنَّ تلك [6] منازل الأنبياء لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون (بل) [7] التي هي
للإضراب عن الأوَّل، وإيجاب المعنى [8] الثاني، فكأنَّه تُسومِح فيها، فوُضِعَت
(بلى) موضع (بل)، انتهى.
و (رجالٌ): مَرْفُوعٌ بالابتداء المحذوف؛ تقديره: هم رجالٌ، ورواية: (بل) فيها
توسُّعٌ؛ أي [9]: تلك المنازل منازل رجالٍ آمنوا بالله حقَّ إيمانه وصدَّقوا
المرسلين؛ أي: حقَّ تصديقهم، وإلَّا؛ فكلُّ من يدخل الجنَّة؛ آمن بالله وصدَّق
رسلَه، انتهى.
تنبيه: سيأتي كلام الحكيم التِّرْمِذيِّ والجواب عنه: أنَّ الغبطة: أن يتمنَّى مثل
حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وليس بحسدٍ، ويُطلَق لغةً أيضًا على حسن
الحال، قال الجوهريُّ: والاسم: الغبطة؛ وهو حسن الحال، فلمَّا استحسن الأنبياء
والشهداء حالهم؛ قال فيهم ذلك، والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (الدري: شديد البياض).
[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أَوِ).
[3] (إلا إذا أوَّل): ليس في (ب).
[4] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[5] في النُّسخَتَينِ: (أَصلُها)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[6] في (ب): (باب)، وهو تحريفٌ.
[7] (بل): سقط من (ب).
[8] في (ب): (معنى).
[9] في (ب): (إلى)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 843]
(1/6245)
[باب صفة أبواب الجنة]
قوله: (باب صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ): قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة: لمَّا كانت
الجنَّاتُ درجاتٍ بعضُها فوق بعضٍ؛ كانت أبوابها كذلك، وباب الجنَّة العالية فوق
باب الجنَّة التي تحتها، وكلَّما علتِ الجنَّة؛ اتَّسعت، فعاليها أوسعُ ممَّا
دونه، وسَعَة الباب بحسْب وُسع الجنَّة، ولعلَّ هذا وجه الاختلاف الذي جاء في
مسافة ما بين مصراعَي الباب، فإنَّ أبوابها بعضُها أعلى من بعض؛ كالبساتين الممتدَّة
من رأس الجبل إلى ذيله، انتهى.
تنبيه: في كتاب «الإحياء» للإمام أبي حامد الغزاليِّ في آخر (كتاب الصبر والشكر)
حديث: «أبواب الجنَّة كلُّها بمصراعَين [1] إلا باب الصبر، فإنَّه بابٌ واحد ...
»؛ الحديث، قال شيخنا الحافظ العِرَاقيُّ في «تخريج أحاديث الإحياء»: لم أجد له
أصلًا، ولا في الأحاديث الواردة في مصاريع الجنَّة تفرقة [2]، انتهى.
فائدة: ذكر القرطبيُّ في «التذكرة» أبواب الجنَّة، فوصلها إلى ستَّة عشر بابًا،
فإن أردته [3]؛ فانظر «التذكرة»، والظاهر أنَّ الأبواب العِظَام ثمانية، والثمانية
الباقية صغارٌ، والله أعلم.
قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه؛ فانظره في (الزكاة).
==========
[1] في (ب): (مصراعَين)، وهي محتملة في (أ)، وفي مصدره: (مصراعان).
[2] في (ب): (نعرفه).
[3] في (ب): (أردتها).
[ج 1 ص 843]
(1/6246)
[حديث: في الجنة ثمانية أبواب فيها باب
يسمى الريان]
3257# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّمَ أنَّه سعيد بن
أبي مريم الحكمِ بن مُحَمَّد.
قوله: (حَدَّثَنِي [1] مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ): هو بكسر الراء المُشَدَّدة،
وبالفاء، اسم فاعل، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله جدًّا.
قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سلمة بن دينار،
وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.
(1/6247)
قوله: (فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ
أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ ... ) إلى آخره: اعلم أنَّ
(الريَّان): (فعلان)، من الرِّيِّ، وتفتح الراء في (الرِّيِّ) الذي هو نقيض [2] العطش،
وسمِّي بذلك؛ لأنَّه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، واكتفى بذكر الرِّيِّ عن
الشِّبَع؛ لأنَّه يدلُّ عليه من حيث إنَّه يستلزمه، وأُفرِد لهم هذا البابُ؛
ليُسرعوا إلى الرِّيِّ من عطش الصيام في الدنيا؛ إكرامًا لهم واختصاصًا، وليكون
دخولُهم إلى الجنَّة هيِّنًا [3] من غير زحمة عند أبوابها، فإنَّ الزحام قد يؤدِّي
إلى نوع من العطش، وأمَّا أسماء هذه الأبواب؛ فعن «نوادر الأصول» للحافظ أبي عبد
الله مُحَمَّد بن عليِّ بن الحسن بن بشر، الزاهد المؤدِّب الحكيم التِّرْمِذيِّ
صاحب التصانيف _قال السُّلميُّ: نفَوه من تِرمِذ؛ بسبب تأليفه كتاب «ختم الولاية»،
وكتاب «عِلَل الشريعة»، قالوا: زعم أنَّ للأولياء خاتمًا، وإنَّه يُفضِّل
الولايةَ، واحتجَّ بقوله: «يغبطهم النَّبيُّون والشهداء»، وقال: لو لم يكونوا
أفضلَ منهم؛ لمَا غبطوهم، فجاء إلى بَلْخ، فأكرموه لموافقته إيَّاهم في المذهب،
وقد رأيتُ بعض كلامه في «ختم الولاية» في كلام أبي العَبَّاس ابن تيميَّة ذكره،
وفيه كلامٌ منكر، لا شكَّ في إنكاره، ومن رآه من طلبة العلم؛ أنكره، روى الحكيم
[4] عن أبيه، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن موسى ختٍّ، وطبقتهم، وعُنِيَ بهذا الشأن،
ورحل فيه، روى عنه: يحيى بن منصور القاضي، والحسن بن عليٍّ، وعلماء نَيْسابور،
فإنَّه قدمها سنة خمس وثمانين ومئتين، عاش نحوًا من ثمانين سنةً، عفا الله عنه_:
من أبواب الجنَّة: باب مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهو باب الرحمة،
وهو باب التوبة، وهو منذ خلقه الله مفتوحًا لا يُغلَق، فإذا طلعت الشمس من مغربها؛
أُغلِق فلم يُفتَح إلى يوم القيامة، وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البرِّ؛ باب
الزكاة، العمرة، الحجِّ، الصلة ... ، وعند عياض _في «شرح مسلم» للنوويِّ_: باب
التوبة، وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، باب الراضين، الباب الأيمن الذي
يدخل منه مَن لا حساب عليه، وفي كتاب «الصوم» لابن أبي عاصم
[ج 1 ص 843]
(1/6248)
بإسناد جيِّد _كما قاله شيخنا_ عن أبي
هريرة [5] مرفوعًا: «لكلِّ عملٍ بابٌ من أبواب الجنَّة يُدْعَون منه بذلك العمل»،
قال: وذكره ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفي كتاب
الآجُرِّيِّ عن أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له: باب الضُّحى،
فإذا كان يوم القيامة؛ ينادي منادٍ: أين الذين كانوا يدومون على صلاة الضحى؟ هذا
بابكم فادخلوا»، انتهى، وقد عزا هذا الحديثَ الدِّمْيَاطيُّ الحافظ في «كشف المعْطي»
للطَّبرانيِّ، انتهى.
وفي «الفردوس» مرفوعًا: «للجنَّة بابٌ يُقال له: باب الفرح، لا [6] يدخل منه إلا
مُفرِّح الصبيان»، وفي «التحبير» للقُشيريِّ: عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم: «الخلُق الحسن طوقٌ من رضوان الله في عنق صاحبه، والطوق مشدودٌ إلى
سلسلة من الرحمة، والسلسلة مشدودةٌ إلى حَلْقة من باب الجنَّة، حيثما ذهب الخلق
الحسن؛ جرَّته السلسة إلى نفسها حتَّى يدخل من ذلك الباب إلى الجنَّة»، انتهى،
وهذا المتن في «موضوعات ابن الجوزيِّ» في (كتاب معاشرة الناس) من [7] حديث أبي
موسى، وعند أبي عيسى التِّرْمِذيِّ: باب الذكر.
وفي كتاب «الروضة» عن أحمد ابن حنبل بسنده إلى الحسن قال: (إنَّ لله بابًا في
الجنة لا يدخله إلَّا عفَّاء عن [8] مظلمةٍ).
ومنها: باب الحافظين فروجَهم المستعفِّين بالحلال عن الحرام غير المتَّبعين
للشهوات، قال شيخنا: ذكره ابن بَطَّالٍ، وذكر منها: باب الكاظمين الغيظ والعافين
عن الناس، وساق حديث الحسن.
ومنها: باب الصابرين لله على المصائب المحتسبين الذين يقولون عند نزولها: {إنَّا
لله ... }؛ الآية، وأكثرُه من كلام شيخنا، وفيه زيادةٌ عليه، لكن ليست الزيادة في
الأبواب، وقد ذكرتُ لك أوَّلًا أنَّ القرطبيَّ وصَّلها لستَّة عشر بابًا، وحديث:
«فُتِحَت له أبواب الجنَّة الثمانية» لا ينافي أن يكون لها أكثر؛ لأنَّ في
«التِّرْمِذيِّ»: «فُتِحت له من أبواب الجنَّة ثمانية أبواب»، أو أنَّ الأبواب [9]
الكبار ثمانية، والباقي أصغر من الكبار، والله أعلم.
(1/6249)
تنبيه: سَعة أبوابها كما رواه أبو هريرة: (إنَّ ما بين المصراعَين من مصاريع الجنَّة لَكَما بين مكَّة وهَجَر، أو هجر ومكَّة)، وفي لفظ: (لَكَما بين مكَّة وهجر، أو لَكَما بين مكَّة وبصرى)، متَّفق عليه، وفي لفظ خارج «الصحيح» بإسناده: (أنَّ ما بين عضادَتَي الباب لَكَما بين مكَّة وهجر)، وفي خطبة عتبة بن غزوان فيما ذُكِر له: (أنَّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرةَ [10] أربعين سنةً)، وقد روى الإمام أحمد في «مسنده» من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه: أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «أنتم توفون سبعين أمَّةً، أنتم خيرُها وأكرمُها على الله، وما بين مصراعَين من مصاريع الجنَّة مسيرة أربعين عامًا»، وقد روى ابن أبي داود: حدَّثنا إسحاق بن شاهين: حدَّثنا خالد عن الجريريِّ، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه يرفعه: «ما بين كلِّ مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرة سبعِ سنين»، ورواه عبد في «مسنده» من حديث أبي سعيد عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «إنَّ ما بين مصراعَين من مصاريع الجنَّة لمسيرة أربعين سنةً»، في سنده ابن لَهيعة، ودرَّاج أبو السمح، وحديث أبي هريرة أصحُّ، وروى أبو الشيخ ابن حيَّان الحافظ أبو مُحَمَّد بإسناده إلى عُمر [11] أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «الباب الذي يدخل منه أهل الجنَّة مسيرةُ الراكب المُجوِّد ثلاثًا، ثمَّ إنَّهم ليُضعفون عليه حتَّى تكاد مناكبهم تزول»، رواه أبو نعيم عنه، وهذا مطابق لحديث أبي هريرة المتَّفق عليه: «كما بين مكَّة وبصرى»، فإنَّ الراكب المجوِّد غايةَ الإجادة على أسرع جوادٍ لا يفتر ليلًا ولا نهارًا، يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه، وحديث حكيم بن معاوية قد اضطرب رواته، فحَمَّاد بن سلمة ذكر عن الجريريِّ التقدير بأربعين عامًا، وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين، وحديث أبي سعيد قد ذكرت أنَّ فيه ابن لهيعة ودرَّاجًا، فإذن الصحيح هو المرفوع السالم من الاضطراب على أنَّ حديث حكيم بن معاوية ليس التقديرُ فيه بظاهر الرفع، ويحتمل أنَّه مدرج موقوف، فيكون كحديث عتبة، وحديث عتبة ليس بموقوف وإن قال بعضهم: إنَّه موقوف، وإنَّما [12] لفظه فيما ذُكِر لنا، والله أعلم.
(1/6250)
تنبيه ثانٍ: مسيرة ما بين الباب والباب كما رواه الطَّبَرانيُّ من حديث لَقِيط بن عامر ... ، فذكر حديثًا، وفيه: «وإنَّ للجنَّة ثمانيةَ أبواب، ما بين الباب والباب إلَّا يسير الراكبُ بينهما سبعين عامًا»، وهو حديث طويل، وهذا الظاهر منه أنَّ هذه المسافة بين الباب والباب؛ لأنَّ ما بين مكَّة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عامًا [13]، ولا يمكن حملُه على باب معيَّن؛ لقوله: «ما منهنَّ باب»، والله أعلم، وقد بوَّب على هذا الحديث ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّة في «حادي الأرواح»: الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب، ففُهِم هذا الفهم أيضًا، والله أعلم.
(1/6251)
[باب صفة النار وأنها مخلوقة]
قوله: (بابُ صِفَةِ النَّارِ، وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام على
خلقها، وخلق الجنَّة في باب: (صفة الجنَّة)، فانظره، وقوله: و (أنَّها): بالفتح.
تنبيه: تَقَدَّمَ في أوَّل (باب صفة الجنَّة) كلامٌ هو قولان في فنائهما عند فناء
الخلق من عند القرطبيِّ في «التذكرة» وغيره، فانظره، والله أعلم.
فائدة: روى إسماعيل بن أبي زياد في «تفسيره» _على ما قاله شيخنا_ بإسناده إلى معاذ
قال: سُئِل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: من أين يُجاء بجهنَّم؟ قال:
«يُجاء بها يوم القيامة من الأرض السابعة، لها سبعون ألف زمام ... »؛ الحديث،
انتهى.
وكونُها لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلِّ زمام سبعون ألف مَلَك يجرُّونها؛ هو في
«مسلم».
تنبيه: بُعْدُ أبواب جهنَّم: قال وهب بن منبِّه: بين كلِّ بابين مسيرة سبعين سنةً،
كلُّ باب أشدُّ حرًّا من الذي فوقه بسبعين ضعفًا، قاله القرطبيُّ في «تذكرته».
قوله: (وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ)؛ هو بكسر السين كذا أحفظُه، وكذا هو في أصلنا، وكذا
رأيته مضبوطًا بالقلم في بعض كتب اللغة الصحيحة المقروءة على بعض أهل اللُّغة، وقد
رأيته في نسخة بـ «البُخاريِّ» مضبوطًا بالقلم بالفتح، فيُحرَّر.
قوله: (وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ): (كان): هي التي من أخوات
(إنَّ) مُشَدَّدة، وقد ذكر ابن قرقول كلام البُخاريِّ ومعناه: انغسقت عينُه؛ إذا
سالت ودمعت، وغسق الجرح؛ إذا سال ماءً أصفر؛ يريد: أنَّهم يُسقون ذلك، وقال
السُّدِّيُّ: هو ما يغسق من دموعهم يُسقَونه مع الحميم، وقال أبو عُبيدة: هو ما
سال من جلود أهل النَّار، وقال غيره: من الصديد، وقيل: الغسَّاق: البارد يُحرِق
ببرده، وقُرِئ بالتخفيف والتشديد، قال الهرويُّ: فمن خفَّف؛ فأراد: البارد
المُحرِق ببرده، وقيل: {غسَّاقًا}: منتنًا، انتهى.
قال الجوهريُّ: قرأ أبو عَمرو بالتخفيف، والكسائيُّ بالتشديد، انتهى، وقول
الجوهريِّ غيرُ تمام، فقد قرأ حفصٌ، وحمزة، والكسائيُّ: بتشديد السين، والباقون
بتخفيفها في (النبأ) و (ص).
قوله: (وَالدَّبَرِ): هو بفتح الدال المُهْمَلَة والموحَّدة، و (الدَّبَر): جمعٌ،
واحدُه (دَبَرة)، ويجمع أيضًا على أدبار؛ مثل [1]: شجرة وأشجار وشجر، تقول منه:
(دبِر البعير)؛ بالكسر، و (أدبره القتب)؛ أي: جرحه.
(1/6252)
قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: {حَاصِبًا}
[الإسراء: 68]): (غيره): هو قول أبي عبيدة قاله في (سورة سبحان)، قاله بعض
الحُفَّاظ المُتَأخِّرين.
قوله: (مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ): (تَرمي): مَبْنيٌّ للفاعل، و (الريحُ): بالرفع
فاعل (ترمي)، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.
[ج 1 ص 844]
قوله: ({خَبَتْ} [الإسراء: 97]): طَفِئَت؛ هو بفتح الطاء وكسر الفاء [2]، ثمَّ
همزة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث الساكنة.
قوله: (وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ): (القِيُّ): بكسر القاف، ثمَّ ياء مُشَدَّدة لا
همزة، و (القَفْر): بفتح القاف وإسكان الفاء، ثمَّ راء، وهي أرضٌ لا نبْتَ فيها
ولا ماء، وهي المفازة، ويقال في القَفْر: القِيُّ، والقَواءُ، والقَوى؛ بالمدِّ
والقصر، والله أعلم.
قوله: (مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ)؛ هو بفتح راء (مرَج)، (يمرُج) بضمِّها،
وسيجيء.
قوله: (مَرِجَ [3] أَمْرُ النَّاسِ): اختلط، هو بكسر الراء.
قوله: ({مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19]): هو بفتح الراء، وهذا لا يحتاج إلى
ضبط؛ لأنَّي لا أضبط التلاوة؛ لمعرفة الناس بها، إنَّما أضبط ما قد يستشكل من تفسيرها،
والله أعلم.
قوله: (مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا): هو بفتح الراء في الماضي، تقول: مرَجتُ
الدابة؛ بفتح الراء، أمرُجها؛ بضمِّها، مرْجًا؛ بإسكانها؛ إذا أرسلتَها ترعى [4].
==========
[1] في (ب): (مثيل).
[2] في (ب): (الهاء)، وهو تحريفٌ.
[3] رواية «اليونينيَّة» و (ق): (مرَجَ).
[4] (ترعى): ليس في (ب).
(1/6253)
[حديث أبي ذر: أبردوا بالصلاة فإن شدة
الحر من فيح جهنم]
3258# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك
الطيالسيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو ذَرٍّ): جندب بن جنادة الزاهد المشهور
رضي الله عنه.
قوله: (أَبْرِدْ): هو بقطع الهمزة، وكسر الراء، مجزومٌ على الأمر، وكذا التي بعده،
وقد تَقَدَّمَ، والإبراد: التأخير؛ ومعناه: أخِّرْها عن وقت الهاجرة إلى حين برد
النهار وانتشار وهج الحرِّ، يُقال: أبردَ بالشيء؛ إذا دخل به في برد النهار،
وأبردْتُ كذا؛ إذا فعلْتَه حينئذٍ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الإبراد: أن يؤخِّر الظهر
حتى [1] يصير للحيطان فيءٌ يُظِلُّ الماشي، ولا يؤخَّر عن النصف الأوَّل من الوقت،
وقيل: المعتبَر أن ينصرف منها [2] قبل آخر الوقت، قال في «الكفاية»: وهو ظاهِرُ
النص، ويؤيِّده حديث أبي ذرٍّ في «البُخاريِّ»: «حتَّى ساوى الظلُّ التلولَ».
قوله: (حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ): (فاء): بهمزة ممدودة، فعلٌ ماضٍ، و (الفيء):
بهمزة في آخره، وهذا كلُّه ظاهرٌ.
قوله: (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الفاء، وإسكان المُثَنَّاة
تحت، وبالحاء المُهْمَلَة، وهو انتشار حرِّها وقوَّتُه، وأنَّ عند أبي ذرٍّ:
فَوْح، وهما بمعنًى، ومنه: فَوْح الطيب، وهو سطوعُ ريحه وانتشارُه.
==========
[1] في (ب): (إلى أن).
[2] في (ب): (عنها).
[ج 1 ص 845]
(1/6254)
[حديث: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من
فيح جهنم]
3259# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أمَّا
(مُحَمَّد بن يوسف)؛ فهو الفِرْيَابيُّ [1]، و (سفيان) بعده الظاهر: أنَّه الثَّوْريُّ؛
لأنَّه مكثرٌ عنه، وقد روى أيضًا عن ابن عُيَيْنَة، والله أعلم، و (الأَعْمَش):
تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، و (ذَكْوَان): هو أبو صالح السمان
الزيَّات، و (أَبُو سَعِيدٍ): هو سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
قوله: (أَبْرِدُوا): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بقطع الهمزة مفتوحةً، وكسر الراء،
وتَقَدَّمَ أيضًا ما (الإبراد).
==========
[1] زيد في (ب): (الحافظ).
[ج 1 ص 845]
(1/6255)
[حديث: اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب
أكل بعضي بعضًا]
3260# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن
نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ
(الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة
على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.
قوله: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا): تَقَدَّمَ أنَّه بلسان الحال، أو
بلسان المقال، وهو الأصحُّ؛ إذ لا مانعَ من الحقيقة.
قوله: (بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ ... ) إلى آخره: كلُّه بفتح الفاء، و (نفَسٍ): مجرورٌ
بدلٌ من (نفَسين)؛ بدل بعضٍ من كلٍّ.
==========
[ج 1 ص 845]
(1/6256)
[حديث ابن عباس: الحمى من فيح جهنم
فأبردوها بالماء]
3261# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه
المسنديُّ، وذلك لأنَّ عَبْد الغَنيِّ في «الكمال» لم يذكر عن أبي عامر راويًا
اسمه عبد الله بن مُحَمَّد إلَّا المسنديَّ، ونسبه إلى المسند، و (أَبُو عَامِرٍ):
تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّ اسمه عبد الملك بن عَمرو القيسيُّ [2] البصريُّ، الحافظ
المشهور، أخرج له الجماعة، وقد قَدَّمْتُ بعض ترجمته، و (هَمَّامٌ): هو ابن يحيى
العَوْذيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (أَبُو جَمْرَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بالجيم
والراء، وأنَّ اسمه نصر بن عمران الضُّبَعيُّ.
قوله: (ابْرُدُوهَا [3])، وكذا (فَابْرُدُوهَا [4]) هما بضَمِّ الراء مع الوصل،
وهي اللغة الفصيحة، ويقال: بالقطع وكسر الراء، وهي في أصلنا بالقطع وكسر الراء.
قوله: (مِنْ فَيْحِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه أعلاه.
قوله: (فَأَبْرِدُوهَا [5] عَنْكُم [6] بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ،
شَكَّ هَمَّامٌ): والصحيح من أحد الشكَّين: ماءُ زمزم، وقد أخرج الحديث أبو حاتم
البُستيُّ والدارِميُّ، وقالا: «الحُمَّى من فيح جهنَّم، فابرُدوها بماءِ زمزمَ»
من غير شكٍّ، وأخرجه الحافظ ضياء الدين مُحَمَّد بن عبد الواحد المقدسيُّ في (كتاب
الطبِّ) من غير شكٍّ أيضًا، قاله المحبُّ الطَّبَريُّ.
وقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «الهدْي»: وقوله: (بالماء) فيه قولان؛ أحدهما:
أنَّه كلُّ ماء، وهو الصحيح، الثاني: أنَّه ماء زمزم، واحتجَّ أصحاب هذا القول بما
رواه البُخاريُّ ... ؛ فذكر هذا الحديث إلى أن قال: وراوي الحديث قد شكَّ فيه، ولو
جزم به؛ لكان أمرًا لأهل مكَّة بماء زمزم؛ إذ هو متيسِّرٌ عندهم، ولغيرهم بما
عندهم من الماء، ثمَّ اختلف من قال: إنَّه على عمومه؛ هل المراد: الصدقة بالماء أو
استعماله؟ على قولين، والصحيح: أنَّه استعماله، قال: وأظنُّ أنَّ الذي حمل مَن
قال: المراد الصدقة به؛ أنَّه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمَّى، ولم
يفهم وجهه، مع أنَّ لقوله وجهًا حسنًا؛ وهو أنَّ الجزاء من جنس العمل، فلمَّا أخمد
لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد؛ أخمد الله عنه لهيب الحمَّى جزاءً وِفاقًا،
ولكن هذا يُؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأمَّا المراد به؛ فاستعماله ... إلى آخر
كلامه، يستدلُّ فيه على أنَّ المراد الاستعمال، لا الصدقة.
==========
(1/6257)
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي
«اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثَني).
[2] في (ب): (العبسي)، وهو تحريفٌ.
[3] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَبْرِدْهَا).
[4] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فأَبْرِدوهَا).
[5] في (ق): (فأبردوها بالماء)، وفي هامشها: («فابرُدوها»؛ بضَمِّ الراء مع الوصل،
قاله القالي، ويقال: بقطع الألف، وكسر الراء، وكلاهما في نسخة الأصل).
[6] (عَنكم): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).
[ج 1 ص 845]
(1/6258)
[حديث رافع: الحمى من فور جهنم
فأبردوها عنكم بالماء]
3262# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): هو بالموحَّدة، وبالسين [2]
المُهْمَلَة، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فإياك أن تُصَحِّفَه، و (عَبْدُ
الرَّحْمَنِ): بعده هو ابن مهديٍّ، أحد الأعلام، و (سُفْيَانُ): هو ابن سعيد بن مسروق
الثَّوْريُّ، عن والده، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (رَافِعُ بْنُ
خَدِيجٍ): أنَّه بفتح الخاء المُعْجَمَة، وكسر الدال المُهْمَلَة، وفي آخره جيم،
مشهور.
قوله: (مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ): هو بفتح الفاء، وإسكان الواو، وبالراء؛ أي: من
انتشار حرِّها.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).
[2] في (ب): (والسين).
(1/6259)
[حديث عائشة: الحمى من فيح جهنم
فأبردوها بالماء]
3263# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا هو زهير بن معاوية، أبو خيثمة، تَقَدَّمَ
مُتَرْجَمًا.
تنبيه: لهم زهير آخرُ يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، لكنَّ الثانيَ هو
زهير بن مُحَمَّد التميميُّ، ليس له بهذا الطريق في «البُخاريِّ» و «مسلم» شيءٌ،
إنَّما روى له بها التِّرْمِذيُّ وابن ماجه، والله أعلم.
==========
[ج 1 ص 846]
(1/6260)
[حديث ابن عمر: الحمى من فيح جهنم
فأبردوها بالماء]
3264# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد
القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، وكذا تَقَدَّمَ (عُبَيْد اللهِ): أنَّه ابن عُمر بن حفص
بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (عَنْ).
[ج 1 ص 846]
(1/6261)
[حديث: ناركم جزء من سبعين جزءًا كلهن
مثل حرها]
3265# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ): تَقَدَّمَ مرارًا
أنَّه ابن أخت مالك بن أنس الإمام، واسم أبي أُويس: عبد الله، وتَقَدَّمَ (أَبُو
الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ
(الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن
بن صخر.
قوله: (إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً): (إن): هنا مُخَفَّفة من الثقيلة عند
البصريِّين، نظيره: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ} [البقرة: 143]، قاله القرطبيُّ في «تذكرته»، وفي «ابن ماجه» من حديث
أنسٍ: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ ناركم هذه جزءٌ من
سبعين جزءًا من نار جهنَّم، ولولا أنَّها أطفئت بالماء مرَّتين؛ ما انتفعتم بها
... »؛ الحديث، وخرَّجه ابن عُيَيْنَة من حديث أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ناركم هذه ... »؛ الحديث نحوه، وفي خبرٍ آخرَ عن ابن
عَبَّاس: (وهذه النار ضُرِبَ بها البحر سبعَ مَرَّاتٍ)، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ،
وقال ابن مسعود: (ناركم هذه جزءٌ من نار جهنَّم، ولولا أنَّها ضُرِبَ بها بالبحر
[1] عشرَ [2] مَرَّاتٍ؛ ما انتفعتم بشيءٍ منها)، وسُئِل ابن عَبَّاس عن نار
الدنيا: ممَّ خُلقت؟ قال: خُلقت من نار جهنَّم غير أنها طُفِئت بالماء سبعين
مَرَّةً، ولولا ذلك؛ ما قُرِبَت؛ لأنَّها من نار جهنَّم، ذكره القرطبيُّ في
«تذكرته».
قوله: (لَكَافِيَةً): هو بفتح المُثَنَّاة تحت، منصوبة مُنَوَّنة، خبر كان.
(1/6262)
[حديث: سمع النبي يقرأ على المنبر:
{ونادوا يا مالك}]
3266# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه ابن عُيَيْنَة؛ لأنَّ الحافظ
عَبْد الغَنيِّ في «الكمال»: ذكر أنَّ قُتَيْبَة روى عنه، ولم يذكر في مشايخه
الثَّوْريَّ، والذَّهَبيُّ لم يذكر أحد السفيانَين، و (عَمْرو): هو ابن دينار
المَكِّيُّ، لا قهرمان آل الزُّبَير، وقد قَدَّمْتُ ذلك مرارًا، و (عَطَاء): هو
ابن أبي رَباح، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (يَعْلَى): رضي الله عنه.
==========
[ج 1 ص 846]
(1/6263)
[حديث: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى
في النار فتندلق أقتابه ... ]
3267# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): هو ابن عبد الله ابن المَدينيِّ، و (سُفْيَانُ):
هو ابن عُيَيْنَة، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، و (أَبُو وَائِلٍ): شقيق بن
سلمة.
قوله: (قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ) أمَّا (أسامة):
فهو الحِبُّ ابن الحِبِّ رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن جدِّه حارثة، فإنَّهم ذكروه
في الصَّحَابة، وإنَّما قيَّدته؛ لأنَّ في الصَّحَابة مَن اسمه (أسامة) شُبِّه به؛
منهم اثنان الصحيح أنَّهما تابعيَّان، وفلان المشار إليه هو عثمان بن عفَّان رضي
الله عنه، كذا في آخر «مسلم»، وعزاه شيخنا إلى المهلَّب ولا حاجة إلى ذلك، وإنَّما
قيل: لأسامة ذلك؛ لأنَّه كان من خواصِّ عثمان رضي الله عنهما، وأرادوا أن يكلِّمَه
في شأن الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيطٍ، أخي عثمان لأمِّه أروى.
قوله: (لَترَوْنَ): هو بضَمِّ التاء وفتحها.
قوله: (إِلَّا أُسْمِعُكُمْ): هو مَرْفُوعٌ؛ لعدم تَقَدُّمِ عامل نصب أو جزم.
قوله: (إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ): (إنِّي): بكسر الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا): (أَنْ): بفتح الهمزة، وسكون النون، كذا
قيَّدَه بالفتح ابن قرقول، فقال: بمعنى: من أجل أن كان عليَّ أميرًا، وبخطِّ شيخنا
أبي جعفر الأندلسيِّ: بفتح الهمزة وكسرها بالقلم، وما قاله ابن قرقول هو الذي
يظهر.
قوله: (إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ): (إنَّه): بكسر الهمزة بعد القول، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (فَيُلْقَى فِي النَّارِ): (يُلقى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ): (تندلقُ): بفتح المُثَنَّاة فوق، ثمَّ نون
ساكنة، ثمَّ دال مهملة مفتوحة، ثمَّ قاف؛ أي: تخرج، و (أقتابُهُ): بفتح الهمزة،
ثمَّ قاف ساكنة، ثمَّ مُثَنَّاة فوق، وبعد الألف مُوَحَّدة، ثمَّ هاء الضمير، وهو
جمع (قَتب)؛ وهي حوايا البطن، ومصارينه، وأمعاؤه، وفي «الصحاح»: و «القِتب» أيضًا؛
بالكسر: واحدة «الأقتاب»؛ وهي الأمعاء، مؤنَّثة، هذا قول الكسائيِّ، وقال
الأصمعيُّ: واحدها «قِتبة»؛ بالهاء، وتصغيرها: قُتَيْبَة ... إلى أن قال: وقال أبو
عُبيدة: والقتب: ما تحوَّى [1] من البطن؛ يعني: استدار، وهي الحوايا.
قوله: (بِرَحَاهُ): (الرَّحى) مقصورة: الطاحونة.
(1/6264)
قوله: (رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ): أمَّا (غُندر): فتقدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن جعفر، وتَقَدَّمَ ضبط (غُنْدَر)، ومعناه، ومن لقَّبه به، و (شعبة): شعبة، و (الأعمش): سليمان بن مِهْرَان تَقَدَّمَ أعلاه، وما رواه غندر عن شعبة أخرجه البُخاريُّ في (الفتن) عن بشر بن خالد عن غندر عن شعبة به، والحكمة في الإتيان [2] بهذه المتابعة: أنَّ سفيان تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة مُدلِّس، وقد عنعن في السند الأوَّل عن الأعمش، فجاء بمتابعة شعبة وإن عنعن شعبة _للعلم بكراهته للتَّدليس، حتى إنَّه قال: إنَّه أخو الكذب، وبالغ فيه، وقال: (لَأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أدلِّس) _؛ فعنعنته كـ (حدَّثنا، وأخبرنا، وسمعت)، والله أعلم.
(1/6265)
[باب صفة إبليس وجنوده]
قوله: (بَابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ): عن ابن عَبَّاس: أنَّ (إبليس) كان
اسمه الحارث، وعنه أيضًا: أنَّ اسمه كان عزازيل، قال شيخنا: وقال ابن خالويه في
كتاب «ليس»: إبليس يكنَّى أبا الكُردوس [1]، ويقال: أبو مُرَّةَ، انتهى، وأبو
مُرَّةَ في «الصحاح» للجوهريِّ، قال شيخنا: ومن أسمائه العلب، والسفيه [2]،
والحارث، وإبليس، وقيل: كان يسمَّى الحكم، انتهى.
وفي كلام السُّهَيليِّ في «روضه»: لمَّا صرخ إبليس في بيعة العقبة ... ؛ فذكر عن
الحسن: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «هذا أبو لُيينى قد أنذَركم،
فتفرَّقوا»، انتهى.
فتحرَّر في كنيته أبو مُرَّةَ، وأبو الكردوس، وأبو لُيينى، وفي اسمه الحارث،
وعزازيل، والعلب، والسفيه، وإبليس، والحكم.
تنبيه: إنَّما ذكر البُخاريُّ في هذا الباب حديثَ عائشة: (سُحِر النَّبيُّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)؛ للعلم بأنَّ السحر من تعليم الشياطين.
[ج 1 ص 846]
قوله: ({وَيُقْذَفُونَ} [3] [الصافات: 8]: يُرْمَوْنَ): هما مبنيَّان لما لم يسمَّ
فاعلهما، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.
قوله: ({دُحُورًا} [الصافات: 9]: مَطْرُودِينَ): اعلم أنَّ (الدُّحور)؛ بالضَّمِّ
[4]: الإبعاد، وهو مصدر، وقد فسَّره هنا بما رأيت، وكان من حقِّه أن يقول: طرْدًا،
وفي تفسير عَبْد بن حُمَيدٍ _على ما قاله شيخنا_: {دحورًا}: قذفًا في النَّار،
وكأنَّه فسَّره البُخاريُّ باللازم.
==========
[1] في (ب): (الفردوس).
[2] (والسفيه): سقط من (ب).
[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي هامش (ق): (التلاوة بإثبات الواو)، وهي رواية
أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» {يُقذفون} بلا واو.
[4] (بالضم): سقط من (ب).
(1/6266)
[حديث: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه
شفائي أتاني رجلان]
3268# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى): هذا هو الرازيُّ الفرَّاء
الحافظ، يروي عن أبي الأحوص، وعبد الوارث، وخالد الطحَّان، وأُممٍ، وعنه:
البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، ومن بقي بواسطة، وأبو حاتم، قال أبو زُرعة: كتبت
عنه مئةَ ألفِ حديث، وهو أتقنُ من أبي بكر بن أبي شيبة وأصحُّ حديثًا، لا يحدِّث
إلا من كتابه، وقد تَقَدَّمَ، أخرج له الجماعة، وثَّقهُ النَّسائيُّ وغيره،
تَقَدَّمَ، ولكن طال العهد به.
قوله: (حَدَّثَنَا [1] عِيسَى): هذا هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، أحد الأعلام في
الحفظ والعبادة، يروي عن أبيه، وهشام بن عروة، والأعمش، وخلق، وعنه: حَمَّاد بن
سلمة مع تقدُّمه وجلالته، وعليُّ ابن المَدينيِّ، وإسحاق، وابن عرفة، وأُممٌ، وكان
يحجُّ سنةً، ويغزو سنةً، مات سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، وكان ثقةً ثبتًا،
ذكره في «الميزان» تمييزًا؛ لئلَّا يشتبه بعيسى بن يونس شيخ البُخاريِّ [2]، روى
عن مالك، قال الدَّارَقُطْنيُّ: مجهول، وقد قَدَّمْتُ ترجمة ابن [3] ابن أبي إسحاق
هذا، ولكن طال العهد بها، والله أعلم.
قوله: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (سُحِر): مَبْنيٌّ
لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وقد
تَقَدَّمَ أنَّ الذي سحرَه لَبيد بن الأعصم من يهودَ، وسيأتي.
فائدة: كان هذا السحرُ إحدى عشرة عقدةً، فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، إحدى عشرة
آيةً، فجعل كلَّما قرأ آيةً؛ انحلَّت عقدةٌ، وفي الفلق: {وَمِنْ شَرِّ
النَّفَّاثَاتِ} [الفلق: 4]، ولم يقل: النفَّاثين، وجوابه: أنَّ زينب بنت الحارث
أعانت لَبيدًا في ذلك، ولأنَّ الغالب أنَّ السحر من عمل النساء، وسأذكر كم أقام
هذا السحرُ به، والصواب: ثلاثةَ أيَّام أو أربعة، وأذكر المدَّة المذكورة في
التفاسير، وما ذكره السُّهَيليُّ في المدَّة عن «جامع معمر»، إن شاء الله تعالى.
(1/6267)
قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ
إِلَيَّ هِشَامٌ [4] ... ) إلى آخره: هذا تعليق، و (اللَّيث): هو ابن سعد [5]،
وفيه جواز الرواية بالكتابة، وقد تَقَدَّمَ ذلك، فإن أجاز معها؛ جازت، وإن لم يجز
معها؛ جازت على الصحيح؛ كهذه، فإنَّه لم يذكر فيها إجازةً، وما كتبه هشام إلى
الليث لم يكن في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة، إلا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا.
قوله: (حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا
يَفْعَلُهُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في «الجهاد»، ويأتي أيضًا.
قوله: (أَشَعَرْتِ؟)؛ أي: أعلمْتِ؟
قوله: (أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي)؛ أي: أجابني.
قوله: (أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ
عِنْدَ رِجْلَيَّ): في سيرة شيخ شيوخنا الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدِّمْيَاطيِّ
_وقد سمعتُها بحلبَ غَيْرَ مَرَّةٍ على بعض أصحابه بسماعه منه [6]، وقرأتها
بالقاهرة بالإجازة على بعض أصحابه_: أنَّ أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، فإن قيل:
من كان عند رأسه؛ فلعلَّ الجواب [7]: أنَّه جاء في حديثٍ آخرَ غير هذا في
«التِّرْمِذيِّ»: أنَّ جبريل جلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، ولأنَّ جبريل أفضل
من ميكائيل، والله أعلم، والمناسب: أن يقعد الكبير الفاضل عند الرأس؛ كما يفعله
الناس اليوم في مرضاهم، والله أعلم.
قوله: (مَطْبُوبٌ): يعني: مسحورًا، وقد فُسِّر كذلك في بعض طرقه، و (مَنْ
طَبَّهُ؟) أي: مَن سحرَه؟ كَنَّوا بالطبِّ عن [8] السحر؛ تفاؤلًا بالطِّبِّ الذي
هو العلاج، كما كَنَّوا بـ (السليم) عن اللَّديغ.
قوله: (لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ): تَقَدَّمَ أنَّه وقع في مكانٍ أنَّه يهوديٌّ،
وفي آخر: حليف ليهود، وفي آخر: منافق، أمَّا يهوديٌّ وحليف ليهود؛ فلا تغايرَ،
وأمَّا منافق؛ فلم أر له ذكرًا في المنافقين إلَّا ما في بعض طرق هذا الحديث،
والظاهر أنَّه كان يهوديًّا يُداهن المسلمين.
تنبيه: لَبيد هذا لم يقتله عليه الصَّلاة والسَّلام كما تَقَدَّمَ، وقد حكى عياض
في «الشفا» فيه قولين؛ الثاني: أنَّه قتله، وحكى في آخر «الشفا» قولًا: أنَّه
أسلم، وهذان غريبان تقدَّما، ولكن قد [9] تَقَدَّمَ أنَّ نسخ «الشفا» اختلفت، ففي
بعضها: رجاء إسلامه، والظاهر أنَّ هذه هي الصحيحة، وفي نسخة: وجاء إسلامه.
(1/6268)
قوله: (وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ):
(جُفِّ)؛ بضَمِّ الجيم، وتشديد الفاء: وعاء الطلْعِ؛ وهو الغشاء الذي يكون عليه، و
(طلعةِ): مخفوض بالإضافة غير مُنَوَّن، و (ذكرٍ): مُنَوَّن مخفوض، قال النَّوويُّ
في «شرح مسلم»: (وجفِّ الطلع): يعني: وعاء طلع النخل الذي يكون عليه، ويُطلَق على
الذكر والأنثى؛ فلهذا قيَّدَه في الحديث بقوله: (طلعةِ ذكرٍ)؛ بإضافة طلعة إلى
ذكر، والله أعلم، انتهى [10]، وتنوينهما رأيته في غير نسخة، ورأيت بعضهم قيَّدَه
به.
قوله: (فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ): هو بفتح الذال المُعْجَمَة، ثمَّ راء [11] ساكنة؛
بئر في بني زُرَيق؛ بتقديم الزاي المضمومة على الراء المفتوحة، قال ابن قرقول: كذا
جاء في «الدعوات» من البُخاريِّ؛ يعني: ذَرْوان، قال: وفي غير موضعٍ: بئر ذرْوان،
وعند مسلم: بئر ذي أرْوان، وقال الأصمعيُّ: هو الصواب، وقد صُحِّف بـ «ذي أوان»، وقد
ذكرناه، وقد ذكر في الهمزة ما لفظه: أرْوان، ويقال: ذروان، وهو اسم بئر بالمدينة،
ويقال لها أيضًا: ذو أرْوان، وكلُّ ذلك قد رُويَ، انتهى.
وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: قوله: «في بئر ذي أرْوان» هكذا في جميع نسخ «مسلم»:
ذي أرْوان، وكذا وقع في بعض روايات البُخاريِّ، وفي معظمها: ذرْوان، وكلاهما صحيح
مشهور، والأوَّل أجود وأوضح، وادَّعى ابن قُتَيْبَة أنَّه الصواب، وهو قول
الأصمعيِّ، وهي [12] بئر بالمدينة في بستان لبني زُريق، انتهى.
قوله: (أَسْتَخْرَجْتَهُ؟ [13]): هو بفتح الهمزة، وهو على الاستفهام.
قوله: (ذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّث، وهي عائشة، كذا كان في
أصلنا، ثمَّ أُصلِحت بالقلم بالفتح.
قوله: (شَرًّا): قال ابن بَطَّالٍ: كره أن يخرجَه؛ فيتعلَّم منه بعض الناس، فذلك
الشرُّ الذي كرهه، قال السُّهَيليُّ: ويجوز أن يكون الشرُّ غيرَ هذا،
[ج 1 ص 847]
وذلك أنَّ الساحر كان من بني زُريق، فلو أظهر سحره للنَّاس، وأراهم إيَّاه؛ لأوشك
أن يريد طائفةٌ من المسلمين قَتْلَه، ويتعصَّب آخرون من عشيرته، فيثور شرٌّ؛ كما
ثار في حديث الإفك من الشرِّ ما سيأتي بيانه، انتهى، وسيأتي في كتاب «الطِّبِّ» هل
استخرجه أم لا؟ وترجيحُ أحدهما على الآخر، أو الجمع بينهما، والله أعلم.
قوله: (ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ): (دُفِنَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ
فاعِلُهُ، و (البئرُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.
==========
(1/6269)
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي
«اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أَخْبَرَنَا).
[2] (البخاري): سقط من (أ).
[3] (ابن): سقط من (ب).
[4] في هامش (ق): (ابن عروة).
[5] زيد في (ب): (الإمام).
[6] (لسماعه منه): سقط من (ب).
[7] في (ب): (فالجواب لعله).
[8] في (ب): (عند)، وهو تحريفٌ.
[9] (قد): ليس في (ب).
[10] (انتهى): ليس في (ب).
[11] في (ب): (وراء).
[12] في (ب): (وهو).
[13] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (اِستخرَجْتَهُ).
(1/6270)
[حديث: يعقد الشيطان على قافية رأس
أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد]
3269# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي أُويس
عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت مالك الإمام، وتَقَدَّمَ أيضًا (أَخُوهُ): عبد الحميد
بن عبد الله بن أبي أويس، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وما قيل فيه من كلام الأزديِّ،
والله أعلم.
قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هو ابن بلال، وكذا في أصلنا منسوبٌ مخرَّجٌ، وعليه
صحَّ، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (يَحْيَى بْن سَعِيدٍ): أنَّه
الأنصاريُّ، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر،
بخلاف ياء غير أبيه، فإنَّه لا يجوز فيها إلَّا الفتح.
قوله: (قَافِيَةِ): تَقَدَّمَ أنَّها آخر الرأس، وضبطها في (الصلاة).
قوله: (عُقَدُهُ كُلُّهَا): هذه جمع (عقدة)، ويدلُّ له [1]: (كلُّها)، وقد
تَقَدَّمَ الاختلاف فيها حين جاءت بغير (كلُّ)، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (لها).
[ج 1 ص 848]
(1/6271)
[حديث: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه]
3270# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو جَرِير _بفتح
الجيم، وكسر الراء_ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، وتَقَدَّمَ (مَنْصُور):
أنَّه ابن المعتمر، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، و (عَبْد
اللهِ): أنَّه ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، رضي الله عنه.
قوله: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ): (ذُكر):
مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رجلٌ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل،
وهذا الرجل لا أعرفه.
قوله: (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: [1]
أُذُنِهِ) تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة).
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (في).
[ج 1 ص 848]
(1/6272)
[حديث: أما إن أحدكم إذا أتى أهله
وقال: بسم الله اللهم جنبنا ... ]
3271# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا
هو: التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ عليه الكلام، وعلى نسبته هذه، و (هَمَّامٌ):
تَقَدَّمَ [أنَّه] ابن يحيى العوْذيُّ الحافظ، و (مَنْصُور): تَقَدَّمَ أنَّه ابن
المعتمر.
قوله: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ): (أَمَا): بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، وقد
تَقَدَّمَ أنَّها بمعنى (ألا)؛ التي للاستفتاح، و (إنَّ) مكسور [1] الهمزة بعدها.
قوله: (لَمْ يَضُرّهُ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الراء، وهو الذي نصَّ عليه سيبويه،
وأنَّه ضبط بالفتح، وتَقَدَّمَ الكلام على قوله: «لم يضرَّه الشيطان»، وذكرت فيه
أقوالًا في (الوضوء).
==========
[1] في (ب): (مكسورة).
[ج 1 ص 848]
(1/6273)
[حديث: إذا طلع حاجب الشمس فدعوا
الصلاة حتى تبرز]
3272# 3273# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [1] عَبْدَةُ): قال
الجَيَّانيُّ: وقال _أي: البُخاريُّ_ في (الاعتكاف)، و (الجهاد)، و (صفة إبليس)، و
(الأنبياء)، و (مناقب الأنصار)، و (سورة البقرة)، و (يوسف)، و (النكاح)، و
(اللباس)، و (الأدب)، و (الأيمان والنذور)، و (الأحكام)، و (التمنِّي): (حدَّثنا
مُحَمَّد: أخبرنا عبْدة)، هكذا أتى «مُحَمَّد» غيرَ منسوب عن عبْدة، وفي بعض هذه
المواضع، وقد نسبه ابن السكن في بعضها: ابن سلَام، وكذلك صَرَّحَ البُخاريُّ في
بعض المواضع باسمه، فقال: حدَّثنا مُحَمَّد بن سلَام: حدَّثنا عبدة، وذكر أبو نصر:
أنَّ مُحَمَّد بن سلَام يروي عن عبدة، انتهى.
و (عبْدة): هذا هو ابن سليمان، وهو بإسكان المُوَحَّدة، وقد قَدَّمْتُ هذا [2]
الكلام على (مُحَمَّد عن عبْدة) فيما مضى، ولكن طال الفصل، وقال شيخنا: هو ابن
سلام، كما قاله أبو نعيم، وأبو عليٍّ [3]؛ يعني: الجَيَّانيَّ الذي قَدَّمْتُ
كلامه.
قوله: (حَاجِبُ الشَّمْسِ): (حاجبُها): هو حرفها الأعلى من قرصها، و (حواجبُها):
نواحيها، وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّه أوَّلُ ما يبدو؛ كحاجب الإنسان، وعلى هذا
يختصُّ الحاجب بالحرف الأعلى البادي، ولا تُسمَّى جميع نواحيها حواجبَ، وقد
تَقَدَّمَ ذلك.
قوله: (بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.
قوله: (أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ؟): (أيَّ): مشدد الياء مفتوح، و (هشام): هو ابن
عروة المذكور في السند.
(1/6274)
[حديث: إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو
يصلي فليمنعه]
3274# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الميمين
بينهما عين مهملة، وأنَّه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجَّاج، وتَقَدَّمَ (عَبْدُ
الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد بن ذكوان التيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ، أبو عبيدة
الحافظ.
قوله: (عَنْ [1] يُونُس): هذا هو ابن عُبيد، أحد أئمَّة البصرة، عن الحسن وأبي
بردة، وعنه: عبد الوهاب الثقفيُّ وابن عُلَيَّة، وهو من العلماء العاملين الأثبات،
مات سنة (139 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تَقَدَّمَ، ولكن بعُد العهد به.
قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه ذكوان الزيَّات السَّمَّان،
وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ [2]): أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ الصَّحَابيُّ
رضي الله عنه، وكون هذا الحديث من مسند أبي سعيد؛ فلذا هو في أصلنا، وكذا ذكره
المِزِّيُّ في «أطرافه» في مسنده، وفي هامش أصلنا عوض (أبي سعيد): (عن أبي هريرة)،
ولم يذكره المِزِّيُّ إلا في مسند أبي سعيد، لم يذكره في مسند أبي هريرة، وليس في
الكُتُب السِّتَّة روايةٌ لحُميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي هريرة، فضلًا عن
البُخاريِّ، إنَّما في «البُخاريِّ»، و «مسلم»، و «أبي داود» رواية حُميد هذا عن
أبي صالح عن أبي سعيد هذا الواحدَ فقط.
تنبيه: هذا الحديث أخرجه البُخاريُّ سندًا ومتنًا في (الصلاة) وهنا؛ فليُعلم، وقد
ذكرت في هذا التعليق في (الحجِّ) أحاديثَ من هذا النمط.
قوله: (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.
(1/6275)
[معلق ابن الهيثم: صدقك وهو كذوب ذاك
شيطان]
3275# قوله: (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ... ) إلى آخره: (عثمان) هذا تَقَدَّمَ
الكلام عليه، وأنَّه مؤذِّن البصرة، عن عوف وابن جُرَيجٍ، وعنه: البُخاريّ،
والكَجِّيُّ، وأبو خليفة، مات سنة (218 هـ)، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له، قال
أبو حاتم: كان يُلقّن بأَخَرةٍ، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: صدوق، كثير الخطأ، له
ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلان
المسندُ إليه القولُ شيخُه؛ كهذا؛ فإنَّه يكون قد [1] أخذه عنه في حال المذاكرة
غالبًا، وهذا الحديث قد أخرجه البُخاريُّ في (الوكالة)، وهنا في (صفة إبليس) وفي
(فضائل القرآن) كما هنا، وقال عثمان بن الهيثم: حدَّثنا عوف _وهو عوف بن أبي جَميلة
الأعرابيُّ_ عن مُحَمَّد بن سيرين عن أبي هريرة سندًا ومتنًا، والله أعلم، وقلَّ
أن يقع [2] له مثل ذلك، وقد تَقَدَّمَ ذلك في (الوكالة)، وقد ذكرت فيما مضى
أحاديثَ ميَّزتُ عليها وقعتْ له متكرِّرة [3] سندًا ومتنًا، وهي قابلة [4] للزيادة،
ذكرتُ ذلك في كتاب (الحجِّ).
قوله: (إذا أَوَيْتَ): تَقَدَّمَ أنَّه بقصر الهمزة، هذا الأفصح، وهي لغة القرآن؛
أنَّه إذا أتى (أوى) لازمًا كهذا؛ يكون بقصر الهمزة، وإذا كان متعدِّيًا؛ يكون
بالمدِّ، ويجوز العكس في كلٍّ منهما، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وهذا
مَعْرُوفٌ.
==========
[1] (قد): ليس في (ب)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[2] في (ب): (يقطع)، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب): (مكررة).
[4] في (ب): (حاصلة)، وهو تحريفٌ.
(1/6276)
[حديث: يأتي الشيطان أحدكم فيقول من
خلق كذا من خلق كذا]
3276# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ
المُوَحَّدة وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، نُسب إلى جدِّه،
وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد [1]، وتَقَدَّمَ (عُقَيْل): أنَّه بضَمِّ
العين وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وتَقَدَّمَ (ابْن شِهَابٍ): أنَّه
الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.
قوله: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ): (الشيطانُ): مَرْفُوعٌ فاعل، و
(أحدَكم): مَنْصُوبٌ مفعول، وهذا ظاهِرٌ.
==========
[1] زيد في (ب): (الإمام).
[ج 1 ص 849]
(1/6277)
[حديث: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة]
3277# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ): (ابن أبي
أنس) هذا: هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحيُّ، عمُّ الإمام مالك المجتهدِ، وقد
تَقَدَّمَ غير هذه المرَّة كذا.
قوله: (فُتِّحَتْ): تَقَدَّمَ أنَّه بالتخفيف والتشديد، و (أَبْوَابُ السَّمَاءِ)
أو (أَبْوَابُ الجَنَّةِ) الروايتان تقدَّمتا، والجمع بينهما، وكذا تَقَدَّمَ
الكلام على (سُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) بسؤال وأجوبة.
==========
[ج 1 ص 849]
(1/6278)
[حديث: إن موسى قال لفتاه: آتنا غداءنا
قال أرأيت إذ أوينا ... ]
3278# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن
الزُّبَير في أوَّل هذا التعليق، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته هذه، وكذا تَقَدَّمَ
الكلام على (سُفْيَان) هذا وأنَّه ابن عُيَيْنَة، و (عَمْرو): أنَّه ابن دينار.
قوله: (إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ): تَقَدَّمَ أنَّ فتاه: يوشع بن نون، وقد
قَدَّمْتُ نسبه، وأنَّ (نونًا) مصروف، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على ({أَوَيْنَا}
[الكهف: 63])، وأنَّ الأفصح أنَّه بالقصر، وفي أعلاه أيضًا، وكذا الكلام على
(الصَّخْرَةِ)، وكذا (النَّصَب) وأنَّه التعب.
==========
[ج 1 ص 849]
(1/6279)
[حديث: ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة
ها هنا من حيث يطلع قرن ... ]
3279# قوله: (مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه
[1].
==========
[1] (عليه): سقط من (ب).
[ج 1 ص 849]
(1/6280)
[حديث: إذا استجنح فكفوا صبيانكم فإن
الشياطين تنتشر حينئذ]
3280# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن
عبد العزيز بن جُرَيجٍ، وتَقَدَّمَ مَرَّةً مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ
(عَطَاءٌ): أنَّه ابن أبي رباح، وأنَّ (جَابِرًا): هو ابن عبد الله بن عمرو بن
حرام؛ بالراءِ، وهذا كلُّه معروف عند أهلهِ.
قوله: (إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ): سيأتي.
قوله: (أَوْ قَالَ [1]: كَانَ جنْحُ [2] اللَّيْلِ): يقال: جُنْح وجِنْح؛
بالضَّمِّ والكسر، وجنحه: أوَّله، وقيل: قطعة منه، وقيل: نصف النصف، والأوَّل
أشبه.
قوله: (فَكُفُّوا): أي: ضُمُّوا.
قوله: (صِبْيَانَكُمْ): إنَّما خيف على الصبيان؛ لأنَّ النَّجاسة التي يلوذ بها
الشيطان موجودةٌ معهم، ولأنَّ الذِّكْرَ الذي يُسْتَعْصَم به معدوم عندهم،
والشياطين عند انتشارهم يتعلَّقون بما يمكنهم التعلُّق به، فإذا ذهبت ساعةٌ من
العشاء؛ اشتغل كلٌّ منهم بما اكتُتِبَ [3]، ومضى إلى ما قُدِّر له التشاغل به،
نبَّه عليه ابن الجوزيِّ، قاله شيخنا.
قوله: (فَحُلُّوهُمْ): بحاء مهملة [4] للحمُّوي، وهذا في أصلنا، وللكافَّة: بالخاء
المُعْجَمَة، وهذا هو [5] نسخة في هامش أصلنا.
قوله: (وَأَغْلِقْ بابكَ): هو بفتح الهمزة، رُباعيٌّ، ساكن الآخر، فعل أمر، وهذا
ظاهِرٌ.
قوله: (وَأَطْفِئْ): هو بقطع الهمزة، وفي آخره همزة ساكنة، على الأمر.
قوله: (وَأَوْكِ سِقَاءَكَ): هو بقطع الهمزة، وكسر الكاف، على الأمر.
قوله: (وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا): هو بفتح أوَّله _لأنَّه ثُلاثيٌّ_
وبضمِّ الراء، وكذا في أصلنا، قال ابن قرقول: كذا رويناه، وكذا قاله الأصمعي،
ورواه أبو عُبيد: بفتح التاء مع كسر الراء، والأوَّل أشهر، وهو أن يضعه عليه عرضًا
في قِبْلَته، كذا ضبطناه، وكذا قيَّدَه الأصيليُّ، وقيَّدَه بعضُهم: (تَعرُض)،
والأوَّل أوجه.
(1/6281)
[حديث: على رسلكما إنها صفية بنت حيي]
3281# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، وكذا هو منسوب في نسخة
على هامش أصلنا، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام، الحافظ الكبير المشهور، و
(مَعْمَرٌ): بفتح الميمين، وإسكان العين، ابن راشد تَقَدَّمَ مرارًا، و
(الزُّهْرِي): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عَلِيُّ بْن الحُسَيْنِ [2]): هو زين
العابدين، و (صَفِيَّة بِنْت حُيَيٍّ): هي زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم، أمُّ المؤمنين، و (حُييٌّ): بضَمِّ الحاء وكسرها، تَقَدَّمَ، رضي الله
عنها، وأبوها قُتِل في بني قريظة.
[ج 1 ص 849]
قوله: (فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذين
الرَّجُلَين مَن هما، وما إخاله يصحُّ عنهما، والله أعلم.
قوله: (عَلَى رِسْلِكُمَا): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الراء وكسرها باختلاف المعنى؛
فانظره.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»:
(حدَّثني).
[2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حُسَيْنٍ).
(1/6282)
[حديث: إني لأعلم كلمةً لو قالها ذهب
عنه ما يجد]
3282# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن
جبلة بن أبي روَّاد، و (عَبْدان): تَقَدَّمَ أنَّه لقب له، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو
حَمْزَةَ): أنَّه بالحاء والزاي، وأنَّه مُحَمَّد بن ميمون السُّكريُّ، وأنَّه [1]
إنَّما قيل له: السُّكريُّ؛ لحلاوة كلامه، وتَقَدَّمَ [2] أنَّ (الأَعْمَش): سُليمان
بن مِهْرَان، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ): صَحَابيٌّ في (الأذان)،
وأنَّ (صردًا) مصروفٌ ليس معدولًا، وهو سُليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون،
وكنيته: أبو مطرِّف، وهو خزاعيٌّ، رضي الله عنه، أمير التَّوَّابِين.
قوله: (وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ): هذان الرجلان لا أعرفهما.
قوله: (وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ): إنَّما هما ودجان، ذكرهما بلفظ الجمع؛ كقوله
تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78]، أو لأنَّ كلَّ قطعة من
الوَدَج تسمى وَدَجًا، كما جاء في الحديث: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان
أزجَّ الحواجب)، والله أعلم.
==========
[1] (أنَّه): ليس في (ب).
[2] (تَقَدَّمَ): ليس في (ب).
[ج 1 ص 850]
(1/6283)
[حديث: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال
اللهم جنبني الشيطان]
3283# قوله: (حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ): هو ابن المعتمر، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ): تَقَدَّمَ أنَّه يقال بضَمِّ الراء المُشَدَّدة؛ وهو
أفصح، ويقال بفتحها، وكذا كلُّ فعل مضعَّف إذا دخل عليه الجازم.
قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه وما قيل فيه.
قوله: (وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ... ) إلى آخره: قائلُ ذلك هو شعبة، وهو عند
البُخاريِّ بالسند المتقدِّم: آدم، عن شعبة، عن الأعمش به، وإنَّما أتى بهذا
البُخاريُّ؛ ليذكر لك الطريقَ الأولى أنَّها بالرفع، والثانية بالوقف [1] على ابن
عَبَّاس، وقولُه: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ)؛ يعني: من قول ابن عَبَّاس
موقوفًا لا مرفوعًا، و (مثلَه): مَنْصُوبٌ مفعول [2]، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (بالتوقف)، وهو تحريفٌ.
[2] زيد في (ب): (حدثنا).
[ج 1 ص 850]
(1/6284)
[حديث: إن الشيطان عرض لي فشد علي يقطع
الصلاة علي]
3284# قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّمَ، و (شَبَابَةُ):
هو ابن سوَّار؛ بتشديد الواو، تَقَدَّمَ.
قوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الشيطان، وأنَّه
هو إبليس أو غيره، فإنَّ في بعض طرقه: «إنَّ عدوَّ الله إبليس»، فيحتمل أنَّهما
قضيتان، والأصل عدم التعدُّد، ويحتمل أنَّهما واحدة، وتَقَدَّمَ أنَّه جاءه في
صورة هِرٍّ، والله أعلم.
==========
[ج 1 ص 850]
(1/6285)
[حديث: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان
وله ضراط]
3285# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هو الفِرْيَابيُّ، محدِّث
قَيساريَّة، لا البيكنديُّ، وقد تَقَدَّمَ الفرق بينهما في أوائل هذا التعليق
مُطَوَّلًا، وتَقَدَّمَ (الأَوْزَاعِيُّ)، وأنَّه عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، أبو
عمرو، أحد الأعلام، و (يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح
الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، و (أَبُو سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله
_أو إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحدُ الفقهاء [1] السبعة على قول الأكثر،
و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (فَإِذَا قُضِيَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا الثانية،
وكذا (فَإِذَا ثُوِّبَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وتَقَدَّمَ
(التثويب) هنا: الإقامة.
قوله: (حَتَّى يَخْطِرَ): تَقَدَّمَ، وأنَّ ابن قرقول قال: (بكسر الطاء ضبطناه عن
المتقِنِين، وقد سمعنا من أكثر الرواة: «يخطُر»؛ بضَمِّ الطاء، والكسر هو الوجه في
هذا؛ يعني: يوسوس ... ) إلى أن قال: (وأمَّا بضَمِّ الطاء؛ فمن السلوك والمرور؛
أي: يدنو منه فيمرُّ بين نفسه وبينه، وبهذا فسَّره الشارحون لـ «المُوَطَّأ»
وغيره، وفسَّره الخليل بالأوَّل)، انتهى، وتَقَدَّمَ كلام الجوهريِّ وغيره، والله
أعلم.
(1/6286)
[حديث: كل بني آدم يطعن الشيطان في
جنبيه بإصبعه حين يولد]
3286# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن
نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ):
أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد
الرَّحْمَن بن هرمز، وتَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) أعلاه [1] وبعيدًا مرارًا [2].
قوله: (يَطْعنُ): هو بضَمِّ العين وفتحها، وكذا (ذَهَبَ يَطْعنُ) بهما، وقد
تَقَدَّمَ.
قوله: (غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ): ظاهر الحديث اختصاصُ عيسى بهذا، والذي
ينبغي أن يكون جميعُ الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه [3] كذلك، وقد قال
النَّوويُّ رحمه الله في قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ما من مولود يولد
إلَّا نخسه الشيطان، فيستهلُّ صارخًا من نخسة الشيطان، إلَّا ابنَ مريم وأمَّه»:
هذه فضيلة ظاهرة، فظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمِّه، وأشار القاضي إلى أنَّ جميع
الأنبياء يشاركون فيها، انتهى.
قوله: (فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ): (الحجاب) هنا: المشيمة، قاله شيخنا عن ابن
الجوزيِّ، ونقل شيخنا عن قتادة: أنَّ إبليس لما وُلِد عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم [4]؛ أراد أن يطعن، فجُعِلَ بينهما حجابٌ، فطعن في الحجاب، انتهى.
==========
[1] (أعلاه): ليس في (ب)، وزيد فيها: (أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصح
مرارًا قريبًا).
[2] (مرارًا): ليس في (ب).
[3] في (ب): (وسلامه عليهم أجمعين).
[4] في (ب): (عليه السلام).
[ج 1 ص 850]
(1/6287)
[حديث: الذي أجاره الله على لسان نبيه
عمارًا]
3287# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هذا هو ابن [1] يونس بن أبي إسحاق
السَّبيعيِّ، تَقَدَّمَ، و (الْمُغِيرَة): هو ابن مِقْسَم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ
مُتَرْجَمًا، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ.
قوله: (قَدِمْتُ الشَّأْمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه نطقًا وطولًا وعرضًا في أوَّل
هذا التعليق.
قوله: (قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه عويمر بن
مالك، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن ثعلبة، وقيل غير ذلك، تأخَّر إسلامه، أسلم عَقِب
بدر، فرض له عُمر فألحقه بالبدريِّين؛ لجلالته رضي الله عنه، تُوُفِّيَ سنة (32
هـ)، أخرج له الجماعة، تَقَدَّمَ ببعض ترجمة.
[ج 1 ص 850]
قوله: (أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ
نَبِيِّهِ؟): سيأتي بُعَيدَه؛ يعني: عمَّارًا، قال الدِّمْيَاطيُّ في بابٍ غير هذا
الباب، فنقلته أنا إلى هنا؛ لأنَّه أليق به؛ لأنَّه أوَّل مكان وقع فيه ذلك، وسأذكره
حيث ذكره، بيانُه: قال عمَّار: نزلت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
منزلًا، فأخذت قِربتي ودلوي لأستقي، فقال لي رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم: «أَمَا إنَّه سيأتيك مَن يمنعُك من الماء»، فلمَّا كنت على رأس البئر؛
إذا رجلٌ أسودُ كأنَّه مِرْس، فقال: والله لا يستقي اليوم منها ذَنوبًا واحدًا،
فأخذته وأخذني، فصرعتُه، ثمَّ أخذت حجرًا، فكسرت به أنفه ووجهه، ثمَّ ملأت قِربتي،
فأتيت بها رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: «هل أتاك على الماء
مِن أحد؟»، فقلت: عبدٌ أسودُ، فقال: «ما صنعتَ به؟»، فأخبرتُه، فقال: «أتدري مَن
هو؟»، قلت: لا، قال: «ذاك الشيطان، جاء يمنعك من الماء»، روى ابن سعدٍ هذه
القصَّةَ عن الحسن، انتهى، و (المِرْس)؛ بكسر الميم، وإسكان الراء المُهْمَلَة
[2]: الرجل الشديد العِلَاج، وهو بيِّن المِرْس، وقيل: يجوز أن يكون قاله؛ لقوله
عليه الصَّلاة والسَّلام: «يدعوهم إلى الجنَّة، ويدعونه إلى النار»، أو يكون شهد
له أنَّ الله أجاره من الشيطان، انتهى، قاله شيخنا.
قوله: (عَنِ المُغِيرَة [3]): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه ابن مِقْسَم الضَّبِّيُّ.
(1/6288)
[معلق الليث: الملائكة تتحدث في العنان
بالأمر يكون في الأرض]
3288# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ): هذا تعليق، وقد أسنده في (بَدءِ الخلق) عن سعيد
بن أبي مريم، عن الليث، عن عُبيد الله بن أبي جعفر، عن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن، عن عروة، عن عائشة [1]، وهنا: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ
بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ
عَنْ [2] عُرْوَةُ) به، و (أَبُو الأَسْوَدِ): هو مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المذكور
قُبَيلَه، يتيم عروة، والله أعلم.
قوله: (فِي الْعَنَانِ): هو بفتح العين، تَقَدَّمَ، وهو السَّحابُ، وكذا قاله في
الحديث نفسِه: إنَّه الغمامُ، والذي ظهر لي أنَّه مدرج في الحديث، وهو تفسيرٌ لـ
(العَنان) من بعضِ رواته.
قوله: (فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ [3]): قال ابن قرقول:
(فتَقُرُّها): كذا ضبطه الأصيليُّ بفتح التاء وضمِّ القاف، وعند غيره: بضَمِّ
التاء وكسر القاف، وصوَّب بعضُهم رواية الأصيليِّ، وكلاهما صواب على اختلاف
التفسير، فقيل على ضمِّ القاف: إنَّ معناه: تُردِّدها كما تُرَدِّد الدجاجة
صوتَها، وكذلك على من فسَّره أيضًا: تُصوِّت بها كما تصوِّت الدجاجة؛ يقال منه:
قرَّت الدجاجة تقُرُّ قرًّا؛ إذا قطَّعت صوتها، وقرقرت قرقرة؛ إذا ردَّدته أيضًا،
وكما تُصَوِّت الزجاجة إذا حرَّكتها على شيء، أو كما يتردَّد ما يُصَبُّ في
القارورة في مَدخلها أو جوانبها، وهذا يصحُّ على الضمِّ والكسر في القاف، يقال:
قررتُ الماء في الآنية وأقررتُه؛ إذا [4] صببتَه [5]، قاله ابن القوطيَّة، وقيل:
معنى (تقرُّها): تودعها في أذنه؛ أي: تجعل أذنه لها قرارًا، وعلى هذا رواية من كسر
القاف، من أقرَّ الشيء، وقيل: يقُرُّها؛ بضَمِّ القاف: يسارُّه بها، يقال: قرَّ الخبر
في أذنه يقرُّه قرًّا؛ إذا أودعه إيَّاه سرًّا، و (الدجاجة) و (الزجاجة) روايتان،
وكذلك (تُقِرُّها) و (تَقُرُّها)؛ كلُّها روايات في «الصحيحين»، و (القارورة)
ههنا: الزجاجة، كما في الحديث الآخر، انتهى.
قوله: (فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ): تَقَدَّمَ الكلام على (الكاهن)، وسأذكره أيضًا.
قوله: (كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ): (تُقَرُّ)؛ بضَمِّ أوَّله، وفتح القاف:
مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، كذا هو مضبوط في أصلنا، و (الْقَارُورَةُ):
مرفوعة قائمة مقام الفاعل.
==========
(1/6289)
[1] زيد في (ب): (رضي الله عنها).
[2] (عن): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.
[3] كذا في النُّسخَتَينِ، وهي رواية الحديث (6213)، وفي «اليونينيَّة» و (ق):
(الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ).
[4] زيد في (أ): (إذا)، وهو تكرارٌ.
[5] في (أ): (أصبته)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 851]
(1/6290)
[حديث: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب
أحدكم فليرده ما استطاع]
3289# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن
عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئب، وتَقَدَّمَ (سَعِيدٌ الْمَقْبرِيُّ): أنَّه بضَمِّ
المُوَحَّدة وفتحها.
قوله: (التَّثَاؤُبُ): هو بهمزة مضمومة بعد الثاء المُثَلَّثَة [1]، معروفٌ.
قوله: (فَإِذَا تَثَاءَبَ): هو بهمزة مفتوحة بعد المُثَلَّثَة.
قوله: (إِذَا قَالَ: هَا): هو بفتح الهاء، مقصورٌ، معروفٌ.
قوله: (ضَحِكَ مِنْهُ [2] الشَّيْطَانُ): أي: فرحًا بذلك، وقال الداوديُّ: إن فتح
فاه ولم يَصلْه؛ بصق فيه، وإن قال: هَا؛ ضحك منه، انتهى، وإن لم يكظم؛ دخل في
فِيه، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (بعد التاء والمُثَلَّثَة).
[2] (منه): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).
[ج 1 ص 851]
(1/6291)
[حديث: لما كان يوم أحد هزم المشركون
فصاح إبليس ... ]
3290# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن
أسامة.
قوله: (لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ): يجوز في (يوم) الرفع والنصب، وقد تَقَدَّمَ
متى كانت وقعة أُحُد، وسيأتي أيضًا في مكانه.
قوله: (هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ): (هُزِم)؛ بضَمِّ الهاء، وكسر الزاي: مَبْنيٌّ لِما
لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (المشركون): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
قوله: (فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ): (اجتلدوا)؛ أي: تقاتلوا بالسيوف.
قوله: (بِأَبِيهِ الْيَمَانِ): كذا هو في أصلنا بغير ياء، وقد قَدَّمْتُ أنَّ
الأصحَّ: أنَّه بالياء، وكذا: (العاصي)، و (ابن أبي الموالي)، و (ابن الهادي)،
قاله النَّوويُّ، واسم (اليماني) [1] حِسْل، وقيل: حُسَيْل؛ مُصَغَّر، وحِسْل؛
بكسر الحاء وإسكان السين المُهْمَلَتَين، وحُسَيْل؛ بضَمِّ الحاء وفتح السين
المُهْمَلَتين أيضًا، ثمَّ مُثَنَّاة ساكنة، ثمَّ لام، ابن جابر بن عمرو بن ربيعة
بن جِرْوة؛ بجيم مكسورة، وراء ساكنة، وباقي نسبه معروف، شهد أُحُدًا وبها
استُشْهِد، والذي قتله خطأً هو عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود.
قوله: (بَقِيَّةُ خَيْرٍ): يعني: بقيَّة حُزنٍ على أبيه مِن قتل المسلمين إيَّاه.
(1/6292)
[حديث: هو اختلاس يختلس الشيطان من
صلاة أحدكم]
3291# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ): هو بهمزة مفتوحة، ثمَّ حاء ساكنة،
ثمَّ واو مفتوحة، ثمَّ صاد، مهملتين، واسمه سلَّام _بتشديد اللام_ ابن سُلَيم؛
بضَمِّ السين، وفتح اللام، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (هُوَ اخْتِلاَسٌ): (الاختلاس): اختطاف الشيء بسُرعة وأخذه على سبيل
المخاتلة، وقد تَقَدَّمَ.
==========
[ج 1 ص 851]
(1/6293)
[حديث: الرؤيا الصالحة من الله والحلم
من الشيطان]
3292# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ): اسم هذا عبدُ القُدُّوس بن
الحجَّاج، أبو المغيرة الخولانيُّ الحمصيُّ، عن حَريز [1] بن عثمان، وصفوان بن
عمرو، والأوزاعيِّ، وطائفةٍ كثيرة، وعنه: البُخاريُّ، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق
الكوسج، والدارميُّ، ومُحَمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، وثَّقهُ الدَّارَقُطْنيُّ
وغيره، وقال أبو حاتم: صدوق، قال البُخاريُّ: مات سنة اثنتي عشرة ومئتين، أخرج له
الجماعة، وخُطِّئ مَن أودعه في الضعفاء، له اسم في «الميزان»، لكن لم يذكر فيه
كلامًا، إلَّا أنَّه أنكر على مَن ذكره في الضعفاء، ولم يسمِّه، بل جهَّل مَن ذكره
فيهم.
قوله: (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه عبد الرَّحْمَن
بن عَمرو، أبو عَمرو، عالم أهل الشام، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ):
أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (أَبِي
قَتَادَةَ): الحارث بن رِبْعِيٍّ، وقيل: النُّعمان، أو عَمرو، فارس رسول الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، رضي الله عنه.
قوله: (وَالْحُلمُ مِنَ الشَّيْطَانِ): (الحلم): يقال بإسكان اللام وضمِّها [2].
قوله: (فَإِذَا حَلَمَ): هو بفتح اللام، وقال شيخنا عن ابن التين: قال: وبضمِّها،
من المنام، انتهى، وأمَّا أنا؛ فلم أرَ ذلك، والله أعلم.
قوله: (فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ): تنبيهٌ: أمر رسولُ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم النائم في أحاديثَ إذا رأى ما يكره بخمسة أشياء: أن ينفث عن
يساره، وأن يستعيذ بالله من الشيطان، وألَّا يخبر بها أحدًا، وأن يتحوَّل عن جنبه
الذي كان عليه، وأن يقوم يصلِّي، وذكر شيخنا في (كتاب التعبير) غالب هذه الروايات،
ثمَّ قال: وفي أخرى _أي: في رواية أخرى_ ذكرها الداوديُّ: (أو يقرأ آية الكرسيِّ)،
والله أعلم، انتهى، وأيًّا فعل مِن ذلك؛ أجزأ عنه، والأكملُ فعلُ الكلِّ.
(1/6294)
[حديث: من قال: لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد]
3293# قوله: (عَنْ سُمَيٍّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ السين، وفتح الميم
[1]، وتشديد الياء، بوزن (عُلَيٍّ) المُصَغَّر، وتَقَدَّمَ الكلام على ترجمته،
وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان [2].
قوله: (كَانَتْ لَهُ عدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ): (عدل): بفتح العين وكسرها، تَقَدَّمَ
الكلام عليها، وهما بمعنى: المِثل، وقيل: بالفتح: ما عادله من جنسه، وبالكسر: ما
ليس من جنسه، وقيل بالعكس.
قوله: (وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ): (كُتِبَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ
فاعِلُهُ، و (مئةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا: (وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ
سَيِّئَةٍ).
قوله: (وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا): (الحرز): الحافظ، وهذا مَعْرُوفٌ.
==========
[1] في (ب): (اللام)، والمثبت هو الصَّواب.
[2] زيد في (ب): (السمان).
[ج 1 ص 852]
(1/6295)
[حديث: والذي نفسي بيده ما لقيك
الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك ... ]
3294# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا
هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (صَالِح): أنَّه ابن كيسان، وكذا
تَقَدَّمَ (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.
قوله: (وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ): الظاهر أنَّ هؤلاء أزواجُه
القُرَشيَّات، والله أعلم، وكذا قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين، لكنْ [1] لفظُه:
هنَّ أمَّهات المؤمنين: عائشة، وحفصة، وأمُّ سلمة، وزينب بنت جحش، وغيرُهنَّ،
انتهى.
قوله: (وَيَسْتَكْثِرْنَهُ [2]): أي: يُكثِرْنَ عليه السؤالَ والكلام؛ أي:
يَطْلُبْنَ منه استخراجَ الكثير منه [3] أو من الحوائج، وقال شيخنا: يطلُبْنَ منه
كثيرًا من كلامه وجوابه، ويحتمل أن يكون من العطاء، ويؤيِّده أنَّه ورد: أنَّهن
يُرِدْنَ النفقة، انتهى.
قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ): وفي (مناقب عمر): (عالية أصواتهنَّ على صوته)،
قال النَّوويُّ رحمه الله: قال القاضي _يعني: عياضًا_ يحتمل أنَّ هذا كان قبل
النهي عن رفع الصوت فوق صوته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ويحتمل أنَّ علوَّ
أصواتهنَّ إنَّما كان باجتماعهنَّ، لا أنَّ كلام كلِّ واحدةٍ بانفرادِه أعلى من صوته
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى، قال شيخنا: أو يكون فيهنَّ مَن هي جهيرة
الصوت؛ كنُعيم النَّحَّام، ويحتمل أنَّهنَّ لمَّا عَلِمْن عفوَه وصفحه؛ تسمَّحنَ
في رفع الصوت، انتهى.
وقول شيخنا: (كنُعَيمٍ النَّحَّام): كذا قال، والذي أعرفه أنا بجهر الصوت إنَّما
هو ثابت بن قيس بن شمَّاس الأنصاريُّ رضي الله عنه.
قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ): (عاليةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن حال، و
(أصواتُهنَّ): مَرْفُوعٌ، وهذا مَعْرُوفٌ.
قوله: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ): هما بمعنى شدَّة الخُلُق، وخشونة الجانب، ولم
يأتِ (أفعل) هنا للمفاضلة [4] بينه وبين النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم،
بل بمعنى: أنت فظٌّ غليظٌ، أو يكون للمفاضلة بينهما فيما يجب من الإنكار والخشونة
على أهل الباطل؛ كما قال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فيكون عند
عمرَ [5] زيادةٌ في غير هذا من الأمور، فيكون أغلظَ بهذا على الجملة، لا على
التفصيل فيما يُحمَد من ذلك، والله أعلم.
(1/6296)
قوله: (سَالِكًا فَجًّا): (الفجُّ): الطريق المتَّسعة، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكلام القاضي عياض، وها أنا أذكر لك ذلك: إذا كان هذا حال الشيطان معه في الطريق الواسعة: أنَّه لا يسلكها لسلوكه، فكيف بالضيِّقة؟! وقال القاضي: يحتمل أنَّه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائِه من عمر، وأنَّه لا سبيل له عليه؛ أي: إنَّك إذا سلكت في أمرٍ بمعروف أو نهي عن منكرٍ؛ ينفذ فيه ولا يتركه [6]، فييئس الشيطان من أن يوسوس فيه، فيتركه ويسلك غيره، وليس المراد به الطريقَ على الحقيقة؛ لأنَّ الله تعالى قال: {يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، فلا يخافه أذًى يصيبه في فجٍّ؛ لأنَّه لا يراه، انتهى.
(1/6297)
[حديث: إذا استيقظ أحدكم من منامه
فتوضأ فليستنثر ثلاثًا]
3295# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (حَازمًا) بالحاء
المُهْمَلَة، واسم (ابن أبي حَازم) عبدُ العزيز بن أبي حَازم المدنيُّ، مولى بني
مخزوم، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»،
ليَّنه [1] ابن سيِّدِ النَّاسِ اليعمريُّ خطيب تونس جدُّ الحافظ فتح الدين، ومِن
قَبْلِه العُقيليُّ، والله أعلم، و (يَزِيد) بعده: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة
بن الهادي، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان».
قوله: (فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا): تَقَدَّمَ الكلام على (الاستنثار)، وأنَّه غير
الاستنشاق، و (الاستنثار): إخراج الماء بالنَّفَس من الأنف.
قوله: (عَلَى خَيْشُومِهِ): هو بفتح الخاء المُعْجَمَة، وإسكان المُثَنَّاة تحت،
ثمَّ شين معجمة مضمومة، ثمَّ هاء الضمير؛ وهو أقصى الأنف.
==========
[1] في (ب): (لقبه)، وهو تحريف.
(1/6298)
[باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم]
قوله: (ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ): اعلم أنَّ (الجنَّ) ولدُ
إبليسَ، والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب، واختُلِف في دخولهم الجنَّة،
والعُمومات تقتضي دخولهم، وبه قال الشَّافِعيُّ وغيره، وأمَّا أبو حنيفة؛ فعنه
روايتان؛ الأولى: التردُّد، وقال: لا أدري أين مصيرهم؟ الثانية: يصيرون يوم
القيامة ترابًا، ومنهم كافر ومؤمن، ويموتون، والشياطين ليسوا منهم بمؤمنين، ولا
يموتون إلَّا مع إبليس، والله أعلم، ويُروَى عن وهب بن مُنَبِّه أنَّه قال: الجنُّ
أجناس؛ فخالص الجنِّ لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، ومنهم من يأكل، ويشرب،
وينكح، ويُولَد له، ومِن هذا: الغِيلان، والسعالي، والقطاربة، ذكر ذلك المحبُّ
الطَّبَريُّ عن وهب، انتهى.
وقد اختُلِف؛ هل يأكلون حقيقة أم لا؟ فزعم بعضهم: أنَّهم يتغذَّون بالشمِّ، ويردُّ
هذا ما في الحديث: «يصير العظم كأوفر ما كان لحمًا، والروث لدوابِّهم»، ولا يصير
كذلك إلَّا للأكل حقيقة، وهو المرجَّح عند جماعة العلماء، ومنهم من قال: هم
طائفتان؛ طائفة تشمُّ، وطائفة تأكل.
مطلب: الجنُّ أيدخلون الجنَّة؟ [1]
(1/6299)
قوله [2] تعالى: ({يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [3]} [الأنعام: 130]): اعلم أنَّ ظاهر هذه الآية أنَّ من الجنِّ رُسُلًا، وهذه المسألة فيها خلافٌ، قيل: بعث الله رسولًا واحدًا من الجنِّ اسمه يوسف، وقيل: رسل الجنِّ هم رسل الإنس، فهم رسل الله بواسطة؛ إذ هم رُسُلُ [4] رُسُلِه، ويؤيِّده قوله: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29]، قاله ابن عَبَّاس والضَّحَّاك، ورُوِيَ: أنَّ قومًا من الجنِّ استمعوا إلى الأنبياء، ثمَّ عادوا إلى قومهم فأخبروهم كما جرى لهم مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقال لهم: (رسل الله) وإن لم يكونوا رسلَه حقيقةً، وعلى هذين القولين يكون الضمير عائدًا إلى الجنِّ والإنس، وقد تعلَّق قوم بهذا الظاهر فقالوا: بعث الله إلى الجنِّ رُسُلًا منهم، ولم يفرِّقوا بين مكلَّفين ومكلَّفين إلى أن يُبعَث إليهم رسولٌ من جنسهم؛ لأنَّهم به آنسُ وآلفُ، وقال مجاهد، والضَّحَّاك، وابن جُرَيجٍ، والجمهور: الرسل من الإنس دون الجنِّ، ولكن لمَّا كان النداء لهما والتوبيخُ معًا؛ جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوُّز المعهود في كلام العرب؛ تغليبًا للإنس؛ لشرفهم، وتأوَّله الفرَّاء على حذف مضاف؛ أي: مِن أحدكم؛ كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَن: 22]: أي: مِن أحدهما، وهو الملح، وكقوله: {جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16]: أي: في إحداهنَّ، وهي سماء الدنيا، {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيَّام مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]: أراد بالذكر: التكبير، والأيَّام المعلومات: العَشْر؛ أي: في أحد أيَّام العشر؛ وهو يوم النحر، وقال الكلبيُّ: كانت الرسل يُبعَثون إلى الإنس، وبُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الجنِّ والإنس، ورُويَ هذا أيضًا عن ابن عَبَّاس، وقال بعض المفسِّرين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: 34]: إنَّه يوسف هذا الذي بعثه الله إلى الجنِّ، وقيل: إنَّه غيره، وفي «البزَّار» في «مسنده» عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «كان النَّبيُّ يُبعَث [5] إلى قومه، وبُعِثتُ إلى الجنِّ والإنس»، وسيأتي [6] قريبًا جدًّا بقيَّةٌ منه.
(1/6300)
فائدةٌ: سمعت شيخنا العلَّامة الحافظ
شيخ مذهب الشَّافِعيِّ بالبلاد الإسلاميَّة أبا حفص البُلْقينيَّ حين ذكر ما
يتعلَّق بالجنِّ، فقال: هل يدخلون الجنَّة أم لا؟ ورجَّح أنَّهم [7] يدخلون، ثمَّ
نقل عن الحارث بن أسد المحاسبيِّ: أنَّهم يدخلون الجنَّة ويكونون في أسفلها،
وأنَّنا نراهم ولا يروننا، عكس الدنيا، والله أعلم، ورأيت أنا في «تذكرة
القرطبيِّ» في (باب ما جاء أنَّ للجنَّة رَبَضًا وريحًا وكلامًا) عن الزُّهْرِيِّ،
والكلبيِّ، ومجاهد: أنَّ مؤمني الجنِّ حول الجنَّة في رُبض ورحاب، وليسوا فيها،
انتهى.
ورأيت في فتوى سُئِل عنها أبو العَبَّاس ابن تيمية، وفيها ما لفظه: ورُويَ في حديث
رواه الطَّبَرانيُّ: أنَّهم _يعني: الجانَّ المؤمنين_ يكونون في رَبَض الجنَّة،
يراهم الإنس من حيث لا يرونهم، قال: وذهب أبو حنيفة _فيما نُقِلَ عنه_ إلى أنَّ
المطيعين منهم يصيرون كالبهائم، ويكون ثوابهم النجاةَ من النار، قال: وهل فيهم رسل
أم ليس فيهم إلا نُذُر؟ على قولين؛ فقيل: منهم رسل؛ لقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}، وقيل: الرسل من الإنس
خاصَّةً، والجنُّ فيهم النُّذُر، وهذا أشهر ... إلى أن قال: وأمَّا التكليف بالأمر
والنهي، والتحليل والتحريم؛ فدلائله كثيرةٌ ... إلى أن قال: وما [8] في الأحاديث
والآثار [مِن] كونِ الجنِّ يحجُّون، ويصلُّون، ويجاهدون، وأنَّهم يُعاقَبُون على
الذنب؛ كثيرٌ [9] جدًّا ... إلى آخر كلامه.
(1/6301)
قوله: (وَأُمَّهَاتُهُنَّ [10] بَنَاتُ
سَرَوَاتِ الْجِنِّ): (السَّرَوات)؛ بفتح السين والراء: السَّادات والأشراف، و
(سَرَوات): جمع (سراة)، وسراة: جمع (سريٍّ)، وللسُّهيليِّ في «روضه» في قول الناس:
(سَرَاةُ الناس: واحدهم: سَرِيٌّ)، فأنكر أن يكون (سريٌّ) مفرد (سراة)، لا على
قياس ولا غيره، قال: والعجب كيف خَفِيَ هذا على النَّحْويِّين، قلَّد الخالف منهم
السالف، فقالوا: سراة: جمع (سريٍّ)، ويا سبحان الله! كيف يكون جمعًا له وهم يقولون
في جمع سراة: سروات؛ مثل: قَطَاة وقَطَوات؟! يقال: هؤلاء من سَرَوات الناس، كما
يقال: من رؤوس الناس، وأنشد بيتًا لقيس بن الخَطيم، ثمَّ قال: ولو كان السراة
جمعًا؛ ما جُمِع؛ لأنَّه على وزن (فَعَلة)، ومثل هذا البناء في الجموع لا يُجمَع، وإنَّما
(سريٌّ): (فعيل)، من السُّرُوِّ؛ وهو الشرف، وإن جُمِع على لفظه؛ مثل: سريٍّ
وأسرياء؛ مثل: غنيٍّ وأغنياء، ولكنَّه قليل وجوده، وقلَّة وجوده لا تدفع القياسَ
فيه، وقد حكاه سيبويه.
قوله: (سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ): (تُحضَر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ بضَمِّ
التاء، وفتح الضاد، وهذا ظاهِرٌ، ويُعرَف من قوله: {مُحْضَرُونَ} [يس: 75]؛ لأنَّه
اسم مفعول، ولكنَّ الخشية ممَّن لا يعرف.
==========
[1] جاء هذا العنوان في هامش (أ) بخطٍّ مغاير.
[2] زيد في (ب): (قوله)، وهو تكرارٌ.
[3] {مِنْكُمْ}: ليس في (ب).
[4] (رسل): سقط من (ب).
[5] في (ب): (يبعثه).
[6] (وسيأتي): سقط من (أ).
[7] في (أ): (أنَّه).
[8] في النُّسختين: (وأما)، وهو تحريف.
[9] في (ب): (كثيرة)، وهي في (أ) محتملة للمثبت.
[10] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»:
(وأمهاتهم).
[ج 1 ص 853]
(1/6302)
[حديث: إني أراك تحب الغنم والبادية
فإذا كنت في غنمك ... ]
3296# قوله: (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعد بن
مالك بن سنان الخُدْرِيُّ، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته رضي الله عنه.
[ج 1 ص 853]
قوله: (مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ): هو بفتح الميم، مقصورٌ، وهو غايته ومنتهاه،
ووقع للقابسيِّ وأبي ذرٍّ في (كتاب التوحيد): (نداء [1] صوت المؤذن)، والأوَّل
أعرف، وقد تَقَدَّمَ.
==========
[1] في (ب): (مداء)، وهو تحريفٌ.
(1/6303)
[وقول الله جل وعز: {وإذ صرفنا إليك
نفرًا من الجن}]
قوله: ({وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29]): اعلم
أنَّ الذين وُجِّهُوا من الجنِّ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
كانوا من جنِّ نَصِيبِينَ الجزيرةِ، وفي «تفسير عَبْد بن حُمَيدٍ»: أنَّهم من
نينَوى، وافَوه بنخلةَ، وقيل: بشعب الحجون، انتهى، وكانوا سبعةً، وقد ذكر شيخنا عن
ابن التين: أنَّهم كانوا تسعةً، انتهى.
وقد ذُكِروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات؛ وهم: شاصر، وماصر، ومنشي، وماشي،
والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، وسُرَّق، ذكره أبو عليٍّ الغسانيُّ في
(مناقب عمر بن عبد العزيز)، وعمرو بن جابر، ذكروه أيضًا.
فائدةٌ: لم يُذكَر في الصَّحَابة من هؤلاء السبعة إلَّا عمرُو بن جابر، قال
الذَّهَبيُّ في «تجريده»: عمرو بن جابر: هو الحيَّة التي كفَّنها [1] ودفنها صفوان
بن المعطَّل بالعَرْج، انتهى، وقصَّته في «المسند» لأحمد ابن حنبل من حديث صفوان
بن المعطَّل، والظاهر من القصَّة أنَّ الذي كفَّنها غير صفوان، انتهى.
وقد رأيت في «الغيلانيَّات» في أوائل الجزء السابع منها حديثًا عن مَنُوس عن سمحج
[2]؛ وهو من الجن الذين وفدوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم،
وسمَّاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عبدَ الله، وفي «موضوعات ابن
الجوزيِّ» في (باب تعبُّد إبليس) حديثٌ وفيه: «امرأة من الجنِّ يقال لها: فارعة»،
ثمَّ ذكره من طريق آخرَ اسمها: عفراء بنت الرجل الصالح، وظاهره أنَّها صحابيَّة،
ولكنَّ الحديثَ موضوعٌ، ولو صحَّ؛ لعُدَّت في الصَّحَابة، ولم أرَ أحدًا ذكرها في
الصَّحَابة ولا عفراء، والله أعلم، وذكر حديثها من طريق آخرَ، وسمَّاها فيه:
الفارعة بنت المستورد.
وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «الصَّحَابة»: عَمرًا الجنيَّ، قيل: إنَّه عَمرو بن طارق،
روى عنه عثمان بن صالح المصريُّ، أوردناه اقتداءً بأبي موسى، ذكر في ليلةِ الجنِّ
في حديث ابن مسعود (س)؛ يعني: ذكره أبو موسى، وظاهر هذا أن يكون مِن الذين استمعوا
القرآنَ، فيكونون تسعةً على هذا، وعلى ما ذكرهم ابن التين كما تَقَدَّمَ.
(1/6304)
وقد ذكر الذَّهَبيُّ أيضًا في «تجريده»
شخصًا آخرَ اسمه مالك بن مالك، من هواتف الجانِّ الذي ارتجز في ظهور النَّبيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إن صحَّ سنده (س)؛ يعني: ذكره أبو موسى، وذكر أيضًا
زوبعةَ، من الذين استمعوا القرآن، فعلى صحَّة هذا يكون زوبعةُ لقبًا [3] لواحد من
المستمعين، قال ابن الأثير في «الأُسْد»: والعجب أنَّهم يذكرون الجنَّ في
الصَّحَابة، ولا يذكرون جبريل ولا ميكائيل، وتعقَّبه الذَّهَبيُّ فقال: لأنَّ
الجنَّ آمنوا برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهو مرسلٌ إليهم،
والملائكة ليسوا كذلك، بل ينزلون بالرسالة إلى رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين، انتهى، وهذا يتمشَّى بأنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما
أُرسِل إلى الملائكة، وقد رأيتُ بعضَهم ينقل عن العلَّامة أبي الحسن عليِّ بن عبد
الكافي السُّبكيِّ: أنَّه أُرسِل إليهم، وقد ذكر الذَّهَبيُّ جِنِّيًّا آخرَ اسمه
عبد النور وغيرَه، وقد قَدَّمْتُ ذكرهم في (الصلاة).
قوله: ({مَصْرِفًا} [الكهف: 53]): هو بفتح الميم، وكسر الراء، و (مَعْدِلًا) كذلك؛
بفتح الميم، وكسر الدال.
(1/6305)
[باب قول الله تعالى: {وبث فيها من كل
دابة}]
قوله: (الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ): فائدةٌ: في
«كفاية المتحفِّظ»: من أسماء الحيَّة: الأَيْم، والأرقم، والصِّلُّ، والأصلة [1]،
والحُبَاب، والثعبان: ما عَظُم من الحيَّات، والحُفَاث: حيَّة تنفخ ولا تؤذي،
والأُفعوان: الذَّكَر من الأفاعي، قال الزمخشريُّ: أبو حيَّان وأبو يحيى كنية
الأُفعوان؛ لأنَّه يعيش ألفَ سنة، قال المبرِّد في «الكامل»: الحيَّة تقع على
الذَّكَر والأنثى، فإن أردت التمييز؛ قلت: هذا حيَّة؛ للذَّكَر، وهذه حيَّة؛
للأنثى، والحَنَش: الحيَّة العظيمة، والعِرْبدُّ: حيَّة عظيمة تنفخ ولا تؤذي، قال
شيخنا عن ابن خالويه _يعني: في كتاب «ليس» _: إنَّه عدَّدها _يعني: الأجناس_ نحو سبعين
اسمًا، انتهى.
قوله: (وَالأَسَاوِدُ): هو بفتح الهمزة، وبالسين، وبعد الألف واو مكسورة، ثمَّ
دال، مهملتين، جمع (أَسْوَد)؛ وهو العظيم من الحيَّات، وفيه سواد، والجمع:
أَساوِد، كما تَقَدَّمَ؛ لأنَّه اسمٌ، ولو كان صفةً؛ لجُمِع على (فُعْل)، ويقال:
أسودُ سالِخٌ؛ غيرَ مضافٍ؛ لأنَّه [2] يسلخ جلده كلَّ عام، والأنثى: أسوَدَة، ولا
توصف بـ (سالخة).
قوله: (فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ): (مِلكه): بكسر الميم في أصلنا ليس غير، ثمَّ
كُتِبَت بعد ذلك نسخةٌ في الهامش: (مُلكِه)؛ بضَمِّ الميم بالقلم، وقد رأيتها كذلك
في نسخة أخرى، وكلٌّ منهما له معنًى، ولكنَّ معنى الكسر أظهر؛ لقوله: {آخِذٌ
بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56].
قوله: ({صَافَّاتٍ} [النور: 41]: بُسْطٌ [3] أَجْنِحَتهُنَّ): (بُسْط): بضَمِّ
المُوَحَّدة، وإسكان السين وبالطاء المُهْمَلَتين، و (أجنحتهنَّ): بالنصب وبالرفع،
وفي نسخة صحيحةٍ: (بُسْطٌ): مضموم الباء، ساكن السين [4]، مُنَوَّن، و (بَسْطُ):
مفتوح الباء، ساكن السين، مضموم الطاء، غير مُنَوَّن، و (أجنحتَهنَّ): مَنْصُوبٌ
بالقلم مع ذلك، وفي كونه مفتوحَ الباء، ساكنَ الطاء [5]، الأجنحة: منصوبة؛ فيه
نظرٌ، وينبغي أن تكون (الأجنحة) مجرورةً بالإضافة، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (والأصيلة).
[2] في النُّسخَتَينِ: (لا)، وهو تحريفٌ.
[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (بُسُطٌ)؛ بضمِّ السين.
[4] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعلَّه: مضموم الباء والسين؛ كما هي رواية
«اليونينيَّة».
[5] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعلَّها: (السين).
(1/6306)
[ج 1 ص 854]
(1/6307)
[حديث: اقتلوا الحيات واقتلوا ذا
الطفيتين والأبتر]
3297# 3298# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ، و
(هِشَامٌ) بعده: هو ابن يوسف الصنعانيُّ القاضي، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَرٌ):
تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، وإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ):
مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، العالم المشهور، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ): (الطُّفْيَة): بضَمِّ الطاء، ثمَّ فاء ساكنة، ثمَّ
مُثَنَّاة تحت مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث؛ ومعنى (ذي الطُّفْيَتَين): ذي الخطَّين
على ظهره، و (الطُّفْيَة): خَوَصُ المُقَل، شبَّهها بذلك، وقيل: الطُّفْيَتان:
نُقطَتان.
تنبيهٌ: إنَّما أمر بقتل ذي الطُّفْيَتَين [1] والأبترِ؛ لأنَّ الجنَّ لا تتمثَّل
بهما، ولهذا أدخل البُخاريُّ حديثَ ابن عمر [2] في الباب، ونهى عن قتل ذوات
البيوت؛ لأنَّ الجنَّ تتمثَّل بها، قاله الداوديُّ كما نقله شيخنا.
قوله: (وَالأَبْتَرَ): (الأبتر): القصير الذَّنب، وقال النَّضْر: هو صنف من
الحيَّات أزرقُ مقطوع الذَّنَب، لا تنظر إليه حاملٌ إلَّا أسقطت، انتهى، وقد
تَقَدَّمَ التنبيه أعلاه على قتلهما ما الحكمة فيه.
[ج 1 ص 854]
قوله: (يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ): فيه تأويلان؛ أحدهما: يخطَفان البصر ويطمسانه
بمجرَّد نظرهما إليه بخاصَّة جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان،
الثاني: أنَّهما يقصدان البصرَ باللسع والنهش، والأوَّل أصحُّ وأشهر، ويؤيِّده
رواية: (يخطَفان البصر)، و (يلتمعان البصر)، وكلاهما في «صحيح مسلم».
قوله: (ويُسْقِطَانِ [3] الْحَبَلَ): (يُسقط): رُباعيٌّ مضموم الأوَّل في
المستقبل.
قوله: (فَنَادَانِي أَبُو لُبابةَ [4]): قال الدِّمْيَاطيُّ: واسمه بَشِير بن عبد
المنذر بن رفاعة بن زَنْبر، ردَّه رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من
الرَّوحاء [5] حين خرج إلى بدرٍ، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره،
تُوُفِّيَ بعد قتل عثمان، وله عَقِبٌ، وأخوه مبشِّر شهد بدرًا، وقُتِل بها،
وأخوهما رفاعة شهد العقبة وأُحُدًا، وقُتِل بها، وليس له عَقِب، ذكره ابن سعد في
«الطبقات»، انتهى.
(1/6308)
وقيل: اسم أبي لبابة رفاعة، وقال بعضهم
في ترجمة أبي لبابة: بدريٌّ جليل، ويقال: ردَّه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم حين خرج إلى بدر من الرَّوحاء، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه
وأجره، فكان كَمَن شهدها، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، مات في خلافة عليٍّ، وقيل:
بعد الخمسين، انتهى، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وقال أبو
عمر في (الأسماء)، وفي (الكنى): إنَّه شهد بدرًا، وعقَّبه بكلام ابن إسحاق: أنَّه
رُدَّ، وكذا أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»، وفي أوَّل (غزوة بدر) قال: إنَّه
خلَّفَه على المدينة.
قوله: (إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ؛ وَهْيَ
الْعَوَامِرُ): اعلم أنَّه لا تُقتَل حيَّات المدينة المشرَّفة إلَّا بإنذار، كما
جاء في «صحيح مسلم»: «فإذا رأيتم منها شيئًا؛ فآذِنوه ثلاثةَ أيَّام، فإن بدا لكم
بعد ذلك؛ فاقتلوه، فإنَّما هو شيطان»، وأمَّا حيَّات غير مدينته عليه الصَّلاة
والسَّلام في جميع الأرض، والبيوت، والدُّور؛ فيندب قتلها من غير إنذار _وسيأتي
كيفيَّة الإنذار_ لعموم الأحاديث بقتلها، وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم
الأحاديث في حيَّات البيوت بكلِّ بلد حتَّى يُنذَروا، وأمَّا ما ليس في البيوت؛
فيُقتَل من غير إنذارٍ، وما وُجِد في المساجد يُقتَل، قاله مالكٌ، وقال بعض
العلماء: الأمر بقتل الحيَّات مطلقًا مخصوصٌ بالنهي عن حيَّات البيوت إلَّا الأبتر
وذا الطُّفْيَتَين؛ فإنَّهما يُقتَلان على كلِّ حالٍ، سواء كانا في البيوت أو في
غيرها، وإلَّا ما ظهر بعد الإنذار.
فائدةٌ: صفة الإنذار ما رواه ابن حَبِيب عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم: «أَنْشُدُكُنَّ بالعهد الذي أخذ عليكم سليمانُ بن داودَ أن [6] تؤذونا،
وأن [7] تظهرنَ لنا»، وقال مالكٌ: يكفيه أن يقولَ: أُحَرِّج عليكم بالله واليوم
الآخر أن تبدوَ لنا ولا تؤذينا [8]، ولعلَّ مالكًا أخذ لفظ التحريج ممَّا وقع في
«صحيح مسلم»: «فحرِّجوا عليها ثلاثًا»، والله أعلم.
تنبيهٌ: في «أبي داود» من حديث عائشة رضي الله عنها: «اقتلوا الحيَّاتِ كلَّهن،
فمَن تركهنَّ خيفةَ ثأرِهِنَّ؛ فليس منِّي»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «ما
سالمناهُنَّ منذ حاربناهنَّ».
(1/6309)
تنبيهٌ ثانٍ: عن ابن عَبَّاس [9]: سبب
العداوة بيننا وبين الحيَّة _فيما ذكر الطَّبَريُّ من حديث أبي صالحٍ وليثٍ عن
طاووس عنه_ أنَّ عدوَّ الله إبليس عرض نفسه على دوابِّ الأرض أنَّها تحمله حتَّى
يدخل الجنَّة، فكلُّ الدوابِّ أباه، حتَّى كلَّم الحيَّة، فقال لها: أمنعك من بني
آدم، وأنتِ في ذمَّتي إن أنتِ أدخلتني إليه، فأدخلته، قال ابن عَبَّاس: اقتلوها
حيث وجدتموها، أخفِروا ذمَّة عدوِّ الله، نقله شيخنا.
3299# قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بميمين
مفتوحتين، وبينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتعليق عبد الرزَّاق هذا أخرجه
مسلمٌ في (الحيوان) عن عَبْد بن حُمَيدٍ، عن عبد الرزَّاق، عن مَعْمَر به.
قوله: (وَتَابَعَهُ يُونُسُ [10] وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ
وَالزُّبَيْدِيُّ [11]): يعني: أنَّ هؤلاء تابعوا مَعْمَرًا في الرواية عن
الزُّهْرِيِّ على الشكِّ في الذي رأى ابنَ عمر؛ أهو أبو لبابة أو زيد بن
الخَطَّاب؟ أمَّا (يونس)؛ فهو ابن يزيد، ومتابعته أخرجها ابن ماجه في (الطبِّ) عن
أحمد بن عمرو بن السَّرح، عن ابن وهب، عن يونس به، دون القصَّة، ومتابعة ابن
عُيَيْنَة أخرجها مسلمٌ في (الحيَوَان) عن عمرٍو الناقد عن سفيان بن عُيَيْنَة،
ومتابعة إسحاق الكلبيِّ عن الزُّهْرِيِّ ليست في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما
هنا، ومتابعة الزبيديِّ أخرجها مسلم، وقال شيخنا ما لفظه: ومتابعة يونس فمَن بعده
أخرجها مسلمٌ أيضًا، كذا قال، وإسحاق لم يخرِّج له أحد من أصحاب الكُتُب السِّتَّة
لا أصلًا ولا غيرَه إلَّا ما عَلَّقَ له البُخاريُّ، والله أعلم.
و (إسحاقُ الكلبيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه إسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبيُّ الحمصيُّ،
ويُعرَف بالعوضيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، وعنه يحيى الوحاظيُّ، لا يُعرَف، وقيل: إنَّه
قتل أباه، استشهد به البُخاريُّ، و (الزبيديُّ): قال الدِّمْيَاطيُّ [12]:
مُحَمَّد بن الوليد، أبو الوليد، انتهى، وهذا مَعْرُوفٌ، وقد تَقَدَّمَ.
وأمَّا (زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ)؛ فهو أخو عُمر، رضي الله عنهما، كان بائن الطول،
أسلم قبل عُمر، وقُتِل باليمامة سنة (12 هـ) في خلافة الصِّدِّيق، وحزن عليه عُمر
رضي الله عنه حُزنًا كبيرًا [13]، وكان يقول: أسلم قبلي، واستُشهِد قبلي، أخرج له
مسلم وأبو داود، مناقبه معروفة، و (أبو لبابة): تَقَدَّمَ قُبَيلَه.
(1/6310)
قوله: (وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي
حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى أن قال: (رَآنِي أَبُو
لُبابةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ): أمَّا (صالح)؛ فهو ابن كيسان، وتعليق صالحٍ
أخرجه مسلم في (الحَيَوَان) عن الحسن بن عليٍّ الحلوانيِّ، عن يعقوب بن إبراهيم بن
سعد، عن أبيه، عن صالح به، وفيه قصَّة أبي لبابة وزيد بن الخَطَّاب، و (ابن أبي
حفصة): مُحَمَّد بن [14] ميسرة، أبو سلمة البصريُّ، عن الزُّهْرِيِّ، وأبي جمرة
الضُّبَعِيِّ، وقتادة، وجماعةٍ، وعنه: الثَّوْريُّ، وإبراهيم بن طهمان، وابن
المبارك، وجماعةٌ، وثَّقهُ أبو داود، وقال عَبَّاس عن ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن
أبي خيثمة عن ابن معين: صالح، وقال ابن معين مَرَّةً: ضعيف، ومرَّة: ليس بالقويِّ،
وضعَّفه النَّسائيُّ، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، وله ترجمة في
«الميزان»، وتعليق ابن أبي حفصة لم أرَه في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما
هنا، وقال شيخنا: وكذا مَن بعدَه من قول صالح فمَن بعده أخرجه أيضًا؛ يعني: مسلمًا،
ولم أرَ أنا تعليق ابن أبي حفصة في «مسلم»، وقد راجعت نسخة عندي بـ «مسلم» [15]
صحيحةً، فلم أرَه فيها.
وأمَّا (ابن مُجمِّع)؛ فهو بضَمِّ الميم الأولى، وكسر الثانية مع تشديدها، واسمه
إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع الأنصاريُّ المدنيُّ، أبو إسحاق، عن سالم بن عبد
الله، ومُحَمَّد بن كعب، وعَمرو بن دينار، والزُّهْرِيِّ، وطائفةٍ، وعنه: عبد
العزيز بن أبي حَازم، والدراورديُّ، وأبو نعيم، وآخرون، قال ابن معين: ليس بشيء،
وقال أبو زرعة: سمعت أبا نعيم يقول: لا يسوى فَلْسَين [16]، وقال النَّسائيُّ
وغيره: ضعيف، له ترجمة في «الميزان»، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له ابن ماجه،
وتعليق ابن مُجمِّع لم أرَه في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يذكره
المِزِّيُّ في مكانه عن الزُّهْرِيِّ، وقد تَقَدَّمَ كلامُ شيخِنا أنَّ مسلمًا
أخرجه، ولم أرَه أنا.
==========
[1] في (ب): (الطفيفتين)، وهو تحريفٌ.
[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (ويستسقطان).
(1/6311)
[4] في هامش (ق): (واسمه بشير بن عبد
المنذر بن رفاعة بن زنبر بن أمية، ردَّه رسول الله من الروحاء حين خرج إلى بدر،
واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، توفي بعد قتل عثمان، وله عقبٌ، وأخوه
مبشر شهد بدرًا، وقُتل بها، وأخوهما رفاعة شهد العقبة وبدرًا وأُحُدًا وقُتل بها،
وليس له عقبٌ، ذكره ابن سعد في «الطبقات»).
[5] في (ب): (الرحاء)، وهو تحريفٌ.
[6] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعله: (ألَّا).
[7] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعله: (وألَّا).
[8] في (ب): (تؤذونا).
[9] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[10] زيد في (ب): «في الرواية عن الزهري»، ولعلَّه سبق نظرٍ، وفي هامش (ق):
(«معمر. فائد: يونس ومن بعده ... إلى قوله: «وابن مُجمِّع»: الكلُّ من أصحاب الزهري).
[11] وفي هامش (ق): (مُحَمَّد بن الوليد أبو الهذيل).
[12] (قال الدمياطي): سقط من (ب).
[13] في (ب): (كثيرًا).
[14] زيد في (ب): (أبي)، وليس بصحيحٍ.
[15] في (ب): (لـ «مسلم»).
[16] كذا في النُّسخ، والذي في التَّراجم: (لا يسوى حديثه فلسين).
(1/6312)
[باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف
الجبال]
قوله في التبويب: (شَعَفَ الْجِبَالِ)، وكذا في الحديث: بفتح الشين المُعْجَمَة،
والعين المُهْمَلَة، وبالفاء، وقال ابن قرقول: بفتح السين؛ يعني: المُهْمَلَة [1]،
وبالعين المُهْمَلَة، وبالفاء، ذكره في (السين والعين المُهْمَلَتين)، وقال: هذا
هو المشهور، وهي رؤوسها وأعاليها، وكذا لابن القاسم، ومطرِّف، والقعنبيِّ، وابن
بُكَيْر، وكافِّة الرواة عن يحيى بن يحيى، فإنَّهم رَوَوه: (شعب الجبال)؛ بالباء،
والمعنى متقاربٌ، قلت: روايتنا عن يحيى: (سعف الجبال)، قال القاضي: واختلف رواة يحيى
في ضبطه بضَمِّ الشين وفتح العين؛ أي: أطرافها ونواحيها، وما انفرج منها، والشعبة:
ما انفرج بين الجبلَين؛ وهو الفجُّ، وعن ابن المُرابِط: بفتح الشين: (شَعب)، وهو
وَهَمٌ، وعند الطرابلسيِّ: (سَعَف)؛ بالسين المُهْمَلَة المفتوحة، وهو أيضًا
بعيدٌ، وإنَّما هو جرائدُ
[ج 1 ص 855]
النخلِ، ورواه ابن القاسم: (شَعَف)، كما تَقَدَّمَ، وذكره أيضًا في (شعف)؛ بالشين
المُعْجَمَة مع [2] العين، فقال: (شعف الجبال): رؤوسها وأطرافها، وأشار إليه في
الاختلاف في المُعْجَمَة، وأنَّه تَقَدَّمَ في المُهْمَلَة، وأمَّا ابن الأثير؛
فإنَّه ذكر «أَوْ رجل في شعفة من الشعاف» في (الشين المُعْجَمَة، والعين
المُهْمَلَة)، ولم يذكره في غيرها، وقال: شعفة كلِّ شيء: أعلاه، وجمعها: شِعَاف؛
يريد به: رأس جبل من الجبال، ومنه قيل لأعلى الرأس: شعفة.
==========
[1] (يعني: المهملة): ليس في (ب).
[2] زيد في (ب): (فتح).
(1/6313)
[حديث: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم
يتبع بها شعف الجبال]
3300# قوله: (يُوشِكُ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: يقرب ويسرع، وأنَّه بكسر الشين،
وفتحها لغةٌ قليلةٌ.
قوله: (يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ): قال شيخنا: يعني: موت عثمان، التي قال
حذيفة: (فتنةٌ تموج كموج البحر)، فحذَّر عليه الصَّلاة والسَّلام مَن التبس عليه
الأمر أن يدخل في ذلك، انتهى.
==========
[ج 1 ص 856]
(1/6314)
[حديث: رأس الكفر نحو المشرق والفخر
والخيلاء في أهل الخيل والإبل]
3301# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن ذكوان،
وتَقَدَّمَ أنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ):
عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (وَالْخُيَلاَءُ): هو بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، وفتح المُثَنَّاة تحت،
ممدودٌ، وهو التكبُّر واستحقار الناس.
قوله: (وَالْفَدَّادِينَ): هو بالفاء، ودالَين مهملتَين؛ الأولى مُشَدَّدة، ويقال
بتخفيفها، بينهما ألف، قال ابن قرقول: هو بتشديد الدال عند أهل الحديث وجمهور أهل
اللغة، وكذا قاله الأصمعيُّ، قال: وهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم،
يقال منه: فدَّ يَفِدُّ فديدًا: اشتدَّ صوته، قال أبو عبيد: هم المكثرون من الإبل،
وهم جُفَاةٌ، أهلُ خُيَلاء، وقال المبرِّد: هم الرُّعيان، والحمَّالون،
والبقَّارون، زاد ابن الأثير: والحمَّارون، من غير أن يعزوَه للمبرِّد ولا لغيره،
قال ابن قرقول: وقال مالكٌ: هم أهل جفاء، وقيل: الأعراب، وقال أبو عمرو بن العلاء:
هم الفَدَادون؛ بتخفيف الدال، واحدها: فدَّان؛ بتشديد الدال؛ وهي البقر التي
يُحرَث بها، وأهلها أهلُ جفاءٍ؛ لبعدهم عن الأمصار، وقال أبو بكر: أراد: أصحاب
الفدادين، ثمَّ حذف، قال أبو الفضل: لا يُحتَاج في هذا إلى حذفٍ على هذا التأويل،
وإنَّما يكون على هذا الفدَّادون؛ بالشدِّ: صاحب الفَدَادِين؛ كما يقال: بغَّال،
لصاحب البِغَال، و: جمَّال، لصاحب الجِمَال، انتهى.
ونقل فيه شيخنا شيئًا عن الخَطَّابيِّ في معناه بالتشديد والتخفيف، وأنَّه
بالتخفيف: جمع «الفَدَّان»؛ وهو آلة الحرث السِّكَّة وأعوادُه، قال: وإنَّما ذمَّ
ذلك وكرهه؛ لأنَّه يشغل عن أمر الدين، ويلهي عن الآخرة، فيكون معها قساوة القلب.
قوله: (أَهْلِ الْوَبَرِ): هو بفتح المُوَحَّدة، مجرورٌ، بدلٌ من (الفدَّادين).
==========
[ج 1 ص 856]
(1/6315)
[حديث: الإيمان يمان هاهنا ألا إن
القسوة وغلظ القلوب]
3302# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القَطَّان
الحافظ، شيخ الحُفَّاظ، الذي قال فيه أحمد ابن حنبل: لم ترَ عينايَ مثلَ يحيى بن
سعيد، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، تَقَدَّمَ مرارًا، و (قَيْسٌ): هو ابن
أبي حَازم، تَقَدَّمَ كذلك، وكذا تَقَدَّمَ (عُقْبَةُ [1] بْنُ عَمْرٍو أَبُو
مَسْعُودٍ) رضي الله عنه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصحيحَ أنَّه لم يشهد بدرًا،
وإنَّما كان ينزلها، وسأذكر التنبيه عليه حيث ذكره البُخاريُّ فيهم، والبُخاريُّ
له سَلَفٌ في ذلك.
قوله: (أَشَارَ [2] بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ: «الإِيمَانُ [3]
هَهُنَا»): قال ابن قرقول: في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام [4]: «الإيمان يمانٍ»؛
يريد: الأنصار؛ لأنَّهم من عَرَب اليمن، وقيل: بل قالها وهو بتبوك ومكَّةُ
والمدينةُ حينئذ بينه وبين اليمن، فأراد: مكَّة والمدينة؛ لأنَّ الابتداء بالإيمان
من مكَّة؛ لمبعثه منها، ثمَّ ظهر وانتشر من المدينة، وقيل: أراد مكَّة؛ لأنَّ
مكَّة مِن أرض تهامة، وتهامة من اليمن، ولابن الأثير نحوه، ونقل النَّوويُّ عن ابن
الصلاح في «شرح مسلم»: بأنَّ المراد: اليمنُ وأهلُ اليمن، على ما هو مفهوم مِن
إطلاق ذلك؛ إذ مِن ألفاظه: «أتاكم أهل اليمن»، والأنصارُ من جملة المخاطَبِين
بذلك، فهم إذن غيرُهم، وكذلك قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «جاء أهل
اليمن»، وإنَّما جاء حينئذ غيرُ الأنصار ... إلى أن قال: وهكذا كان حال اليمن
حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وفي
أعقاب موته؛ كأُوَيس القرنيِّ، وأبي مسلم الخَولَانيِّ، وشبههما ... إلى أن قال:
ثمَّ المراد بذلك: الموجودون منهم حينئذ، لا كلُّ أهل اليمن في كلِّ زمان، فإنَّ
اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحقُّ في ذلك، ونشكر الله على هدايتنا له، انتهى.
ونقل شيخنا أقوالًا في ذلك، ثمَّ قال: وأغربُ منه قولُ الحكيم التِّرْمِذيِّ:
إنَّه إشارةٌ إلى أُوَيس القرنيِّ.
(1/6316)
قوله: (أَلَا إِنَّ الْقَسْوَةَ
وَغِلَظَ الْقُلُوبِ): قال شيخنا: زعم السُّهَيليُّ أنَّهما لمسمًّى واحدٍ؛ كقوله
تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86]، والبَثُّ: هو
الحُزن، قال: ويحتمل _كما قال القرطبيُّ_ أن يقال: إنَّ القسوةَ يراد بها: أنَّ
تلك القلوبَ لا تلين ولا تخشعُ لموعظةٍ وُعِظَتْهَا؛ لعدم فهمها، انتهى.
قوله: (حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام على (قرن
الشيطان)، وقرنه وقرناه: قيل: أمَّته والمتَّبعون لرأيه من أهل الضلال والكفر،
وقيل: قوَّته وانتشاره وتسلُّطه، وقيل: أراد قرنَي رأسه؛ وهما جانباه، قال
النَّوويُّ في «شرح مسلم» في هذا القول: إنَّه أَولى، قال: ومعناه: أنَّه يُدني
رأسه إلى الشمس في هذا الوقت؛ ليكون الساجدون للشمس من الكفَّار ساجدين له، وقال
شيخنا: وقيل: المراد: ما ظهر بالعراق من الفِتَن؛ كالجمل، وصِفِّين، والخوارج،
فإنَّ أصل ذلك ومنبعه بالعراق ومشرق نجد، وهي مساكن ربيعة ومضر [5] إذ ذاك.
قوله: (فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ): هو بدل من (الفدَّادين)؛ أي: إنَّ القسوة وغِلَظ
القلوب في ربيعة ومضر الفدَّادين؛ يعني: بالعراق منهما.
==========
[1] زيد في (ب): (أنَّه).
[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ).
[3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (يمانٍ).
[4] (الصَّلاة والسَّلام): سقط من (أ).
[5] في (ب): (الفدادين؛ يعني: بالعراق)، ولعلَّه سبق نظرٍ.
[ج 1 ص 856]
(1/6317)
[حديث: إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا
الله من فضله]
3303# قوله: (وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ؛ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ ... )
إلى آخره: هذا جاء مقيَّدًا في بعض السُّنن، فيُعمَل به؛ وهو: «إذا سمعتم نهيق
الحمار بالليل»، وهذا هو الظاهر، فإنَّ الحمار يرى في النهار أشياء غير شياطين،
فينهق لها.
[ج 1 ص 856]
قوله: (فَإِنَّهَا رَأَتْ [1] شَيْطَانًا): كذا وقع في النسخ، والصحيح: (فإنَّه
رأى)، وكذا أخرجه إبراهيم بن حمزة بن عُمارة، كذا رأيته في حاشيةِ نسخةٍ صحيحةٍ،
انتهى، وفي أصلنا: (فإنَّها رأت) عليها علامة نسخةٍ وراويها، و (فإنَّه رأى)،
وعليها (صح)، فهذا موافقٌ للعربيَّة، ولو قال: أنَّث على إرادة الدابَّة _ولا يكون
خطأً_؛ كان حسنًا، والله أعلم.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليها: (فإنَّه رأى).
(1/6318)
[حديث: إذا كان جنح الليل فكفوا
صبيانكم فإن الشياطين]
3304# قوله: أَخْبَرَنَا (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا [1] رَوْحٌ): قال
الجَيَّانيُّ: (وقال البُخاريُّ في (ذكر الجنِّ)، و (البقرة)، و (الرِّقاق):
(حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا رَوح بن عبادة)، لم أجد إسحاقَ هذا منسوبًا عند أحدٍ من
شيوخنا في شيءٍ من هذه المواضع، وقد حدَّث البُخاريُّ في «تفسير الأحزاب» و {ص} عن
إسحاق بن إبراهيم، عن رَوح بن عبادة، وحدَّث أيضًا في (الصلاة) في موضعين، وفي
(الأشربة)، وغير [2] موضع عن إسحاق بن منصور، عن رَوح بن عبادة) انتهى، قال شيخنا:
ونسبه أبو نعيم هنا: ابنَ إبراهيم، انتهى، وقد صَرَّحَ المِزِّيُّ: بأنَّه ابن
منصور في «أطرافه» في (الأشربة)، وهو كذلك في أصلنا الذي سمعنا فيه على
العِرَاقيِّ منسوبًا في (الأشربة)، وكذا في «مسلم» منسوبًا في (الأشربة) في نسخة
عندي مَغرِبيَّة صحيحةٍ، وقد أسقط المِزِّيُّ في «أطرافه» هذه الطريق، وذكر التي
في (الأشربة)، فقال فيها: ابن [3] منصور، كما قدَّمته لك.
قوله: (حَدَّثَنَا [4] رَوْحٌ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه ابن عبادة، و (ابْنُ
جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، و
(عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَباح، مفتي مكَّة.
قوله: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه يقال: (جُنح) و
(جِنح)؛ بالضَّمِّ والكسر، وأنَّه أوَّلُه، وقيل غير ذلك، وكذا تَقَدَّمَ:
(فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ)، وما الحكمة فيه من عند ابن الجوزيِّ، وكذا
(فَحُلُّوهُمْ)، وكذا (وَأَغْلِقُوا): أنَّه بقطع الهمزة.
قوله: (وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ... ) إلى آخره: قائل ذلك هو ابن
جُرَيجٍ، و (عَمرو بن دينار): هو المَكِّيُّ، لا قهرمان آل الزُّبَير، هذا ليس له
شيءٌ في «البُخاريِّ» و «مسلم»، إنَّما له في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه».
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها:
(أخبرنا).
[2] في (ب): (وفي غير).
[3] (ابن): سقط من (ب).
[4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها:
(أخبرنا)، كما تقدَّم.
[ج 1 ص 857]
(1/6319)
[حديث: فقدت أمة من بني إسرائيل لا
يدرى ما فعلت]
3305# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ،
تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ (وُهَيْبٌ)؛ بالتصغير: أنَّه ابن
خالد، وتَقَدَّمَ (خَالِد) بعدَه: أنَّه الحَذَّاء، خالد بن مِهْرَان، و
(مُحَمَّد) بعده: هو ابن سيرين، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.
قوله: (فُقِدَتْ أُمَّةٌ): (فُقِدَتْ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و
(أُمَّةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن قائم مقام الفاعل.
قوله: (لاَ يُدْرَى): هو مَبْنيٌّ أيضًا لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (وَلَا [1] أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأرَ [2]): (أُراها): بضَمِّ الهمزة؛ أي:
أظنُّها، و (الفأر): مهموز، ويجوز تسهيله، وهذا كان مِن قبل أن يُوحَى إليه: «إنَّ
الله لم يمسخ شيئًا فيجعلَ له نَسْلًا»، رواه ابن مسعود عنه عليه الصَّلاة
والسَّلام، أخرجه مسلم.
قوله: (إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ): (وُضِع): مَبْنيٌّ لِما لمْ
يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (ألبانُ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل، وكذا (وُضِعَ) الثاني
و (أَلْبَانُ)، لو كان الفأر مِسخًا مِن بني إسرائيل؛ كان المعنى في تركها ألبان
الإبل: لأنَّ إسرائيلَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [3]_هو يعقوب_ كان يصيبه
عِرْق النَّسا؛ فحرَّم على نفسه أَكْلَ العُرُوق، وقيل: بل تأذَّى بأكل لحوم الإبل
فيما كان يشتكيه، فجعل على نفسه ألَّا يأكلها، فقالت اليهود: إنَّما حَرُم ما
حَرَّم إسرائيلُ على نفسه، وبه نزلت التوراة، ولم ينزل بذلك، فقال الله: {قُلْ
فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]
أنَّها محرَّمة فيها.
قوله: (فَحَدَّثْتُ كَعْبًا): هو كعب الأحبار، وأبوه اسمه ماتع [4] أبو إسحاق
الحِميَريُّ، أسلم في خلافة الصدِّيق [5] أبي بكر، وسمع عمر، وروى عن جماعة، وسكن
الشام، روى عنه: أبو هريرة، وجماعة من الصَّحَابة، وسعيد بن المُسَيّب، وآخرون،
تُوُفِّيَ زمان عثمان، وهو ثقةٌ بالاتفاق، وسأذكره [6] أيضًا حيث ذكره البُخاريُّ
في قول معاوية: وإن كنَّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب، وأذكر معناه هناك إن شاء الله
تعالى.
(1/6320)
قوله: (أَأَنْتَ [7] سَمِعْتَ): هذا بالاستفهام مثبتًا، و (سمعتَ)؛ بالفتح على الخطاب لأبي هريرة، وفي «مسلم» من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: «إنَّ الله لم يمسخ شيئًا، فيجعل له نسلًا».
(1/6321)
[حديث: أن النبي قال للوزغ الفويسق]
3306# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ
العين المُهْمَلَة، وفتح الفاء، وأنَّ (ابْن وَهْبٍ): هو عبد الله، أحد الأعلام
[1]، وأنَّ (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو
الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم [2]، الإمام أحد الأعلام.
قوله: (وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ الله [3] صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ): قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: قوله:
(وزعم سعدٌ ... ) إلى آخره: القائل: (وزعم سعدٌ) هو الزُّهْرِيُّ كما بيَّنه [4]
الدَّارَقُطْنيُّ في «غرائب مالك» له، وهو منقطع، وقد وصله مسلمٌ من طريق مَعْمَر،
عن الزُّهْرِيِّ، عن عامر بن سعد، عن أبيه، انتهى.
(1/6322)
[حديث: أن أم شريك أخبرته أن النبي
أمرها بقتل الأوزاغ]
3307# قوله: (عَنْ سَعِيدِ ابْنِ المُسَيّب): تَقَدَّمَ أنَّ ياء (المُسَيّب)؛
بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيها إلَّا الفتح.
قوله: (أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ): [1] (أمُّ شريك) هذه: قرشيَّةٌ
عامريَّةٌ، وفي «صحيح مسلمٍ» في حديث الجسَّاسة: أنَّها أنصاريَّةٌ، وقيل: إنَّها
دَوسيَّةٌ، اسمها غُزيْلة أو غزيَّة بنت داود، وقيل غيرُ ذلك، معروفة، روى عنها:
جابر وابن المُسَيّب، وقيل: هي من الزوجات، أخرج لها البُخاريُّ، ومسلمٌ،
والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، رضي الله عنها.
تنبيه: أمُّ شريك من الصَّحَابيَّات: هي، وأمُّ شريك بنت أنس، وأمُّ شريك بنت
جابر، وأمُّ شريك بنت خالد، وأمُّ شريك الدَّوسيَّة، والله أعلم.
==========
[1] زيد في النُّسختين: (هي)، ولعلَّ الأَولى حذفها.
[ج 1 ص 857]
(1/6323)
[حديث: اقتلوا ذا الطفيتين فإنه يلتمس
البصر]
3308# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن
أسامة.
قوله: (اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ): تَقَدَّمَ قريبًا الكلام عليه، وكذا على
قوله: (يَلْتَمِسُ البَصَرَ).
قوله: (تَابَعَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أبا أُسامَةَ) [1]: يعني: فرواه عن هشامٍ
به، ومتابعة حَمَّاد بن سلمة ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلا ما هنا [2]،
ولم يعزُها شيخنا هنا.
==========
[1] هذا القول ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابتٌ من رواية أبي ذرٍّ الهرويِّ عن
الكشميهنيِّ، وبلفظ: (تابعه) برواية أبي ذرٍّ عن الحمُّوي والمستملي.
[2] في (ب): (ههنا).
[ج 1 ص 857]
(1/6324)
[حديث: إنه يصيب البصر ويذهب الحبل]
3309# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (يحيى) هذا: هو ابن سعيد
القَطَّان الحافظ.
قوله: (بِقَتْلِ الأَبْتَرِ): تَقَدَّمَ الكلام قريبًا على (الأبتر) [1]، وعلى
الحكمة في قتله هو وذو الطُّفْيَتين.
[ج 1 ص 857]
==========
[1] في (ب): (الكلام عليه قريبًا).
(1/6325)
[حديث: إن النبي هدم حائطًا له]
3310# 3311# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ
هذا هو الفلَّاس أحد الأعلام الصيرفيُّ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ):
أنَّه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ.
قوله: (عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ): هذا اسمه حاتم بن أبي صغيرة
القشيريُّ، وقيل: الباهليُّ، وأبو صغيرة: هو أبو أمامة، يروي عن عطاء وابن أبي
مُلَيْكَة، وعنه: القَطَّان يحيى بن سعيدٍ والأنصاريُّ، ثقةٌ، أخرج له الجماعة،
وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، و (ابْن أَبِي مُلَيْكَة): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد
الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.
قوله: (فَوَجَدَ [2] سِلْخَ حَيَّةٍ): (السِّلخ)؛ بكسر السين: وهو جلدها، وقال
شيخنا: (سَلخ): بنصب السين، وكسرُها أَولى، اسمٌ، كما قاله ابن التِّين.
قوله: (فَلَقِيتُ أَبَا لُبابةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا؛ فانظره.
قوله: (لاَ تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ): هو بكسر الجيم، وتشديد النون الأولى: عوامر
البيوت، يتمثَّل حيَّةً دقيقةً، قاله ابن وهبٍ، وقيل: (الجِنَّان): ما لا يتعرَّض
للإنسان والحَبَل، وقيل: (الجِنَّان): مسخ الجنِّ، وقد تَقَدَّمَ قريبًا الكلام
على حَيَّاتِ [3] البيوتِ؛ فانظره.
قوله: (إِلَّا كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش
(ق): (حدَّثني).
[2] زيد في (ق) و «اليونينيَّة»: (فِيهِ).
[3] في (ب): (جنان).
[ج 1 ص 858]
(1/6326)
[حديث: أن النبي نهى عن قتل جنان
البيوت]
3312# 3313# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أنَّ حَازمًا؛
بالحاء المُهْمَلَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.
قوله: (فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبابةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا؛ فانظره،
وتَقَدَّمَ الكلام على (جِنَّانِ الْبُيُوتِ) أعلاه.
==========
[ج 1 ص 858]
(1/6327)
[باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في
الحرم]
قوله: (خَمْسٌ مِنَ الدَّوابِّ فَواسِقُ): (فواسقُ): مَرْفُوعٌ غير مُنَوَّن؛
لأنَّه لا ينصرف، وفي الحديث: «خمسٌ فواسقُ»: (خمسٌ): مُنَوَّن، و (فواسقُ):
مَرْفُوعٌ غير مُنَوَّن؛ لأنَّه لا ينصرف، انتهى، وكذا ضبطه النَّوويُّ مقتصرًا
عليه، وقال بعضهم: المشهور تنوينها؛ يعني: (خمس)، ويجوز الإضافة، انتهى.
وأصل الفسق: الخروج عن الشيء، وسمَّى [1] هؤلاء: فواسقَ؛ لخروجهم عن السلامة منهم
إلى الإضرار والأذى، وقيل: سُمِّيَ الغراب فاسقًا؛ لتخلُّفه عن نوح وخروجه عن
طاعته، والفأرة؛ لخروجها من جُحرِها على الناس، وقيل: بل ذلك لخروجهم عن الحرمة،
والأمر بقتلها، وأنَّه لا فدية فيها، وقيل: لتحريم أكلها؛ كما قال: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ}
[المائدة: 3] عند ذكر المحرَّمات، واستدلَّ بقول عائشة رضي الله عنها: (من يأكل
الغراب وقد سمَّاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاسقًا؟!)، وقيل:
سُمُّوا فواسق؛ لخروجهم عن الانتفاع، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (ويسمى).
[ج 1 ص 858]
(1/6328)
[حديث: خمس فواسق يقتلن في الحرم
الفأرة]
3314# قوله: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الزاي،
وفتح الراء، وفي آخره عينٌ مهملةٌ، وكذا تَقَدَّمَ (مَعْمَرٌ): أنَّه بفتح
الميمين، بينهما عينٌ مهملةٌ، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه
مُحَمَّد بن مسلمٍ ابن شهاب.
قوله: (الْفَأْرَةُ): تَقَدَّمَ أنَّها تُهمَز ولا تُهمَز، وكذا: (فأرة المسك)،
وكذا تَقَدَّمَ (الحُدَيَّا): أنَّه تصغير (حِدَأَة)؛ بهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الدال،
وزان: (عِنَبَة)، وهي طائرٌ معروفٌ.
==========
[ج 1 ص 858]
(1/6329)
[حديث: خمروا الآنية وأوكوا الأسقية
وأجيفوا الأبواب]
3316# قوله: (عَنْ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، ابن
شِنْظِيْر؛ بكسر الشين، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ ظاء مكسورة معجمتين، ثمَّ مُثَنَّاة
تحت ساكنة، ثمَّ راء، الأزديُّ البصريُّ، عن مجاهدٍ وطائفة، وعنه: عبد الوارث
وطائفة، قال أبو زرعة: ليِّنٌ، وقال أحمد وغيره: صالح الحديث، أخرج له البُخاريُّ،
ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمةٌ في «الميزان»، و
(عَطَاء): هو ابن أبي رَباح، تَقَدَّمَ أيضًا.
قوله: (خَمِّرُوا): تَقَدَّمَ أنَّه التغطية، وكذا (وَأَوْكُوا): أنَّه بفتح
الهمزة، معتلٌّ، غير مهموز الآخر، وهذا ظاهِرٌ، وكذا (وَأَجِيفُوا): تَقَدَّمَ
أنَّه بقطع الهمزة؛ أي: أغلقوا، وكذا (وَأَكْفِتُوا [1]): أنَّه بقطع الهمزة،
رُباعيٌّ، وكسر الفاء؛ أي: ضمُّوا، وتَقَدَّمَ ما الحكمة في ضمِّ الصبيان من عند
ابن الجوزيِّ، وكذا (وَأَطْفِئُوا): أنَّه بقطع الهمزة، وكسر الفاء، مهموزًا.
قوله: (فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ [2]): هي الفأرة.
قوله: (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ) أمَّا (ابن جُرَيجٍ)؛ فهو
عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ، وأمَّا (حَبِيب)؛
فالظاهر أنَّه المعلِّم، أبو مُحَمَّد البصريُّ، وقد تَقَدَّمَ، واعلم أنَّه يروي
عن عطاء بن أبي رَباحٍ عن جابر اثنان؛ كلٌّ منهما: حَبِيب، والأوَّل الذي ذكرته
حَبِيب المعلِّم، أخرج له البُخاريُّ وأبو داود عنه بهذه الطريق، وأخرج له
الأئمَّة السِّتَّة، والثاني: حَبِيب بن أبي مرزوق الرَّقِّيُّ، أخرج له عن عطاء
عن جابر النَّسائيُّ، ولم يعلِّق له البُخاريُّ، فالظاهر أنَّه أراد المعلِّم،
وحديث ابن جُرَيجٍ عن عطاء عن جابر أخرجه البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ
في «عمل اليوم واللَّيلةِ»، البُخاريُّ في (صفة إبليس)، والله أعلم، وتعليق حبيبٍ
عن عطاءٍ ليس في الكُتُب السِّتَّة.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وَاكْفِتُوا).
[2] في (ب): (الفواسقة)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 858]
(1/6330)
[حديث: وقيت شركم، كما وقيتم شرها]
3317# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): (عَبْدة): بإسكان
المُوَحَّدة، وهو عَبْدة بن عبد الله بن عَبْدة الخزاعيُّ الصَّفَّار، روى عنه:
البُخاريُّ، والأربعة، وابن خزيمة، وخلقٌ، ولم يخرِّج له مسلمٌ شيئًا، قيل: تُوُفِّيَ
سنة (258 هـ)، قال أبو حاتمٍ: صدوقٌ، وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ.
قوله: (عَنْ إِسْرَائِيلَ): هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيِعيُّ،
تَقَدَّمَ، و (مَنْصُور) بعده: هو ابن المعتمر، تَقَدَّمَ، و (إِبْرَاهِيم): هو
ابن يزيد النَّخَعيُّ، تَقَدَّمَ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل
الهُذَليُّ، رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.
قوله: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ):
هذا الغار بمِنًى، وقد جاء كذلك في بعض طرقه: (بمنًى)؛ وهو بقرب مسجد الخيف في
الجبل، ويُعرَف بغار المرسلات.
تنبيه: وقع في «معجم الطَّبَرانيِّ الصغير»: (حدَّثنا عمر بن عبد الرَّحْمَن
السلميُّ، ورواه أبو عليِّ بن الصوَّاف [2]، حدَّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل،
قالا: حدَّثنا إبراهيم بن الحجَّاج السلميُّ، واللَّفظ لابن الصوَّاف ... ؛ فذكر
قصَّة إسلام ابن مسعود، وفيه: «فبينا [3] نحن عنده على حِراء؛ إذ نزلت عليه (سورة
المرسلات) [4]، فأخذتُها، وإنَّها لَرطبةٌ بفيهِ، أو إنَّ فاه لَرطْبٌ بها ... »؛
الحديث، ولم أستنكر من السند إلا عاصم بن بهدلة، فإنَّه ثَبتٌ في القراءة، يَهِمُ
في الحديث، وله ترجمة في «الميزان»، وحديث «الصحيح»: (أنَّه في غار بمنًى) في
«البُخاريِّ»، و «مسلمٍ»، و «النَّسائيِّ»، وتعدُّد القصَّة في إنزال السورة
مرَّتين فيه بُعْدٌ كثير، والله أعلم، ولم أر حديث «المعجم» في «مسند أحمد»، ولم
أره إلَّا في «معجم الطَّبَرانيِّ الصغير»، ومن طريق ابن الصوَّاف، والله أعلم.
[ج 1 ص 858]
قوله: (وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا): (وُقيت): مَبْنيٌّ لِما
لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (وُقِيتُم)، و (شرَّكم) و (شرَّها): منصوبان، كلُّ
واحدٍ منهما مفعولٌ ثانٍ، وشرَّكم: قتْلكم إيَّاها؛ لأنَّه شرٌّ بالنسبة إليها وإن
كان خيرًا بالنسبة إلينا.
(1/6331)
قوله: (وَعَنْ إِسْرَائِيلَ): قائل ذلك
هو يحيى بن آدم، وهذا معطوفٌ على السند الذي قبله، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن
عَبْدة بن عبد الله، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن
علقمة، عن عبد الله، والأوَّل: إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم به، و (إسرائيلُ):
هو ابن يونس بن أبي إسحاق، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، و (إِبْرَاهِيم):
هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، والباقي معروفٌ، وقوله: (مِثْلَهُ): هو بالنصب مفعول
(حدَّثنا)، ولا يجوز فيه الرفعُ، وقد وقع في أصلنا: (مثلُه)؛ بالضَّمِّ بالقلم،
وكتب [5] فوقه بالحمرة [6] بالنصب بالقلم، ولا يجوز الرفع، وإنَّما كان يتحتَّم
الرفعُ إن لو كان الحديثُ معلَّقًا، وإنَّما هو مسند، فاعلمه.
قوله: (مِنْ فِيهِ رَطْبَةً)؛ أي: مستطابةً سهلةً؛ كالتمرة الرطبة السهلة، وقيل:
إنَّا لنسمعها لأوَّل نزولها كالشيء الرطب في أوَّل أحواله، وبه جزم ابن التين،
قاله شيخنا.
قوله: (وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ): يعني: عن إبراهيم به، فأمَّا
الضمير في (تابعه): يعود على إسرائيل، و (أبو عوانة) اسمه: الوضَّاح بن عبد الله،
تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (المغيرة): هو ابن مِقسَم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ أيضًا،
متابعة أبي عوانة هذه ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة.
تنبيه: اعلم أنَّ المِزِّيَّّ لم يخرِّجه من حديث سليمان الأعمش عن إبراهيم، عن
علقمة، عن عبد الله إلَّا في هذا المكان في (بدءِ الخلق)، وقد أخرجه البُخاريُّ
أيضًا في (التفسير) من هذه الطريق التي ذكرها هنا، فقال: حدَّثنا عَبْدة بن عبد
الله: حدَّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصورٍ بهذا، وعن إسرائيل، عن الأعمش،
عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مثلَه، وتابعه أسود بن عامر عن إسرائيل، انتهى.
(1/6332)
قوله: (وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو
مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ ابْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ): أمَّا (حفصٌ): فهو ابن
غِيَاث؛ بالغين المُعْجَمَة المكسورة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت مُخَفَّفةٌ، وبعد الألف
ثاء مُثَلَّثَة تَقَدَّمَ، وأمَّا (أبو معاوية): فهو مُحَمَّد بن خازم؛ بالخاء المُعْجَمَة،
الضرير، تَقَدَّمَ، وأمَّا (سليمان ابن قَرْم)؛ فبفتح القاف، وإسكان الراء، ثمَّ
ميم، وقَرْم: جدُّه، واسم والده معاذ، كنيته _سليمان_ أبو داود، وهو بصريٌّ، روى
عن ابن المنكدر، وثابت، والأعمش، وعنه: أبو داود الطيالسيُّ، ويونس المؤدِّب، قال
أبو زرعة وغيره: ليس بذاك، أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وعلَّق له
البُخاريُّ كما ترى، له ترجمةٌ في «الميزان»، وتعليق حفص أخرجه البُخاريُّ في
(الحجِّ [7]) و (التفسير) عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، ومسلمٌ عن حفص بن غياث
به، وفي (الحجِّ) عن أبي كُرَيب عن حفص بن غياث ببعضه، وتعليق أبي معاوية عن
الأعمش أخرجه مسلمٌ في (الحيَوان) عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي
كُرَيب، وإسحاق بن إبراهيم؛ أربعتُهم عن أبي معاوية، وتعليق سليمان ابن قَرْم لم
أره في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، والله أعلم.
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رسولِ الله).
[2] في (ب): (الصواب)، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب): (فبتنا)، وهو تصحيفٌ.
[4] في (ب): ({والمرسلات}).
[5] في (ب): (وكتبت).
[6] في (ب): (بالأحمرة).
[7] في (ب): (الجهاد)، والمثبت هو الصَّواب.
(1/6333)
[حديث: دخلت امرأة النار في هرة
ربطتها]
3318# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الأَعْلَى): هذا هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى
الساميُّ _بالسين المُهْمَلَة_ البصريُّ، تَقَدَّمَ، و (عُبَيْدُ اللهِ): هو ابن
عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ): هذه المرأة في «مسلمٍ»: أنَّها من بني
إسرائيل، وفيه أيضًا: أنَّها حِميَريَّة، فلعلَّها كانت من بني إسرائيل سكنت مدينة
حِميَر، وهي اليمن، ويحتمل أنَّ أباها إسرائيل، وأمَّها حِميَريَّةٌ؛ نسبةً إلى
القبيلة، ويحتمل العكس، ويحتمل أنَّ أحدهما بالحِلْف، والآخر بالنسب، تَقَدَّمَ.
تنبيه: هذه المرأة كانت كافرةً، كما رواه أبو نعيمٍ في «تاريخ أصبهان»، والبيهقيُّ
في «البعث والنشور»، وقد أبداه عياض احتمالًا، وأنكره النَّوويُّ، وقد قَدَّمْتُ
ذلك، والله أعلم.
قوله: (فَلَمْ تُطْعِمْهَا): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ من (أَطْعَم).
قوله: (مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ): (الخشاش)؛ بفتح الخاء المُعْجَمَة وضمها وكسرها:
هوامُّ الأرض، تَقَدَّمَ، وهو بشينين معجمتين هوامُّها، وقيل: صغار الطير، وفي
«المصنَّف»: شرارُ الطير، لكن في الطير بالفتح ليس غير، وحكى أبو عليٍّ في هوامِّ
الأرض: خُشاش؛ بالضَّمِّ، والحاصل: أنَّ (خشاش الأرض) مثلَّث الخاء باتِّحاد المعنى
على أنَّه هوامُّها، وقد تَقَدَّمَ، ولكن طال العهد به.
قوله: (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ [2]، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلَهُ)
قائل: (وحدَّثنا عبيد الله): هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى الساميُّ، المذكور في
السند قبله، فروى هذا الحديث الثاني البُخاريُّ عن نصر بن عليٍّ، عن عبد الأعلى،
عن عبيد الله، عن سعيد المقبريِّ، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقوله: (مثلَه): هو مَنْصُوبٌ مفعول (حدَّثنا).
==========
[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أَخْبَرَنَا).
[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[ج 1 ص 859]
(1/6334)
[حديث: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة
فلدغته نملة]
3319# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه
عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): [أنَّه] عبد الرَّحْمَن بن هرمز،
وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.
قوله: (نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذا النَّبيِّ
أنَّه عزيرٌ، في (الجهاد)، وذكرت هناك من عند أبي داود والحاكم: ما أدري أعزيرٌ
نبيٌّ أم لا؟ ورأيت في كلام المحبِّ الطَّبَريِّ عن الحكيم التِّرْمِذيِّ: أنَّه
موسى.
قوله: (فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ): يجوز في جيمه الفتح والكسر؛ أي: متاعه.
قوله: (فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا): (أُخرِج): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ
فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا (فَأُحْرِقَ).
قوله: (فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً): (نملةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن؛ أي: فهلَّا
عاقبت نملةً واحدةً، وهي التي قرصتكَ، وبالنصب ضبطه بعض الحُفَّاظ، وهو النَّوويُّ
في «شرح مسلمٍ»، ورأيته بالرفع مع التنوين بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر في نسخته
بـ «البُخاريِّ»، وبالنصب به، وكذا (واحدة)، وما قاله يجوز من حيث العربيَّة،
ولكنَّ الذي ضبطه بعض الحُفَّاظ _وهو النَّوويُّ_ بالنصب مع التنوين، و (واحدة):
صفةٌ له، والله أعلم.
تنبيه: هذا الحديث محمولٌ على أنَّ شرع ذاك النَّبيِّ كان فيه جوازُ قتل النمل،
وجوازُ الإحراق بالنَّار، ولم يُعتَب في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على
نملةٍ،
[ج 1 ص 859]
وأمَّا في شرعنا؛ فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان، إلَّا إذا أحرق إنسان إنسانًا،
فمات به، فلوليِّه الاقتصاص به، وأمَّا قتلُ النمل؛ فلا يجوز في مذهب
الشَّافِعيِّ، واستُدِلَّ له بحديثٍ رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرطهما:
«نُهيَ عن قتل أربعٍ من الدوابِّ: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد».
تنبيه آخر: يحرم قتل النمل؛ لورود النهي عنه، كذا قال الرافعيُّ، وتابعه في
«الروضة» على إطلاق تحريم قتل النمل، وهذا في النمل الكبير، وقد ذكر الخَطَّابيُّ
في «معالمه»: أنَّ النمل على ضربين؛ أحدهما: مؤذٍ ضرَّارٌ، فدفع عاديته جائزٌ،
والضرب الآخر: الذي لا ضرر فيه، وهو الطِّوال الأرجلِ، فلا يجوز قتلُه، انتهى.
(1/6335)
وقال شيخ شيوخنا الفقيه العلَّامة جمال
الدين عبد الرحيم الإسنويُّ القاهريُّ: أمَّا النمل الصغير؛ ففي «شرح المهذَّب»
المسمَّى بـ «الاستقصاء» نقلًا عن «الإيضاح» للصَّيْمريِّ: أنَّه [لا] [1] يحرم
قتله؛ لأنَّه مؤذٍ، وأقرَّه عليه، قال: وقد سئل ابن عَبَّاسٍ عن قتل المُحرِم لها،
فقال: تلك ضالَّةٌ لا شيء فيها، وذكر البغويُّ أيضًا في «شرح السُّنَّة»: جوازَ
قتلها، انتهى، ذكر ذلك في «المهمَّات» في (الأطعمة)، وقد ذكر في (الحجِّ)، والله
أعلم، وقال شيخنا: كره مالكٌ قتله لمن آذاه، وقيل: إنَّما يقتلها من كان قاطنًا
غيرَ مسافرٍ، وعسُر عليه الانتقال، ولم يجد ما يزيله به فيقتلها حينئذٍ بغير
النار، انتهى.
==========
[1] (لا) سقطت من (ب)، وهي ممحوَّة في (أ)، ولعلَّ الصواب إثباتها.
(1/6336)
[باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه]
(1/6337)
[حديث: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم
فليغمسه ثم لينزعه]
3320# قوله: (فَلْيَغْمِسْهُ): هذا يصدق بغمس مَرَّةً، وفي «الأحاديث المختارة»
للحافظ ضياء الدين المقدسيِّ _وقد قرأت بعضها بالصالحيَّة على بعض أصحاب [1]
أصحابه_: الأمر بالتثليث بإسناده إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس، قال: كنَّا عند
أنس بن مالكٍ، فوقع الذباب في إناءٍ، فقال أنس بإصبعه، فغمسه في ذلك الماء ثلاثًا،
وقال: بسم الله، وقال: إنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أمرهم أن
يفعلوا ذلك.
قوله: (فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً): رأيت بخطِّ
بعض الفضلاء ما لفظُه: الجناح يؤنَّث ويذكَّر، فإنَّهم قالوا في جمعه: أجنحة
وأجنُح، فـ (أجنحةٌ): جمع المذكَّر؛ كـ (قَذال وأقذلة)، و (أجنُح): جمع المؤنَّث؛
كـ (شمال وأشمل)، انتهى.
وكذا رأيت بعضهم ذكره كذلك، ورأيت حاشيةً على نسخة بـ «صحيح البُخاريِّ» _وهي
صحيحةٌ ذكر كاتبُها أنَّها من الصغانيِّ_ لفظُها: كذا وقع (إحدى ... والأخرى)،
والصواب: (أحد ... والآخر)، انتهت.
(1/6338)
[حديث: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على
رأس ركي يلهث]
3321# قوله: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ): (عوفٌ): هو الأعرابيُّ، ابن أبي جميلة، تقدَّم، و (الحسن): هو ابن
أبي الحسن البصريُّ، و (ابن سيرين): مُحَمَّد، والعمدة في هذا الحديث على مُحَمَّد
بن سيرين، وذلك لأنَّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة على ما قاله الجمهور، كما
قدَّمته في موضعٍ آخرَ، فقال أيُّوب، وعليُّ بن زيد، وبَهْز بن أسد: لم يسمع الحسن
من أبي هريرة، وقال يونس بن عبيد: ما رآه قطُّ، وذكر أبو زرعة وأبو حاتمٍ: أنَّ من
قال عن الحسن: حدَّثنا أبو هريرة؛ فقد أخطأ، وقال التِّرْمِذيُّ في «جامعه»:
والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا، هكذا روي عن يونس، وأيُّوب، وعليِّ بن زيدٍ،
وقال النَّسائيُّ في «سننه»: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، انتهى، والحاصل: أنَّ
العمدة في الحديث رواية ابن سيرين له عن أبي هريرة، والله أعلم.
قوله: (غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ): (غُفِر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا:
(فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ).
قوله: (غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ): هي بضَمِّ الميم الأولى، وإسكان الواو [1]،
وكسر الميم الثانية، ثمَّ سين مهملة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث، وهي المجاهرة
بالفجور.
==========
[1] (وإسكان الواو): سقط من (ب).
[ج 1 ص 860]
(1/6339)
[حديث: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب
ولا صورة]
3322# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هذا هو ابن المَدينيِّ،
الحافظ المشهور، تَقَدَّمَ مرارًا، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان): بعده هو ابن
عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن
عبد الله بن شهابٍ، العالم المشهور، و (عُبَيْد اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه
ابن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وتَقَدَّمَ (أَبُو
طَلْحَةَ): أنَّ اسمه زيد بن سهل الأنصاريُّ رضي الله عنه، وتَقَدَّمَ
مُتَرْجَمًا.
قوله: (لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ):
تَقَدَّمَ أنَّ هؤلاء غير الحفظة، وأنَّ الحفظة لا يفارقون الإنسان إلا عند الخلاء
والجِماع، كما في «التِّرْمِذيِّ» في (الاستئذان)، وسيجيء أنَّ الكلب الجائز
الاتِّخاذ _كالكلاب الثلاثة، وكذا الصورة الجائزة الاتِّخاذ_ هل تدخل الملائكة معه
أم لا؟
==========
[ج 1 ص 860]
(1/6340)
[حديث: أن رسول الله أمر بقتل الكلاب]
3323# قوله: (أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ): اعلم أنَّ الكلاب الثلاثة لا يجوز
قتلُها؛ لما فيها من المنفعة، وأنَّ العَقور يجوز قتله بلا خلافٍ، وبقي الباقي،
فقد اضطرب فيه الرافعيُّ والنَّوويُّ اضطرابًا كثيرًا، ففي مكانٍ يقولان: إنَّه
محترمٌ، وفي مكانٍ يقولان: إنَّه ليس بمحترمٍ، وإمام الحرمين أيضًا اختلف كلامه،
وبالجملة فمذهب الشَّافِعيِّ: جوازُ قتلها، صَرَّحَ بذلك في «الأمِّ» في (باب
الخلاف في ثمن الكلب)، والله أعلم.
==========
[ج 1 ص 860]
(1/6341)
[حديث: من أمسك كلبًا ينقص من عمله كل
يوم قيراط]
3324# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو
التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة لماذا، وتَقَدَّمَ أيضًا
أنَّ (هَمَّامًا) هذا: هو ابن يحيى العَوْذيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى) هذا:
أنَّه يحيى بن أبي كثير، و (أَبُو سَلَمَةَ): اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن
عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، تَقَدَّمَ.
قوله: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ): (ينقصْ): مجزوم جواب الشرط، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ): كذا هنا، وفي حديثٍ آخر: «قيراطان»، يحتمل أن يكون
نوعين من الكلاب، أكثرهما أكثر أذًى من الآخر، أو لمعنًى فيهما، أو يكون ذلك
مختلفًا باختلاف المواضع، فيكون القيراطان في المدينة المشرَّفة؛ لزيادة فضلها،
والقيراط في غيرها، أو القيراطان في المدائن، والقيراط في غيرها، أو القيراطان في
المدائن ونحوها من القرى، والقيراط في البوادي، أو يكون ذلك في زمنين [1]، فذكر
القيراط أوَّلًا، ثمَّ زاد التغليظ، فذكر القيراطين، قال الرويانيُّ من
الشَّافِعيَّة في «بحره»: اختلفوا في المراد بمَا ينقص منه؛ فقيل: ينقص بما مضى من
عمله، وقيل: من مستقبله، قال: واختلفوا في محلِّ القيراطين؛ فقيل: ينقص قيراطٌ من
عمل الليل، وآخر من عمل النهار، وقيل: قيراطٌ من عمل الفرض، وآخر من عمل النفل.
واختلف العلماء في سبب النقصان باقتناء الكلب؛ فقيل: لامتناع الملائكة من دخول
بيته بسببه، وقيل: لِما يلحق المارِّين من الأذى من ترويع الكلب لهم، وقيل: إنَّ
ذلك عقوبةٌ لاتِّخاذ ما نهي عنه وعصيانه في ذلك، وقيل: لما يُبتلى به من ولوغه في
غفلة صاحبه، ولا يغسله بالماء والتراب، والله أعلم، وسأذكره أيضًا، [وقد سئل الحسن
البصريُّ عن سبب نقص الأجر، فقال: لترويعه المسلم، وقال أبو جعفر المنصور: إنَّما
ذلك؛ لأنَّه ينبح على الضيف ويروِّعُ السائل، نقل ذلك المحب الطَّبَريِّ، وأوضحه،
وحسَّنه.
(1/6342)
مسألة: هل ينقص أجر الشخص بتعدُّد الكلاب؟
قال أبو الحسن السُّبكيُّ العلَّامة: لا، بخلاف صلاته على جنائز، وقد قال الجاحظ
[2]_كما قرأتُه [3] على بعض أصحابي_: أنَّه ينقص بكلٍّ منها قيراطٌ من أجره، وقد
[4] روي: أنَّ جماعةً من الصَّحَابة ذهبوا إلى بيت رجلٍ من الأنصار؛ ليعودوه من
مرضه، فهرَّت في وجوههم كلابٌ من دار الأنصاريِّ، فقال الصَّحَابة رضي الله عنهم:
لا تدع هؤلاء من أجر فلانٍ شيئًا، كلُّ كلبٍ من هؤلاء ينقص من أجره كلَّ يومٍ
قيراطٌ، والله أعلم] [5].
==========
[1] في (ب): (رتبتين).
[2] في (ب): (الحافظ).
[3] في (ب): (قرأت).
[4] (وقد): ليس في (ب).
[5] ما بين معقوفين ذكر في (ب) بعد قوله سابقًا: (وآخر من عمل النفل).
[ج 1 ص 860]
(1/6343)
[حديث: من اقتنى كلبًا لا يغني عنه
زرعًا ولا ضرعًا.]
3325# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال أبو مُحَمَّد، مولى
أبي بكرٍ، تَقَدَّمَ، و (يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ): هو بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة،
وفتح الصاد المُهْمَلَة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ فاء مفتوحة، ثمَّ تاء
التأنيث، مشهورٌ معروفٌ عند أهله.
قوله: (سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَوِيَّ [1]): هو بفتح الشين
المُعْجَمَة، ثمَّ نون مفتوحة، ثمَّ واو، ثمَّ ياء النِّسبة، وفي نسخةٍ في طرَّة
أصلنا: الشَنائيُّ؛ بفتح الشين أيضًا، وبهمزة مكسورة بعد النون، ثمَّ ياء النسبة،
وهو من أزد شَنُوءة، وشَنُوءة: اسمه عبد الله بن [2] كعب بن عبد الله بن مالك بن
نصر بن الأسْد، وإنَّما قيل: أزد شَنُوءة؛ لشنآنٍ كان بينهم؛ وهو البغض، و (سفيان)
هذا: روى عنه عبد الله بن الزُّبَير، والسائب بن يزيد، وعروة، له في الكتب: «من
اقتنى كلبًا ... »، وحديث: «والمدينة خيرٌ لهم ... »، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ،
والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وأحمد في «المسند»، وقد تَقَدَّمَ في (الحجِّ)، ولكن
بعُد العهد به.
تنبيه: قال شيخنا: وذكره _يعني ذكر البُخاريِّ_ لها؛ أي [3]: للكلاب في هذا الباب
لِما يأتي عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وغيره: أنَّهم من الجنِّ، انتهى، ثمَّ
ذكر بعد هذا بقليلٍ قال _يعني: ابن عَبْدِ البَرِّ_: وقد روي عن ابن عَبَّاس: أنَّ
الكلاب من الجنِّ، وهم ضَعَفَة الجنِّ، فإذا غشيتكم عند طعامكم؛ فألقوا إليها
الشيء، فإنَّ لها أنفسًا؛ يعني: أعينًا، وفي لفظٍ: السُّود منها جنٌّ، والبُقْع
منها جنٌّ، قال صاحب «العين»: الحنُّ [4]: حيٌّ من الجنِّ، منهم الكلاب البُهْم
[5]، وفي «الباهر»: الحنُّ: ضربٌ من الجنِّ، وقال ابن الأعرابيِّ: هم سَفِلَة
الجنِّ وضعفاؤهم، قال ابن عُديسٍ: يقال: كلب حنِّيٌّ، انتهى.
ورأيت في «نهاية ابن الأثير» _وعلَّم عليه: «الغريبَين» للهرويِّ_: حديث ابن
عَبَّاس: «الكلاب من الجنِّ، فإن غشيتكم عند طعامكم؛ فألقوا لهنَّ»، والله أعلم،
وفي «مسند عَبْد بن حُمَيدٍ» من حديث أبي هريرة [6] حديثٌ، وفي آخره: فقال رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ الله تبارك وتعالى لعن سبطًا [7] من
الجنِّ، فمسخهم دوابَّ في الأرض، فهي هذه الكلاب السُّود، هي الجنُّ ... »؛
الحديث.
(1/6344)
((60)) (كِتَابُ الأَنْبِيَاء) ... إلى
(بَابِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
[النساء: 125])
تنبيه: روى أبو ذرٍّ كما أخرجه ابن حِبَّان كما في حفظي، قال: قلت: يا رسول الله؛
كم الأنبياء؟ قال: «مئة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا»، قلت: يا رسول الله؛ كم الرسل
من ذلك؟ قال: «ثلاثُ مئة وثلاثةَ عشرَ، جمٌّ غفيرٌ»، قلت: مَن كان أوَّلهم؟ قال:
«آدم»، قلت: يا رسول الله؛ أنبيٌّ مرسلٌ؟ قال: «نعم؛ خلقه الله تعالى بيده، ونفخ
فيه من روحه، وسوَّاه قِبَلًا» _وسيأتي معناه قريبًا_ ثمَّ قال: «يا أبا ذرٍّ؛ أربعةٌ
سريانيُّون: آدم، وشيث، وخنوخ _وهو إدريس، وهو أوَّل من خط بالقلم_ ونوح، وأربعة
من العرب؛ هودٌ، وشعيبٌ، وصالحٌ، ونبيُّك، يا أبا ذرٍّ؛ وأوَّل أنبياء بني إسرائيل
موسى، وآخرهم عيسى ... »؛ الحديث بطوله، وقد روى وهبٌ عن ابن عَبَّاس قال: «الرسل
ثلاثُ مئةٍ وخمسةَ عشر، خمسةٌ منهم عبرانيُّون؛ وهم: آدم، وشيث، وإدرس، ونوحٌ،
وإبراهيم، وخمسةٌ من العرب؛ هودٌ، وصالحٌ، وإسماعيل، ويعقوب، وعيسى، ومُحَمَّد
[1]»، قال [2] أبو منصور اللُّغويُّ: وكلُّ أسماء الأنبياء أعجميَّة إلَّا أربعةً؛
آدم، وصالح، وشعيب، ومُحَمَّد، وقوله فيه: (قِبَلًا): هو بكسر القاف، وفتح
المُوَحَّدة، وفي روايةٍ: (إنَّ الله كلَّمه قِبَلًا)؛ أي: عيانًا ومقابلةً، لا من
وراء حجاب [3]، ومن غير أن يولِّيَ أمرَه أو كلامه أحدًا من ملائكته، وقوله فيه:
(إنَّ أوَّل أنبياء بني إسرائيل موسى): فهذا مؤوَّلٌ؛ لأنَّ يوسف نبيٌّ مرسلٌ
بنصِّ القرآن إن قلنا: إنَّه المراد في القرآن، وهو ابن يعقوب، ويعقوب هو إسرائيل
[4].
(1/6345)
قوله: (باب خَلْقِ آدَمَ): آدم صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] هو أبو البشر، هذه كنيته، ويقال: أبو مُحَمَّد، خلقه
الله بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنَّته، وكرَّم ذريَّته، وعلَّمه جميع
الأسماء، وجعله أوَّل الأنبياء، بل وأوَّل الرسل، كما سيأتي، وعلَّمه ما لم يعلِّم
الملائكة المقرَّبِين، وجعل من نسله الأنبياء، والمرسلين، والأولياء، والصدِّيقين،
وفي «مسلمٍ»: «إنَّ الله خلقه يوم الجمعة»، [ونفخ فيه من روحه، وجعله خاتمة خلقه؛
أي: خلقه يوم الجمعة بعد أن خلق الخلق، وقد ابتدأهم من يوم السَّبت، قال رسول الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «خلق الله التُّربة يوم السبت ... »؛ الحديث أخرجه
مسلم، وخلقه في أحسن صورة، وأقسم عليه بقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ... }
إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 1 - 4]،
ولقَّنه الحمد حين عطس، ثمَّ قال: (يرحمك ربُّك يا آدم)، فسبقت رحمتُه غضبَه،
وأباح له جميع الجنَّة إلا شجرةً واحدةً، وسيأتي ما هي، والاختلاف فيها، وأمر
الملائكة بالتَّلقين منه، وجعله أبا البشر، وجعله في الأرض خليفة عنِ الملائكة
وفضَّله بها عليهم، ولعن إبليس من أجله، وهو أوَّل تائب، وأوَّل مجتبًى، وأوَّل
مصطفًى، وأوَّلُ خليفة في الأرض، وهو مميِّز الأرواح الخبيثة من الطَّيِّبة، وهو
الباعث يوم القيامة الشَّقيَّ من ذرِّيَّته، والله أعلم] [6].
واشتُهِر في كتب التواريخ أنَّه عاش ألف سنةٍ، وجاء معناه في حديث مَرْفُوعٍ، وفي
«تاريخ دمشق» في حديثٍ طويلٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت [7]: كان النَّبيُّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «أنا أشبهُ الناس بأبي آدم، وكان إبراهيم
أشبهَ الناس بي خَلقًا وخُلقًا».
وأمَّا اشتقاقه؛ فالكلام فيه معروفٌ، وقد تَقَدَّمَ الكلام في صرفه وعدم صرفه في
أوائل هذا التعليق، وفي «تاريخ ابن عساكر» أيضًا مرفوعًا: «أهل الجنَّة ليس لهم
كنًى إلا آدم؛ يُكنى أبا مُحَمَّد»، وعن كعب: «ليس أحدٌ في الجنَّة له لحيةٌ إلَّا
آدم»، وقيل: وموسى، ذكره الطَّبَريُّ، وقيل: هارون، وأمَّا مناقب آدم وفضائله؛
فكثيرةٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [8]، وهو نبيٌّ مرسلٌ على الصحيح، وقيل:
ليس بمرسلٍ، وسيأتي ذلك في (نوحٍ) قريبًا.
==========
[1] (ومُحَمَّد): سقط من (ب).
[2] في (ب): (وقد قال).
[3] في (ب): (الحجاب).
(1/6346)
[4] في (ب): (إبراهيم)، والمثبت هو
الصَّواب.
[5] في (ب): (عليه السلام).
[6] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج)، وهي في (أ) بورقة مفردة.
[7] في (ب): (قال)، وهو تحريفٌ.
[8] في (ب): (عليه السلام).
(1/6347)
[باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك
للملائكة إني جاعل}]
قوله: ({وَرِيَاشًا} [الأعراف: 26]: الْمَالُ): هذه قراءةٌ شاذَّةٌ، والمتواترة:
{وَرِيشًا} [الأعراف: 26]، وقال البُخاريُّ بُعيد هذا: وقال غيره _ يعني: غير مَن
فسَّر (الرِّياش) بالمال_: و (الرِّياش والرِّيش واحدٌ ... ) إلى آخره، وسيأتي هذا
في (سورة الأعراف)، وغيره هو: أبو عبيدة.
قوله: (السَّمَاءُ شَفْعٌ): هذا ممَّا يَسأل عنه الناس كثيرًا، فيقولون: كيف تكون
السماء شفعًا وهي سبعُ سماواتٍ؟ والذي يظهر في الجواب _والله أعلم_: أنَّ كلَّ
شيءٍ له مثلٌ ونظيرٌ؛ فهو شفعٌ وإن كان في العدد وِترًا، والله [1] سبحانه وتعالى
لا مثل له ولا نظير، فهو وترٌ، وكلُّ شيءٍ خلقه فهو شفعٌ؛ لأنَّ له نظيرًا ومثلًا،
والله أعلم، وقد رأيت ابن الأثير في «نهايته» قال في حديث «من حافظ على شفعة
الضحى»: يروى بالفتح وبالضَّمِّ؛ كالغُرفة والغَرفة، وإنَّما سمَّاها شفعة؛ لأنَّها
أكثر من واحدةٍ، انتهى، فالسماوات إذن أكثر من واحدةٍ؛ فلهذا قال: شفعٌ.
قوله: (وَالْوِتْرُ اللهُ): (الوِتر): بكسر الواو، وتُفتَح، وهما قراءتان في
السبع، قرأ حمزة والكسائيُّ بكسر الواو، والباقون بفتحها، فالله تعالى واحدٌ في
ذاته، لايقبل الانقسام والتجزئة، واحدٌ في صفاته، فلا شِبْه له ولا مِثْل، واحدٌ
في أفعاله، لا شريك له ولا مُعين.
قوله: (فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ): هو بفتح الخاء، وإسكان اللام، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ): الظاهر أنَّه الرياحيُّ الكبير، رُفيع بن
مِهْرَان، تَقَدَّمَ، لا زياد بن فيروز.
قوله: ({حَمَأٍ} [الحجر: 26]: جَمْعُ حَمْأَةٍ): (حمْأَة): بهمزةٍ مفتوحة بعد
الميم الساكنة، ويجوز تحريكها، قال الجوهريُّ: الحَمَأُ: الطين الأسود، قال الله
تعالى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26]، وكذلك الحمْأة؛ بالتسكين، انتهى،
فكلام الجوهريِّ صريحٌ أنَّ (الحمْأ والحمْأة) واحدٌ مفردٌ، لا أنَّه جمع (حمأة)؛
كـ (الحَمَأة) محرَّكةً، وقد رأيت غير البُخاريِّ قد قال ذلك ولفظُه: (حمأٍ: جمع
حمأةٍ)، وهو الطين المتغيِّر إلى السواد، والله أعلم.
قوله: (أَخْذُ الْخِصَافِ): (أَخْذُ): بفتح الهمزة، وإسكان الخاء وبالذال
المعجمتين، مَرْفُوعٌ، و (الخِصافِ): بكسر الخاء المُعْجَمَة، وتخفيف الصاد
المُهْمَلَة، مجرورٌ مضافٌ.
(1/6348)
[حديث: خلق الله آدم وطوله ستون
ذراعًا]
3326# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ): هو المسنديُّ الحافظ، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَر): تَقَدَّمَ مرارًا
أنَّه بميمين مفتوحتين بينهما عينٌ مهملة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام):
تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن منبِّه بن كامل، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن
بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا): قال شيخنا: قال ابن التين: قيل: المراد:
بذراعنا؛ لأنَّ ذراع كلِّ واحد مِثْلُ رُبعه، ولو كان بذراعه؛ لكانت يده قصيرةً في
جنب طول جسمه؛ كالإصبع والظفر، انتهى، وهذا هو الظاهر أو الصواب [2]، وقيل: هي [3]
ستُّون بذراعه، وقيل: إنَّه كان يقارب أعلاه السماء، وإنَّ الملائكة كانت تتأذَّى
بنَفَسِه، فخفضه الله إلى ستِّين ذراعًا، وظاهر الحديث خلافه، قال الثَّوْريُّ:
خلق الله آدم في أوَّل نشأته على صورته، وهي ستُّون
[ج 1 ص 862]
ذراعًا، ولم ينتقل أطوارًا؛ كذرِّيَّته، وكانت صورته في الجنَّة هي صورته في الأرض
لم تتغيَّر، وقال القرطبيُّ: إنَّ الله يعيد أهل الجنَّة إلى خِلقةِ أصلهم الذي هو
آدم، وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله عليه في الجنَّة، وكان طوله فيها ستِّين
ذراعًا بذراع نفسه، قال: ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدَّرًا بأذرعتنا المتعارفة
عندنا، وفي حفظي أن يكون عرضُه سبعةَ أذرع، ثمَّ رأيته في «المسند» للإمام أحمد
مرفوعًا من حديث أبي هريرة: «إنَّه سبعُ أذرع»، قيل: تفرَّد به حَمَّاد بن سلمة عن
عليِّ بن زيد بن جُدعان، والله أعلم.
قوله: (تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ): (تحيَّتُك) و (تحيَّةُ): مرفوعان
[4]، وهذا ظاهِرٌ، والأوَّل على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: هي تحيَّتك، ويجوز
من حيث العربيَّةُ نصبُهما بدل من (ما)، والله أعلم.
قوله: (فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ): (رحمةُ): مَرْفُوعٌ على الحكاية.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق):
(حدَّثني).
[2] في (ب): (والصواب).
[3] (هي): ليس في (ب).
[4] زيد في (ب): (هنا).
(1/6349)
[حديث: إن أول زمرة يدخلون الجنة على
صورة القمر ليلة البدر]
3327# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الجيم، وكسر
الراء، وأنَّه ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وتَقَدَّمَ
(عُمَارَةَ) بعده: أنَّه بضَمِّ العين، وتخفيف الميم، ابن القعقاع الضَّبِّيُّ
تَقَدَّمَ، وأنَّه له نحو ثلاثين حديثًا، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا
أنَّه هَرِم _وقيل غير ذلك_ ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ.
قوله: (عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ): (أشدِّ): مجرورٌ لأنَّه مضاف، و
(دُرِّيٍّ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الدال وكسرها، وتَقَدَّمَ أنَّه الزُّهَرة،
وكذا تَقَدَّمَ (إِضاءَةً): مكسور الهمزة الأولى، مفتوح الثانية، ممدودٌ،
مَنْصُوبٌ على التمييز.
قوله: (لاَ يَتْفلُونَ): هو بضَمِّ الفاء وكسرها، و (التَّفْل): شُبِّه بالبزق،
وهو أقلُّ منه، قال الجوهريُّ: أوَّله البزق، ثمَّ التَّفْل، ثمَّ النَّفْث، ثمَّ
النَّفْخ.
قوله: (أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (الرَّشْحُ): أنَّه
العرق، وكذا (مَجَامِرُهُمُ): تَقَدَّمَ قريبًا، وكذا (الأَلُوَّةُ): ضبطًا
ومعنًى، وأنَّه بفتح الهمزة وضمِّها، حكاهما ابن الأثير، وكذا (الألنجوج): في (صفة
الجنَّة)، ولغاته.
قوله: (عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ): هو بفتح الخاء، وإسكان اللام، وبضمِّهما،
قال ابن قرقول: بفتح الخاء، وسكون اللام كذا للكافة عن البُخاريِّ، وكذا ضبطه ابن
قَيِّمِ الجَوزيَّة في «حادي الأرواح»، وقال: إنَّه الرواية، وبضم الخاء واللام
عند النَّسَفيِّ، وفي «مسلمٍ» الوجهان جميعًا؛ السكون مع الفتح عن أبي كُرَيب،
والضمُّ [1] فيهما عن ابن أبي شيبة، وكلاهما صحيح، وبالضَّمِّ أوجه؛ لقوله:
أخلاقهم؛ أي: أنَّهم على خُلقٍ واحدٍ من التودُّد والتوافق، ليس في أحدٍ منهم
خُلُق يذمُّ [2]؛ لما في الحديث الآخر: «لا تباغض بينهم ولا اختلاف، قلوبهم على
قلبٍ واحدٍ»، وعلى الرواية الأخرى يكون المعنى: أنَّهم على صورة أبيهم آدم.
(1/6350)
[حديث: نعم إذا رأت الماء.]
3328# قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ [1]: حَدَّثَنَا [2] هِشَام عَنْ [3]
عُرْوَةَ): كذا في أصلنا، وقد سقط من هذا السند (يحيى بن سعيد) بين مسدَّد وهشام،
وصوابه: (حدَّثنا مسدَّد: حدَّثنا يحيى: حدَّثنا هشام)، وقد راجعت «أطراف الحافظ
جمال الدين المِزِّيِّ»، فرأيته طرَّفه على ما ذكرته على الصواب، وعلى الصواب
رأيته في أصلٍ لنا دمشقيٍّ [4] أيضًا، وأين مسدَّد وأين هشام بن عروة؟! هشامٌ تُوُفِّيَ
سنة (145 هـ)، وقال الفلَّاس: سنة (147 هـ)، ومسدَّدٌ تُوُفِّيَ سنة (228 هـ)، ولا
أعلم مولده، إلا أنَّه لا يروي عن هشام، بينهما [5] يحيى بن سعيد القَطَّان في هذا
السند، والله أعلم.
قوله: (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ [6] سَلَمَةَ): وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن
عبد الأسد، و (زينب) هذه: ربيبة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم،
تَقَدَّمَت، وكذا تَقَدَّمَت أمُّها (أمُّ سلمة): هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة،
ومتى توفِّيت، وأنَّها توفِّيت بعد مقتل الحسين، وهي آخرهنَّ موتًا رضي الله عنها.
قوله: (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ): تَقَدَّمَت [7] أيضًا، والكلام على اسمها، وهي أمُّ
أنسٍ، وأخت أمِّ حرامٍ، وزوج أبي طلحة زيدِ بن سهلٍ.
قوله: (فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غَسْلٍ [8] إِذَا احْتَلَمَتْ؟): تَقَدَّمَ
أنَّ (الغَسل) بفتح الغين، ويجوز ضمُّها، وتَقَدَّمَ أنَّ هذا السؤال سأل عنه
النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بها أربعُ نسوةٍ: سهلة بنت سهيلٍ، وخولة
بنت حكيمٍ، وبُسرة بنت صفوانَ، وأمُّ سُليمٍ في (كتاب العلم).
قوله: (فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وعلى الرواية الأخرى
أنَّ المُنكِرة في «مسلم» عائشة، ولعلَّهما أنكرتا ذلك، وقد تَقَدَّمَ ما في ذلك
في (كتاب العلم).
قوله: (فَبِمَ [9] يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟): كذا في أصلنا، وهو الفصيح؛ حذف الألف مع
الاستفهام، ووقع في بعض النسخ: (فبما)، وهو خلاف الفصيح.
وقوله: (يشبه الولدُ): (الولدُ): مَرْفُوعٌ، والمفعول محذوفٌ؛ أي: أخوالَه، والله
أعلم.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثنا يحيى).
[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (عن).
[3] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (بن)، وفي هامش (ق): (صوابه: ابن،
كتبه أبو ذرٍّ، والحديث متقدم في باب «إذا احتلمت المرأة»).
[4] في (ب): (في أصلنا الدِّمَشْقيّ).
[5] في (ب): (منهما)، وهو تحريفٌ.
[6] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَبِي).
[7] في النسختين: (تقدَّم)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[8] كذا في النسختين، وهي رواية الحديث (130)، وفتح الغين رواية (عط)، وفي
«اليونينيَّة» و (ق): (على المرأةِ الْغُسْلُ).
[9] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فَبِمَا).
[ج 1 ص 863]
(1/6351)
[حديث: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر
الناس]
3329# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابْنُ سَلاَمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن
سلَامٍ؛ بالتخفيف على الصحيح، وفي أوَّل مَرَّةً قدَّمته مُطَوَّلًا، وهنا في نسخة
هي في هامش أصلنا مُحَمَّد بن سلام [2]، وكذا تَقَدَّمَ (الْفَزَارِيُّ): أنَّه
إبراهيم بن مُحَمَّدٍ أبو إسحاقَ الفزاريُّ، مشهور الترجمة، وتَقَدَّمَ (حُمَيْدٌ
عَنْ أَنَسٍ): أنَّه بضَمِّ الحاء، وفتح الميم، وأنَّه ابن أبي حميدٍ الطويل، ابن
تير، ويقال: تيرويه، وتَقَدَّمَ أنَّ جميع ما في الكُتُب السِّتَّة (حُميدٌ عن
أنسٍ)؛ فهو هذا الطويل إلَّا في حديثين؛ الأوَّل منهما: في «البُخاريِّ»، و
«النَّسائيِّ»؛ وهو: «أخذ الراية زيدٌ فأصيب ... »؛ الحديث، والحديث الثاني: في
«البُخاريِّ»: «كأنِّي أنظر إلى غبارٍ ساطعٍ في سكة بني غنمٍ»، وقد قَدَّمْتُ ذلك
غَيْرَ مَرَّةٍ، والله أعلم.
قوله: (بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ النَّبيِّ [3] صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (عبدَ الله): مَنْصُوبٌ مفعولٌ، و (مَقْدَمُ): مَرْفُوعٌ
فاعلٌ، و (عبد الله بن سلَام)؛ بالتخفيف: ابن الحارث الإسرائيليُّ، من بني قينقاع،
وهم [4] ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلَّى الله عليهم وسلَّم، كان اسمه
في الجاهليَّة الحصين، فسمَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام عبدَ الله، وكان حليفًا
للأنصار، أسلم في أوَّل قدومه عليه الصَّلاة والسَّلام المدينةَ، ونزل في فضله:
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ
وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10]، ثمَّ قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ
شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]،
شهد مع عمر [5] فتحَ بيتِ المقدس والجابية، تُوُفِّيَ سنة (43 هـ) بالمدينة
المشرَّفة رضي الله عنه.
[ج 1 ص 863]
قوله: (إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ ... )؛
فذكرها، وأوَّلها: أوَّل أشراط الساعة، قال شيخنا: وفي «دلائل النبوَّة» للبيهقيِّ:
سأله عن السواد الذي في القمر بدل أشراط الساعة، وفي آخره: لمَّا قالت اليهود في
عبد الله بن سلَام ما قالوا، ثانيًا بعد الأوَّل: فقال عليه الصَّلاة والسَّلام:
«أَجَزْنَا الشهادةَ الأولى، وأمَّا هذه؛ فلا»، انتهى.
وقد رأيت حديثًا في السواد الذي في القمر ذكره شيخنا في شرحه في (باب صفة الشمس
والقمر بحسبان) قال: وروى عكرمة عن ابن عَبَّاسٍ فيما ذكره الطَّبَريُّ عن
مُحَمَّد بن منصورٍ الأيليِّ: حدَّثنا خَلَف بن واصل: حدَّثنا أبو نعيم، عن مقاتل
بن حيَّان، عن تكذيب كعبٍ في قوله ... إلى أن قال: ثمَّ حدَّث عن رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حديثًا فيه: «إنَّ الله لمَّا أبرم خلقه ... »؛ فذكره ...
إلى أن قال: «فأرسل جبريلَ، فأَمَرَّ جناحه على وجه القمر وهو يومئذٍ شمسٌ ثلاث
مَرَّاتٍ، فطمس عنه الضوء [6]، وبقي فيه النور، والسواد الذي ترونه شبه الخطوط فهو
أثر المحو ... » إلى آخره، فالظاهر أنَّ هذه المسؤولُ عنها، والله أعلم.
قوله: (يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ): (يَنزِع): بكسر الزاي، وفتح أوَّله،
وعين مهملة، وكذا (يَنْزِعُ) الثانية؛ ومعناه: يُجذَب، و (الولدُ): مَرْفُوعٌ
فاعل.
قوله: (آنِفًا): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بالمدِّ والقصر، وقد قُرِئ بهما في
السبع؛ ومعناه: الآن والساعة.
قوله: (ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ): يأتي الكلام عليه في (سورة
البقرة) في (التفسير) إن شاء الله تعالى.
قوله: (قَوْمٌ بُهُتٌ): هو بضَمِّ الباء والهاء؛ أي: مواجِهون بالباطل، كذا قاله
ابن قرقول، وقال ابن الأثير في الهاء: وقد تُسَكَّن تخفيفًا.
قوله: (بَهَتُونِي عِنْدَكَ): أي: قابلوني وواجهوني من الباطل بما يُحَيِّرُني.
قوله: (وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْبَرِنَا [7]): كذا في الأصل الذي سمعت منه على
العِرَاقيِّ: (أخبرنا) في الموضعين بالموحَّدة، وكذا رأيته في هامش نسخةٍ هي في
[8] أصلنا الدِّمَشْقيِّ، وفي الأصل كما أعرفه يأتي قريبًا [9]، وقد رأيت بعضهم
ضبطه بهما؛ بالموحَّدة، وبالمُثَنَّاة، وفي هامش أصلنا نسخةٌ: (وأخيرنا وابن
أخيرنا)؛ بالمُثَنَّاة تحت، وهذا الذي أعرفه أنَّه بالمُثَنَّاة تحتُ، ولا
خِبْرَةَ لي بـ (أخبرنا وابن أخبرنا)؛ بالموحَّدة، و (أخير): لُغَتُه في التفضيل:
أخيرُ وأشرُّ، والمشهور: خيرٌ وشرٌّ، قال ابن قرقول: وعند الأصيليِّ: (وخيرنا وابن
خيرنا)؛ بغير همزة وبالياء، وفي نسخة شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ: (وحَبْرنا [10])؛
بالحاء المُهْمَلَة وبالموحدة، وفي الهامش: (وأخيرنا)؛ بالمُثَنَّاة [11] تحت،
وكذا (ابن أخيرنا)، والله أعلم.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليه: (مُحَمَّد).
[2] زيد في (ب): (وكذا تَقَدَّمَ في أصلنا مُحَمَّد بن سلام).
[3] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليه: (رسول الله).
[4] في (ب): (وهو)، وهو تحريفٌ.
[5] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[6] في (ب): (الوضوء)، وهو تحريفٌ.
[7] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أخيرنا)؛ بالياء.
[8] (في): سقط من (أ).
[9] (يأتي قريبًا): ليس في (ب).
[10] في (ب): (وحبر).
[11] في (ب): (بالياء المثناة).
(1/6352)
[حديث: لولا بنو إسرائيل لم يخنز
اللحم]
3330# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر
المُوَحَّدة، وإسكان الشين المُعْجَمَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ
(عَبْدُ اللهِ) هذا: أنَّه عبد الله بن المبارك، وتَقَدَّمَ (مَعْمَرٌ): أنَّه
بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): تَقَدَّمَ
أنَّه ابن مُنَبِّه، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ [1] أنَّه عبد الرَّحْمَن بن
صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): وذلك لأنَّهم
خَبَؤوه فَخَنِزَ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر [2]
حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحم؛ ما خَنِز اللحم»،
وسيأتي قريبًا بتمامه.
قوله: (نَحْوَهُ؛ يَعْنِي: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ
... »)؛ الحديث: اعلم أنَّ الشيخ إذا حدَّث بحديث بإسناد له، وذكر متن الحديث،
ثمَّ أتبعه بإسنادٍ آخرَ، وحذف متنه، وأحال به على المتن الأوَّل بقوله: (مثلَهُ)
أو (نحوه)؛ فهل لمن سمع ذلك أن يقتصر على السند الثاني، ويسوقَ لفظ حديث السند
الأوَّل؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أظهرها: مَنْعُ ذلك، وهو قول شعبة، والثاني: جواز ذلك
إذا عُرِف أنَّ الراوي لذلك ضابطٌ مُتَحفِّظ، يذهب [3] إلى تخيير الألفاظ، وعدِّ
الحروف، فإن لم يُعرَف ذلك منه؛ لم يجز، حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم، وقال سفيان
الثَّوْريُّ: (قال فلان عن فلان) يجزئ، وإذا قال: نحوه؛ فهو حديثٌ، والثالث: أنَّه
يجوز في قوله: (مثله)، ولا يجوز في قوله: (نحوه)، وهو قول ابن معين، وعليه يدلُّ
كلام الحاكم أبي عبد الله، قال الخطيب: وهذا على مذهب مَن لم يُجِز الرواية على
المعنى، وأمَّا على مذهب مَن أجازها؛ فلا فرق بين (مثله) أو (نحوه)، قال الخطيب:
وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا؛ يورد الإسناد ويقول: (مثلَ حديثٍ
قبلَه متنُه كذا وكذا)، ثمَّ يسوقه، قال: وكذلك إذا كان المحدِّث قد قال: نحوه،
وهذا الذي أختاره، انتهى.
وانظر كيف فعل الإمام البُخاريُّ، فإنَّه ساق سند الحديث الثاني الذي أوَّله شيخه
بِشْر بن مُحَمَّد، ثمَّ قال: (نحوه)، وساق الحديث المذكور قبل السند الثاني،
فقال: (يعني: «لولا [4] بنو إسرائيل ... »)؛ الحديث، وهذا صنيعٌ حسن، والله أعلم.
تنبيهٌ: هل للمحدِّث الذي سمع الحديث بصيغة: (مثله) حذف (مثله)، ويذكر الحديث الذي
يريده؟ لم أرَ فيه كلامًا لأحد، وقد رأيت المؤلِّف رحمه الله ذكر في (الزكاة) في
(باب أجر المرأة إذا تصدَّقت أو أطعمت ... ) إلى آخر الترجمة قال: حدَّثنا آدم:
حدَّثنا شعبة: حدَّثنا منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله
عنها، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ يعني: «إذا تصدقت المرأة من
طعام زوجها ... »، فقد ظهر لي أنَّه عمل ذلك كذلك، وحذف (مثله [5])، والحديث
المحال عليه هناك [6] مذكور في «الصحيح» قُبَيل هذا الحديث المذكور هناك [7]، وهذا
أولى من حذف (نحوه)، وقد تجوَّز البُخاريُّ في الأمرين الحذفَ؛ أعني: حذف (مثله) و
(نحوه)، والله أعلم، وقد أشرت إلى المسألة في (الزكاة)، وأحلتها على هذا المكان،
ويحتمل أنَّه كذلك رواه البُخاريُّ رحمه الله، وأنَّ هذا التصرُّف من تصرُّف أحدٍ
من رواة ذاك الحديث، والله أعلم.
قوله: (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): (يَخنَز): بفتح أوَّله، وبفتح النون، وتُكسَر
أيضًا، يقال: خنَز اللحم يخنِز، وخنِز يخنَز: أنتن، ومثله: خَزِن، وخمَّ، وصلَّ،
وأخمَّ، وأصلَّ، وأنتن، قاله ابن قرقول.
قوله: (وَلَوْلاَ حَوَّاءُ [8]): هي بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الواو،
وبالمدِّ، ولا يجوز قصرها، وهي أمُّ البشر عليها السلام، وقد اختلف العلماء في
الوقت الذي خُلِقَت فيه على قولين: قال ابن عَبَّاس وابن مسعود: دخل آدم الجنَّة
وحده، فلمَّا استوحش؛ خُلِقت حوَّاء من ضِلَعه، والثاني قاله أبو إسحاق: أنَّها
خُلِقَت مِن ضِلَعه _يعني: القُصيرى اليسرى_ قبل دخوله الجنَّة، ثمَّ أُدخِلا
الجنَّة جميعًا، وفي «تاريخ ابن عساكر لدمشقَ»: أنَّها سكنت بيت لَهْيَا؛ قرية
معروفة بقرب دمشق من الغوطة، وفيه أيضًا بإسناده عن ابن عَبَّاس: سُمِّيَت
حوَّاءُ؛ لأنَّها أمُّ كلِّ حيٍّ، وفيه: أنَّ حوَّاء أُهبِطت من الجنَّة بجُدَّة،
وفيه عن عثمان بن السياح [9]: بلغني أنَّ حوَّاء وَلَدَت لآدمَ أربعين ولدًا في
عشرين بطنًا، وكانت تلد غلامًا وجارية، وعن ابن إسحاق عن الزُّهْرِيِّ وغيره
أنَّهم قالوا: وُلِد لآدمَ في الجنَّة هابيلُ وقابيلُ وأختاهما، وقال ابن إسحاق:
وبلغني عن غير هؤلاء: أنَّه لم يُولَد لآدم في الجنَّة، فالله أعلم أيُّ ذلك كان؟
وعن محرز بن عبد الله عن ابن المُسَيّب: سمعت عمر بن الخَطَّاب يقول: سمعت رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «أخبرني جبريل عليه السلام أنَّ الله
بعثه إلى أُمِّنا حوَّاءَ حين دَمِيَت، فنادت ربَّها: جاء منِّي دمٌ لا أعرفه،
فناداها: لأُدْمِيَنَّكِ وذُرِّيَّتَكِ، ولأجعلنَّه لَكُنَّ كفَّارةً وطَهُورًا»،
قال الدَّارَقُطْنيُّ: حديثٌ غريبٌ، انتهى [10].
ويردُّ هذا ما في «الصحيح»: «هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم»، قال البُخاريُّ في
(الحيض) من هذا «الصحيح»: وقال بعضهم: كان أوَّل ما أُرسِل الحيضُ على بني
إسرائيل، وقول النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أصحُّ؛ يعني: «هذا أمرٌ
كتبه على بنات آدم».
فائدةٌ: اختُلِف في نبوَّة حواءَ، والصحيح: أنَّها ليست نبيَّة، وسأذكر ذلك مع
غيره في (باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]).
قوله: (لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا [11]): قال القاضي عياض كما نقله النَّوويُّ
عنه: معنى الحديث: أنَّها أمُّ بنات آدمَ فأَشْبَهْنَها، ونزع العِرق؛ لما جرى لها
في قصَّة الشجرة مع إبليس، فزيَّن لها [12] أكلَ الشجرة، فأغواها، فأخبرت آدمَ
بالشجرة، فأكل منها، انتهى.
وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر حديثًا مرفوعًا عن ابن
عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحمَ؛ ما خَنِز اللحم، ولولا حوَّاء خانت آدمَ
في
[ج 1 ص 864]
قولها لإبليس؛ ما خانت امرأةٌ زوجَها»، انتهى، وإنَّما ساقه الذَّهَبيُّ إنكارًا
عليه، والله أعلم، وأمَّا شيخنا فنقل عن قتادة: أنَّ المنَّ والسلوى كان يسقط على
بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ كسقوط الثلج، فيُؤخَذ منه بقدر ما يغني
ذلك اليوم إلَّا يوم الجمعة، فإنَّهم يأخذون له وللسبت، فإن تَعَدَّوا به أكثر من
ذلك؛ فَسَدَ ما ادَّخروا، فكان ادِّخارهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، انتهى
كلام قتادة، وقال بعضهم: لمَّا نزلت المائدة عليهم؛ أُمِروا ألَّا يدَّخروا،
فادَّخروا، وقيل: يحتمل أن يكون مِن اعتدائهم في السبت، انتهى.
==========
[1] زيد في (ب): (أبو هريرة).
[2] في (ب): (نظر)، وهو تحريفٌ.
[3] (يذهب): سقط من (ب).
[4] في النسختين: (لا)، والمثبت هو الصواب.
[5] في (ب): (مثل)، وهو تحريف.
[6] في (ب): (ذلك).
[7] (هناك): سقط من (ب).
[8] في هامش (ق): (لأنَّ إبليس زيَّن لها أكل الشجرة فأغواها، فأخبرت آدمَ
بالشجرة، فأكل منها).
[9] كتب فوقها في (أ): (كذا، يُحرَّر)، وفي (ب): (الشماح).
[10] (انتهى): ليس في (ب).
[11] زيد في (أ): (الدهر)، وهي ثابتة في رواية الحديث (3399).
[12] (لها): سقط من (ب).
(1/6353)
[حديث: استوصوا بالنساء فإن المرأة
خلقت من ضلع]
3331# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ): أمَّا (أبو
كريب)؛ فهو مُحَمَّد بن العلاء، تَقَدَّمَ مرارًا، وأمَّا (موسى بن حزام)؛
فبالزاي، ثقةٌ مشهورٌ، داعيةٌ إلى السُّنَّة، ترمذيٌّ، روى عنه البُخاريُّ،
والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن أبي داود، وقد أخرج له البُخاريُّ مقرونًا كما
ترى، وقد وثَّقهُ النَّسائيُّ وغيره.
قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ): هذا هو حُسين بن عليِّ بن الوليد
الجعفيُّ، عن خاله الحسنِ بنِ الحُرِّ، وجعفر بن بُرقان، والأعمش، وعنه: أحمد،
وعبدٌ، وابن الفرات، قال أحمد: ما رأيت أفضل منه ومن سعيد بن عامر، وقال يحيى بن
يحيى: إن بَقِيَ أحدٌ من الأبدال؛ فهو، تُوُفِّيَ في ذي القعدة سنة (203 هـ)، وله
أربع وثمانون سنة، أخرج له الجماعة.
قوله: (عَنْ زَائِدَةَ): هذا هو زائدة بن قُدامة، أبو الصلت الثقفيُّ الكوفيُّ
الحافظ، تَقَدَّمَ، و (أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أيضًا، واسمه سلمان.
قوله: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ): يحتمل أنَّ يكون معناه: أوصوا بهنَّ، وقد جاء
(استفعل) بمعنى الفعل، ويحتمل أن يكون (استفعل) على أصله؛ وهو طلب الفعل، فيكون
معناه: اطلبوا الوصيَّة من المريض بالنساء؛ لأنَّ عائد المريض يُستَحَبُّ له أن
يحثَّ المريضَ على الوصيَّة، ذكرهما ابن الجوزيِّ، قاله شيخنا.
قوله: (مِنْ ضِلَعٍ): هو بكسر الضاد المُعْجَمَة، وفتح اللام، ويجوز تسكينها،
والضِّلَع التي خُلِقَت منه المرأة _يعني: حوَّاء_ تَقَدَّمَ أنها القُصَيرى،
ويقال لها: القُصْرَى، وكانت في الجانب الأيسر، نام آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم نومةً [1]، فاستلَّ المَلَك ضِلَعه، فخلق الله منها حوَّاء عليهما
السلام، وجُعِل مكانها لحمٌ، وقد قَدَّمْتُ أنَّهم اختلفوا متى خُلِقَت من ضِلَعه،
فقيل: قبل دخوله الجنَّة، فدخلاها، وقيل: خُلِقَت في الجنَّة، وينبغي أنَّا إذا
قلنا: (نام، فاستلَّ المَلَك ضِلَعه) أن يكون ذلك قبل الدخول للجنَّة، وأمَّا
الجنَّة؛ فلا نوم فيها، ويحتمل أن يقال: إنَّ النوم لا يكون فيها في الدار الآخرة
إذا دخلها المؤمنون، والله أعلم.
قوله: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ): ضربه مثالًا على
المرأة؛ لأنَّ فيه اللسان، وهو الذي يُبغَى منها، وقيل في قوله تعالى:
{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]: إنَّه كان في لسانها طولٌ، فأذهب
الله ذلك عنها، ولبعضهم نظمُ معنى الحديث:
~…هِيَ الضِّلَعُ العَوْجَاءُ لَسْتَ تُقِيمُهَا…أَلَا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ
انْكِسَارُهَا
~…أَتَجْمَعُ ضَعْفًا واقْتِدَارًا عَلَى الفَتَى…أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفُهَا واقْتِدَارُهَا؟!
قال شيخنا هنا: «إنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه»؛ يريد: اللسان، قاله الداوديُّ،
وهو غريبٌ، انتهى.
قوله: (أَعْلَاهُ): صوابه: أعلاها، وكذا قوله: (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ): صوابه:
عوجاء؛ لأنَّ الضِّلَع مؤنَّثة، اللهمَّ إلَّا أن يُقال: إنَّ هذا ليس له فَرْجٌ
حقيقيٌّ، ويحتمل عود (أعوج) إلى (أعلى الضِّلَع)، قاله شيخنا بمعناه.
قوله: (تُقِيمُهُ؛ كَسَرْتَهُ): أي: بالطلاق، وكذا في «مسلم»: «وكسرها طلاقها».
==========
[1] في (ب): (عليه السلام يومه).
[ج 1 ص 865]
(1/6354)
[حديث: إن أحدكم يجمع في بطن أمه
أربعين يومًا]
3332# قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان،
و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: (إنَّ [1] خَلْقَ [2] أحَدِكُمْ): (إنَّ)؛ بكسر الهمزة، كذا ضبطه النَّوويُّ
في «شرح مسلم»، وفي أصلنا هنا مفتوح الهمزة، والذي ضبطه النَّوويُّ على الحكاية،
وقال بعضهم عن أبي البقاء: لا يجوز هنا إلَّا الفتح؛ لأنَّ قبله «حدَّثنا»، ولو
جاز الكسر؛ لجاز في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ
تُرَابًا وَعِظَامًا} [المؤمنون: 35] الكسرُ، وردَّ القاضي شمس الدين ابنُ
الجَونيِّ، وقال: الكسر واجبٌ؛ لأنَّه الرواية، انتهى.
قوله: (مِثْلَ ذَلِكَ): في الموضعين مَنْصُوبٌ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (مُضْغَةً): هي قطعة لحمٍ بقدر ما يُمْضَغ في الفم، وقد تَقَدَّمَت.
قوله: (فَيَكْتُبُ عَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَرِزْقَهُ): (يَكتبُ): مَبْنيٌّ للفاعل،
و (عملَه): مَنْصُوبٌ مفعول، والباقي معطوف عليه، ويُقرَأ أيضًا: (فيُكتَب [3]):
مبنيًّا لِمَا لمَ يُسَمَّ فاعلُه، و (عملُه): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل،
والباقي [4] معطوف عليه [5].
قوله: (ثُمَّ [6] يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ): (يُنفَخ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ
فاعِلُهُ، و (الروحُ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.
==========
[1] في هامش (ق): («إنَّ» أيضًا بالكسر، وقد تَقَدَّمَ ذلك فيما مضى في الهامش في
هذه الكراسة، وتَقَدَّمَ أنَّ في الهمزة الفتحَ أيضًا).
[2] (خلق): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.
[3] (فيكتب): سقط من (ب).
[4] في (ب): (والثاني).
[5] وهي رواية «اليونينيَّة»، والمثبت أوَّلًا موافق لرواية أبي ذرٍّ، وهي في (ق)
معًا.
[6] في (ب): (لم)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 865]
(1/6355)
[حديث: إن الله وكل في الرحم ملكًا
فيقول: يا رب نطفة]
3333# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن
الفضل عَارم، وتَقَدَّمَ أنَّ معنى (عَارم): الشِّرِّير أو الشَّرِس، وأنَّه كان
بعيدًا منها.
قوله: (يَا رَبِّ؛ نُطْفَةً): هو مَنْصُوبٌ مُنَوَّن، وكذا (عَلَقَةً)، وكذا (مُضْغَةً)،
وبخطِّ أبي جعفر مَرْفُوعٌ مُنَوَّن في الثلاثة [1]، وإعرابهما ظاهرٌ.
(1/6356)
[حديث: أن الله يقول لأهون أهل النار
عذابًا: لو أن لك ما في الأرض.]
3334# قوله: (عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا اسمُه عبدُ
الملك بن حبيب، من علماء البصرة.
قوله: (يَرْفَعُهُ): تَقَدَّمَ أنَّ قوله: (يرفعه)، أو (يبلُغُ به)، أو (روايةً)،
أو (يَنْميه) مَرْفُوعٌ كلُّه، قال ابن الصلاح: وحكم ذلك عند أهل العلم حكمُ
المرفوع صريحًا، والله أعلم.
قوله: (لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا): (أهون) هنا: مجرورٌ بالكسرة؛ لأنَّه
أُضِيف، وظاهر الحديث: أنَّ أهونَهم عذابًا أبو طالبٍ؛ أعني: المُخَلَّدِين.
==========
[ج 1 ص 865]
(1/6357)
[حديث: لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على
ابن آدم الأول كفل من دمها]
3335# قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): تَقَدَّمَ أنَّ
(غِياثًا) بالغين المُعْجَمَة المكسورة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت، وفي آخره ثاء
مُثَلَّثَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن
مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ القارئ، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل
رضي الله عنه.
قوله: (إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ): تَقَدَّمَ اسمه في (الجنائز).
قوله: (كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا): أي: نصيب، وقال الخليل: ضِعْفٌ، يُستَعمَل في الأجر
والوِزْرِ، قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: 28]،
وقال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}
[النساء: 85].
قوله: (لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في
(الجنائز)، والله أعلم.
==========
[ج 1 ص 865]
(1/6358)
[باب: الأرواح جنود مجندة]
[ج 1 ص 865]
قوله: (بَابٌ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، [فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا؛ ائْتَلَفَ،
وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا؛ اخْتَلَفَ] [1]): أي: جموع مجتَمِعة، وقيل: أجناسٌ
مختلفةٌ، قاله ابن قرقول، وفي «النهاية»: مُجَنَّدة؛ أي: مجموعةٌ؛ كما يقال: ألوفٌ
مُؤَلَّفةٌ، وقناطيرُ مُقَنْطَرَةٌ؛ ومعناه: الإخبار عن مبدأ كون الأرواح
وتقدُّمِها الأجسادَ؛ أي: أنَّها خُلِقَت أوَّلَ خَلْقِها على قسمين مِن ائتلاف
واختلاف؛ كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت؛ ومعنى تقابل الأرواح: ما جعلها
عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق، يقول: إنَّ الأجساد التي فيها
الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف على حسب ما خُلِقَت عليه؛ ولهذا ترى
الخيِّر يحبُّ الأخيار ويميلُ إليهم، والشِّرِّير يحبُّ الأشرار ويميلُ إليهم.
==========
[1] ما بين معقوفين هو من لفظ الحديث اللاحق، لا من لفظ الباب.
(1/6359)
[حديث: الأرواح جنود مجندة فما تعارف
منها ائتلف]
3336# قوله: (وَقَالَ [1] اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ... ) إلى آخره:
هذا تعليقٌ مجزومٌ به، و (الليث): هو ابن سعد، و (يحيى بن سعيد): هو الأنصاريُّ، و
(عَمْرَةُ): هي بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زرارة، وجدُّها سعد بن زرارة هو أخو
أسعد بن زرارة، الأنصاريَّة، وهي من أجلِّ التابعيَّات، هي وحفصةُ بنت سيرين وأمُّ
الدرداء الصغرى، وقد قَدَّمْتُ ذلك، وتعليق الليث ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة
إلَّا مَا هُنا، وقال شيخنا: رواه الإسماعيليُّ عن عبد الله بن صالح: حدَّثنا
مُحَمَّد بن إسماعيل، وليس بـ «البُخاريِّ»: حدَّثنا عبد الله بن صالح: حدَّثنا
الليث به، انتهى.
وعبد الله بن صالح هو كاتب الليث، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه عَلَّقَ له
البُخاريُّ، واستشهد به في «الصحيح»، وقيل: إنَّه روى عنه [2] في «الصحيح»، وهذا
هو الصحيح على قول المِزِّيِّ، وقد تَقَدَّمَ، ويجيء في (الفتح) في (التفسير)،
وسيجيء قريبًا من كلام الإسماعيليِّ: أنَّه ليس من شرط هذا الكتاب، وفيه نظرٌ على
ما صحَّحه المِزِّيُّ.
قوله: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا):
(يحيى بن أيُّوب) هذا: ليس هو ابنَ أبي زرعة بن عمرو بن جرير البَجَليَّ الكوفيَّ
الذي يروي عن جدِّه، والشعبيِّ، وغيرِهما، وعنه: ابن المبارك، وأبو أسامة، وأبو
أحمد الزبيريُّ، ومُحَمَّد بن يوسف الفِرْيَابيُّ، وآخرون، وثَّقهُ أبو داود، وقال
ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: هو أحبُّ إليَّ من أخيه جرير بن أيُّوب،
وإنَّما هو يحيى بن أيُّوب الغافقيُّ، أبو العَبَّاس المصريُّ، مولى بني أُمَيَّة،
وأحد علماء مصر، عن جعفر بن ربيعة، وبُكَيْر بن الأَشَجِّ، وسهل بن معاذ
الجُهَنِيِّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ، وخلقٍ، وعنه: جرير بن حازم، والليث بن
سعد، وابن المبارك، وابن وَهْب، وخلقٌ، قال ابن معين: صالح، وقال مَرَّةً: ثقةٌ،
وقال أبو حاتم: محلُّه الصدق، ولا يُحتَجُّ به، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ،
تُوُفِّيَ سنة ثمان وستِّين ومئة، أخرج له الجماعة، له ترجمةٌ في «الميزان»،
وتعليقه هذا ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، قال شيخنا ما معناه:
أخرجه الإسماعيليُّ من حديث سعيد بن الحكم [3] أبي مريم: حدَّثنا يحيى ... ،
فذكره، قال الإسماعيليُّ: ابن صالحٍ ليس من شرط الكتاب، وكذا يحيى بن أيُّوب
المصريُّ، وهو عنده ممَّن لا يخرِّجه في هذا الكتاب في الرواية إلَّا استشهادًا،
ثمَّ جاء بهذا الحديث، وهما رَوَيَاه مُرسلًا بلا خبر، صارَ أقوى لو ذكرهما،
وبنحوه ذكره أبو نعيم، ثمَّ قال: كلتا الروايتين ذَكَرَهُما مرسلًا بلا رواية،
وأُراه كان عنده عن أبي صالحٍ عن الليث، فكفَّ عن ذكره، ثمَّ ذكر شيخنا شيئًا
طويلًا يتعلَّق بذلك، انتهى.
وقول الإسماعيليِّ عن يحيى بن أيُّوب: (ليس من شرط الكتاب) فيه نظرٌ، فقد أخرج له
البُخاريُّ وبقيَّة الأئمَّة السِّتَّة، وقدَّمت أعلاه ما قيل فيه، وأمَّا (ابن
صالح)؛ فقد قَدَّمْتُ الكلام؛ هل أخرج له في الأصول، أم لا؟ وأنَّ الصحيحَ عند المِزِّيِّ:
أنَّه أَخرَج له، ولا خلاف أنَّه عَلَّقَ له واستشهد به، والله أعلم، وإنَّما أتى
بالتعليق الثاني؛ لأنَّ الليث عنعن عن يحيى بن سعيد _وهو الأنصاريُّ_ فأتى بهذا؛
لتصريحه بالتحديث من يحيى، وإن حُوشِيَ الليث من التدليس، إلَّا ليخرج من خلافِ
مَن خَالَف.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو، وهي ثابتة في
رواية أبي ذرٍّ.
[2] في (ب): (إنه بدري)، وهو تحريفٌ.
[3] زيد في النسختين تبعًا لما في «التوضيح» (19/ 291): (بن)، وليس بصحيح.
[ج 1 ص 866]
(1/6360)
[باب قول الله عز وجل: {ولقد أرسلنا
نوحًا إلى قومه}]
قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى [1]: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى
قَوْمِهِ} [نوح: 1]): (نوحٌ) النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2] اسمه
أعجميٌّ، والمشهور صرفه، وقيل: يجوز صرفه وعدمه، والآيات [3] والأحاديث في ذكره والثناء
عليه معلومةٌ، وهو نوح بن لمَك بن مَتُّوشَلَخ بن أخنُوخ بن يَرْد بن مهلائيل بن
قَيْنان بن أنوش [4] بن شيث بن آدم، أرسله الله إلى ولد قابيل ومَن تابعهم من ولد
شيث، عاش صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] ألفَ سنةٍ، وأحواله مشهورةٌ، واسمه
عبد الغفَّار، قاله السُّهَيليُّ، وقيل: يسكن [6]، وقيل: يشكر [7]، وأمُّه اسمها
سمحاء بنت أنوش، وسيأتي أيضًا في النسب الشريف إن شاء الله تعالى.
قوله: ({بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27]: مَا ظَهَرَ لَنَا): {بَادِيَ} هنا [8]:
بغير همزٍ، مفتوح الياء؛ لتتَّفق القراءة [9] مع التفسير، وفي {بَادِيَ} قراءتان؛
قرأ أبو عمرو: بهمزة مفتوحة بعد الدال، والباقون: بياء مفتوحة، والتفسير المذكور
هنا على قراءة الباقين، لا على قراءة أبي عمرٍو، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: ({أَقْلِعِي} [هود: 44]: أَمْسِكِي): هما بقطع الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: ({الْجُودِيِّ} [هود: 44]: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ): يعني: جزيرة ابن عمر من
ناحية المَوْصِل، وجزيرة ابن عمر منسوبةٌ إلى الرئيس عبد العزيز بن عمر
البرقعيديِّ الذي [10] بناها، قاله ابن خَلِّكان، وذكر ابن المستوفي مؤرِّخِ
(إربل): أنَّ الذي أنشأها أوس وكامل ابنا عُمر بن أوس الثعلبيِّ، وقيل: هي منسوبة
إلى أمير العراق يوسفَ بنِ عُمرَ الثقفيِّ، قاله الذَّهَبيُّ في «طبقات الحُفَّاظ»
في ترجمة ابن الأثير، والله أعلم.
تنبيهٌ: قال شيخنا مجد الدين في «قاموسه»: والجوديُّ: جبلٌ بالجزيرة استوت عليه
سفينة نوح عليه السلام، وجبلٌ بأَجَأَ، انتهى.
(1/6361)
[باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه ... }]
(1/6362)
[حديث: إني لأنذركموه وما من نبي إلا
أنذره قومه]
3337# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن
جَبَلَة بن أبي رَوَّاد، وأنَّ لقبه عبدان، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد اللهِ) بعده:
ابن المبارك، أحد الأعلام، وأنَّ (يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ
(الزُّهْرِيَّ): هو مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أحد أعلام
الإسلام.
قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ): أشهر من أن يُذكَر، وقد ذكرت فيه بعض كلام،
وسأذكره أيضًا في (الفتن) حيث ذكره البُخاريُّ، وقد أحلت فيما مضى الكلامَ فيه على
«التذكرة» للقرطبيِّ، فإنَّه أطال فيه.
قوله: أَنْذَرَ (لَقَدْ أَنْذَرَهُ [1] نُوْحٌ قَوْمَهُ): سُئِلتُ: لمَ خصَّ
النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نوحًا بالذكر دون غيره من الأنبياء؟
والذي يظهر أنَّ نبيَّنا أنذر أُمَّته بمثل ما أَنذَرَ به نوحٌ قومَه؛ فلهذا خصَّه
بالذِّكْرِ وإنْ كان جميع الأنبياء أنذروا قومَهم، لكن لم ينذَروا ويخبَروا بصفته
على الكيفيَّة التي ذكرها النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولم يذكرها
كذلك إلَّا نوح؛ فلهذا خصَّه بالذِّكْرِ، وقد زاد عليه الصَّلاة والسَّلام عليهم:
بأنَّ الدَّجَّال أعورُ، وأنَّ الله ليس بأعور، فإن قيل: لمَ لمْ يَقُل: إنَّما
خصَّه بالذِّكْرِ لطول المُدَّة الماضية عليه؟ فالجواب: أنَّ آدم أقدمُ منه، ولم
يخصَّه، وكذا لم يذكر إدريس _على القول بأنَّه خنوخ_ بالذِّكْرِ، وظهر لي جوابٌ
آخرُ؛ وهو أنَّ نوحًا أطولُ الرُّسُل في قومهم مكثًا، وإذا كان كذلك؛ فالظاهر
تكرار الإنذار منه لقومه بهذه الفتنة العظيمة [2]، ومع هذا المكث الطويل والإنذار
الكثير لم يَقُلْ ما قلتُه مِن كونه أعور، وأنَّ الله ليس بأعور، فإنَّ هذه الصفة
في غاية الوضوح؛ لأنَّ العَوَر في العين ظاهرٌ لكلِّ مَن يراه، فلم يُحِلْ أمَّتَه
على علامةٍ باطنةٍ، ولا على قرينةٍ، ولا صفةٍ خَفِيَّة، بل وصفه بأوضح الصفات،
والله أعلم.
قوله: (تَعْلَمُونَ): هو بإسكان العين، وأمَّا (تَعَلَّمُوا)؛ فذاك فيه عملٌ آخرُ؛
بالتشديد في اللام، واتَّفق الرواة عليه؛ بمعنى: اعلموا.
==========
[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَنْذَرَ).
[2] (العظيمة): ليس في (ب).
[ج 1 ص 866]
(1/6363)
[حديث: ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما
حدث به نبي قومه]
3338# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دكين،
وكذا تَقَدَّمَ (شَيْبَانُ): أنَّه [ابن] عبد الرَّحْمَن، و (يَحْيَى): أنَّه ابن
أبي كَثِير، و (أَبُو سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_
ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.
[ج 1 ص 866]
قوله: (إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ): (إنَّه): بكسر الهمزة في
الموضِعَين.
(1/6364)
[حديث: يجيء نوح وأمته فيقول الله
تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم]
3339# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو
التَّبُوذكيُّ [1]، وقد تَقَدَّمَت [2] ترجمته، والكلام على نسبته، وتَقَدَّمَ
(الأَعْمَشُ)، وأنَّه سليمان بن مِهْرَان الكاهليُّ، وتَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ):
أنَّه ذكوان الزيَّاتُ السَّمَّان، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيْدٍ): أنَّه سعد [3] بن
مالك بن سنان الخُدْرِيُّ رضي الله عنه.
(1/6365)
[حديث: أنا سيد القوم يوم القيامة]
3340# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد
المُثَنَّاة تحت [1]، واسمه يحيى بن سعيد بن حَيَّان، وجدُّه [2] ككنيته، يروي عن أبي
زرعة والشعبيِّ، وعنه: يحيى بن سعيد القَطَّان وأبو أسامة، مات سنة (145 هـ)،
إمامٌ ثبت، أخرج له الجماعة.
قوله: (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه اسمه هرم، وقبل ذلك، ابن
عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ.
قوله: (فِي دَعْوَةٍ): هي بفتح الدال: الطعام المدعوُّ إليه، ودِعوة النَّسَب:
بالكسر، كذا لكافَّة العرب إلَّا عديَّ الرِّباب _بكسر الراء_ فإنَّهم يعكسون
الأمر، فيكسرون دِعوة الطعام، وتفتح في النسب.
قوله: (فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ): (الذراع): يؤنَّث ويُذَكَّر، وجاء هنا:
(فرُفِعَ) على التذكير، وأيضًا لو لم يجز إلَّا التأنيث؛ لكان هذا جائزًا؛ لأنَّ
الفعل تَقَدَّمَ، وليس للمذكور فَرْجٌ حقيقيٌّ، والله أعلم.
قوله: (فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً): هما بالسين المُهْمَلَة، والمُعْجَمَة [3]
للأصيليِّ، ومعناهما واحدٌ، وقيل: بالمُهْمَلَة: الأخذ بأطراف الأسنان،
وبالمُعْجَمَة: بالأضراس، وقال الخَطَّابيُّ بالعكس، وقال ثعلبٌ: النهس: سرعة
الأكل.
قوله: (بِمَ [4]؟ يَجْمَعُ): كذا في هامش أصلنا، وعليها علامة راويها، وفي الأصل
(بمَن)، ولها وجهٌ؛ وهو أن يكون على الاستفهام، والله أعلم.
قوله: (فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ): (الصَّعيد): وجه الأرض.
قوله: (فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ): (يُبصِرهم): بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه رُباعيٌّ،
و (الناظرُ): مَرْفُوعٌ فاعلٌ، والضمير في (يبصرهم): مفعول.
قوله: (وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي): (يُسمعهم): بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ أيضًا، و
(الداعي): فاعلٌ، والضمير في (يُسمعهم): مفعولٌ.
قوله: (أَلَا تَرَوْنَ): هي التي للاستفتاح، بفتح الهمزة، وتخفيف اللام.
قوله: (إِلَى مَا بَلَغَكُمْ): الظاهر أنَّه يجيء فيه ما يأتي [في]: (وَمَا
بَلَغَنَا).
قوله: (وَمَا بَلَغَنَا): هو بفتح الغين، هذا هو الصحيح، وكذا هو مضبوطٌ في أصلنا
بالقلم ليس غير، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: وضبطه بعض المُتَأخِّرين بالفتح
والسكون، وله وجهٌ، لكنَّ الصحيح ما تَقَدَّمَ؛ يعني: الفتح.
قوله: (وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ): (الشجرة): هي المذكورة في قوله
تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:
35]؛ أي: الضَّارِّين بأنفسكم، و (الظلم [5]): وضع الشيء في غير موضعه، وهي شجرة
الكَرْم، وقيل: السنبلة، وقيل: شجرة العلم، عليها معلوم الله من كلِّ لون وطعم،
وقال شيخنا: ذكر الماورديُّ: أنَّها البُرُّ [6]، وقيل: التين، وقيل: الكافور،
وقيل: الكَرْم، وقيل: العلم؛ وهو علم كلِّ شيء، وقيل: ما لم يُعلَم، وقيل: شجرة
الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة، انتهى، وقوله: (تأكل منها الملائكة) فيه
وقفةٌ، وقد قَدَّمْتُ ذلك _والله أعلم_ في (ذكر الملائكة).
قوله: (فَعَصَيْتُهُ): اعلم أنَّه اختَلَف العلماءُ؛ هل وقع من الأنبياء صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين [7] بعد النبوَّة صغائرُ الذنوب يؤاخَذُون بها،
ويعاتَبون عليها، ويُشفِقُون على أنفسهم منها، أم لا؟ بعد اتِّفاقهم على أنَّهم
معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي تُزرِي بفاعلها، وتحطُّ منزلته، وتُسقِط
مروءَته، إجماعًا عند القاضي أبي بكر، وعند الأستاذ أبي بكر: أنَّ [8] ذلك مقتضى
دليل المعجزة، وعند المعتزلة: أنَّ ذلك مقتضى دليل العقل، على أصولهم، وقال
الطَّبَريُّ وغيره من الفقهاء والمتكلِّمين والمحدِّثين: تقع الصغائر منهم، خلافًا
للرافضة؛ حيث قالوا: إنَّهم معصومون من جميع ذلك كلِّه، واحتجُّوا بما وقع من ذلك
في التنزيل، وثبت من تنصُّلهم من ذلك في الحديث، وهذا ظاهِرٌ لا خفاء به، وقال
جمهورٌ من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشَّافِعيِّ: إنَّهم معصومون من
الصغائر كلِّها؛ كعصمتهم من الكبائر أجمعِها؛ لأنَّا أُمِرنا باتِّباعهم في
أفعالهم وأقوالهم وآثارهم وسيَرهم أمرًا مطلقًا من غير التزام قرينةٍ، فلو جوَّزنا
عليهم الصغائرَ؛ لم يمكن الاقتداءُ بهم؛ إذ [9] ليس كلُّ فعلٍ مِن أفعالهم يتميَّز
بقصده من القربة، والإباحة والحظر، أو المعصية، ولا يصحُّ أن يُؤمَر المرءُ
بامتثال أمرٍ لعلَّه معصيةٌ، لا سيَّما مَن يرى تَقَدُّمَ الفعل على القول إذا
تعارضا مِن الأصوليِّين.
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينيُّ: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الأكثرون:
أنَّ ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة، وقال بعض
المُتَأخِّرين ممَّن ذهب إلى القول الأوَّل: والذي ينبغي أن يُقال أنَّ الله تعالى
قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن
أنفسهم، وتنصَّلوا منها [10]، واستغفروا منها، وكلُّ ذلك ورد في مواضعَ كثيرةٍ لا
تقبل التأويل جملتُها وإن قبل ذلك آحادها، وكلُّ ذلك ممَّا لا يزري بمناصبهم،
وإنَّما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو
تأويل دعا إلى ذلك، فهي إلى غيرهم حسنات، وفي حقِّهم غيرُ ذلك بالنسبة إلى مناصبهم
وعلوِّ أقدارهم؛ إذ [11] قد يُؤاخَذ الوزير بما يُثَاب عليه السائس، فأشفَقُوا من
ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة، وقال: هذا هو الحقُّ، ولقد
أحسن الجُنَيد رحمة الله عليه [12] حيث قال: حسنات الأبرار سيِّئات المُقَرَّبين،
فهم صلى الله عليهم وسلم [13] وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع شيءٍ منهم؛ فلم
يُخِلَّ ذلك بمناصبهم، ولا قَدَحَ في رُتَبِهم [14]، بل قد تلافاهم، واجتباهم
[15]، وهداهم، ومدحهم، وزكَّاهم، واختارهم، واصطفاهم، صلوات الله وسلامه عليهم،
والذي ينبغي أن يُعتَقدَ [16]: أنَّهم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوَّة
وبعدها، وأنَّ ما ورد في ظاهر القرآن أو السُّنَّة كلُّه [17] قد أُجِيب عنه، وكان
الأَولى والأحسنُ بنا الكفَّ [18] عن الكلام والخوضِ في هذه المسألة، والله [19]
المُوَفِّق.
تنبيهٌ: هذا القول في الشفاعة العظمى في إراحة الناس إلى الحساب، وإلَّا؛ فقد جاء
أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُشَفِّع آدمَ يوم القيامة في ذرِّيته في مئةِ ألفِ ألفٍ
وعَشَرة آلافِ ألفٍ؛ كما رواه الطَّبَرانيُّ من حديث أنسٍ بإسناد ضعيف، والله
أعلم، وقد ذكره الذَّهَبيُّ [20] في «ميزانه» في ترجمة يزيد بن أبان الرَّقاشيِّ،
قال الذَّهَبيُّ: لا نعرف هذا إلَّا عند التَّبُوذكيِّ _يعني: موسى بن إسماعيل_:
حدَّثنا نوح بن [21] قيس عن يزيدَ الرَّقاشيِّ، عن أنسٍ مرفوعًا ... ؛ فذكره،
انتهى.
قوله: (أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ [22] الأَرْضِ): قال المازريُّ: قد
ذكر المؤرِّخون أنَّ إدريسَ جدُّ نوحٍ، فإن قام دليلٌ على أنَّ إدريسَ أُرسِل
أيضًا؛ لم يصحَّ قولُ النسَّابين: إنَّه قبل نوح؛ لإخبار النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم عن آدم أنَّ نوحًا أوَّلُ رسول بعثه الله، وإن لم يَقُمْ دليلٌ؛
جازَ ما قالوه، وصحَّ أن يُحمَل أنَّ إدريسَ كان نبيًّا غيرَ مُرسَل، قال القاضي
عياض: وقد قيل: إنَّ إدريس هو إلياس، وإنَّه كان نبيًّا في بني إسرائيل_كما جاء في
بعض الأخبار_ مع يوشع بن نون، فإن كان هكذا؛ سقط الاعتراض، وبمثل هذا يسقط
الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى مَن معهما وإن كانا رسولين، فإنَّ آدم إنَّما
أُرسِل لبنيه، ولم يكونوا كُفَّارًا، بل أُمِرَ بتبليغهم الإيمان وطاعةَ الله،
وكذلك خَلَفَه شيث بعده فيهم، بخلاف رسالة نوحٍ إلى كُفَّار أهل الأرض، قال
القاضي: وقد رأيت أبا الحسن بن بَطَّالٍ ذهب إلى أنَّ آدم ليس برسول؛ ليسلم من هذا
الاعتراض، وحديث أبي ذرٍّ الطويل ينصُّ على أنَّ آدمَ وإدريسَ رسولان، هذا آخر
كلام القاضي، وحديث أبي ذرٍّ المشار إليه قال شيخنا: أخرجه بطوله ابن حِبَّانَ،
انتهى، وقد تَقَدَّمَ ذلك في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ): إن قيل: كم مقدار هذه السجدة؟ فالجواب:
أنَّها مقدار جمعة، كذا في «مسند أحمد» من حديث أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه،
ولفظه: (فيخرُّ ساجدًا قدر جمعة، [ويقول الله عزَّ وجلَّ: ارفع رأسك، وقُلْ؛
يُسمَع، واشفَعْ؛ تُشفَّع، قال: فيرفع رأسه، فإذا نظر إلى ربِّه عزَّ وجلَّ؛ خرَّ
ساجدًا قدر جمعة أخرى] [23]، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ارفعْ رأسك، وقُلْ؛ يُسمَع،
واشفَعْ؛ تُشفَّع، فيذهب ليقع ساجدًا، فيأخذ جبريل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
[24] بضَبْعَيه، فيفتح الله عليه من الدعاء ما لم يفتحه على بشرٍ ... )؛ الحديث،
ففي هذا الحديث: أنَّ مقدار السجدة الأولى والثانية كلُّ واحدةٍ مقدار جمعة، وقد
جاء في بعض الأجزاء زيادة؛ وهو: مقدار كلِّ يوم مقدارُ عشر سنين، وسأذكره بعد هذا،
وأمَّا الثالثة؛ فلا أحفظ في مقدارها شيئًا، وخُذْ ما ذكرتُ لك هيِّنًا [25]، وقد
قال لي الإمام الحافظ زين الدين عمر القرشيُّ الدِّمَشْقيُّ يعرِّض ببعض الكبار أن
يُمتَحَن بمقدار هذه السجدة، ولم يذكر مقدارها لي القرشيُّ، وإنَّما رأيتها أنا في
«المسند»، والله أعلم.
==========
[1] (تحت): ليس في (ب).
[2] في (أ) مضبوطًا: (كجدُّه)! وفي (ب): (بجده)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو
الصَّوابُ.
[3] في (ب): (وبالمعجمة).
[4] كذا في النسختين، وهي رواية الكشميهني وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق)
بعد الإصلاح: (بمن).
[5] في (ب): (والضُّر).
[6] في (ب): (البرد)، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).
[8] في (أ): (أتى)، وهو تحريفٌ.
[9] (إذ): سقط من (ب).
[10] في (ب): (بها).
[11] في (ب): (أو)، وهو تحريفٌ.
[12] في (ب): (رحمه الله).
[13] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).
[14] في (ب): (ولا يقدح في رتبتهم).
[15] في (ب): (واختارهم).
[16] في (ب): (نعتقد).
[17] (كله): ليس في (ب).
[18] في (ب): (والأحسن بالكف).
[19] زيد في (ب): (أعلم وهو).
[20] (الذهبي): سقط من (ب).
[21] في (ب): (عن)، وهو تحريفٌ.
[22] (أهل): سقط من (ب).
[23] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[24] في (ب): (عليه السلام).
[25] في (ق): (هنا).
[ج 1 ص 867]
(1/6366)
[حديث: أن رسول الله قرأ: {فهل من
مدكر}]
3341# قوله: (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا [1] أَبُو أَحْمَدَ):
(أبو أحمد) هذا: هو مُحَمَّد بن عبد الله بن الزُّبَير بن عمر بن درهم الزبيريُّ،
[الأسديُّ] مولاهم، وليس من [2] ولد الزُّبَير بن العَوَّام، وقد تَقَدَّمَ، وله
ترجمة في «الميزان».
تنبيهٌ: وقع في أصلنا تحت (أبي أحمد) ما لفظه: (الزُّبَير بن عمر بن درهم [3])،
انتهى، وفي ذلك نظرٌ، إنَّما اسمه مُحَمَّد بن عبد الله، كما ذكرت لك نَسَبَه،
والله أعلم.
قوله: (عَنْ سُفْيَانَ): الظاهر أنَّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريُّ؛ وذلك
لأنَّ الحافظ عَبْد الغَنيِّ في «الكمال» والذَّهَبيَّ في «التذهيب» لم يذكرا في
ترجمة الزبيريِّ روايته عن ابن عُيَيْنَة، إنَّما ذكرا في ترجمته الثَّوْريَّ، و
(أَبُو إِسْحَاق): عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، روى عنه السفيانان، وقد
تَقَدَّمَ [4] مرارًا، و (الأَسْوَد بْن يَزِيدَ): هو [5] النَّخَعيُّ، و (عَبْد
اللهِ) بعده: هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.
قوله: (مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ): يعني: بالدال المُهْمَلَة، وفيها قراءة
شاذَّة سأذكرها في (التفسير) في (القمر).
==========
[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا)، وزيد قبلها
في «اليونينية» وهامش (ق): (بن نصر)، وهي ساقطة من رواية أبي ذرٍّ.
[2] في (ب): (وليس مولًى، بل)، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب): (إبراهيم)، وهو تحريفٌ.
[4] زيد في (ب): (قريبًا وبعيدًا).
[5] في (ب): (والأسود هو ابن يزيد).
[ج 1 ص 867]
(1/6367)
[باب: {وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال
لقومه ألا تتقون ... }]
[ج 1 ص 867]
قوله: (بَابُ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]): {إِلْيَاسَ}:
قرأه [1] الجمهور بتحقيق الهمزة المكسورة، وعن ابن ذكوان وصلُها، وهو إلياس بن
ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون، وقيل: هو إدريس، وقد نقل ذلك البُخاريُّ هنا
عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، ولو ترجَّح عند البُخاريِّ أنَّه ابن ياسين بن فنحاص
بن العيزار بن هارون؛ لم يذكره هنا قبل إبراهيم وغيره [2]، ولكنَّه لمَّا احتمل
عنده أن يكون إدريس، واحتمل أن يكون آخرَ في حدود وقته؛ ذكره قُبَيل إدريس،
وعقَّبه بما ذكره عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، والذي يظهر من حال البُخاريِّ
اختيارُ أنَّه إدريس، والله أعلم، وقال شيخنا عن ابن التين عن ابن عَبَّاس [3]:
إنَّ إدريس هو اليسع، انتهى.
أُرسِل إلياسُ إلى بَعْلَبَك؛ مدينة، و (بك): اسمُ صنمٍ، و (البعل): الربُّ.
تنبيهٌ: ذكر شيخنا عن الحاكم حديثًا صحَّح إسنادَه الحاكمُ عن أنس: أنَّ إلياس
اجتمع مع النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في بعض السَّفرات، قال شيخنا:
وخالفه ابن الجوزيِّ في تصحيحه، انتهى، بل ذكره في «موضوعاته»، ثمَّ قال في آخره:
هذا حديثٌ موضوعٌ لا أصل له، ويزيد المَوْصِليُّ وأبو إسحاقَ الجُرشيُّ لا
يُعرَفان، وقد روى أبو بكر النَّقَّاش: أنَّ مُحَمَّد بن إسماعيل البُخاريَّ سُئِل
عن الخضر وإلياس؛ هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النَّبيُّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لا يبقى على رأس مئة سنة ممَّن هو على ظهر الأرض أحد»؟!
انتهى.
ويزيدُ المَوْصِليُّ: هو يزيد بن يزيد [4] الموصليُّ التيميُّ مولاهم، كذا في سند
الحديث المذكور، وأبو إسحاق الجُرشيُّ رواه عن الأوزاعيِّ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ
يزيدَ بن يزيد في «ميزانه»، فقال: يزيد بن يزيد البلويُّ الموصليُّ، عن أبي إسحاق
الفزاريِّ بحديثٍ باطلٍ، خرَّجه الحاكم في «مستدركه» فقال: حدَّثنا أحمد بن سعيد
المعْدانيُّ ببخارى: حدَّثنا عبد الله بن محمود: حدَّثنا عبدان بن سيَّار: حدَّثنا
أحمد بن عبد الله البرقيُّ: حدَّثنا يزيد بن يزيد البلويُّ: حدَّثنا أبو إسحاق
الفزاريُّ عن الأوزاعيِّ، عن مكحول، عن أنس ... ؛ فذكره، قال الإمام الذَّهَبيُّ
عَقِيبه: فما استحيا [5] الحاكم من الله يصحِّح مثلَ هذا! انتهى.
وقد رأيت هذا الحديثَ في «المستدرك» في (دلائل النبوة)، قال الذَّهَبيُّ عقيبه في
«تلخيصه»: (وقول الحاكم: «صحيح الإسناد»، بل موضوعٌ، قبَّح الله مَن وضعه، وما كنت
أحسب ولا أجوِّز أنَّ الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحِّح هذا)، ثمَّ ساق
الذَّهَبيُّ سنده إلى يزيد البلويِّ، ثمَّ [6] قال: فإمَّا هذا افتراه، وإمَّا [7]
ابن سيَّار، انتهى.
وقد ذُكِرَ الخضرُ وإلياسُ أنَّهما رويا عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم حديث: «مَن كذب عليَّ ... »، رواه ابن الصلاح في بعض تخاريجه، قال
الذَّهَبيُّ: وهو حديثٌ باطلٌ، وقد ذكر هذا الحديثَ المشارَ إليه في «ميزانه» في
ترجمة مُحَمَّد بن عبد الله بن الخَيَّام، ثمَّ قال: قال ابن الصلاح: هذا وقع لنا
في نسخة من حديث الخضر وإلياس، قال الذَّهَبيُّ: ولا أدري مَن وضعها، انتهى.
قوله: (يُذْكَرُ بِخَيْرٍ): (يُذكَر) [8]: مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ،
وكذا (يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ): مَبْنيٌّ أيضًا لِما لمْ
يُسَمَّ فاعِلُهُ.
==========
[1] في (ب): (قراءة).
[2] في (ب): (ولا غيره).
[3] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[4] في (ب): (بريد)، وهو تصحيفٌ.
[5] في (ب): (استحى).
[6] (ثم): ليس في (ب).
[7] في (ب): (وإنما)، وهو تحريفٌ.
[8] (بخير يذكر): سقط من (ب).
(1/6368)
[باب ذكر إدريس عليه السلام]
قوله: (بَابُ ذِكْرِ إِدْرِيسَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه هل هو أبٌ للنَّبيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أم لا [1]، في أوَّل هذا التعليق، وفي ظاهر هذه
الورقة [2]، وفي حديث الإسراء؛ فراجعه، وتَقَدَّمَ أعلاه الكلام على (إلياس) في
أنَّه إدريس، ولو كان عند البُخاريِّ أنَّ إدريس في النسب الشريف؛ لذكره قبل نوح،
والله أعلم.
==========
[1] (لا): سقط من (ب).
[2] في (ب): (التعليق، وفي الورقة التي قبل هذه).
[ج 1 ص 868]
(1/6369)
[حديث: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل
جبريل]
3342# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا انَّه عبد الله بن
عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وأنَّ لقبه عَبدان، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد اللهِ)
بعده: هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ):
مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (ح): تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابةً ونطقًا في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (كَانَ أَبُو ذَرٍّ [2] يُحَدِّثُ): تَقَدَّمَ الكلام على (أبي ذرٍّ)،
وأنَّه جُندب بن جُنادة، وقيل غير ذلك، وبعض ترجمته، وسيأتي.
قوله: (وَأَنَا بِمَكَّةَ): هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا إلَّا ما ذكرت لك عن
تفسير ابن عبد السلام العلامة عزِّ الدين في «تفسيره الصغير» في (سورة سبحان)،
ولعلَّه سبق قلم، والله أعلم.
قوله: (ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ): تَقَدَّمَ الكلام بِلُغَاتِه في حديث الإسراء في
أوَّل (الصلاة)، وكذا (مِنْ ذَهَبٍ)، وكذا (مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا)،
وذكرت ما استنبطه بعضهم من قوله: (من ذهب)، وهو استنباطٌ حسنٌ، وقدَّمت سؤالًا
وجوابه [3] في أنَّ الحكمة والإيمان ليسا بجسم [4]، وكذا قوله: (لِخَازِنِ
السَّمَاءِ: افْتَحْ)، تَقَدَّمَ أنَّ اسمه إسماعيل، وعزوت ذلك للكتاب الذي هو
فيه، وكذا ذكرت: (أُرْسِلَ إِلَيْهِ) ما معناه، وكذا (الأَسْوِدَة)، وكذا
(النَّسَمُ)، وكذا ذكرت في حديث الإسراء في أوَّل (الصلاة) الحكمةَ في اختصاص
هؤلاء الأنبياء المذكورين برؤيته عليه الصَّلاة والسَّلام دون غيرهم، وذكرت اختصاص
كلِّ سماء بذلك النَّبيِّ الذي هو فيها من عند السُّهَيليِّ؛ فانظره.
قوله: (وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ): (يُثبِت): بضَمِّ أوَّله، وكسر
المُوَحَّدة.
قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ): كذا هنا، وسيأتي الكلام على ذلك مع ذكر
موسى في السابعة آخر «الصحيح».
قوله: (فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ؛ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
وَالأَخِ الصَّالِحِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه وجوابه، وأنَّه جاء في بعض طرقه:
(والابن الصالح).
قوله: (ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى ... ) إلى أن قال: (ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى):
المعروف المشهور أنَّ عيسى في الثانية، وكذا يحيى، كما سلف في الحديث [5].
قوله: (قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ): تَقَدَّمَ في (الصلاة) أنَّه أبو بكر
بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، وتَقَدَّمَ الخلاف في اسمه، وقائل ذلك هو
الزُّهْرِيُّ، كما تَقَدَّمَ في (الصلاة).
قوله: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ): تَقَدَّمَ الكلام على رواية أبي بكر ابن حزم عن ابن
عَبَّاس في (الصلاة)، وأنَّها ممكنة.
قوله: (وَأَبَا حَبَّةَ [6]): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوَّل (الصلاة) في
(الإسراء) أنَّ رواية ابن حزم عن أبي حبَّة لا شكَّ في عدم اتِّصالها؛ لأنَّ أبا
حبَّة قُتِل يوم أُحُد، وكانت في الثالثة، وأبو بكر تُوُفِّيَ سنة عشرين ومئة، وهو
ابن أربع وثمانين سنة، فيما ذكر غير واحد من العلماء، وسيأتي بعضُ هذا قريبًا من
كلام الدِّمْيَاطيِّ حيث ذكره، فإنَّه لم يذكره هنا، بل بُعَيده، وذكرت هناك في
(الصلاة) في (أبي حبَّة) ثلاثةَ ضُبُوطٍ، وذكرت الخلاف في اسمه؛ فانظره.
[ج 1 ص 868]
قوله: (حَتَّى ظَهَرْتُ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: علوتُ، وكذا تَقَدَّمَ
(لِمُسْتَوًى)؛ وهو الصعيد والمكان العالي، وتَقَدَّمَ ضبطه، وكذا (صَرِيفَ
الأَقْلاَمِ) تَقَدَّمَ.
قوله: (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في
(الصلاة) في (الإسراء)؛ فانظره، وأنَّ قائله هو الزُّهْرِيُّ، وأنَّ (أنسًا)
مَرْفُوعٌ على ما يظهر، والله أعلم، وقد قال الدِّمْيَاطيُّ هنا ما لفظه: (ابن
حزم: هو أبو بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، قاضي المدينة زمانَ الوليد وأميرُها
من سليمان وابن عمِّه عمر، مات سنة (120 هـ) [7]، وقد بلغ (84) سنة، قُتِلَ أبوه
يوم الحَرَّة، ورواية أبي بكرٍ عن أبي حبَّة بن ثابت منقطعة؛ لأنَّه قُتِلَ يوم
أحُد)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ ذلك في غضون كلامي بزيادةٍ في حديث الإسراء في
(الصلاة) من هذا التعليق.
قوله: (فَرَجَعْتُ [8] حَتَّى أَمُرّ): يجوز في (أمرّ) النصب والرفع، وهما ظاهران.
قوله: (مَا الَّذِي فرضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟): (فرض): مَبْنيٌّ للفاعل وللمفعول،
وكذا التي بعدها، وعلى البناء لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعله في نسخةٍ: (خمسون)؛ بالرفع،
وهو نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
قوله: (فَوَضَعَ شَطْرَهَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة)، وأنَّ المراد بـ
(الشطر): الجزء، وبذلك يُجمَع بين الأحاديث.
قوله: (فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهُنَّ [9] خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ
لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ): في هذا نظرٌ، والذي
يظهر أنَّما أمره بالمراجعة قبل الخمس، وقبل قوله: (لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)،
وكيف يكون هذا؟! اللهمَّ إلَّا أن يكون موسى لم يعلم بقوله تعالى: (لَا يُبَدَّلُ
الْقَوْلُ لَدَيَّ)، والله أعلم، وسيأتي بأطولَ من [10] هذا مع غيره، وتَقَدَّمَ
في كلامي أنَّه جاء في روايةٍ: أنَّه قاله بعد العلم بقوله: (لَا يُبَدَّلُ
الْقَوْلُ لَدَيَّ).
قوله: (حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وما
الحكمة في أنَّها سدرة، في (الصلاة) في (الإسراء).
قوله: (جَنَابِذُ): تَقَدَّمَ الكلام عليها [11] في (الصلاة)، وأنَّ هذه هي الصواب،
لا (حبائل) التي وقعت هناك، والله أعلم.
(1/6370)
[باب قول الله تعالى: {وإلى عاد أخاهم
هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}]
قوله: ({وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]): قال ابن هشام: هودٌ:
اسمه عابر _وقيل: عيبر_ ابن أرفخشذ _ويقال: الفخشذ_ ابن سام بن نوح، وقال قتادة
فيما ذكره عَبْد بن حُمَيدٍ: كانت عادٌ أحياء باليمن أهل رملٍ مشرفين على البحر
بأرض يقال لها: الشحر، وقال ابن قُتَيْبَة: هود هو عبد الله بن رياح بن محارب بن
عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكان أشبهَ ولد آدم بآدم خلا يوسف، وكانت عليه
ثلاثة عشر قبيلةً ينزلون الرمل، وبلادهم أخصب بلاد، وبلادهم بالدَّوِّ، والدهناء،
وعالج، ويَبْرين، ووبار، وعُمَان إلى حضرموت، إلى اليمن، فلمَّا سخط الله عليهم؛
جعلها مفاوزَ وغيطانًا، فلمَّا هلكوا؛ لحق هود بمكَّة حتى تُوُفِّيَ بها، نقله
شيخنا.
قوله: ({إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21]): (الأحقاف) في
اللغة: جمع (حِقْفٍ)؛ وهو المعوجُّ من الرمل، ويُجمَع أيضًا على حِقاف، و
(الأحقاف): ديار عاد، وقال بعضهم: (الأحقاف): جمع «حِقْفٍ»، وقيل: جمع «حِقاف»؛
الذي هو جمع «حِقْف»؛ وهو ما اعوجَّ من الرمل وعَظُم كهيئة الجبال، وهي منازلهم
برمالٍ مشرفة بالشَّحَر من اليمن، وقيل: جبال بالشام، وقيل: وادٍ بين عُمَان
ومُهْرة، وقيل: بين عُمَان وحضرموت، وعن عليٍّ رضي الله عنه: شرُّ وادٍ بين الناس
وادي الأحقاف، ووادٍ بحضرموت يُدعَى برهوت، تُلقَى فيه أرواح الكفَّار، وخيرُ وادٍ
بمكَّة، ووادٍ نزل به آدم عليه السلام بأرض الهند.
قوله: (فِيهِ: عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أمَّا حديث عطاء _وهو ابن أبي رَباح المَكِّيُّ_
عن عائشة؛ فسبق في (بَدء الخلق) مسندًا: (كان النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم إذا رأى مخيلة في السماء ... )؛ الحديث، وأمَّا حديث سليمان _وهو ابن
يسار_ عن عائشة؛ هو ما يذكره في (تفسير سورة الأحقاف) مسندًا [1] عنه عنها، وفي
(الأدب) أيضًا، لكن لا يذكر الريح وعاد، بل أصل الحديث، والله أعلم.
==========
[1] (مسندًا): ليس في (ب).
[ج 1 ص 869]
(1/6371)
[باب قول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر}]
(1/6372)
[حديث: نصرت بالصبا وأهلكت عاد
بالدبور.]
3343# قوله: (عَنِ الْحَكَمِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن عتيبة [1] القاضي،
وقدَّمت فيه غلطًا للبخاريِّ؛ فانظره.
قوله: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا): (نُصِرت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا
(وَأُهْلِكَتْ): مَبْنيٌّ مثله، و (عَادٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن نائبٌ مَنَابَ
الفاعل، و (الصَّبا): بالقصر، وفتح الصاد، تَقَدَّمَ الكلام عليها، وكذا على
(الدَّبُورِ)، وأنَّه بفتح الدال المُهْمَلَة، وتخفيف الباء المُوَحَّدة،
والأُولى: الريح الشرقيَّة، ونُصِر بها في الخندق، والدَّبُور: الريح الغربيَّة.
==========
[1] في (ب): (عتبة)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 869]
(1/6373)
[حديث: من يطع الله إذا عصيت أيأمنني
الله على أهل الأرض ... ]
3344# قوله: (وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): أمَّا (ابن كثير)؛ فقد طرَّف هذا الحديثَ
المِزِّيُّ [1] فقال: البُخاريُّ في (التفسير)، وفي (أحاديث الأنبياء) _يعني: هذا
المكان_ عن مُحَمَّد بن كَثِير، وفي (التفسير) مختصرًا، وفي (التوحيد) بتمامه عن
قَبِيصة بن عقبة، وفي (التوحيد) عن إسحاق ابن نصر، عن عبد الرَّزَّاق؛ ثلاثتهم عن
سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريِّّ عن أبيه، وفي (المغازي) عن قُتَيْبَة، عن عبد
الواحد بن زياد، عن عمارة بن القعقاع بن شُبْرُمة؛ كلاهما _يعني: سعيد بن مسروق
وعُمارة_ عنه _يعني: عن عبد الرَّحْمَن بن أبي نُعْم أبي الحكم البَجَليِّ
الكوفيِّ_ عن أبي سعيد، وأخرجه أيضًا مسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.
وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان) وفلانٌ
المسنَدُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛ أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا،
وهذا (مُحَمَّد بن كَثِير) بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، العبديُّ البصريُّ،
تَقَدَّمَ، لا مُحَمَّد بن كَثِير الصنعانيُّ، هذا الثاني ليس له شيء في
«البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، إنَّما روى له أبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ،
وقد اختُلِط بأَخَرة [2]، وكونُ الراوي عنه البُخاريُّ هنا مُحَمَّدَ بن كَثِير
عزاه شيخنا لأبي نعيم في «مستخرجه»، و (سفيان): تَقَدَّمَ في كلام المِزِّيِّ [3]
أنَّه الثَّوْريُّ، و (ابن أبي نُعْم [4]): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه عبد الرَّحْمَن
بن أبي نُعْم، وهو البَجَليُّ، أبو الحكم الكوفيُّ، مشهور الترجمة، و (أبو سعيد):
سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.
قوله: (بِذُهَيْبَةٍ): هي تصغير (ذهب)، وأدخل الهاء فيها؛ لأنَّ الذهب يؤنَّث،
والمؤنَّث الثلاثيُّ إذا صُغِّر؛ أُلحِق في تصغيره الهاء؛ نحو قوله: قُوَيسة
وشُمَيسة، وقيل: هو تصغير (ذهب) على نيَّة القطعة منه، فصغَّرها على لفظها، قاله
ابن الأثير.
قوله: (فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ [5]: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ): تَقَدَّمَ
الكلام عليه، وكذا (عُيَيْنَة)، وكذا (زَيْدٍ) الخيل، وأمَّا (عَلْقَمَة بْن
عُلَاثَةَ)؛ فـ (عُلَاثة): بضَمِّ العين المُهْمَلَة، وتخفيف اللام، ثمَّ ثاء
مُثَلَّثَة بعد الألف [6]، ثمَّ تاء التأنيث، وهو علقمة بن عُلَاثة بن عوف بن
الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامريُّ الكلابيُّ، من الأشراف،
ومن المؤلَّفة قلوبهم، وقد ذكرتهم، وذكرته فيهم فيما تَقَدَّمَ، ثمَّ ارتدَّ حين
عاد النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الطائف، عاد إلى قومه بعد وفاته
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأرسل إليه أبو بكر سريَّة فانهزم، ثمَّ أسلم
وحَسُن إسلامه، واستعمله عمر رضي الله عنه على حوران، فمات بها.
قوله: (يُعْطِي صَنَادِيدَ): (الصناديد): السادات الشجعان، جمع (صِنديد).
قوله: (فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ): هذا الرجل هو ذو الخويصرة
حُرقوصُ بن زُهير، رأس الخوارج، قُتِل فيهم يوم النَّهْرَوان، تَقَدَّمَ بما فيه.
تنبيهٌ: ذكر شيخنا: أنَّه ذو الخويصرة، ثمَّ قال: وفي الحديث: «إنَّه لا يدخل النار
مَن شهد بدرًا والحديبية حاشى رجلًا معرورقًا منهم»، قيل: هو حُرقوصُ بن زهير
السعديُّ، ذكره شيخنا اليعمريُّ، انتهى؛ يعني: أبا الفتح ابن سيِّدِ النَّاسِ، ولم
أرَ أنا هذا في أهل بدر، ولا في أهل الحديبية في «سيرة أبي الفتح اليعمريِّ»،
والله أعلم.
قوله: (غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ): أي: غير جَاحِظَتَين، بل داخلتان في
نُقْرَتَيهِما، والعرب تُسَمِّي العظمَين اللذين فيهما غارَين.
[ج 1 ص 869]
قوله: (مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ): هو بالشين المُعْجَمَة، وبالفاء؛ أي: عالي عظام
الخدَّين، يقال: وجنة؛ بتثليث [7] الواو، وفيها غير ذلك، و (أُجنة) [8]، وقد
تَقَدَّمَ.
قوله: (نَاتِئُ الْجَبِينِ): هو بالنون في أوَّله، ثمَّ ألف، ثمَّ مُثَنَّاة فوق
مكسورة، ثمَّ همزة؛ أي: مرتفع، و (الجبين): فوق الصُّدْغ، ولكلِّ إنسانٍ جبينان،
عن يمين الجبهة وشمالها، وقد تَقَدَّمَ.
قوله: (فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ): كذا هنا
بالحسبان الذي هو الظنُّ، وفي «الصحيح»: أنَّه خالد من غير حسبان؛ بل جزم به، وفي
أخرى أنَّه عمر [9]، والظاهر أنَّهما سألا ذلك، فتارةً ذكر الراوي هذا، وتارة هذا،
والله أعلم.
قوله: (إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا): (الضِّئْضِئ): بضادين معجمتين مكسورتين، بعد
كلِّ واحدة همزة؛ الأولى ساكنة؛ ومعناه: مِن نسله وأصله، وقد ذكره ابن قرقول مع
الهمزة في المُهْمَلَة أيضًا مع الهمز، فقال: («يخرج من صئصى هذا»: بصاد مهملة،
مهموز الوسط، كذا لأبي ذرٍّ، وقيَّدَه الأصيليُّ، والقابسيُّ، وابن السكن، وعامَّة
شيوخنا عن مسلم: بضاد معجمة، وكلاهما صحيحٌ بمعنًى، وقال أهل اللغة: يقال بهما
وبالسين أيضًا؛ ومعناه: الأصل، وقيل: النسل)، انتهى.
والعمل الذي ذكره في المُعْجَمَة يأتي في المُهْمَلَة وفي السين، وقد ذكره ابن
الأثير في المُعْجَمَة مع الهمز، فقال: الضئضئ: الأصل، يقال: ضِئْضِئُ صِدْقٍ،
وضَوْضَأ صدق، وحكى بعضهم: ضِيضِيء؛ بوزن «قِنْدِيل»؛ يريد: أنَّه يخرج من نسله
وعقبه، ورواه بعضهم بالصاد المُهْمَلَة، وهو بمعناه، انتهى.
قوله: (قَوْمٌ): كذا في أصلنا، وصُحِّح عليه، فعلى هذا اسمها ضميرٌ محذوفٌ؛
تقديره: (إنَّه).
قوله: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ): أي: الطاعة؛ أي: طاعة أئمَّتهم.
قوله: (وَيَدَعُونَ): هو بفتح الدال؛ أي: يتركون.
قوله: (قَتْلَ عَادٍ): أي: فما ترى لهم من باقية؛ كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرَى
لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، وفي رواية أخرى: (ثمود)، يحتمل التعدُّد بحسب
المَجَالِس أو المجلس؛ إذ من شأنه عليه الصَّلاة والسَّلام التأكيد والتَّكرار؛
يريد: قتلَهم عامًّا بحيث لا يبقى منهم أحدٌ في وقتٍ واحدٍ، والله أعلم.
==========
[1] زيد في (ب): (في «أطرافه»).
[2] في (ب): (وقد اختلف بآخره)، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب): (النووي)، وهو تحريفٌ.
[4] في (ب): (نعيم)، وهو تحريفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[5] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة»
وهامش (ق): (الأربعة).
[6] في (ب): (ألف).
[7] في النسختين: (تثليت)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[8] في (ب): (أوجنة).
[9] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
(1/6374)
[حديث: سمعت النبي يقرأ: {فهل من
مدكر}]
3345# قوله: (عَنْ [1] إِسْرَائِيلَ): هذا هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عَمرِو
بن عبد الله السَّبيعيِّ، روى إسرائيل عن جدِّه أبي إسحاق، و (الأَسْوَد): هو ابن
يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود.
==========
[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثنا).
[ج 1 ص 870]
(1/6375)
[باب قصة يأجوج ومأجوج]
قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}
[الكهف: 83]): وفي نسخة بعد (باب قصَّة يأجوج ومأجوج، وقولِ الله تعالى: {قَالُوا
يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف:
94]) [1]، اعلم أنَّ ذا القرنين سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه عاش مضيَّ قرنين، وقيل: كان
له ضفيرتان [2]، وقيل: إنَّه رأى في المنام أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فعُبِّر
ببلوغه المَشْرِق والمَغْرِب، وقيل: كان في رأسه شبه قرنين صغيرين تواريهما
العِمامة، أو لأنَّه شُجَّ [3] قرنا رأسه _أي: طرفاه_ في سبيل الله، أو لأنَّه
مَلَكَ فارس والروم، أو كان كريم الطَّرَفين أبًا وأمًّا، أو جمع علم الظاهر
والباطن، أو كان يحارب بيده وركابه، وقيل: كان نبيًّا، وقيل: كان مَلِكًا صالحًا
أحبَّ الله فأحبَّه، واسمه عبد الله بن الضَّحَّاك بن سعد [4]، وقيل: مرزبان بن
مرذبة، من ولد يونان بن يافث [5]، وقيل: هو الإسكندرمس الروميُّ، وقيل: هو الإسكندر
المعروف، انتهى كلام ابن عبد السلام العلَّامة عزِّ الدين، والظاهر أنَّه نبيٌّ
عند البُخاريِّ؛ لأنَّه ذكره في (كتاب [6] الأنبياء).
تنبيهٌ: روى الحاكم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: «ما أدري ذا
القرنين كان نبيًّا أم لا؟»، وقال: إنَّه على شرط البُخاريِّ ومسلم، قال [7]: ولا
أعلم له علَّةً، انتهى [8]، ذكر ذلك شيخنا، وقد رأيته في «تلخيص المستدرك»
للذهبيِّ في (كتاب الإيمان)، قال الحاكم [9]: على شرطهما ولا أعلم له علَّة،
انتهى.
وقال السُّهَيليُّ ما ملخَّصه: رُوي عن عليِّ بن أبي طالبٍ [10]: أنَّه كان عبدًا
صالحًا دعا قومه إلى عبادة ربِّه، فضربوه على قرنَي رأسه ضربتين، وفيكم مثله؛
يعني: نفسَه، وقيل: كان له ضفيرتان [11] من شعرٍ، والعرب تسمِّي الخُصلة من الشعر
قرنًا، وقيل: إنَّه رأى في المنام في رؤيا طويلةٍ أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فكان
التأويل أنَّه بلغ المشرق والمغرب [12]، وأمَّا اسمه؛ فقال ابن هشام: مَرْزُبَى بن
مَرْذَبَة؛ بذال مفتوحة ثمَّ اسم أبيه، وزايٍ في اسمه، وقيل: فيه هُرْمس، وقيل:
هِرْديس، وقال ابن هشام في مكانٍ آخرَ: اسمه الصعب بن ذي مراثد، وهو أوَّل
التَّبابعة، وقيل: إنَّه أفريدون بن أثْفِيان، قال ابن هشام: من أهل مصر، وإنَّه
الذي بنى الإسكندريَّة فعُرِفَت به، وهذا قولٌ بعيدٌ ممَّا تَقَدَّمَ، ويحتمل أن
يكون [13] الإسكندر سُمِّي ذا القرنين أيضًا؛ تشبيهًا له بالأوَّل؛ لأنَّه مَلَكَ
ما بين المشرق والمغرب [14]، وقيل في اسمه غيرُ ذلك، والله أعلم، وقيل في اسمه:
قيصرة، ذكره مقاتل في «تفسيره»، وفي «غُرَر التبيان» للإمام الصالح قاضي القضاة
بدر الدين ابن جماعة: أنَّ اسمه [15] الإسكندريس، نقله شيخنا، وقال غير
السُّهَيليِّ: هل كان عبدًا، أو مَلَكًا، أو مَلِكًا، أو نبيًّا؟ على أقوال، وذكر
مأخذ كلِّ قول.
قوله: (بَابُ قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ): كذا في نسخةٍ في هامش أصلنا، اعلم
أنَّ يأجوج ومأجوج بالهمز الساكن وعدمه، وهما قراءتان في السبع، ويأجوج رجل،
ومأجوج كذلك، وهم إخوتنا لأبٍ وأمٍّ من آدم وحوَّاء عند جماهير العلماء، كما [16]
نقله النَّوويُّ _رحمه الله_ عنهم [17] في «فتاويه»، قال: وقيل: إنَّهم من بني آدم
لا من حوَّاء، فيكونون إخوتَنا لأبٍ، قال: ولم يثبت في قدر أعمارهم شيء، قال: وذكر
المفسِّرون وأهل التواريخ في ذلك شيئًا ولا يثبت، انتهى، فإن أردت أن تقف على
الكلام فيهم وما يتعلق بهم [18]؛ فانظره في «التذكرة» للقرطبيِّ وغيرها، ولي فيهم
شيئًا إلى ماذا نُسِبوا إن شاء الله تعالى في تفسير (سورة الحج) منهم [19]؛
فانظره.
قوله: (وَيُقَالُ: الصُّفْرُ): هو بضَمِّ الصاد وكسرها، تَقَدَّمَ في (الوضوء).
قوله: (فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ): قال ابن قرقول: («استطاع يستطيع:
استفعل، من طُعْت له؛ فلذلك فُتِح استطاع يستطيع، وقيل: أَسطاع يُسطيع»؛ معنى قوله
هذا: أنَّه من الطاعة، قال سيبويه: (أَسطاع يُسطيع) إنَّما هو أطاع يُطيع، وزاد
السين؛ عوضًا عن حركة
[ج 1 ص 870]
الألف، وقال غيره: (استطاع): قدر، والاستطاعة: القدرة على الشيء، وأصله من
الطاعة)، انتهى.
وقال شيخنا: («اسطاع: استفعل، من طُعت له؛ فلذلك فُتِح»، يريد فُتِح الفاءُ في
مستقبله؛ لأنَّه [20] لو كان كما قال بعض أهل اللغة: (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة؛ لكان
مستقبله (يُسطيع)؛ بضَمِّ الياء [21]، انتهى، وينبغي أن يحرَّر هذا الكلام، وفي
أصلنا: (مِنْ أَطَعْتُ [22] لَهُ): الهمزة ملحقةٌ، والكلمة مضبوطةٌ على ثبوتها،
وفي أصلنا: (اسطاع)؛ بهمزة وصلٍ [23] وقطعٍ أيضًا، والقطع طارئٌ عليها.
وقوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ)؛ بهمزة وصلٍ، و (يَسْتَطِيعُ)؛ بفتح
الياء، وفي نسخة في هامش أصلنا: (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة، (يُسطيع)؛ بضمِّها، وعليها
علامة راويها، فعلى رواية (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة ومضمومها في المضارعة؛ فهو
رُباعيٌّ، قال الجوهريُّ: الاستطاعة: الإطاقة، وربَّما قالوا: (اِسْطاع يَسطيع)
يحذفون التاء؛ استثقالًا لها مع الطاء، ويكرهون إدغام التاء فيها، فتُحرَّك السين،
وهي لا تُحرَّك أبدًا، وقرأ حمزة: {فَمَا اسْطَّاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:
97]؛ بالإدغام، فجَمَع بين الساكنين، وذكر الأخفش: أنَّ بعض العرب يقول: (اِستاع
يَستيع)، فيحذف الطاء [24]؛ استثقالًا، وهو يريد (استطاع يستطيع)، قال: وبعض العرب
[25] يقولون: (أَسطاع، يُسطيع)؛ بقطع الألف، وهو يريد أن يقول: (أَطاع، يُطيع)،
ويجعل السينَ عوضًا من ذهاب حركة الفعل، انتهى.
وحاصل ما في هذه اللفظة: (اِسْتطاع)، الثانية: (اِسْطاع)؛ بهمزة وصلٍ، وهي فرعُ
الأولى، فحذفوا التاء؛ لأنَّها قريبةٌ من الطاء، واستثقلوا اجتماعهما، فحذفوا
التاء؛ تخفيفًا، الثالثة: (اِسْتاع)؛ بهمزة الوصل أيضًا، والمضارع من هذه اللُّغات
الثلاث بفتح حرف المضارعة، الرابعة: (أَسطاع)؛ بهمزة القطع، الخامسة: (أَستاع)؛
بهمزة القطع أيضًا، والتاء فيهما بدل من الطاء كما في اللُّغة الثالثة، والمضارع
في هاتين اللُّغتين مضمومٌ، واختلفوا في السين من هاتين اللُّغتين، والكلام فيها
معروفٌ، والله أعلم.
قوله: ({جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98]): هذه بالمدِّ، وهي قراءة الكوفيِّين،
وهذا التفسير الذي ذكره البُخاريُّ لهذه القراءة، لا لقراءة الباقين؛ فاعلمه.
قوله: (وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ
السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه [26]، و
(المُحبَّر)؛ بفتح المُوَحَّدة المُشَدَّدة: المُخطَّط، وجاء في رواية: (طريقة
سوداء، وطريقة حمراء)، قال: قد رأيته يريد حُمرة النُّحاس وسواد الحديد، وتعليقه
هذا: قال شيخنا: أسنده ابن مردويه في «تفسيره» عن سليمان بن أحمد: حدَّثنا أحمد بن
مُحَمَّد بن يحيى: حدَّثنا أبو الجماهر: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن
رجلين، عن أبي بَكْرة الثقفيِّ: أنَّ رجلًا أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم؛ فقال: يا رسول الله؛ إنِّي قد رأيته _يعني: السُّدَّ_ فقال: «كيف هو؟»
قال: كالْبُرْدِ [27] الْمُحَبَّرِ، قال: «قد رأيتَه»، قال: وحدَّثنا قتادة أنَّه
قال: طريقة حمراء من نحاسٍ، وطريقة سوداء من حديدٍ، وقال نعيم بن حَمَّاد في كتاب
«الفتن» [28]: حدَّثنا مسلمة ابن عليٍّ: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة: قال
رَجُلٌ: يا رسول الله؛ قد رأيت الردم، وإنَّ الناس يكذِّبونني، فقال: «كيف
رأيته؟»، قال: رأيته كالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قال: «صدقت، والذي نفسي بيده؛ لقد
رأيته ليلة الإسراء، لَبِنة من ذهبٍ، ولَبِنة من رصاصٍ»، انتهى.
قوله: (رَأَيْتَهُ): هو بفتح تاء الخطاب [29]، وهذا ظاهِرٌ.
(1/6376)
[حديث: لا إله إلا الله ويل للعرب من
شر قد اقترب]
3346# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ
(بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر،
نُسِب إلى جدِّه، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد [1]، أحد الأعلام،
وتَقَدَّمَ (عُقَيْل): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالدٍ،
وتَقَدَّمَ مَن يقال [له]: عُقيل؛ كهذا، وهم: القبيلة، وهذا، ويحيى بن عُقَيل، هذا
في «البُخاريِّ» و «مسلم»، وتَقَدَّمَ (ابن شِهَابٍ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم
الزُّهْرِيُّ، العلَم المشهور، وتقدَّمت (زَيْنَب بِنْت أمِّ سَلَمَةَ): وأمُّها
أمُّ سَلَمَةَ أنَّها هند، وبعض ترجمتها، وتقدَّمت (أمُّ حَبِيبَةَ): أنَّها رملة
بنت أبي سفيان صخرِ بن حرب بن أُمَيَّة، وتقدَّمت (زَيْنَب بنت جَحْشٍ)، رضي الله
عنهنَّ.
وهذا السند فيه لطيفةٌ من لطائف الإسناد: وهو أنَّ رواته فيهنَّ ثلاثة نسوةٍ،
بعضهنَّ عن بعض، زوجان وربيبة، وفي بعض الطرق أربع نسوة صحابيَّات، بعضهنَّ عن
بعضٍ، وقد قال [2] المِزِّيُّ بعد أن طرَّف هذا الحديث من البُخاريِّ، ومسلم،
والتِّرْمِذيِّ، والنَّسائيِّ، وابن ماجه، قال: وفي حديثهم كلِّهم عن سفيان بن
عُيَيْنَة، عن الزُّهْرِيِّ، عن عروة، عن زَيْنَبَ بِنْتَ أمِّ سَلَمَةَ، عن حبيبة
بنت أمِّ حَبِيبَةَ، عن أمِّها أمِّ حَبِيبَةَ، عن زَيْنَبَ بنت جَحْشٍ، إلَّا
مالك بن إسماعيل والناقد؛ فإنَّهما لم يذكرا حبيبة في حديثهما عن سفيان.
وقال التِّرْمِذيُّ: قال الحميديُّ عن سفيان: حفظتُ من الزُّهْرِيِّ في هذا
الإسناد أربعَ نسوةٍ، انتهى، واعلم أنَّ الحافظ أبا الحجَّاج يوسف بن خليلٍ
الدِّمَشْقيَّ أفرد الأحاديث التي يرويها أربعةٌ من الصَّحَابة بعضهم عن بعض، وهي
تسعة أحاديث، لكنَّ الحديث الأخير _وهو التاسع_ يرويه خمسةٌ من الصَّحَابة، وهو من
طريق عبد الله بن عَمرو بن العاصي، عن عثمان بن عفَّان، عن عُمر بن الخَطَّاب، عن
أبي بكرٍ الصِّدِّيق [3]، عن بلالٍ، رضي الله عنهم، قال رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الموت كفَّارة لكلِّ مسلمٍ»، وقد رويتُ هذا _أي [4]: عن بعض
مشايخي_ بسماعه من بعض أصحاب ابن خليلٍ، وكذا رويته بالقاهرة، فبيني وبين ابن
خليلٍ اثنان.
قوله: (فزِعًا): هو بكسر الزاي، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ قد اقْتَرَبَ): يحتمل أن يريدَ ما وقعوا فيه من
فتنة عثمان، وقيل: أراد يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وكون الشرِّ فتنةَ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ في الحديث ما يرشد لذلك [5].
قوله: (وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِيهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا): أي: جمع
طرفَيهِما، فحكى بهما الحلْقة، قاله ابن قرقول.
قوله: (أَنَهْلِكُ): هو بكسر اللام.
قوله: (الْخَبَثُ): هو بفتح الخاء والموحَّدة [6]، وبالثاء المُثَلَّثَة؛ أي:
الزِّنى، وقيل: أولاد الزِّنى، وقد جاء في حديث آخر: «ويكثر الزِّنى»، ويقال فيه:
(خِبْثة)، قاله في «المطالع»، انتهى، ويُروى: الخبْث؛ بإسكان الباء، وهو مصدر،
قاله القرطبيُّ.
==========
[1] في (ب): (الإمام).
[2] في (ب): (وقال).
[3] زيد في (ب): (رضي الله عنهم).
[4] (أي): ليس في (ب).
[5] هذه الفقرة جاءت في (أ) مستدركة، وفي (ب) متأخِّرة بعد قوله: (حدَّثنا وهيب
... ).
[6] في (ب): (وبالموحدة).
[ج 1 ص 871]
(1/6377)
[حديث: فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج
مثل هذا]
3347# قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن خالدٍ الباهليُّ
الكرابيسيُّ الحافظ، و (ابْن طَاوُوسٍ): بعده هو عبد الله بن طَاوُوسٍ، تَقَدَّمَ
مرارًا.
قوله: (وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ): يأتي الكلام عليه وعلى رواية (عشر) إن شاء
الله تعالى في (الفتن).
تنبيهٌ: قال شيخنا: ليس عقد التسعين مثل التحليق، كما نبَّه عليه ابن التين،
انتهى، ونبَّه عليه غيره، وفيه نظرٌ، بل عقد التسعين في اصطلاح الحُسَّاب: أن يجعل
رأس الإصبع السَّبَّابةِ في أصل الإبهام، ويضمَّها حتَّى لا يبقى بينهما إلَّا
خَلَلٌ يسيرٌ، والله أعلم.
(1/6378)
[حديث: يقول الله تعالى: يا آدم فيقول:
لبيك وسعديك والخير في يديك]
3348# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن
أسامة، وتَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه السمَّان الزيَّات ذكوانُ، وتَقَدَّمَ
(أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.
قوله: (أَخْرِجْ): هو بقطع الهمزة، وكسر الراء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.
قوله: (بَعْثَ النَّارِ): هو بإسكان العين، المبعوث إليها؛ أي: المرسَل
والمُوجَّه، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر.
قوله: (مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ): هو بالنصب، وكذا (وَتِسْعَةً) مُنَوَّن.
قوله: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا): أي: كلُّ حاملٍ ماتت بحملها؛ أي:
تُلقي الحواملُ ما في بطونهنَّ لغير تمامٍ، وقيل: هو على التمثيل؛ للتَّهويل،
والله أعلم.
[ج 1 ص 871]
قوله: (أَبْشِرُوا): هو بقطع الهمزة.
قوله: (أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا): اعلم أن
في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه» من حديث سليمان بن بُريدة، عن أبيه [1] رضي الله
عنه [2] مرفوعًا، أخرجه التِّرْمِذيُّ في (صفة الجنَّة)، وابن ماجه في (الزهد):
«أهل الجنَّة مئة وعشرون صفًّا، أنتم منهم ثمانون»، ورواه ابن أبي شيبة من رواية
ابن مسعود رضي الله عنه، فمقتضاه أن تكون أمَّة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم ثُلُثَي أهل الجنَّة، والجمع بين هذا وبين ما في «الصحيح»: أنَّه تعالى
أعلمه بما في «الصحيح»، ثُمَّ تفضَّل بكرمه ومَنِّه أن جعلهم ثُلُثَي أهل الجنَّة،
ويحتمل غير ذلك، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا نزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ
الأوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 39 - 40]؛ قال رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أنتم رُبُع الْجَنَّةِ، أنتم ثلث الْجَنَّةِ، أنتم نصف
الْجَنَّةِ، أنتم ثلثا أَهْلِ الْجَنَّةِ»، قال الطبرانيُّ: تفرَّد برفعه ابن
المبارك عن الثَّوْريِّ، وقد ذكر ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظُ شمس الدين
أحاديثَ في المعنى، ثُمَّ قال: وهذه الأحاديث قد تعدَّدت طرقها، واختلفت مخارجها،
وصحَّ سندُ بعضها، ولا تنافيَ بينها وبين حديث الشطر؛ لأنَّه رجا أوَّلًا صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يكونوا شطر أهل الجنَّة؛ فأعطاه الله رجاءه، وزاده عليه
شيئًا آخرَ، انتهى.
تنبيهٌ: في «عيون الأخبار» لابن قُتَيْبَة: رُويَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه قال: «تكون الخلائق يوم القيامة عشرين ومئةَ صفٍّ، طول
كلِّ صفٍّ مسيرة أربعين ألف سنةٍ، وعرض كلِّ صفٍّ عشرون ألفَ سنةٍ»، قيل [3]: يا
رسول الله؛ كم المؤمنون؟ قال: «ثلاثة صفوف، والمشركون مئة وسبعةَ عشرَ صفًّا»، قال
القرطبيُّ في «تذكرته» [4]: هذا غريبٌ مخالفٌ لصفوف المؤمنين الواردة في الأحاديث،
قال شيخنا: قلت: قد يُحمَل هذا على حالة الموقف، والأوَّل على حالة الانفصال ودخول
الجنَّة، انتهى، وما قاله شيخنا متعيِّن، فيكونون في الموقف كذلك، ثُمَّ تصير
الثلاثةُ صفوفُ المؤمنين مئةً وعشرين صفًّا، فأمَّة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم منهم ثمانون، على ما في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه» الذي قدَّمتُه، وهم
الثُّلُثان، والله أعلم.
قوله: (مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ
ثَوْرٍ أَبْيَضَ ... ) إلى آخره: هذا في المحشر، أمَّا في الجنَّة؛ فالثلثان كما
تَقَدَّمَ، وقال شيخنا: يعني هذه الأمَّة، وفي حديثٍ آخرَ: «كالرقمة في ذراع
الحمار»، قال: فإمَّا أن يكون أحدهما وهمًا، أو تكون هذه الأمَّة كالشعرة، أو هي
وسائر الأمم السالفة كالرقمة، قاله ابن التين، وسيأتي أنَّ هذه الأمَّةَ ثُلُثَا
أهل الجنَّة؛ فتأمَّل ذلك، انتهى.
وقول شيخنا (سيأتي ... ) إلى آخره: ليس يأتي في «البُخاريِّ»، وأمَّا الذي فيه:
(النصف)، ولكنْ في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه»، كما قدَّمتُه، وقد رواه ابن أبي
شيبة من حديث ابن مسعود، كما تَقَدَّمَ، ثُمَّ رأيت شيخنا عزاه إلى رواية عمران بن
حُصَين: «إنِّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنَّة»، ثُمَّ قال: «إنِّي لأرجو أن
تكونوا أكثر أهل الْجَنَّةِ»، والله أعلم [5].
==========
[1] (عن أبيه): سقط من (ب).
[2] (عنه): سقط من (أ).
[3] في (ب): (قالوا).
[4] (في «تذكرته»): سقط من (ب).
[5] زيد في (ب): (انتهى).
(1/6379)
[باب قول الله تعالى: {واتخذ الله
إبراهيم خليلًا}]
(بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:
125]) ... إلى (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}
[مريم: 51]) [1].
({إِبْرَاهِيمَ}) صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]: اسمٌ أعجميٌّ، وفيه لغاتٌ؛
أشهرها: إبراهيم، والثانية: إبراهام، وقُرِئ بهما في السبع، والثالثة والرابعة
والخامسة: إبراهِم؛ بكسر الهاء، وفتحها، وضمِّها، حكاهُنَّ ابن مكيٍّ في «تثقيف
اللسان» عن الفرَّاء عن العرب، وحكى الكسر والضمَّ جماعاتٌ؛ منهم أبو البقاء
العُكْبريُّ، قال: وقُرِئ بهما في الشواذِّ، قال: وجمعه (أباره) عند قومٍ، وعند
آخرين: (براهم)، وقيل: (براهمة)، قال الماورديُّ: معناه بالسريانيَّة: أبٌ راحمٌ.
ابن آزر؛ وهو تارح، وسيأتي بقيَّة نسبه في ذكر نسبه [3] الشريف، أثنى الله على
إبراهيم في آيات من كتابه، أنزل الله عليه صُحُفًا، كما قال الله ذلك في كتابه،
قال أهل التواريخ: كانت عشرَ صحائفَ، هاجر صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4] من العراق
إلى الشام، قيل: بلغ عمره مئة وخمسًا وسبعين سنةً، وقيل: مئتَي سنةٍ، وقيل: مئةً
وسبعين سنةً، ودُفِنَ بالأرض المقدَّسة، وجاء في فضله أحاديثُ.
وفي «المُوَطَّأ» عن ابن المُسَيّب قال: كان إبراهيم أوَّل الناس ضيَّف الضيف،
وأوَّل الناس اختتن، وأوَّل الناس قصَّ شاربه، وأوَّل الناس رأى الشيب، وفي «تاريخ
ابن عساكر لدمشقَ» هذا بزيادة: وأوَّل من استحدَّ وقلَّم أظفاره، وفيه عن ابن
عَبَّاس: أنَّه وُلِدَ بغوطة دمشقَ ببرزة، قال ابن عساكر: كذا في هذه الرواية،
والصحيح: أنَّه ولد بكُوثى [5] من إقليم بابل بالعراق، وإنما نُسِبَ إليه هذا
المقام؛ لأنَّه صلَّى فيه إذ جاء مغيثًا للوط، وفي «التاريخ» المذكور: أنَّ آزر
كان من أهل حرَّان، وأنَّ أمَّ إبراهيم اسمها نُونا، وقيل: ليونا [6]، صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم [7]، مناقبه وفضائله كثيرة، وقد رُوِّينا عن النَّبيِّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عنه حديثًا؛ وهو: «أقرِئ أمَّتك منِّي السلام، وأخبرهم
أنَّ الجنَّة طيبةُ التُّربة ... »؛ الحديث.
واعلم أنَّ الإمام البُخاريَّ ذكر في هذا الباب أحاديثَ تتعلَّق بإبراهيم إلَّا
الحديث الأخير، وهو: (لمَّا نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82])، وقد اعترض الإسماعيليُّ _كما نقله شيخنا_
فقال: لا أعلم في هذا الحديث شيئًا من قصَّة إبراهيم؛ إذ هو في الباب المترجم
بإبراهيم، قال شيخنا: ولك أن تقول: بل له وجهٌ بيِّنٌ؛ وذلك أنَّ هذه الآيةَ
المذكورة في (سورة الأنعام) كلُّها فيه، وكذا ما بعدها لمَّا حاجَّه قومه؛ فقال:
{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ} [الأنعام: 80]، إلى أن قال: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 82 -
83]، ولهذا إنَّ عليًّا روى عنه الحاكم أنَّه قرأ هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا
ولم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، قال: (هذه في إبراهيمَ وأصحابِه، ليس في
هذه الأمَّة)، ثُمَّ قال: صحيح الإسناد، وقال الثعلبيُّ في قوله تعالى: {وَتِلْكَ
حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}، قال: هي {الَّذِينَ آمَنُوا
ولم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، انتهى.
قوله: (قال أبو مَيْسَرَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: عمرو بن شُرحبيل، سمع ابن مسعود،
روى عنه أبو وائل شقيقُ بن سلمة، انتهى، وأبو مَيْسَرَةَ [8] اسمه كما قاله
الدِّمْيَاطيُّ، وهو همْدانيٌّ كوفيٌّ، عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعود، وقيس بن سعد،
وعائشة، وجماعةٍ، وعنه: أبو وائل، والشعبيُّ، والقاسم بن مُخَيْمِرة، وأبو إسحاق،
وطلحة بن مُصَرِّف، وآخرون، وكان من فضلاء التابعين، تُوُفِّيَ قبل أبي جُحَيفة
السَّوائيِّ، وأوصى أن يُصلِّيَ عليه شريحٌ القاضي، قيل [9]: تُوُفِّيَ أبو
جُحَيفة سنة (74 هـ)، أخرج لأبي ميسرة البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود،
والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.
قوله: (الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ): يعني: أنَّ (الأوَّاهَ) الرَّحيمُ
بلسان الحبشة، لا أنَّ (الرحيم) بلسان الحبشة؛ فاعلمه، فإنه ربَّما اشتبه على بعض
الناس، وقد نقل أيضًا البُخاريُّ في (سورة هود) هذا، ولفظه: (وقال أبو مَيْسَرَةَ:
الأوَّاهُ: الرَّحيم بالحبشيَّة)، انتهى، فوافقت الحبشيَّةُ العربيَّةَ.
==========
[1] بدل مما بين قوسين في (ب): (كتاب قوله).
[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).
[3] (في ذكر نسبه): سقط من (ب).
[4] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).
[5] في (ب): (بكرثى)، وهو تحريفٌ.
[6] في (ب): (لبونا).
[7] في (ب): (عليه السلام).
[8] في (ب): (سلمة)، والمثبت هو الصَّواب.
[9] (قيل): سقط من (ب).
[ج 1 ص 872]
(1/6380)
[حديث: إنكم محشورون حفاةً عراةً
غرلًا]
3349# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ
(كَثِيرًا) بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وأنَّه العبديُّ، لا الصنعانيُّ، و
(سُفْيَانُ) هذا: الظاهر _كما قدَّمته_ أنَّه الثَّوْريُّ؛ وذلك لأنِّي رأيت عَبْد
الغَنيِّ في «الكمال» ذكر الثَّوْريَّ في مشايخ مُحَمَّد بن كثير العبديِّ، وذكر
الثَّوْريَّ أيضًا في الآخذين عن المغيرة بن النعمان، والله أعلم.
قوله: (حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا): اعلم أنَّه اختُلِف هل يُحشَر الناس كلُّهم
عُرَاةً أو مكسوِّين، أو بعضهم عارٍ وبعضهم مكسوٌّ؛ وهم الشهداء؟ وصُحِّح هذا
القولُ: أنَّ هؤلاء يُحشَرون في أثوابهم، وغيرهم عارٍ، وجمع البيهقيُّ بأنَّهم
يكونون _أو بعضُهم_ عُراةً إلى موقف الحساب أو قبله، ثُمَّ يُكسَى إبراهيم، ثُمَّ
الأنبياء، ثُمَّ الأوَّلياء، فيُكسَون كُسْوَة، كلُّ إنسان من جنس ما يموت فيه،
حتى إذا دخلوا الجنَّة؛ أُلبِسُوا ثيابها، أو أنَّهم يُبعَثون من قبورهم في ثيابهم
التي يموتون فيها، ثُمَّ عند الحشر تتناثر عنهم ثيابُهم، فيُحشَرون _أو بعضُهم_
إلى موقف الحساب عُراةً، ثُمَّ يُكسَون من ثياب الجنَّة، وحمله بعض أهل العلم على
العمل؛ أي: في أعماله التي يموت فيها من خيرٍ أو شرٍّ، وحمله الأكثر من العلماء
على الشهيد الذي أُمِرَ أن يُزمَّل في ثيابه ويُدفَنَ فيها، ولا يُغيَّر شيءٌ من
حاله؛ بدليل حديث ابن عَبَّاس وعائشة، قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث
في الشهيد، فتأوَّله على العموم، وأمَّا الغزاليُّ؛ فذهب إلى حديث أبي سعيد: أنَّه
يُحشَر في أثوابه، ولكلِّ قومٍ مَدرَك، والله أعلم، ويدلُّ لقول الأكثر قولُه
تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّل مَرَّةً}
[الأنعام: 94]، وقولُه: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]، والله أعلم.
قوله: (غُرْلًا): هو بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ راء ساكنة؛ أي: غيرَ
مختونين، الواحد: أغرلُ، و (الغُرْلَة): القُلْفَة، ومَن قُطِع منه شيءٌ في
الدنيا؛ أُعيد إليه يوم القيامة.
فائدةٌ: لَذَّة جماع الأقلف تزيد على لَذَّة جماع المختون، كما نُبِّه فيما نقله
شيخنا عن ابن الجوزيِّ، قال ابن عَقيل: بَشَرَة [1] حَشفَة الأقلف موقاةٌ
بالقُلْفَة، فتكون بَشَرَتُها أرقَّ، وموضع الختن كلَّما رقَّ؛ كان الحسُّ أصدقَ؛
كراحة الكفِّ إذا كانت مرفَّهة [2] من الأعمال؛ صلحت للحسِّ، وإذا كانت يدَ قصَّار
أو نجَّار؛ خَفِيَ بها الحسُّ، فلمَّا أبانوا في الدنيا تلك البَضْعَة لأجله؛
أعادها الله [3]؛ ليذيقها من حلاوة فضله، قال: والسِّرُّ في الختان _مع أنَّ
القُلْفَة معفوٌّ عمَّا تحتها من النَّجَس_ أنَّه سُنَّةُ إبراهيم صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]، حيث بُلِيَ بالترويع بذبح ولده؛ فأحبَّ أن يجعلَ لكلِّ
واحدٍ ترويعًا بقطع عضوٍ وإراقةِ دمٍ، يبتلي أولادهم بالصبر على إيلام الآباء لهم،
فتكون هذه الحالة مُظْهِرةً للصبر والتسليم من الآباء والأولاد؛ تأسِّيًا بإبراهيم
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، نقله شيخنا.
فائدةٌ: ابن عَقِيل؛ بفتح العين وكسر القاف: عليُّ بن عقيل بن مُحَمَّد، كنيته أبو
الوفاء الظَفريُّ الحنبليُّ، أحد الأعلام، وفرد زمانه عِلمًا، ونقلًا، وذكاءً،
وتفنُّنًا، له كتاب «الفنون» في أزيدَ من أربع مئة مجلَّدةٍ، قال الذَّهَبيُّ
الحافظ شمس الدين: إلَّا أنَّه خالف السلفَ، ووافق المعتزلةَ في عِدَّة بِدَعٍ،
وما ذاك إلَّا من كثرة التبحُّر في الكلام؛ لأنَّ كثرته ربَّما أضرَّت بصاحبها، والله
أعلم.
قوله: (وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ): قال القرطبيُّ
في «التذكرة» بعد أن حكى عن شيخه أبي العَبَّاس أحمدَ بنِ عمر في «المفهِم»: أنَّه
يجوز أن يُراد بالناس مَن عداه من الناس، فلم يدخل تحت خطابه؛ يعني: النَّبيّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال القرطبيُّ في «التذكرة»: وهذا حسنٌ [5] لولا
ما جاء منصوصًا خلافَه، ثُمَّ ذكر أحاديثَ فيها التصريح بأنَّ أَوَّلَ مَن يُكْسَى
إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُحَمَّد، ثُمَّ قال القرطبيُّ ما لفظه: وتكلَّم العلماء في
حِكمة تقديم إبراهيم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6] بالكسوة، فرُويَ أنَّه لم
يكن في الأوَّلين والآخرين عبدٌ لله عزَّ وجلَّ أخوفَ من إبراهيم، فتُعَجَّل [7]
له الكسوة [8] أمانًا له؛ ليطمئنَّ قلبُه، قال: ويحتمل أن يكون ذلك لما جاء به من
الحديث من أنَّه أوَّل من أُمِر بلبس السراويل إذا صلَّى؛ مبالغةً في السَّتر
وحفظًا لفَرْجِه من أن يماسَّ مُصلَّاه، ففَعَل ما أُمِر به، فيُجزَى بذلك أن يكون
أوَّلَ من يُستَر يوم القيامة، ويحتمل أن يكون الذين ألقَوه في النار جرَّدوه
ونزعوا ثيابه على أعين الناس؛ كما يُفعَل بمَن يُراد قتله، وكان ما أصابه من ذلك في
ذات الله، فلمَّا صبر واحتسب، وتوكَّل على الله؛ دفع الله عنه شرَّ النار في
الدنيا والآخرة، جزاه بذلك العُرْيِ أنْ جعله أوَّلَ مَن يُدفَع عنه العُرْيُ يوم
القيامة على رؤوس الأشهاد، وهذا أحسنُها، والله أعلم، انتهى.
قوله: (وَإِنَّ نَاسًا [9] مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ...
) إلى آخره: هؤلاء هم الذين ارتدُّوا بعد موت النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم، واستمرُّوا عليها حتَّى ماتوا، فأطلق عليهم اسم الصحبة باعتبار ما
فارقهم عليه، وهذا قولٌ مِن أقوالٍ في هؤلاء، وفيهم أقوالٌ أُخَرُ، قال النَّوويُّ
في «شرح مسلم» حين ذكر هذا الحديث ما ملخَّصه: اختلف العلماء في المراد بهذا
الحديث على أقوالٍ؛ أحدها: المراد به هنا المنافقون والمرتدُّون، والثاني: مَن كان
أسلم في زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثُمَّ ارتدَّ بعدَه،
والثالث: أنَّ المرادَ أصحابُ المعاصي الكبائرِ الذين ماتوا على التوحيد، أو أصحاب
البِدَع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يُقطَع لهؤلاء
الذين يُذَادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبةً لهم، ثُمَّ يرحمهم الله تعالى
سبحانه، فيدخلهم الجنَّة من غير عذاب، والله أعلم.
قوله: (فَأَقُولُ: أُصَيْحَابِي [10]): هذه صيغة دالَّة على قلَّة عددهم، والله
أعلم، وأطلق عليهم اسم الصحبة باعتبار ما فارقهم عليه، كما تَقَدَّمَ أعلاه، وأنَّ
هذا على قول: إنَّهم الذين ارتدُّوا بعد موته عليه الصَّلاة والسَّلام.
==========
[1] في (ب): (لشدة)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب): (مرهفة).
[3] في (ب): (أعادها إليه).
[4] في (ب): (عليه السلام)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[5] في (ب): (أحسن).
[6] في (ب): (عليه السلام).
[7] في (ب): (فيعجل).
[8] في (ب): (بالكسوة).
[9] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد
الإصلاح: (أناسًا).
[10] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة»:
(أصحابي).
(1/6381)
[حديث: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم
القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة]
3350# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ [1]
أن هذا هو ابن أبي أويس، ابن أخت مالكٍ الإمامِ، وتَقَدَّمَ الكلام على أخيه عبدِ
الحميد، وذكرت الردَّ على مَن تكلَّم فيه بكلامٍ فاحشٍ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْن
أَبِي ذِئْبٍ): أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئب، وتَقَدَّمَ بعض
ترجمته.
قوله: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ): (آزَرَ): على وزن (آدم)، وهو تارح،
بمُثَنَّاة فوق، وبعد الألف راء، ثُمَّ حاء مهملة، قيل: إنَّ تارحَ لقبٌ، واسمه
آزر، وصحَّحه السُّهَيليُّ؛ لمجيئه في الحديث منسوبًا إلى آزر، انتهى، وقيل بالعكس،
والقولان مشهوران، قال السُّهَيليُّ: وآزر قيل: معناه: يا أعوج، وقيل: هو اسم صنم،
وانتصب _يعني: في التلاوة_ على إضمار الفعل.
[ج 1 ص 873]
قوله: (فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ): (الذِّيْخ): بكسر الذال، وإسكان المُثَنَّاة تحت،
وبالخاء، المعجمتين، وهو ذَكَر الضِّبَاع.
قوله: (مُلْتَطِخٍ): أي: بالطين، أو برجيعه، كما قال في الحديث الآخر: «أمدر»؛ أي:
متلوِّث بالمَدَر، والمعنى: أنَّه يُمسَخ ويتغيَّر حاله، ولمَّا حملت الرأفةُ
إبراهيمَ على الشفاعة له؛ أُريَه على خلاف منظره؛ ليتبرَّأ منه، وتوقَّف
الإسماعيليُّ في «المستخرج على الصحيح [2]» في هذا، فقال: في هذا خبرٌ في صحَّته
نظرٌ؛ من جهة أنَّ إبراهيم عالمٌ أنَّ الله لا يخلف الميعاد، ووعده بأنَّه لا
يخزيه [3] يوم البعث، وأين الإسماعيليُّ عن قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} ... ؛ الآية [التوبة: 114]؟ والحكمة في أنَّه إنَّما
تبدَّل بذِيخٍ دون غيره من الحيوانات، والجواب: أنَّ الضِّبَاع كلُّها عُرْج،
والأعرج لم تحصل له الاستقامة في المشي، وكذلك آزر لا يحصل له الإيمان، فشُبِّه
بحَيَوان لم يستقم مشيُه، والله أعلم.
(1/6382)
[حديث: أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة
لا تدخل بيتًا فيه صورة]
3351# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابْنُ وَهْبٍ): هو [2] عبد الله بن وَهْب، أحد
الأعلام، و (عَمْرو) بعده: هو عمرو بن الحارث بن يعقوب، أبو أُمَيَّة الأنصاريُّ
مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، و (بُكَيْر) بعده: هو بُكَيْر بن عبد الله بن
الأشجِّ [3].
قوله: (أمَّا هُمْ [4]): وفي نسخةٍ: (أَمَا لهم)، إن خفَّفت ميم (أمَا)؛ قلت:
(لهم)، وإن ثقَّلتها؛ قلت: (هم).
قوله: (فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ): وفي بعض طرقه _وسيجيء قريبًا_: (في أيديهما
الأزلام؛ فقال: «قاتلهم الله! والله إنِ استقسما بالأزلام قطُّ»)، وسيأتي قريبًا
متى كان الاستقسام، و (الاستقسام): طلب القسم الذي قُسِم له وقُدِّر ممَّا لم
يُقسَم ولم يُقدَّر، وهو استفعال منه، وكانوا إذا أراد أحدهم سفرًا، أو تزويجًا،
أو نحو ذلك من المهام؛ ضرب بالأزلام [5]؛ وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب: أمرني
ربِّي، وعلى الآخر: نهاني ربِّي، وعلى الآخر غُفْل؛ فإن خرج: أمرني ربِّي؛ مضى
لشأنه، وإن خرج: نهاني؛ أمسك، وإن خرج الغُفل؛ عاد إجاله، وضرب بها أخرى إلى أن
يخرج الأمر أو النهي.
==========
[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).
[2] في (ب): (تَقَدَّمَ أنَّه).
[3] زيد في (أ) مستدركًا وفي (ب): (قوله: «لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا
فَمُحِيَتْ»: هذا كان في الفتح)، وهي من الحديث اللاحق، فمزجناها مع الآتية في
موضعها.
[4] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق):
(أَمَا لهم).
[5] في (ب): (الأزلام).
[ج 1 ص 874]
(1/6383)
[حديث: قاتلهم الله والله إن استقسما
بالأزلام قط]
3352# قوله: (حَدَّثَنَا [1] هِشَامٌ): هذا هو هشام بن يوسف الصنعانيُّ القاضي،
تَقَدَّمَ، و (مَعْمَر): بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة، ابن راشد، تَقَدَّمَ،
و (أَيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، تَقَدَّمَ.
قوله: (لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ): هذا كان في الفتح، وسيأتي
مَن المأمور بذلك.
قوله: (بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ): تَقَدَّمَ أعلاه ما هي، واحدها: زلَم؛ بفتح
الزاي واللام، وبضمِّ الزاي وفتح اللام.
قوله: (إِنِ اسْتَقْسَمَا): (إن): بكسر الهمزة وسكون النون، بمعنى: (ما) نافية.
فائدةٌ: إنكاره صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم استقسامَ إبراهيم وإسماعيل؛ لأنَّ
الأزلام إنَّما كانت في الجاهليَّة بعد عيسى، فأنَّى حين ذاك [2] هما؟! والله
أعلم.
قوله: (قَطُّ): تَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق اللُّغَات التي فيها.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي الوقت، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق):
(أخبرنا).
[2] في (ب): (دال)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 874]
(1/6384)
[حديث: فيوسف نبي الله ابن نبي الله
ابن نبي الله بن خليل الله]
3353# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أن هذا هو
ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، وأنَّ (يَحْيَى) بعده: هو شيخه وشيخ الجماعة،
يحيى بن سَعِيدٍ القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (عُبَيْدُ
اللهِ) بعده: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، و (سَعِيدُ بن أبي
[1] سَعِيدٍ) هذا: هو المقبريُّ، ووالده (أَبُو سَعِيدٍ): اسمه كيسان، مولى بني
ليث، يروي عن عمر، وأبي هريرة [2]، وطائفةٍ، وعنه: ابنه سعيدٌ وجماعةٌ، مات سنة
مئةٍ، أخرج له الجماعة، قال النَّسائيُّ: لا بأس به، وقد تَقَدَّمَ لمَ سُمِّيَ
المقبريَّ فيما مضى؛ فانظره، وقال الواقديُّ: كان ثقة.
قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): (الكرم) ههنا معناه [3]: الشرف.
قوله: (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ؟): (المعادن): البيوت والأصول، ومعدِن كلِّ
شيء: أصلُه.
قوله: (إذا فَقُهُوا): هو بضَمِّ القاف، ويجوز كسرها؛ أي: صاروا فقهاءَ علماءَ
بأحكام الشرع.
قوله: (قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): أمَّا (أبو أسامة)؛ فهو حَمَّاد بن أسامة، وأمَّا
(مُعتمر)؛ فهو ابن سليمان، وأمَّا (عُبيد الله)؛ فقد تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه ابن
عمر منسوبًا، و (سَعيد): هو ابن أبي سعيد المقبريُّ، ومعنى كلامه: أنَّ هذين _أبا
أسامة حَمَّاد بن أسامة ومعتمرًا_ خالفا يحيى بنَ سعيد القَطَّان في رواية هذا
الحديث، فروياه بإسقاط أبيه أبي سعيد كيسان، ونقل شيخنا عن الدَّارَقُطْنيِّ أنَّ
القولَ قولُ يحيى بن سعيد، انتهى.
وحديثهما يأتي في (الأنبياء)، أخرجه البُخاريُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن معتمر بن
سليمان، وعن عُبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة به، والله أعلم.
(1/6385)
[حديث: أتاني الليلة آتيان فأتينا على
رجل طويل]
3354# قوله: (حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ): هو بضَمِّ الميم الأولى، وتشديد الميم
الثانية المفتوحة، اسم مفعول، وقد سألني بعض الفقهاء الفضلاء عن النطق به؛ أهو اسم
مفعولٍ أو اسم فاعل؟ فهذا [1] ضبطه، وهو ابن هشام، مشهورٌ، و (إِسْمَاعِيلُ) بعده:
هو ابن عُلَيَّة، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (عَوْفٌ): هو الأعرابيُّ،
تَقَدَّمَ، و (أبو رَجَاءٍ): اسمه عمران بن ملحان، وقيل في اسم أبيه غيرُ ذلك، وهو
العطارديُّ، و (سَمُرَةُ): هو ابن جُندب.
قوله: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ): (الآتيان): هما جبريل وميكائيل، كذا جاءا
مبيَّنَين [2] في هذا الحديث حيث طوَّله، وهذا قطعة منه.
قوله: (وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ): (إنَّه): بكسر الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.
==========
[1] في (ب): (فلهذا).
[2] في (ب): (بينين).
[ج 1 ص 874]
(1/6386)
[حديث: أما إبراهيم فانظروا إلى
صاحبكم]
3355# قوله: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ): هو بالضاد المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ [أنَّه]
لا يحتاج إلى [1] تقييد؛ لأنَّ (نصرًا) بالصاد المُهْمَلَة لا يأتي بالألف واللام؛
بخلاف المعجم، فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، وهذا هو النَّضْر بن شُميل الإمام، و
(ابْنُ عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عَوْنٍ، مولى عبد الله بن
مُغَفَّل، أحد الأعلام، لا ابن عون ابنِ أمير مِصر، الثاني: ليس له في
«البُخاريِّ» شيءٌ، إنَّما روى له مسلمٌ والنَّسائيُّ، وقد سبق التنبيه عليه
غَيْرَ مَرَّةٍ، والله أعلم.
[ج 1 ص 874]
قوله: (وَذَكَرُوا له الدَّجَّالَ): تَقَدَّمَ عليه بعض كلام، ويأتي أيضًا في
(الفتن)، وقد أحلتُ فيما مضى الكلامَ فيه على «تذكرة القرطبيِّ»؛ فإنَّه أطال فيه.
قوله: (مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ [2]: كَافِرٌ، أَوْ: ك ف ر): سيأتي الكلام
عليه إن شاء الله تعالى.
قوله: (فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ): يعني: نفسَه صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم، وكذا جاء في بعض طرقه، وكذا كان، فهو أشبه ولد إبراهيم به، كما جاء في
حديثٍ آخرَ.
قوله: (وَأَمَّا مُوسَى؛ فَجَعْدٌ آدَمُ): أمَّا (الجَعْد)؛ فهو بفتح الجيم،
وإسكان العين، وبالدال، المُهْمَلَتين؛ أي: جَعْد الشعر، وهو ضدُّ السبط، وهو الذي
فيه عزَّة ورجوع في نفسه، ليس باللَّيِّن في استرساله، و (آدم): كـ (آدمَ)
النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ أي: أسمر.
قوله: (بِخُلْبَةٍ): هي بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، ثُمَّ لام ساكنة، ثُمَّ
مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي اللِّيفُ.
==========
[1] (إلى): سقط من (أ).
[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ).
(1/6387)
[حديث: اختتن إبراهيم عليه السلام وهو
ابن ثمانين سنةً بالقدوم]
3356# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه
عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ أنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز،
وتَقَدَّمَ (أبو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو
ثلاثين قولًا.
قوله: (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] وَهْوَ ابْنُ
ثَمَانِينَ سَنَةً): كذا في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، ووقع في «المُوَطَّأ» موقوفًا
على أبي هريرة _والموقوف في هذا كالمرفوع؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه، كما هو
مقرَّر في علوم الحديث_: (وهو ابن مئة وعشرين سنة)، قال النَّوويّ: وما في [2]
«الصحيحِ» الصحيحُ، وما في «المُوَطَّأ» متأوَّلٌ أو مردودٌ، انتهى.
وقد عزا شيخنا الشارح في «تخريج أحاديث الرافعيِّ» الحديثَ الذي هنا للشيخين، كما
عزوته، ثُمَّ قال: وفي روايةٍ لابن حِبَّانَ والحاكمِ: «وهو ابن مئة وعشرين سنة،
وعاش بعد ذلك ثمانين سنة»، انتهى، وقد رأيت ما عزاه للحاكم في «المستدرك»، قال
شيخنا في الكتاب المشار إليه: روى ابن حِبَّانَ عن عبد الرزَّاق قال: القَدُوم:
اسمُ القرية، انتهى، ثُمَّ رأيت شيخنا في شرح هذ الكتاب تعقَّب النَّوويَّ بأن
قال: قلت: قد [3] أخرجه ابن حِبَّانَ في «صحيحه» مرفوعًا، وكذا الحاكم في «مستدركه»،
قال: وحكى الماورديُّ: أنَّه اختتن وهو ابن سبعين سنة، والجمع بين رواية من روى:
(ثمانين) [4] وبين مَن روى: (مئة وعشرين): أنَّ مَن روى: (ثمانين)؛ أي: بعد
النبوَّة، ومن روى: (مئة وعشرين)؛ حسب مجموع عمره إلى حين الختان، والله أعلم.
قوله: (بِالْقَدُومِ): هو بفتح القاف وتخفيف الدال المُهْمَلَة المضمومة، وبفتح
القاف وتشديد الدال [5]، وكذا ضُبِطَ في أصلنا، ويدلُّ لصحَّة هذا الضبطِ الثاني
ما يليه: (عن أبي اليمان: حَدَّثَنَا شعيب: حَدَّثَنَا أبو الزِّنَادِ، وقال:
«بِالْقَدومِ» مُخَفَّفة)؛ فدلَّ على أنَّ هذه مثقَّلة، وكذا قال ابن قرقول فيما
يأتي، وضبطه الأصيليُّ والقابسيُّ في حديث قُتَيْبَة _يعني: الأوَّل_ بالتشديد،
وهذا الذي نحن فيه هو حديث قُتَيْبَة، قال ابن قرقول: «بِالْقَدُومِ»: بالتخفيف
وفتح القاف، وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النَّجَّارالمعروفة، وهي مُخَفَّفة لا
غير، وحكى الباجيُّ التشديدَ، وقال: هو موضع، وقال ابن دريد: قدوم: ثنيَّة
بالشَّرَاة، وضبطه الأصيليُّ والقابسيُّ في حديث قُتَيْبَة بالتشديد، قال
الأصيليُّ: وكذا قرأها علينا أبو زيد المروزيُّ، وأنكر يعقوب بن شيبة فيه
التشديدَ، وحكى البُخاريُّ عن شعيب فيه التخفيفَ، انتهى.
وقوله في آلة النَّجَّار: (إنَّها بالتخفيف لا غير)، وكذا في «صحاح الجوهريِّ»،
وحكى عن ابن السِّكِّيت قال: ولا تقل: قدُّوم؛ بالتشديد؛ فيه نظرٌ، فقد حكى فيها
التشديدَ البُخاريُّ نفسُه في «الصحيح» في آخر (كتاب الأدب) في (باب الختان بعد
الكِبَر)، ولفظه: (قال أبو عبد الله: الْقَدُومِ؛ بالتخفيف: موضع، والقَدُّوم؛
بالتثقيل: قَدُّوم ما يكون للنَّجَّارين)، كذا في بعض النسخ، وهذا القدر زائد في
أصلنا، وقد كُتِب عليه (د)؛ إشارةً إلى أنَّه ثابت في نسخة الدِّمْيَاطيِّ الحافظ
شرف الدين، وممَّن حكاها أيضًا ابنُ الأثير في «نهايته».
وقال شيخنا: قال ابن التين: رُوِيَ: (القُدُّوم)؛ بضَمِّ القاف، وتشديد الدال،
ورُويَ بفتح القاف مع التشديد؛ ومعناه: خُتِن بمكان اسمه القُدُّوم، ومَن رواه
بتخفيف الدال؛ أراد الآلة، واسم المكان بغير ألف، وقيل: (القدُّوم): مقيل إبراهيم،
وقيل: هي قرية بالشام، وعن الداوديِّ قال: مَن رواه بالتخفيف؛ أراد الموضع، ومَن
رواه بالتشديد؛ يريد الفأسَ الصغير، وقال النَّوويُّ: رواةُ مسلمٍ متَّفقون على
التخفيف، وقال عياض: هو بالتخفيف وفتح القاف، وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة
النَّجَّارالمعروفة، وهي مُخَفَّفة لا غير، وحكى الباجيُّ التشديدَ، وقال: هو
موضع، والكلام فيها طويل جدًّا [6]، وقال الحازميُّ _كما نقله شيخنا_: المخفَّف:
قريةٌ كانت عند حلب، وقيل: هو مجلس إبراهيم بحلب، انتهى.
قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ):
أمَّا الضمير في (تابعه)؛ يعود على مغيرة بن عبدٍ القرشيِّ، الراوي عن أبي
الزِّنَادِ، و (عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاقَ): جدُّه اسمه عبد الله بن الحارث بن
كنانة، القرشيُّ العامريُّ مولاهم، المدنيُّ، يروي عن أبيه، وسعيد المقبريِّ،
والزُّهْرِيِّ، وابن المنكدر، وأبي الزناد عبدِ الله بن ذكوان، وعنه: إبراهيم بن
طهمان، ويزيد بن زُرَيع، وحَمَّاد بن سلمة، وابن عُلَيَّة، وآخرون، قال يحيى
القَطَّان: لم أرهم يحمدونه بالمدينة، وقال ابن عُيَيْنَة: كان قدريًّا، فنفاه أهل
المدينة، وقال أحمد: صالح الحديث، وقال عيَّاش عن ابن معين: ثقة، وقال البُخاريُّ:
ليس ممَّن يُعتَمَد على حفظه، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ضعيفٌ يُرمى بالقدر، وقال
ابن عديٍّ: أكثر حديثه صحيحٌ، وله ما يُنكَر ولا يُتابَع عليه، أخرج له البُخاريُّ
تعليقًا كما ترى، ومسلم، والأربعة، له ترجمة في «الميزان»، متابعته هذه ليست في
شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قوله: (وَتَابَعَه [7] عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): كذا في أصلنا، وفي
الهامش: (ابن)؛ يعني: ابن عجلان عن أبي هُرَيْرَةَ، و (ابن) عليها علامة نسخةٍ في
أصلنا الدِّمَشْقيِّ، والصواب: حذف (ابن)، وهو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن
ربيعة، روى عن مولاته، وزيد بن ثابت، وأبي هُرَيْرَةَ، وعنه: ابنه مُحَمَّد،
وبُكَيْر ابن الأشجِّ، قال النَّسائيُّ: لا بأس به، عَلَّقَ له البُخاريُّ كما
ترى، وروى له مسلم، والأربعة، والمِزِّيُّ ذكر هذا التعليق في ترجمة عجلان عن أبي
هريرة، لا في ترجمة ابنه مُحَمَّد بن عجلان عن أبي هريرة، بل ليس في الكُتُب
السِّتَّة روايةٌ لمُحَمَّد بن عجلان عن أبي هريرة، ولم أرَ له في غيرها روايةً
عنه، ولكن عَلَّقَ له البُخاريُّ عن غير أبي هريرة، والله أعلم.
وقد رأيت حاشيةً على أصلنا عن اليونينيِّ لفظُها: مَن قال: تابعه ابن عجلان؛ فقد وَهِمَ،
فإنَّ مُحَمَّدًا لم يلقَ أبا هريرة، وإنَّما أبوه هو الذي أدركه وروى عنه، ونصَّ
شيخنا الحافظ أبو مُحَمَّد المنذريُّ فيما استدركه على الحافظ أبي الفضل محمَّد بن
طاهر المقدسيِّ في كتابه عند ذكر عجلان، فإنَّه ذكره في «أفراد مسلم»، قال:
فاستشهد البُخاريُّ بعجلان في (بدء الخلق) في (ذكر إبراهيم الخليل).
قوله: (وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): يعني: عن أبي
هريرة، و (مُحَمَّد بن عمرو) هذا: هو مُحَمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقَّاص
الليثيُّ، عن أبيه، وأبي سلمة، وطائفةٍ، وعنه: شعبة، ومالك، ومُحَمَّد بن عبد الله
الأنصاريُّ، وخلقٌ، قال أبو حاتم: يُكتَب حديثه، وقال النَّسائيُّ وغيره: ليس به
بأس، مات سنة (144 هـ)، أخرج له البُخاريُّ ومسلم متابعةً [8]، البُخاريُّ كما
ترى، وفي (الصلاة) تعليقًا أيضًا، وفي (التفسير)، وأخرج له الأربعة، له ترجمة في
«الميزان»، وقد تَقَدَّمَ، ورواية مُحَمَّد بن عمرو هذه [9] لم أرَها في شيء من
الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم أرَ عزوه في كلام شيخنا.
[ج 1 ص 875]
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمَه الحكمُ بن
نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): (أنه ابن أبي حمزة، وكذا) [10] (أَبُو
الزِّنَادِ): أنَّه عبد الله بن ذكوان [11].
(1/6388)
[حديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثًا]
3357# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه
بفتح المُثَنَّاة فوق، وكسر اللام، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال مهملة، و
(الرُّعَيْنيُّ): بضَمِّ الراء، وفتح العين المُهْمَلَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت
ساكنة، ثُمَّ نون، ثُمَّ ياء النسبة إلى رُعَين، وتَقَدَّمَ (ابْنُ وَهْبٍ): أنَّه
عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّمَ (جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): أنَّه
بالحاء المُهْمَلَة، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و
(مُحَمَّد): هو ابن سيرين، و (أبو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على
الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (لم يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثًا): سمَّاها النَّبيُّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم كذباتٍ، وكذا سمَّاها إِبْرَاهِيمُ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم [1] بالنسبة إلى فهم المخاطَب والسامِع، وأمَّا في نفس الأمر؛ فليست
كذباتٍ مذموماتٍ؛ لوجهين؛ أحدهما: أنَّه ورَّى بها، فقال في سارة: (أختي في
الإسلام)، وهو صحيحٌ في باطن الأمر، وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]؛ أي:
سأسقم، وقيل: سقيم بما قُدِّر عليَّ من الموت، وقيل: كانت تأخذه الحُمَّى في ذلك
الوقت، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} [الأنبياء: 63]: قال ابن قُتَيْبَة
وطائفةٌ: جعل النطق شرطًا لفعل كبيرهم؛ أي: فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، وقال
النَّسائيُّ: يُوقَف عند قوله: {بَلْ فَعَلَهُ}؛ أي: فاعله، فأضمره، ثُمَّ يبتدئ
فيقول: {كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ} عن ذلك الفاعل، وذهب الأكثرون إلى
أنَّها على ظاهرها، والثاني: أنَّه لو كان كذبًا لا توريةَ فيه؛ لكان جائزًا في
دفع الظالمين، وقد اتَّفق الفقهاء على أنَّه لو جاء ظالمٌ يطلبُ إنسانًا مختفيًا
ليقتله، أو يطلبَ وديعةً لإنسان ليأخذَها غصبًا، وسأل عن ذلك؛ وجب على من علم ذلك
إخفاؤُه وإنكارُ العلم به، وهذا كذبٌ جائزٌ، بل واجبٌ؛ لكونه في دفع ظالمٍ، والله
أعلم.
3358# قوله: (ح): تَقَدَّمَ الكلام عليها نطقًا وكتابة في أوَّل هذا التعليق؛
فانظر ذلك إن أردته.
قوله: (ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ في ذَاتِ اللهِ): إنَّما خصَّ اثنتين بأنَّهما في
ذَاتِ اللهِ؛ لكون الثالثة تضمَّنت نفعًا له وحظًّا مع كونها في ذَاتِ الله؛
لأنَّها سببُ دفعِ كافرٍ ظالمٍ عن مواقعة فاحشةٍ عظيمةٍ، وقد جاء ذلك مفسَّرًا في
غير «البُخاريِّ» و «مسلم»، فقال: «ما فيها كذبة إلَّا مَاحَلَ بها عن الإسلام»؛
أي: يجادل ويدافع، والله أعلم.
قوله: (وَسَارَةُ): قيَّدَه بعضهم بتشديد الراء، وهو [2] به صحيحٌ، من السرور،
وإنَّما سمعت الناس ينطقون بها بالتخفيف، وقد تَقَدَّمَ ذلك مع زيادةٍ فيما
يتعلَّق بنسبها في (باب [3] مَن أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون [4] بينهم).
قوله: (إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ): تَقَدَّمَ الاختلاف في اسم (الجبَّار)،
والاختلاف في بلده.
قوله: (لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْركِ): تَقَدَّمَ
الكلام عليه، وكذا على قوله: (أُخْتِي)، وكذا (غَيْرِي وَغَيْركِ): أنَّه بالرفع
والنصب، وهذا مَعْرُوفٌ.
قوله: (وَإِنَّ هذا سَأَلَنِي): (إنَّ): بكسر الهمزة، وتشديد النون.
قوله: (فَأُخِذَ): هو بضَمِّ الهمزة، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا
الثانية، وأنَّه غطَّ حتى ركض برجله الأرض، وفي «مسلمٍ» ما معناه: أنَّ يده يبست.
قوله: (فَأُطْلِقَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا
الثانية.
قوله: (فَأَوْمَأَ): بفتح الهمزتين، الأولى والأخرى.
قوله: (مَهْيَا): قال ابن قرقول: (مَهيَم): كلمةٌ يمانيَّةٌ؛ معناها: ما هذا أو ما
شأنُكِ، وجاء للقابسيِّ، وبعض نسخ النَّسَفيِّ، وأبي ذرٍّ في هذا الحرف في حديث
سارة: (مهيا)، والأوَّل هو المعروف، ولابن السكن والنَّسَفيِّ أيضًا: (مَهيَن)؛
بالنون، وفي بعض النسخ عن أبي ذرٍّ: (مهيًا)؛ بالتنوين، وكلُّه يُعتبَر ووقع في
«الاستملاء» إلَّا الأوَّل، انتهى.
قوله: (تِلْكَ أُمُّكُمْ، يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ [5]): قال كثيرون: المراد بـ
(بني مَاءِ السَّمَاءِ): العرب كلُّهم؛ لخلوص نسبهم وصفائه، وقد سبق في (الجهاد)
في هذا التعليق كلامٌ للسهيليِّ فيه، وهو كلامٌ حَسَنٌ، وقال القاضي عياض وابن
قرقول واللَّفظ لابن قرقول: الأظهر عندي أنَّه أراد بذلك الأنصار خاصَّةً، ونسبهم
إلى جدِّهم عامرٍ مَاءِ السَّمَاءِ؛ وهو عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن
مازن، وكان يُعرَف بماء السماء، أي: عامرًا كما قدَّمته، وهو مشهورٌ بذلك،
والأنصار كلُّهم من ولد حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور، والله أعلم.
ويقال: إنَّما أراد ماء زمزم، أنبعها الله لهاجرَ فعاشوا بها، فصاروا كلُّهم
أولادَها، وهذا عُزيَ لابن حِبَّانَ في «صحيحه»، فقال: كلُّ من كان من ولد هاجر
يقال له: ابن ماء السماء؛ لأنَّ إسماعيل من هاجر، وقد ربا بماء زمزم، وهي ماء
السماء الذي أكرم الله به إسماعيل حين ولدته أمُّه هاجر، فأولادها أولاد ماء
السماء، والله أعلم.
(1/6389)
[حديث: أن رسول الله أمر بقتل الوزغ
وقال كان ينفخ على إبراهيم]
3359# قوله: (أَوِ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ): (ابن سلام): بالتخفيف على الصحيح، كما
تَقَدَّمَ، وهو مُحَمَّد بن سلَام البيكنديُّ شيخه، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ
مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ الإمام، أحد الأعلام، و (سَعِيد
بن المُسَيّب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح ياء أبيه [1] وكسرها، وأن غير أبيه لا
يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أُمُّ شَرِيكٍ): بفتح الشين المُعْجَمَة وكسر الراء،
واسمها غزيَّة، أو غزيلة بنت دودان، تَقَدَّمَ الكلام عليها، والاختلاف في أنَّها
عامريَّةٌ أو أنصاريَّةٌ أو دوسيَّةٌ، قيل: هي غير التي وهبت نفسها، وقد
تَقَدَّمَ.
(1/6390)
[حديث: ليس كما تقولون: {لم يلبسوا
إيمانهم بظلم} بشرك]
3360# قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أن
غِيَاثًا؛ بكسر الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُخَفَّفة، وبعد الألف ثاء
مُثَلَّثَة، و (الْأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان أبو
مُحَمَّد الكاهليُّ، و (إِبْرَاهِيمُ): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ):
هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ رضي الله عنه.
قوله: (إلى قَوْلِ لُقْمَانَ): قال الأكثرون: إنَّ لقمان ليس بنبيٍّ، وقال عكرمة
وابن المُسَيّب: إنَّه نبيٌّ، و (ابنُهُ) ماثان، سيأتي الاختلاف في اسمه عند ذكر
أبيه [1]، إن شاء الله تعالى.
==========
[1] في (ب): (سيأتي عند ذكر أبيه الاختلاف في اسمه).
[ج 1 ص 876]
(1/6391)
[باب: {يزفون}: النسلان في المشي]
[ج 1 ص 876]
قوله: (باب: {يَزِفُّونَ} [الصافات: 94]: النَّسَلاَنُ [1] فِي المَشْيِ):
النَّسَلان في المشي [2] تفسيرٌ لـ {يَزِفُّونَ}، و {يَزِفُّونَ}: فعلٌ مستقبل، و
(النَّسَلان): مصدرٌ، وفي هذا تجوُّزٌ؛ لكون أحدهما مشتقٌّ من الآخر، و
(النَّسَلان)؛ بفتح النون والسين المُهْمَلَة؛ وهو السرعة في المشي، يقال: نسل
ينسِل نَسْلًا ونَسَلانًا؛ إذا أسرع.
==========
[1] في هامش (ق): (النَّسلان: السرعة في المشي مع تقارب الخُطا).
[2] (النَّسَلان في المشي): سقط من (ب).
(1/6392)
[حديث: إن الله يجمع يوم القيامة الأولين
والآخرين في صعيد واحد]
3361# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو [1] حَمَّاد بن أسامة، و (أبو
حَيَّانَ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الحاء المُهْمَلَة وتشديد الياء المُثَنَّاة تحت،
وأن اسمه يحيى بن سعيد بن حيَّان، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أن اسمه
هرِم، وقيل غير ذلك، ابن عمرو بن جرير بن عبدٍ [2] البَجَليُّ.
قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتيَ): مَبْنيٌّ
لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعِل.
قوله: (فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي): (يُسْمِعُهُم): بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه
رُباعيٌّ، و (الدَّاعِي): فاعلٌ، والضمير: مفعولٌ.
قوله: (وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ): بفتح أوَّل (ينفذهم)، ويجوز ضمُّه؛ فإن فتحتَ
أوَّله؛ فضمَّ الفاء، وإن ضممتَ أوَّله؛ فاكسر الفاء، وبالذال المُعْجَمَة؛ أي:
يخرقهم ويتجاوزهم، و (الْبَصَرُ): مَرْفُوعٌ فاعل، وقد رواه الكافَّة بفتحها؛
أعني: الياء؛ أي: يحيط بهم الرائي لا يخفى منهم شيءٌ لاستواء الأرض؛ أي: ليس فيها
[حيث] يستتر أحدٌ عن الرائي، وهذا أَولى من قول أبي عبيدٍ: يأتي عليهم بصر
الرَّحْمَن، إذ رؤية الله لجميعهم [3] محيطةٌ في كلِّ حالٍ، في المستوي وفي غيره،
يُقال: نَفَذَه؛ إذا بلغه وجاوزه.
فائدة: قال ابن الأثير في «نهايته»: قال أبو حاتمٍ: أصحاب الحديث يروونه بالذال
المُعْجَمَة، وإنَّما هو بالمُهْمَلَة، ومعناه: أنَّه يبلغ أوَّلهم وآخرهم، انتهى.
قوله: (تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
الضمير في تابعه يعود على أبي هريرة، و (أَنَسٌ): هو ابن مالك الخادم المشهور [4]
رضي الله عنه، ومتابعة أنسٍ أخرجها البخاريُّ عن قتادة عنه في (التفسير): وقال لي
خليفة عن يزيد [5] بن زريعٍ، ومسلمٌ في (الإيمان) عن أبي موسى وبُنْدار؛ كلاهما عن
ابن أبي عديٍّ، والنَّسائيُّ في (التفسير) عن أبي الأشعث عن خالد بن الحارث، وابن
ماجه في (الزهد): عن نصر بن عليٍّ عن خالد بن الحارث؛ ثلاثتُهم عن سعيد بن أبي
عَروبة، وبعضهم يزيد على بعضٍ في الحديث، حديث النَّسائيِّ ليس في الرواية، ولم
يذكره ابن عساكر، وقد أخرج حديث أنسٍ البُخاريُّ أيضًا من حديث معبد [6] بن هلالٍ
العَنَزيِّ [7] عنه في (التوحيد) عن سليمان بن حرب [8]، ومسلمٌ في (الإيمان) عن
أبي الربيع الزهرانيِّ وسعيد بن زيدٍ؛ ثلاثتهم عن حَمَّاد بن زيدٍ، عنه به، وفيه
حديثه عن الحسن عن أنسٍ، والنَّسائيُّ في (التفسير) عن يحيى بن حبيب بن عربيٍّ عن
حَمَّاد بن زيدٍ، ولم يذكر فيه حديث الحسن.
(1/6393)
[حديث: يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها
عجلت لكان زمزم عينًا معينا]
3362# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ): هذا هو
الرِّباطيُّ، اعلم أنَّ هذا الحديث رواه النَّسائيُّ عن أحمد بن سعيدٍ هذا، وقد
زاد فيه البُخاريُّ عبدَ الله بن سعيد بن جُبَيرٍ، ونقص منه أُبيَّ بن كعبٍ، وقد
رواه كثير بن كثيرٍ وغير واحدٍ عن سعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عَبَّاس، ولم يذكروا فيه
أبيَّ بن كعبٍ، والله أعلم.
قوله: (عن أَيُّوبَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ،
الإمام المشهور، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.
قوله: (يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ): هي هاجر، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها،
وبنت من هي، ومن أين، رحمة الله عليها [2] ورضي عنها، وسأذكر قريبًا فيها شيئًا؛
فانظره.
قوله: (مَعِينًا): أي: ظاهرًا جاريًا.
(1/6394)
[معلق الأنصاري: أقبل إبراهيم بإسماعيل
وأمه عليهم السلام وهي ترضعه]
3363# قوله: (وَقَالَ [1] الْأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ): هو مُحَمَّد
بن عبد الله الأنصاريُّ، شيخ البُخاريِّ، مشهور الترجمة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ
إذا قال: (قال فلانٌ) وفلان المسند إليه [2] القول شيخه كهذا؛ أنَّه يكون أخذه عنه
في حال المذاكرة غالبًا، و (ابن جُرَيجٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه عبد
الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ.
قوله: (أَمَّا كَثِيرُ بن كَثِيرٍ؛ فَحَدَّثَنِي): (أمَّا): بفتح الهمزة وتشديد
الميم، و (كثير) وأبوه: كلاهما بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة، وهو كثير بن كَثِير
بن المُطَّلِب بن أبي وداعة السَّهميُّ المَكِّيُّ، مشهور الترجمة، وثَّقهُ أحمد
وابن معين، وقال ابن سعد: كان شاعرًا قليل الحديث، وقال النَّسائيُّ: لا بأس به،
أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه [3].
قوله: (إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ): (إنِّي): (إنَّ) واسمها، و (عثمانَ): مَنْصُوبٌ؛ لأنَّه معطوفٌ على اسم
(إنَّ) [4]، و (ابنَ): مثله مَنْصُوبٌ، و (جُلُوسٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّنٌ، وهو
الخبر، وسأذكر قريبًا في إعرابه كلامًا، و (عثمان بن أبي سليمان): هو عثمان بن أبي
سليمان بن [5] جبير بن مُطعِمٍ، قاضي مكَّةَ، عن عمِّه، ونافع، وعروة، وعنه: ابن
جُرَيجٍ وابن عُيَيْنَة، وثَّقهُ أحمد، وأبو حاتمٍ، وغيرهما، أخرج له مسلمٌ، وأبو
داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقد ترجمت هذا مسرعًا؛ وذلك لأنَّه لم يخرِّج له
البُخاريُّ، والله أعلم.
وبخطِّ شيخنا الإمام أبي جعفر: (وعثمانُ)؛ مضمومٌ بالقلم، وكذلك (ابنُ) بعده،
وإعرابه ظاهرٌ، واعلم أنَّه إذا عُطِفَ قبلَ الخبر كهذا؛ فأجازه مطلقًا قبلَ
الخبرِ الكسائيُّ، وأبو الحسن، وهشامٌ، ورُويَ ذلك عن الخليل إذا أُفرِد الخبرُ،
وأجازه الفرَّاء بشرط بقاء الاسم، هذا النَّص عن الفرَّاء، وابن مالكٍ يقول عنه:
بشرط خفاء إعراب الاسم، فيندرج فيه المقصور والمضاف إلى ياء المتكلِّم، ويحتاج إلى
نقل مذهب الفرَّاء في ذلك، قاله أبو حيَّان شيخ شيوخنا في «ارتشافه»، والله أعلم.
قوله: (مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ): قال بعض الحُفَّاظ العصريِّين: لم
يعيِّن المنفيَّ في سعيد، وقد بيَّنه مسلم بن خالدٍ عن ابن جُرَيجٍ بهذا الإسناد
أنَّ سعيدًا سئل عن المقام: هل قام عليه إبراهيم [6] لمَّا زار إسماعيل؛ لأنَّ
سارة أحلفته ألَّا ينزلَ؟ فقال سعيدٌ: ما هكذا ... إلى آخره، انتهى.
(1/6395)
قوله: (وَأُمِّهِ): أي: آجر، يقال لها:
آجر وهاجر، وهي أوَّل امرأةٍ خُفِضَت، كما أنَّ سيدنا وسيِّدها [7] إبراهيم صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أوَّل من اختتن من الرِّجال، وأوَّل امرأةٍ جرَّت ذيلَها،
وأوَّل امرأةٍ ثقبَت أذنَيها [8]، وذلك أنَّ سارة غضبت عليها؛ فحلفت أن تقطع ثلاثة
أعضاءٍ من أعضائها؛ فأمر إبراهيم أن تَبَرَّ قسمَها بثقب أذنَيها وخفاضها، قال ابن
أبي زائدة: فصارت سُنَّةً في النِّساء؛ فلما خُفِضَت ورأت الدم؛ سترته بذيلها، فمن
ثَمَّ أرخى النساء ذيولهنَّ، قال شيخنا: وفي كلام غيره بعضُه، انتهى.
تنبيهٌ: ثَقْبُ آذان النساء حرامٌ؛ كذا قاله الغزاليُّ في «الإحياء»، وأمَّا أحمد
ابن حنبل؛ فنصَّ على جواز ذلك في حقِّ البنت، وكراهته في حقِّ الصبيِّ، وأمَّا الختان
للنِّساء؛ فعند الشَّافِعيَّة: أنَّه واجبٌ في الرجل والمرأة، وللعلماء فيه ثلاثة
مذاهب؛ هذا أحدها، والثاني: سنَّةٌ فيهما، والثالث: التفصيل بين الذَّكر والأنثى،
فيجب على الذكر، ولا يجب على الأنثى، والله أعلم.
قوله: (مَعَهَا شَنَّةٌ): تَقَدَّمَ أن (الشَنَّة): القِربة البالية.
قوله: (لم يَرْفَعْهُ): أي: لم يرفعه؛ يعني: ابن عَبَّاس، وإنَّما قاله من قِبَل
نفسه موقوفًا عليه، والله أعلم.
3364# قوله: (وَحَدَّثَنَا [9] عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ،
تَقَدَّمَ، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين بينهما عينٌ ساكنةٌ،
وأنَّه ابن راشدٍ، و (أَيُّوب السَّخْتِيَانِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ سينه
مُثَلَّثَة، وأنَّه ابن أبي [10] تميمة؛ بفتح المُثَنَّاة فوق في أوَّله وكسر
الميم، واسم أبي تميمة كيسان، و (وَكَثِير بْن كَثِيرِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه
ووالده بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة.
قوله: (أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ): هو بكسر الميم، ثُمَّ نونٍ
ساكنةٍ [11]، ثُمَّ طاءٍ مهملةٍ مفتوحة، ثُمَّ قاف، قال في «المطالع»: هو
النِّطاق؛ وهي أن تشدَّ المرأة وسطها على ثوبها حزامًا، ثُمَّ ترسل الأعلى على الأسفل،
وقيل: إنَّ هذا هو النِّطاق؛ فإنِّ المنطَق: هو الشيء الذي تشدُّ به وسطها، وقال
سحنون: (المِنطَق): الإزار تشدُّه على وسطها، وقد تَقَدَّمَ الكلام على
(النِّطاق)، ولم سُمِّيَت أسماء ذات النطاقَين، فانظره.
قوله: (مِنْ قِبَلِ): هو بكسر القاف، وفتح المُوَحَّدة.
[ج 1 ص 877]
قوله: (لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا): (تُعفِّي): بضَمِّ التاء المُثَنَّاة فوق، وبالعين
المُهْمَلَة، وبالفاء، وفي أصلنا: مفتوح العين مشدَّد الفاء بالقلم، ومعناه: تسحب
طرف ثوبها على التراب؛ لئلَّا يُعرَف أين ذهبت ولا أنَّها ذهبت، و (أَثَرَهَا): تَقَدَّمَ
أنَّه بفتح الهمزة والثاء، ويجوز كسر الهمزة وسكون الثاء، وقد تَقَدَّمَ [ما] قاله
شيخنا فيه.
(1/6396)
قوله: (عَلَى سَارَةَ): تَقَدَّمَ أن
بعضهم ضبطها بتشديد الراء، وهو صحيحٌ؛ من السرور، وأنا سمعتُ الناس ينطقون بها
بالتخفيف، وقد تَقَدَّمَ ذلك مع زيادة نسبِها ضمن (باب من أجرى أمر الأنصار [12]
على ما يتعارفونه بينهم)، وقد تَقَدَّمَ قريبًا ضبطها.
قوله: (عِنْدَ دَوْحَةٍ): هي بفتح الدال، وإسكان الواو، ثُمَّ حاء مهملتين مفتوحة،
ثُمَّ تاء التأنيث، وهي الشجرة العظيمة، وقد تَقَدَّمَت في أوائل هذا التعليق.
قوله: (جِرَابًا): تَقَدَّمَ أنَّ الجراب؛ بكسر الجيم، ولا يُفتَح إلَّا في
لُغَيَّة حكاها النَّوويُّ رحمه الله.
قوله: (ثُمَّ قَفَّى): هو بالقاف المفتوحة ثُمَّ فاءٍ كذلك مُشَدَّدة؛ أي: ولَّى،
وقد تَقَدَّمَ.
قوله: (آللهُ أَمَرَكَ بهذا؟): هو بهمزة الاستفهام، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (إِذًا لَا يُضَيِّعَنَا [13]): هو مَنْصُوبٌ بـ (إذًا)، وفي (يُضَيِّعَنَا)
تَقَدَّمَ لغتان: التخفيف والتشديد.
قوله: (اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ): أي: موضعَه؛ لأنَّه لم يُبْنَ إذ ذاك.
قوله: (تُرْضِعُ): هو بضَمِّ التاء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (حَتَّى إِذَا نَفِدَ): هو بكسر الفاء وبالدال المُهْمَلَة؛ أي: فَرَغَ.
قوله: (يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ): هو شكٌّ من الراوي، قال شيخنا: (قال
الدَّارَقُطْنيُّ: التلبُّط أكثر)، انتهى، و (يَتَلَبَّطُ): هو بفتح المُثَنَّاة
تحت، ثُمَّ فتح المُثَنَّاة فوق، ثُمَّ لام، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة مُشَدَّدة،
ثُمَّ طاء مهملة؛ أي: يتقلَّبُ عطشًا.
قوله: (كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إليه): (كَرَاهِيَةَ): تَقَدَّمَ أنها بتخفيف
الياء، ويجوز من حيث اللُّغة: كراهي.
قوله: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَلِذَلِكَ سَعَى [14] النَّاسُ بَيْنَهُمَا): هذا مَرْفُوعٌ، ومن أوَّله إلى هنا
موقوفٌ لفظًا مَرْفُوعٌ معنًى؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه.
قوله: (صَهْ؛ تُرِيدُ نَفْسَهَا): (صَهْ): بفتح الصاد المُهْمَلَة وإسكان الهاء:
زجرٌ يُقال عند الإسكات، ويكون للواحد والاثنين والجمع، والمذكَّر والمؤنَّث،
بمعنى: اسكت، وهي من أسماء الأفعال وتُنوَّن ولا تُنوَّن، فإذا نوَّنتَ؛ فهي
للتنكير [15]، كأنَّك قلت: اسكت سكوتًا، وإذا لم تنوِّن؛ فللتعريف؛ أي: اسكت
السكوتَ المعروفَ منك.
(1/6397)
قوله: (إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غُوَاثٌ):
(غُوَاثٌ): بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وكسرها، وفتحها، وقيَّدَه ابن الخشَّاب
وغيره من أهل اللُّغة بفتح الغين، وليس في الأصوات ما يُقال بفتح الفاء غيرَه،
وبالواو المُخَفَّفة، وبعد الألف ثاءٌ مُثَلَّثَة، قال في «المطالع»: بفتح الغين
للأصيليِّ، وعند أبي ذرٍّ بضَمِّ الغين، ورواه بعضهم: بالكسر [16]، والكلُّ صحيحٌ،
إلَّا أنَّ أكثر ما يأتي في الأصوات بالضَّمِّ؛ كالنُّباح، والكسر؛ كالنِّداء،
والفتح شاذٌّ في هذا الحرف فقط، وفي «النهاية»: الغَواث؛ بالفتح؛ كالغِياث؛
بالكسر، من الإغاثة، وقد أغاثه يغيثُه، وقد روي بالضَّمِّ والكسر، وهما أكثر ما
يجيء في الأصوات، كالنُّباح والنِّداء، والفتح فيها شاذٌّ، انتهى، وليس فيه زيادةٌ
على ما قاله في «المطالع»، وإنَّما فيه تفسير (الغواث)؛ فلذا ذكرته.
قوله: (فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ): هو جبريل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [17]،
وسيأتي التصريح به.
قوله: (فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ): هذا شكٌّ من الراوي،
وسيأتي التصريح بأنَّه بعقبه، و (العقب): مؤخَّر القدم، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ هذا
الماء لهذا المولود ولعقبه من بعده.
قوله: (حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ): لا شكَّ أنَّ إجراء زمزم كان إنعامًا محضًا، لم
يَشُبْهُ كسبُ البشر، فلمَّا دخل الحِرْص؛ وقفت تلك النعمةُ، ووُكِلَت إلى
تدبيرها، وأفاد الإمام الزمخشريُّ محمود بن عمر رحمه الله وعفا عنه [18] في
«ربيعه»: أنَّها أُنْبِطَت [19] قبلُ لآدم حتى انقطعت زمن الطوفان أيضًا، ثُمَّ
لإسماعيل [20]، والله أعلم.
قوله: (فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الحاء المُهْمَلَة بعده،
ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ضاد معجمة، ثُمَّ هاء الضمير، كذا في أصلنا بالقلم، يقال:
حاض يحوض اتَّخذ حوضًا، وحاض الماءَ حوضًا: جمعه، ومنه اشتقاق الحوض، ولا يمتنع أن
يجيءَ فيه التشديد للمبالغة، وقوله: (تحوِّضه)؛ أي: تحفر له كالحوض يستقرُّ فيه أو
يسيل إليه.
قوله: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ ... ) إلى: (مَعِينًا): هذا مَرْفُوعٌ أيضًا،
وقدَّمت أنَّ بقيَّة الحديث موقوفٌ لفظًا مَرْفُوعٌ معنًى؛ لأنَّ الصَّحَابيَّ إذا
قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه؛ كان مرفوعًا، وهذه القاعدة نصَّ عليها
الشَّافِعيُّ في اختلاف الحديث، رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه: أنَّه صلَّى في ليلةٍ
ستَّ رَكَعَاتٍ، في كلِّ ركعةٍ ستُّ سَجَدَاتٍ، قال الشَّافِعيُّ: ولو ثبت ذلك عن
عليٍّ [21]؛ لقلت به؛ لأنَّه لا مجال للقياس فيه، والظاهر أنَّه فعله توفيقًا،
انتهى، وكذا قال الإمام في «المحصول»، وكذا قال غيرهما من أئمَّة الحديث.
[ج 1 ص 878]
قوله: (لاَ يُضِيعُ [22] أَهْلَهُ): هو بالتخفيف، وهي لغة القرآن، ويجوز التشديد.
قوله: (رُفْقَةٌ): هي بضَمِّ الراء وكسرها.
(1/6398)
قوله: (مِنْ جُرْهُمَ): هو بضَمِّ
الجيم والهاء، وإسكان الراء بينهما، وميم في آخره: حيٌّ من اليمن، وهم أصهار
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، و (جرهم): إن شئتَ؛ صرفتَه، وإن شئتَ؛ لا، هو
ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرْفَخشذ بن سام بن نوح، ويقال: جرهم بن عابر، وقد
قيل: إنَّه كان مع نوح في السفينة، وذلك أنَّه من ولد ولده، وهم من العرب العاربة،
ومنهم تعلَّم إسماعيل العربيَّة، وقيل: إنَّ الله أنطقه بها إنطاقًا وهو ابن أربع
عشرة سنةً، انتهى كلام السُّهَيليِّ في أوائل «روضه»، وسيأتي في أوَّل (المناقب)
في (مناقب قريش) الكلامُ على قحطان.
قوله: (مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ): هو بفتح الكاف، ممدودٌ، كذا في أصلنا، وكذا في نسخة
شيخنا أبي جعفرٍ بخطِّه، وفي نسخةٍ في طرَّة أصلنا كذا: بضَمِّ الكاف مُنَوَّن،
وقد تَقَدَّمَ الكلام على (كَدَاء) و (كُدًى) في (الحجِّ)، وقد ذكره ابن قرقول،
وذكر أنَّ في شعر حسَّان: (موعدها كَدَاء)، قال: وفي حديث هاجر: «مقبلين من
كَدَاء»؛ يعني: فهاتان بالمدِّ والفتح، ثُمَّ اعلم [23] أنِّي رأيت شيخنا قال فيه:
كذا ضبطه الدِّمْيَاطيُّ بخطِّه بالضَّمِّ، وصرَّح به ابن الجوزيِّ حيث قال: الفتح
والمدُّ: أعلى مكَّة، والضمُّ والقصر: أسفلها، وهو المراد هنا؛ لأنَّه قال: فنزلوا
أسفل مكَّة، وهو موضعٌ يُخرَج منه من مكَّة إلى اليمن، انتهى.
قوله: (طَيرًا [24] عَائِفًا): أي: حائمًا على الماء؛ ليجد فُرصةً فيشربَ، وقد عاف
يعيف عيْفًا.
قوله: (فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ): (الجَرِيُّ): بفتح الجيم، وكسر
الراء، وتشديد الياء، قال الخليل: الجريُّ: الرسول؛ لأنَّك تُجريه في حوائجك، وقال
أبو عُبيد: الوكيل، قال ابن الأنباريِّ: الذي يتوكَّل عند القاضي وغيره، وقيل:
الأجير.
قوله: (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخر كلامه
عليه السلام [25]: هذا القدر مَرْفُوعٌ، والباقي موقوفٌ على ابن عَبَّاسٍ، كما
تَقَدَّمَ.
قوله: (فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ): (ألفى): وجد، و (أمَّ): مَنْصُوبٌ
مفعول.
قوله: (تُحِبُّ الإِنْسَ): هو بكسر الهمزة في أصلنا، والذي أحفظه: بضمِّها، وهما
قريبان [26]، ثُمَّ رأيتها بالضَّمِّ في خطِّ شيخنا أبي جعفرٍ، ثُمَّ رأيت بعضهم
قيَّدَه بهما.
قوله: (وَشَبَّ [27] الْغُلَامُ): أي: كَبُرَ.
(1/6399)
قوله: (وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ
مِنْهُمْ): فيه ردٌّ لما في «المستدرَك» _وقد رأيته في بعض كتب الأوائل_: أنَّ
[28] أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة إِسْمَاعِيل، ولفظ «المستدرك» في إِسْمَاعِيل
موقوفًا على ابن عَبَّاسٍ، كما أنَّه هنا (إنَّه تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ منهم)
موقوفٌ عليه «أوَّل من نطق بالعربيَّة ... » إلى آخر الحديث، وفي سنده عبد العزيز
بن عمران، وهو واهٍ، تعقَّب الذَّهَبيُّ الحديث المذكور في «تلخيصه» به، وقد
تَقَدَّمَ كلام السُّهَيليِّ، وقد ذكر شيخنا ما في «المستدرك» ولم يتعقَّبه، قال:
وذكر ابن إسحاق ... ، فذكر إسناده إلى أبي ذرٍّ مرفوعًا: أنَّه أوَّل من كتب
بالعربيَّة، قال أبو عمر: هو أصحُّ من رواية مَن روى: أنَّه أوَّل من تكلَّم بها،
قال: وفي «أدب النَّحَّاس» بإسناده إلى عليٍّ مرفوعًا: «أوَّل من أنطق الله لسانه
بالعربيَّة الُمبِينة إِسْمَاعِيل، وهو ابن أربع عشرة سنةً»، وأثنى أبو عُبيدة على
إسناده، وذكر له أبو عمر متابعًا في كتابه «القصد والأمم»، وقال ابن سعدٍ:
أَخْبَرنَا الأسلميُّ _يعني والله أعلم: الواقديَّ_ عن غير واحدٍ من أهل العلم:
أنَّ إِسْمَاعِيل أُلهم من يوم وُلَد لسانَ العرب، وقال هشام بن مُحَمَّدٍ: (قال
الشرقيُّ: عربيَّة إِسْمَاعِيل أفصح من عربيَّة يعرب بن قحطان)، وقال النَّحَّاس:
(عربيَّة إِسْمَاعِيل هي الَّتي أُنزِل بها القرآن، وأمَّا عربيَّة حِميَرَ وبقايا
جُرْهُم؛ فغير هذه العربيَّة وليست فصيحةً)، وعن أبي عمرو بن العلاء قال: أوَّل من
فَتَقَ الله لسانَه بالعربيَّة المبينة إِسْمَاعِيلُ، قال أبو عمر: لا يصحُّ غير
هذا، وفي «الوشاح» لابن دُرَيدٍ: أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة القديمة يَعْرُبُ بن
قحطان، ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ، انتهى، ولعلَّ الجمع بين هذا وبين ما في «الصحيح» _إن
صحَّ هذا_: أنَّ إِسْمَاعِيل أوَّل من تكلَّم بها مبينة فصيحة، والله أعلم.
قوله: (وَأَنْفَسَهُمْ): هو بفتح الفاء؛ أي: أَعْجَبَهُمْ وعَظُمَ في نفوسِهم.
قوله: (زَوَّجُوهُ امْرَأَةً منهم): ستأتي تسميتُها قريبًا.
قوله: (يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ [29]): سيأتي قريبًا الكلام عليها.
قوله: (يَبْتَغِي) [30]: أي: يطلب؛ يعني: الصيد.
قوله: (كَأَنَّهُ آنَسَ): هو بمدِّ الهمزة؛ أي: أبصر، ورأى شيئًا لم يعهده، يقال:
آنست؛ أي: علمتُ، واستأنست: استَعْلَمْتُ.
قوله: (جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا): (شَيْخٌ): مُنَوَّنٌ مَرْفُوعٌ؛ أي: شيخٌ
صفته كَذَا وَكَذَا.
قوله: (ذَاكِ): هو بكسر الكاف؛ خطاب لمؤنَّثٍ، وهذا مَعْرُوفٌ.
قوله: (الْحَقِي): هو بهمزة وصلٍ، فإن ابتدأتَ بها؛ فاكسِرْها؛ لأنَّه ثُلاثيٌّ.
[قوله]: (وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى): الثانية ستأتي تسميتُها قريبًا،
والاختلاف فيه.
قوله: (وَدَخَلَ [31] عَلَى امْرَأَتِهِ): هذه هي الثانية، وستأتي تسميتُها مع
الاختلاف فيه.
(1/6400)
قوله: (فَهُمَا لَا يَخْلُو
عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لم يُوَافِقَاهُ): (يَخْلُو): بالخاء
المُعْجَمَة، وقوله (يُوَافِقَاهُ): قال ابن قرقول: يعني الماء واللَّحم، قال
المطرِّز: أخلى الرجل على اللَّبن؛ إذا لم يشرب سواه، وفي «البارع»: خلا؛ ثُلاثيٌّ
بمعناه، وقيل: يخلو: يعتمد، والمعنى واحدٌ، انتهى، ولابن الأثير نحوه.
قوله: (وَمُرِيهِ يُثبِتُ [32]): يجوز في (يُثبِتُ) [33]: الجزم والرفع، وإعرابهما
ظاهران.
قوله: (ذَاكِ أَبِي): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّثٍ.
قوله: (إِنَّ [34] اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَهُنَا بَيْتًا): سيأتي الكلام
عليه، وعلى ما يجيء بعده، و (الأَكْمَة): الرابية، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها
مُطَوَّلًا.
قوله: (بِهَذَا الْحَجَرِ): يعني: حجر المقام.
قوله: (حَتَّى يَدُورَا [35]): هو مستقبل (دار)، وفي نسخة: (تدَوَّرا)؛ بفتح
أوَّله وثانيه [36] وثالثه المشدَّد.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قال) بلا
واوٍ.
[2] في (أ): (إلى).
[3] زيد في (أ): (قوله)، وهو تكرارٌ.
[4] (إنَّ): سقط من (ب).
[5] (بن): سقط من (ب).
[6] في (ب): (أو هم)، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب): (كما أن لسيدها وسيدنا).
[8] في (ب): (أذنها).
[9] كذا في النسختين، وهي في (ق) بلا واو، وصحَّت من رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»
وهامش (ق): (حدَّثني).
[10] (أبي): سقط من (ب).
[11] في (ب): (وسكون النون).
[12] في (ب): (الأمصار)، وكذا في «اليونينيَّة»، والمثبت موافق لما في (ق)، ويراجع
موضعه في هذا الكتاب.
[13] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (يضيِّعُنا)؛ بالرفعِ.
[14] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة»:
(فَذَلِكَ سَعْيُ).
[15] في (ب): (للتكثير)، وهو تحريفٌ.
[16] وهي رواية «اليونينيَّة».
[17] في (ب): (عليه السلام).
[18] (وعفا عنه): سقط من (ب).
[19] في (ب): (انبسطت).
[20] زيد في (ب): (عليه السلام).
[21] زيد في (ب): (رضي الله عنه).
[22] في هامش (ق): («يُضيعُ»: لغة القرآن).
[23] (اعلم): سقط من (ب).
[24] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (طَائِرًا).
[25] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).
[26] في (ب): (قولتان).
[27] في (ب): (وثب)، وهو تحريفٌ.
[28] (أن): سقط من (ب).
[29] في هامش (ق): (قوله: «يطالع تركته»: التركة: قال ابن الأثير في «النهاية»:
بسكون الراء في الأصل: بيض النعام، وجمعها: ترك؛ يريد به ولده إسماعيل وأمه هاجر
لما تركهما بمكة، قيل: ولو روي بكسر الراء؛ لكان وجهًا من التركة؛ وهي الشيء
المتروك، ويقال لبيض النعام: تريكة، وجمعها: ترائك).
[30] في (ب): (ينبغي)، وهو تصحيفٌ.
[31] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (فَدَخَلَ).
[32] في (ب): (ببيت)، وهو تصحيفٌ.
[33] في (ب): (بيت)، وهو تحريفٌ.
(1/6401)
[34] كذا في النسختين، وفي
«اليونينيَّة» و (ق): (فإنَّ).
[35] في (ب): (تدرا)، وهو تحريفٌ.
[36] في النُّسخَتَينِ: (وثالثه)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
(1/6402)
[حديث: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما
كان خرج]
3365# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المسنديُّ،
وقد قَدَّمْتُ [1] أنَّه كذلك في (الشرب).
قوله: (لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَهْلِهِ مَا كَانَ): يشير إلى قصَّة
غَيرَةِ سارة من هاجر لمَّا ولدت إسماعيل.
قوله: (ومَعَهَا [2] شَنَّةٌ): تَقَدَّمَ أنها القِربة البالية.
قوله: (فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ): هي آجر، وقد تَقَدَّمَت.
قوله: (وَيَدِرُّ لَبَنُهَا): هو بكسر الدال، ورأيت في نسخةٍ صحيحةٍ بكسر الدال
وضمِّها بالقلم، وكُتِب عليه (معًا).
قوله: (تَحْتَ دَوْحَةٍ): هي الشجرة العظيمة، تَقَدَّمَت.
قوله: (كَدَاءً): هو [3] بفتح الكاف، ممدودٌ، مصروفٌ، تَقَدَّمَ في [4] (الحجِّ).
قوله: (هَل تُحِسُّ أَحَدًا): (تُحسُّ): بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، ويقال:
ثُلاثيٌّ.
قوله: (فَصَعِدَتِ): هو بكسر العين، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (يَنْشَغُ): هو بفتح أوَّله، وسكون النون، ثُمَّ شين معجمة مفتوحة [5]،
ثُمَّ غين معجمة أيضًا، يقال: نشغ ينشغ؛ بالفتح فيهما؛ ومعناه: يعلو [6] نَفَسه
كالشهيق من شدَّة ما يَرِدُ عليه من شوقٍ أو أسفٍ حتَّى يكاد يدركه الغَشْيُ.
قوله: (فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا): (تُقِرَّها): بضَمِّ أوَّله وكسر القاف،
والضمير مفعولٌ، و (نفسُها): بالرفع فاعلٌ.
[قوله]: (فَقَالَ بِعَقِبِهِ): هو مؤخَّر القدم، وإنَّما غمز الأرض بعقبه [7]، فيه
إشارة إلى أنَّ هذا الماء لهذا المولود ولعقبه، وقد تَقَدَّمَ.
قوله: (فَانْبَثَقَ الْمَاءُ): هو بالوصل وسكون النون، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة،
ثُمَّ ثاء مُثَلَّثَة مفتوحة، ثُمَّ قاف؛ أي: انفجر، يقال: بِثْق وبَثْق، لموضع انفجار
الماء.
قوله: (فَدهشَتْ): هو بالبناء للمفعول وللفاعل، لغتان معروفتان.
قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
تَرَكَتْهُ؛ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا»): هذا مَرْفُوعٌ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ
الباقيَ موقوفٌ، وهو في حكم المرفوع.
قوله: (فَنَكَحَ مِنْهُمُ [8] امْرَأَةً): هذه المرأة سمَّاها السُّهَيليُّ في
«روضه»: جَدَّاء بنت سعدٍ، انتهى، وسيجيء في المرأة الثانية ذكر من عزاه السُّهَيليُّ
[9] إليه.
قوله: (بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بدَا): بغير همزٍ: ظهر، وهذا ظاهِرٌ.
(1/6403)
قوله: (تَرِكَتِي): قال ابن الأثير في
«نهايته»: الترْكة؛ بسكون الراء في الأصل: بَيض النعام، وجمعها: تَرْك، يريد به:
ولدَه إسماعيل وأمَّه هاجر، تركهما بمكَّة، قيل: ولو روي بكسر الراء؛ لكان وجهًا،
من التركة؛ وهو الشيء المتروك، ويقال لبيض النعام: تريكة، وجمعها: ترائكُ، انتهى،
وقال في «المطالع»: يطالع تركته؛ أي: ولده الذي تركه بالمكان القَفْرِ، انتهى، وفي
أصلنا: (تَرِكَتِي): بكسر الراء، ثُمَّ أُصلِحَت على (تِرْكَتِي) و (تَرْكَتِي)،
وقد رأيت في نسخةٍ صحيحةٍ هذه اللَّفظةَ هنا ساكنةَ الراء، وعليها (صح)، وفي
المكان الثاني: ضبطها كذلك وصُحِّحَ، ثُمَّ كُتِب في الحاشية ما لفظه: دار الذهب:
(تَرِكَتِي)؛ بكسر الراء هنا وفي الموضعين بعده، انتهى.
قوله: (أَنْتِ ذَاكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنه خطاب لمؤنَّثٍ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بغير همزٍ؛ أي: ظهر.
قوله: (تَرِكَتِي): يأتي فيه ما قدَّمته أعلاه.
قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ): هذه المرأة الثانية، قال السُّهَيليُّ: المرأة
الثانية _التي قال له أبوه معها: (ثَبِّت عتبة بابك) في الزَّورة الثانية_ يقال:
اسمها سامة بنت مهلهل، ذكرها والتي قبلها الواقديُّ في «انتقال النور» [10]،
وذكرهما المسعوديُّ أيضًا، قال السُّهَيليُّ: وقد قيل في الثانية: عاتكة، انتهى،
ذكره في أوَّل «الروض»، وذكر شيخنا قولًا آخر عن السُّهَيليِّ في اسم هذه الثانية:
أنَّه السيِّدة، ولم أرَه أنا في «روضه»، قال شيخنا: وعند ابن سعدٍ: أمُّ ولد
إسماعيل رعلة [11] بنت مضاض بن عمرو الجرهميِّ [12]، وعند الكلبيِّ: رعلة بنت
يعرُب بن يشجُب بن لوذان بن جرهم، وعند الجونيِّ [13]: هالة بنت الحارث بن مضاض،
ويقال: سلمى، ويقال: الخيفا، انتهى؛ فحصل في اسمها خلافٌ؛ وهو: سامة، وقيل: عاتكة،
وقيل: السيِّدة، وقيل: رعلة، وقيل: هالة، وقيل: سلمى، وقيل: الخيفا؛ فهذه سبعة
أقوالٍ في هذه الثانية، والله أعلم.
قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: قال هشام بن الكلبيِّ: هي رعلة بنت يشجُب بن
يعرُب بن لوذان بن جرهم، قال الحافظ المشار إليه لمَّا ذكر الأقوال في اسمها: قلت:
والنفس إلى ما قال ابن الكلبيِّ أَمْيلُ، والله أعلم.
قوله: (فَتَطْعَمَ): هو بفتح التاء؛ أي: تأكل، مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ، و
(وَتَشْرَبَ): معطوف عليه.
قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَرَكَةٌ
بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [14]): وهذا القدر
مَرْفُوعٌ فاعله.
قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بَدَا) بغير همز؛ أي: ظهر، وقد
تَقَدَّمَ أعلاه [15].
قوله: (تَرِكَتِي): تَقَدَّمَ أعلاه الكلام عليه.
(1/6404)
قوله: (إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ
أَبْنِيَ له بَيْتًا، وأَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عليه؛ قال: إِذَنْ أَفْعَلَ): لا
مخالفة بين هذا وبين ما تَقَدَّمَ؛ فيجوز أن يكون طلب منه الإعانة أوَّلًا؛ فأجاب،
ثُمَّ أخبره ثانيًا: أنَّ الله أمره بها، والله أعلم.
تنبيهٌ: رأيت من يحتجُّ بهذا الحديث على أنَّ الذَّبيح إسحاقُ، وقال: إنَّه لم
يذكر في الحديث أنَّه جاء إليه وهو صغيرٌ، وإنَّما جاء إليه وهو كبيرٌ، وقد نكح
ثُمَّ طلَّق، ثُمَّ جاء إليه وقد تزوَّج الثانية، فلم يجدْه، ثُمَّ جاءه مَرَّةً
ثالثةً، فوجده، فأين الذبح؟ والجواب: أنَّ في «مسند أحمد» بسنده إلى أبي الطفيل
قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: يزعم قومُك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
يسعى بين الصفا والمروة، وأنَّ ذلك سنَّةٌ، قال: صَدَقوا، إنَّ إبراهيم عليه
السلام [16] لمَّا أُمِر بالمناسك؛ عرض له الشيطان ... إلى أن قال: قد تلَّه، قال
يونس _المذكور في سند الحديث_: وثمَّ تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل قميصٌ أبيضُ،
فقال: يا أبة؛ ليس لي ثوبٌ تكفِّنني فيه غيره؛ فاخلعه [17] حتَّى تكفِّنني فيه،
فعالجه ليخلعَه، فنودي: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}
[الصافات: 104 - 105]، فالتفت إبراهيم؛ فإذا هو بكَبشٍ أبيضَ، أقرنَ، أعينَ ... ؛
الحديث، وفيه أيضًا عن ابن عَبَّاسٍ فذكره، إلَّا أنَّه قال: (وثمَّ تلَّ إبراهيمُ
إسماعيلَ للجبين)؛ فاستفِدْه، وقد أخرج هذا الإمام أحمد في «المسند»، فهو عنده
مَرْفُوعٌ، وهذا قد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجالَ للاجتهادِ
فيه؛ أنَّه يكون مرفوعًا، وأنَّ الشَّافِعيَّ قد نصَّ على مثل هذا، والإمام فخر
الدين في «المحصول»، وكذا ذكر الحاكم في «المستدرك» بعض هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ
موقوفًا عليه، فهو عنده أيضًا مَرْفُوعٌ في المعنى، والكلام على الذبيح؛ أهو
إسماعيل _وهو الصواب_ أو إسحاق؟ وذكر الأدلَّة يُخرِجُني عمَّا قصدتُه، وقد ذكر
ابن القَيِّمِ في ذلك كلامًا حسنًا، ورَدَّ أنَّه إسحاق من ثلاث آياتٍ في القرآن،
وقد رأيت الاستدلال ببعضها لبعض السلف، وذكر فيه كلامًا عن ابن تيمية أبي
العَبَّاس، فإن أردته؛ فانظره في أوائل «الهَدْيِ»؛ فإنَّه كلامٌ حسنٌ، والله
أعلم.
==========
[1] زيد في (ب): (ذلك).
[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وَمَعَهُمْ).
[3] في (ب): (هي).
[4] في (ب): (فما)، وهو تحريفٌ.
[5] في (أ): (مفتوحتين).
[6] في النسختين: (تعلو)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[7] في (ب): (بقدمه).
[8] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فِيهِمُ).
[9] (السُّهيلي): سقط من (ب).
[10] (انتقال النور): ضرب عليه في (ب).
[11] في (ب): (رعيلة).
[12] في (ب): (الجربلمي)، وهو تحريفٌ.
[13] في (ب): (الجرمي)، وهو تحريفٌ.
[14] قوله: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في
رواية أبي ذرٍّ.
[15] في (ب): (بظاهرها).
(1/6405)
[16] في (ب): (عليه الصَّلاة
والسَّلام).
[17] في (أ): (فاجعله).
[ج 1 ص 879]
(1/6406)
[حديث: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:
المسجد الحرام]
3366# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه
التَّبُوذكيُّ، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته في أوائل هذا التعليق، والكلام على هذه
النسبة لماذا نُسِبَ، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (عَبْدِ الوَاحِدِ)، وهو ابن زياد
العبديُّ، وأنَّ له ما يُنكَر، وأن صاحبَي «الصحيح» تجنَّبا ما أُنكِر من رواياته،
وتَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن مِهْرَان مرارًا، وتَقَدَّمَ
(إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ): هو إبراهيم بن يزيد بن شريك بن طارق
التيميُّ، من تيم الرِّباب، وتَقَدَّمَ (أَبُو ذرٍّ): جندب بن جنادة، وقيل غير
ذلك، وسأذكره، رضي الله عنه.
قوله: (أَيُّ مَسْجِدٍ ... ) إلى قوله: (كَمْ [1] بَيْنَهُمَا؟ قَالَ:
أَرْبَعُونَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوائل هذا التعليق، وأنَّ سليمان جدَّده
ولم يؤسِّسه، والذي أسَّسه هو يعقوب بن إسحاق، والله أعلم.
[ج 1 ص 879]
قوله: (ثُمَّ أيٌّ [2]): يجيء فيه ما ذكرته في أوائل هذا التعليق؛ هل هو (أيُّ)
والسائل ينتظر الجواب، أو (أيٌّ) مُنَوَّنة مرفوعة؟ وكلامُ مَن تكلَّم فيه.
(1/6407)
[حديث: هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن
إبراهيم حرم مكة]
3367# قوله: (طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا
وَنُحِبُّهُ»): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الحبِّ، وأنَّ الصحيح أنَّه حقيقةٌ، ولا
مانع منها، والله أعلم.
قوله: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا): تَقَدَّمَ الكلام على (اللابتَين)، وأنَّهما
الحَرَّتان، وضبط (اللابة)، وأنَّ الحرَّة: أرضٌ تركبها حجارةٌ سودٌ.
قوله: (رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): أخرجه البُخاريُّ ومسلمٌ من حديث عبَّاد بن تميم عنه.
(1/6408)
[حديث: ألم تري أن قومك بنوا الكعبة
اقتصروا عن قواعد إبراهيم]
3368# قوله: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ
عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [1] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ
عَنْهَا [2] ... )؛ الحديث: (ابن أبي بكر): هو عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصِّدِّيق، أخو القاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، قال المِزِّيُّ في «أطرافه» في
هذا الحديث: ومَن قال: إنَّه ابن أبي عتيق؛ فقد أخطأ، انتهى، والذي قال: (إنَّه
ابن أبي عتيق) هو خلفٌ في «أطرافه».
وفي آخر هذا الحديث في هذا «الصحيح» هنا: (قَالَ [3] إِسْمَاعِيلُ: عَبْدُ اللهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ)، انتهى، و (إسماعيل) هذا: هو ابن أبي أويس، ابن
أخت مالكٍ، وقد أخرجه البُخاريُّ من طريق إسماعيل في «التفسير»، وقد تَقَدَّمَ
أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلانٌ) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛
يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، والله أعلم.
قوله: (مَا أُرَى): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّ.
قوله: (يَلِيَانِ الْحِجْرَ): هو بكسر الحاء وإسكان الجيم، وهذا ظاهِرٌ معروفٌ.
==========
[1] الترضية ليست في «اليونينيَّة» و (ق).
[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة»: (عنهم)، والترضية ليست في (ق).
[3] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ عن المستملي والكشميهني، ورواية
«اليونينيَّة» و (ق): (وقال)؛ بزيادة واو.
[ج 1 ص 880]
(1/6409)
[حديث: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه
وذريته]
3369# قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ): (سُلَيم): بضَمِّ السين
وفتح اللام، و (الزُّرَقيُّ): بضَمِّ الزاي، وفتح الراء، وبالقاف، وهذا مَعْرُوفٌ
مشهورٌ.
قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الرَّحْمَن
بن عمرو بن سعد، وقيل: ابن المنذر بن سعد، الخزرجيُّ، مدنيٌّ، تُوُفِّيَ في آخر
خلافة معاوية [1]، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند».
(1/6410)
[حديث: قولوا اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد]
3370# قوله: (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): أمَّا
(قيس بن حفص)؛ فهو الدارميُّ البصريُّ، يروي عن أبي عوانة وطبقتِه، وعنه:
البُخاريُّ، وابن الضُّرَيس، وجماعةٌ، وثَّقهُ ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخٌ،
تُوُفِّيَ سنة (227 هـ) أو نحوها، أخرج له البُخاريُّ فقط، وأمَّا (موسى بن
إسماعيل)؛ فهو التَّبُوذكيُّ الحافظ، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوةَ [1] مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ): هو
بإسكان الميم، وبالدال المُهْمَلَة، نسبة إلى القبيلة، قال ابن قرقول: إلَّا أنَّ
في «البُخاريِّ» و «مسلم»: (مسلم بن سالم الهَمَذانيُّ)، كذا وقع في جميع النسخ،
وضبطه الأصيليُّ بسكون الميم بخطِّ يده، وهو الصحيح، ووجدته في بعض نسخ
النَّسَفيِّ بفتح الميم وذال معجمة، وهو وَهَمٌ؛ وإنَّما نسبته زهريٌّ، ويُعرَف
بالجُهَينِيِّ، كذا قاله البُخاريُّ: وبالجُهَينِيِّ يُعرَف؛ لأنَّه كان نازلًا
فيهم، انتهى.
وقال الجَيَّانيُّ في «تقييده»: وأُرَاه وَهمًا، قال أحمد ابن حنبل: أبو فروة
الهَمْدانيُّ: اسمه عروة، وأبو فروة الزبيديُّ: اسمه مسلم بن سالم، قال: وكان ابن
مهديٍّ لا يفصل بين هذين، وهذا اللفظ في الجملة وقع في «البُخاريِّ» على الوهم،
وليس بهَمْدانيٍّ على الوجهين معًا، وقد ذكر ابن أبي خيثمة حديثَ البُخاريِّ هذا،
فقال: فيه أبو فروة الجُهَينيُّ [2]، وهو الصواب، انتهى.
تنبيهٌ: ليس في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» و «المُوَطَّأ» أحدٌ مِن البلد التي هي
بفتح الميم وبالذال المُعْجَمَة.
تنبيهٌ ثانٍ: ليس في الصَّحَابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين أحدٌ من البلدِ،
وأكثر المُتَأخِّرين منها، ولا يمكن استيعابُ الفريقَين، والله أعلم.
قوله: (لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ العين، وإسكان
الجيم، صَحَابيٌّ مشهورٌ، رضي الله عنه.
قوله: (أَلَا): هي بفتح الهمزة، وتخفيف اللام.
قوله: (أُهْدِي): هو بضَمِّ الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (فَأَهْدِهَا): هو بفتح الهمزة، تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه رُباعيٌّ.
قوله: (سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (سألْنا):
بإسكان اللام، والضمير فاعل، و (رسولَ): مَنْصُوبٌ مفعولٌ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ): هو بنصب لام (أهلَ)، وهذا ظاهِرٌ.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قُرَّة).
[2] في (ب): (الجهني).
[ج 1 ص 880]
(1/6411)
[حديث: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل
وإسحاق]
3371# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الجيم، وكسر
الراء، وأنَّه ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، وتَقَدَّمَ (مَنْصُور): أنَّه
ابن المعتمر.
قوله: (عَنِ الْمِنْهَالِ): هو المنهال بن عمرو الأسَديُّ مولاهم، عن ابن
الحنفيَّة وزِرٍّ، وعنه: الأعمش، وشعبة، وروايته عنه في «النَّسائيِّ»، ثُمَّ تركه
بأَخَرَةٍ، ووثَّقهُ ابن معين، أخرج له البُخاريُّ والأربعة، قال ابن أبي حاتم:
إنَّما تركه شعبة؛ لأنَّه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب، وقال ابن معين
والنَّسائيُّ: ثقةٌ، وقال وهب بن جرير عن شعبة قال: أتيت منزل مِنهال بن عمرو،
فسمعت منه صوت الطُّنبور، فرجعت ولم أسأله، قلت: فهل سألتَهُ؛ عسى كان لا يعلم؟ له
ترجمة في «الميزان».
تنبيهٌ: لهم (المنهال بن عمرو) شيخٌ آخرُ حدَّث عن شعبة، قال الذَّهَبيُّ: ما علمت
أنَّ أحدًا تكلَّم فيه، ولا هو بمشهورٍ، انتهى، هذا ليس له شيءٌ في الكتب ولا
مؤلَّفاتهم المذكورة في «التهذيب» للمِزِّيِّ.
قوله: (إِنَّ أَبَاكُمَا): يعني: إبراهيم الخليل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
[1].
قوله: (التَّامَّةِ): هي الكلمة الكاملة، ومعنى كمال الكلمات: أنَّه لا يدخلها
نقصٌ ولا عيبٌ؛ كما يدخل في كلام الناس، وقيل: (التامَّة): النافعة والشافية ممَّا
يُتعوَّذ منه بها، وقيل: (الكلمات) ههنا: القرآن.
قوله: (مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ): (الهامَّة): بتشديد الميم، قيل: الحيَّة
وكلُّ ذي سمٍّ، وجمعها: هوامُّ، وأمَّا ما لا يقتل ويَسمُّ؛ فهي السَّوامُّ؛
كالزنبور، وقيل: الهوامُّ: دوابُّ الأرض التي تهمُّ بالناس، وقال شيخنا: قال
الداوديُّ: يعني: شياطين الإنس والجنِّ، انتهى.
[ج 1 ص 880]
قوله: (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ): (لامَّة) [2]: بتشديد الميم أيضًا؛ أي: ذات
لَمَمٍ بإصابتها وضُرِّها، وبه لَمَمٌ؛ أي: جنون، وقوله: (لامَّة): قياسه:
مُلِمَّة، لكن عدل عنه؛ ليوافق لفظ (هامَّة)؛ فيكون ذلك أخفَّ على اللسان، والله
أعلم.
==========
[1] في (ب): (عليه السلام).
[2] (لامة): سقط من (ب).
(1/6412)
[باب: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}]
(1/6413)
[حديث: نحن أحق من إبراهيم إذ قال: {رب
أرني كيف تحيي الموتى}]
3372# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن وهب،
أحد الأعلام، و (يُونُسُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن
شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا، مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب،
أحد الأعلام وحفَّاظ الإسلام، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ):
تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد
الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و (سَعِيد بْن المُسَيّبِ): تَقَدَّمَ مرارًا
أنَّه بفتح ياء (المُسَيّب) وكسرها، وأنَّ [1] غيرَه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا
يُقال إلَّا بفتحها، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه عبد
الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ): معناه: لم يشكَّ إبراهيمُ،
ونحن كذلك؛ فهو نفيٌ للشكِّ، لا إثباتٌ له، وقيل: بل قال ذلك على سبيل التواضع
والتقديم لأبيه إبراهيم عليه السلام؛ أي: أنَّه لم يشكَّ، ولو شكَّ؛ لكنتُ أنا
أحقُّ بالشكِّ منه، كأنَّه قال: لا أشكُّ، فكيف إبراهيم عليه السلام؟! وقيل: قال
ذلك جوابًا لقوم قالوا: شكَّ إبراهيم ولم يشكَّ نبيُّنا، فقال هذا، قال عياض:
ويحتمل أنَّه أراد منه الذين يجوز عليهم الشكُّ، وفيه أقوالٌ كثيرةٌ غير هذه،
والله أعلم، ومنها ما ذكره صاحب «الأمثال السائرة»: أنَّ (أفعل) يأتي في اللغة
لنفي المعنى عن الشيئَين؛ نحو: الشيطان خيرٌ من فلان؛ أي: لا خير فيهما، انتهى،
وهذا من أحسن ما يُخرَّج عليه الحديث، والله أعلم [2]، قاله بعضهم.
قوله: (وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا): هو ابن أخي إبراهيم هاران بن تارح [3]؛ وهو آزر،
وبقيَّة نسبه معروف، وسأذكره عند ذكر النسب الشريف حيث ذكره البُخاريُّ إلى عدنان،
فأذكره إلى آدم، ولوطٌ نبيٌّ مرسلٌ، مناقبه معروفةٌ، صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم [4]، وسأذكر بعضَ ما يتعلَّق به قريبًا.
قوله: ({إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]): يريد: الله سبحانه وتعالى، وأصله:
الركن من الجبل يُلجَأ إليه، وهو الناحية منه، ترحَّم عليه؛ لسهوه عن التوكُّل
والاستناد إليه، قاله ابن قرقول في «مطالعه».
قوله: (لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ): يريد: رسولَ المَلِك، لا المرأة التي دعتْه؛ إذ قال
يوسف صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] للداعي: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف:
50]، وهو من نبيِّنا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6] تواضعٌ.
(1/6414)
[باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب
إسماعيل إنه كان صادق الوعد}]
قوله: ({وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: 54]): تَقَدَّمَ أنَّ معنى
(إسماعيل): مطيعُ الله، وهو ابن إبراهيم بن تارح [1]؛ وهو آزر، وبقيَّة نسبه تأتي
في النسب الشريف، وهو نبيٌّ مرسلٌ إلى جُرْهُم.
وقوله: ({إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]}): قيل: إنَّه واعد رجلًا
مكانه، فأقام به يومه إلى الغَدِ، وقيل: انتظره ثلاثة أيَّام، وقيل: سنة، وقيل: لم
يَعِد ربَّه إلَّا أنجزه، وقد تَقَدَّمَ الاختلاف في أنَّه هل [هو] الذبيح _وهو
الصحيح_ أو إسحاق، ويدلُّ لكونه إسماعيلَ ثلاثُ آياتٍ من القرآن، وقال بعضهم: إنَّ
الأكثرين على أنَّه إسحاق، قال ابن تيمية أبو العَبَّاس الحافظ: وذلك باطلٌ بنصِّ
التوراة، ثُمَّ بيَّن ذلك، والمسألة طويلةٌ، وتكفي هذه الإشارة والتي تَقَدَّمَت
إليها.
==========
[1] في (ب): (تارخ).
[ج 1 ص 881]
(1/6415)
[حديث: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم
كان راميًا]
3373# قوله: (عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد)،
وكذا قوله: (يَنْتَضِلُونَ)، وأنَّه بالضاد المُعْجَمَة؛ أي: يترامَون بالسِّهام.
قوله: (ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ [1]): كذا في نسخة في أصلنا، وفي نسخةٍ
أخرى في أصلنا: (مع ابن فلان)، تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد)، ومَن ابنُ
فلان.
قوله: (مَعَكُمْ كُلِّكُمْ): (كلِّ): مجرورٌ، وجرُّه معروفٌ.
تنبيهٌ: تَقَدَّمَ في (الجهاد) ما في «المستدرك» للحاكم: أنَّه رمَوا عليه يومهم،
ولم ينضل أحدُ الفريقَين الآخرَ.
(1/6416)
[باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما
السلام]
قوله: (بَابُ قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّبيِّ [1] صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ [2]): هو النَّبيُّ ابن النَّبيِّ، وأبو النَّبيَّينِ، كنيته
أبو يعقوب، وبقيَّة نسبه أذكره في النسب الشريف، وهو أبو أنبياء بني إسرائيل،
والآيات في فضله كثيرةٌ مشهورةٌ، قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ
نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]، وقد تَقَدَّمَ الاختلاف في أنَّه هل
هو الذبيح أو إسماعيل، وأنَّ الأصحَّ أنَّه إسماعيل، وكان إسماعيلُ أكبرَ منه،
قيل: إنَّه وُلِد بعده بأربعةَ عشرَ سنة، تُوُفِّيَ بالأرض المقدَّسة، ومشهورٌ
أنَّ قبرَه عند قبرِ أبيه إبراهيم، قيل: عاش مئةً وثمانين سنةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم [3]، وأمُّه سارة رضي الله عنها.
==========
[1] قوله: (النبيِّ): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.
[2] كذا في (أ)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي (ب): (عليه السلام)، وفي «اليونينيَّة»:
(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، وفي (ق) بعد الإصلاح: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهما
وَسَلَّم)، على أنَّ رواية أبي ذرٍّ من غير (وسلَّم)، وكذا في (ق) قبل الإصلاح.
[3] في (ب): (عليه السلام).
[ج 1 ص 881]
(1/6417)
[باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب}
إلى قوله: {ونحن له مسلمون}]
قوله: ({أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة:
133]): هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح [1]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب
الشريف، كنيته أبو يوسف، تكرَّر الثناء عليه في القرآن، وهو إسرائيل المتكرِّر في
القرآن؛ وهو أبو أنبياء بني إسرائيل وجدُّهم، وقد اشتُهِر أنَّه مدفون بالأرض
المقدَّسة عند أبيه وجدِّه إبراهيمَ، في البلدة المُسمَّاة بالخليل، بقرب بيت
المقدس، زرته مرارًا مع إسحاق، وإبراهيم، ويوسف، وأزواجِهم.
قوله: (فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قال شيخنا: كذا علَّقهما، وقال ابن التين: لم يَقِفِ
البُخاريُّ على سنده، فأرسله؛ لئلَّا يُترَك، وذكر إسحاق؛ لثبوته في القرآن، قاله
أبو جعفر، انتهى، ذكر الحاكم في إسحاق في (أخبار الأنبياء) عدَّة أحاديثَ؛ فانظرها
إن أردتها.
==========
[1] في (ب): (تارخ).
[ج 1 ص 881]
(1/6418)
[حديث: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن
نبي الله]
3374# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو _فيما يظهر_ ابن
راهويه؛ وذلك لأنِّي نظرت «الكمال» للحافظ عَبْد الغَنيِّ فوجدته قد ذكر [1] في
ترجمة المعتمر بن سليمان في الرواة عنه ابنَ راهويه، ولم يذكر [2] غيرَه ممَّن
اسمه إسحاق بن إبراهيم، وكذا ذكر في ترجمة ابن راهويه أنَّه روى عن المعتمر بن
سليمان، فغلب على ظنِّي أنَّه هو، ولم يذكر في ترجمة المعتمر الذَّهَبيُّ أنَّه
روى عنه ابن راهويه، لكن ذكر في ترجمة ابن راهويه أنَّه روى عن المعتمر بن سليمان.
قوله: (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ): هذا هو العمريُّ، ابن عمر، تَقَدَّمَ مرارًا.
قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): أي: أشرفُهم.
قوله: (أفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ؟): يعني: أصولها وبيوتها، ومَعدِن كلِّ شيء:
أصلُه، وقد تَقَدَّمَ.
قوله: (إِذَا فَقُهُوا): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ القاف وتُكسَر [3]؛ أي: صاروا
فقهاءَ علماءَ بأحكام الشرع.
==========
[1] في (ب): (ذكرته).
[2] في النُّسخَتَينِ: (يذكره)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[3] وهي رواية «اليونينيَّة».
[ج 1 ص 881]
(1/6419)
[باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون
الفاحشة وأنتم تبصرون}]
قوله: ({وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [النمل: 54]): تَقَدَّمَ أعلاه بعضُ
الكلام عليه، وأنَّه ابن هاران بن تارح [1]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف،
وأنَّ لوطًا ابن أخي إبراهيم، قال الثعلبيُّ: كان إبراهيم يحبُّه حبًّا شديدًا،
والآيات في فضل لوط وأحوالِه [2] مشهورةٌ، وهو أحد رسل الله تعالى، قال الثعلبيُّ:
قال وَهْب بن مُنَبِّه: خرج لوطٌ من أرض بابلَ في العراق مع عمِّه إبراهيم تابعًا
له على دينه، مهاجرًا معه إلى الشام، ومعهما سارةُ زوجُ إبراهيم، وخرج معهما آزر
مخالفًا لإبراهيم في دِينه، مقيمًا على كفره، حتَّى وصلوا إلى حرَّان، فهلك آزر،
ومضى إبراهيمُ وسارةُ ولوطٌ إلى الشام، ثُمَّ مضَوا إلى مصر، ثُمَّ عادوا إلى
الشام، فنزل إبراهيم فلسطينَ، ونزل لوطٌ الأردنَ، فأرسله الله إلى أهل سَدُوم وما
يليها، وكانوا كُفَّارًا يأتون الفواحش ... ، إلى أن قال: فاقتلع جبريل عليه
السلام قرياتِ لوطٍ الأربعَ، في كلِّ قرية مئةُ ألفٍ، ثُمَّ قلبهنَّ، فجعل عاليَها
سافِلَها، قالوا: وأمطرت الحجارة على شاردهم ومسافرهم، وأهلكت امرأة لوطٍ مع
الهالكين، واسمها واعلة [3]، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (تارخ).
[2] زيد في (ب): (كثيرة).
[3] في (ب): (فاعلة).
[ج 1 ص 881]
(1/6420)
[حديث: يغفر الله للوط إن كان ليأوي
إلى ركن شديد]
3375# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمه الحكم بن
نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ):
أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد
الرَّحْمَن بن هرمز، وتَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن
صخرٍ، على الأصَحِّ.
قوله: (لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ): تَقَدَّمَ قُبَيل هذا الكلامُ عليه.
قوله: (فَأَنْكَرَهُمْ وَنَكِرَهُمْ [1] وَاحِدٌ): هو بكسر الكاف من الثاني.
قوله: ({يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78]: يُسْرِعُونَ): هذا تفسيرٌ باللازم؛
لأنِّ (الإهراع [2]): الإسراعُ، قال الجوهريُّ: وقوله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَهُ
قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قال أبو عبيدة: يُسْتَحَثُّون إليه؛ كأنَّه يحثُّ
بعضهم بعضًا، انتهى، وإذا حثَّ بعضهم بعضًا؛ فلَازِمُه الإسراع، ولفظ ابن
القطَّاع: هُرِع الإنسان هَرْعًا، وأُهرِع: سِيْقَ [3] وأُعجِل، انتهى، وأمَّا
أَهْرَع؛ فهو أسرع؛ فيحتمل أنَّ ما في «الصحيح» تفسيرٌ لقراءة من قرأ {يُهْرِعُون}،
وهي قراءةٌ [ ... ] [4].
(1/6421)
[باب: {فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون}]
(1/6422)
[حديث: قرأ النبي: {فهل من مدكر}]
3376# قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ): أمَّا (محمود)؛
فهو ابن غيلان، تَقَدَّمَ، وأمَّا (أبو أحمد)؛ فهو الزُّبيريُّ، مُحَمَّد بن عبد
الله بن الزُّبَير بن عمر بن درهم، نُسِبَ إلى جدِّهم، وليس من أولاد الزُّبَير بن
العَوَّام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وأمَّا (سُفْيَانُ)؛ فالظاهر أنَّه
الثَّوْريُّ، وذلك أنِّي رأيت الذَّهَبيَّ ذكر في ترجمة الزبيريِّ أنَّه روى عن
الثَّوْريِّ، وكذا عَبْد الغَنيِّ، وما رأيتهما ذكرا ابنَ عُيَيْنَة في مشايخه،
وأمَّا (أَبُو إِسْحَاق)؛ فهو عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ، وأمَّا (الأَسْوَد)؛
فهو ابن يزيد النَّخَعيُّ، وأمَّا (عَبْد اللهِ)؛ فهو ابن مسعود بن غافل
الهُذَليُّ، رضي الله عنه.
==========
[ج 1 ص 882]
(1/6423)
[باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم
صالحًا}]
قوله: ({وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]): قال الثعلبيُّ: هو
صالح بن عبد [1] بن أسيف [2] بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن
إرَم [3] بن سام بن نوح، قال أبو عمرو بن العلاء: سُمِّيَت ثمودُ لقلَّة مائها،
والثَّمد: الماء القليل، وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام، وكانوا
عربًا، وكان صالحٌ من أفضلهم نسبًا، فبعثه الله إليهم وهو شابٌّ، كذا قال، وفيه
نظرٌ، ولم يُنبَّأ أحدٌ من الأنبياء إلَّا بعد الأربعين، رجع إلى الأوَّل: فدعاهم
حتَّى شمط، ولم يتَّبعه منهم إلَّا قليل مستضعفون، فلمَّا طال دعاؤه إيَّاهم؛
اقترحوا أن يُخرِج لهم الناقةَ آيةً؛ فكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله في كتابه،
قال: قالوا: وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وانتقل صالحٌ بعد هلاك قومه إلى الشام
بمَن أسلم معه، فنزلوا رملة فلسطين، ثُمَّ انتقل إلى مكَّة، فتُوُفِّيَ صالحٌ بها
وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنةً، وكان أقام في قومه عشرين سنةً، والله أعلم، وقوله:
(أقام في قومه عشرين سنة): فيه النظر الذي ذكرته قريبًا.
قوله: (وَأَمَّا {حَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]: حَرَامٌ): هو بكسر الحاء، وكذا
كلُّ ممنوعٍ، وكذا: (وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ)، وكذا (فَهْوَ حِجْرٌ [4])،
وكذا: (لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ)، ولم يذكر بالفتح إلَّا (حَجْرُ الْيَمَامَةِ) المنزل؛
فهذا بالفتح لا غير، وهو بفتح الحاء، وإسكان الجيم، يُذكَّر ويُؤنَّث، وهو قصبة
اليمامة، وقيل: موضع سوقها، قال شيخنا: وضُبِط عند أبي الحسن: (حُجْرُ
الْيَمَامَةِ) بالضَّمِّ، وبالفتح عند أبي ذرٍّ، وهو الصواب، انتهى.
قوله: (حِجْرٌ وَحِجًى): (حِجَى)؛ بكسر الحاء، وفتح الجيم من غير تنوين: العقل،
وهو في أصلنا مُنَوَّن، قال ابن قرقول: في (كتاب الأنبياء): (ويقال للعقل: حجل
وحِجى) كذا لهم، وللأصيليِّ: (وحِجَن) مكان (حِجى)، وهو وهم، وفي آخر (سورة
الأنعام) للنَّسَفيِّ مثلُه، انتهى.
(1/6424)
[حديث: انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في
قوة كأبي زمعة]
3377# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن
الزُّبَير، وأنَّه أوَّل شيخٍ حدَّث [1] عنه البُخاريُّ في هذا «الصحيح»،
وتَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق ترجمتُه، والكلام على نسبته الحُمَيديِّ،
وتَقَدَّمَ أنِّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة.
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ زَمعَةَ): هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن
المُطَّلِب بن أسد بن عبد العُزَّى الأسديُّ، له صحبةٌ وروايةٌ، وكان يأذن على
النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، تُوُفِّيَ النَّبيُّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو ابن خمسَ عشرةَ سنةً، وهو ابن أخت أمِّ سلمة زوجِ النَّبيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]، روى عنه: عروة وأبو بكر بن عبد الرَّحْمَن،
وقد روى عن خالته رضي الله عنها، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند»، رضي الله
عنه.
قوله: (كَأَبِي زَمْعَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (الأسود بن المُطَّلِب بن أسد بن
عبد العُزَّى بن قصيٍّ، جدُّ عبد الله بن زَمعة بن الأسود، قُتِل زَمعة يوم بدر
كافرًا)، انتهى، وقد وقع في هذا الحديث شيءٌ في سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}،
نبَّه عليه الدِّمْيَاطيُّ؛ فانظره في مكانه، وأذكر عنه جوابًا إن شاء الله تعالى،
قال شيخنا: (وادَّعى القرطبيُّ أنَّ أبا زَمعة هذا يحتمل أن يكون البلويَّ، وهو ممَّن
بايع تحت الشجرة، وتُوُفِّيَ بإفريقيَّة مع معاوية بن حُدَيج، فإن كان إيَّاه؛
فإنَّه شبَّهه بالعاقر في عزَّة قومه، وسبقه إليه ابن العربيِّ وغيره، وقد
أسلفناه)، انتهى، وهذا فيه نظرٌ، وسيأتي في (تفسير {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}):
(مثلُ أبي زَمعة عمِّ الزُّبَير بن العَوَّام) [خ¦4942]، وإن كان هذا القدر فيه
كلامٌ للدمياطيِّ؛ كونَه قال: (عمِّ الزُّبَير)، وإنَّما هو ابن عمِّه، والله
أعلم.
قوله: (وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ): عاقرها هو قُدَار بن سَالِفٍ، وهو
بضَمِّ القاف، وتخفيف الدال المُهْمَلَة، وفي آخره راء، وسالف: بالسين المُهْمَلَة
[3]، وبعد الألف لام مكسورة، ثُمَّ فاء، مصروفٌ، يقال له: أُحَيمِر ثمودَ، وكان
أشقرَ أزرقَ قصيرًا، وفي «غرر التِّبيان» لابن جماعة: اسمه مصدع، وإنَّما شَرَكَه
فيها مصدع، وسأذكر ذلك مع زيادة في {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} إن شاء الله تعالى.
قوله: (انْتَدَبَ لَهَا): معناه: قام بسرعة.
قوله: (وَمَنَعَةٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح النون، وتُسَكَّن، عن ابن السِّكِّيت.
قوله: (كَأَبِي زَمْعَةَ): تَقَدَّمَ أعلاه.
==========
[1] في (ب): (روى).
[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).
[3] (المهملة): سقط من (ب).
[ج 1 ص 882]
(1/6425)
[حديث: أن رسول الله لما نزل الحجر في
غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا]
3378# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ): (حَيَّان): بفتح
الحاء المُهْمَلَة، وتشديد المُثَنَّاة تحت.
قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال المدنيُّ، عن عبد الله بن
دينار، عن ابن عمر، وقد تَقَدَّمَ.
تنبيهٌ: مَن يقال له: (سليمان) ويروي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الكُتُب
السِّتَّة أو بعضها: المترجَم سليمان بن بلال، أخرج له بهذا السند البُخاريُّ
ومسلم فقط، وسليمان بن سفيان المدنيُّ، أخرج له بهذا السند التِّرْمِذيُّ فقط
حديثًا واحدًا، والله أعلم.
قوله: (فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّها في السنة التاسعة من
الهجرة، وقال ابن إسحاق: إنَّها في رجبٍ منه، وسيأتي تعقُّبٌ في الشهر.
قوله: (وَأَمَرَهُمْ [1] أَلَّا يَشْرَبُوا مِن مِيَاهِهَا [2]): إنِّما أمرهم
بذلك؛ خوفًا عليهم أن يورثَهم قسوةً أو شيئًا يضرُّ بهم [3].
[ج 1 ص 882]
قوله: (وَيُهَرِيقُوا): هو بضَمِّ الياء، وفتح الهاء وتُسَكَّن [4].
قوله: (وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ [5]): هو سبرة بن معبد، وقيل: ابن
عوسجة، الجُهَنيُّ، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه»: سَبْرة بن معبد بن عوسجة
الجهنيُّ، انتهى، صَحَابيٌّ مشهورٌ، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلمٌ،
والأربعة، وأحمد في «المسند»، تُوُفِّيَ زمان معاوية في آخر خلافته، قال شيخنا:
وكأنَّه يريد بحديث سبرة ما روى أبو داود بعضَه من حديث سليمان بن داود المهريِّ
... ، وذكر السند إلى آخره، ولم يذكر الحديث، انتهى، وهو: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نزل في موضعِ المسجد تحت دَومة، فأقام ثلاثًا حتَّى خرج
إلى تبوك ... )؛ الحديث.
قوله: (وَأَبِي الشَّمُوسِ [6]): قال الدِّمْيَاطيُّ: البلويُّ، له صحبةٌ، شهد
غزوة تبوك، انتهى، (أبو الشَّمُوْس): بفتح الشين المُعْجَمَة _كذا أحفظه، وكذا
رأيت بعضَهم ضبطه به، ورأيته أيضًا مضبوطًا بالقلم، ورأيت في نسخة صحيحة بفتح
الشين في الأصل، وفي الهامش نسخةٌ مضمومةُ الشين، وكُتِب عليها: (دار الذهب)، وكذا
رأيته مضبوطًا بالقلم في خطِّ شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ_ ثُمَّ ميم مضمومة، ثُمَّ
واو ساكنة، ثُمَّ سين مهملة، ولأبي الشَّموس حديثٌ أورده البُخاريُّ في «تاريخه»،
وقد روى هذا التعليقَ الطَّبَرانيُّ في «أكبر معاجمه» من طريقين إلى [7] زياد بن
نصر عن سُلَيم بن مُطير، عن أبيه، عن أبي الشَّموس البلويِّ: أنَّ النَّبيَّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نهى أصحابه يوم الحِجْر عن بئرهم، فألقَى ذو العجين
عجينَه، وذو الحَيس حَيسه»، ثُمَّ إنِّي رأيت شيخنا [8] عزاه كذلك، وزاد أنَّ
البُخاريَّ ذكره في «تاريخه»، انتهى.
قوله: (وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ ... ) إلى آخره: لم أرَه في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة
إلَّا ما هنا، وشيخنا لم يخرِّجْه.
(1/6426)
[حديث: أن الناس نزلوا مع رسول الله
أرض ثمود الحجر]
3379# قوله: (أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر الحاء، وهذا
مَعْرُوفٌ، و (الحِجْرَ): منصوبة، بدلٌ من (أرضَ).
قوله: (تَابَعَهُ أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ): الضمير في (تابعه) يعود على عبيد
الله؛ هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، وأمَّا (أسامة)؛ فهو ابن
زيد الليثيُّ، أبو زيد المدنيُّ، روى عن ابن المُسَيّب، وطاووس، وعددٍ، وعنه: ابن وهب،
وعبد الله بن موسى، وخلقٌ، قال الحاكم: روى مسلم نسخةً لابن وهب عن أسامة،
واستدلَلْتُ بكثرة إخراجه له [1] أنَّه عنده صحيح الحديث، على أنَّ أكثر تلك
الأحاديث مُستشهَد بها، ومقرونٌ بآخرَ، قال النَّسائيُّ وغيره: ليس بالقويِّ،
تُوُفِّيَ سنة (153 هـ)، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلم والأربعة، له ترجمة
في «الميزان».
ومتابعته لم أرَها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا [2]، ولم يخرِّجها
[3] شيخنا، ولكنَّ هذا الحديثَ أخرجه البُخاريُّ ومسلم من حديث أنس بن عياض
الليثيِّ أبي ضمرة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ الناس نزلوا مع رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أرض ثمود الحِجرَ ... ؛ الحديث المذكور هنا
قبل المتابعة، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب.
==========
[1] (له): سقط من (ب).
[2] في (ب): (ههنا).
[3] في (ب): (ولم يخرجه).
[ج 1 ص 883]
(1/6427)
[حديث: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا
إلا أن تكونوا باكين]
3380# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ اللهِ): قال أبو
عليٍّ الغسَّانيُّ: وقال _يعني: البُخاري_ في (المظالم)، و (الأنبياء)، و (غزوة
الرجيع)، و (اللباس)، وغيرِ ذلك: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله)؛
يعني: ابن المبارك، نسبه ابن السكن في بعض هذه المواضع: (مُحَمَّد بن مقاتل)، وقد
نسبه البُخاريُّ في مواضعَ كثيرةٍ كذلك، ووقع في نسخة أبي الحسن القابسيِّ وأبي
مُحَمَّد الأصيليِّ في (كتاب المحاربين) في (باب فضل من ترك الفواحش): (حَدَّثَنَا
مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الله بن عمر عن حبيب ... )؛ فذكر حديث أبي
هريرة مرفوعًا: «سبعةٌ يظلِّهم الله ... »؛ الحديث، نُسِبَ [3] في النسختين:
مُحَمَّد بن سلَام، ونسبه ابن السكن: مُحَمَّد بن مقاتل، ونسبته أَولى ... إلى أن
قال: حَدَّثَنَا أبو عليِّ ابن السكن قال: كلُّ ما في «البُخاريِّ» ممَّا يقول
فيه: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله)؛ فهو مُحَمَّد بن مقاتل
المروزيُّ عن عبد الله بن المبارك، انتهى، وقال شيخنا: إنَّه ابن مقاتل، كما
صَرَّحَ به أبو نُعيم، و (عبد الله): هو ابن المبارك، انتهى، والمِزِّيُّ لم
يتعرَّض لنسبته.
قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الميمين، بينهما عين ساكنة،
وأنَّه ابن راشد، وكذا تَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.
قوله: (أَنْ يُصِيبَكُمْ): (أَنْ)؛ بفتح الهمزة، وسكون النون، وهذا ظاهِرٌ.
(1/6428)
[حديث: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا
أنفسهم إلا أن تكونوا باكين]
3381# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ [2]): هذا هو المسنَديُّ،
تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ لِمَ قيل له: المسنديُّ، و (وَهْبٌ): بعده: هو ابن جَرِير،
و (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه
مُحَمَّد بن مسلم.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا
عليها: (حدَّثني).
[2] (بن محمَّد): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.
[ج 1 ص 883]
(1/6429)
[باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}]
(1/6430)
[حديث: الكريم ابن الكريم ابن الكريم
بن الكريم يوسف بن يعقوب]
3382# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ): كذا في أصلنا منسوب، وقال
شيخنا: هو ابن منصور الكوسج، المروزيُّ الحافظ، أبو يعقوب، والظاهر أنَّه وقع من
الأصل الذي يشرح منه غيرَ منسوب؛ فلهذا وضَّحه، والله أعلم.
قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الصَّمَدِ): هو ابن عبد الوارث التَّنُّوريُّ، أبو
سهل الحافظ، تَقَدَّمَ.
==========
[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَخْبَرَنَا).
[ج 1 ص 883]
(1/6431)
[باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف
وإخوته آيات للسائلين}]
قوله: ({لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:
7]): (يوسف) صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1]: ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن
تارح [2]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف، وفي (يوسف) ستُّ لُغَات: تثليث [3]
السين مع الهمز وعدمه؛ فهذه ستٌّ، والفصيح الذي جاء به القرآن: ضمُّ السين غير
مهموز، وهو أعجميٌّ، فالصواب أنَّه لا اشتقاق له، ولبعضهم في اشتقاقه تخبيط،
قصَّته مبسوطة في القرآن في سورة مختصَّة به إلَّا ما انضمَّ إليها، والأحاديث
الصحيحة بفضائله متظاهرةٌ، ذكر الثعلبيُّ في «عرائسه»: أنَّه كان أبيض اللون، حسن
الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخَلْقِ، غليظ الساعدين والعَضُدَين
والساقين، خميص البطن، أقنى الأنف، صغير السُّرَّة، وكان بخدِّه الأيمن خالٌ
أسودُ، وكان ذلك الخال يزيِّن وجهَه، وبين عينيه شامةٌ تزيده حسنًا، قال الثعلبيُّ
عن العلماء بأخبار الماضين: أقام يعقوبُ وأولادُه بعد قدومهم على يوسف بمصر أربعًا
وعشرين سنةً بأغبط عيشٍ، فلمَّا حضرته الوفاة؛ أوصاهم بأن يُحمَل جسده إلى بيت
المقدس، ويُدفَنَ عند أبيه وجدِّه، فخرج به يوسف وإخوتُه وعسكره محمولًا في تابوت،
وكان عمر يعقوبَ مئةً وسبعةً وأربعين سنةً، وعاش يوسف بعد يعقوب ثلاثًا وعشرين
سنةً، وتُوُفِّيَ وهو ابن مئة وعشرين سنةً، ودُفِن بمصر في النيل، ثُمَّ حمله موسى
صلَّى الله عليهما وسلَّم [4] في زمنه إلى الشام حين خرجت بنو إسرائيل من مصر إلى
الشام.
(1/6432)
[حديث أبي هريرة: فأكرم الناس يوسف نبي
الله ابن نبي الله ... ]
3383# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عُبَيْدُ [2] بْنُ إِسْمَاعِيلَ): قال ابن عساكر في
«النَّبَل»: ويقال: اسمه عبد الله، ويُعرَف بعُبيد، أبو مُحَمَّد القرشيُّ
الهَبَّاريُّ الكوفيُّ، انتهى، يروي عن سفيان بن عُيَيْنَة، والمحاربيِّ [3]،
وعيسى بن يونس، وطبقتِهم، وعنه: البُخاريُّ وغيره، وثَّقهُ مُطَيَّن [4]، وقال:
مات في ربيع الأوَّل سنة خمسين ومئتين، لم يخرِّج له [5] غير البُخاريِّ من أصحاب
الكُتُب السِّتَّة.
[ج 1 ص 883]
قوله: (عَنْ أَبِي أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، و
(عُبَيْد اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عمر العمريُّ، و (سَعِيدُ بْنُ أَبِي
سَعِيدٍ): هو المقبريُّ.
قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): أي: أشرفُهم، تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ الكلام
على (المَعَادِن)، وكذا (فَقهُوا): قريبًا.
قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ بنُ سَلَامٍ [6]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (سلَامًا)
الصحيح فيه التخفيفُ، وأنَّه البيكنديُّ الحافظ، وفي بعض النسخ ليس بمنسوبٍ، بل:
(حَدَّثَنِي مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عَبْدة)، وهو هو، و (عَبْدَةُ): بإسكان
المُوَحَّدة، واسمه عبد الرَّحْمَن بن سليمان، ثقةٌ، تَقَدَّمَ، أخرج له الجماعة،
وكذا تَقَدَّمَ (عُبَيْد اللهِ): أنَّه ابن عمر العمريُّ أعلاه.
قوله: (عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): كذا في الطريق الثانية هذه التي نحن
فيها، وهذا هو سعيد بن أبي سعيد المقبريُّ، واسم أبي سعيد كيسانُ، كذا ذكر هذا
الحديثَ المِزِّيُّ في مسنده عن أبي هريرة، وكذا هو منسوب في الطريق الأُولى: (عن
سعيد بن أبي سعيد).
تنبيهٌ [7]: قال شيخنا: (وسعيد بن أبي سعيد لعلَّه المقبريُّ كيسان، وبخطِّ
الدِّمْيَاطيِّ قبالة «سعيد»: اسمه عبد الله، ولقبه: أبو مُحَمَّد القرشيُّ
الهَبَّاريُّ الكوفيُّ، مات سنة خمسين ومئتين؛ فليُتَأمَّل)، انتهى، وهذا غلطٌ من
شيخنا رحمه الله، وسببه العَجَلَة، إنَّما قال ذلك الدِّمْيَاطيُّ في عبيد بن
إسماعيل شيخِ البُخاريِّ في الحديث الذي قبل هذا الحديث الذي نحن فيه، فإنِّي
رأيتُ حاشيةً بخطِّ بعض الفضلاء أصحابِنا نحو هذا الكلام تجاه عبيد بن إسماعيل،
وهذا صوابٌ، وصاحبُنا [8] كتب غالب حواشي الدِّمْيَاطيِّ على «البُخاريِّ» على
نسخته بـ «البُخاريِّ»، ولا يقول الدِّمْيَاطيُّ في سعيد هذه المقالة، وكيف يكون
شخصٌ تُوُفِّيَ سنة خمسين ومئتين يروي عن أبي هريرة؟! هذا ما لا يقوله لا
دِمْيَاطيٌّ ولا غيره من المحدِّثين، وما قاله شيخنا خطأٌ محضٌ، وعدم تأمُّل، والله
أعلم.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).
[2] في (ب): (عبد الله)، والمثبت موافقٌ لما في «البخاري».
[3] في (ب): (والبخاري)، وهو تحريفٌ.
[4] في (ب): (مطمين)، وهو تحريفٌ.
[5] (له): سقط من (ب).
[6] (بن سلام): ليست في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.
(1/6433)
[7] (تنبيه): سقط من (ب).
[8] في (ب): (وصاحبها).
(1/6434)
[حديث: مري أبا بكر يصلي بالناس]
3384# قوله: (حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه
بفتح المُوَحَّدة [1]، والدال المُهْمَلَة، وباللام، و (المُحَبَّر)؛ بضَمِّ
الميم، وفتح الحاء المُهْمَلَة، ثُمَّ مُوَحَّدة مُشَدَّدة مفتوحة، ثُمَّ راء:
اسمُ مفعولٍ، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله لا يحتاج إلى ضبطٍ.
قوله: (يُصَلِّي بِالنَّاسِ): كذا في أصلنا بإثبات الياء في (يصلِّي)، وهي لغةٌ
معروفةٌ.
قوله: (أَسِيفٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الهمزة، وكسر السين المُهْمَلَة، ثُمَّ
مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء؛ أي: رقيق، وقيل: سريع البكاء.
قوله: (إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه [2].
==========
[1] في (ب): (الميم)، وليس بصحيحٍ.
[2] (عليه): سقط من (ب).
[ج 1 ص 884]
(1/6435)
[حديث: مروه فإنكن صواحب يوسف]
3385# قوله: (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى [1]: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ): كذا
في أصلنا، وقد خُرِج بين (يحيى) و (حَدَّثَنَا) ما لفظه: (البصريُّ)، وصُحِّح
عليه، وعُمِل عليه ما صورته [2] (لا ه)؛ إشارةً إلى مثبتها راويها، وكذا في أصلٍ
آخرَ، وقد كانت (النَّضْر) فضُبِّب عليه، وعُمِل في الهامش: (البصريُّ)، وصُحِّح
عليه، وهذا الأصل الثاني الذي سمعنا فيه على بعض أصحاب أبي العَبَّاس الحجَّار
المسنِد، وقد راجعت «أطراف المِزِّيِّ»، فرأيته قد طرَّف هذا الحديث فقال:
البُخاريُّ في (أحاديث الأنبياء) _يعني: هنا_ عن الربيع بن يحيى، وفي (الصلاة) عن
إسحاق ابن نصر عن حسين بن عليٍّ؛ كلاهما عن زائدة عنه، انتهى، والضمير في (عنه)؛
أي: عن عبد الملك بن عمير، وفي (به)؛ أي: بالسند؛ وهو عن أبي بُردة عن أبي موسى،
انتهى، وفي بعض النسخ: (النَّضْر) بين (يحيى) و (زائدة)، كما كان [3] في أصلنا
الدِّمَشْقيِّ، ثُمَّ ضُبِّب عليه، وعزا هذه النسخة إلى ابن الأديب، ثُمَّ
تَعَقَّب بعضُ الناس بخطِّه إثباتَ (النَّضْر) بين (الربيع بن يحيى) وبين (زائدة)،
ولا شكَّ أنَّه خطأ نبَّهت عليه؛ لئلَّا يُغتَرَّ به؛ فإثبات (النَّضْر) هنا خطأٌ،
والله أعلم.
و (زَائِدَةُ): هو ابن قدامة، تَقَدَّمَ، و (أَبُو بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى):
هو الفقيه، قاضي الكوفة، الحارث أو عامر، تَقَدَّمَ، و (أَبُوهُ): أبو موسى عبد الله
بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، تَقَدَّمَ مرارًا، الأشعريُّ.
قوله: (وَقَالَ [4] حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ): (حُسين) هذا: هو حُسين بن عليِّ بن
الوليد الجعفيُّ مولاهم، الكوفيُّ المقرئ الزاهد، مشهور، أخرج له الجماعة، وقد
تَقَدَّمَ، وتعليقه هذا أخرجه البُخاريُّ في (الصلاة) عن إسحاق ابن نصر، عن حسين
بن عليٍّ، عن زائدة به، ومسلمٌ في (الصلاة) عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن حسين بن
عليٍّ به.
(1/6436)
[حديث: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة
اللهم أنج سلمة بن هشام ... ]
3386# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن
نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو
الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّمَ
(الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ):
أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (اللَّهُمَّ؛ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ
(أَنْجِ) بقطع الهمزة، وأنَّه رُباعيٌّ، وتَقَدَّمَ الكلام على (عيَّاش)، وأنَّه
أخو أبي جهل لأمِّه، وعلى (سَلَمَة بْن هِشَامٍ)، وأنَّه أخو أبي جهل لأبويه، وعلى
(الْوَلِيد): أنَّه ابن الوليد، أخو خالد بن الوليد، في (الصلاة)، وكذا على
(الوَطْأَةِ)؛ وهي العقاب، وعلى (كَسِنِي)، وأنَّها بالتخفيف.
==========
[ج 1 ص 884]
(1/6437)
[حديث: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي
إلى ركن شديد]
3387# قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب،
العالم المشهور، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّه بفتح الياء وكسرها،
وأنَّ غيرَه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح.
قوله: (وَأَبَا عُبَيْدٍ): هذا هو أبو عبيد، مولى ابن أزهر [1]، واسمه سعد بن عبيد
الزُّهْرِيُّ، مولى عبد الرَّحْمَن بن أزهر، عن عمر وعليٍّ، وعنه: الزُّهْرِيُّ
[2] وسعيد بن خالد، تُوُفِّيَ سنة (98 هـ)، ثقةٌ، قاله ابن سعد، وقد تَقَدَّمَ،
أخرج له الجماعة.
قوله: (لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ): تَقَدَّمَ قريبًا، وكذا
الكلام على (الدَّاعِي)، وأنَّه رسول المَلِك.
==========
[1] في (ب): (زهير)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب): (الراوي).
[ج 1 ص 884]
(1/6438)
[حديث أم رومان: بينما أنا مع عائشة
جالستان ... ]
3388# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بتخفيف
اللام على الصحيح، وهو البيكنديُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْنُ فُضَيْلٍ): أنَّه
مُحَمَّد بن فُضَيل، و (فُضَيل): بالتصغير، الحافظ أبو عبد الرَّحْمَن، وتَقَدَّمَ
(حُصَيْنٌ): أنَّه بضَمِّ الحاء وفتح الصاد المُهْمَلَتين، وأنَّه ابن عبد
الرَّحْمَن، وتَقَدَّمَ أنَّ الأسماءَ بالضَّمِّ، والكنى بالفتح، و (شَقِيق [1])
هذا: هو أبو وائل، شقيق بن سلمة، تَقَدَّمَ، وفي أصلنا الذي سمعنا منه على
العِرَاقيِّ في الأصل: (شقيق)، وعليه (صح)، وفي الهامش: (سفيان)، وعليه صورة (صح)،
وفي كونه سفيانَ نظرٌ؛ إذ لم يطرِّفه المِزِّيُّ إلَّا عن حُصَين عن أبي وائل عن
مسروق، انتهى، وأَبُو وَائل: هو شقيق [2] بن سلمة، ولم أرَ أحدًا قال: إنَّه
سفيان، وأين سفيان بن عُيَيْنَة أو الثَّوْريُّ مِن هذا؟! والله أعلم [3]، و
(مَسْرُوق): تَقَدَّمَ أنَّ روايته عن أمِّ رومان فيها كلامٌ قدَّمتُه في
(الشهادات) في (حديث الإفك)، وكلام الناس في ذلك، وكلام ابن القَيِّمِ في وفاتها،
قال المِزِّيُّ في الحديث المختصر من هذا ما لفظه: روى مسروق عن عبد الله بن مسعود
عن أمِّ رومان، وهو أشبه بالصواب، ثُمَّ ذكر كلام الخطيب، وقد ذكرت عنه [4] في
(الشهادات) نحوه [5]، وزدت كلام ابن القَيِّمِ؛ فانظره.
[ج 1 ص 884]
قوله: (إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا): أي: دخلت.
قوله: (امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ): هذه المرأة لا أعرف اسمها، ورأيت بعضهم قال:
هي أمُّ مسطح، وهو المراد بـ (فلان)، انتهى، وهذا خطأٌ فاحشٌ، وإنَّما أمُّ مسطح
قرشيَّة مُطَّلِبِيَّة، وقد ذكرت الكلام على أمِّ مسطح في (حديث الإفك) في
(الشهادات)، وقد دلَّني هذا الغلط على أنَّ قائل هذه المقالة ليس بمحدِّث؛ لأنَّ
هذا لا يغلط فيه محدِّث يكتب تعليقًا على البُخاريِّ، والله أعلم، وقد تَقَدَّمَ
التنبيه عليه في (الشهادات) في (حديث الإفك).
قوله: (فَعَلَ اللهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ): (فلانٌ): لا أعرفه بعينه، ولعلَّه أحدُ
[6] مَن وقع فيها وجُلِد إن كانوا جُلِدوا، وهو الأصحُّ، والظاهر أنَّه من
الأنصار، فإن كان؛ فقد ذكرت مَن قيل عنه: إنَّه قذفها منهم.
قوله: (إِنَّهُ نَمَى ذِكْرَ الْحَدِيثِ): قال ابن قرقول: (نمَّى)؛ مُشَدَّدًا،
وقرأه أبو ذرٍّ مخفَّفًا، انتهى، قال الجوهريُّ في «صحاحه»: قال الأصمعيُّ: نمَيت
الحديث _مخفَّفًا_ نَمْيًا؛ إذا بلَّغتَه على وجه الإصلاح والخير، وأصله: الرفعُ،
ونمَّيت الحديث تنميةً؛ إذا بلَّغتَه على وجه الإفساد والنميمة، انتهى، وفي
«المجمل» لابن فارس: ونمَّيتُ الحديث؛ إذا أشعتَه، ونَمَيتُه؛ بالتخفيف: أسندتُه،
انتهى، وفي «أفعال ابن القطَّاع»: ونميت الحديث نميًا، ونموته نَمْوًا، وأنموه:
أسندته ونقلته على جهة الإصلاح ... ، إلى أن قال: ونمَّيت الحديث؛ مشدَّد: نقلته
على جهة الإفساد، فهذا موافق للجوهريِّ، وقد قَدَّمْتُ بعض هذا الكلام.
(1/6439)
قوله: (أَيُّ حَدِيثٍ): يجوز في (أي)
الجرُّ، ويجوز الرفع، وبالثاني هو مضبوط في أصلنا.
قوله: (تُحُدِّثَ بِهِ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (فَقَعَدَتْ): هو بإسكان تاء التأنيث، وهذا ظاهِرٌ.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليها: (سفيان)، ثمَّ كُتب: (وأين سفيان من هذه الطبقة؟!).
[2] في (ب): (سفيان)، ولعلَّه سبق نظرٍ.
[3] في (ب): (انتهى، والله سبحانه وتعالى أعلم).
[4] زيد في (ب): (عنه)، وهو تكرارٌ.
[5] زيد في (ب): (ورأيت).
[6] في النسختين: (واحد)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
(1/6440)
[حديث عائشة: والله لقد استيقنوا أن
قومهم كذبوهم وما هو بالظن]
3389# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ
المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد الإمام الجواد، أحد
الأعلام، وكذا (عُقَيل): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّ مَن يقال له:
(عُقَيل) في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»: هذا ابن خالد، والقبيلةُ، ويحيى بن عُقَيل؛
هذان في «مسلم»، وليس لهما ذكرٌ في «البُخاريِّ»، والباقي: (عَقِيل)؛ بفتح العين،
وكسر القاف، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مرارًا، مُحَمَّد بن
مسلم.
قوله: ({أَنَّهُمْ [قَدْ] كُذِّبُوا} أَوْ {كُذِبُوا} [يوسف: 110]): الأولى:
مثقَّلة، والثانية: مُخَفَّفة، وهما قراءتان في السبع، وسأذكر الكلام على ذلك في
(سورة البقرة) و (يوسف) إن شاء الله تعالى.
قوله: (يَا عُرَيَّةُ): هو تصغير (عروة)؛ وهو الأسد، وبه سُمِّيَ الرجل.
قوله: (قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا}): هذه مُخَفَّفة.
قوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ): هو البُخاريُّ، وهذا ظاهِرٌ.
قوله: ({اسْتَيْأَسُوا} [يوسف: 80] افْتَعَلُوا): قال شيخنا: قال ابن التين: ليس
وزنُه كما ذكر البُخاريُّ: (افتعلوا)؛ ولكن (استفعلوا)، وكذلك هو في بعض الروايات،
انتهى.
==========
[ج 1 ص 885]
(1/6441)
[حديث ابن عمر: الكريم ابن الكريم ابن
الكريم ... ]
3390# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدَةُ): هو بإسكان المُوَحَّدة، قال
الدِّمْيَاطيُّ: عَبْدة بن عبد الله، أبو سهل البصريُّ، مات بالأهواز سنة (258
هـ)، انفرد به البُخاريُّ، انتهى، ومعنى قوله: (انفرد به البُخاريُّ)؛ أي: عن
مسلم، وإلَّا؛ فقد روى له أصحاب السنن الأربعة، وقد تَقَدَّمَ مَن يقال له:
عَبَدة؛ بفتح المُوَحَّدة، وهو عامر بن عَبَدة في [2] «مسلم»، وبَجَالَة بن عَبَدة
في «البُخاريِّ»، ويجوز فيهما السكون أيضًا.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو عبد الصمد بن
عبد الوارث التَّنُّوريُّ الحافظ.
قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ): أمَّا (عبد
الرَّحْمَن)؛ فهو ابن عبد الله بن دينار المدنيُّ، يروي عن أبيه وزيد بن أسلم،
وعنه: القَطَّان وعليُّ بن الجعد، قال أبو حاتم: فيه لينٌ، أخرج له البُخاريُّ
وأبو داود والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ، وقال ابن معين: في حديثه عندي ضعفٌ، وقد
حدَّث عنه يحيى بن سعيد فحَسْبُه به، وقال ابن عديٍّ: بعض ما يرويه منكرٌ، وهو في
جملة مَن يُكتَب حديثُه من الضعفاء، له ترجمةٌ في «الميزان»، وأمَّا والده (عبد
الله بن دينار)؛ فهو أبو عبد الرَّحْمَن، يروي عن مولاه ابن عمر، وأنس، وسليمان بن
يسار، وأبي صالح السَّمَّان، ونافعٍ، وجماعةٍ، وعنه: يزيد بن عبد الله بن الهادي،
ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وسُهَيل بن أبي صالح، وشعبة، ومالكٌ، والسفيانان،
وخلقٌ، وثَّقهُ أبو حاتم وجماعةٌ، قال ابن سعد وغيره: مات سنة (127 هـ)، وقيل غير
ذلك، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (أ) و
(ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرني).
[2] في (ب): (بن)، وهو تحريف.
[ج 1 ص 885]
(1/6442)
[باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى
ربه أني مسنى الضر}]
قوله: ({وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّه} [الأنبياء: 83]): (أيُّوب) النَّبيُّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1] جاء في حقِّه والثناء عليه آياتٌ وأحاديثُ،
وكان أيُّوب ببلاد حوران، وقبره مشهورٌ عندهم في قرية بقرب نوى، عليه مسجدٌ ومشهدٌ
وقريةٌ موقوفةٌ على مصالحه، وعينٌ جاريةٌ فيها قَدَمٌ في حَجَر، يقولون: إنَّه أثر
قَدَمه، ويغتسلون من العين، ويشربون متبرِّكين، ويقولون: إنَّها المذكورة في
القرآن، والله أعلم.
قال الحاكم في «المستدرك» بإسناده إلى كعب _والإسناد إليه واهٍ_ قال: كان أيُّوب
بن أموص نبيُّ الله الصابرُ طويلًا، جَعْدَ الشعر، واسعَ العينين، حَسَنَ [2]
الخَلْق، وكان على جبينه مكتوبٌ: المُبتَلى الصابر، وكان قصير العُنُق، عريضَ
الصدر، غليظَ الساقين والساعدين، وكان يعطي الأرامل ويكسوهم، جاهدًا ناصحًا لله،
قال: وعن ابن [3] إسحاق: حَدَّثَنِي من لا أتَّهم عن وَهْب بن مُنَبِّه: أيُّوب بن
أموص بن رزاح بن عيصا [4] بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، قال: وذكر ابن جَرير: أنَّه
كان بعد شُعَيب، ورجَّح أحمد بن أبي خيثمة أنَّه كان بعد سليمان، انتهى.
==========
[1] في (ب): (عليه السلام).
[2] في (ب): (حق)، وهو تحريفٌ.
[3] (ابن): سقط من (ب).
[4] في (ب): (عيص).
[ج 1 ص 885]
(1/6443)
[حديث: بينما أيوب يغتسل عريانًا خر
عليه رجل جراد من ذهب]
3391# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ): هذا هو
المسنديُّ، تَقَدَّمَ مرارًا، وتَقَدَّمَ لِمَ قيل له: المسنديُّ، و (عَبْدُ
الرَّزَّاقِ): الحافظ ابن همَّام، مشهورٌ، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح
الميمين، وإسكان العين بينهما، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): هو ابن مُنَبِّه، و
(أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ على الأصَحِّ.
[ج 1 ص 885]
قوله: (خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ): (الرِّجْل): بكسر الراء، وإسكان الجيم،
وباللام؛ كرِجْل الإنسان، وهو الجراد الكثير.
تنبيهٌ: سُئِلت عن خرِّ الجراد عليه؛ أهو قبل الابتلاء أم بعده؟
والجواب: بعد الابتلاء، وقد ذكرته فيما مضى من «مستدرك الحاكم»، ذكرته في (الغسل)؛
فانظره.
قوله: (وَلَكِن لَا غنًى): هو بالتنوين، وقد تَقَدَّمَ، وهو هنا في أصلنا غير
مُنَوَّن [2].
==========
[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق)
مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).
[2] وكذا في «اليونينيَّة».
(1/6444)
[باب: {واذكر في الكتاب موسى}]
(بَابُ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} [مريم: 51]) ... إلى (بَاب قَوْلِ اللهِ
تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16])
(موسى بن عمران): هو نبيُّ الله، ورسوله، وصَفِيُّه، وكليمه، ذكره الله تعالى [1]
في كتابه في آياتٍ، وجاء في فضله أحاديثُ صحيحةٌ، قال الثعلبيُّ في «عرائسه»: هو
موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح [2]،
وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف.
وكان عُمر عِمران لمَّا تُوُفِّيَ مئةً وسبعًا وثلاثين سنةً، قال أهل التواريخ:
لمَّا مات الريَّان بن الوليد _وهو فرعون مصر الأوَّل، صاحب يوسف الذي ولَّاه
خزائن الأرض، وأسلم على يديه_؛ مَلَك بعدَه جبَّارٌ، وأبى أن يُسلِم، ثُمَّ مات،
فم