روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الاثنين، 13 يونيو 2022

كتاب بلوغ الأمل في فن الزجل ابن حجة الحموي

 بلوغ الأمل في فن الزجل  ابن حجة الحموي

كتاب بلوغ الأمل في فن الزجل ابن حجة الحموي

من نوادر التراث العربي. جمع فيه ابن حجة الحموي (ت837هـ) ما قيل في فن الزجل، ونشأته،وأول من كتب فيه. ونسج فيه على منوال صفي الدين الحلي في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي ) واقتفى آثاره، وربما نقل عنه الكثير في فن الزجل، بالرغم من أنه عالم وشاعر ووشاح وزجال، عارض كبار الزجالين الذين سبقوه، أمثال علي بن مقاتل الحموي وغيرهم

وفن الزجل هو :

هو نوع من الشعر العامي
عرف منذ زمن بعيد وأطلق عليه هذا الاسم الذي كان له مدلول آخر قبل ظهوره فالزجل فى العربية كان يطلق على صوت الريح وعلى  التطريب واللهو كما كان يطلق على الرمح الصغير الذي يستخدم فى  صيد الحمام الزاجل ، أما المزاجل فهو المكان الذي يقيم فيه الحمام ويعرف اليوم بالغية, ولا يعرف لماذا أطلق هذا الاسم على فن الزجل؟؟  ذكر مؤرخو الادب أن الزجل ظهر لأول مرة فى العصر العباسي ،  وقال أخرون إنه ظهر فى العصر الأندلسي على يد الزجال الأول ابن قزمان ثم ابن راشد..

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبي

الفن الأول والثاني

الزجل والمواليا

الحمد لله الذي علا زجل الملائكة في عالم الملكوت بحمده، ونظمنا في سلك العبودية فوقف كل منا متأدباً عند حده، أحمده حمداً يقوم وزنه بالقسط ولا يخسر الميزان، وأشكره شكراً تقوم لنا بركته بمعرفة قواعد الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نترقى بها إلى أعلى الرتب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المنعوت بحسن الأدب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة نترجح بها يوم الحسرة والندامة، وتعمنا بركتها بين يدي الحكم العدل يوم القيامة، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد فإن الأدب جنس يصدق على أنواع عجيبة وفنون غربية، شهرتها تغني عن أن يجلى في هذا الأفق الزاهر بدرها، أو ينفث في عقد الأقلام سحرها، ولكن نعمل هنا بقول القائل:

إذا كان مدح فالنسيب المقدم

ونسيب الشعر هو المقدم بفصاحته، والموشح ببلاغته.
ولما كان لا ينظم إلا باللفظ الصحيح المعرب، لم يصل إليه إلا من تعاطى الآلة في العلوم وتأدب ولعمري هذا مضمار لم يحز قصبات السبق فيه غير الفحول، ولم يدرك شأوه إلا كل ضامر مهزول، ولكن في الناس من في طبعه ذوق الأدب والنكت الأدبية، ولم يعد نفسه من فرسان العربية، منهم الشيخ برهان الدين المعمار رحمه الله تعالى، فإنه نشأ بالديار المصرية ونكت فاستحلوا على زايد النيل زايده، ونقل عن الشيخ جمال الدين بن نباتة أنه قال: قطعنا المعمار بمقاطيعه.
وناهيك بهذه الصلة التي هي على مثله عايدة، واغتفر له أهل عصره اللحن وعدوه له من مطرب التلحين، فإنه أتى في نظمه بنكت تحرك العيدان وتغني عن القوانين، ولهذا عدل قبلة المغرب وهو الامام أبو بكر بن قزمان تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه، واخترع فناً سماه الزجل لم يسبق إليه، وجعل إعرابه لحنه، فامتدت إليه الأيدي، وعقدت الخناصر عليه.
ولما نظم بلفظ العوام تمكن منه أديب الطبع، وكان قد حبس عنانه عن العربيات ورأى بيوته واسعة الفنا، فأسكن مخدرات نكته بتلك الأبيات، غير أن مصنفه ومن تابعه من أهل عصره من علماء هذا الفن امروا فيه باجتناب أشياء منها الألفاظ المشرقية، فإن المصنف أو غيره من المغاربة قال:

لله در الزجل ويا مـا لـقـي

 

ما يوافق عمرو لسان مشرقي

وكما أن اللفظ المشرقي لا يجوز في الزجل، فاللفظ المغربي لا يجوز في المواليا لكون أنها من مخترعات المشارقة مثاله: إذا قلت في الزجل طلعتك، ووجنتك، وقامتك بسكون التاء لم تجز هذه الألفاظ عند الزجالة بل يعدونها خطأ في الوزن، فأن سكون هذه التاء لا تجوز عندهم، وعكس ذلك لا يجوز عند الموالة لأن تحريك هذه التاء لا يجوز عندهم البتة، وأقل من في الزجالة والموالة لا يجهل هذين العيبين، وكذلك تاء المتكلم مثل قلت وهمت لا يجوز في الزجل وهي ركن من أركان المواليا لأن المشارقة يتلفظون بها على صيغتها كقول الشيخ صفي الدين الحلي في بعض أزجاله:

مااجتمعنا تا أقول كـنـا

 

وازعق فينا غراب البين

أو أقول عين ضد صابتنا

 

بعد ما كنت قرير العين

فقوله كنت عيب فاحش عند الزجالة، ولا يجوز استعماله عندهم.
وهو أكبر عيوب الزجل بل محو رسمه وإخراجه عن قاعدة المصنف الإعراب، لأنه قال في خطبة ديوانه:

وقد جردته مـن الاعـراب

 

كما تجرد السيف من القراب

وموجب ذلك أن ابن غزلة الشاعر المغربي وهو من أكبر أشياخهم كان ينظم الموشح والزجل فيلحن في الموشح ويعرب في الزجل قصداً واستهتاراً ويقول: القصد من الجميع عذوبة اللفظ وسهولة السبك، وكان ابن سناء الملك يعيب عليه ذلك، ولهذا لم يثبت شيئاً من موشحاته في دار الطراز لكون أنها مزنمة، لأن التزنيم هو ما أعرب من ألفاظ الفنون الأربع، الزجل والمواليا، والكان وكان،والقوما.
وسيأتي الكلام على بقية الفنون بعد الزجل إن شاء الله تعالى.

واشتقاق المزنم، وهو المستلحق في قوم ليس منهم، وأما قوله تعالى: " عتل بعد ذلك زنيم " أي لئيم، وكأنهم ألحقوا الزجل بالموشح من طريق إعراب بعضه وألحقوا بالموشح الزجل لما أظهروا اللحن في بعض ألفاظه، فمن الموشحات المزنمة التي نظمها ابن غزلة المغربي المشار إليه الموشحة التي قتل بسببها لأنه شبب فيها بذكر أخت عبد المؤمن الأموي، ولم يكتم غرامه وهيمانه بها، بل صرح بالاجتماع بها، والواقعة مشهورة، وكانت هي أيضاً جميلة الخلق فصيحة اللسان تنظم الأزجال الرائعة الفايقة ومطلع الموشح قوله:

من يصيد صيدا فليكن كما صيدي

 

صيدي الغزالة من مراتع الأسد

كيف لا أصـــــــــول

 

واقـتـنـصـت وحـشــيه

ظبـــية تـــجـــــول

 

في ردا وســـوســـــيّه

صاغـهـا الـجـــلـــيل

 

فهـي شـبـــه حـــوريه

تنثني رويدا إذ تميس في البـردي

 

تعجن الغلاله والردى مع النهدي

رب ذات لـــيلـــــــه

 

زرتـهـا وقـد نــامـــت

والـرقـيب فـي غـفـلــه

 

والـنـجـوم قـد مـالـــت

رمـت مـنـهـا قـبـلـــه

 

عنـد ضـمـهـا قـالـــت

قرقر واهدا لا تكون مـتـعـدي

 

تكسر النباله وتفرط العـقـدي

فهذا البيت أكثر ألفاظه زجلية ملحونة، وجل قصده في ذلك عذوبة الألفاظ ورشاقتها.
وقيل: إنه لما أخرجه الملك للقتل نظر إلى الناس وارتجل بيتاً في الوزن والقافية يستنجد به عشيرته لأخذ ثأره. وهو:

خدهـــا الأســـــــيل

 

بدت مـــنـــه أنـــوار

طرفـهـا الـكـــحـــيل

 

سل مـنـــه بـــتـــار

ها أنـا الـــقـــتـــيل

 

فهـل يؤخـذ الـــثـــار

قد أسرت عبدا ولم أك بالعبـدي

 

مت لا محالة فاطلبوا دمي بعدي

ومن نظمها فيه الزجل المشهور الذي مطلعه:

مشى السهر حيران حتى          رأى إنسان عيني وقف

ومن الأزجال التي زنم فيها ابن قزمان، وأعرب في بعض ألفاظها وهو الناهي عن ذلك قوله في بيت من زجل مطلعه:

شرب الخمر المحتسـب وزنـا

 

قاضي المسلمين أت هو السبب

سيدي ليش جعلت ذا محتسب

 

 

ومحكم في أمر أهل الأدب

 

 

وهو زاني زنيم كثير الزنا

 

 

الإمام لم يكفه فتح الياء وتحريكها من الاسم المنقوص الذي هو القاضي حتى فتح أيضاً نون المسلمين. وفتح نون الجمع من أكبر علائم الإعراب، وبدون فتحها يخطئ الوزن ولفظه. وهو أيضاً مقبول في الزجل.
وله فتح الياء في غير المنقوص أيضاً وهو من علائم الإعراب، وذلك في مثل ياء المتكلم، والياء في لفظه هي وغيرها كقوله في زجل مطلعه هذا:

قلي يا عيد فيما يسرني جيت

 

أو تجدد علي ما قد نسـيت

فيقول في خرجة بيت منه:

إذا انقطع زماني الأطول

 

وعليه الثنا يكون ما بقيت

فقد فتح ياء المتكلم في زماني الأطول ولولا ذلك لفسد الوزن.
وقال في تحريك هي:

الجنة لو عطيتهي الراحوعشق الملاح

فإذا أسكن في لفظة هي فسد الوزن.
وأزجال ابن قزمان، ومدغليس، وابن عمير، والشاطبي، وابن حسون أئمة هذا الفن كلها مشحونة من ذلك، ولولا خشية الإطالة لأوردت لهم كثيراً من العيوب، وكيف يجوز لهم ذلك وقد قال ابن قزمان، وهو الإمام المخترع في خطبة ديوانه لما قال:

وجردت فني من الإعـراب

 

كما يجرد السيف من القراب

فمن دخل علي من هذا الباب

 

فقد أخـطـأ ومـا أصـاب

قال بعض زجالة المغرب: المصنف رحمه الله تعالى قال ذلك نهياً عن تقصد الإعراب وتتبعه والاستكثار منه لئلا يغلب على معظم أزجالهم التزنيم، بدليل قوله، سيما أن قصد ولو نهى عنه مطلقاً، أو عن اليسير منه ثم استعمله هو وقومه يصدق عليه قول القائل:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

 

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وإنما أراد بذلك الغالب، والعلماء يطلقون على الغالب حكم الكل مجازاً.

وقد جاء مثل ذلك في القرآن العظيم والحديث الصحيح؛ فأما ما جاء في القرآن الكريم فقوله تعالى: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس " يريد: غالب القرآن لأنه لم ينزل فيه بأجمعه.
وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي جاءته تشاوره: أي الرجلين تتزوج? فأشار عليها بأحدهما وقال لها عن الآخر: إن فلاناً لا يضع عصاه عن عاتقه، لا إنه في حال الصلاة والنوم كذلك، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم انه كثير الأسفار، فغالب وقته تكون عصاه على عاتقه.
ومنهم من قال: استعملها ضرورة وهو يعلم أنها عيوب.
ومنهم من قال: إن ذلك لم يكن مشروطاً عنده، وإنما عوام المتأخرين إبتدعوا ذلك، وأقاموا لهم قواعد هذه من جملتها، كابتداعهم شد الغلام وتسميته الراجح وراجح الرجاح والقيم.
وذكر الإنسان اسمه في آخر زجله، ويسمونه الاستشهاد، ويثني فيه على نفسه الثناء البالغ، ولعب المناصف بالرهان على يد الحاكم أسوة بأرباب الملاعيب، الذين هم أراذل الناس، والجلوس في الحلق في يوم معين، ويسمونه الطابق يقام لهم محفل من الجماري والحرافيش، وهذا لم يسمع بشيء منه للأئمة المتقدمين، ولا وجد لهم في كتاب.
ومنهم من قال: إن فصحاء المتأخرين حرموا ذلك، وحملوا على الإمام المخترع في قوله.

وجردت فني من الإعراب.......

على الإطلاق.
وهذا الذي أجمع عليه علماء فن الزجل، وهو أصح الأقوال، وأقرب الأحوال؛ وإلا فما الفرق بين الزجل والموشح، هذا معرب وهذا ملحون، ولحن الزجل إعرابه. وابن سناء الملك رحمه الله تعالى أظهر لنا الفرق بين الزجل والموشح بقرينة لطيفة، وهو أنه جعل في آخر غالب موشحاته خرجة مزجلة تارة تدخل عليها بأغصان من موشحه، وتكون الخرجة من نظم أئمة الزجالة، وتارة تكون الخرجة المزجلة من نظمه، وغالب أئمة الوشاحة فعلوا ذلك، ليظهر الفرق، وهو مثل الصبح ظاهر.
وعند الجميع أن التزنيم في الموشح أقبح منه في الزجل، لأن من أعرب في الملحون فقد رد الشيء إلى أصله، ومن لحن في المعرب فقد زل عن الطريقين وخالف المذهبين، وقد وقفت للإمام أبي بكر بن قزمان مع علمه أن التزنيم في الموشح أقبح من التزنيم في الزجل، على موشحة لم يسلم له بيت منها من التزنيم، وقد أثبتها هنا بكمالها، وهي هذه الموشحة:

معشر العذال بي من الأقـمـار

 

أغصنٌ ميادة مسن في أكفالـي

قد جـنــا مـــن لامـــا

 

كل عـــانٍ صــــــب

ببــــدور ذا مـــــــا

 

طلـعـت مـن قـضـــب

من قـــدود هـــامــــا

 

في هـواهـا قـلــبـــي

رية الخلخال قد براها الـبـاري

 

لعذابي غادة هيجت بلـبـالـي

عجـبـاً لــلـــوامـــق

 

روحــه مـــوصـــولا

مسـتـــهـــامٌ زاهـــق

 

حيث نــال الـــســـولا

وجـــمـــــــال رائق

 

زاد فـــيه الـــقـــيلا

نهيت والقالي لا يقـيم أعـذاري

 

شغفي قد زاده وهي لا ترعاني

غايتـي فـي الـحــســـن

 

غايةٌ لا تـــــــــدرك

لم يكـــن فـــي عـــدن

 

مثـلـهـــا قـــط يدرك

وكـلـت بـــجـــفـــنٍ

 

لحـظـات تــفـــتـــك

فتكة الأبطال كهزبـر ضـاري

 

سحرها قد صاده وهو ذو أشبالي

أين مـنـهــا الـــبـــدر

 

أين مـنـهـا الـشـمـــس

زان فـــاهـــا الـــدر

 

والـشـفـاه الـلــعـــس

ولـمـاهـا الـخـــمـــر

 

ليس فـيهــا لـــبـــس

لم تزل عن بالي لا وعن أفكاري

 

وهي لي منقادة دون ما إدلالـي

فهذه الأبيات لم يخل منها بيت من التزنيم والألفاظ الزجلية، ولعمري إن عذر الإمام لا يقبل في مثل هذا، لا سيما لفظة ذا في البيت الأول التي أراد بها ذاما وقد تقدم قول ابن سناء الملك وغيره من أن أئمة الوشاحة أتوا في آخر كل موشح معرب بخرجة مزجلة لظهور الفرق والتحلي برشاقة الزجل، وعذوبة ألفاظه، فمن ذلك قوله في موشحة، مطلعها:

الـبـدر يحـكـيك لـولا تـثـنـيك

 

وأنت جنة الصديق لـولا تـجـنـيك

لم يلق نعما ونعيم

 

من لم يلاقك

حملتني كل عظيم

 

يوم فراقك

وإن لي دنيا قديم

 

على عناقك

بالضم اجنيك لـلصدر ادنـيك

 

لأن لي قلب رقـيق عساه يعـديك

رأيت ربعاً من بعيد

 

قد كنت تأويه

ثوى به الحسن الجديد

 

إذ أنت ثاويه

وزهـرة الـدر النضيد

 

لا بل دراريه

فخرت تشكـيك فـهـل مـعـانـيك

 

خلعتها روضاً أنيق على مـعـانـيك

أهـواك مـعـسـول الـقـبـــل

 

تحـلـــو وتـــحـــلـــي

يمـلأ عـينـيك الــكـــحـــل

 

من غـــير كـــحـــلـــي

وأنـــت روضة الأمـــــــل

 

فكـــيف قـــل لـــــــي

أتـرك تـجـنـيك وعـاذلـي فـيك

 

في فمه مسك سحيق لمـا يسـمـيك

يعـــذلـــنـــي ومـــادرى

 

لحـــســـن حـــالــــي

وأنـــنـــي مـــنـــك أرى

 

كنـه الـــجـــمـــالـــي

بكـل شـيء نـــشـــتـــري

 

ولـــســـت غـــالــــي

بالـروح يشـريك مـن لـيس يدريك

 

فكيف من ذاق الرحيق والشهد من فيك

والبيت الذي فيه الخرجة المزجلة:

لمـــا أتـــى وقـــد أبــــا

 

يعـــطـــي وصـــالـــه

جردتـه مــن الـــقـــبـــا

 

مع الـــغــــلالـــــــه

فقـال خـلـي ذا الـصـــبـــا

 

فقـــلــــت لا لـــــــه

على آش نـخـلـيك ولـيش نـداريك

 

ما في الهوى قاطع طريق لا بد يغريك

فقلت: سبحان المانح، لقد حيرني أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك، إن حكمت لتوشيحه بالتقديم لما فيه من الرشاقة والسهولة والانسجام وعذوبة الألفاظ أتى في تزجيله بشهود لا ترد.
ومن الغايات التي لا تدرك في الباب موشحة إبراهيم بن سهل الإشبيلي وهي هذه:

يا لحظـات لـلـفـتـن

 

في كسرها أوفى نصيب

ترمي وكلي مقـتـلـو

 

وكلها سهـم مـصـيب

اللوم لـلاحـي مـبـاح

 

أمـا قـبـولـه فـلا

علقتها شمس صـبـاح

 

بما ارتعاه في الـفـلا

كالظبي ثـغـره أقـاح

 

ريقو طلا عيني طـلا

يا ظبي خذ قلبي وطـن

 

فذاك في الأنس غريب

وارتع فدمعي سلسـلـو

 

ومهجتي مرعى خصيب

من اللـمـا والـحـور

 

فيها الـحـياة والأجـل

سقى رياض الـخـفـر

 

من خدها ورد الخجـل

غرستـه بـالـنـظـر

 

وأجتنـيه بـالـقـبـل

من نزعة الظبي الأغـن

 

وهزة الغصن الرطيب

يجري لدمعي جـدولـو

 

فينثني منهـا قـضـيب

أأنت حـورا أرسـلـك

 

رضوان صدقا بالخبـر

قطعت القـلـوب لـك

 

وقيل ما هـذا بـشـر

ما كـنـه إلا مـلــك

 

لكن بصورة الـقـمـر

حتى ترك في المـحـن

 

أمر الهوى أمر عجيب

كأن عشـقـي مـنـدل

 

زاد بنار الهجر طـيب

أهدت إلى نار العـتـاب

 

برد اللمـى وقـد وقـد

فلو لـثـمـتـه لـذاب

 

من نفسي ذاك الـبـرد

ثم لوت جـيد كـعـاب

 

ما خلـتـه إلا الـغـيد

بطرفها الساجـي وسـن

 

أسهر أجفان الـكـئيب

والـردف فـيه ثـقـل

 

خف له عقل اللـبـيب

والبيت الذي فيه الخرجة المزجلة قوله:

أعربت عن وجدي البديع

 

فراح وجدي معـربـا

شمل الهوى عندي جمـيع

 

وأدمـعـي أيدي سـبـا

فاستمعي صبـاً خـلـيع

 

غنى لـعـين الـرقـبـا

هذا الرقيب مثواه بـطـن

 

أش لو كان الإنسان مريب

يا منيتي قـم نـعـمـلـو

 

ذاك الذي قال الـرقـيب

ومن موشحاتي التي نسجتها على هذا المنوال قولي

جاءت تغازل بالأجفـان والـمـقـل

 

فاهتز عطف غرامي وانجلى غزلي

فيالها لحظات للخـطـا نـصـبـت

 

تصيب باللمح قلب الفارس البـطـل

فقـلـت يا مـنـيتـي وزينـتــي

 

تريد الـصـبـر يوم بــينـــي

كحل بعينيك قالت وهي في خـجـل

 

ليس التكحل في العينين كالكـحـل

ماست بقامتهـا يومـاً بـذي سـلـم

 

والشعر كالعلم المنـشـور لـلأمـم

فقلت يا قلب أعلام الهوى نصـبـت

 

ها أنت تخطر بين البان والـعـلـم

وأسـود الـخـال مـذ تــبـــدا

 

في جيدهـا هـمـت فـيه وجـدا

قالت وطلعتها كالشمس في الحـمـل

 

في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

سألتها برد ما عندي من الـكـمـدي

 

وقلت نار الجوى قد أضعفت جلـدي

قالت بريقي أطفيها إذا الـتـهـبـت

 

يا برد ذاك الذي قالت على كـبـدي

وغرقـتـنـي بـدمـع طـرفـي

 

وقالت اسمـع كـفـيت خـلـفـي

ألم تخف بـلـلا نـاديت يا أمـلـي

 

أنا الغريق فما خوفي من الـبـلـل

بالله يا برق إن أومضت في الثـغـر

 

وحارس اللحظ في شك من الخبـر

قف بالثنيات واذكرنـي إذا عـذبـت

 

تلك النهيلات للوراد في الـسـحـر

وارسل عليل الـنـسـيم خـلـفـي

 

فإنـه قـوة لـضـعـــفـــي

عسى تصحح جسماً بالفـراق بـلـي

 

فربما صحت الأجسام بـالـعـلـل

رقم السوالف يروينـا بـمـسـنـده

 

عن أبرقين الحمـا أيام مـعـهـده

وثغرها قد روى عن طيب مـولـده

 

ورقمتين الحما قد طاب مـشـهـده

والخال أضـحـى عـن الـمـبـرد

 

يروي حديث الـعـذيب مـسـنـد

عن الصفا عن مذاق الشهد والعسـل

 

عن ذوق سيدنا قاضي القضاة علـي

إنسان مقلتها لـمـا رأى كـلـفـي

 

بسيفه قد أقام الحـد فـي تـلـفـي

فمت بالسيف قهراً والحشا نـهـبـت

 

لكنني عند موتي قد قوي شغـفـي

ناديتـه والـدمـوع طــوفـــان

 

وقـلـت هـذا فـعـال إنـسـان

إلى م تعجل في قتـلـي بـلا زلـل

 

فقال لي خلق الإنسان من عـجـل

هذا الموشح لكون أنه مبني على التضمين، ضمنت في الخرجة المزحلة التي من نظم الحاج علي بن مقاتل الحموي، والتضمين يسمونه عند الزجالة دخولاً وهو قولي:

وغادة أشرق الوادي بطلعـتـهـا

 

قد رققت غزلي من غزل مقلتهـا

شكوتها سهراً قالت وقد سـلـبـت

 

عقلي بلطف معانيها وحشمتـهـا

إن كنت سهـران مـن هـيامـي

 

فإنـنـي يا أخـا الــغـــرام

اعشق غزال مقلو قد أسهرت مقلي

 

وغزل أجفانو رقق حاشية غزلي

قلت: لم أطلق عنان القلم في تدقيق الفرق بين الموشح والزجل، إلا ليتأكد عند الطالب أن التزنيم الذي هو عبارة عن اللحن في الموشح والإعراب في الزجل من الذنوب التي تغتفر للبارع الماهر فإنه غير عاجز عن اجتنابه، ولهذا ما اغتفر للحاج علي بن مقاتل قوله في معارضته رسيله القيم شهاب الدين أحمد الأمشاطي:

خدك وعارضك والثغر يا حسن

 

ما وخضره ومنظر حـسـن

ومطلع الأمشاطي الذي عارضه ابن مقاتل سالم من ذلك وهو:

أسباني في هواك

 

وافتني يا حسن

جمالك الجمـيل

 

وخلقك الحسـن

وكيف يغتفر للحاج علي بن مقاتل هذا القدر الزائد، وقد عابوا على الإمام أبي بكر بن قزمان استعمال بعض الألفاظ الصحيحة الفصيحة العربية، حيث قال في زجله الذي مطلعه:

ليس هو عندي قوام

 

ولا هـو فـلاح

 

إلا شرب الشرابوعشق الملاح وقال في البيت الذي استعمل فيه الألفاظ الفصيحة مشيراً إلى الفقيه بقوله:

تعرف اسما هنا يقل يقل لك لا، قلو خذ تملا

منها إذنك ملا هي هي القهوة والمدام والطلا

والحميا والخندريس والراح






فهذه ست لفظات في أسماء الخمر لم يغتفر لابن قزمان استعمالها في الزجل مع أنه لم يدخل عليها حركة إعراب، وإنما قالوا: هذه لغة العرب العرباء وقد تقدم أن تحريك لفظة هي أقبح العيوب.وعابوا عليه في بعض أزجاله الشحنا، وقالوا: هذه لفظة فصيحة لم ينطق بها غير الفصحاء ومعناها: العداوة. وعابوا عليه أيضاً قوله في مطلع زجل، وهو:

نظر بأهداب عينو وعبس

 

فرج لعمري كربة وأنس

وقالوا: لفظة لعمري مختصة بالعرب وهي قسم لهم معناها: وحياتك، إن كانت للمخاطب، وللمتكلم: وحياتي، وقد فسر المفسرون قوله تعالى للنبي عليه السلام " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " أي: وحياتك.
وعابوا عليه أيضاً في بعض أزجاله استعمال لفظة الزرد.
وعابوا عليه استعمال لفظه مرحبا في بعض مطالع أزجاله، وقالوا لفظة مرحباً و أهلاً وسهلاً بإجماع سائر النحاة ألفاظ عربية، وهي منصوبة أبداً بتقدير فعل محذوف تقديره أتيت أهلاً ولقيت سهلاً وصادفت مرحباً وما أشبه ذلك، وأول من قالها سيف بن ذي يزن ملك العرب، قالها لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حين بشره بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في عام ولادته، وأسلم على يده لما وفد عليه ثم تداولها العرب بعده.
وذكر الشيخ صفي الدين الحلي في كتابه المسمى بالعاطل الحالي والمرخص الغالي أن الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي عابها على الحاج علي ابن مقاتل إمام هذا الفن - أعني فن الزجل - حيث قال في بعض مطالعه:

جا الرسول مرحباً أهلاً

 

بمجيه وألف سـهـلاً

وعاب عليه في موضع آخر لفظة ألما وأغيد فقال في آخر زجله:

دوني من ليس فعلو يحمد

 

في الزجل ما يصلح أفسد

ونـظـم ألـمـا واغـيد

 

ونصب أهلاً وسـهـلاً

وهذه اللفظات الأربع قد استعملها ابن قزمان وأثبتها في ديوانه ووقفت عليها.
ومما سامحوا في استعماله من هذه الألفاظ الفصيحة اللغوية لفظة الغ.
فإنهم عابوها على أحد أئمة هذا الفن. وهو محمد بن حسون لما أوردها في بعض مطالعه وهو:

ارفع قطيعك وطيب وتملاّ

 

والـغ عـمـن ولــى

وقالوا هذا لفظة عربية خالصة.
ومن الممنوعات عند علماء هذا الفن إعراب الألفاظ بالحروف أو بالحركات، أما من الإعراب بالحروف، فكقول بن قزمان:

أنا حدو على الشراب وانفـيه

 

ولا تقبل من جا يسألـك فـيه

هذا ريح الشراب يفوح من فيه

 

الله قد أوقعوا بجرمـو لـنـا

فقد أعرب في هذا البيت لفظة فيه بالياء، وهذا حكمها لأنها من الأمثلة الستة التي رفعها بالواو ونصبها بالألف وجرها بالياء، وهذا أفحش من الإعراب بالحركات.
وللأستاذ أبي عبد الله محمد بن حسون في بعض مطالعه:

مع الذي قطع قلبي هـواه

 

فم صغير يفتن لمـن يراه

لو كان معو خاتماً يحاكي فاه

 

من صغر ولم يقدر يختمـو

فقد أعرب فاه بالألف في حالة النصب وهذا حكمها.
وأما الإعراب بالحركات فكثير، وأزجالهم مشحونة منه، وقد جمع ابن حسون بين الإعراب بالحروف والحركات في لغطة فاه ولغطه فم في مطلعه.
ومن العيوب القبيحة عندهم فتح كاف الخطاب، واستعمال أدوات النحو المختصة كالسين وسوف اللتين هما في ظروف الزمان، وكاف التشبيه، وإذ، وثم، وهمزة القطع إذا كان ما قبلها محركاً بحركة إعراب كقولهم:

إن كنت اخطيت في عشقك بيني

 

استغفر الله مما جرى مـنـي

وكقول صفي الدين الحلي في بعض أزجاله:

ريت حبيبي في الرياض يمرح

 

بين أقـرانـو وأتـرابـــو

فلو لم يحرك النون أخطأ الوزن.
وأما السين فكقول ابن قزمان:

صبي نعشق من السوق

 

إن خطر بيك ستدريه

وأما سوف فكقول ابن الحسين بن عمير في بعض مطالعه:

جهدي نصبر على حبيب قلبـي

 

حن ظـلـمــي وجـــار

سوف يرى ما يلاقي من ظلمي

 

عنـد نـبـت الـعـــذار

وأما منذ فكقول ابن قزمان في بعض مطالعه:

حق هـو لـيس يمـــزح

 

منذ فقدت الحبيب ليس نفرح

ومثله قول الأستاذ أبي عبد الله بن حسون في بعض مطالع أزجاله:

لي تقـدير شـهـر

 

منذ عشقت الفلانية

لم نطـيق سـهـر

 

ولا لقيت ليلة مهنية

وأما: مذ، واذ، وثم، وكاف التشبيه، فاشهر من قفا نبك في القوم.
ومن الممنوعات عندهم استعمال الحركات الثقيلة التي عابها ابن قزمان على ابن نمارة، كالمدّ الفاحش والهمز الذي تقدم ذكره، وقد استعمل هو وأهل عصره ما هو أفحش من ذلك وأثقل، وهو القائل في بيت من بعض أزجاله:

كل ثناء جميل فيه مـجـمـوع

 

وكل شاعر بمدحـو مـولـوع

عاليش ينكرون الجميل المصنوع

 

وآش يفـيد الإنـــكـــار

إما مكـافـأة وإمـا إقـرار

 

 

فهذه المدة في لفظ ثناء أفحش من غيرها لاقترانها بالهمز والتنوين، وإثبات السكون في ينكرون أفحش.
ومن الممنوعات عندهم التشديد في غير التصغير، فإنهم مجمعون على لفظه كقولهم: فميم، وخديد، وغدير، وأما في غير التصغير فممنوع، والتشديد الذي استثقلوه في غير المصغر فكقول علي بن نمارة في مطلع زجله الذي سارت به الركبان:

كن كما شيت مهاود أو تياه

 

أو بـعـيد أو قـــريب

من يحبك ويقدر أن يعصيك

 

ليس يسـمـى حـبـيب

فقد شدد الميم من لفظة يسمى وكان يمكنه تخفيفها مع حسن السبك والتصرف، ويقول: ذاك ما يسمى حبيب، فيفر من عقادة التشديد إلى حلاوة الرشاقة والسهولة، فالقوم نهوا عن ذلك واستعملوه وكانوا كما قال السمؤل:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم

 

ولا ينكرون القول حين نقـول

وأما التشديد الذي لا يحمل من ثقله فكقول ابن قزمان في بعض مطالعه المسلسلة:

كيف يرى قلـبـي سـرور

 

وحبيب قلبي منصور هجرني

سكـري الـمـراشــف

 

 

غصني المعاطف

 

 

لولا ما هو مخالف

 

 

حين يرى ظلي ينفور

 

أنا مت بالله فانظور في كفني

ومن الممنوعات المستثقلة: التنوين، وقد نهوا عنه واستعملوه، فمن ذلك قول ابن قزمان في خرجة بيت من بعض أزجاله:

ليس لذي البـنـيه

 

في الدنيا نظـير

المـلاح رعـيه

 

وهي كـالأمـير

آش قمـر هـيّ

 

أبهى وأملح بكثير

في جمال وطلعه

 

وقـدٍ وخـــدّ

فقد نون لفظة قدّ وجاءت في غاية الثقل، وكاف التشبيه في لفظة الأمير أثقل منها.
ومن الممنوعات عندهم إثبات نون الجمع، وقد عابوه على البغاددة في أزجالهم، وجعلوه من أكبر عيوبهم مع علمهم أن لغتهم تقتضي ذلك ولكن أثبتها ابن قزمان في عدة مواضع، منها قوله في خرجة بيت مطلعه:

يامن عليه للسفر علامه

 

الحمد لله على السلامة

ويقول في خرجة بيت معتذراً من تأنيث المدام:

جايز هو لا تغمزون لما

 

قلت مكان المدام مدامه

فقد أثبت النون في تغمزون وفتحها مع أن اللفظة مجزومة بلا الناهية.
ومن الممنوعات عندهم تضمين آية من كتاب الله عز وجل، فقد نقلوا عن ابن قزمان أنه قال: القرآن الكريم لا يكون إلا معرباً والزجل لا ينبغي أن يدخله الإعراب، فمن ضمن آية من كتاب الله تعالى فقد زنم، وقد وجد له زجل في تهنئة بمولود مطلعه:

محسن اخلاقو تجد

 

من يهنا بـولـد

وقال في بعض أبياته:

اخبئوه خلف الستور

 

وأكثروا من النذور

 

وأطلقوا حولو البخور

 

واكتبوا بالزنجفور

 

من حوالين المهد

 

قل هو الـلـه أحـد

وقال الأستاذ أبو الحسن بن عمير في مطلع زجل:

سافر حبيبي ونا بعدو مقيم

 

أعوذ بالله السميع العلـيم

ومن الممنوعات عندهم وعندنا استعمال الظاء مع الضاد في قافية واحدة، وقد وجدنا لابن قزمان، وهو إمام الزجل، في بيت من أزجاله:

كذا غرض ذا العشق فيما مضى

إن صدّ محبوبك فأت في لظـى

وإن نظر مرة بعـين الـرضـا

فقد نظر ألف بعين الغـضـب

فلفظة لظى من ذوات الظاء لا يجوز استعمالها مع الضاد عند جميع أهل الأدب.

ومن الممنوعات عندهم، وعند جميع أهل الأدب أيضاً استعمال الذال المعجمة مع الدال المهملة، وقد وجدنا له ولغيره في مواضع كثيرة، فمن ذلك قول ابن قزمان في زجل كتبه إلى ممدوحه يطلب منه حنطة بسبب رمضان مطلعه وهو:

إش نحتج إن نقل لك

 

قد تدري ما نـريد

قوم اعطيني نصيبي

 

من قمحك الجـديد

ويقول في خرجة بيت منه وهو:

والعيد قرب والافطار

 

لابد مـن سـمـيذ

ولفظة سميذ بالذال المعجمة، بإجماع أهل الأدب.
وقد وجدنا للاستاذ مدغليس من ذلك في بيت من أزجاله وهو:

قوم ترى النسـيم يولـول

 

والطيور علـيه تـغـرد

والسما تنـثـر جـواهـر

 

فوق بساط من الزمـرذ

وفي وسط المرج الأخضر

 

وادي كالسيف المـجـرد

فلفظة الزمرد من ذوات الذال المعجمة، قلت: ذكرت بأشكال الفرق بين الذال والدال والضاد والظاء على مثل هذه الأئمة رتبة الحاج علي بن مقاتل الحموي تغمده الله برحمته ورضوانه وإجماع الناس على تقديمه لإمامه هذا الفن فإنه نظم زجلين جانس بين الذال والدال والضاد والظاء فيهما قصرت فحول الأدب عن إدراكهما، وتا الله لم ينسج الحريري في الفرق بين الضاد والظاء على منوالهما، فمطلع أحد الزجلين قوله:

إن مع معشقي جفون والحاظ

 

لو رآهم عابد لهام ولخاض

ومع انو من سحر عينـيه إذا

 

حفظوا باب أنساه صلاتو أدا

والبيت الذي نظمه بعد المطلع قوله:

حضرني لمـا دا يغـيب عـنـي

 

في غيابو يا ماذا تحفظ فصـول

حتى أنو يصـير قـريب مـنـي

 

ولو أني نكون في ميدان نجـول

أيش تضيق الدنيا علـى ذهـنـي

 

ولا نعرف أيش كان نريد لو نقول

واش ما قد حفظت مـن الـفـاظ

 

ويضيق بي رحب المكان الفاض

ولا نطلب يومي شـراب وغـذا

 

وابقى سكران طول ليلتي وغـدا

يا نسيم السحر علـى حـبـي....

 

أقري مني طيب السـلام كـلـو

لله ووصيه بالعاشق المـسـبـى

 

قلبي ذاك الـذي إلـف طـلـو

وإن تيسر لك أن ترى قـلـبـي

 

وسال عن جسمي الضعيف قلـو

انتحل من بعـدك إلـى أن قـاظ

 

واغتسل مما بـعـينـو فـاض

وعلى خدو الدار حـين قـد حـذا

 

وفي بابو حادي الـمـنـية حـدا

حن ذكرني في عتبووحد النهـار

 

غطتو حتى وقف على ماجـرى

وبقي هو يحمار ونا نـصـفـار

 

ونوادر مـنـي ومـنـو تـرى

فلا تعجب من خدّو كيف يحمـار

 

فوقو ورد الخجل وتحتو جـرى

ما الحيا في الخدود إذا ما اغتـاظ

 

ونشف ما لوني إلى أن غـاض

فلا تعجب مـنـي ومـنـه فـذا

 

سر فيه مـمـن أنـا لـو فـدا

هذا الزجل الذي أينع زهره في حدائق الأدب حفظته ورياحين الشبيبة غضة، ولكني شذ عني بيته الرابع لعدم التفاتي إلى المذاكرة بهذا الفن، ولما بهر المصنف رحمه الله تعالى به عقول أيمة هذا الفن، وقالوا: إنه ما نسج على منواله ولا ينسج، شفعه بزجل ثان حير فيه الإفهام، وقالت علماء هذا الفن: ما نشك أن علياً إمام.
والزجل الثاني لم يتأخر في صبابة الحاصل منه غير مطلع وبيت وهو:

ما الـفـراق فـي الـهـوى

 

إلا خـصـمـــو ألـــد

على تركو إذ هو قوى حظـي

 

نلق وصلو من كل لـذة ألـذ

نسأل الله منو يزيد حـظـي

 

 

قد هويت ريم طرفو الجوارح يصيد

 

على قلبي ما أخوفني من كيدو

حر مملوك إلا أنو سيد كل سيد

 

مثل يوسف إستاذ فـي قـيدو

والعجب فيه أن الملوك الصيد

 

قد قنصهم بحسنو في صـيدو

ومعو سبحان الله خـال وخـد

 

كم بقيت يوم من تقبلوا لفضي

حتى خذت العبير بتاعو وخـد

 

رقة الحاشية بتاع لـفـظـي

سبحان المانح؛ هذه طريق لم يسلكها أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين غير الحاج علي بن مقاتل رحمه الله تعالى.

ونظم رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رحمه الله تعالى زجلاً أفرق فيه بين الذال والدال، والظاء والضاد، كاد أن يسيل رقة، ولكن لم يجانسه، لأن الدرب إلى المجانسة غير سالك ومطلع الزجل:

بعضي باللهيب متلـظـي

 

وغارق في دمعي بعضي

وأنا بالصبـر مـتـغـذي

 

كاتم سري حافظ عهـدي

طرفي قد غرق في دمعي

 

واحترق بنارو قـلـبـي

مع معشوق يطابق نفعـي

 

بالضرر ويقصد حربـي

نطلب وصلو يطلب قطعي

 

نقرب لو فيبعد قـربـي

نحفظو ما يختار حفظـي

 

نحبو يزيد في بغـضـي

نعتذر ونـا الـمـتـأذي

 

يشتكي وهو المتـعـدي

وهذا الزجل البديع لم يحضرني منه أيضاً لكثرة الإعراض عن هذا الفن غير هذا المطلع والبيت.
ومن الممنوعات عند أهل هذا الفن أيضاً وهو قبيح جداً إظهار حركة المنادى المضاف، وذكرت هنا قصة اتفقت للشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى مع زجالة دمشق المحروسة؛ وما ذاك إلا أنه نظم زجلاً مطلعه:

يا صباح الخير والـخـيره

 

صبحتني طلعة المحبـوب

حن رأيت وجهو السعيد مقبل

 

قلت هذا غاية المطـلـوب

فقوله يا صباح الخير إعراب المنادى المضاف على شرطه.
وأما زجالة دمشق المحروسة فإنهم ترقبوا مرور الشيخ عز الدين عليهم ليلاً بسبب هذا المطلع فأسمعوه غاية ما يكره، وشاعت القصة بالبلاد الشامية، وكان الشيخ عز الدين رحمه الله تعالى يعنت عليهم في غالب الأوقات.
والذي أقوله: إن المتأخرين من الشعراء لم يتخلص منهم أحد من تبعات عيوب الزجل غير الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله تعالى، فإن الشيخ عز الدين أيضاً قال في بعض مطالع أزجاله:

ضياء النور في ليل الشعر قمري جلا

فلو لم يعرب لفظة النور بالإضافة اخطأ الوزن.
وأما الشيخ صفي الدين الحلي فقد تقدم ما أوردنا عليه من العيوب، وتقدمه ابن النبيه في زجله المشهور بأشياء دلت على أنه لم يكن له بمعرفة هذا الفن إلمام، والزجل مطلعه:

الزمان سعيد مـواتـي

 

والحبيب حلو رشـيق

والربيع بساطو أخضـر

 

والشراب أصفر مروق

وقال في البيت:

والنسيم سحر تـنـفـس

 

من عبير أو مسك أذفر

والغصون بحال نـدامـا

 

من سلاف الغيم تسكـر

والغدير بمد مـعـصـم

 

ينجلي في نقش أخضر

والهزار يعمل طـرايق

 

في الغنا مزموم ومطلق

فقوله في الغصن الأول من البيت، أو مسك أذفر لا يستقيم معه الوزن إلا بعيبين فاحشين لم يغتفرا له من أحد من الزجالة.
أما أن ينون الكاف لتصير الهمزة في لفظة أذفر همزة وصل ويستقيم الوزن بالتنوين، وهو من العيوب الفاحشة عندهم، وإما أن يحرك الكاف في لفظة مسك، وتكون الهمزة همزة قطع فقد تقدم أن همزة القطع بعد المتحرك عندهم خطأ في الوزن، واستشهدت بنقدهم على الشيخ صفي الدين الحلي حيث قال في بعض أزجاله وهو:

ريت حبيبي في الرياض يمرح

 

بين أقـرانـوا وأتـرابــو

فلو لم يحرك النون في لفظة بين أخطأ الوزن، وهذا العيب يسمونه عند الزجالة الطفر والجمز، وهو العيب الذي احتجوا به على الحاج علي بن مقاتل في بديهته مع رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي، فإن الحاج علي قال في بعض الأبيات:

جل الإله منشـيه

 

من بعض آياتـو

خدو المضرج فيه

 

نارو وجنـاتـو

والورد فيه يبـديه

 

في غير أوقاتوا

فقوله: من بعض آياتو وفي غير أوقاتو، مما نحن فيه وقول ابن نبيه في الغصن الثاني:

من سلاف الغيم تسكر.

فالغيم مجرورة بالإضافة وهي على الوضع في الإعراب، والكلام على نقش أخضر في الغصن الثالث كالكلام على مسك أذفر في الأول، وقال ابن نبيه في البيت الثاني من زجله المذكور ولم يسلم له العيوب المنهي عنها غصن ولا خرجة.
وقال في البيت الثاني:

هات يا ساقي الحـمـيا

 

إن نجم اللـيل غـرب

من يكون البدر ساقـيه

 

كيف لا يشرب ويطرب

أنت والأوتار والكـاس

 

للهموم دوا مـجـرب

 

لا تخاف الصبح يهجم

 

دع يجي ويركب أبلق

قلت: أما حركات الإعراب المنهي عنها في نظم الزجل فظاهرة في أغصان البيت؛ وأما قوله في الخرجة: لا تخاف الصبح، فلا يجوز عند الشعراء ولا عند الزجالة، فالعيب عند الشعراء أن لا الناهية تجزم الفعل المضارع والشيخ كمال الدين بن نبيه لم يجزم، والعيب عند الزجالة فتح الفاء من لفظة تخاف فإنها من الذنوب التي لم تغفر عندهم، وأما الصبح فقد نصبها غفر الله له على المفعولية.
وقال في البيت الثالث:

ذا المليح في الجنة سـيدو

 

ونا مسكين في جـهـنـم

آه على قبلة فـي خـديدو

 

واخره في ذا الـفـمـيم

لو ترى حـمـرة خـدودو

 

وعذاره ذا المـنـمـنـم

كان ترى ثوب أطلس أحمر

 

معدني بخصر مـعـلـق

فلفظة عذاره في الغصن الثالث منصوبة على المفعولية، وهي عيب ولو لم ينصبها أخطأ الوزن.
وقال في البيت الرابع وتخلص منه إلى المديح وهو:

يا نديم أسمع نـصـيحـا

 

لا تنم ما دمت تمـكـن

الصباح ومثلو في الكاس

 

ما ترى مبهج ومحسـن

والشقيق حمرا في صفرا

 

كنوا رايات شاه أرمـن

ملك بحـال جـمـالـو

 

ما خلق وليس يخـلـق

الكلام على شاه أرمن هنا في الغصن الثالث، كالكلام على مسك أذفر ونقش أخضر في البيت الأول، وإعراب لفظة ملك في الخرجة فظاهر لم يفتقر إلى الكلام عليه، ولكن تحريكه ليس من العيوب الفاحشة.
قوله:

ورشيقة المعـاطـف

 

رأتو بين الصناجـق

والغبار بحال غـمـايم

 

والسيوف بحال بوارق

وسنا جبـينـو يرمـي

 

بشعاع على الخـلايق

زعقت حرام زوجـي

 

والنبي غدا نطـلـق

هذا البيت يكاد يكون سالماً لولا لفظة رشيقة فإنها مجرورة بواو رب، وقد تقدم قولي: إن الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله تعالى خلص هذا الزجل من جميع هذه العيوب المذكورة، ولكنه لم ينظم غير زجل واحد عارض به ابن نبيه في هذا الزجل، والذي يظهر لي أن الشيخ جمال الدين ما عارضه إلا وقد ظهرت له هذه العيوب.
ومطلع الشيخ جمال الدين بن نباتة هو:

لي حبيب ماعو عوينـات

 

ذاب نقول في عشقا إلحق

وقت نبصرها نـواعـس

 

نبكي طول الليل ونقلـق

يا قلق جفني بـكـاتـب

 

حسنـو نـدرا وي نـدرا

وقعت عينـه لـعـينـي

 

بدموع في الحب تجـرا

فالنظر توقيعـو ثـابـت

 

بقلوب عشـاقـو يقـرا

وحواشي خـدو ريحـان

 

هذا هو الموت المحقـق

والبيت الثاني:

ما ترى ممـلـح ومـحـلا

 

هذي الأوصاف الـشـهـيا

جلـسـت خـط الـعـذير

 

في الخدود كف الـمـشـيا

ويرى قـلـبـي مـعـلـق

 

بيه ولا يحـفـل هـو بـيا

يا دلال خطو الـمـجـلـس

 

ونكال قلبـي الـمـعـلـق

لي يطيب فـيه الـتـغـزل

 

والـمـدايح فـي الـمـؤيد

الملك في الجود وفي البـاس

 

والعلـوم والـرأي الأرشـد

لا تقول لي البـرق يلـمـع

 

والغمام في الجـدب يرفـد

فسـنـا جـبـينـوا نــور

 

ونـدا يمـينـو أغـــدق

لا غـمـام إلا ابــن أيوب

 

لا ربـيع إلا زمـانـــوا

الـسـمـاحة فـي يمـينـو

 

والفصاحة فـي لـسـانـو

ونقول في الحـرب لـعـداه

 

آش تقولوا فـي سـنـانـو

آش تقول سود الـجـوانـح

 

في لقـا عـدوهـا الأزرق

علمتيني لـك يا سـلـطـان

 

المكـارم نـظـم الأقـوال

في القصايد والمـقـاطـيع

 

والموشـحـات والازجـال

خذ تـرى هـذا الـزجـيل

 

في المديح مطرب والأغزال

لاستماع اشيا تـطـنـطـن

 

وشي في القمصان يبقـبـق

قلت: الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله تعالى خلص جميع هذا الزجل من العيوب التي تقدم ذكرها وأوردها على أئمة الزجل من المغاربة وغيرهم، ولكن رتبته في النظم سافلة بالنسبة إلى علو مقام مناظيمه في الشعر والموشح، والذي يظهر إليّ أنه نظمه نظم خائف لعلمي أنه ما نظم غيره والله أعلم.
وقد عن لي أن أثبت هنا زجلاً من أزجالي الخالية من العيوب ليتضح للطالب سلوك هذه الطرق الغريبة، فمن ذلك ما نظمته، وأزهار الشبيبة يانعة، ومواردها عذبة، وهو هذا الزجل:

حين رققت نظـم الـغـزل

 

تأنس غزالـي الـشـرود

وقال صف عيوني الوقـاح

 

وقول سود بها قلت سـود

من أبصر حبيبـي حـسـن

 

لا يكون في عـذلـو يزيد

فيوم عيد رسم بـالـبـعـاد

 

وامتثـلـت لـو مـا يريد

ولو كـان قـريب الـديار

 

ما كنت أمشي لو من بعـيد

فيا دمعـي اجـري وقـف

 

سايل ما جرا في العهـود

وقل للحبـيب الـطـبـيب

 

يا طبيب لا تخلـف وعـود

حن نيران هواه أشعـلـت

 

ومنشي البشر مـن تـراب

ما خلا في جسمـي رمـق

 

وراح جا التعب والعـذاب

وجاه دمعي سـايل نـهـر

 

رآني عذولـي مـصـاب

قال تـريد أقـودو إلــيك

 

بانشراح في غيظ الحسـود

قلت أي بالنبـي يا عـذول

 

اطف ما بقلـبـي وقـود

ذا القاسي بلـين قـامـتـو

 

رق لي ونحوي عـطـف

وحلف ذا الغصين بالـوفـا

 

ومحلا ليالـي الـحـلـف

وقال لي نظـام سـالـفـو

 

حلى الجعدي هداك سلـف

وماس تحت تـزريد عـذار

 

يفوق حسن وشي البـرود

تذكـرت بـأن الـنـقــا

 

وخضر عـيش أيام زرود

تغـزلـت فـيه اطـربـوا

 

ومال من رقيق الـغـزل

وقال خلي وصف الخـدود

 

فأني كـثـير الـخـجـل

استطردت في وصـفـهـا

 

سارت مثل سير المـثـل

حددني بـسـيف نـاظـرو

 

حين أقام علـيه الـحـدود

وقال كيف رأيت حالـتـك

 

قلت نا قـتـيل الـخـدود

قادنـي وقـطـر دمــوع

 

عيني لما جـد الـرحـيل

وهيج لـعـقـلـي وقـال

 

وقم يا ضالع الهجر سـيل

قلت قوم يا قلبي الـحـزين

 

قاطع قلي حملـي ثـقـيل

ومبرك ما كـنـا جـمـيع

 

قبل أن كان لخيري جحـود

وقال حين حسابي جـمـل

 

يا جمالي آش ذا القـعـود

من بارق عذيب الـثـغـر

 

حين عذبت طعم الـمـياه

طعم الراح بقي في انحراف

 

ولطف المزاج عنـو تـاه

وجوري الخدود لـو يكـون

 

نصيبـي كـفـانـي نـداه

تعود يا حبيبـي وطـبـيب

 

لا تعدم مـحـبـك وجـود

فمن وجنتـيك والـثـغـر

 

قصدو يا حـبـيبـي ورود

قد طال الشرح بايراد هذه الأزجال هنا، وإن الرجوع إلى بقية ما يحرر من عيوب الزجل التي يمنع من استعمالها، فمن ذلك حركة الجار والمجرور، كقول قيم مصر خلف بن الغباري في بعض مطالعه:

الحمد لله الـحـمـيد الـمـجـيد

 

قادر ومعلا قدر مـن مـجـدو

مقصود وموجود في العدم والوجود

 

في السر والجهر أقصدو توجـدو

فقوله: الحمد لله مبتدأ وخبر، والخبر هو الجار والمجرور في " لله " و " الحميد " صفة للجار والمجرور، وهي تابعة الموصوف في الجر، فالربع الأول من المطلع ليس بزجل بل بشعر صحيح معرب وهو من البحر السريع. وأما قوله في الربع الثاني قادر ومعلا قدر من مجدو فهو منوال الزجل الذي لم ينسج على غيره، وقوله: ومعلا شرع الزجل في الوزن والرسم فإنه لو قال وما أعلا أتى بهمزة القطع التي هي من أكبر عيوب فن الزجل.
 ومن الممنوعات عندهم الانتقال من كللي إلى قمري وهو الخبن عند العروضيين كالانتقال من فاعلن إلى فعلين فإن كان في الحشو جاز، وإن كان في القافية التي هي العروض والضرب عدة الزجالة خطأ في الوزن كقول الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رسيل الحاج علي بن مقاتل في بعض مطالعه:

يا قلبي الهوى طيعو وطيع مـا أمـر

 

وعصي من رجع لك في المحبة يلوم

ون كان من تحبو بعد وصلو هـجـر

 

كن صابر فـلا ذاك دام ولا ذا يدوم

وقال في بعض خرجات هذا الزجل:

لو كانت الناس تسجد أو تصوم لبشر

 

لك كنت نسجد على الدوام ونصوم

فأتى بقمري موضع كللي في محل العروض والضرب وهذا عندهم خطأ في الوزن اللهم إلا أن يكون في الحشو لأن علماء الزجل منعوا من استعمال الزجافات العروضية وعدوها خطأ في الوزن وهي جائزة في الشعر، وزادوا على بحور الشعر التي هي ستة عشر بحراً من الأوزان ما لا ينحصر، وقال الشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى في تقريظ له على بعض أزجالي: فإن الزجل أوزانه ما انحصرت عدداً وسبله متشعبة، فهي تتلو طرائق قددا، قول الشاعر:

وله محاسن كلهـن بـدائع

 

وله جموع فرقت وطرائق

فكأنه الثوب المجندر طرقه

 

لا تستقيم وفيه معنى رائق

وفن الزجل لم تزل أوزانه إلى عصرنا هذا متجددة. ولكنها غير جائزة في الشعر لخروجها عن البحور المعهودة، ومخالفة كل شطر من البيت الآخر في القصر والطول والقافية، وبناء البيت الواحد على عدة أوزان وقوافٍ، وتقصير الأقفال إلى غاية من القصر، ولهم ملكة في تحرير الوزن وقوة في أن يستخرجوا منه وزناً ثانياً ولم يتغير اللفظ. ورأيتهم يستعينون على ذلك بالدمج، ويكون اللزوم في بعض الكلمة التي دمجها، وربما أنشدك أحدهم وزناً اخترعه وسألك عن لزومه فقلت: هذا بيت بقافية أو بقافيتين، فإذا قطعه لك وجدته مطلعاً أو بيتاً بسبع قواف يكون المطلع بقافيتين، والبيت أغصانه وخرجته بخمس قواف كقولهم:

كم نقا سي شقا وزماني رماني وما عاد لقاسي بقا

فإذا قطعه لك على ما ذكرته لك أيها المتأدب، كان مطلعاً وبيتاً بسبع قواف، وتقطيع المطلع:

كم نقا سي شقا

والبيت: وزما ني رما ني وما عاد لقا سي بقا.
ولهم أغرب من ذلك وأقصر على هذا النمط وهو:

البحر أصبح فرجـا

 

والجاموس جا يسبح

وهذا أيضاً في الصورة مطلع واحد بقافيتين وتقطيعه:

البحر أصبح فرجـا

 

والجاموس جا يسبح

فهذا بعد التقطيع انتظم منه مطلع وبيت لست قواف.
ولهم أغرب من ذلك وأقصر على هذا النمط، والمراد هنا بالقصر قصر الوزن وهو:

زمزم حرر درهم

هذا أيضاً مطلع واحد، فإذا قطعته انتظم منه بيت ومطلع بست قواف، وتقطيعه هذا:

زم زم حر رر در هم

فهذه من أشكال النكت القصار في فنهم.
قلت: قد تقرر وعلم أن الفنون سبعة لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد، وهي: الشعر، والموشح، والدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان وكان، والقوما، فهذه الفنون الأربع التي جاءت بعد المقدم من الشعر، والموشح، والدوبيت الإعراب فيها غير جائز وهو التزنيم بعينه، وقد تقدم وتقرر وعلم، ولكن الزجل أعلاها رتبة وأشرفها محلاً لكثرة أوزانه وعذوبة ألفاظه ورشاقتها، ومدائن المسلمين المختصة بهم دون النصارى بالأندلس أربعة: وهي إشبيليا، وقرطبة، وبلنسيا، ومالقة. والذين خرجوا منها من الزجالة سبعة وهم: مخلف بن راشد، الحييط البرذعي، ابن قزمان ، مدغليس، ابن المليكة، الحمال وهو متأخر.
وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد وأبياتاً محررة في أبحر عروض العرب بقافية واحدة كالقريض لا يغايره بغير اللحن واللفظ العامي، وسموها القصائد الزجلية، فمن ذلك للشيخ أبي عبد الله مدغليس قصيدة في بحر الرمل عدتها ثلاثون بيتاً مطلعها:

الهوى حملني ما لا يحتـمـل

 

ترد الحق ليس لمن يهوى عقل

ليس نقع في مثلها ما دمت حيّ

 

إن حماني من ذا تأخير الأجل

منها وهو لطيف:

اشتغل قلبي بذا العشق زمـان

 

فسقط لي نقطة العين واشتعل

وهذه القصائد لما كثرت واختلفت عدلوا عن الوزن الواحد العربي إلى تفريغ الأوزان المتنوعة، وتضعيف لزومات القوافي، وترتيب الأغصان بعد المطالع، والخرجات بعد الأغصان إلى أن صار فناً لهم بمفردهم.
واختلفوا فيمن اخترع الزجل، فقيل: إن مخترعه ابن غزلة المقدم ذكره، استخرجه من الموشح لأن الموشح مطالع وأغصان وخرجات، وكذلك الزجل والفرق بينهما الإعراب في الموشح واللحن في الزجل وقيل: بل مخلف بن راشد، وكان هو إمام الزجل قبل ابن قزمان.
وكان ينظم الزجل بالقوي من الكلام، فلما ظهر أبو بكر بن قزمان ونظم السهل الرقيق مال الناس إليه وصار هو الإمام بعده، وكتب إليه ينكت عليه في استعمال يابس الكلام القوي:

زجلك يا ابن راشد قوي متين

وإن كان هو بالقوة فالحملين

يريد: إن كان النظم بالقوة فالحمالون أولى به من أهل الأدب.
وقيل: بل مخترعه مدغليس وهذا السم مركب من كلمتين أصله مضغ الليس والليس جمع ليسة وهي ليقة الدواة، وذلك لأنه كان صغيراً بالمكتب يمضغ ليقته، والمصريون يبدلون الضاد دالاً فانطلق عليه هذا الاسم وعرف به وكنيته في ديوانه أبو عبد الله بن الحاج، عُرف بمدغليس والصحيح أنه ليس بمخترعه، لأنه عارض ابن قزمان، وهذا دليل على أنه معاصره أو متأخر عنه.
فمن السهل الرقيق لابن قزمان قوله في مطلع زجل:

ثلاث أشيا في البساتـين

 

لم تجد في كل موضع

النسيم والخضرة والطير

 

شمّ واتنزه واسـمـع

وقوله:

لولا الشراب واش كان

 

بقي ترجـع فـقـي

ومن رقيق مدغليس قوله في مطلع زجل:

ليس نتوب عن ذا المشربيه

 

لو نهيت في السبت والحدّ

قد أعرت آذانـي لـلـوم

 

ودفعت الجلـد لـلـحـد

ومن لطائف ابن غزلة قوله في مطلع:

بعد ذبحك جريت يا فرخي

 

واش يفـيد الـجـــري

كنت تجري من قبل ما تذبح

 

وعـنـيقــك بـــري

ومن لطائف ابن قزمان قوله في مطلع وبيت:

قالوا عني بأني عاشق فيك

 

أش تـقـول يصـدقـوا

ياحبيبي لقيت كثـير فـي

 

الناس بالحكـم ينـطـق

هذا شـي والـنـبـــي

 

يا نور عيني ما تحدثت بيه

ولَ والله خطر على بالـي

 

لا ولا خـضـت فــيه

إنما فـي الـطـريق أنـا

 

نمشي كل من نلـتـقـيه

يدنو مـينـي وسـرعـه

 

ليسألني عندما نلـتـقـو

ويقول لي فلان بحق اللـه

 

من صحيح تـعـشـقـو

ويعجبني قول مدغليس:

أنا راضي عن الشراب والطعـام

 

ثلثين يوم لي في الصلاة والصيام

وقال ابن قزمان في مطلع:

يامن عليه للسفر علامه

 

الحمد لله على السلامة

ويعجبني قول ابن قزمان في خرجة:

انهل شويّ يا صاح لا تقروب

 

ان الحبيب قد عزم أن يهروب

قلت: غاية المغاربة في نظم الزجل أن يتطاولوا إلى التعلق بأذيال السهولة والرقة، فإن العقادة غالبة على أزجالهم وتراكيبها، كقول ابن قزمان في ترك الخمر في بيت:

يتـركـوا قـوم ونـا لا

 

إنما مذهبـي الـطـلا

يا من على منّو بين مـلا

 

كان يكون أرجلي العقاب

ويكون فمـي الـدلـو

 

 

ولكن لما دخل الزجل الديار المصرية ونظمه المصريون حلّوا موارده بعذوبة ألفاظهم ورشاقتها، وزادوا محاسنه بالزوائد المصرية، وحلوه في الأذواق لما صارت حلاوته قاهرية، ثم تفكه بعد ذلك من أهل الشام بثمرات المعاني الشهية، وحلوه بشعار التورية والنكت الأدبية، كقول الحاج علي بن مقاتل في بيت:

دي الذي وصالو عمري نرتجـي

 

ما ندري في عشقو لمن نلتجـي

وعد يوم الاثنين لعـنـدي يجـي

 

راح اثنين في اثنين وما ريت أحد

وقال في بيت زجل آخر:

قلت هبني يا ذا الألـمـا

 

قبله في الجيد المسمـى

قال بروحك قلت مهمـا

 

سمتني في الجيد ما يغلا

وقال رسيله الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي معارضاً في الوزن والقافية وأجاد في قوله:

قلي والرقيب في غفله

 

لا يكون بحياتي باللـه

لك حلت في جيدي قبله

 

قلت لو من فمك أحلا

ومن المرقص قوله في بيت بردفة زائدة:

غصـن بـان أوعـدنـي وخـلـــف

 

قلـت لـيه قـصـه تـعــطـــف

دار وقـال حـين عـنـي انـحــرف

 

وقال من رأى مـن قـبـلـك إنـسـان

صار عليه معطوف غصين البان بالورق

 

 

ويعجبني في هذا الباب قول محمد بن قيس قيم حلب:

تفور الما في البواطي بالعـقـار

 

بالله اش تقولوا ما أنا مطالـبـي

وكلما أملك من مـال أنـفـقـوا

 

حتى تصفي الكاس على شواربي

ومثله في الحسن قوله في بيت وهو:

نرمي الأقداح من يديه

 

لجل من ساق هجرو ليه

 

وحرم بعدو عليه

 

ما العنب وما الزبيب

 

وعلى الراووق صليب

وقال الأستاذ شمس الدين محمد الأعرج قيم الديار المصرية في مطلع من أزجاله:

يا طلعة الـهـلال

 

لا تكشف اللـثـام

تفطر الـقـلـوب

 

في شهر ذا الصيام

ومما يعزى إليه من المطالع البديعة قوله:

وجه المشرقـية

 

بالأنوار مبرقـع

قمر هي والأقمار

 

من الشرق تطلع

وله من الأبيات العامرة قوله:

كشف الساق ندرة ملاح ذا الزمان

 

قامت قيامة قلبي وزادو هوان

 

فلا تعجب من قصتي يا فلان

 

القيامة تقوم بـكـشـف الـسـاق

ويعجبني في باب الاستعارة والتشبيه قول أحمد القماح راجح رجاح مصر في بيت ومطلع:

كف الظلام أرخى على وجه الليل

 

شعرية سودا وكحلـو دون مـرود

وبدى المصباح من بين جفونو يغسل

 

بما الضيا كحل الظـلام الأسـود

البيت

وفي الأراضي قوم ترى شي نذهب

 

وشي تصيبو قد زها واتفضـض

النرجس أحداقو الشهل نعـسـانـه

 

إلا أنها من ذا الندا ليس تغمـض

والأقحوان ثغرو ضحك وتـبـسّـم

 

وأصفر ويحكي لنا فـي الأبـيض

مازعفران فوقه نصافي مطبـوع

 

ولا فصوص كارب في بلاد توجد

ولا بحال شمسات لجين مبـرودات

 

قد أسمرو فيها مسامير عسـجـد

وأبلغ منه في التشبيه وأبدع قول الحاج علي بن مقاتل في بيت زجل الخياط حيث قال:

قال فشبّة خـدي وقـم عـرّض

 

بالعارض أحـسـن صـفـات

قلت حلة وردية مـن أطـلـسٍ

 

فيهـا جـمـع الـشـتـــات

وعليها دار الطـراز تـنـبـت

 

رقـم مـحـلاه نــبـــات

قال ما هو إلاّ ثوب شرب والخمر

 

دم مـن تـقــتـــلـــو

فيه خيالات خيوطهـا تـلـعـب

 

ورق لاعــــــــــب

من جـفـون يغــزلـــوا

 

 

ويعجبني في الرشاقة والجزالة وتسيير الأمثال قول علي النجار قيم الشام في مطلع زجل:

جا سهدي سرق منامـي

 

راح باعوا بيع المسامح

وآش قلتو أنه خسر فـيه

 

كيف ما باع اللص رابح

وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ شمس الدين محمد بن الطراح قيم الشام على هذه الطريقة بيتاً من بعض أزجاله قوله:

شدة ما تـدوم

 

يا بني لا تسوم

إن العسر شوم

 

والسماح رباح

يا أخا الأدب ما يتمكن الشاعر في بيت شعره من إرسال هذه الأمثال ولا يتوصل في باب إعرابه إلى فتح هذه الأقفال، فإن هذا البيت فيه ثلاثة أمثال سيارة ولفظة يا بني لا تسوم يصلح أن تكون مثلاً رابعاً.
وأنشدني لنفسه أيضاً على طريقة التورية مطلعاً بديعاً وهو:

غصني النضير في الحسن مالوا نظير

 

وحياة هيف قدو ما نعـشـق سـواه

وإن ميلوا عـنـي نـسـيم الـدلال

 

وما عطف خلوه يميل مـع هـواه

ويعجبني في هذا الباب مطلع القيم أحمد بن العطار قيم الشام في الصراع وراجح الرجاح في الزجل وهو هذا:

على قامة قدّك في ليل شعرك

 

أشرقت طلعتك وهي تـامـه

فعجبنا كيف ما يزول الظـلام

 

وادي شمس الضحى على قامه

وأنشدني من لفظه لنفسه الكريم مولانا قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن القضامي تغمده الله برحمته ورضوانه بيتاً من زجل جعله لمصونات التواري حذراً وهو هذا

لولا أنت يا حاجبو تحجبـنـي

 

ماذا ورد سايل دموعي محروم

ولولا أنت يا قـوامـوا عـادل

 

قتلتني من زمان فيه مظلـوم

ولولا أنت يا عـذارو نـمـام

 

بثيت إليك سر حالي المكتـوم

ولولا أنك ياردفـو مـثـقـل

 

بحمل شوقي إليه ثـقـلـتـك

ولولا أنك يا جفنو مـكـسـور

 

لكنت دين الوصال كفـلـتـك

انظر أيها المتأمل إلى هذه الجزالة والرقة والسهولة مع إطلاق أعنة التورية واجتناب العيوب المنهي عنها في نظم الزجل.
ومن ذلك قولي في بعض أزجالي في بيت هو:

شكيت لسـاقـو حـالـتـي

 

وقلت لو كـم ذا الـجـفـا

أظهر لي وجهين وانثـنـى

 

وخلف لي عرقوب في الوفا

ناديت وقد أمسـيت فـقـير

 

إليه نريد منـو الـصـفـا

ما هو فقيري في الطـريق

 

يا جاعل الـسـادات خـدم

تمشي بوجـهـين بـينـنـا

 

والناس تقول صاحب قـدم

ومنه قولي:

لاحظني بالالحاظ وقـال

 

آش قلت ناديت يا قمـر

هذي مسـالـك ضـيقة

 

تقتلني في لمح البصـر

قال لي ورسام عارضـي

 

حين بان على ورد الخفر

قال إن مرسومو شـريف

 

في طي منشور وحكـم

آش قلت في هذا العـذار

 

فقلت هو كـمـا رسـم

ومنه قولي تابعاً ذكر العذار:

قال لي عدو لك قد راه

 

لام قلت يا زين الوجود

لام كي تكوي مهجتـي

 

في نصبها بين الورود

وهي بـلامـين دايرة

 

بيني وفي لوح الخدود

قلم عذارك قـد جـرى

 

حين أحكمو باري النسم

قلي صحيح يا عاشقـي

 

جرى القلم بما حـكـم

ومنه قولي:

رنا لي بسهام المـقـل

 

ناديت بآمال خـايبـه

يا دمعتي لا تسبـلـي

 

هذي مصيبة صايبـه

قلي وقد أمسيت مصاب

 

ولي غـداير شـايبـه

بحياتي أقسم يا قـتـيل

 

إن الذي أحيا الـرمـم

قسم لي ذا الحسن البديع

 

فقلت وحياتك قـسـم

وقلت في بيت من غير هذا الوزن وهو:

عارضو لما عـشـق خـدو

 

غرت من وجدي بقيت حاير

جيت إلى طرفو وناديت لـو

 

إحرسو وكون عليه ناظـر

بعد حين نظرت فـي خـدو

 

النقي العارض وهـو داير

وعليه قد دب بـالـسـرقة

 

جيت لطرفو قلت يا كسلان

هكذا هي عادة الـحـراس

 

قلي اعذرني أنا نعـسـان

ومنه قولي:

قلت لو قد ذبت في عشقك

 

وضنيت قلي الخبر عندي

قلت لو دمعي قد اتلـون

 

ويجري اليوم على خدي

دار إلى إنسان مقلتي قلو

 

أنت ما عندك نظر بعدي

ما ترى ما قد جرى منك

 

على خدو قلو يافـتـان

دخل الماتحتي من بعـدك

 

راقب الله ما أنا إنسـان

ومنه قوله:

بدر شعبان منـيتـي لـمـا

 

في بروج السعد لاح نجمو

شلت ليه قصة بفيض دمعي

 

أطلقوا وأجراه على رسمو

قلت لو دام اللـه إطـلاقـك

 

فالحزين قلبي لشوم قسمـو

إيش قد أذنب حتى فطرتـو

 

راد يوري قولي بالبهـتـان

قال يصوم عن الوصال ناديت

 

ليس نصوم يا بدر في شعبان

وقلت في غيره من زجل مطلعه هو:

ناديت لمن شرقني حـين غـربـنـي

 

بدمعي قبـلـنـي وارحـم تـرحـم

وقول نعم وانعم علـى مـشـتـاقـك

 

قال: ميل إلـى خـدي لأنـو أنـعـم

قلي نهار صف وجنتـي والـعـارض

 

وارعى النظر ناديت يا غصني الناضر

شعة الورود حين ضاع شذاها الموجود

 

رأيت طراز الآس علـيه صـار داير

قلـي وخـالـي والـجـبـين نـاديت

 

لو بلال يراعي الصبح بأمر الـقـادر

قال هات صفات شعري وسرح باحسان

 

في التورية واظهر لي معنى يفـهـم

فقلت لو الـلـه قـد أسـبـغ ظـلـك

 

إلا أنت جيت ظالم وشعـرك أظـلـم

ومنه قولي

دعى إلى الروض ماس بأهيف قدو

 

فغنت الأطيار فرح بالـخـاطـر

راد الغصن يحكي هيف خطراتـو

 

قام ناظرو في اللين ودا شي ظاهر

واعوجـاج قـدو يقـول الـقـايل

 

إني على غـير الـعـدالة سـاير

حكم نسيم الروض بقطع أكمـامـو

 

والزهر من فوقو عليه ابـتـسـم

فقلت يا مقصـوف وعـادل قـدو

 

كم لي أقيمك ونت مـا تـتـقـوم

ومنه قولي

يوم زارني طايع بقرب العاصـي

 

وماه قد أصبح مثل عيشي رايق

أسقاني من بارد لماه مشـروبـي

 

أنساني أيام العذيب فـي بـارق

وفي حرم حسنو تمتع طـرفـي

 

عند السقاية في مقـام الـفـايق

قال يا بن حجة فوز بهذي الوقفة

 

فما بقي قعده لمن هو مـغـرم

وبعد ذا زمزم وغاب في الحضرة

 

يا محلا في وسط المقام ما زمزم

وسألني بعض مشايخ حماة المحروسة كل منهم من أدرك الحاج علي بن مقاتل رحمه الله تعالى، وأنا إذ ذاك في عنفوان الشبيبة ومبادىء النظم أن أعارض لهم زجلاً من أزجاله، وها زجل قافيته لامية، ذكروا أن الحاج علي المذكور كان يتغالى به في المجالس كثيراً، فعارضته وأثبت الزجلين هنا ليتفكه المتأمل في جنى الجنتين ويتنزه في حدائق الروضتين، فزجل الحاج علي بن مقاتل رحمه الله هو:

يا مليح الشباب يا حلـو الـشـمـايل

 

إن عينيك تعمل في قلبي عـمـايل

فيها فترة تخطر لمن بها يجـهـل

 

 

إنها سهلة والمنون منها أسهل

 

 

ورباب الفضل والتشابيه يا شهل

 

 

قالوا عينيك نرجس وصدغيك خمايل

 

صبتها أسياف معقربات الحـمـايل

من ذا يحمل حور العوينات بتاعـك

 

 

وأنت سلطان على المعاشيق وماعك

 

 

رمح قامة بلينها اشتد باعك

 

 

وحواجب قسي على جفن نابل

 

سهمها أنفذ في القلب من سحر بابل

قلي إنسان هذا الذي تثنـي عـنـو

 

 

وتقول في مديحك أنو وأنو

 

 

ما رأيت في الملاح مليح أحلامنو

 

 

قلت لو لا فتش وقايس وقابل

 

وعلى هينتك هذا الـعـام وقـابـل

راح عذولي كما وصيتو وجـانـي

 

 

وقال الله محبوبك ابن الفلاني

 

 

قلت: هو هو ومن بعشقو بلاني

 

 

قلي ذاك الذي ألف قدو مايل

 

عند صحبي المعشوق فليس لو مماثل

موطا خلقو مليح وما أعـلا قـدرو

 

 

وما أترف صدرو المبرز في خدرو

 

 

قلي قلي واش وصلك إلى صدرو

 

 

قلت نهديه ممزقات الغلايل

 

هي المدلة وكـل شـيء لـر دلايل

وزجل المعارضة قولي وهو:

حبي واصل ناديت لو حين راد يفاصـل

 

لا تقاطع بالحـرمة يا حـبـي واصـل

يا عذارو عليش تسـيل عـنـد ذكـرو

 

 

ويا ردفو بسك تزيد على خصرو

 

 

ويا طرفوكم ذا الكسل وأنت يا شعرو

 

 

كم تجي عرض لاصطباري تحاول

 

لله أقصر لا كم في عشقـي تـطـاول

عند قسمة محاسـنـو عـز مـجـدو

 

 

قام عذارو وجرى على صحن خدو

 

 

وعلى الخصر أسبل الردف بعدو

 

 

والصباح قال أنا على وجهو قابل

 

والشعر قال أنا على أقـدامـو سـابـل

وحن أصبح غنى في حسنو وظـرفـو

 

 

أبصرو نهر دمعي صار يجري خلفو

 

 

علم أنو سايل رمقني بطرفو

 

 

وأراد ينهرو ناديت بالوسايل

 

لا تخوض يا حبيبي في نـهـر سـايل

في مديح ثغرو لي عقـود جـوهـرية

 

 

وفي ريقو ألفاظي جت سكرية

 

 

وحن أسبغ لي ظل شعرو عليه

 

 

صار مقيلي وكيف لمدحو نقايل

 

وقد أظهر فخري عـلـى كـل قـايل

في الأصايل عاتبت بدري رثـى لـي

 

 

وحلف لي أنو ما يقطع وصالي

 

 

والتفت نحوي قلت لو يا غزالي

 

 

طيبة أصلك دلت عليها الخصايل

 

وأنت غرة بدر تشرق لنا في الأصـايل

وحن أخصب بالحسن روضة خـدودو

 

 

ورياض وصلي أمحلوا من صدودو

 

 

قلت خاف الإله يا ناقض عهودو

 

 

تدرو آش قلي لما أراد أن يماحل

 

آش تقول في روض الوصال قلت ماحل

ولقد سهوت عن ذكر الشيخ إبراهيم المعمار ولو ذكرته قدمته في الترتيب، فإن المعمار رحمه الله ما شيد بيوت أزجاله بغير التورية والنكت الأدبية، وقد تقدم أنه ما كان يعد نفسه من فرسان العربية ولكن نبات الأدب الحلو كان مغروساً في طباعه، فمن ذلك قوله في مطلع زجل هو:

نيلنا أوفى وزاد بحمد اللـه

 

ذي الزيادة حديثها قد شاع

فرحوا الناس وعبس الخزان

 

بقا وجهو ذراع وقمحو باع

وقال في بيت من بليق:

ما بـلـي أحـد بـمــا

 

قد بليت مـن الـعـذاب

من نكـد ومـن غـبـن

 

قلبي ذاب وراسي شـاب

واعجبوا من شيخ حمـل

 

على كتفو أربع شبـاب

ومـا حـين يثـاقـلـوا

 

آش أصف لك وآش أقول

ياما قـاسـت الـسـنـا

 

من هوى الأربع فصول

ومنه قوله:

عمري جندي الـحـلـقة

 

في بواكـير لا تـسـال

كم قطعت مـن جـبـال

 

وروابــي وتـــلال

تقطع الـبـر الـطـويل

 

إلا إن كان بالـجـمـال

ومـراكـيبـي فـــلا

 

ونـجـايبـي فـحـول

ولي أهون ذي الجحـوش

 

من سنة تل العـجـول

واخبـرك آش تـم لـي

 

أمس مع وجه المـلـيح

حين لزمتو قـال لأبـوه

 

دا يريد مني الـقـبـيح

قام شحتني كان عـلـى

 

راسي طول جديد صحيح

وقع الطول ما التـفـت

 

استحيت من ناس عدول

رحت راسي منكـشـف

 

واستتر عرضي بطـول

وعشق قلبـي صـبـي

 

قبطي شغلـو الـديونـا

اشتغـل بـو خـاطـري

 

وبقيت فـي عـنـونـا

منيت لو ناظـر عـلـى

 

قتلـتـي عـامـل ونـا

ضاع حسابي في هـواه

 

حن ترك لي فيه نـزول

ونصرف من حاصـلـي

 

ولا ريت منـو وصـول

وحصل عنـدي مـلـيح

 

كان في تحصيلو فرص

هكـذا صـيد الـغـزال

 

لا تقول صيد القـنـص

دا مـلـيح زايد كـثـير

 

حن رآه رقـــــص

وانـذهـل لـمــا رآه

 

وحصل عندو حصـول

صار يقول ذا ابـن مـن

 

قلت قوم بلا فـضـول

ومغـنـينـا ذا الـبـديع

 

كنت نهواه بالـسـمـاع

حن دخل لا مـنـزلـي

 

قلت ذي قـوة طـبـاع

حيتوتركس ضربو سـاز

 

ولو نغمه فـي الإقـاع

بالقضيب وقـعـت لـو

 

قال أراك تدري الأصول

وخصاك صفق مـلـيح

 

إلا هـو عـايز دخـول

ومن مطالعه اللطيفة قوله:

منعونا ما العنب يسـين

 

رب سلم لا يمنعونا التين

ومنها:

في ذي المناحيس الأوباش

 

أقوام عرر ساسه أطراف

يتحدثوا فينـا بـالـسـين

 

وسبهم بالزين والـكـاف

ومن بلاليقه المشهورة قوله:

مثقال حشيش من ذي الخضرا

 

يساوي عندي ألفيين خمـرا

منه:

مالذ عيشي حين نسكـر

 

بذي البزيرة ونحـكـر

ومن يلمني في الأخضر

 

قصدو يتور بي الصفرا

ومنه:

نذكر نهار في باب اللـوق

 

وأنا من السطلة مخنـوق

ريت مغربي فتنة مخلوق

 

ناديت لو مور قلـيّ أرّا

دورت بـو ديك الــدورا

 

جئنا مكان يسمى الجـورا

عبرت وحدي الفـاخـورا

 

عديت عليه ألفـين جـرا

دار قلي ما عندك حـنـا

 

أش دي المصيبة قوم عنا

دخـيلـك أولـد الـحـرا

 

ناديت لو أصبر لي سنـا

عاد قلي ضاقت أنفاسـي

 

أهلكتني كـم دا قـاسـي

واش بالله قلبك دا القاسـي

 

مالو شبيه إلا الصـخـرا

ايش دي المصيبة والدهـيا

 

مثلك ماريت في ذا الدنيا

يا ابن المقطوع أنت ما تعيا

 

إيش من حديد هدي الزبرا

قلت: ومن أراد لم شمل التورية واستجلاء بديعها وغريبها فلينظر في زجلي الذي مدحت به النبي عليه السلام ووريت في بسور القرآن العظيم فإنه جاء في هذا الباب نسيج وحده وهو:

 

يا محمـد آيات هداك فـاتـحـه

 

باب هدى الناس رب الفلق هاداك

 

 

ولا خلاص مجدك تقـول تـبت

 

يد من عـانـدك ومـن عـاداك

 

 

لما أضحيت بالنصر في رفعه

 

رجع الكـافرون بـلا اهـتـدا

 

 

وإلهك أجـرى لـك الـكـوثـر

 

ورأيت ما عطيت يا نور الهـدى

 

 

وكم أظهرت فـي قـريش آية

 

يا محمـد ألـم تـر لـلـعـدى

 

 

همزة في تعب وعصر القلوب

 

وإلهـك نـادى لـمـن غـازاك

 

 

يا أعادي محمد ألـهـاكـم

 

جهلكم ونت نعم مـا جـازاك

 

 

كم أمم سايره على القارعه

 

فوق نياق عاديات إليك للأبد

 

 

وكم أرميت في المشركين زلزله

 

لم يكن هذا القـدر حـازو أحـد

 

 

والذي قال لك إقـرأ لو ناديت

 

بأمرو المتين أجاب نداك يا حمد

 

 

وشرح لك وقال ألم نشرح

 

في كتابو وأظهر ضحى نور سناك

 

 

وعرج بيك والليل إذا يغشى

 

إلى سابع سما وأعطـاك مناك

 

 

شمس سعدك حين أشرقت في البلد

 

وظهر فجر الحق غاب النفاق

 

 

هذي أنوار على العيون غاشية

 

يا محمد سبح على الإطلاق

 

 

ونت عمرك طارق بروج العلا

 

وأعاديك بالغبن في الانشقاق

 

 

وحين أمسوا مطففين الـكـيل

 

بانفطار القلوب قضوا بشراك

 

 

وإذا الشمس كورت يبـقـوا

 

في عبس من ضلالة الإشراك

 

 

لا تسل يوم النازعات عما

 

تلتقي أعداك يا مصطفى لأجلـك

 

 

ونت آيات الختمة ليك مرسلات

 

هل أتى في يوم القيامة أحد مثلك

 

 

والله يا مدثر ومزمل

 

أسمع الجن في الكتاب فضلك

 

 

ونت بك نوح نجا وموسى سـأل

 

أن يكون لك وزير وقـد رجـاك

 

 

حقت الحاقة أنك المصطفى

 

لو تناجي في البحر نون نـاجاك

 

 

فتبارك من أرسلك ـينا

 

جيت بتحليل أمور وتحريم أمور

 

 

والزواج حللتو لنا والـطـلاق

 

ونهار التغابـن المذكور

 

 

ياما يلقى المنافقون ومتك

 

وقفة الجمعة صفها مشكور

 

 

لنها صابرة وبالصبر ممتـحـنه

 

وفي يوم الحشر تبغي نـداك

 

 

ونت كم لك مجادلة والـحـديد

 

ما يقـع يوم الـواقـعة أعـداك

 

 

والإله الرحمـن رفـع مجدك

 

بانشقاق القمر يا نجم الـكمال

 

 

ورتفع طود عزك وأعـين عداك

 

للدموع ذاريات من الاشـتعال

 

 

قاف تراها في حزبها يا من بنى

 

حجرات الإسلام بفتح الـقـتـال

 

 

فوق الأحقاف جت جاثية والدخان

 

قد محى زخرفها واظهر حمـاك

 

 

وأتـت أمـرهـا يكون شورى

 

فصلت بالعذاب وغافر حـمـاك

 

 

كانت أعداك زمر وطير سـعدك

 

صاد جوارح صافاتهم بالـعذاب

 

 

والله أسماك يس بـقـيت فـاطر

 

للأعادي يا من سـبا الأحـزاب

 

 

وبسجدة شكرك عطيت حكمه

 

ما عطيها لقمان وقولي صـواب

 

 

وبسعدك كسـرت جيش الروم

 

وعليك سدى العنكبوت وخفاك

 

 

عن عيون العدى وجا فيك قصص

 

عدد النمل جل من اصـطـفاك

 

 

شعراء الوقت حواليك فـرقـان

 

في مديحك حارو بصحب النـور

 

 

أفلح المؤمنـون بـحج الـبـيت

 

لما زاروك والأنبياء بالظـهـور

 

 

بشروا بك يا طه ومـن سـعدك

 

ابن مريم بـشـر وادي الـنذور

 

 

عسى أنو يراك يكهف الأمم سود

 

فسبحان من قـد أراد ارتـقـاك

 

وعلى النحل حجر مسكنـهـا

 

ضاق من الاشتياق إلى ملتقاك

بحمد الله منجى إبراهيم مرسل

 

قاصف الرعد والسحاب الثقال

نجا يوسـف وهـود ويونـس

 

وهو قابل التوبة زايد الأنفـال

ولو أعراف تنشق بانعـامـو

 

مائدة رزقو للنساء والرجـال

واصطفى من قديم لآل عمران

 

بين آدم ومن ضلالك هـداك

وفي عيد الأضحى نراك تذبح

 

بقرة تجعلها بسـبـعة فـداك

قلت: وهنا فوائد ينبغي أن نختم هذا الكتاب بها، منها أن الزجل في اللغة هو الصوت، يقال: سحاب زجل، إذا كان فيه الرعد، ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضاً: صوت وزجل، وقد وريت بذلك في براعة استهلال الخطبة بقولي: الحمد لله الذي علا زجل الملائكة في عالم الملكوت بحمده. وإنما سمي هذا الفن زجلاً لأنه لا يلتذ به وتفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به ويصوت، وقد قسمه مخترعوه إلى أربعة أقسام يفرق بينها بمضمونها المفهوم لا بالأوزان واللزوم، فلقبوا ما تضمن الخمري والزهري زجلاً، وما تضمن الهزل والخلاعة بليقاً. وما تضمن الهجاء والثلب قرقياً. وما تضمن المواعظ والحكمة مكفراً، وهو مشتق من تكفير الذنوب، وأطلقوا على كل ما أعرب بعض ألفاظه من هذه الأربعة لقب المزنم.
وشرط أبيات الزجل أن تكون أربعة، والدخول على المطلع مقام بيت آخر، وهذا شرطهم في البدية، فإن زاد على ذلك كان مقبولاً وإن نظم أقل من أربعة أبيات كان ناقصاً.
وأما الدخول على المطالع فهو التضمين بعينه، ولكن تسمية الزجالة دخولاً، ويأتون فيه العجايب والغرايب، وقد تقدم قول الشيخ عز الدين الموصلي في الزجل:

وله محاسن كلهـن بـدائع

 

وله جموع فرقت وطرائق

فكأنه الثوب المجندر طرقه

 

لا تستقيم وفيه معنى رائق

فالزجل بهذا الاعتبار فن معتبر بخلاف بقية الفنون تطفل أعيان الشعراء على نظمه، فمنهم من ابتسمت له ثغور كاساته عن شنب الحبيب، ومنهم من لم تسمح له بالتقبيل وفاته الشنب، وناهيك ببديهة الحاج علي بن مقاتل مع رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رحمه الله تعالى، فإن أهل دمشق وحماة المحروستين بذلا بسبب ذلك جعلا، واضطراب الإقليمان، واتصلت القضية بمولانا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون سقى الله ثراه وأدخل فيها الشيخ جمال الدين بن نباتة مع أثير الدين بن حيان وابن سيد الناس، وكتبوا تقاريظ تقضي أن زجل الحاج علي بن مقاتل هو الغالب.
وأما أهل دمشق فإنهم كتبوا بخلاف ذلك، لكون ابن الأمشاطي من عندهم، وكانت تقاريظ المشايخ بين أوراقي، وإنما في محنة اللنك ذهبت مع الكتب، ومطلع الأمشاطي:

لك خديح. مذ حاز ملح. روضو اصطبح. فيه واغتبق

خال لون سبج. يسبي المهج. زهرو خرج. وظهر فرج

من هام. به ليس يلام

ومطلع ابن مقاتل:

طرفي لمح. بدري اتضح. لي فيه ملح. ماعو حدق

إذا اختلج. فيها الدعج. يسبي المهج. ولو نسج

رقام. عذارو لام

قلت: هنا نكتة لطيفة أدبية خطر لي أن أتحف المتأمل بها، وما ذلك إلا أن القطاعين بين الرجلين بدمشق المحروسة قالوا للأمشاطي: لابد أن تأتي باسمك في أول مطلعك بحيث نعلم زجلك من زجل ابن مقاتل، والمطلع مع قصر ألفاظه مشتمل من القوافي على عشرة مرصعة في كل قرينة، ولفظة أحمد يضيق عنها في المطلع قصر الألفاظ فألجاته الضرورة إلى الدمج وقال: لك خديج. قد حاز ملح والله أعلم.
والفرق بين المطلعين في الحسن ظاهر، وإلى الآن لم يجسر أديب أن يعارض الزجلين لكثرة القوافي وضيقة المسالك، ولكن نظم الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي بعد البدية زجلاً وجهزه إلى المغرب عاد مختلفاً ونظم الحاج علي بن مقاتل زجلاً خضع له أهل المشرق والمغرب موجهاً في خياط، وقد عن لي أن أختم هذا الكتاب بالزجلين ربما يحسن به الختام فزجل الأمشاطي:

أعشق لك من الأكياس

 

معشوق وأنفق الأكياس

ون أوعد. وانعم. أنهب. وإن صال. إن هان. وأرفع قدرو

 

 

فوق العين وفوق الراس

 

 

سبحان من لي قد أبلا

 

يمن للجسد أبلى

قلبي يسلا فيه إلا

 

عن عشقو ما يتسـلا

 

مملح يالله ما أحلا

 

ما ظهر لي في أعلا

غصن قامتو المياس

 

خد فـيه رياض أجناس

مورد. مرقم. مذهب. فيه خال. جنان. يمـنـع زهـرو

 

 

يجني والعيون حراس

 

 

زاد معشوقي في هجري

 

وخلا الدموع تجري

ومن طول جفاه صدري

 

قد ضاق واتسع ضري

وضاع من وقوف أمري

 

في الياس والرجا عمري

ووتر للنكد أقـواس

 

صار قلبي لها برجاس

ما انكد. ماأعظم. مصعب. أحوال. حيران. ضيع عمـرو

 

 

ما بين الرجا والياس

 

 

شامتو من العنبر

 

وعنقو من المرمر

وريقو من السكر

 

ولفظو من الـجوهر

وخدو شـقـيق أحمر

 

أنبت آس عذار أخضر

وثغرو الزكي الأنفاس

 

ليس إليه ثغر ينقاس

منضد. منظم. مغرب. اشغال. رحـمـان. رصـع درو

 

 

وأنبت في الشقيق الآس

 

 

قلي بدري دي الكامل

 

حن رأى الرقيب غافل

عن عشقي بـقيت مايل

 

خوف من ضدي والعاذل

ناديت والجـسد نـاحل

 

وفيض الدموع سايل

قول آش ما شتهيت لا باس

 

أن تدري خلاف الناس

ونشهد. ونعلم. من حب. لو مال. ما كان. وسع صـدرو

 

 

لهذا الهم والوسواس

 

 

قطعت النهار سكران

 

بالكاسات بالعيدان

من خمر رقيق ملوان

 

على روض زهر ألوان

مع ندمان وأي ندمان

 

ومعشوق مليح فـتان

وساقي ظريف لباس

 

حن جا سلطان الأغلاس

مؤيد. على أدهم. يسحب. أذيال. نيران. شعشع خمرو

 

 

أضاء الكاس بحال مقياس

 

 

الأمشاطي من فضلو

 

ومن اعتدال عقلو

شهد كل عاقل لو

 

لما أن سمع زجلو

وقال ما رأى مثلو

 

من بعدو ولا قبلو

في بحر الأدب غطاس

 

وفي أعلا الرتب دواس

من أحمد. ماجا نظم. ولا رتب. زجال. بلسان. ينشد شعرو

 

 

ون راح يسكر الجلاس

 

 

وزجل الحاج علي بن مقاتل الذي سارت به الركبان بقافية واحدة، لأنه استخدم معاني التورية، ورسيلة استخدم الألفاظ لترصيع كثرة القوافي التي عجز عن ترصيعها أهل عصره. ومطلع الزجل:

نهوى خياط سبحان تبـارك مـن

 

بالـجـمـال جـمـــلـــو

بالمـفـصـل وآية الـكـرسـي

 

نرقـي شـكـلـوا الـحـلــو

دي لخليع الجديد نـهـار قـلـي

 

لفـظ عـقـلـي قــمـــر

صف جبيني وشعري في تفصـيل

 

نظـمـك الـمـبـتــكـــر

قلت خيط الصـبـاح يفـتـح ذيل

 

الـدجـى فـي الـسـحـــر

قلي قصرت بل هو ستـر الـلـه

 

حن عـلـيه أسـبـــلـــو

حايك الزرقا فاتـق الـخـضـرا

 

بالـهـلال كـــلـــلـــو

قال فطيل فـي خـدي وعـرض

 

بالعـارض أحـسـن صـفـات

قلت حـلة وردية مـن اطـلـس

 

فيهـا جـمـعـات شـتــات

وعليهـا دار الـطـراز نـبـت

 

رقـم مـحـلاه نـــبـــات

قال ما هو إلا ثوب شرب والحمرة

 

دم مـن تـقـــتـــلـــو

فيه خيالات خـيوط ورق لاعـب

 

من جـفـون يغـــزلـــو

قلت كف العتاب في الـصـنـعة

 

فمـا فـي ذا الـــقـــياس

أطواقي عايزة تـمـنـطـقـهـا

 

بذراعـــين تـــبــــاس

واكسني ثوب وقار ولـبـسـنـي

 

بالـفـتـــوة لـــبـــاس

ون جا تخليصي عرض بين إيديك

 

بالـوصــول طـــولـــو

ون قصر باعي عن صفة مدحـك

 

بالـــوفـــا ذيلــــــو

جاز في بستان مشهر القمـصـان

 

من بـكـير صـابــحـــو

مثل كف المنثـور فـي كـمـو

 

حن وقـف صـافـــحـــو

وقميص الشقيق من أكـمـامـو

 

يا لـخـجـل فـاتــحـــو

 

وقضيب الخـلاف وقـف عـراه

 

فرو حـين فــصـــلـــو

وأوثق ازرار الورد فـي جـيبـو

 

وعـلـيه فـــضـــلـــو

خاط لي ثوب من سقام قصير نسجو

 

طال بـحـكـم الـــقـــدر

حتى إن البدن لضـعـفـي ضـاع

 

في عـــيون الإبـــــــر

راح عذولي بشكلي لو اشـتـكـل

 

ومـقـص الــخـــبـــر

وجا مذبوح القـلـب مـتـمـزق

 

ونـسـي آش قـلــت لـــو

ولا فرج لو كرب عـن قـلـبـو

 

ولا عـن مـــرســـلـــو

دي الحسيني نـبـيقة الـعـشـاق

 

كم قـد أخـلـــى جـــيوب

وبزوره مـن الـعـيوب كـم لـو

 

تجـرحـه فـي الـقـلـــوب

قلت فضه نملا لك الـجـيب زور

 

ولــي فـــرج كـــروب

خلا سري المكتوم مشـهـر فـيه

 

والــذي نـــســـألـــو

جيبو مقلوب وراب عـلـى غـير

 

الاسـتـوى فــصـــلـــو

جا الفقيه في حبيبـي يعـذلـنـي

 

ويرقــــع كـــــــلام

قلت دعني فقيه فـي تـمـزيقـي

 

بس تـلـــفـــق كـــلام

قلي حبـك لـو ظـلـم سـلارى

 

قتـــرى والـــســــلام

سلب إسلامـي لـمـا حـدرنـي

 

عنـد بـاب مــنـــزلـــو

وقطع عـاتـقـي وضـربـنـي

 

واش مـعـو نـعـمــلـــو

قلت هذا سلطان علـى كـرسـيه

 

إن هـو جـــار أو عـــدل

لو طعن في قـبـايل الـعـشـاق

 

بالــقـــنـــا والأســـل

ولو انو يستـعـرض أتـبـاعـو

 

بالـسـروج والـحـــلـــل

والملك لو الترتيب فـي أجـنـادو

 

واش مـا قـال يقـبــلـــوا

ولو رام الركوب على الأكـتـاف

 

يحـتـجـوا يحـمـــلـــو

قال فشبه مقصـي والـغـزلـي

 

فيه وفـي الـكـسـتـبـــان

قلت فيهم تركيب على تـضـريب

 

علـى تـخـريم بـــنـــان

من عذارك والقـد والـمـبـسـم

 

وهـو بـنـت الـــعـــيان

وهـي لام لـك والـعـذول يدري

 

آخــــرو وأولـــــــوا

واكتبوا فـي تـغـازل الألـغـاز

 

وانـقـطـعـوا واشـكـلــوا

بعد طيب الوصال قطع وصـلـي

 

ووصـل الـنـقـــطـــاع

حتى خلا بينـي وبـين الـمـوت

 

إمـــا بــــــاع أو ذراع

ويرى ظاهري صـحـيح لـكـن

 

باطـنـي فـي الـــنـــزاع

ون هـو طـول شـقة بـعـادي

 

والانـقـطـاع أوصــلـــو

جهزوا القطن والكـفـن والـمـا

 

وغـسـلـوا وفـصــلـــوا

ذا الـكـلام ينـخـلـع ويتـفـرد

 

ويفــصـــل مـــلـــيح

ويفـرج وينـدرج أصــلـــو

 

ويفــتـــح صـــحـــيح

ويبطن من حـبـكة الـتـحـريم

 

ويزرر ولـــــــــــو

انو يطـوى وينـتـشـر مـوزون

 

آخــــرو وأولـــــــو

ذا الزجل قاسيون عـلـى الأعـدا

 

جد مـا فــيه ســـخـــف

وعلى أرباب المعـرفة مـن ريش

 

الـنـعــامـــات أخـــف

للصغير والكبير نـقـول عـنـي

 

واحـذر احـذر تـــخـــف

لا تزيدو علـى عـلـي وإن كـان

 

تشـتـهـوا تـعـمــلـــوا

هذا الأبلق والشـقـرا والـمـيدان

 

اركـبـــوا وادخـــلـــوا

هذا آخر ما ألفته من فن الزجل، وأوردته على أئمته من المغاربة وأهل مصر والشام من العيوب التي نهوا عنها واستعملوها، وما أوردته من المحاسن البديعة للفريقين، وقد سميته بلوغ الأمل في فن الزجل، ولعمري إن التسمية هنا تطابق المسمى، فإن الطالب لم يبلغ أمله من غير هذا الكتاب، ولو طلب هذه المحاسن والفوائد من غيره توارث عنه بالحجاب أقولها لو بلغت ما عسى، والطبل لا تضرب تحت الكسا، والمسؤول من الله الذي نرجو مراحمه أن يمن بحسن الخاتمة، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قلت: تقدم وتقرر أن الفنون سبعة لا خلاف في عددها بين أهل هذه البلاد، فالشعر قد شعر الناس بإعرابه وإعراب ما أضيف إليه من فن الموشح والدوبيت، وقد تقدم أيضاً قولي في الفرق بين الموشح والزجل، وهذه الفنون الأربعة وهي الزجل، والمواليا، وكان وكان، والقوما ما للعربيات في مدائن لحنها مجال، ولما قالت سهولتها بتحريم الإعراب قال الناس: هذا هو السحر الحلال، تجذب للمتأدب طبعها بسهولة مجونها إلى الخلاعة، وإن لم يلق المبلغ على تدبير مصطلحها جابر كان أجنبياً من الصناعة. والزجل أعلاها رتبة. وتقدم قولي: إن أوزانه ما انحصرت عدداً وسبله متشعبة فهي تتلو الطرائق قدداً.
وقد عن أن أنظم شمل الزجل بإتباعه من الفنون الثلاثة وهي: المواليا وكان وكان، والقوما. وصار في الخاطر إلى ذلك انبعاث، وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف المخترعين واختلاف البلاد وتفاوت الاصطلاح، فمنها وزن واحد وأربع قواف وهي المواليا، وسموه البرزخ لأنه يحتمل الإعراب واللحن، وإنما اللحن أحسن وأليق، وإنما كان يحتمل الإعراب في أوائل استخراجه لأن أهل واسط اخترعوه من البحر البسيط وجعلوا كل بيتين منه أربعة أقفال بقافية واحدة وتغزلوا به ومدحوا وهجوا والجميع معرب، إلى أن وصل إلى البغاددة فزادوه باللحن سهولة وعذوبة، وما قصد بقولهم: إنه يحتمل الإعراب واللحن، أن يكون بعض ألفاظ البيت معربة وبعضها ملحونة، فإن هذا عندهم من أقبح العيوب التي لا تجوز عندهم البتة، وهو التزنيم في الزجل، فإنما المقصود أن يكون المعرب منه نوعاً بمفرده ويكون منه ملحوناً باصطلاح المتأخرين لا يدخله الإعراب، كقول القائل:

أعبر على الباب قالت من لغيري دون

 

أيا سمير السرى خلف المعنى كـون

هيا تربع تدحرج دا نـدفـف جـون

 

نما إذا كان لنا حاجة بـذلـي بـون

الفن الثالث

الكان وكان

وله وزن واحد وقافية واحدة، ولكن الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني، ولا تكون قافيته إلا مردوفة قبل حرف الروي بأحد حروف العلة، ومخترعوه البغداديون، ثم تداوله الناس في البلاد. وسمي بذلك لأنه أول ما اخترعوه لم ينظموا فيه غير الحكايات والخرافات والمنصوبات فكان قائله يحكي ما كان وكان، إلى أن كثر واتسع طريق النظم فيه، فنظموا فيه المواعظ والرقايق والزهديات والمواعظ فيه أكثر منها ابن الجوزي نور الله ضريحه وحلت بهذا الألباب ولكن البغاددة لم يقصدوا غير تسيير الأمثال وكثرة المماجنة والخلاعة، فمن ذلك قول القائل منه:

لنا بغمـز الـحـواجـب

 

كلام تفـسـيرو مـنـو

 

وأم الأخـرس تـعـرف

 

بلـغـوة الـخـرسـان

 

لا شي بـلاشـي تـأخـذ

 

إن لم تـقـدم تـقـدمـه

 

فازرع إذا ردت تحـصـد

 

غدا يجـي نـيســـان

 

إن كنت تعشق وتـفـزع

 

من لا يجـي لـيلة غـدا

 

ما في شروط الـمـحـبة

 

عاشق يكـون فـزعـان

 

لقمة من القدر تـكـفـي

 

لمـن يشـم الـــرايحة

 

ونصف لقـمة تـتـخـم

 

لمـن يكـو شـبـعـان

 

قبل كـفـوف أضـدادك

 

حتى يلوح لك قطعـهـا

 

فإن ظفـرت فـقـطـع

 

عروقـهـا بـأمـــان

 

كم يصبر التـاج حـتـى

 

يعلو على راس المـلـك

 

من حر ضرب المطـارق

 

والـكـور والـسـنـدان

 

وما ملك مصـر يوسـف

 

حتى سجن وسقي غصص

 

من أخـوتـو وزلـيخــا

 

والـقـيد والـسـجـان

 

لا تـفـرحـي يا جـديدة

 

ما حب حدّ ما حـبـنـي

 

من فرد كلمة رمـانـي

 

كن الـوفـا مـا كـان

كل الذخـاير تـنـفـع

 

حتى الذنوب السـالـفة

إذا ذكرها الـعـاصـي

 

يستغفر الـرحـمـان

والشخص يرمي كلـمة

 

من كان قريب يحرد لها

فكل مـن قـال طـاسة

 

تخاصمو الـقـرعـان

ما نفرض إلا تـحـرد

 

أحرد من أربع مية سنة

وأنت آش لك معـنـى

 

إن لم تـكـن حـردان








ومن لطايف البغاددة أيضاً في هذا الفن قول بعضهم وهو:

أنا عرفـتـو حـظـي

 

إلى من أحسنتوا يسيء

لو كنت أعشق ظـلـي

 

ما كـنـت قـط أراه

فلو مشيتو مـع ابـنـي

 

قالوا صبي قد ولـفـه

ولو حملتو مصـحـف

 

قالوا كـتـاب الـبـاه

أنـا عـلـيك إذا فـزع

 

وإلا على آش قلبي أنـا

لا تلتقي في شـبـابـك

 

بعض الذي تـلـقـاه

من حال ما أبصرك تنفر

 

وتعفص أنفك بالحـرد

كأنك بـن الـخـلـيفة

 

أو بن شاه هـنـشـاه

قلت: ويعجبني قول القائل:

وحش وحق المصحف

 

تكون سلطان الهوى

وما يكن لـك قـدرة

 

تصبر على الهجران

ويعجبني أيضاً قول القائل:

الحار عنـدك بـارد

 

والنهر عندك منقطع

والعين صا ما فيهـا

 

واش يعمل القـوام

الفن الرابع

القوما

وله وزنان: الأول منهما، بيته مركب من أربعة أقفال، منها ثلاثة متساوية في الوزن والقافية والآخر هو الثالث أطول منها وهو مهمل بغير قافية.
والوزن الثاني منها بيته مركب من ثلاثة أقفال مختلفة الوزن متفقة القافية يكون القفل الأول منها أقصر من الثاني والثاني أقصر من الثالث.
ومخترعوه البغداديون أيضاً في دولة الخلفاء من بني العباس برسم السحور في شهر رمضان المعظم.
واشتقاق اسمه من قول المغنين للسحر كل بيت منه بعد غناء الرمل والجزل: قوما للسحور ينبهون به رب المنزل ويذكرون فيه مدحه والدعاء له وتقاضيه بالأنغام، فأطلقوا عليه هذا الاسم وصار علماً له. ثم لما شاع وكثر فيه التصنيف نظموا فيه الغزل والزهد وسائر الأعوان كما قبله من الفنون.
وقيل: إن أول من اخترعه ابن نقطة برسم الخليفة الناصر. والصحيح أنه مخترع من قبله، وكان الناصر يطرب له، وكان لابن نقطة ولد صغير ماهر في نظم القوما والغناء به، وأراد أن يعرف الخليفة بموت والده ليجريه على مفروضه، فتعذر ذلك عليه، فصبر إلى دخول شهر رمضان ثم أخذ أتباع والده من المسحرين ووقف في أول ليلة من الشهر تحت الطيارة وغنى النوبة بصوت رقيق فأصغى الخليفة إليه فأطربه، فلما وصل إلى القوما:

يا سـيد الـسـادات

 

لك بالكـرم عـادات

أنا بني ابن نـقـطة

 

وبيي تعيش إنت مات

فأعجب الخليفة منه هذا الاختصار وأحضره وخلع عليه وفرض له ضعفي ما كان لأبيه.
وهذا البيت من الوزن الاول الذي بيته بأربعة أقفال وثلاث قواف.
ولا ينبغي أن تنظم القوما إلا باللفظ العامي السهل الرقيق أسوة بالكان والكان بل أرق منه ألا ترى إلى رقة هذا البيت كيف أطرب الخليفة وكان معجماً كلفظ القريض لما حرّكه.
هذا الفن وما قبله من كان وكان لأهل العراق فيهما اليد الطويلة دون غيرهم من أهل البلاد؛ وربما تكلف بعض أهل البلاد لبعض الكان والكان دون القوما لاشتهاره ولكن فاته في نظمه الظرف العراقي وعذوبة الألفاظ. وكل بيت من القوما قائم بنفسه ك: المواليا و الدوبيت وكذلك إذا نظم الناظم منه قطعة كالقصيدة على رويّ واحد جاز له تكرار قافية كل بيت منها في آخره، فمن لطائف أهل العراق قولهم من ضروبات القوما وهو:

إن ردت تخطي بحور

 

إجعل كفوفك بحور

وإلا فلا تتـعـشـق

 

قدودنا والـنـحـور

ومثله في الظرف ثانياً قولهم:

يمي يريد عصفور

 

ولا يكون نفـور

يعبر لباب الحلـبة

 

يجي لباب الصور

ومثله في الظرف ثالثاً قولهم:

إنهض وصفي الخمور

 

على الغنا والزمـور

حتى نطـاوع أمـرك

 

بما وتجـري أمـور

 

نحنا نحب الزهـور

 

على شواطي النهور

ما ننحصر بالوثـايق

 

ولا بخط المـهـور

ومثله في الظرف رابعاً قولهم:

بحـتـم وبـحـنـا

 

وافتضحتم وافتضحنا

لا نتـم ربـحـتـم

 

ولا إحنا ربـحـنـا

ومثله في الظرف خامساً قولهم:

حادي سـراهـــم

 

هل ترى عيني تراهم

هذي مـنـازلـهـم

 

ومأواهم ومـا هـم

ومثله في الظرف سادساً قولهم:

كنا مالك. دون أخوالك. والك. سلتنا الله يجعلو

أول سؤالك. أقصر مقالك

قد سمج. قيلك وقالك. إن بدالك. في الهوى الله أقالك

ومثله في الظرف سابعاً قولهم:

كنتم حكيه شرحها ينقل إليه. أنتم هتكتم عرضكم. فأنا اش عليه

ذيك الحكية. قصرت عنكم خطيه. وقد غسلتو. من محبتكم يديه

هاذي النوية. من رطب ذيك الجويه. وقط حيه. ما تلد إلا حويه

نقل إليه. ما جنى في الزويه. وما بقي مكركم. يعبر عليه

ومثله في الظرف ثامناً قولهم:

أي قـلـب دعـهـم

 

اش ترى أوقعك معهم

أنـكـفّ عـنـهــم

 

قبل ما تظهر بدعهـم

لولا طـمـعـهــم

 

بان قلبي ما يدعـهـم

ما خـالـفـونـــي

 

واظهروا فيه بدعمهم

ومثله في الظرف تاسعاً قولهم:

والحب الأغيد

 

خبره كيف ثغرو الـمنضّـد

يروي صحاح الجوهري عن المبرد

 

 

وهذا غير مابينوه من أوزان القوما أيضاً وتكلموا عليه. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
انتهى ما أوردته هنا من مصطلح الفنون الأربعة وهي الزجل، والمواليا، والكان وكان، والقوما، وما قد تقرر حذف الإعراب منها، وأنها لا تنظم إلا باللفظ الرقيق العامي لتخف على الأسماع.
قلت: والرسم الذي وضعته في كتابهم هو المصطلح عند المخترعين، فإذا نظر المتأمل إلى الرسم يعلم أن المصطلح عليه،

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

 

 

 

 










 

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تبيين العجب فيما ورد في شهر رجب الحافظ ابن حجر العسقلاني

تبيين العجب فيما ورد في شهر رجب - مؤسسة قرطبة المؤلف الحافظ ابن حجر العسقلاني ترجمة المؤلف اسم المصنف: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلا...