روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الاثنين، 13 يونيو 2022

مجلد 17. و18. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

 مجلد 17. و18. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

 مجلد 17.التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

[حديث: كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي ... ]
4264# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ): هذا هو المُقدَّميُّ؛ بضمِّ الميم، وفتح الدال المهملة المشدَّدة، منسوب إلى جدِّه، وعمُّ أبي بكر هذا: هو عمر بن عليٍّ، الذي روى عنه محمَّد هنا، و (عَامِرٌ): هو ابن شراحيل الشَّعْبيُّ؛ بفتح الشين، وهذا كلُّه ظاهرٌ.
قوله: (إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ): [2] هو عبد الله بن جعفر، والله أعلم، وقد ذكرت أولاد جعفر أنَّهم ثلاثة: عبد الله، ومحمَّد، وعون، والله أعلم.
قوله: (يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ [3]): تَقَدَّم الكلام عليه مطوَّلًا في (مناقب جعفر)، والله أعلم.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).
[2] زيد في (أ): (الذي)، وكانت العبارة: (الذي ظهر لي أنَّه)، ثمَّ ضرب على ما بعد (الذي)، وأثبت بدلًا منه كلمة: (هو).
[3] في هامش (ق): (فإنَّه رُوي: أنَّه أخذ اللواء بيمينه وقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره، فقطعت يَساره، فاحتضن الراية فقاتل حتى قتل، فأبدله الله تعالى بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، وليس معنى الجناحين: كما يسبق إلى الوهم مثل جناحي الطائر وريشه؛ لأنَّ الصورة [الآدمية أشرف] الصور وأكملها، ولكنها عبارة عن صفة ملكية، وقوة روحانية أعطيها جعفر كما أعطيها الملائكة، وقد قال تعالى لموسى: {اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه: 22]، فعبر عن العضد بالجناح توسُعًا، وليس ثم طيران، فكيف بمن أعطي القوة على [الطيران مع] الملائكة أخلق به إذًا أن يوصف بالجناح مع كمال [الصورة الآدمية] وتمام الجوارح البشرية، وقد قال أهل العلم في أجنحة الملائكة: ليست كما يتوهم من أجنحة الطير، ولكنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة، واحتجوا بقوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، فكيف تكون كأجنحة الطير على هذا، ولم ير طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة، فكيف بست مئة جناح).
[ج 2 ص 202]

(1/7694)


[حديث: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف]
4265# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الثوريُّ، كذا عيَّنه هنا المِزِّيُّ في «أطرافه»، و (إِسْمَاعِيلُ) هذا: هو ابن أبي خالد، و (قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (يَمَانِيَةٌ)، وكذا (يَمَانِيَةٌ) الثانية [خ¦4266]: بتخفيف الياء على الفصيح، وهذا ظاهرٌ.
==========
[ج 2 ص 202]

(1/7695)


[حديث: لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف]
4266# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القطَّان، و (إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم أعلاه.
قوله: (لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي): (دُقَّ)؛ بضمِّ الدال المهملة، وتشديد القاف: مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (تِسْعَةُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
==========
[ج 2 ص 202]

(1/7696)


[حديث: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي]
4267# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ فُضَيلًا بضمِّ الفاء، وفتح الضاد المعجمة، و (حُصَيْنٌ): هو بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، هو ابن عبد الرَّحمن، تَقَدَّم مترجمًا، وقدَّمتُ أنَّ الأسماء بالضمِّ، والكنى بالفتح، و (عَامِرٌ) هذا: هو ابن شراحيل الشَّعْبيُّ، و (النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ): تَقَدَّم أنَّ بَشِيرًا بفتح الموحَّدة، وكسر الشين، والنعمان صَحابيٌّ، وبَشِير صَحابيٌّ أيضًا، رضي الله عنهما، تَقَدَّما.
قوله: (أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ): (أُغمِيَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
[ج 2 ص 202]
قوله: (فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي): (عمرة): هي بنت رواحة، أخت عبد الله بن رواحة، وهي والدة النعمان بن بَشِير راوي هذا الحديث، لها في «مسند أبي داود الطيالسيِّ»، صحابيَّة، وهي امرأة بَشِير بن سعد والد النعمان، قال ابن عبد البرِّ: من حديثها عن النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أنَّه قال: «وجب الخروج على كلِّ ذاتِ نطاق».
قوله: (وَاجَبَلاَهْ): أي: كنتُ في عزٍّ ومنعة من أجلك، فكنت لي كالجبل.
4268# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْثَرُ): هو بفتح العين المهملة، ثُمَّ موحَّدة ساكنة، ثُمَّ ثاء مثلَّثة مفتوحة، ثُمَّ راء، وهو ابن القاسم، أبو زُبيد الزُّبيديُّ، عن حُصَين، وسليمان التيميُّ، وعنه: هنَّاد، ومسدَّد، وقتيبة، تُوُفِّيَ سنة (178 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وأحمد، وقال أبو داود: ثِقةٌ ثِقةٌ، و (حُصَيْنٌ): هو ابن عبد الرَّحمن، تَقَدَّم بظاهرها، و (الشَّعْبِيُّ): تقدَّم [أنَّه بفتح] الشين، عامر بن شراحيل، تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا، و (النُّعْمَانُ بنُ بَشِيرٍ): تَقَدَّم قريبًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وكسر الشين، وأنَّ النعمان صَحابيٌّ كوالده.
فائدةٌ: استشهد بمؤتة فيما ذكر ابن إسحاق منهم من بني هاشم: جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، ومن بني عديٍّ: مسعود بن الأسود [1] بن حارثة بن نضلة، ومن بني مالك بن حسل: وهب بن سعد بن أبي سرح، ومن الأنصار: عبد الله بن رواحة، وعبَّاد بن قيس، والحارث بن النعمان، وسراقة بن عمرو بن عطيَّة، وزاد ابن هشام عن الزُّهريِّ فيهم: أبا كليب، وقال السهيليُّ في آخر غزوة مؤتة: وذَكَرَ فيمن استشهد بمؤتة أبا كليب _وقال ابن هشام فيه: أبو كلاب، وهو المعروف عندهم، وقال أبو عمر: لا يعرف في الصَّحابة أحد يقال له: أبو كليب، انتهى، وفي «ابن هشام»: (أبو كليب) هو من زيادته على ابن إسحاق، ثُمَّ قال: (ويقال: أبو كلاب)، انتهى_ وجابرًا ابني عمرو بن يزيد بن عوف بن مبذول، وهما لأب وأمٍّ، وعمرًا وعامرًا ابني سعْد بن الحارث بن عبَّاد، والله أعلم.
==========
[1] في (أ): (الأوس)، وفوقها ضبَّة، وكذا في «عيون الأثر»، والمثبت موافق لسائر المصادر.

(1/7697)


[باب بعث النبي أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة]
قوله: (بابُ بَعْث النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ): (أسامةَ): منصوب مفعول المصدر، و (ابنُ): تابع له.
قوله: (إِلَى الْحُرَقَاتِ): هو بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الراء، وبالقاف، وهو بطن من جُهينة.
ثُمَّ اعلم أنَّ هذه السريَّة هي سريَّة غالب بن عبد الله الليثيِّ إلى المِيفعة في رمضان سنة سبع، قالوا: بعث رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم غالب بن عبد الله إلى بني عُوَال _يعني: بضمِّ العين المهملة، وتخفيف الواو، وباللام في آخره_ وبني عبْد بن ثعلبة وهم بالمِيفعة، وهي وراء بطن نخل إلى النقرة قليلًا ناحية نجد، وبينها وبين المدينة ثمانية بُرد، بعثه في مئةٍ وثلاثين رجلًا، ودليلهم يسار مولى رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم _وهو بالمثنَّاة تحت، ثُمَّ بالسين المهملة_ فهجموا عليهم جميعًا، ووقعوا في وسط محالِّهم، فقتلوا مَنْ أَشْرَف لهم، واستاقوا نعمًا وشاءً، فحَدَروه إلى المدينة، ولم يأسروا أحدًا.
وفي هذه السريَّة قتل أسامةُ بن زيد الرجلَ الذي قال: لا إله إلَّا الله، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: «هلَّا شققت عن قلبه ... »؛ الحديث، وسأذكر تسمية الرجل المقتول قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقد بوَّب الإمام شيخ الإسلام البُخاريُّ على هذه السريَّة كما رأيت، وساق حديث أسامة، وذِكْرُ البُخاريِّ لهذه السريَّة بعد مؤتة يدلُّ على أنَّه عنده كان بعد مؤتة، وقد ذكرت لك متى كانت هذه السريَّة أعلاه، وفيما ذكر البُخاريُّ أنَّ أسامة بن زيد الأمير، وقدَّمتُ أنا أنَّ أميرها غيره، ويبعد تعدُّد الواقعة، فإنَّه لا يقتل بعد النهي، ويبعد النسيانُ أيضًا، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 203]

(1/7698)


[حديث: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله]
4269# قوله: (عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو عمرو بن محمَّد بن بُكَيْر، أبو عثمان البغداديُّ، الناقد الحافظ، نزل الرقَّة، و (هُشَيْمٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن بَشِير، أبو معاوية، السُّلميُّ الواسطيُّ، حافظ بغداد، و (حُصَيْنٌ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وأنَّه ابن عبد الرَّحمن، و (أَبُو ظِبْيَانَ)؛ بكسرالظاء المعجمة، وقيل: بالفتح، وأهل اللغة يفتحونها، ويلحِّنون من يكسرها، وأهل الحديث يكسرونها، وهو الذي اقتصر عليه غير واحد من أهل الحديث، وبعضهم حكى الوجهين، واسم أبي ظِبيان حُصَين _أيضًا كالذي قبله_ ابن جندب، الجنبيُّ الكوفيُّ، من مَذْحج، عن حذيفة، وسلمان، وعليٍّ، وأسامة بن زيد، وجَرِير بن عبد الله، وعائشة، وجماعةٍ، وعنه: ابنه قابوس بن أبي ظِبيان، وحُصَين بن عبد الرَّحمن، وعطاء بن السائب، والأعمش، وآخرون، وثَّقه ابن معين وجماعة، تُوُفِّيَ سنة تسعين، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعة، ذُكِر في «الميزان» للتمييز.
قوله: (إِلَى الْحُرَقَةِ): تَقَدَّم ضبطها أعلاه، وأنَّها بطن من جُهينة.
قوله: (أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ): الأنصاريُّ لا أعرف اسمه، وكذا قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ، ثُمَّ قال: ويحتمل أن يكون أبا الدرداء، ففي تفسير عبد الرَّحمن بن زيد ما يرشد إليه.
قوله: (رَجُلًا مِنْهُمْ): هذا الرجل اسمه مرداس بن نهيك، كذا ذكره ابن بشكوال في «مبهماته»، وساق له شاهدًا، وكذا ذكره غيرُه، وقيل: مرداس بن عمرو، شهيد رضي الله عنه، وسيجيء في (سورة النساء) في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} ... ؛ الآية [النساء: 94] في كلامي أنَّها نزلت في أسامة بن زيد حين قتل مرداس بن نهيك، والله أعلم.
وقد ذكر الذهبيُّ في «تجريده» مرداسًا هذا في الصَّحابة، وحدُّ الصحابيِّ لا يطلق عليه؛ لما تَقَدَّم في كلام البُخاريِّ، نعم هو تابعيٌّ؛ لأنَّه رأى الصَّحابة، وكان ينبغي للذهبيِّ أن يحمِّره كشرطِه وعادتِه، والله أعلم.
تنبيهٌ: كان أمير هذه السريَّة غالبَ بن عبد الله الليثيَّ، وقد تَقَدَّم.
قوله: (حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ): قال الشيخ محيي الدين النوويُّ في قوله: (حتى تمنيت ... )؛ الحديث: معناه: لم يكن تَقَدَّم إسلامي، بل ابتدأت الآن الإسلام؛ ليمحو عني ما تَقَدَّم، وقال هذا الكلام من عظم ما وقع فيه.
ثُمَّ اعلم أنَّ الإمام الرافعيَّ ذكر فرعًا في «شرحه الكبير» في الردَّة، فقال: لو أسلم كافر، وأعطاه الناس أموالًا، فقال مسلم: ليتني كنت كافرًا فأسلم فأُعطى، قال بعض المشايخ: يكفر، وقد تعقَّب هذا الفرع النوويُّ في «روضته»، فقال ما لفظه: (في هذا نظر؛ لأنَّه جازم بالإسلام في الحال والاستقبال، وثبت في الأحاديث الصحيحة ... )، فذكر قصَّة أسامة هذه، ثُمَّ قال في آخره: (ويمكن الفرق بينهما، والله أعلم)، انتهى.

(1/7699)


تنبيهٌ: تأوَّلَ أسامةُ قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]، ولم ينقل أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ألزمه دية ولا غيرها، إمَّا لمكان تأويله، أو أنَّ أولياء المقتول لم يطلبوا.

(1/7700)


[حديث: غزوت مع النبي سبع غزوات]
4270# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، تَقَدَّم.
4271# قوله: (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ): وفي نسخة بعد (حفص): (بن غِيَاث)، و (غِيَاث): تَقَدَّم أنَّه بكسر الغين المعجمة، وتخفيف المثنَّاة تحت، وفي آخره ثاء مثلَّثة، و (عمر) هذا: هو شيخ البُخاريِّ ومسلم.
وقد تَقَدَّم مِرارًا أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلان المسندُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛ فإنَّه مثل: (حدَّثنا)، غير أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة.
و (حفص) والده نخعيٌّ، قاضي الكوفة، وقاضي الجانب الشرقيِّ، قال يعقوب
[ج 2 ص 203]
بن شيبة: ثَبْتٌ إذا حدَّث من كتابه، ويُتَّقى بعض حفظِه، تُوُفِّيَ سنة (194 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
تنبيهٌ: لهم حفص بن غِيَاث شيخ بصريٌّ، له عن ميمون بن مهران، مجهول.

(1/7701)


[حديث: غزوت مع النبي سبع غزوات وغزوت ... ]
4272# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): هو الضحَّاك بن مَخْلد، وكذا هو في نسخة في أصلنا مسمًّى منسوبًا، و (ابْنُ حَارِثَةَ): هو زيد بن حارثة، وهذا يظهر من الحديث قبله.
==========
[ج 2 ص 204]

(1/7702)


[حديث: غزوت مع النبي سبع غزوات فذكر .... ]
4273# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ): قال ابنُ طاهر في ترجمة حمَّاد بن مَسْعَدَة: روى عنه محمَّد بن عبد الله وهو _فيما يقال_ الذهليُّ في (بعث النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أسامةَ بن زيد إلى الحرقات) عند البُخاريِّ، انتهى.
قوله: (وَيَوْمَ الْقَرَدِ): تَقَدَّم أنَّ (القَرَد) بفتح القاف والراء، وحكى السهيليُّ عن أبي عليٍّ الضمَّ في القاف والراء، قال شيخنا: وربَّما وجد مضبوطًا بضمِّ القاف، وفتح الراء، انتهى، وقد قدَّمتُ تاريخها.
قوله: (قَالَ يَزِيدُ: وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ): اعلم أنَّه بقي الفتح والطائف وتبوك.
وقوله: (وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ): كذا في أصلنا وأصل آخر لنا دمشقيٍّ، والوجه: بقيَّتَهنَّ أو بقيَّتَها.
==========
[ج 2 ص 204]

(1/7703)


[باب غزوة الفتح وما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ... ]
(بابُ غَزْوَة الْفَتْحِ) ... إلى (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25])
اعلم أنَّ غزوة الفتح كانت في رمضان سنة ثمان، خرج عَلَيهِ السَّلام يوم الأربعاء لعشر مضين من رمضان من سنة ثمان، وسيأتي فيه شيء عن ابن عباس غريبٌ.
وقد اختُلِف متى كان الفتح من الشهر؛ ففي (الصوم) من «مسلم»: (أنَّه عَلَيهِ السَّلام صبَّح مَكَّة لثلاث عشرة خلت من رمضان)، ثُمَّ ذكر عن أبي سعيد قال: (غزونا مع رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم لستَّ عشرة مضت من رمضان)، وفي رواية: (لثمان عشرة خلت)، وفي رواية: (ثنتي عشرة)، وفي رواية: (لسبع عشرة أو تسع عشرة).
قال الشيخ محيي الدين النوويُّ: (والمشهور في كتب المغازي: أنَّه عَلَيهِ السَّلام خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر من رمضان، ودخلها لتسع عشرة منه، ووجه الجمع بين هذه الروايات ... )، ثُمَّ أخلى بياضًا، ولم يُحِب.
وفي «سيرة مغلطاي» في الفتح: (وطاف النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بالبيت يوم الجمعة، لعشر بقين من رمضان)، وقد تَقَدَّم أنَّ الفتح يوم الجمعة، لتسع عشرة، وينبغي أن يجمع بين الروايات في ذلك، وقد حاولت ذلك، فلم يمكنِّي، وحاصل الروايات التي وقفت عليها في ذلك: ثلاث عشرة، ثماني عشرة، ثنتا عشرة، سبع عشرة أو تسع عشرة، خروجه من المدينة إلى مَكَّة بعد مضي ثماني عشرة، وهذه في «مسند أحمد» بسند صحيح.
وقال ابن القيِّم: (خرج من المدينة إلى مَكَّة في أواخر رمضان، بعد مضي ثماني عشرة ليلة منه ... )، ثُمَّ ساق مستنده، والله أعلم.
وقد قدَّمتُ ذلك غير هذه المرَّة، وسبب الفتح معروف في كتب المغازي والسير؛ لنقضهم العهد الذي عاقدوا عليه.
قوله: (وَمَا بَعَثَ بِهِ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ [1] إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): تَقَدَّم الكلام على حاطب، وقدَّمتُ ما ذكرَ أنَّه كتب به إليهم في (كتاب الجهاد)، والاختلاف في صورة ما كتبه إليهم، وقدَّمتُ أنَّه كتب إلى سُهَيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أُمَيَّة.
==========
[1] في هامش (ق): (فائد: أبو بلتعة: اسمه عمرو في اللغة: التظرُّف).
[ج 2 ص 204]

(1/7704)


[حديث: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينةً معها كتاب]
4274# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو سفيان بن عيينة، و (الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو الحسن بن محمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، و (محمَّد): هو ابن الحنفية، وقد قدَّمتُ ترجمة الحسن بن محمَّد، وأنَّه أوَّل المرجئة، وله فيه تأليف، وقدَّمتُ ما ذُكِر في غيره من هذه البدعة، وجمعتُ بينهما، قال عمرو بن دينار: أخبرنا الحسن بن محمَّد، ولم أر أحدًا قطُّ أعلمَ منه.
قوله: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ): تَقَدَّم في (الجهاد) من أرسله معهم، أو قيل: إنَّه أرسله معهم، وذكرت مجموعهم، وتَقَدَّم الكلام على (رَوْضَةَ خَاخٍ)، وأنَّها بخاءين معجمتين، بينهما ألف، وما وقع لبعض الرواة في ذلك، وقدَّمتُ أين هي، وذكرت اسم (الظَّعِينَة [1]) حاملة الكتاب، وأنَّها سارة أَمْ أمُّ سارة، أو كنود المزنيَّة، وقال الدِّمْياطيُّ: (واسمها سارة، مولاة عمرو ابن هاشم، أمر النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بقتلها يوم الفتح مع جماعة؛ منهم: ابن خطل)، انتهى.
وكذا (فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا)، والجمع بين هذه وبين (فأخرجته من حُجزتها)، والحُجزة: معقد الإزار والسراويل، وقدَّمتُ ما العِقاص، وأنَّه بكسر العين، وكذا قوله: (إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ): تَقَدَّم أنَّه كتب لعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أُمَيَّة، وسُهَيل بن عمرو، كما قدَّمتُه أعلاه، وذكرت ما الذي كتبه، والاختلاف فيه.
(كُنْتُ حَلِيفًا): تَقَدَّم أنَّه حليف قريش، وقيل: هو حليف للزبير بن العوَّام، وهو لخميٌّ، ويقال: إنَّه من مَذْحج، وقيل: كان عبدًا لعُبيد الله بن حُمَيد بن زهير بن الحارث بن عبد العزَّى بن قصيٍّ، وكاتبه فأدَّى كتابته يوم الفتح، وهو من أهل اليمن، والأكثر أنَّه حليف لبني أسد بن عبد العزَّى، وكذا (مِنْ أَنْفُسِهَا)، وأنَّه بضمِّ الفاء.
قوله: (أَهْلِيهِمْ): هو بإسكان الياء، وأصله: أهلين، حذفت النون؛ للإضافة، وهو منصوبٌ.
قوله: (يَحْمُونَ بِهَا [2] قَرَابَتِي): تَقَدَّم أنَّه كان له فيهم أمٌّ، وفي بعض طرق الحديث: (أهلي وولدي).
قوله: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ): (أمَا): تَقَدَّم أنَّها بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، بمنزلة (أَلَا)، ولهذا كُسِرت همزة (إِنَّ) بعدها.
==========
[1] في هامش (ق): (وقد قيل: كان في [الكتاب: إنَّ] رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو صار إليكم [وحده؛ لنصره الله عليكم، فإنَّه منجزٌ له ما وعده]).
[2] (بها): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).
[ج 2 ص 204]

(1/7705)


[باب غزوة الفتح في رمضان]
قوله: (بابُ غَزْوَة الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ): أمَّا كون الشهر شهر الفتح رمضان؛ فلا أعلم فيه خلافًا، وقد قدَّمتُ الخلاف في كم كان في رمضان أعلاه وقبله أيضًا.
==========
[ج 2 ص 204]

(1/7706)


[حديث: صام رسول الله حتى إذا بلغ الكديد أفطر]
4275# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعد، الإمام الجواد، أحد الأعلام، وتَقَدَّم (عُقَيْلٌ): أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وتَقَدَّم (ابْنُ شِهَابٍ): أنَّه الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم.
قوله: (وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ): قائل ذلك هو ابن شهاب الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم، و (ابن المُسَيّب): هو سعيد، وقد تَقَدَّم أنَّ (المُسَيّب) بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيِّب) لا يجوز فيه غير الفتح، وهذا معطوف على السند الذي قبله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَخْبَرَه): وهذا أيضًا معطوف عليه، وقائله هو الزُّهريُّ، و (عُبيد الله): هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود المذكور في السند.
[ج 2 ص 204]
قوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ): (الكَدِيْد)؛ بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال أخرى مهملة، وهو على اثنين وأربعين ميلًا من مَكَّة، و (قُدَيد)؛ بضمِّ القاف، وفتح الدال المهملة الأولى، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال مهملة أخرى: مكانٌ معروف، وكذا (عُسفان) معروفةٌ.

(1/7707)


[حديث: أن النبي خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف]
4276# قوله: (حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه [ابن] غيلان، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بعده: هو ابن همَّام، الحافظ الكبير المصنِّف، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا قريبًا وبعيدًا أنَّه محمَّد بن مسلم، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود الذي تَقَدَّم.
قوله: (وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ): هذا هو الأكثر، وعن الحاكم: (في اثني عشر ألفًا)، قال شيخنا: وفي «شرف المصطفى»: (في اثني عشر ألفًا)، وقال يحيى بن سعيد: (في عشرة آلاف، أو اثني عشر ألفًا ... ) إلى أن قال: (وقال مالك: خرج في ثمانية آلاف أو عشرة آلاف)، انتهى، وفي «مسلم» في (الزكاة): (ونحن بشر كثير قد بلغنا ستَّة آلاف)، والرواية الأولى التي فيها (عشرة آلاف والطلقاء) أصحُّ من هذه؛ لأنَّ المشهور في كتب المغازي أنَّ المسلمين كانوا يوم حُنين اثني عشر ألفًا؛ عشرة آلاف شهدوا معه الفتح، وألفان من أهل مَكَّة ومَنِ انضاف إليهم، وهذا معنى قوله: (معه عشرة آلاف ومعه الطلقاء)، قال القاضي عياض: («ستَّة آلاف»: وَهم من الراوي عن أنس)، انتهى.
قوله: (وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ): في هذا نظر؛ لما تَقَدَّم أنَّ الفتح كان في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وهذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا: أنَّه كان الفتح سنة ثمان، ولو كان كما ذكر في الرواية؛ لكان الفتح في التاسعة، وسواء قلنا: إنَّ أوَّل التاريخ ربيع الأوَّل شهر المقدم، أو من أوَّل سنة المقدم، أو أسقطنا الكسر، وأرَّخنا من أوَّل السنة التي تلي سنة المقدم، وقد تَقَدَّم الخلاف في أوَّل التاريخ قبيل (المغازي)، وذكرت هناك قولًا آخر غريبًا، وهو قد ذكرته هنا، ولا يصحُّ أيضًا عليه، والله أعلم.
قال شيخنا: وحقيقة الحساب على ما ذكره الشيخ أبو محمَّد في «جامع مختصره»: أنَّها سبع سنين وسبعة أشهر؛ لأنَّ الفتح في الثامنة في رمضان، وكان مقدمه المدينة في ربيع الأوَّل، ثُمَّ ذكر له دليلًا.
قوله: (حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ): تَقَدَّم ضبطه أعلاه، وأنَّه هو، وقبل ذلك أيضًا.
قوله: (وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ): (يُؤخَذ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الآخرُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا (الآخرُ) الثاني.
==========
[ج 2 ص 205]

(1/7708)


[حديث: خرج النبي في رمضان إلى حنين والناس مختلفون .. ]
4277# قوله: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ): تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ أنَّ عيَّاشًا هذا بالمثنَّاة تحت، وبالشين المعجمة، وقد قدَّمتُ الكلام عليه، وعلى (عبَّاس بن الوليد)؛ بالموحَّدة، والسين المهملة، وأنَّ كلَّ ما في «البُخاريِّ»: (عيَّاش)؛ فهو الأوَّل، ولم يكن عن الثاني إلَّا موضعان؛ أحدهما: في (باب علامات النبوة)، والثاني: في (المغازي) في (باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن)، وفي مكان آخر نسبه، فقال: (النرسيُّ)؛ يعني: المهمل.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى): هذا هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى الساميُّ، أحد المحدثين الكبار، تَقَدَّم، و (خَالِدٌ) بعده: هو خالد بن مهران الحذَّاء، أبو المُنازِل، تَقَدَّم.
قوله: (فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ): قال الدِّمْياطيُّ: (لم تكن غزوة حنين في رمضان، وإنَّما كانت في شوَّال سنة ثمان)، انتهى، قال مغلطاي في «سيرته» قولًا؛ وهو: أنَّه عَلَيهِ السَّلام خرج _يعني: لحُنين_ لستِّ ليال خلون من شوَّال، ويقال: لليلتين بقيتا من رمضان إلى حُنين، فالذي في الأصل قوله: (في رمضان) هو على قول، وقيل: رواية: (في رمضان إلى حُنين) دليل قول مغلطاي، والله أعلم.
وقال المحبُّ الطبريُّ: وصوابه _والله أعلم_: (إلى خيبر)؛ لأنَّه عَلَيهِ السَّلام قصدها في هذا الشهر، وأمَّا حُنين؛ فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة، وكان قصده أيضًا مَكَّة في هذا الشهر، هكذا حكاه الشيخ ابن تيمية في كتابه عن شيخه عبد الرزَّاق بن عبد القادر ... إلى أن قال: ويجوز أن يكون ذلك لمَّا قصد مَكَّة، وكان في هذا الشهر، وكان قصده بعدها حُنينًا، فأُطلِق عليه خروج إلى حُنين؛ لاحتمال قصدهما جميعًا، ويكون فطره بعد الخروج بأيام لمَّا بلغ الكَدِيد على ما تَقَدَّم، لا يوم الخروج، والحديث محتمل، فيُحمَل المطلق على المقيَّد؛ توفيقًا بينهما، وما ذكره ابن تيمية [1] عن شيخه فيه نظر؛ إذ قد ذكر بعض أهل التاريخ أنَّ خروجه إلى حُنين كان بعد الفتح بخمسة عشر يومًا، وبعضهم ذكر دون ذلك، انتهى.
وما قاله الدِّمْياطيُّ الحافظ شيخ شيوخنا هو الظاهر، وأنَّ ما في «الصحيح» يجيء على قولٍ قدَّمتُه قريبًا في كلامي، وقول المحبِّ الطبريِّ: (صوابه: خيبر) فيه نظر، ومن يعرف المغازي؛ يعرف ذلك، والله أعلم.
4278# قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): كذا في أصلنا، وعلى الواو [في] (وقال) علامة نسخة، يبقى الكلام على حذفها: (قال عبد الرزَّاق)، اعلم أنَّ هذا تعليق مجزوم به، وهذا ظاهرٌ، و (مَعْمَرٌ): هو ابن راشد، تَقَدَّم مِرارًا، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، وتعليق عبد الرزَّاق ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قوله: (وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ): هذا أيضًا تعليق مجزوم به، وتعليق حمَّاد ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.

(1/7709)


[حديث: سافر رسول الله في رمضان فصام حتى بلغ عسفان]
4279# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ، الحافظ المشهور، و (جَرِيرٌ) بعده: هو ابن عبد الحميد، الضبيُّ القاضي، و (مَنْصُورٌ) بعده: هو ابن المعتمر.
==========
[ج 2 ص 205]

(1/7710)


[باب أين ركز النبي الراية يوم الفتح]
[ج 2 ص 205]
قوله: (بابٌ أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَايَتَهُ [1] يَوْمَ الْفَتْحِ): تجاه هذا الباب: قال الدِّمْياطيُّ ما لفظه: (كان شعار المهاجرين يومئذٍ: عبد الرَّحمن، وشعار الخزرج: عبد الله، وشعار الأوس: عُبيد الله)، انتهى.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (الراية).

(1/7711)


[حديث: احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين]
4280# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة، تَقَدَّم مِرارًا، و (هِشَامٌ) بعده: هو ابن عروة بن الزُّبَير بن العوَّام.
قوله: (لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ): هذا مرسل هنا؛ لأنَّ عروة تابعيٌّ، وذكر قصَّة لم يدركها.
قوله: (عَامَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم أنَّ الفتح كان سنة ثمان في رمضان، وتَقَدَّم الكلام على رواية: (وذلك على رأس ثماني سنين ونصف من مقدمه المدينة) قريبًا؛ فانظره.
قوله: (أَبُو سُفْيَانَ [1] بْنُ حَرْبٍ): تَقَدَّم الكلام على أبي سفيان في أوَّل هذا التعليق وفي غيره، وترجمته معروفة، من مسلمة الفتح.
قوله: (وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ): تَقَدَّم أنَّ (حَكِيمًا) بفتح الحاء، وكسر الكاف، وأنَّ (حِزَامٍ) بكسر الحاء، وبالزاي، وقد تَقَدَّم بعض ترجمته، من مسلمة الفتح.
قوله: (وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ): (بُدَيل): هو بضمِّ الموحَّدة، وفتح الدال المهملة، و (وَرْقَاء): بفتح الواو، وإسكان الراء، وبالقاف، ممدود الآخر؛ الثلاثة أسلموا يوم الفتح بمرِّ الظَّهران، كذا قال الذهبيُّ، وفيه تجوُّز، وكان بُدَيل من كبار مسلمة الفتح، وتُوُفِّيَ بُدَيل قبل النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم.
قوله: (حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ): (مَرَّ): بفتح الميم، وتشديد الراء، و (الظَّهران): بفتح الظاء المعجمة المشالة، وإسكان الهاء، وبالراء، وهو على بريد من مَكَّة، وقال ابن وضَّاح: على أحدٍ وعشرين ميلًا، وقيل: على ستَّة عشر، ويقال فيه: مرُّ ظهران والظهران، ويقال فيه: الظهرانُ؛ من غير إضافة إلى (مرٍّ)، وهو الذي تسميه العامَّة بطنَ مرو.
قوله: (فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ [2] كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ): أوقدوا تلك الليلة عشرة آلاف نار، كما نقله ابن سيِّد الناس في «سيرته» في الفتح، والظاهر من عبارته أنَّه من «سيرة ابن إسحاق»، والله أعلم.

(1/7712)


قوله: (نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ، فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كذا هنا أنَّ أبا سفيان وحَكِيمًا وبُدَيلًا رآهم الحرس، فأدركوهم، فجاؤوا بهم رسولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: سُمِّيَ معهم: عمر بن الخَطَّاب في السيرة، وفي «سيرة ابن سيِّد الناس» من «سيرة ابن إسحاق» _وهو في «أبي داود» في (الخراج)، وفي السند ابن إسحاق وشخص مجهول_: (أنَّه عَلَيهِ السَّلام جعل على الحرس عمر بن الخَطَّاب، وأنَّ العباس رقَّت نفسه لأهل مَكَّة، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم البيضاء، فخرجت عليها حتَّى جئت الأراك، فقلت: لعلِّي أجدُ بعض الحطَّابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة، يأتي مَكَّة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ليخرجوا إليه، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عَنوة، فوالله إنِّي لأسير عليها؛ إذ سمعتُ كلام أبي سفيان وبُدَيل بن وَرَقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيتُ كالليلة نيرانًا قطُّ ولا عسكرًا ... ، إلى أن قال: فعرفتُ صوته، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمِّي؟ قال: قلتُ: هذا رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم في الناس، وا صباحَ قريش والله! قال: فما الحيلة فداك أبي وأمِّي؟ قال: قلتُ: والله لئن ظفر بك؛ ليضربنَّ عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتَّى آتي بك رسولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فأستأمنه لك، فركب خلفي، ورجع صاحباه ... ، إلى أن قال: حتى مررتُ بنار عمر بن الخَطَّاب، فقال: من هذا؟ وقام إليَّ، فلمَّا رأى أبا سفيان على عجز الدابَّة؛ قال: أبو سفيان عدوُّ الله؟! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ... ، إلى أن قال: فلمَّا أصبح؛ غدوت به إلى رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ... ، إلى أن قال: فشهد شهادة الحقِّ، فأسلم)؛ فانظر ما بينهما من المخالفة، ولفظ «الصحيح» صحيحٌ لا شكَّ فيه، لكنَّه عن عروة ... ، فذكره، وذاك من حديث ابن إسحاق، وفي السند أيضًا رجل مجهول كما تَقَدَّم، والله أعلم.
قوله: (فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ): قال شيخنا: هذا هو الصواب، وقيل: بل رجع وهو على كفره، حكاه ابن التين، انتهى، وهذا نحو كلام ابن إسحاق، ولكنَّ عبارة «الصحيح» في هذا القدر لا تنافي ما قاله ابن إسحاق، والله أعلم.

(1/7713)


قوله: (عِنْدَ خَطْمِ الجَبَل حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ): قال ابن قُرقُول: (عند خطم الجبل): كذا رواه القابسيُّ، والنسفيُّ، وأهل السير، وخطم الجبل: أنفه؛ وهو طرفه السائل منه، وهو الكراع، ورواه سائر الرواة _الأصيليُّ، وابن السكن، وأبو الهيثم_: (عند حطم الخيل)؛ أي: حيث تجتمع فيحطم بعضُها بعضًا، والأوَّل أشهر وأشبه بالمراد، وحبسه هناك حيث يضيق الطريق، وتمرُّ عليه جنود الإسلام على هيئتها شيئًا بعد شيء، فيعظم في عينه، وأمَّا الانحطام؛ فليس يختصُّ بموضع، ولا هو المراد، وأكثر ما يقال ذلك في المعارك، وعند الملاقاةِ، وقد ضبطه بعضهم عن القابسيِّ وأبي ذرٍّ لغير أبي الهيثم: (عند حطم الجبل)، وكذا قيَّده عبدوس، وهو وَهم لا وجه له، انتهى.
و (حطم الخيل)؛ بالحاء، و (الخيل)؛ بالخاء المعجمة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة: كذا في أصلنا، وفي الهامش نسخة: (خطم الجبل): (خطم)؛ بالخاء المعجمة، و (الجبل)؛ بالجيم، والموحَّدة.
قوله: (كَتِيبَةً كَتِيبَةً): (الكتيبة): الجيش المجتمع الذي لا ينتشرُ، وهذا ظاهرٌ، و (كتيبةً): منصوب منوَّن، كذا في أصلنا، يجوز رفعهما مع التنوين.
قوله: (سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ): هو بضمِّ الهاء، وفتح الذال المعجمة، وهذا ظاهرٌ جدًّا [3].
قوله: (ثُمَ مَرَّتْ سُلَيْمُ): هو بضمِّ السين، وفتح اللام، وهذا ظاهرٌ أيضًا.
قوله: (لَمْ يُرَ مِثْلُهَا): (يُرَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مثلُها): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وهذا ظاهرٌ أيضًا.
قوله: (عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ): (سعد) هذا: سيِّد الخزرج، تَقَدَّم ببعض ترجمة.
قوله: (الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ): تَقَدَّم إعراب (اليوم يوم) في قوله: (وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ) [خ¦3041]، وما نقل فيه السهيليُّ، و (الملحمة): الحرب، أو يوم حرب لا يجد منه المرءُ مخلصًا، أو يوم القتل، يقال: لحم فلان فلانًا: قتله، و (الملحمة) أيضًا: موضع القتال، والجمع: الملاحم، مأخوذة من اشتباك الناس واختلاطهم فيها؛ كاشتباك لُحمة الثوب بالسَّدى، وقيل: هو من اللحم؛ لكثيرة القتلى فيها.
وأمَّا قوله: «أنا نبيُّ الملحمة»؛ يعني: نبي القتال، وهو كقوله الآخر: «بعثتُ بالسيفِ».
[ج 2 ص 206]
قوله: (الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ): (تُستَحلُّ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الكعبةُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
قوله: (حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ [4]): (يومُ): مرفوع، ورفعه معروفٌ.
قوله: (الذِّمَارِ): هو بكسر الذال المعجمة، ثُمَّ ميم مخفَّفة، وفي آخره راء، ما يجب على المرء حفظه وحمايته، والدفع دونه، ومعنى (حبَّذا يوم الذِّمَار): يريد: الحرب؛ لأنَّ الإنسان يقاتل على ما يلزمُه حفظه، والله أعلم، وقال شيخنا: إنَّ هذا يوم أُؤمِّل فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه.

(1/7714)


قوله: (وَهْيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ): قال ابن قُرقُول: (هي أقلُّ): كذا لجميعهم، ورواه الحُمَيديُّ في «اختصاره»: (هي أجلُّ الكتائب)، وهو الأظهر، وقد يتَّجه لـ (أقل) وجه؛ وهو أنَّها كانت كتيبة المهاجرين، وهم كانوا عددًا من الأنصار، وقد ذكر أنَّ الكتائب تَقَدَّمت كتيبة كتيبة، وقد تَقَدَّم كتيبة الأنصار، فلم يبق إلَّا كتيبة رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم في خاصَّة المهاجرين، انتهى.
وقال ابن سيِّد الناس في «سيرته» في قوله: (أقلُّ الكتائب): كذا وقع عند جميع الرواة، ورواه الحُمَيديُّ في كتابه: (هي أجلُّ الكتائب)، وهو الأظهر، انتهى.
قوله عَلَيهِ السَّلام: (كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ): اعلم أنَّ في «سيرة ابن سيِّد الناس» بعد أن وقع هذا الكلام: فأرسل رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إلى سعد بن عبادة، فنزع اللواء من يده، وجعله بيد قيس ابنه، ورأى رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أنَّ اللواء لم يخرج عنه إذ صار إلى ابنه قيس، قال ابن عبد البرِّ: (وقد روي: أنَّه عَلَيهِ السَّلام أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد)، انتهى.
قوله: (أَنْ تُرْكَزَ الرَّايَةُ): (تُركَز)؛ بضمِّ أوله، وفتح الكاف: مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الرايةُ): مرفوعة قائمة مقام الفاعل.
قوله: (بِالْحَجُونِ): هو بفتح الحاء، وضمِّ الجيم، وهو الجبل المشرف عند المحصَّب حذاء مسجد العقبة، قال الزُّبَير: (الحَجُون): مقبرة أهل مَكَّة، انتهى.
قوله: (قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ... )؛ الحديث: أخرج هذا البُخاريُّ في (الجهاد) عن أبي كُرَيب، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن نافع بن جُبَير بن مطعم، عن العبَّاس، وعن عبيد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة به في حديث طويل، وهو هذا الذي تَقَدَّم قبله عن هشام عن أبيه قال: لمَّا سار النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم عام الفتح فبلغ قريشًا ... )؛ الحديث.
قوله: (أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ): هو بضمِّ الكاف، و (الرايةَ): منصوبٌ مفعول، والفاعل الضمير؛ وهو: (أنت)، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (مِنْ كَدَاءٍ): تَقَدَّم أنَّ العليا بفتح الكاف، ممدودٌ، مصروف، تَقَدَّمتُ، وهي ممدودة في أصلنا هنا، وهي الثنيَّة العليا، وسيأتي بُعَيْدَ هذا ما في ذلك.
قوله: (وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدًى): هي بضمِّ الكاف، وبالقصر، منوَّنة، كذا في أصلنا، وقد تَقَدَّم الكلام عليها في (الحج)، وأنَّها الثنيَّة السُّفلى، فقال شيخنا هنا: قد أسلفنا في (الحج) أنَّ الصواب: دخوله عَلَيهِ السَّلام من كَداء؛ بالفتح؛ فراجعه، وقد سلف السرُّ فيه، انتهى، وسيأتي قريبًا (باب دخول النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم من أعلى مَكَّة)، وكونه ذكر هذا في الفتح دلَّ عنده على أنَّه دخل في الفتح منها أيضًا.

(1/7715)


وقد ذكرت أنا السرَّ فيه من عند السهيليِّ؛ أعني: دخوله في الحجِّ من العُليا التي هي بالمدِّ والفتح مصروفة، والله أعلم.
قوله: (فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ: حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ): أمَّا (خُنَيس)؛ فهو بالخاء المعجمة المضمومة، وفتح النون، وفي آخره سين مهملة: كذا عند ابن إسحاق، وقد قُيِّد بالحاء المهملة المضمومة، وفي آخره شين معجمة، وهو حُبيش بن خالد بن منقذ، الخزاعيُّ الكعبيُّ، أبو صخر، ويقال لأبيه: الأشعر؛ بالشين المعجمة، كذا قيَّده السهيليُّ، انتهى، و (حُبيش) هذا بالحاء المهملة والشين المعجمة أصحُّ من (خُنَيس)؛ بالخاء المعجمة والسين المهملة، وفي «المطالع» لمَّا ذكر حُبيشًا هذا؛ قال: فضبطه البُخاريُّ بالشين، وروي عن ابن إسحاق: بالخاء المعجمة، والنون، والسين المهملة، والأوَّل هوالصواب، انتهى.
روى حُبيش هذا في «الغيلانيات» من حديثه قصَّة أمِّ معبد بطولها، وهو صَحابيٌّ رضي الله عنه، قال الدِّمْياطيُّ: هو حُبيش بن خالد بن حُليف، والأشعر: هو خالد أبوه، قاله ابن سعد، وهو المقتول مع كُرز لا ابنه حُبيش، وأمُّ معبد عاتكة هي عمَّة حُبيش، فإنَّها عاتكة بنت حُليف، وأمَّا كُرز بن جابر بن حُسيل؛ فهو الذي ولَّاه رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم الجيش الذي خرج في طلب العرنيين، انتهى.
وقد قدَّمتُ الخلاف في أمير سريَّة العرنيين، وقد ذكر ابن عبد البرِّ حُبيشًا: أنَّه قتل مع كُرز بن جابر، وذكر أيضًا في أبيه خالد ما لفظه: (قال الواقديُّ: قتل مع كُرز بن جابر بطريق مَكَّة عام الفتح)، انتهى.
تنبيهٌ: وقد أصيبت من جُهينة سلمة ابن الميلاء، وسلمة هذا صَحابيٌّ، قال الحافظ أبو موسى: سلمة ابن الملياء الجهنيُّ، وأمَّا سلمة ابن الميلاء؛ فقتل [5] يوم الفتح رضي الله عنه، وأُصيب من المشركين قريب من اثني عشر رجلًا، أو ثلاثة عشر رجلًا، وقال ابن سعد: قتل أربعة وعشرون رجلًا من قريش، وأربعة من هُذَيل، والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (صخر بن حرب وحَسُنَ إسلامه، وكان رسول الله يحبه ويشهد له بالجنة، ويقول: «أرجو أن يكون خَلفًا من حَمزة»، ويُروى أنَّه قال عند موته: لا تبكنَّ عليَّ، فإنَّي لم أتنطَّف بخطيئة منذ أسلمت، ومات من ثؤلول حلقه الحلَّاق في حج، فقطعه مع الشعر فنزف منه.× ينظر في هذه الحاشية، هذا القائل في حق سفيان بن الحارث لا في أبي سفيان بن حرب؛ فافهم).
[2] في هامش (ق): (أوقدوا عشرة آلاف نار).
[3] في (أ): (أيضًا)، وفي اللاحقة: (جدًّا)، وقد حصل بين الفقرتين تقديم وتأخير، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[4] في هامش (ق): ([ذمرته] أذمُرُه [ذمرًا] إذا حضضته على القتال).
[5] في (أ): (قتل)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

(1/7716)


[حديث: رأيت رسول الله يوم فتح مكة على ناقته]
4281# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ الحافظ، و (عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الميم، وفتح الغين، وفتح الفاء المشدَّدة، وأنَّه صَحابيٌّ، رضي الله عنه وعن ابنه عبد الله.
قوله: (عَلَى نَاقَتِهِ): تَقَدَّم الكلام على ناقته عَلَيهِ السَّلام الجدعاء، والعضباء، والقصواء، هل هنَّ ثلاث، أو اثنتان، أو واحدة؟ والله أعلم.
قوله: (يُرَجِّعُ): هو بضمِّ أوَّله، وكسر الجيم المشدَّدة، و (الترجيع): ترديد القراءة، وقد تَقَدَّم، وسيجيء صفة ترجيعه في آخر «الصحيح» إن شاء الله تعالى.
قوله: (كَمَا رَجَّعَ): هو بتشديد الجيم، وهذا ظاهرٌ يعرف مما قبله من كلامي.
==========
[ج 2 ص 207]

(1/7717)


[حديث: وهل ترك لنا عقيل من منزل]
4282# 4283# قوله: (حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى): كنيته هو أبو سعد [1]، واسمه سعيد بن يحيى بن صالح اللخميُّ، ولقبه: سعدان، عن زكريَّاء ابن أبي زائدة، وهشام بن عروة، وغيرهما، وعنه: هشام بن عمَّار، وعليُّ بن حجر [2]، صدوق، وقال الدارقطنيُّ: ليس بذاك، له ترجمة في «الميزان» وصحَّح عليه، وقد وثَّقه ابن حبَّان، فقال: ثِقةٌ مأمون، وقال أبو حاتم: محلُّه الصدق.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم، وهو ابن شهاب، العالم المشهور، و (عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ) بعده: هو زين العابدين، رضي الله عن آبائه.
[ج 2 ص 207]
قوله: (وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ): (عَقِيل) هذا: بفتح العين، وكسر القاف، وهو ابن أبي طالب، أخو جعفر وعليٍّ لأبويهما، كنيته: أبو يزيد، وقيل: أبو عيسى، أسلم قبيل الحُدَيْبيَة، وشهد مؤتة مع أخيه جعفر، له أحاديثُ، روى عنه: ابنه محمَّد، والحسن، وعطاء بن أبي رَباح، وجماعة، قال ابن سعد: مات في خلافة معاوية بعدما عمي رضي الله عنه، أخرج له النَّسائيُّ، وابن ماجه، وأحمد في «المسند».
قوله: (وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ): أمَّا (عَقِيل)؛ فقد تَقَدَّم أعلاه، وأمَّا (طالب)؛ فإنَّه لم يسلم، وأولادُ أبي طالب: طالب، وعَقِيل، وجعفر، وعليٌّ، وكان كلٌّ من هؤلاء أكبرَ من الآخر بعشر سنين، وأختهم أمُّ هانئ فاختة، وقيل غير ذلك، وقد قدَّمتُ الاختلاف في اسمها، وجُمانة بنت أبي طالب أختٌ ثانية لهم، قسم لها رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ثلاثين وَسْقًا من خيبر، وهي أمُّ عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب، وأمُّ طالب أختٌ أخرى لهم، ذكرها الذهبيُّ في «تجريده»، وسمَّاها: ريطة، ولم يذكرها في (الأسماء)، أسلموا كلُّهم إلَّا طالبًا، فيقال: إنَّ الجنَّ اختطفته، والله أعلم.
قوله: (قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ [3] الزُّهْرِيُّ): تعليق مَعْمَر هذا أخرجه النَّسائيُّ به.
قوله: (وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ: حَجَّته، وَلاَ زَمَنَ الْفَتْحِ): حديث يونس عن الزُّهريِّ أخرجه النَّسائيُّ بإسناده عن يونس عن الزُّهريِّ.

(1/7718)


[حديث: منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف ... ]
4284# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): هو ابن أبي حمزة، و (أَبُو الزِّنَادِ)؛ بالنون: عبد الله بن ذكوان، و (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) هذا: هو الأعرج عبد الرَّحمن بن هرمز، تَقَدَّم كلُّ واحد منهم مرارًا، وكذا (أَبو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر.
قوله: (الْخَيْفُ): هو معروفٌ، وهو مرفوعٌ خبرُ المبتدأ؛ وهو (مَنْزِلُنَا)، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ): (تقاسموا): من القَسم؛ وهو اليمين؛ أي: تحالفوا، يريد: لمَّا تعاهدت قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطَّلب، وترك مخالطتهم.
==========
[ج 2 ص 208]

(1/7719)


[حديث: منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة ... ]
4285# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ الحافظ، تَقَدَّم، و (ابْنُ شِهَابٍ): الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم، و (أَبُو سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ بن عبد الرَّحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.
قوله: (حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا): في هذا تجوُّز، وإنَّما قاله حين أراد مَكَّة، وقد تَقَدَّم، وصرف (حُنينًا) على إرادة الموضع، وهو كذلك في أصلنا مصروفٌ.
==========
[ج 2 ص 208]

(1/7720)


[حديث: أن النبي دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر ... ]
4286# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزعَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ (قزعة) بفتح الزاي وإسكانها، و (ابنُ شِهَابٍ): الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم.
قوله: (دَخَلَ [مَكَّةَ] يَوْمَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم أنَّه كان يوم الجمعة تاسع عشر رمضان، وقد تَقَدَّم الخلاف كم كان من الشهر في الفتح قريبًا، وقدَّمتُه بعيدًا أيضًا.
قوله: (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ): تَقَدَّم الكلام على (المغفر) ما هو، قال الحافظ أبو ذرٍّ: لم يرو حديث المغفر عن الزُّهري إلَّا مالك، انتهى، وهذا فيه نظرٌ، وسأذكر ذلك بما فيه في (كتاب
اللباس) مطوَّلًا إن شاء الله تعالى وقدره.
قوله: (جَاءَه رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ [1] مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ): هذا الرجل لا أعرفه، ولعلَّه أحد قتلةِ ابن خطل، وقد قدَّمتُ في (الحج) الاختلاف فيمن قتله، وقد أباح عَلَيهِ السَّلام دم جماعة حين الفتح قد ذكرتُهم في (الحج) أيضًا؛ فانظرهم _والله أعلم_ وما جرى لكلٍّ منهم.
قوله: (قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _فِيمَا نُرَى، وَاللهُ أَعْلَمُ_ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا): (نُرى)؛ بضمِّ النون: نظنُّ، وكذا قال شيخ مالك الزُّهريُّ، كما رواه بعضُهم، لكنَّه جزم، فإنَّه قال: (ولم يكن النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم يومئذٍ مُحْرِمًا).
==========
[1] في هامش (ق): (ابن خطل اسمه [عبد الله، وقيل]: هلال، وقيل: هلال أخوه [يقال] لهما: الخطلان، وهما من [بني تيم بن] غالب بن فِهر، وفي هذا دليل أنَّ الكعبة لا تعيذ عاصيًا، ولا تمنع من إقامة حد واجب، وأنَّ معنى قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] إنَّما معناه الخبر عن عظيم حرمة الحرم في [الجاهلية] نعمة منه على أهل مَكَّة، كما قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ ... } [المائدة: 97]، فكان في ذلك قوام للناس [ومصلحة لذرية] إسماعيل، وإجابة لدعوة إبراهيم حيث يقول: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم: 37]).
[ج 2 ص 208]

(1/7721)


[حديث: دخل النبي مكة يوم الفتح وحول البيت ... ]
4287# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ): (ابن أبي نَجِيح) هذا: هو عبد الله بن أبي نَجِيح يسار، تَقَدَّم مِرارًا، و (أَبُو مَعْمَرٍ)؛ بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة: عبد الله بن سخبرة، و (عَبْدُ اللهِ) هذا: هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ، الصحابيُّ الشهير، رضي الله عنه.
قوله: (نُصُبٍ): هو بضمِّ النون والصاد المهملة، وتسكَّن، وبالموحَّدة، قال شيخنا: يجوز فتح النون مع ذلك أيضًا، وكلُّها واحد الأنصاب، كما نبَّه عليه ابن التين، انتهى، و (النُّصُب): حجر كانوا ينصبونه في الجاهليَّة، ويتَّخذونه صنمًا، فيعبدونه، والجمع: أنصاب، وقيل: هو حجر كانوا ينصبونه، ويذبحون عليه، فيحمرُّ بالدم، والله أعلم.
قوله: (يَطْعنُهَا): تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ أنَّه بضمِّ العين وفتحها.
قوله: (بِعُودٍ فِي يَدِهِ): كان قوسًا، كما في بعض الطرق.
==========
[ج 2 ص 208]

(1/7722)


[حديث: قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط]
4288# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): (إسحاق) هذا: قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: وقال _يعني: البُخاري_ في (الوضوء)، وفي (الصلاة) في موضعين، وفي (الأوقاف)، و (مناقب سعد بن عبادة)، و (خيبر)، و (الفتح)، و (الاستئذان)، و (الاعتصام)، و (الأحكام): (حدَّثنا إسحاق، حدَّثنا عبد الصمد)؛ يعني: ابن عبد الوارث.
نسب الأصيليُّ في ثلاثة مواضع من هذه الذي في (الأوقاف)، و (الفتح)، و (الأحكام): ابن منصور، وأهمل سائرها، ولم أجده لابن السكن ولا لغيره منسوبًا في شيء من هذه المواضع، وقد نسبه البُخاريُّ في (مقدم النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم)، فقال: (حدَّثنا إسحاق بن منصور، حدَّثنا عبد الصمد، عن أبيه، عن أبي التَّيَّاح ... )؛ الحديث.
وذكر أبو نصر أنَّ ابن منصور وابن إبراهيم يرويان عن عبد الصمد، وقد روى مسلم في (الحجِّ) عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه ... ، فذكر حديثًا، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ ولا شيخُنا.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ [1]: حَدَّثَنَا [2] أَبِي): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عبد الصمد بن عبد الوارث، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، العالم المشهور.
قوله: (فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ): المأمور بإخراجها الظاهر أنَّه عمر بن الخَطَّاب، وسيجيء فيما يليه ما يشدُّه من كلام ابن شيخنا البلقينيِّ، وقال بعض المتأخِّرين: الذي أُمر بإخراجها عمر، روى أبو داود من حديث جابر معناه، انتهى، وقد رأيته في آخر «أبي داود» في (باب الصُّور).
قوله: (فَأُخْرِجَتْ): هو مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، والتاء في آخره ساكنة علامة التأنيث.
قوله: (فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ): (أُخرِج): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (صورةُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، ولم يبيَّن هنا من أخرجها، قال ابن شيخنا البلقينيِّ عن «طبقات ابن سعد»: إنَّه عَلَيهِ السَّلام أمر عمر وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة يمحو كلَّ صورة فيها، ولم يدخلها النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم حتَّى محيت كلُّ صورة
[ج 2 ص 208]
فيها، انتهى، قال ابن شيخنا: فحينئذٍ يحتمل أن يكون عمر بن الخَطَّاب هو المبعوثَ للإخراج، يفسِّر المبهم في رواية البُخاريِّ، انتهى، وما عزاه ابن شيخنا البلقينيِّ إلى «الطبقات»؛ فهو في «أبي داود» من رواية جابر في أواخره في (باب الصُّور)، وقد تَقَدَّم.
قوله: (فِي أَيْدِيهِمَا [مِنَ] الأَزْلاَمِ): تَقَدَّم الكلام عليها وواحدِها.
قوله: (مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ): (الاستقسام بالأزلام): الضرب بها لإخراج ما قُسم لهم من أمر وتمييزه بزعمهم.

(1/7723)


قوله: (وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ... ) إلى آخره: [تقدَّم] (وُهَيب) أنَّه بالتصغير، وأنَّه ابن خالد الباهليُّ الكرابيسيُّ الحافظ، وهذا تعليق مجزوم به، و (أيوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، وإنَّما ساق هذا التعليق؛ لينبِّه على أنَّ عبد الوارث رواه عن أيوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس مرفوعًا، ورواه مَعْمَر عن أيوب عن عكرمة مرسلًا، وهذا على ما في أصلنا القاهريِّ، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ كان فيه إثباتُ (ابن عباس)، فضُرِب عليه، وكذا ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه» مرسلًا، وفي نسخة في هامش أصلنا القاهريِّ إثباتُ (ابن عباس)، وعليه: راويةُ مثبته، والله أعلم، وكذا ذكر شيخنا هذا التعليق مرسلًا، والله أعلم.
وقد أخرج الحديث من أصله البُخاريُّ في (الحجِّ): عن أبي مَعْمَر عن عبد الوارث، والتِّرْمِذيُّ في (المغازي): عن إسحاق عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وفي (أحاديث الأنبياء): عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن مَعْمَر؛ كلاهما عن أيوب به، وقال في عقيب حديث عبد الصمد عن أبيه: (وقال وُهَيب: عن أيوب، عن عكرمة، عن النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم)، وأخرجه أبو داود في (الحجِّ): عن أبي مَعْمَر به، والله أعلم.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة»: (قال).
[2] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).

(1/7724)


[باب دخول النبي من أعلى مكة]
قوله: (بابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ): تَقَدَّم أنَّ دخوله من كَداء؛ بفتح الكاف، والمدِّ، وهي أعلى مَكَّة، وأنَّ السُّفلى بضمِّ الكاف، مقصورةٌ منوَّنة، وأنَّ هذا هو الصواب في ضبطها وإن اختلف الرواة في ذلك، فهذا هو الصواب، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 209]

(1/7725)


[معلق الليث: أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته .. ]
4289# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه في (الجهاد): عن يحيى ابن بُكَيْر، عن الليث، عن يونس هذا، وهو يونس بن يزيد الأيليُّ، تَقَدَّم به، والله أعلم، لا يونس بن عُبيد، هذا الثاني إنَّما أخرج له عن نافع عن ابن عمر النَّسائيُّ فقط؛ فاعلمه.
قوله: (وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ): (الحجبة)؛ بفتح الحاء المهملة والجيم، وبالموحَّدة، ثُمَّ تاء التأنيث؛ أي: سُدَّان الكعبة، وهو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزَّى العبدريُّ الحَجَبيُّ، قُتِل أبوه وعمُّه عثمان يوم أُحُد كافرَين في جماعة من بني عمِّهما، هاجر عثمانُ هذا مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاصي، ودفع النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إلى هذا وإلى ابن عمِّه شيبة بن عثمان مفتاحَ الكعبة، تُوُفِّيَ رضي الله عنه سنة اثنتين وأربعين، وقد أخرج له مسلم، وأبو داود، وأحمد في «المسند».
قوله: (قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ): كذا هنا، وقد سأله كما رواه البُخاريُّ وأبو داود.

(1/7726)


[حديث: أن النبي دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة]
4290# قوله: (مِنْ كَدَاءٍ [1]): تَقَدَّم أنَّها بفتح الكاف، وبالمدِّ، وكذا هي في أصلنا، وهي العليا.
قوله: (تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي كَدَاءٍ): الضمير في (تابعه) يعود على حفص بن ميسرة؛ أي: فروياه عن هشام بن عروة، و (أبو أسامة): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، و (وُهَيب): تَقَدَّم أنَّه ابن خالد، و (كَداء): تَقَدَّم قريبًا أنَّها بفتح الكاف، والمدِّ، وكذا هي هنا في أصلنا، ومتابعة حمَّاد في «البُخاريِّ» في (الحجِّ) أخرجها عن محمود عنه، وفي «مسلم»: عن أبي كُرَيب عنه، وأبو داود في (الحجِّ): عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة مختصرًا، ورواه عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة، كما أخرجه البُخاريُّ مرسلًا فيما يلي هذا، وتأتي متابعة وُهَيب بُعَيده، ولم أرها في المسندات، إنَّما رأيتها في المراسيل؛ فاعلمه.
==========
[1] في هامش (ق): (فائد: إنما دخل النَّبيّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم من أعلى مَكَّة من كداء؛ لأنَّ بكداء وقف إبراهيم حين دعا لذريته بالحرم، كذا روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، فقال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم: 37]، فاستجيبت دعوته وقيل له: {أذن في الناس بالحج يأتوك} [الحج: 27]، ألا ترى قال: {يأتوك}، ولم يقل: يأتوني؛ لأنَّها استجابة لدعوته، فمن ثمَّ _والله أعلم_ استحب رسول الله إذا أتى مَكَّة أن يدخلها من كداء).
[ج 2 ص 209]

(1/7727)


[حديث: دخل النبي عام الفتح من أعلى مكة من كداء]
4291# قوله: (أَخْبَرَنَا [1] أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم أنَّه حمَّاد بن أسامة، (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ ... ) إلى آخره: هذا مرسلٌ، والحاصل: أنَّه اختُلِف في إرساله ووصله، فقدَّم هنا الموصولَ، وأخَّر المرسل، وقد أخرج المرسلَ البُخاريُّ في (الحجِّ) عن عبد الله بن عبد الوهَّاب عن حاتم بن إسماعيل، وعن موسى بن إسماعيل [عن] وُهَيب بن خالد، وهنا عن عُبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة؛ ثلاثتهم عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا، ورواه محمود في «البُخاريِّ» عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، وكذلك رواه سفيان بن عيينة في «البُخاريِّ» عن هشام عن أبيه عن عائشة، والله أعلم.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق) وسائر النُّسخ: (حدَّثنا).
[ج 2 ص 209]

(1/7728)


[باب منزل النبي يوم الفتح]

(1/7729)


[حديث: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي يصلي الضحى غير أم هانئ ... ]
4292# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ الحافظ، و (شُعَيْبٌ [1]): هو ابن أبي حمزة، و (عَمْرٌو): هو ابن مرَّة، أحد الأعلام، الجَمَليُّ، و (ابْنُ أَبِي لَيْلَى) بعده: هو عبد الرَّحمن بن أبي ليلى الأنصاريُّ، و (أُمُّ هَانِئٍ): تَقَدَّم أنَّ اسمها فاختة، ويقال: هند، وقيل غير ذلك في أوائل هذا التعليق.
قوله: (غَيْر أُمِّ هَانِئٍ [2]): (غير): يجوز فيها النصب والرفع، وهذا ظاهرٌ.
==========
[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» وغيرها: (شعبة)، وهو ابن الحجَّاج.
[2] في هامش (ق): (أم هانئ اسمها فاختة، وقيل: جمانة، [كنيت] بابنها هانئ بن هبيرة، ولها ابن آخر من هبيرة اسمه؟؟؟، وثالث واسمه [جعدة]، إياه عنت في حديثها).
[ج 2 ص 209]

(1/7730)


[باب في نزول سورة النصر، وما قاله النبي يوم الفتح]

(1/7731)


[حديث: كان النبي يقول في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ... ]
4293# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّه بُنْدَار لقبه، وتَقَدَّم أنَّ (غُنْدَر) محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم ضبط (غُنْدُر)، و (مَنْصُورٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن المعتمر، و (أَبُو الضُّحَى): تَقَدَّم أنَّه مسلم بن صُبَيح؛ بضمِّ الصاد المهملة، وفتح الموحَّدة.
==========
[ج 2 ص 209]

(1/7732)


[حديث: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر]
4294# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن الفضل، عارم، و (أَبُو عَوَانَةَ): الوضَّاح بن عبد الله، و (أَبُو بِشْرٍ): جعفر بن أبي وحشيَّة إياس.
قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا [1] مَعَنَا ... ؟!) إلى آخره: قائل ذلك هو عبد الرَّحمن بن عوف، كما سيأتي في (باب مرض النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم)، وقوله: (لِمَ): هو بفتح الميم، استفهام إنكار.
قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ): هذا لا أعرفه أو أعرفهم، وكذا (قَالَ بَعْضُهُمْ) الثانية.
قوله: (أَمَرَنَا): هو بفتح الهمزة والراء، كذا في أصلنا.
قوله: (إِذَا نُصِرْنَا): هو بضمِّ النون، وكسر الصاد، وكذا (فُتِحَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
[ج 2 ص 209]
قوله: (هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ [اللهُ] لَهُ): إن قيل: من أين أخذ ذلك ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما وكذا عمر رضي الله عنه من (سورة النصر) كونَها أجلَ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؟ قيل: أخذا ذلك من قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3].
قال ابن قيِّم الجوزيَّة الإمام شمس الدين: أمر الله نبيَّه بالاستغفار بعد أداء الرسالة، والقيام بما عليه من أعبائها، وقضاء فرض الحجِّ والجهاد، واقتراب أجله، فقال في آخر ما أنزل عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} ... ؛ السورة [النصر: 1]، ومن ههنا فهم عمر وابن عبَّاس رضي الله عنهم أنَّ هذا أجلُ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، أعلمه به، فأمره أن يستغفره عقيب أداء ما عليه، فكان إعلام بأنَّك قد أديت ما عليك، ولم يبق عليك شيء، فاجعل خاتمته الاستغفار، كما كان خاتمةَ الصلاة _يعني: كان يقول في آخرها: أستغفر الله ثلاثًا_ قال: والحجِّ _يعني قوله: {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199]_ قال: وقيامِ الليل، وخاتمة الوضوء أيضًا أن يقول بعد فراغه: اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين، انتهى.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (الفتى).

(1/7733)


[حديث: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل ... ]
4295# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، و (الْمَقْبرِيُّ): هو سعيد بن أبي سعيد كيسان، تَقَدَّم، وهو بضمِّ الموحَّدة وفتحها، و (أَبُو شُرَيْحٍ): تَقَدَّم أنَّه بالشين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة، العدويُّ، واسمه: خويلد بن عمرو، وقيل: بالعكس، وقيل: كعب بن عمرو، وقيل: [هانئ] بن عمرو، صَحابيٌّ جليل، حمل لواء قومه يوم الفتح، وكان من العقلاءِ، تُوُفِّيَ سنة (68 هـ)، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند»، وقد قدَّمتُ الكلام عليه.
قوله: (أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ [1]): كذا هنا، وهو عمرو بن سعيد بن العاصي بن أُمَيَّة، وعن ابن إسحاق من طريق زياد البكائيِّ قال: حدَّثني سعيد بن أبي سعيد المقبريُّ عن أبي شريح الخُزاعيِّ قال: لمَّا قدم عمرو بن الزُّبَير مَكَّة لقتال أخيه عبد الله بن الزُّبَير؛ جئته، فقلتُ: يا هذا، إنَّا كنا مع رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم حين افتتح مَكَّة، فلمَّا كان الغد من يوم الفتح؛ عَدَتْ خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه ... ، فذكره، وما وقع في «الصحيح» هو الصحيح والصواب، والوهم فيه عمَّن دون ابن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير عنه على الصواب، وقد قدَّمتُ الكلام على ذلك بزيادة في (كتاب العلم)؛ فانظره، فإنَّه مكان حسن.
قوله: (وَلاَ يَعْضِدَ): هو بكسر الضاد المعجمة، تَقَدَّم.
قوله: (وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ): (الشاهدُ): مرفوع فاعل، و (الغائبَ): منصوب مفعول، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (بِخَرْبَةٍ [2]): تَقَدَّم الكلام عليها ضبطًا ومعنًى، وأنَّ البُخاريَّ قال: (الخربة: البليَّة)، وقيل غير ذلك في (كتاب العلم).
==========
[1] في هامش (ق): (ابن العاصي بن أمية. قال ابن هشام في «السيرة»: عمرو بن الزُّبَير وهو وهم؛ فليتنبه له.× عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية، وهو الأشدق ويكنى أبا أمية وهو الذي كان يسمى لطيم الشيطان وكان جبارًا شديد البأس حتى خافه عبد الملك على ملكه فقتله بحيلة).
[2] في هامش (ق): (فائد: بضم الخاء ولا يقال بفتحها، وصوَّبه [بعضهم]).
[ج 2 ص 210]

(1/7734)


[حديث: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر]
4296# قوله: (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، وأنَّ (عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ) بفتح الراء، وبالموحَّدة.
قوله: (عَامَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم أنَّه سنة ثمان، ولا أعلم فيه خلافًا، وتَقَدَّم الكلام قريبًا على ما وقع في هذا «الصحيح»، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 210]

(1/7735)


[باب مقام النبي بمكة زمن الفتح]
قوله: (بابُ مقَام النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح الميم وضمِّها، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (مَقَام النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِمَكَّةَ] زَمَنَ الْفَتْحِ): وأخرج حديث أنس: (أقمنا عشرًا نقصر الصلاة)، يعكِّر على هذا ما ذكرناه في تاريخ فتحها، وقد قالوا: إنَّه خرج عَلَيهِ السَّلام لستِّ ليال خلون من شوَّال _ويقال: لليلتين بقيتا من رمضان_ إلى حُنين، وقد قدَّمتُ ذلك، ولكن إذا قلنا: إنَّ الفتح تاسع عشر رمضان، وخرجوا لليلتين بقيتا منه؛ فإقامته بها عشر، وهذا قُوَيل، والله أعلم.
واعلم أنَّه اختلف في إقامته عَلَيهِ السَّلام بمَكَّة زمن الفتح؛ فهنا عشر، وتسع عشرة، وقال مغلطاي: قال البُخاريُّ: (وأقام بها خمس عشرة ليلة)، وفي رواية: (تسع عشرة)، وفي رواية أبي داود: (سبع عشرة)، وفي «التِّرْمِذيِّ»: (ثماني عشرة)، وفي «الإكليل»: أصحُّهما: (بضع عشرة يصلِّي ركعتين)، انتهى، وكذا قاله بعض الحفَّاظ كما في حفظي، ولكن هنا قد بوَّب عليه بـ (زمن الفتح)، فلم يرد ذاك.
==========
[ج 2 ص 210]

(1/7736)


[حديث: أقمنا مع النبي عشرًا نقصر الصلاة]
4297# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دكين، الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّم أنَّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريُّ.
قوله: (وحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): كذا في أصلنا، ومكتوب على (وحدَّثنا) على الواو: (ه) و (صح)، فيبقى الكلام على حذف الواو (حدَّثنا قبيصة)، و (قبيصة) هذا: هو ابن عقبة، شيخ البُخاريِّ، مشهور الترجمة، والواو أحسن؛ ليُعرَف أنَّه تحويل، ولئلَّا يجيء شخص يَحسبُ أنَّ سفيانَ روى هذا الحديث عن قبيصة، بل هو العكس: قبيصة رواه عن سفيان، والله أعلم، و (يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ) بعد سفيان [1]: هذا هو الحضرميُّ النحويُّ، عن أنس وسليمان بن يسار، وعنه: عبَّاد بن العوَّام، وعبد الوارث، وابن عليَّة، ثِقةٌ، صاحب قرآن وعربيَّة، تُوُفِّيَ سنة (136 هـ)، أخرج له الجماعة.
تنبيهٌ: من اسمه يحيى وهو يروي عن أنس في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها: يحيى هذا، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، ويحيى بن عبَّاد بن شيبان، ويحيى بن عُمارة بن أبي حسن، ويحيى بن أبي كثير، ويحيى بن يزيد الهنائيُّ، والله أعلم.
قوله: (عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلاَةَ): هذا كان في حجَّة الوداع، ولم تكن إقامته في الحجِّ بمَكَّة فقط، بل كان فيها وفي عرفات ومِنًى، فأقام بمَكَّة ثلاثة أيام سوى يومَي الدخول والخروج، هذا في حجَّة الوداع، وليس المراد هنا، وقد قدَّمتُ الاختلاف في مدَّة إقامته زمن الفتح أعلاه.

(1/7737)


[حديث: أقام النبي بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين]
4298# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رَوَّاد، و (عَبْدُ اللهِ) بعده: تَقَدَّم أنَّه ابن المبارك، و (عَاصِمٌ) بعده: هو ابن سليمان، الأحولُ، البصريُّ.
==========
[ج 2 ص 210]

(1/7738)


[حديث: أقمنا مع النبي في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة]
4299# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، نُسِب إلى جدِّه، تَقَدَّم مترجمًا، و (أَبُو شِهَابٍ) بعده: قال الدِّمْياطيُّ: (عبد ربِّه بن نافع، أبو شهاب الحنَّاط المدائنيُّ، وأصله من الكوفة، مات بالمَوصِل، سنة إحدى _أو اثنتين [1]_ وسبعين ومئة)، انتهى.
تنبيهٌ: أبو شهاب اثنان؛ الأوَّل: الحنَّاط، أبو شهاب الأكبر، واسمه: موسى بن نافع الهذليُّ الحنَّاط، من أهل الكوفة، يروي عن عطاء بن أبي رباح، روى عنه أبو نُعيم، ذكر له البُخاريُّ حديثًا واحدًا في (الحجِّ)، والثاني: أبو شهاب الأصغر، واسمه: عبد ربه بن نافع المدائنيُّ الحنَّاط، يروي عن يونس بن عُبيد، وابن عون، وعاصمٍ الأحول، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، رويا جميعًا، روى له البُخاريُّ في (الزكاة)، و (الاستقراض)، و (الكفَّارات)، و (التوحيد)، وغير ذلك، حدَّث عنه: أحمد ابن يونس، وعاصم بن يوسف، قال البُخاريُّ: (عبد ربه بن نافع، أبو شهاب الحنَّاط، صاحب الطعام، سمع محمَّد بن سوقه، ويونس بن عبيد، وعوفًا الأعرابيَّ ... ) إلى آخر كلامه.
قوله: (عَنْ عَاصِمٍ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن سليمان الأحول.
قوله: (أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلاَةَ): تَقَدَّم الاختلاف أعلاه في إقامته عَلَيهِ السَّلام زمن الفتح.
==========
[1] في (أ): (اثنين)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[ج 2 ص 210]

(1/7739)


[باب من شهد الفتح]

(1/7740)


[معلق الليث: أخبرني عبد الله بن ثعلبة وكان النبي قد مسح وجهه .. ]
4300# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزوم به، فهو صحيح إلى الليث، وقد أخرجه في (الدعوات) عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزُّهريِّ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير، و (يونس) بعد (الليث): هو ابن يزيد الليثيُّ، و (شُعَيْبٌ) في المسند المُتَّصِل: هو ابن أبي حمزة، و (عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْر): بالصاد المهملة المضمومة، وفتح العين المهملة أيضًا، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، كنيته: أبو محمَّد، حليف بني زُهرة، له رؤية ورواية، تُوُفِّيَ سنة (87 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، قال الذهبيُّ في «الكاشف»: (له صحبة إن شاء الله)، انتهى، وفي «التذهيب»: ولد قبل الهجرة، وقيل: بعدها، وقد حفظ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم مسح رأسه، ودعا له زمن الفتح، تُوُفِّيَ سنة (89 هـ) انتهى، وفي ترجمة أبيه في «التجريد» قال: (ولابنه صحبة أيضًا)، وقال ابن عبد البرِّ: عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير، ويقال: ابن أبي صُعير العذريُّ، حليف بني زهرة، ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وتُوُفِّيَ سنة (89 هـ)، وهو ابن ثلاث وتسعين سَنةً، وذكر اختلافًا في سنة وفاته، وفي سنِّهِ انتهى، ووالده صَحابيٌّ أيضًا.
[ج 2 ص 210]

(1/7741)


[حديث: وزعم أبو جميلة أنه أدرك النبي وخرج معه عام الفتح]
4301# قوله: (أَخْبَرَنَا هِشَامٌ): هذا هو هشام بن يوسف، قاضي صنعاء، تَقَدَّم، و (مَعْمَرٌ)؛ بإسكان العين: ابن راشد، تَقَدَّم، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيلَةَ): تَقَدَّم ضبطه والكلام عليه، وأنَّ (جَمِيلة) بفتح الجيم، وكسر الميم، في (كتاب الشهادات) بعد (حديث الإفك) سواء، و (ابْن الْمُسَيبِ): هو سعيد، وقد تَقَدَّم أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غيره بالفتح ليس إلَّا.

(1/7742)


[حديث: صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا]
4302# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه السختيانيُّ، ابن أبي تميمة، و (أَبُو قِلَابَةَ): تَقَدَّم أنَّه بكسر القاف، وتخفيف اللام، وبموحَّدة بعد الألف، ثُمَّ تاء التأنيث، وأنَّه عبد الله بن زيد الجرميُّ، و (عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ): تَقَدَّم أنَّه بكسر اللام، ابن نُفيع الجرميُّ، أبو بُريد أو يزيد، وقد تَقَدَّم الكلام في ذلك، وقيل: سَلِمة بن قيس الذي كان يؤمُّ قومه وهو صبيٌّ في حياته صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وهو تابعيٌّ تَقَدَّم في (الصلاة) من هذا التعليق.
قوله: (قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ: أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ؟): معناه: قال أيوب: قال لي أبو قلابة: وهو [1] حيٌّ، ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته؛ يعني: أنَّ أيوبَ لقيَ عمرَو بن سلمة فسأله: قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرِّ النَّاسِ، والدليل على ذلك: أنَّ أيوب رواه عن عمرو بن سلمة في «أبي داود»، وكذا رواه عن أيوب عن عمرو بن سلمة النَّسائيُّ.
قوله: (فَتَسْأَلَهُ): هو بالنصب، ونصبه معروفٌ.
قوله: (بِمَاءٍ مَمَرِّ [2] النَّاسِ): (ماء) ممدود؛ يعني: مَنْهَلًا، و (ممرِّ): مجرورٌ، بدل من (ماء).
قوله: (أَوْحَى إِلَيْهِ): (أوحى): بفتح الهمزة والحاء، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي): في أصلنا: (يُغْرَى): بضمِّ الياء المثنَّاة تحت، وإسكان الغين المعجمة، وفتح الراء، قال الدِّمْياطيُّ: (غَرَوت الجلد: ألصقته بالغِراءِ)، انتهى، وفي نسخة في طرَّة أصلنا: (يُقَرُّ)، وفي نسخة في الهامش أيضًا: (يُقْرَأُ)؛ بهمزة في آخره، قال ابن قُرقُول: (يَغْرَى في صدري)؛ أي: يَلْصَقُ كالغراء، وعند الأصيليِّ والقابسيِّ وكافَّة الرواة: (يُقْرَى في صدري)؛ بغير همزٍ، من قريت الماءَ؛ أي: جمعته، والأوَّل أوجه، انتهى، ونقل بعضُهم عن القاضي _يعني: عياضًا_: (يُغرَّى)؛ بالغين المعجمة، والراء المشدَّدة؛ أي: يُلصق بالغِراء، قال القاضي: (وهو الوجه)، انتهى، وذكره ابن الأثير في (غَرى)، فقال: (كأنَّما يَغْرَى؛ أي: يَلْصَقُ به، يقال: غَرِي يَغْرَى هذا الحديث في صدري؛ بالكسر، يغرَى بالفتح؛ كأنَّه يلصق بالغراء)، انتهى، و (يُقْرَأ)؛ بهمزة في آخره لم أرها، وهي بضمِّ أوَّلها مهموزة، والله أعلم.
قوله: (تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ): هو بفتح المثنَّاة فوق، وفتح اللام، وتشديد الواو مفتوحة، ثُمَّ ميم، قال الدِّمْياطيُّ: (التلوُّم: الانتظار والتمكُّث)، انتهى، و (تَلَوَّمُ): محذوف إحدى التاءين.
قوله: (وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ): (أبوه): تَقَدَّم أعلاه وقبله أنَّه سَلِمة؛ بكسر اللام، قال الذهبيُّ في «تجريده»: (والأصحُّ أنَّه بكسر اللام)، انتهى، وهو سلِمة بن نُفيع الجرميُّ، له صحبة.

(1/7743)


قوله: (وَأَنَا ابْنُ سِتِّ [3]_أَوْ سَبْعِ_ سِنِينَ): (ستِّ): مخفوضٌ من غير تنوين، كذا في أصلنا، كأنَّه قال: وأنا ابن ستِّ سنين أو سبع سنين، فحذف (السنين) الأولى؛ لدلالة الثاني عليه، وبخطِّ شيخنا أبي جعفر الغرناطيِّ في نسخته: (ستٍّ)؛ بالتنوين بالقلم، والله أعلم.
قوله: (تَقَلَّصَتْ): هو بتشديد اللام المفتوحة؛ أي: ارتفعت، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ): هذه المرأة لا أعرف اسمها.
قوله: (أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا): كذا في أصلنا، وفي نسخة في أصلنا: (تغطُّون)، وهو الوجه.

(1/7744)


[حديث: هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة]
4303# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ): هذا تعليق مجزوم به، و (الليث): هو ابن سعد الإمام، و (يونس): هو ابن يزيد الأيليُّ، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قوله: (كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ): تَقَدَّم الكلام على (عتبة)، وأنَّ الصحيح أنَّه لم يسلم، وقدَّمتُ غلط من عَدَّه صحابيًّا، وقدَّمتُ أنَّ في «مستدرك الحاكم»: أنَّه قتله في أُحُد حاطبُ بن أبي بلتعة.
قوله: (ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ [1]): تَقَدَّم أنَّ ابن وليدة زمعة اسمه عبد الرَّحمن بن زمعة بن قيس القرشيُّ، صَحابيٌّ، وتَقَدَّم أنَّ (الوليدة) هذه لا أعرف اسمها، وأنَّها [2] يمانيَّة.
قوله: (وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ): بغير إضافةٍ، هذا صَحابيٌّ مشهور، وقد نسبه أبو نعيم، فقال: (عبد بن زمعة بن الأسود العامريُّ، أخو سودة أمِّ المؤمنين)، فَوَهِمَ، وإنَّما هو عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودِّ بن نصر رضي الله عنه.
قوله: (يَا عَبْد بْنَ زَمْعَةَ): تَقَدَّم أنَّ في (عبد) وجهين: الضمُّ والفتح، وأنَّ في (ابن) وجهين؛ كهُمَا في (عبدة)، وقلَّ من ذكرهما، وجمهور الناس إنَّما ذكروا في مثل هذا في (ابن) وجهًا واحدًا، وهو الفتح، وقد ذكر الضمَّ ابنُ مالك في «التسهيل».
قوله: (يَا سَوْدَةُ): هي سودة أمُّ المؤمنين بنت زمعة، وقد قدَّمتُ نسب والدها أعلاه.
قوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا [3]): (ابن شهاب): هو الزُّهريُّ، وروايته عن عائشة مرسلة، لم يسمعها، وقد ذكرتُ أنَّه سمع من سبعة عشر ما بين صَحابيٍّ ومختلفٍ في صحبته، ولم أذكر منهم عائشة رضي الله عنها، وقد ذكرتُ ذلك فيما مضى في (الجنائز)، قال المِزِّيُّ: (قال أحمد بن صالح: يقولون: إنَّ مولده سنة خمسين)، وقال خليفة: (ولد سنة إحدى وخمسين)، وقال ابن بكير: (سنة ستٍّ وخمسين)، وقال الواقديُّ: (سنة ثمان وخمسين).
ووفاة عائشة رضي الله عنها: قال هشام بن عروة: (تُوُفِّيَت سنة سبع وخمسين)، وقال جماعة: سنة ثمان، وقال الواقديُّ: (سنة ثمان، في ليلة سابع عشر رمضان)، والله أعلم، ولم أرَ المِزِّيَّ ذكر هذا في رواية الزُّهريِّ عن عائشة، بل ذكر حديث: (أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين ... )؛ الحديث، وعزاه لمسلم، والتِّرْمِذيِّ، والنَّسائيِّ.
وذكر حديث: (لمَّا مضت تسع وعشرون ليلة؛ دخل عليَّ رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ... )؛ الحديث، أخرجه البُخاريُّ والنَّسائيُّ.
وذكر أيضًا حديثه عنها: (لا يصوم إلَّا من أجمع الصيام قبل الفجر)، أخرجه النَّسائيُّ، والله أعلم.

(1/7745)


قوله: (وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ [4] أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ): رواية الزُّهريِّ عن أبي هريرة مرسلة أيضًا، كما صرَّح بذلك غير واحد، بل قال المِزِّيُّ: إنَّه لم يرَه، والله أعلم، ولم أرَ المِزِّيَّ ذكر هذا في مسند الزُّهريِّ عن أبي هريرة؛ إنَّما ذكر له حديثًا في (الحوض) معلَّقًا عند البُخاريِّ، وحديثًا؛ وهو: (لا يؤذِّن إلا متوضِّئ) من عند التِّرْمِذيِّ، وحديث: (إذا دخل رمضان؛ فتحت أبواب الجنَّة) من عند النَّسائيِّ، والله أعلم.

(1/7746)


[حديث: أتكلمني في حد من حدود الله]
4304# قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ ... )؛ فذكر القصَّة: هذا مرسل؛ لأنَّه ذكر قصَّة لم يدركها، وهو تابعيٌّ؛ فهي مرسلة إلى قوله: (قالت عائشة: وكانت تأتي بعد ذلك ... ) إلى آخره، وقد أخرجه البُخاريُّ في (الشهادات) كذلك مرسلًا، وفي (الحدود) بإسناده عن عائشة: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قطع يد امرأة، قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك ... ) إلى آخره.
[ج 2 ص 211]
قوله: (أَنَّ امْرَأَةً [1] سَرَقَتْ ... ) إلى قوله: (فِي [2] الْفَتْحِ): هذه المرأة تَقَدَّم أنَّها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد، صحابيَّة رضي الله عنها، قال الدِّمْياطيُّ: والأسود قتله حمزةُ ببدرٍ، انتهى.
قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّم الكلام على إعرابها، والاختلاف في أوَّل من قالها.
قوله: (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ [3] سَرَقَتْ): تَقَدَّم لم نظَّر عَلَيهِ السَّلام بابنته فاطمة رضي الله عنها، وتَقَدَّم رواية ابن ماجه عن محمَّد بن رمح شيخه عن الليث بن سعد ما يقال عند ذكر هذا الكلام.

(1/7747)


[حديث: ذهب أهل الهجرة بما فيها]
4305# 4306# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا هو زهير بن معاوية بن حُديج الحافظ، أبو خيثمة، تَقَدَّم، و (عَاصِمٌ) بعده: هو ابن سليمان الأحول، تَقَدَّم، و (أَبُو عُثْمَان)، قال الدِّمْياطيُّ: عبد الرَّحمن بن مَلٍّ النهديُّ، قال: وأمَّا (مُجَاشِعٌ)؛ فهو أخو أبي معبد مجالد، ابنا مسعود بن ثعلبة، قتل مجاشع يوم الجمل، واتَّفقا عليه، وانفرد البُخاريُّ بأخيه مجالد، انتهى.
فقوله: (وانفرد البُخاريُّ بأخيه مجالد) فيه نظر، فقد أخرج له الشيخان، والله أعلم، ولم يذكر وفاته، وقد قتل الآخر يوم الجمل، قاله أحمد ابن حنبل، وقد تَقَدَّم ضبط (مَلٍّ) غيرَ مرَّةٍ فيما مضى، والله أعلم.
قوله: (بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ): المراد بأخيه: هو مجالد، وسيأتي بكنيته، وباسمه أيضًا.
==========
[ج 2 ص 212]

(1/7748)


[حديث: مضت الهجرة لأهلها أبايعه على الإسلام والجهاد]
4307# 4308# قوله: (فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ)، وكذا قوله بعد هذا: (انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ)، وكذا قوله: (فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ)، و (أبو معبد) فيها كلِّها: هو مجالد بن مسعود، تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه وقبله أيضًا.
قوله: (وَقَالَ خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ): (خالد) هذا: هو الحذَّاء، و (أبو عثمان): عبد الرَّحمن بن مَلٍّ، تَقَدَّم، وتَقَدَّم اللغات في (مَلٍّ)، وهذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه البُخاريُّ في (الجهاد) عن إبراهيم بن موسى، عن يزيد بن زريع، عن خالد به، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 212]

(1/7749)


[حديث: لا هجرة ولكن جهاد]
4309# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدَار، وتَقَدَّم ما (البُنْدَار)، وتَقَدَّم (غُنْدرٌ): أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه لقب محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم أنَّ (الغُنْدُر) المُشغِّب بلغة أهل الحجاز، وتَقَدَّم من قال له ذلك، و (أَبُو بِشْرٍ [1])؛ بالشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشيَّة إياس، تَقَدَّم.
قوله: (إِلَى الشَّأْمِ): تَقَدَّم الكلام عليه وطوله وعرضه في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (فَاعْرِضْ نَفْسَكَ): هو ثلاثيٌّ، همزته همزة وصل، وكسر الراء.
4310# قوله: (وَقَالَ النَّضْرُ: أَنْبَأَنَا [2] شُعْبَةُ): (النضر): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالضاد المعجمة، وأنَّه لا يحتاج إلى تقييد؛ لأنَّ نصرًا _ بالصاد _ لا يأتي بالألف واللام، بخلاف النضر، فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، وهذا هو ابن شميل، الإمام المشهور، شيخ مرو ومحدِّثُها، وأتى بهذا التعليق؛ لأنَّ شعبة _حاشاه من التدليس_ عنعن في السند الأوَّل عن أبي بشر، وهنا صرَّح بالإخبار، وفي السند الأوَّل أبو بشرٍ عنعن عن مجاهد، وليس مدلِّسًا، وفي التعليق صرَّح بالسماع من مجاهد، فأحبَّ أن يخرج من الخلاف الذي قدَّمتُه في العنعنة وإن كانت من غير مدلِّس، والله أعلم، وتعليق النضر عن شعبة هذا ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قوله: (مِثْلَهُ): هو بالنصب؛ لأنَّه مفعول، والله أعلم.
4311# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ابْنُ يَزِيدَ): قال الدِّمْياطيُّ: هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، الدِّمَشْقيُّ الفراديسيُّ، مولى عمر بن عبد العزيز، انتهى، روى إسحاق هذا عن يحيى بن حمزة، وإسماعيل بن عياش، وصدقة بن خالد، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، ومحمَّد بن عوف، وأبو زرعة الدِّمَشْقيُّ، وآخرون، قال أبو زرعة: كان من الثقات البكَّائين، ولد سنة إحدى وأربعين، ومات سنة سبع وعشرين ومئتين، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، و (أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن عمرو، وتَقَدَّم بعض ترجمته؛ ومنها: أنَّه أفتى في سبعين ألف مسألة، رحمه الله، و (عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ): تَقَدَّم أنَّه بإسكان الموحَّدة، وهذا مشهور، و (جَبْرٌ) والد (مُجَاهِد): تَقَدَّم أنَّه بفتح الجيم، وإسكان الموحَّدة.
تنبيهٌ: من يقال له: مجاهد، وهو يروي عن ابن عمر اثنان: هذا العالم المَكِّيُّ ابن جبر، وآخر يقال له: مجاهد بن رباح، يقال: إنَّه شاميٌّ، أخرج له عنه النَّسائيُّ، رأيته في «الأطراف» في مسند ابن عمر، ولم أر له ذكرًا في نسختي بـ «الكاشف» ولا بـ «التذهيب»، لكنِّي رأيت ابن حبَّان ذكره في «الثقات»، وأنَّه روى عن ابن عمر، فهو وارد على المِزِّيِّ، والله أعلم، وكذا على فرعه.

(1/7750)


قوله: (لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه لا هجرة من مَكَّة؛ لأنَّها صارت دار إسلام، أو لا هجرةَ فضيلتُها كفضيلة الهجرة من مَكَّة.

(1/7751)


[حديث: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض]
4313# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): قال الجيَّانيُّ: وقال _يعني: البُخاري_ في «باب مقام النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بمَكَّة»: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا أبو عاصم»، فذكر هذا المكان، وقال في «التوحيد»: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا أبو عاصم، عن ابن جُرَيج، عن ابن شهاب»، نسبه الحاكم: إسحاق ابن نصر، وذكر أبو نصر في كتابه: أنَّ البُخاريَّ يروي عن إسحاق غير منسوب عن أبي عاصم النَّبيل، ولم يزد على هذا، وقد حدَّث مسلم عن إسحاق بن منصور عن أبي عاصم النَّبيل في مواضع من كتابه، وهو به أشبه، والله أعلم، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ ولا شيخنا.
تنبيهٌ: حديث مجاهد هذا هو هنا مرسلٌ؛ لأنَّه تابعيٌّ، وقد أسند مثله _أو نحوه_ عن ابن جُرَيج، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثل هذا، أو نحو هذا.
و (ابْنُ جُرَيْجٍ): هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، و (عَبْدُ الْكَرِيمِ): هو ابن مالك الجزريُّ، أبو سعيد، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن المُسَيّب، وعنه: مالك، وابن عيينة، وكان حافظًا، من العلماء الثقات، وله ترجمة في «الميزان»، أخرج له الجماعة، وتُوُفِّيَ سنة (127 هـ)، و (عِكْرِمَةُ): هو مولى ابن عباس، تَقَدَّم أنَّه ثبت، لكنَّه إباضيٌّ يرى السيف، ويحايده مالك إلَّا في حديث أو حديثين، روى له الجماعة، لكنْ مسلمٌ مقرون، تَقَدَّم.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّم أنَّه النَّبيل، وتَقَدَّم أنَّ اسمه الضحَّاك بن مخلد، و (ابن جُرَيج): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج.
قوله: (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ): تَقَدَّم الجمع بينه وبين «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» [خ¦2129].
[ج 2 ص 212]
قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بما فيه من اللغات، وكذا على قوله: (إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ)، وكذا (يُعْضَدُ شَوْكُهَا)، و (يُعضَد): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (شوكُها): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا تَقَدَّم الكلام على (المُنْشِد)؛ وهو المعرِّف، وتَقَدَّم الكلام على (الإِذْخِرَ) غيرَ مرَّةٍ، وأنَّه نبت طيِّب الرائحة، وعلى (القَيْنِ)، وأنَّه الحدَّاد، ويطلق أيضًا على الصائغ.
قوله: (وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم قُبَيْلَ هذا الكلام عليه وعلى رجاله؛ فانظره، والذي ظهر لي: أنَّ هذا معطوف على الحديث الذي قبله، فروى هذا البُخاريُّ عن إسحاق، عن أبي عاصم، عن ابن جُرَيج به، والله أعلم.

(1/7752)


تنبيهٌ: مَكَّة _شرَّفها الله تعالى_ هل فتحت صلحًا أو عَنوة؟ فالشافعيُّ يرى: أنَّها صلحًا لا عنوة، فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها، وأبو حنيفة وأكثرُ أهل العلم خالفوا في ذلك، وقيل: إنَّ أعلاها فُتِح صلحًا وأسفلَها عنوة، قال السهيليُّ في (غزوة خيبر) ما لفظه: وكانت الشام كلُّها عنوة إلَّا مدائنها، فإنَّ أهلها صالحوا عليها، وكذلك بيت المقدس، فتحها عمر رضي الله عنه صلحًا بعد أن وجَّه إليها خالد بن ثابت الفهميَّ، فطلبوا منه الصلح، فكتب بذلك إلى عمر وهو بالجابية، فقدِمها، وقبل صلح أهلها، وأرض السواد كلُّها عنوة إلَّا الحيرة، فإنَّ خالد بن الوليد رضي الله عنه صالح أهلها، وكذلك أهل بانقيا أيضًا صلح، وأخرى يقال لها: أُليِّس، وأرض خراسان عنوة إلَّا ترمذ، فإنها قلعة منيعة، وقلاع سواها، وأمَّا أرض مصر؛ فكان الليث بن سعد اقتنى بها مالًا، وعاب ذلك عليه جماعة؛ منهم: يحيى بن أيوب ومالك بن أنس؛ لأنَّ أرض العنوة لا تشترى، وكان الليث يروي عن يزيد بن أبي حبيب: أنَّها فتحت صلحًا، قال السهيليُّ: وكلا الخبرين حقٌّ؛ لأنَّها فتحت صلحًا أوَّل، ثُمَّ ابتُلِيَت بعدُ وأُخِذَت عنوة، فمن ههنا نشأ الخلاف في أمرها، قاله أبو عبيد، وذكر في (غزوة الفتح) الخلاف في مَكَّة، هل فتحت عنوة أو صلحًا؟ وفي آخر الكلام: فلا عليك بعد هذا فتحت عنوة أو صلحًا وإن كانت ظواهر الأحاديث أنَّها فتحت عنوة، انتهى.
ورأيت عن العلَّامة الصالح بدر الدين ابن جماعة في كتابه «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» قال: وأمَّا مصر؛ ففتحت صلحًا، وقيل: عنوة، وقيل: بعضها صلحًا، وبعضها عنوة، والأصحُّ أنَّها فتحت مرتين؛ الأولى صلحًا، ثُمَّ نكثوا، ففتحها عمرو ثانيًا عنوة، والحكم للعنوة، وأمَّا الشام؛ ففتحت أراضيه عنوة، وأمَّا مدنه؛ فبيت المقدس، ونابلس، والأردن، وفلسطين، وبصرى، وأجنادين؛ فتحت صلحًا، وأمَّا حلب وقنسرين؛ ففتحت عنوة، انتهى، وسيأتي ما يخالفه، وهو الظاهر؛ لأنَّ فيها كنائس لليهود ثلاثًا، فواحدة ثبت أنَّها إسلامِيَّة، فأُخِذَتْ منهم في سنة بضع وعشرين وسبع مئة، واسمها اليوم الناصريَّة، وهي مسجد، وتُقام فيها خطبة، وأخرى بقرب حوض إسماعيل بن الفاكهانيِّ، وكنيسة كبرى بحارتهم، والتي عند حوض إسماعيل خربت في فتنة تمرلنك، وللنصارى كان فيها ستُّ كنائس، والباقي لهم اليوم واحدة فقط، قال: وأمَّا دمشق؛ فدخلها أبو عبيدة من باب الجابية صلحًا، ودخلها خالد من الباب الشرقيِّ عنوة، والتقوا في وسط البلد، فكان الفتح لأبي عبيدة؛ لأنَّه أمير الجماعة، انتهى.
وفي كلام صاحبنا الإمام الفقيه شرف الدين عيسى الغزِّيِّ الشافعيِّ عن أحمد ابن حنبل قال: فتحت الشام عنوة إلَّا حمص وموضعًا آخر، وقال أبو عبيد: أرض الشام عنوة إلَّا مدنها، فإنَّها فتحت عنوة، انتهى، وأحد الموضعين غلطٌ لا شكَّ فيه، وينبغي أن يكون الثاني هو الغلط؛ أعني: في المدن؛ ليتَّفق مع كلام السهيليِّ، والله أعلم.

(1/7753)


ورأيت في «تاريخ حلب» للإمام الحافظ الرئيس الصاحب كمال الدين ابن العديم: أنَّ منبجًا افتُتِحَت صلحًا، صالح عليها عمرو بن العاصي، وهو من قبل أبي عبيدة، وقيل: إنَّ عياض بن غنم فتحها صلحًا على صلح حلب، وقال فيه أيضًا: وأعمال قنِّسرين كلُّها ومدينة حلب فُتِحَت صلحًا، وذكر فيه أنَّ أنطاكية فتحت صلحًا، فتحها أبو عبيدة، وقد قدَّمتُ في خيبر هل فتحت [1] كلُّها عنوة أو صلحًا، أو جلا أهلُها بغير قتال، أو بعضها صلحًا، وبعضها عنوة، وبعضها جلا أهلُها رعبًا؟ قال مغلطاي: وعلى ذلك تدلُّ السنن الواردة، انتهى.

(1/7754)


[باب قول الله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ... }]
(بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25]) ... إلى (بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ)
فائدةٌ: حنين: هو ابن قانية بن مهلائيل، هو الذي نسب إليه الموضع، وهي غزوة حنين، وهوازن، وأوطاس، سُمِّيَت بـ (أوطاس) باسم الموضع الذي كان فيه الوقعة أخيرًا، حيث اجتمع فُلَّالهم، وتوجَّه إليهم أبو عامر الأشعريُّ، قال الدِّمْياطيُّ: وكانت غزوة حنين في شوَّال، سنة ثمان من الهجرة، وكان سيما الملائكة فيها عمائم حمر، قد أَرْخَوها بين أكتافهم، انتهى.
وحنين: واد بين مَكَّة والطائف، وراء عرفات، بينه وبين مَكَّة بضعة عشر ميلًا، وهو مصروفٌ، كما نطق به القرآن.
==========
[ج 2 ص 213]

(1/7755)


[حديث: ضربتها مع النبي يوم حنين]
4314# قوله: (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو إسماعيل بن أبي خالد، تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (عَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى)، ووالده اسمه علقمة بن خالد بن الحارث، تَقَدَّم رضي الله عنه وعن ابنه عبد الله، صحابيَّان.

(1/7756)


[حديث البراء: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.]
4315# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، و (سُفْيَانُ) بعده: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريُّ، العالم المشهور، و (أبو إِسْحَاقَ): هو السَّبِيعيُّ، عمرو بن عبد الله، تَقَدَّم مِرارًا.
قوله: (وَجَاءَهُ رَجُلٌ): هذا الرجل الجائي للبراء لا أعرف اسمه، غير أنَّه من قيس، كما سيأتي قريبًا، وكذا في «مسلم»: أنَّه من قيس، قال ابن شيخنا البلقينيِّ: أخرج الإمام أحمد في «مسنده» عن أبي إسحاق قال: سألت البراء، وسأله رجل من قيس، انتهى.
قوله: (أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ ... ) إلى قوله: (لَمْ يُوَلِّ): وفي بعض طرق هذا الحديث: أنَّه قيل للبراء: (أفررتم؟)، كما سيأتي قريبًا، فذكر ما ذكر، وسيأتي أيضًا قريبًا: (أوَلَّيتم مع النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم يوم حنين؟)، أمَّا الكلام الأوَّل؛ فلا اعتراض عليه، وإنَّما الكلام في (أفررتم؟) و (أوَلَّيتم؟)، وجواب البراء من بديع الأجوبة مع الأدب؛ لأنَّ تقدير الكلام: فررتم كلُّكم؟ وأوَلَّيتم كلُّكم؟ فيقتضي أنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم وافقهم في ذلك، وخصوصًا رواية: (أوليتم مع النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؟)، فأجاب البراء بما أجاب، وسيأتي قريبًا جدًّا نقل الإجماع على أنَّه لا يجوز أن يُعتَقد أنَّه عَلَيهِ السَّلام ولَّى؛ فاعلمه.
قوله: (عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ): (عجِل): بكسر الجيم، فعل ماض، و (سرعان القوم): المستعجلون، وقد قدَّمتُ ضبطه، وهو ما قاله ابن
[ج 2 ص 213]
قُرقُول، كذا لمتقني شيوخنا؛ يعني: بفتح السين والراء، قال: وهو قول الكسائيِّ، وهو الوجه، قال: وضبطه بعضهم بسكون الراء، وله وجه، والأوَّل أوجه، لكن يكون جمعَ «سريعٍ»؛ مثل: قفيز وقُفزان، وحكى الخطابيُّ: أنَّ بعضهم يقول: سُرعان، قال: وهو خطأ، انتهى، وقد ذكرت ذلك في أوَّل هذا التعليق في حديث السهو، والله أعلم.
قوله: (وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ): هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عمِّ النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وأخوه من الرضاعة، تَقَدَّم الكلام عليه رضي الله عنه، وتَقَدَّم الاختلاف في اسمه، فقيل: المغيرة، وقيل: بل المغيرة أخوه، وفيه نظر، وقيل: اسمه كنيته.
قوله: (آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ): (آخِذ): بمدِّ الهمزة، وكسر الخاء، اسم فاعل، وسأذكر هذه البغلة ما هي من بغلاته عَلَيهِ السَّلام قريبًا.
قوله: (أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ): الرواية بإسكان الموحَّدة، وقد فتحها بعضهم في (لاكذبَ)؛ حرصًا منه على أن يفسد الرويَّ، فيستغني عن الاعتذار في ذلك، وقال شيخنا: وقد قيل:
أنت النَّبيُّ لا كذب
أنت ابن عبد المطَّلب

(1/7757)


فقال: حكاية قولهم: «أنا النَّبيُّ لا كذب»، واعلم أنَّ هذا رجز، وقد اختلف فيه؛ هل هو شعر أم لا؟ وقد ذكرت فيما مضى الكلام في ذلك، وأنَّ الصحيح: أنَّ الرجز شِعرٌ، وأنَّ ما قاله النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ليس بشعر وإن قلنا: إنَّ الرجز شعر، وذلك لفقد شرط من شروط الشعر؛ وهو القصد، وفيه الوزن والقافية.
قوله: (أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ): إن قيل: كيف انتسب إلى جدِّه دون أبيه، وافتخر بذلك، مع أنَّ الافتخار في حقِّ أكثر الناس من عمل الجاهليَّة؟ فالجواب: أنَّه عَلَيهِ السَّلام كان مشهورًا بجدِّه أكثر، وذلك لأنَّ أباه تُوُفِّيَ شابًّا في حياة عبد المطَّلب والده قبل اشتهار عبد الله، وكان عبد المطَّلب مشهورًا شهرة شائعة ذائعة، وكان الناس يدعونه عَلَيهِ السَّلام ابنَ عبد المطَّلب، وقيل: إنَّ عبد المطَّلب رأى رؤيا تدلُّ على ظهور النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وكان ذلك مشهورًا عندهم، فأراد عَلَيهِ السَّلام تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنَّه عَلَيهِ السَّلام لا بدَّ من ظهوره على الأعداء، أو لغير ذلك، والله أعلم.
4316# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ الحافظ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ.
قوله: (أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟): اعلم أنَّهم نقلوا الإجماع على أنَّه لا يجوز أن يُعتَقد أنَّه عَلَيهِ السَّلام انهزم، ولا يجوز ذلك عليه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، ولم يرد أنَّه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم انهزم في موطن من المواطن.
تنبيهٌ: الحديث الذي في «مسلم» عن سلمة ابن الأكوع؛ وهو (فولَّى صحابة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وأرجعُ منهزمًا وعليَّ بردتان، مؤتزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما، ومررت على رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم منهزمًا، وهو على بغلته البيضاء)، فـ (منهزمًا) حال من ابن الأكوع، كما صرَّح أوَّلًا بانهزام نفسه، ولم يرد أنَّه عَلَيهِ السَّلام انهزم، هذا مما لا شكَّ فيه، وإنَّما ذكرته؛ لأنَّه قد يقف عليه من لا يعرف الأشياء فيهوي، والله الموفِّق للصواب.
تنبيهٌ ثانٍ: وهو أن يقال: كيف فرَّ القوم والفرار كبيرة؟ وجوابه: الكبيرة هو أن ينوي عدم العود عند وجدان القوَّة، وأمَّا من تحيَّز إلى فئة، أو كان فراره لكثرة عدد العدوِّ، أو نوى العود إذا أمكنه؛ فلا محذور فيه، ولا داخلًا في الوعيد، ولهذا قال تعالى في حقِّ هؤلاء: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26]، واعلم أنَّ العدوَّ كانوا أضعاف [1] المسلمين، والله أعلم.
==========
[1] في (أ): (ضعاف)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

(1/7758)


[حديث: أنا النَّبي لا كذب]
4317# قوله: (فَاسْتُقْبِلْنَا): هو بضمِّ التاء، وكسر الموحَّدة، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ): اعلم أنَّ هذه البغلة كانت بيضاء، كما صرَّح هنا، وفي «مسلم»: (أهداها له فروة بن نُفاثة)، كما صرَّح به العبَّاس بن عبد المطَّلب في «مسلم»، وقد سمَّاها بعض الحفَّاظ: فضَّة، وقال بعض مشايخ مشايخي، وهو الحافظ مغلطاي في (غزوة حنين): وركب بغلة تسمَّى دلدل، انتهى.
قال الشيخ محيي الدين النوويُّ في «شرح مسلم»: أمَّا قوله: بيضاء؛ فكذا قال في هذه الرواية، وفي أخرى بعدها: (أنَّها بغلة بيضاء)، وفي آخر الباب: (على بغلته الشهباء)، وهي واحدة، قال العلماء: لا يعرف له عَلَيهِ السَّلام بغلة سواها يقال لها: دلدل، أهداها فروة بن نُفاثة، وقد ذكرت للنَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم عدَّة بغلات؛ فانظر ذلك في (الجهاد)، وقال الشيخ محيي الدين في الدلدل: (أهداها له فروة بن نُفاثة)، [و] فيه نظر، وإنَّما البغلة التي أهداها فروة فضَّة، والدلدل أهداها له المقوقس، والله أعلم، وقال شيخنا الشارح: وكان عَلَيهِ السَّلام على بغلته البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة ... إلى أن قال: وعند ابن سعد: أنَّ البغلة هي دلدل، وتبعه أبو عمر وابن حزم وغيرُهما، وفي «مسلم»: «بغلته الشهباء»؛ يعني: دلدل، أهداها له المقوقس، ويجوز أن يكون ركبهما يومئذ، انتهى، وقد تَقَدَّم عنه نحوُه في (الجهاد)، انتهى، وقد تَقَدَّم أنَّ في «مسلم»: «أهداها له فروة بن نفاثة».
قوله: (وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ): تَقَدَّم أنَّه ابن الحارث بن عبد المطَّلب أعلاه، والاختلاف في اسمه، والله أعلم.
قوله: (قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ: نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَغْلَتِهِ): هذا تعليق مجزوم به، و (إسرائيل) هذا: هو ابن يونس بن أبي إسحاق، يروي عن جدِّه أبي إسحاق، وتعليقه أخرجه البُخاريُّ في (الجهاد) عن عبيد الله بن موسى عنه بإسناد الذي قبله، وتعليق (زهير): هو ابن معاوية الجعفيُّ، أبو خيثمة الكوفيُّ، عن أبي إسحاق، فأخرجه البُخاريُّ في (الجهاد) عن عَمرو بن خالد، ومسلمٌ في (المغازي) عن يحيى بن يحيى؛ كلاهما عنه بإسناد الذي قبله المتَّصل، والله أعلم.
[ج 2 ص 214]

(1/7759)


[حديث: معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه ... ]
4318# 4319# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ العين المهملة، وفتح الفاء، وتَقَدَّم أيضًا (اللَّيْثُ): هو ابن سعد، الإمام، وتَقَدَّم أنَّ (عُقَيلًا) بضمِّ العين المهملة، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وتَقَدَّم (ابنُ شِهَابٍ): أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهريُّ.
قوله: (وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): ذكر الجيَّانيُّ فيه كلامًا ذكرته في (غزوة الحُدَيْبيَة)؛ فراجعه إن أردته، ولم ينسبه المِزِّيُّ ولا شيخنا، و (ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن عبد الله بن مسلم، وتَقَدَّم بعض ترجمته، وأنَّه ثِقةٌ، و (مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ) بعده: هو الزُّهريُّ عمُّه، وتَقَدَّم الكلام على (مَرْوَان)، وهو ابن الحكم، وعلى (الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ)، وأنَّ مروانَ تابعيٌّ، والمسور صَحابيٌّ صغير، وأبواهما صحابيَّان: الحكم ومخرمة، وتَقَدَّم أنَّ هذا يرويانه عن صحابة مبهمين، كذا في بعض طرقه، وأهمل هذه الطريق التي عن مبهمي المِزِّيِّ في «أطرافه»، فلم أرها، وتَقَدَّم الكلام على (وَفْد هَوَازِنَ)، وأنَّهم أربعة عشر رجلًا، ورأسهم زهير بن صُرد، وفيهم أبو بَرْقان عمُّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم من الرضاعة، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: في «طبقات ابن سعد» ... ؛ فذكر حديثًا منها، وفيه: «وفي الوفد عمُّ النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم من الرضاعة أبو ثُروان»، ثُمَّ قال: «وقدم عليه أربعة عشر رجلًا من هوازن ... » إلى أن قال: «وكان رئيس القوم والمتكلِّم أبو صرد زهير بن صرد ... »؛ الحديث، وقد رأيت أبا صرد في «الأُسْد»، وأنَّه المتكلِّم في قصَّة هوازن، ولكن لم أرَ أبا ثُروان عمَّه عَلَيهِ السَّلام، ولكنَّه ذكر أبا مروان التميميَّ الراعي؛ فليُزد هذا عليه، انتهى، واعلم أنَّ النسخة التي نظرتها من «مبهماته» مصحَّفة هنا، وإنَّما عمُّه عَلَيهِ السَّلام أبو بَرْقان؛ بالموحَّدة، ثُمَّ راء، ثُمَّ قاف، ثُمَّ ألف، ثُمَّ نون، وقد ذكره الذهبيُّ في «تجريده»؛ فاعلمه.
وتَقَدَّم عدد المال والسبي، وأنَّه ستَّة آلاف رأس من النساء والذريَّة، وأربعة وعشرون ألفًا من الإبل، وفوق أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقيَّة فضَّة، والأوقيَّة: أربعون، والله أعلم.
قوله: (بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً): تَقَدَّم أنَّ (البضع) في العدد بكسر الباء وفتحها، وتَقَدَّم كم هو في أوائل هذا في (الإيمان).
قوله: (حِينَ قَفَلَ)؛ أي: رجع، وقد تَقَدَّم.
قوله: (نَخْتَارُ سَبْيَنَا [1]): تَقَدَّم أنَّ السبي كان ستَّة آلاف رأس من النساء والذريَّة.
قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّم إعرابها، والاختلاف في أوَّل من قالها، في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِك [2]): هو بضمِّ أوله، وفتح الطاء، وتشديد المثنَّاة تحتُ ثالثه.

(1/7760)


قوله: (فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا): في هذا أنَّ جميعهم طيَّب وأذِن، وفي «سيرة ابن سيِّد الناس»: فقال الأقرع بن حابس: أمَّا أنا وبنو تميم؛ فلا، وقال عيينة بن حصن: أمَّا أنا وبنو فزارة؛ فلا، وقال العبَّاس بن مرداس: أمَّا أنا وبنو سُليم؛ فلا، فقالت بنو سُليم: ما كان لنا؛ فهو لرسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فقال العبَّاس: وهَّنتموني، انتهى، وفي «النَّسائيِّ» نحوه، والله أعلم.
قوله: (هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ [3] سَبْيِ هَوَازِنَ): هذا من قول الزهريِّ، كذا قاله البُخاريُّ في هذا «الصحيح» في (الهبة)، والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (فائد: كان سبي حنين ستة آلاف رأس، وكان صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قد ولى أبا سفيان بن حرب أمرهم، وجعله أمينًا عليهم).
[2] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (ذلك).
[3] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (عن).
[ج 2 ص 215]

(1/7761)


[حديث: لما قفلنا من حنين]
4320# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن الفضل، عارم، وعارم لقبه، وتَقَدَّم أنَّه بعيد من العرامة، و (أَيُّوبُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ): كذا في أصلنا، ثُمَّ ذكره البُخاريُّ عقيب هذا عن نافع عن ابن عمر قال: «لمَّا قفلنا من حنين ... »؛ الحديث، فاعلم أنَّ نافعًا لم يدرك عمر، فيبقى فيه إرسال، وإن شئت؛ سمَّيته منقطعًا، وقد قال المِزِّيُّ في «أطرافه» في «مسند عمر»: نافع مولى ابن عمر عن عمر، ولم يدركه، فذكر حديث: «أنَّ عمر فرض للمهاجرين الأوَّلين أربعة آلاف»، قال: هكذا وقع في عامَّة الأصول، ووقع في بعضها: عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: «فرض ... »، انتهى، ولم يذكر هذا الحديث؛ وهو: (نذر عمر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام)، ثُمَّ أسنده كما ذكرنا عقيبه عن نافع عن ابن عمر، قال: سأل عمر ... ، فالأوَّل منقطع، والثاني مسند، وما أظن أنَّ مثل هذا يدخل على البُخاريِّ؛ لأنَّ الإرسال فيه ظاهر جدًّا، وليس بخفيٍّ، وقد ذكر المِزِّيُّ الحديث الأوَّل: (فرض للمهاجرين) في المسندين؛ في «مسند عمر» و «مسند ابن عمر»، والله أعلم.
قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو عبد الله بن المبارك، وتَقَدَّم أنَّ (مَعْمَرًا) بإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، وأنَّ (أَيُّوبَ) هو ابن أبي تميمة السختيانيُّ، الإمام المشهور.
قوله: (قَفَلْنَا)؛ أي: رجعنا، وقد تَقَدَّم.
قوله: (اعْتِكَافٍ): هو مجرور منوُّن، بدل من (نذر) المجرور.
قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ): (بعضهم) لا أعرفه، و (حمَّاد) بعده: هو ابن زيد، كما وضحه المِزِّيُّ في «أطرافه»، وقد أخرج حديث حمَّاد بن زيد به مسلمٌ عن أحمد بن عبْدة الضبيِّ عن حمَّاد بن زيد، وأحمد بن عبدة الضبيُّ لم يخرِّج له البُخاريُّ شيئًا، وقد أخرج له مسلم والأربعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وسبب ذكره في «الميزان»: أنَّ ابن خراش قال: تكلَّم الناس فيه، قال الذهبيُّ: فلم يُصدَّق ابن خراش في قوله هذا، فالرجل حجَّة، انتهى.
تنبيهٌ: هذا الحديث جعله بعض الرواة من «مسند ابن عمر» كما هنا، وبعضهم جعله من «مسند عمر»، فأخرجه من حديث ابن عمر البُخاريُّ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، ومن «مسند عمر» الجماعة كلُّهم.
قوله: (وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ): أمَّا (جرير بن حازم)؛ فقد تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالحاء المهملة، وتعليق جرير بن حازم أخرجه مسلم، وكذا أخرج مسلم تعليق حمَّاد بن سلمة، وأخرجه النَّسائيُّ أيضًا.
==========
[ج 2 ص 215]

(1/7762)


[حديث: خرجنا مع النبي عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين ... ]
4321# قوله: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ): هذا هو الأنصاريُّ القاضي، تَقَدَّم مِرارًا، و (عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، و (أَبُو مُحَمَّد مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ): تَقَدَّم أنَّ اسمه نافع بن عبَّاس، وقيل: ابن عيَّاش، نسب إلى أبي قتادة وإنَّما ولاؤه لغيره، وثَّقه النَّسائيُّ، وأخرج له الجماعة، تَقَدَّم، و (أَبُو قَتَادَةَ): الحارث بن ربعيٍّ، تَقَدَّم.
قوله: (عَامَ حُنَيْنٍ): تَقَدَّم أنَّها في السنة الثامنة، في شوَّال.
قوله: (جَوْلَةٌ): هي بفتح الجيم، وإسكان الواو؛ أي: انهزام.
قوله: (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ): الرجلان لا أعرفهما.
[ج 2 ص 215]
قوله: (قَدْ عَلاَ): أي: غلب، وقيل في معناه غير ذلك، وقد تَقَدَّم.
قوله: (عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ): (حبل العاتق): ما بين المنكب والعنق، وقال ابن دريد: حبل العاتق: عصبتاه، موضع الرداء من العنق.
قوله: (فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؛ فَلَهُ سَلَبُهُ»): قال ابن سيِّد الناس في «سيرته»: ويوم حنين قال عَلَيهِ السَّلام: «من قتل قتيلًا؛ فله سلَبُه»، فصار حكمًا عامًّا، فقد يفهم شخص من هذا أنَّ هذا لم يُقَل قبل ذلك، وقد قال مالك رحمه الله: ولم يبلغني أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قال ذلك إلَّا يوم حنين، كما نقله عنه ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدْي»، والذي في «مسلم» في أوائل (الجهاد): قال عوف _يعني: ابن مالك_: فقلت يا خالد؛ إنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قضى بالسلب للقاتل، قال: بلى، انتهى، كأنَّه يريد بيومئذ قصَّة معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح مع أبي جهل، فإنَّه عَلَيهِ السَّلام قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، ويكون خالد بلغه ذلك من بعض الصَّحابة، أو سمع القصَّة من النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؛ لأنَّها جرت قبل إسلام خالد بزمان، وقصَّة عوف مع خالد كانت في مؤتة قبل حنين بالاتِّفاق، وقد يجمع بين كلام مالك وما في «مسلم» بأنَّ الذي في «مسلم» فعل، والذي في حنين قول، ويكون قول مالك صحيحًا، أو أنَّ مالكًا ما بلغه ذلك، وكذا ما قد يفهمه الشخص من كلام ابن سيِّد الناس، وقد تَقَدَّم أنَّه عَلَيهِ السَّلام أعطى سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح في «البُخاريِّ» وفي «مسلم» أيضًا.

(1/7763)


وقد قال ابن سيِّد الناس في «سيرته» في غزوة بدر بعد أن ذكر من عند ابن عائذ سندًا فيه محمَّد بن السائب الكلبيُّ عن أبي صالح، عن ابن عبَّاس: أنَّه عَلَيهِ السَّلام لمَّا كان يوم بدر؛ قال: «من قتل قتيلًا؛ فله سلبه ... »؛ الحديث ما لفظه: المشهور أنَّ قول رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: «من قتل قتيلًا؛ فله سلبه» إنَّما كان ذلك يوم حنين، وأمَّا قوله ذلك يوم بدر وأُحد؛ فأكثر ما يوجد من رواية من لايحتجُّ به، وقد روى أرباب المغازي والسير: أنَّ سعد بن أبي وقاص قتل يوم بدر العاصي بن سعيد، وأخذ سيفه، فنفله رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إيَّاه حتَّى نزلت سورة الأنفال، وأنَّ الزُّبَير بارز يومئذ رجلًا، فنفله رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم سلبه، وأنَّ ابن مسعود نفله رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم سلب أبي جهل، كذا قال، وقد تَقَدَّم أنَّ في «الصحيح»: (قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح)، وقد تَقَدَّم، ثُمَّ شرع بذكر ضعف الكلبيِّ وأبي صالح، وترجمتهما معروفة.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ): هذا الرجل الذي شهد لأبي قتادة سيجيء قريبًا أنَّه من قريش، وقد تَقَدَّم من كلام شيخنا: أنَّه شهد له بالسلب اثنان، وسمَّاهما: الأسود بن خزاعيٍّ وعبد الله بن أنيس، ونقل ذلك عن المنذريِّ، وهذان غير قرشيَّين، الأسود بن خزاعيٍّ _وقيل بالعكس_ أحد من قتل ابن أبي الحقيق، أسلميٌّ، من حلفاء بني سلمة من الأنصار، وأمَّا ابن أنيس؛ فهم جماعة؛ أحدهم: أسلميٌّ، والثاني: جهنيٌّ، ثُمَّ أنصاريٌّ حليفهم، والثالث: زهريٌّ، قال الذهبيُّ: روى عبد الله بن عمر العُمريُّ عن ابنه عيسى عنه، قال الذهبيُّ: وإنَّما هو الجهنيُّ الأنصاريُّ، والرابع: هو ابن أنيس أو أنس، قيل: هو الذي رمى ماعزًا لمَّا رجموه فقتله، والخامس: عامريٌّ له وفادة، والسادس: قُتِل يوم اليمامة، والله أعلم.
قوله: (فَأَرْضِهِ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (لاَ هَا اللهِ إِذًا): تَقَدَّم الكلام عليها مطوَّلًا، وتغليط الرواية، ومن قال: إنَّها صواب، بما فيه كفاية في (الخمس).
قوله: (لاَ يَعْمِدُ): هو بكسر الميم، وقد تَقَدَّم أنِّي رأيت في حاشية عُزيت لـ «شرح الفصيح»: أنَّ (عَمِد) في الماضي فيه لغة كسر الميم، وهي غريبة، ولفظ الحاشية: (عمَد)؛ بفتح الميم، وحكى المطرِّز عن ثعلب كسرها أيضًا، قال اللبليُّ شارح «الفصيح» بعد أن ذكر حكاية المطرِّز [عن] ثعلب الكسر، قال: ولم أر أحدًا حكاه غيره. انتهت.
قوله: (فَيُعْطِيَكَ): هو بالنصب جواب النفي، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا [2]): هو البستان، وتَقَدَّم ضبطه، وكذا (فِي بَنِي سَلِمَةَ)؛ بكسر اللام، قيل: من الأنصار، وكذا (تَأَثَّلْتُهُ)؛ أي: اتَّخذته أصلًا ورأس مال، وأثلة الشيء: أصله، ومنه: (غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا) [خ¦2313].
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (النَّبيُّ).

(1/7764)


[2] في (ق): (فائد: مخرف؛ بفتح الراء وكسرها، وأمَّا كسر الميم؛ فهو اسم الآلة التي تخترف بها الثمرة؛ أي: تجتنى، وأجاد في تفسيره، فقال: المخرف: نخلة واحدة أو نخلات يسيرة إلى عشر فما فوق ذلك؛ فهو بستان أو حديقة، وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السلب للقاتل حكمًا شرعيًّا جعل ذلك الإمام له أو لم يجعله، وهو قول الشافعي، وقال مالك: إنَّما ذلك إلى الإمام له أن يقول بعد معمعة الحرب: من قتل قتيلًا؛ فله سلبه، ويكره مالك أن يقول ذلك قبل القتال؛ لئلا يخالط النية غرض آخر غير احتساب نفسه لله تعالى).

(1/7765)


[معلق الليث: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين ... ]
4322# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه البُخاريُّ في (الأحكام) عن قتيبة عن ليث، وأخرجه مسلم في (المغازي) عن قتيبة عن الليث به، و (يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ): تَقَدَّم في الصفحة قبله أنَّه الأنصاريُّ.
قوله: (إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ): تَقَدَّم أنَّ الرجلين لا أعرفهما.
قوله: (وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ): هذا الثالث أيضًا لا أعرفه، و (يَختِله): هو بفتح أوَّله، وكسر المثنَّاة فوق؛ أي: يأخذه في غفلة.
قوله: (ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ): (تَرَكَ): بفتح المثنَّاة فوق والراء والكاف؛ أي: ترك ضمِّي، وتحلَّلتْ قواه، كما قال في موضع آخر: (فَأَدْرَكَهُ [1] الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) [خ¦4321]، قاله ابن قُرقُول، وقوله: (ثُمَّ ترك فتحلل) مقلوب؛ أي: تحلَّلت قواه فترك ضمِّي، والله أعلم.
قوله: (فَتَحَلَّلَ): هو بالحاء المهملة، وتشديد اللام الأولى، وهو (تفعَّل)، من الحلِّ؛ أي: حلَّ نفسه مني، وانفصل عنِّي، كما قال في رواية أخرى: (ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) [خ¦4321]، وقوله: (فتحلَّل) هذا: الفاء ليست للترتيب، وإنَّما هي لعطف جملة على جملة؛ لأنَّه تحلَّلت قواه فترك ضمَّه، كما تَقَدَّم أعلاه، وقد جاءت (ثُمَّ) للعطف لا للترتيب في بعض الأماكن، فكذا الفاء، والله أعلم.
قوله: (وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ): هذا فيه مجاز، ولم ينهزم جميع المسلمين، وقد قدَّمتُ عدد من ثبت مع النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم في حنين في أوائل (الجهاد)، وها أنا أذكره لك، قال ابن سيِّد الناس في «سيرته»: وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته: عليٌّ، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، والفضل بن عبَّاس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن أمِّ أيمن، وقُتِل يومئذ، انتهى، وقال مغلطاي: ولم يثبت معه حين ذلك إلَّا عشرة، وقيل: ثمانية، انتهى.

(1/7766)


وقال شيخنا: وثبت معه يومئذ العبَّاس، وعليٌّ، والفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأبو بكر، وعمر، وأسامة في أناس من أهل بيته، قال الحارث بن النعمان: مئة رجل، وسيأتي تعداد بعضهم ... إلى أن قال: وعدَّ ابن هشام وغيره معه قُثَم بن العبَّاس، وفيه نظر؛ لأنَّه عَلَيهِ السَّلام تُوُفِّيَ وهو صغير، وعند الزُّبَير بن أبي بكر: وكان عتبة ومعتِّب ابنا أبي لهب ممَّن ثبت معه يومئذ، ولابن إسحاق: وأيمن بن أمِّ أيمن، ولابن عبد البرِّ: وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وأمُّ سليم، ولعبد الغنيِّ: وعبد الله بن الزُّبَير بن عبد المطَّلب، ولابن الأثير: وعَقِيل بن أبي طالب، ولابن عبَّاس في «تفسيره»: وأبو دجانة، ونفر من الأنصار تعلَّقوا بثفر البغلة، وللبَيهَقيِّ عن ابن مسعود: ثبتُّ معه في ثمانين رجلًا من الأنصار والمهاجرين ... إلى أن قال: ولأبي معشر: ثبت معه يومئذ مئة رجل؛ بضعة وثلاثون من المهاجرين، وسائرهم من الأنصار، انتهى.
وفاتَه نوفل بن الحارث بن عبد المطَّلب، قاله أبو عمر في «الاستيعاب»، والذي عزاه شيخنا للبَيهَقيِّ هو في «المستدرك» في (الجهاد)
[ج 2 ص 216]
من حديث ابن مسعود، ولفظه: (وبقيتُ [2] معه في ثمانين رجلًا)، وفي «التِّرْمِذيِّ» محسَّنًا عن ابن عمر: (وما معه إلَّا مئة رجل)، وذكر ابن سيِّد الناس في أعمامه وعمَّاته: أنَّ عتبة ومعتِّبًا ابني أبي لهب ثبتا معه، وقد تَقَدَّما في كلام شيخنا، وذكر أيضًا في أعمامه وعمَّاته: الزُّبَير، فقال: فولده عبد الله شهد يوم حُنين، وثبت معه، وهذا أيضًا في كلام شيخنا، وذكر ابن عبد البرِّ في «استيعابه»: أنَّ أمَّ الحارث الأنصاريَّة ثبتتْ معه يوم حُنين، ذكر ذلك في ترجمتها، وفي «الاستيعاب» أيضًا في ترجمة العبَّاس: (وانهزم الناس عن رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم يوم حُنين غيره وغير عمر وعليٍّ وأبي سفيان بن الحارث، وقد قيل: غير سبعة من أهل بيته ... ) إلى أن قال: (قال ابن إسحاق: والسبعة: عليٌّ، والعبَّاس، والفضل بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه جعفر، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، والثامن: أيمن بن عبيد، وجعل غير ابن إسحاق في موضع أبي سفيان عمرَ بن الخَطَّاب، والصحيح: أنَّ أبا سفيان كان معه يومئذ، ولم يُختَلف في عمر)، انتهى، والله أعلم.
قوله: (فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ ظَاهِرٌ [3]): هذا فيه نظرٌ، إلَّا أن يقال: إنَّه في الناس الذين ثبتوا معه عَلَيهِ السَّلام، وذلك لأنَّه عُدَّ في الذين ثبتوا، وقد قال قبيل هذا أبو عمر بن عبد البرِّ: ولم يُختَلف في عمر رضي الله عنه.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ): تَقَدَّم قريبًا الكلام على هذا الرجل قريبًا، والله أعلم.
قوله: (فَأَرْضِهِ مِنْهُ): تَقَدَّم قريبًا أنَّه بهمزة قطع، وهذا ظاهرٌ؛ لأنَّه رباعيٌّ.

(1/7767)


قوله: (أُصَيْبِغَ [4] مِنْ قُرَيْشٍ): هو بالصاد المهملة، وغين معجمة، كذا للأصيليِّ، والنسفيِّ، وأبي ذرِّ، والسمرقنديِّ؛ ومعناه: أُسَيْوِد، كأنَّه عيَّره بلونه، وللباقين: (أضيبع)، كذا للقابسيِّ، وعبدوس، ولأبي ذرٍّ في رواية، وللعذريِّ، وابن الحذَّاء، والسجزيِّ؛ كلُّهم يقوله بالضاد، تصغير (ضبع) على غير قياس؛ تحقيرًا له، وهو أشبه بسياق الكلام؛ لقوله: (وَيَدَعَ أَسَدًا)، قال أبو مروان بن سراج: ولكنَّه لا يحتمله قياس اللسان؛ لأنَّ تصغير (ضبع): ضبيع، والأوَّل أصحُّ، انتهى، وعن ابن مالك: هو تصغير (أضبع)؛ وهو القصير الضبع، ويكنَّى به عن الضعيف، وتَقَدَّم الكلام عليه في (الخمس)، وما فيه من اختلاف الرواة.
قوله: (خِرَافًا): (الخِراف)؛ بكسر الخاء المعجمة: اسم لما تُختَرف منه الثمار، أو يكون جمع (خريف)؛ وهو النخلة؛ مثل: كريم، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (تَأَثَّلْتُهُ) قريبًا وفي (الخمس).

(1/7768)


[باب غزاة أوطاس]
قوله: (بابُ غَزْوَةِ [1] أَوْطَاسٍ): تَقَدَّم في أوَّل (غزوة حنين) أنَّها يقال لها: غزوة حنين، وهوازن، وأوطاس، سُمِّيَت بـ (أوطاس) باسم الموضع الذي كان فيه الوقعة أخيرًا حيث اجتمع فلَّالهم، وتوجَّه إليهم أبو عامر الأشعريُّ، والوطيس: التنور، وفي هذه الغزوة قال عَلَيهِ السَّلام: «الآن حمي الوطيس، حيث استعرتِ الحرب»، وهي من الكلم التي لم يُسبَق إليها النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وهنَّ جماعة كلم؛ منها: «لا ينتطح فيها عنزان»، و «مات حتف أنفه»، و «لا يلدغ المؤمن من جحر مرَتين»، و «يا خيل الله اركبي»، و «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، و «كلُّ الصيد في جوف الفَرأ»، و «الحرب خدعة»، و «إيَّاكم وخضراءَ الدِّمَن»، و «إنَّ ممَّا ينبت الربيع لما يقتل أو يلمُّ»، و «الأنصار كرشي وعيبتي»، و «لا يجني على المرء إلَّا يده»، و «الشديد من غلب نفسه»، و «ليس الخبر كالمعاينة»، و «المجالس بالأمانة»، و «اليد العليا خير من اليد السفلى»، و «البلاء موكَّل بالمنطق»، و «الناس كأسنان المشط»، و «ترك الشرِّ صدقة»، و «أيُّ داء أدوأ من البخل»، و «الأعمال بالنيَّات»، و «الحياء خير كلُّه»، و «اليمين الفاجرة تدع الديار بَلَاقِعُ»، و «سيِّد القوم خادمهم»، و «فضل العلم خير من فضل العبادة»، و «الخيل في نواصيها الخير»، و «عِدَة المؤمن كأخذ باليد»، و «أعجل الأشياء عقوبة البغيِّ»، و «إنَّ من الشعر لحكمًا»، و «الصحة والفراغ نعمتان»، و «نيَّة المؤمن خير من عمله»، و «الولد الوطء»، و «استعينوا على الحاجات بالكتمان، فإنَّ كلَّ ذي نعمة محسود»، و «المكر والخديعة في النار»، و «من غشَّنا؛ فليس منا»، و «المستشار مؤتمن»، و «الندم توبة»، و «الدالُّ على الخير كفاعله»، و «حبُّك الشيء يُعمِي ويُصِمُّ»، و «العارية مؤدَّاة»، و «الإيمان قيَّد الفتك»، و «سبقك بها عكاشة»، و «عجب ربُّكم من كذا»، و «قتل صبرًا»، و «ليس المسؤول بأعلم من السائل»، و «لا ترفع عصاك عن أهلك»، و «لا تضحِّي بشرقاء [2]» ... إلى غير ذلك ممَّا يطول ذكره، ذكر ذلك مغلطاي في «سيرته» في سريَّة عمير بن عديٍّ الخطميِّ إلى عصماء بنت مروان، والله أعلم.

(1/7769)


[حديث: لما فرغ النبي من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى ... ]
4323# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وتَقَدَّم (بُرَيْدٌ): أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وتَقَدَّم أنَّ (أَبَا بُرْدَة) اسمه الحارث أو عامر، القاضي، وتَقَدَّم (أَبُو مُوسَى): أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.
قوله: (بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ): تَقَدَّم أنَّ أبا عامر هذا اسمه عبيد، كذا هو مسمًّى في «الصحيح»: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر»، ويأتي قريبًا كذلك، وهو عبيد بن سُلَيم بن حَضَّار بن حرب بن عامر بن بُكَير بن عامر بن عدد بن وائل بن ناجية بن جماهير بن الأشعر، وهو ابن نبت بن أدد بن زيد بن يشجبَ بن يعرب بن قحطان، وتَقَدَّم أنَّه عمُّ أبي موسى الأشعريِّ، وقد استشهد بأوطاس، كما سيأتي.
تنبيهٌ: وقع في «سيرة ابن سيِّد الناس» في غزوة حنين عن ابن إسحاق: أنَّ أبا موسى ابن عمِّ أبي عامر، وفيه نظر، وقد ذكرت لك نسبهما، والله أعلم.
قوله: (فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ): (دريد): مصغَّر، وهو منصوب مفعول، و (الصِّمة): بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم، وهو دريد بن الصِّمَّة بن الحارث بن معاوية بن جُداعة _بضمِّ الجيم_ ابن غَزيَّةَ بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قتل كافرًا بالله كما سيأتي.
قوله: (فَقُتِلَ دُرَيْدٌ [1]): (قُتِل): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (دريدٌ): مرفوع منوَّن نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وقاتل دريد هو ربيعة بن رفيع بن أهبان، ذكر ذلك ابن عبد البرِّ في ترجمة ربيعة هذا، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ بعد ذكر ربيعة هذا: إنَّه قاتل دريد، قال: ويقال: ابن الدَّغنة، واسمه: لدغة؛ بالغين المعجمة، قال ابن هشام: ويقال: اسم الذي قتل دريدًا عبدُ الله بن قنيع بن أهبان، كذا ذكره في «الأُسْد»، انتهى، وكذا ذكر الذهبيُّ في «تجريده»: أنَّه عبد الله بن قنيع، والله أعلم.
قوله: (فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ [2]): (رُمِيَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (أبو عامر): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وسيأتي من رماه.
قوله: (رَمَاهُ جُشَمِيٌّ): قال ابن إسحاق: فيزعمون أنَّ سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر، وقال ابن سعد: قتل أبو عامر منهم تسعة مبارزةً، ثُمَّ نزل العاشر معلَّمًا بعمامة صفراء، فضرب أبا عامر فقتله، انتهى، وقال شيخنا عن ابن هشام: رماه أخوان من بني جشم بن معاوية، فأصاب
[ج 2 ص 217]
أحدهما قلبه، والآخر ركبته [3]، انتهى.
والذي رأيته في «سيرة ابن هشام» من زياداته فيما حدَّثه به من يثق به من أهل العلم بالشعر: أنَّ أبا عامر رماه أخوان؛ العلاء وأوفى ابنا الحارث، من بني جشم بن معاوية، وأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته، فقتلاه، ووَلِي الناس أبو موسى الأشعريُّ، فحمل عليهما، فقتلهما، انتهى.

(1/7770)


وقوله: وعند أبي عمر؛ يعني: في غير «الاستيعاب»، وأنا لم أره فيه في ترجمته ولا في ترجمة ابن أخيه أبي موسى، والله أعلم، وقد قيل: أبو موسى الأشعريُّ قاتل عمِّه أبي عامر، كما سيأتي، وتَقَدَّم أيضًا أعلاه، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ بعد ذكر كلام ابن إسحاق: وقال ابن هشام: وحدَّثني من أثق به: ورمى أبا عامر أخوان [4]؛ العلاء وأوفى _وفي نسخة: أوفى_ ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية، وأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه ... إلى أن قال: فحمل عليهما _يعني: أبا موسى_ فقتلهما، انتهى.
قوله: (فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ): (نزا): معتلُّ غير مهموز، وهو بالنون والزاي؛ ومعناه: ارتفع وظهر، قاله ابن قُرقُول، وفي «النِّهاية»: يقال: نُزِيَ دمه، ونُزِف؛ إذا جرى ولم ينقطع، ثُمَّ ذكر حديث أبي عامر، فقال: ومنه حديث أبي عامر، وكلاهما قريب، وقوله: (الماء)؛ أي: الدم، أطلق عليه ماء؛ بجامع ما بينهما من السيلان، والله أعلم.
قوله: (عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ): هو بضمِّ الميم الأولى، وفتح الثانية، بينهما راء ساكنة، ويجوز فتح الراء، وتشديد الميم، وهما نسختان في أصلنا، الأولى في الأصل، والثانية في الطرَّة، وكذلك (سرير مرمول)، و (رمال حصير)، كلُّ ذلك يراد به: المنسوج من السعف بالحبال.
قوله: (وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ): قال شيخنا: قال أبو الحسن: الذي أحفظ في هذا: (ما عليه فراش)، وأُراها سقطت، انتهى، وقد رأيت بخطِّ شيخنا أبي جعفر في نسخته: (وعليه فراش)، وقد خرج من بعد الواو، وكتب في الهامش: (ما)، وعليها صورة نسخة، فبقي على هذه النسخة: (وما عليه فراش)، وهذا هو الذي نقله شيخنا عن أبي الحسن، وسيأتي ما في هذه النسخة، وفي «المطالع» لابن قُرقُول ما نصُّه: (وعليه فراش): كذا في جميع النسخ من «مسلمٍ» و «البُخاريِّ»، قال القابسيُّ: الذي أعرف: (على سريرٍ مُرْمَل ما عليه فراش) ألا ترى إلى قوله: (وقد أثَّر رمال السرير في ظهره ... ) إلى آخر كلامه، والظاهر أنَّ أبا الحسن في كلام شيخنا هو القابسيُّ المذكور في «المطالع»، والله أعلم.
قوله: (قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ فِيْ ظَهْرِهِ [5]): تَقَدَّم أعلاه ما الرمال.
قوله: (وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ [6]): تَقَدَّم أنَّ بياض إبطيه من علامات نبوَّته.
قوله: (وَأَدْخِلْهُ): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (مدْخَلًا كَرِيمًا): (المُدخل): بضمِّ الميم وفتحها.
قوله: (قَالَ أَبُو بُرْدَةَ): تَقَدَّم أنَّه ولد أبي موسى، وأنَّه القاضي، وأنَّه الحارث، ويقال: عامر، وتَقَدَّم ببعض ترجمة بعيدًا.
تنبيهٌ: استشهد من المسلمين في حنين وأوطاس أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلًا.
==========
[1] في هامش (ق): (الدريد في اللغة: تصغير [أدرد]، وهو تصغير الترخيم، و [الصِّمَّة: الشجاع]، وجمعه: صِمَم).
[2] في هامش (ق): (هو أبو عامر الأشعريُّ، واسمه عُبيد بن سُلَيم، وهو عَمُّ أبي موسى الأشعريِّ [عبدِ الله]).

(1/7771)


[3] في (أ): (الحارث)، والمثبت موافق لما في «التوضيح» (21/ 470).
[4] في (أ): (أخو)، والمثبت موافق لمصدره.
[5] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (بظهره).
[6] في هامش (ق): ([أبو عامر: هو الذي استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قُتِل رافعًا يديه، يقول: «اللَّهمَّ اغفر لعبيدٍ أبي عامر» ثلاثًا، وفيه من الفقه: رفع اليدين في الدعاء]، وقد كرهه قوم، رُويَ عن عبد الله بن عمر: [أنَّه رأى قومًا يرفعون أيديهم في الدعاء، قال]: أوقد رفعوها؟ قطعها الله، والله لو كانوا بأعلى شاهق ما ازدادُوا بذلك من الله قربًا، وحجَّة من رَأى الرفع أحاديثُ؛ منها: هذا، ومنها حديث الاستسقاء، ومنها في سريَّة خالد: «اللَّهمَّ إنِّي أبرأُ إليك ممَّا صنع خالد»، ولكلٍّ وجهٌ، فمَن كَرِه؛ فإنَّما كره الإفراط في الرفع؛ كما كره رفع الصوت بالدعاء جدًّا).

(1/7772)


[باب غزوة الطائف]
(بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ) ... إلى (السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ)
(الطَّائِفِ): بلد معروف على مرحلتين من مَكَّة في جهة المشرق.
تنبيهٌ: حاصَرَ عَلَيهِ السَّلام الطائف ثمانية عشر يومًا، وقيل: خمسة عشر، وقيل: عشرين، وقال ابن حزم: بضع عشرة ليلة [1]، وفي «مسلم» في (الزكاة): أربعين يومًا، من حديث أنس.
==========
[1] في (أ): (له)، والمثبت من المصادر.
[ج 2 ص 218]

(1/7773)


[حديث: لا يدخلن هؤلاء عليكن]
4324# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الحاء المهملة، وتَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق لماذا نسب، وأنَّ اسمه عبد الله بن الزُّبَير، و (سُفْيَانُ) بعده: هو ابن عيينة، و (هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ): هو هشام بن عروة بن الزُّبَير بن العوَّام، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و (زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ) تَقَدَّمتُ، وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميَّة، ربيبة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وتَقَدَّم بعض ترجمتها رضي الله عنها، و (أُمُّهَا أُمُّ سَلَمَةَ): هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة، تَقَدَّم بعض ترجمتها، والكلام في تاريخ وفاتها، وأنَّها تُوُفِّيَت بعد الستِّين، وأنَّها آخر الأزواج وفاةً، رضي الله عنها.
قوله: (وَعِنْدِي مُخَنّثٌ): المخنِّث؛ بكسر النون أفصح، وبفتحها أشهر؛ لغتان، وهذا المخنّث هو: هيت، كما هنا من كلام ابن عيينة عن ابن جُرَيج، قال شيخنا عن الكلبيِّ: إنَّ هيتًا هو مولى عبد الله بن أبي أُمَيَّة، انتهى، وقيل: هيت اسمه، ولقبه: ماتع، والمَخانِثة الذين كانوا في عهده عَلَيهِ السَّلام أربعة: هيت، وهِدم [1]، وأنَّة، وماتع، قاله السهيليُّ، ونقله الذهبيُّ عنه في «تجريده» في (أنَّة)، انتهى، وهِدم: بالدال، ذكره الذهبيُّ في (أنَّة)، وفي نسخة من «الروض»: (هرم)، وضبطه شيخنا في هذا الشرح: بالهاء المكسورة، وبالدال الساكنة.
واعلم أنَّ المخنّث ضربان:
أحدهما: من خلق كذلك ولم يتكلَّف التخلُّق بأخلاق النساء، وزِيِّهنَّ، وكلامهنَّ، وحركاتهنَّ، بل هو خلقة خلقه الله تعالى عليها كما كان هؤلاء، هذا لا ذمَّ عليه، ولا إثم، ولا عتب، ولا عقوبة؛ لأنَّه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر عَلَيهِ السَّلام أوَّلًا دخوله على النساء، ولا خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته.
الضرب الثاني: هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلَّف أخلاق النساء، وحركاتهنَّ، وصفاتهنَّ، وكلامهنَّ، ويتزيَّا بزيِّهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنُه، والضرب الأوَّل ليس بملعون، والله أعلم.
وأمَّا دخول هذا على أمِّ سلمة، وفي رواية في «مسلم»: (كان يدخل على أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم مخنّث)؛ فكأنَّه يعدُّونه من غير أولي الإربة، فقد بيَّن سببه في هذا الحديث بأنَّهم كانوا يعدُّونه من غير أولي الإربة، ومن كان من غير أولي الإربة؛ فإنَّه مباح دخوله، فلمَّا سمع عَلَيهِ السَّلام الكلام الذي قاله؛ علم أنَّه من أولي الإربة، فمنعه عَلَيهِ السَّلام الدخول، والله أعلم.

(1/7774)


قال الإمام السهيليُّ: ولم يكونوا يُزَنُّون بالفاحشة الكبرى، وإنَّما كان تأنيثهم لينًا في القول، وخضابًا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء، ولعبًا كلعبهنَّ، وربَّما لعب بعضهم بالكُرَّج، وفي «مراسيل أبي داود»: أنَّ عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه رأى لاعبًا يلعب بالكُرَّج، فقال: لولا أنِّي رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؛ لنفيته من المدينة، انتهى.
قال الجوهريُّ: الكُرَّج: معرَّب، وهو بالفارسية: كرَّه، انتهى، وفي «القاموس» لشيخنا مجد الدين: وكـ «قُبَّر»: المهر، معرَّب كُرَّه، والكُرَّجيُّ: المخنّث، انتهى.
قوله: (يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ [2]): هو عبد الله بن أبي أُمَيَّة بن المغيرة المخزوميُّ، أخو أمِّ سلمة، أمُّه: عاتكة عمَّة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، كان شديدًا على المسلمين، معاديًا لرسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، أسلم قُبَيل الفتح هو وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب، رُمِيَ عبد الله هذا بسهم يوم الطائف قتله، وقد تَقَدَّم ذلك.
قوله: (فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ [3]): (ابنة غيلان) هذه: اسمها بادية، وقيل: بادنة، والصحيح بالمثنَّاة تحت، تزوج باديةَ عبدُ الرَّحمن بن عوف، وهي صحابيَّة، وغيلان أبوها صَحابيٌّ أيضًا، أسلم وتحته عشر نسوة، وقصَّته معروفة، وبادية هذه إحدى المستحاضات التسع في عهده عَلَيهِ السَّلام، وقد ذكرتها في (الحيض) من هذا التعليق.
[ج 2 ص 218]
قوله: (فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ): قال ابن قُرقُول: يعني: أطراف العكن الأربع التي تكون في بطنها تظهر ثمانية في جنبها، وقال: ثمان، ولم يقل: ثمانية، وهي الأطراف مذكَّرة؛ لأنَّه لم يذكُرها؛ كما يقال: هذا الثوب سبع في ثمان؛ يريد: سبعة أذرع في ثمانية أشبار، فلمَّا لم يذكُر الأشبارَ؛ أنَّث؛ لتأنيث الأذرع التي قبلها.
فائدةٌ: في حديث هيت زيادة لم تقع في «الصحيح» بعد قوله: (بثمان): (مع ثغر كالأقحوان، إن قامت؛ تثنَّت، وإن قعدت؛ تبنَّت، وإن تكلَّمت؛ تغنَّت _يعني: من الغنَّة، والأصل: تغنَّيَت، فقلبت إحدى النونين ياء_ وهي هيفاء شَموع نجلاء)، انتهى.
والشَّمُوع _بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الميم_ من النساء: اللَّعوب الضَّحوك، وذكر شيخنا في «شرحه» عن ابن الكلبيِّ هذا إلى قوله: (تغنَّت)، ثُمَّ قال: وفي لفظ ... ، فذكر كلامًا لا يتحرَّر من سقم النسخة، وفي آخره: (بين رجليها مثل الإناء الملفوف)، وقال في (باب ما يكره من دخول المتشبِّهين بالنساء على المرأة)، وفي بعض الأخبار زيادة: (ولها ثغر كالأقحوان، إن جلست؛ تبنَّت، وإن نطقت؛ تغنت، وبين رجليها كالإناء الملفوف)، انتهى، وهذا يعِّين الذي لم يتحرَّر من سقم النسخة، والله أعلم.

(1/7775)


فائدةٌ: ذكر أبو موسى في «غريبه» على ما قاله ابن الأثير في «نهايته»: أنَّ سعدًا خطب امرأة بمَكَّة، فقيل: إنَّها تمشي على ستٍّ إذا أقبلت، وعلى أربع إذا أدبرت؛ يعني بالستِّ: يديها، وثدييها، ورجليها؛ أي: إنَّها لعظم ثدييها ويديها كأنَّها تمشي مُنكبَّة، والأربع: رجلاها، وأليتاها، وأنَّهما كادتا تمسَّان الأرض؛ لعظمهما، وهي بنت غيلان الثقفيَّة التي قيل فيها: تقبل بأربع، وتدبر بثمان، وكانت تحت عبد الرَّحمن بن عوف، انتهى لفظ «النِّهاية».
ثُمَّ إنِّي رأيت في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» عن سعد بن مالك: (أنَّه خطب امرأة بمَكَّة وهو مع رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فقال: ليت عندي من يراها ومن يخبرني عنها، فقال رجل يدعى هيت: أنا أنعتها لك، إذا أقبلت؛ قلت: تمشي على ستٍّ، وإذا أدبرت؛ تمشي على أربع ... )؛ الحديث.
قوله: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُخَنَّثُ هِيتٌ): تَقَدَّم أنَّه بكسر النون من (المخنّث) وفتحها، تَقَدَّم، وتَقَدَّم الخلاف في (هيت)، وهل هذا المتكلم هيت أو غيره أعلاه؛ فانظره، والظاهر أنَّ قول: (قال ابن عيينة)؛ يعني: بالسند المتَقَدَّم، وهو الحُمَيديُّ عنه، وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: كذا هو في «البُخاريِّ» من قول ابن جُرَيج، ووقع موصولًا من حديث عائشة في «صحيح ابن حبَّان»، انتهى.
قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّم مِرارًا، و (أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم أيضًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، و (هِشَامٌ): هو ابن عروة بن الزُّبَير، وقوله: (بِهَذَا)؛ أي: بالسند الذي قبله والحديث، ويؤكِّد هذا قولُه: (وزاد).
قوله: (الطَّائِفَ): هو منصوبٌ؛ لأنَّه مفعول اسم الفاعل؛ وهو (مُحاصِر)، وهذا ظاهرٌ.
==========
[1] في (أ): (هرم)، وكتب فوقها: (هدم)، وعليها: (صح).
[2] في هامش (ق): (وهو أخو أمِّ سَلَمة، فيكون أخو أبيها أبا أُميَّة).
[3] في هامش (ق): (وبادية هذه كانت من المستحاضات النساء اللاتي كنَّ على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ذكرها ابن الأثير، وأبوها غيلان بن سلمة هو الذي أسلم وَعِنده عشر نسوة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمسِك أربعًا، ويُفارق سائرهنَّ، وكان قال فيها هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية: إنْ فتح الله عليكم الطائف؛ فإنِّي أدلُّك على بادية بنت غيلان، فإنَّها تُقبِل بأربع وتُدبِر بثمان، فسمعه رسول الله، فقال: «قاتلك الله لقد أمعنت النظر»، وقال: «لا يدخلن هؤلاء عليكنَّ»، ثم نفاه إلى روضة خاخ، فقيل: إنَّه يموت بها جوعًا، فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس).

(1/7776)


[حديث: لما حاصر رسول الله الطائف فلم ينل منهم ... ]
4325# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَانَ) بعده: ابن عيينة، و (عَمْرٌو) بعده: هو ابن دينار المَكِّيُّ، لا قهرمان آل الزُّبَير، و (أَبُو العَبَّاس) بعده: هو السائب بن فرُّوخ، ثِقةٌ، أخرج له الجماعة، و (عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو): كذا في أصلنا بإثبات الواو، وفتح العين، وفي نسخة في الطرَّة: (عُمر)؛ بضمِّ العين، محذوف الواو، سيأتي فيه كلامٌ للدِّمْياطيِّ في (الأدب)، وسأذكره حيث ذَكرَه، قال ابن قُرقُول: (عن عبد الله بن عمرو): كذا لرواة مسلم: ابن سفيان الجرجانيِّ، والنسفيِّ، والحمُّوي في حديث الطائف، وفي (باب التبسُّم والضحك)، وكانت الواو هنا عند أحمد ملحقة، وعند ابن ماهان والمروزيِّ وأبي الهيثم والبلخي: (عن عبد الله بن عمر)، قال لنا القاضي الصدفيُّ: وهو الصواب، وكذا ذكره البُخاريُّ في موضع آخر: (عن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب)، وحكى ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» فيه عن سفيان الوجهين، وكذلك اختلف فيه في (كتاب التوحيد) في آخر (باب المشيئة والإرادة)، فعند الجرجانيِّ: (ابن عَمرو) مُصحَّح، ولغيره: (ابن عمر)، انتهى.
واعلم أنَّ هذه المسألة ذكرها جماعة من الحفَّاظ كأبي عليٍّ الغسانيِّ وغيرِه، ولكن آثرت ذكرها من «المطالع»، ومثل هذه تمرُّ بي كثيرًا، ولا أتعرَّض له؛ لأنَّ فيه طولًا، ومن أراد ذلك؛ فعليه بالمؤلَّفات التي فيها ذلك، وقال المِزِّيُّ لمَّا طرَّف هذا الحديث في ترجمة أبي العباس الشاعر عن ابن عَمرو: منهم من قال: (عن عبد الله بن عمر)، ومنهم من قال: (ابن عَمرو)، وكان القدماء من أصحاب سفيان يقولون: (ابن عُمر)، كما وقع عند البُخاريِّ في عامَّة النسخ، وكان المتأخِّرون منهم يقولون: (عبد الله بن عَمرو)، كما وقع في «مسلم» و «النَّسائيِّ» في أحد الموضعين، ومنهم من لم ينسبه، كما وقع عند النَّسائيِّ في الموضع الآخر، والاضطراب فيه من سفيان، قال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايني: بلغني أنَّ إسحاق بن موسى الأنصاريَّ وغيرَه قالوا: (عبد الله بن عَمرو)، ورواه عنه _يعني: عن سفيان_ من أصحابه من يفهم ويضبط، فقالوا: (عبد الله بن عُمر)، انتهى، وذكره في (مسند عبد الله بن عَمرو)، وأحال على (مسند ابن عمر)، والذي ظهر لي من كلامه ترجيح (ابن عمر بن الخَطَّاب)، والله أعلم.
قوله: (إِنَّا قَافِلُونَ [1]): تَقَدَّم أنَّ (القفول) الرجوع.
قوله: (وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً): (سفيان) هذا: تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة.

(1/7777)


قوله: (قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ [2]): كذا في أصلنا: (قال: قال)، وعلى الثانية: (صح)، والمراد: قال البُخاريُّ: قال الحُمَيديُّ، وتَقَدَّم مِرارًا أنَّ (الحُمَيديَّ) عبد الله بن الزُّبَير، وتَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق لماذا نسب، والاختلاف في ذلك، و (سفيان): هو ابن عيينة، وتَقَدَّم أنَّ قول البُخاريِّ: (قال فلان) إذا كان المسند إليه القولُ شيخَه؛ كهذا؛ فإنَّه مثل: (حدَّثنا)، لكنَّ الغالب استعمالها في المذاكرة، والله أعلم.

(1/7778)


[حديث: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام]
4326# 4327# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقب محمَّد بُنْدَار، وتَقَدَّم ما معنى (البُنْدَار)، و (غُنْدُر) بعده: تَقَدَّم ضبطه مرارًا، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وأنَّ معنى (غُنْدُر) المشغِّب، و (عَاصِمٌ): هو ابن سليمان الأحول، تَقَدَّم، و (أَبُو عُثْمَانَ): عبد الرَّحمن بن مَلٍّ، تَقَدَّم مِرارًا، وتَقَدَّمت اللغات في (مَلٍّ)، وتَقَدَّم بعض ترجمته، و (سَعْدٌ) بعده: هو ابن مالك [بن] أبي وقاص، أحد العشرة، مشهور، رضي الله عنهم.
قوله: (وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ): إن قيل: في أيِّ سريَّة أو غزاة رمى به؟
فالجواب: أنَّه في بعث عبيدة بن الحارث بن المطَّلب بن عبد مناف، بعثه في ستِّين _أو ثمانين_ راكبًا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكان ذلك في ربيع الأوَّل على رأس ثلاثة عشر شهرًا
[ج 2 ص 219]
من مقدمه المدينة، فسار حتَّى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنيَّة المرَّة، فلقي بها جمعًا عظيمًا من قريش، فلم يكن بينهم قتالٌ، إلَّا أنَّ سعد بن أبي وقاص قد رمى بسهم، فكان أوَّلَ من رمى به في الإسلام، والقصَّة معروفة، وقد قدَّمتُ ذلك في (مناقب سعد)، وقدَّمتُ أيضًا أنَّه أوَّل من أراق دمًا في الإسلام، ويقال: أوَّل من أراق دمًا في الإسلام طليب بن عمير.
قوله: (وَأَبَا بَكْرَةَ [1]، وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ): (أبو بكرة): نفيع بن الحارث، وقيل: نفيع بن مسروح، خرج إلى عكسر المسلمين من الطائف في بضعة عشر رجلًا، كذا قال أهل المغازي، وسيجيء في هذا «الصحيح» قريبًا جدًّا: (أنَّه نزل إلى النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف)، والجمع ممكن.
فائدةٌ: لم يعيِّن هنا غير أبي بكرة، غير أنَّه قال: (في أناس)، وسيأتي قريبًا: (وَأَمَّا الآخَرُ _يعني: أبا بكرة_؛ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ)، انتهى، وقد قال موسى بن عقبة: يقال: (لم يخرج من الطائف غير أبي بكرة، فأعتقه عَلَيهِ السَّلام)، وتبعه الحاكم والبَيهَقيُّ وغيرهما، وينبغي أن يؤوَّل على أنَّه خرج وحده أوَّلًا، وهو مبيَّن كذلك في بعض الكتب، ثُمَّ خرج بعده جماعة، وعن الزُّهريِّ: (لم يخرج إليه غيره وغير زياد)، انتهى؛ يعني بزياد: ابن سمية، وفي صحبته نظر، وليست له صحبة ولا رواية وإن كان وُلد عام الهجرة، وقيل: يوم بدر، وقيل: قبل الهجرة، قال ابن عبد البرِّ: وليست له صحبة ولا رواية، انتهى، وقد عدَّه الذهبيُّ فيهم في «تجريده»، وقد قدَّمتُ ترجمة زياد فيما مضى.

(1/7779)


وكان فيمن نزل: الأزرق، وكان عبدًا للحارث بن كلدة المتطبِّب، وهو زوج سميَّة أمِّ زياد ابن أبيه، ومنهم: المنبعث، وكان اسمه المضطجع، فغيَّره عَلَيهِ السَّلام، وكان عبدًا لعثمان بن عامر، ومنهم: يحنس النبَّال، وكان عبدًا لبعض آل يسار، ومنهم: وردان جدُّ الفرات بن زيد بن وردان، وكان عبدًا لعبد الله بن ربيعة بن خرشة، وإبراهيم بن جابر، وكان أيضًا لخرشة، كلُّ هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام، وذكر أبو عمر فيهم: نافع بن مسروح أخو نفيع أبي بكرة، وذكر ابن سلَّام فيهم: نافعًا مولى غيلان بن سلمة الثقفيِّ، وذكر أنَّ ولاءه رجع إلى غيلان حين أسلم، وأحسبه وَهمًا من ابن سلَّام أو ممَّن رواه عنه، وإنَّما المعروف: نافع بن غيلان، ويحتمل أن يكون له عبد اسمه نافع؛ كاسم ابنه نافع بن غيلان، والله أعلم، هذا ملخَّص من كلام السهيليِّ رحمه الله ما أكثر فوائده! والله أعلم.
تنبيهٌ: استشهد بالطائف اثنا عشر رجلًا من الصَّحابة؛ منهم أربعة من الأنصار.
قوله: (فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ): هذا إن اعتُقِد حلُّ ذلك، وإلَّا؛ فمؤوَّل، والله أعلم.
قوله: (وَقَالَ هِشَامٌ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزوم به، وهذا هو هشام بن يوسف، أبو عبد الرَّحمن، قاضي صنعاء، شيخ مشايخ البُخاريِّ، تَقَدَّم مترجمًا، ولم أر تعليقه في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا هنا، و (مَعْمَرٌ) بعده: تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة، وأنَّه ابن راشد، و (عَاصِمٌ) بعده: تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن سليمان الأحول، و (أَبُو الْعَالِيَةِ): هو زياد بن فيروز، وقيل في اسمه: كلثوم، تَقَدَّم أنَّه بَرَّاءٌ بصريٌّ، يروي عن ابن عباس وأبي برزة، وعنه: أيوب وابن أبي عروبة، ثِقةٌ، تُوُفِّيَ سنة (90 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وقوله: (أَوْ أَبِي عُثْمَانَ): شكٌّ، و (أبو عثمان): تَقَدَّم أعلاه أنَّه عبد الرَّحمن بن مَلٍّ.
قوله: (قَالَ عَاصِمٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن سليمان الأحول، وقوله: (لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ): يقوله لأحد شيخيه المشكوك فيه؛ هل أبو عثمان أو أبو العالية؟ والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (اسم أبي بكرة نُفيع بن مَسروح، تدلى من سُور الطائف على بكرة فكُنِّيَ أبا بكرة، وهو من أفاضل الصحابة، مات بالبصرة، سنة إحدى وخمسين، وقيل: اثنتين).

(1/7780)


[حديث: اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا]
4328# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، و (بُرَيْدٌ) بعده: تَقَدَّم أنَّه بموحَّدة مضمومة، وفتح الراء، و (أَبُو بُرْدَة): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحارث _أو عامر_ القاضي، و (أَبُو مُوسَى): هو والد أبي بُردة، عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، الأشعريُّ، تَقَدَّم [1] مرارًا.
قوله: (بِالْجِعْرَانَةِ): تَقَدَّم الكلام أنَّها بالتشديد والتخفيف.
قوله: (بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ): كذا هنا، قال شيخنا: اعترض الداوديُّ فقال: قوله: (بين مَكَّة والمدينة) وَهم، إنَّما هو: (بين مَكَّة والطائف)، انتهى، وما قاله الداوديُّ صحيح، وقد صرَّح بعضهم بأنَّها بين مَكَّة والطائف، وهذا معروفٌ، والله أعلم.
قوله: (فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟): هذا الأعرابيُّ لا أعرفه.
قوله: (وَأَبْشِرَا): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّها هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة المخزوميَّة، أمُّ المؤمنين، وتَقَدَّم بعض ترجمتها ووفاتها، وأنَّها آخر أمَّهات المؤمنين وفاةً رضي الله عنها.
قوله: (أَفْضِلَا): هو بهمزة قطع، وكسر الضاد؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (طَائِفَةً)؛ أي: بقيَّة وقطعة منه.
==========
[1] في (أ): (تقدَّم الأشعري)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[ج 2 ص 220]

(1/7781)


[حديث: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات]
4329# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، أحد الأعلام، تَقَدَّم مترجمًا، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، تَقَدَّم مِرارًا، و (عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَباح، أحد الأعلام، المَكِّيُّ، تَقَدَّم مِرارًا، و (يَعْلَى): تَقَدَّم أنَّه ابن أُمَيَّة التميميُّ، وهو أبو خلف، ويقال: أبو صفوان يعلى بن أُمَيَّة بن أبي عبيدة، واسمه عبيد، ويقال: زيد بن همَّام، ويعرف يعلى بابن مُنْيَة، وهي أمُّه، ويقال: جدَّته، رضي الله عنه، شهد حُنينًا.
قوله: (يُنْزَلُ عَلَيْهِ): (يُنزَل): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (قَدْ أُظِلَّ): هو مبنيٌّ أيضًا لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ): هذا الأعرابيُّ تَقَدَّم اسمه في (الحجِّ)، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر: تَقَدَّم في (الحجِّ) قول من زعم أنَّ اسمه عطاء، انتهى.
قوله: (مُتَضَمِّخٌ): هو بالخاء المعجمة؛ أي: متلطِّخ، تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (يَغِطُّ)، وأنَّ (الغطيط): صوت يخرجه النائم مع نفسه، وكذا (آنِفًا)، وأنَّ فيها لغتين: المدُّ، والقصر، وقُرِئ بهما في السبع، و (التُمِسَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (فَأُتِيَ بِهِ): مبنيٌّ أيضًا لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا قوله: (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ): تَقَدَّم الكلام عليه في (الحجِّ).
==========
[ج 2 ص 220]

(1/7782)


[حديث: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي]
4330# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ الحافظ، وتَقَدَّم لماذا نسب، وتَقَدَّم (وُهَيْبٌ)، وأنَّه بالتصغير، وأنَّه ابن خالد الباهليُّ الكرابيسيُّ الحافظ، وتَقَدَّم مترجمًا.
[ج 2 ص 220]
قوله: (لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ): تَقَدَّم الكلام على الفيء والغنيمة، وأنَّ الغنيمة: الفائدة لغة، والمال المأخوذ من الكفار ينقسم إلى ما تحصَّل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب، وإلى حاصلٍ بذلك، ويُسمَّى الأوَّل: فيئًا، والثاني: غنيمةً، وذكر المسعوديُّ وطائفة من الشافعيَّة: أنَّ اسم كلِّ واحد من المالين يقع على الآخر إذا أُفرِد بالذكر، فإذا اجتمعا؛ افترقا؛ كاسمي الفقير والمسكين، وقال أبو حاتم القزوينيُّ وغيره: اسم الفيء يشمل المالين، واسم الغنيمة لا يتناول الأوَّل، وفي لفظ الإمام الشافعيِّ في «المختصر» ما يشعر بهذا، وكلام الناس في ذلك فيه طول، فإن أردته؛ فانظر المطوَّلات، والله أعلم.
قوله: (فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ): تَقَدَّم الكلام فيمن ذُكِر أنَّه من المؤلَّفة، وقد قال السهيليُّ: إنَّهم كانوا أربعين رجلًا فيما ذكروا، وقال شيخنا: نحو الخمسين، انتهى، وقد ذكرتهم، فلعلَّك ألَّا تجدهم مجموعين كما ذكرتهم في (باب ما كان النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم يعطي المؤلَّفة قلوبهم وغيرهم من الخمس)، وأنَّهم أقوام تُؤلِّفوا في بدء الإسلام، ثُمَّ تمكَّن الإسلام من قلوبهم، فخرجوا بذلك عن حدِّ المؤلَّفة، وإنَّما ذكرهم الإمام في المؤلَّفة؛ اعتبارًا ببداية أحوالهم، وفيهم من لم يُعلَم حسنُ إسلامه، والظاهر بقاؤه على حال التألُّف، ولا يمكننا أن نفرِّق بين من حسن إسلامه ومن لم يحسن؛ لجواز أن يكون مَن ظننَّا به الشرَّ على خلاف ذلك؛ إذ الإنسان قد يتغيَّر عن حاله ولا يُنقَل إلينا أمره، فالواجب أن نظنَّ بكلِّ مَن سمعنا عنه الإسلام خيرًا، قال شيخنا: واختلف في الوقت الذي يتألَّفهم فيه؛ فقيل: قبل إسلامهم؛ ليسلموا، وقيل: بعده؛ ليثبتوا، واختلف في قطع ذلك عنهم؛ فقيل: خلافة الصدِّيق، وقيل: في خلافة الفاروق، واختلف في نسخه واستمراره، ذكر ذلك في (سورة براءة).

(1/7783)


ثُمَّ اعلم أنَّ في الذي أعطاهم النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ثلاثةَ أقوال، ذكرها السهيليُّ في «روضه»؛ أحدها: أنَّه أعطاهم من خمس الخمس، ورُدَّ بأنَّ خمس الخمس ملك له، ولا كلام لأحد فيه، الثاني: أنَّه أعطاهم من رأس الغنيمة، وأنَّ ذلك خصوص بالنَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؛ لقوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، ورُدَّ بأنَّها منسوخة، انتهى، غير أنَّ بعض العلماء احتجَّ لهذا القول: بأنَّ الأنصار لما انهزموا يوم حنين، فأيَّد الله رسوله وأمدَّه بملائكته، فلم يرجعوا حتَّى كان الفتح؛ ردَّ الله أمر المغانم إلى رسوله من أجل ذلك، ولم يعطهم منها شيئًا، وقال لهم: «ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير ... » إلى آخره، فطيَّب نفوسهم بذلك بعدما فعل ما أُمِر به، انتهى، قال السهيليُّ: والثالث: أنَّه أعطاهم من الخمس، وهذا جائز للإمام أن يصرفه عن الأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أنَّ فيه مصلحةً للمسلمين، نقل السهيليُّ هذا الثالث عن اختيار أبي عبيد، انتهى.
وذكر الخلاف فيما أعطاهم منه غيرُ السهيليِّ أيضًا، وقد ذكر الأقوال الثلاثة ابن القيِّم الحافظ شمس الدين في «الهدي»، وأطال في ذلك النفس، وقد ذكرت ذلك في تعليقي على «سيرة أبي الفتح ابن سيِّد الناس»، والله أعلم.
قوله: (وكَأَنَّهُمْ [1] وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ [2])؛ أي: غضبوا، وسيأتي قريبًا [أنَّهم] غضبوا، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (مَا أَصَابَ النَّاسَ): (الناسَ): منصوب مفعول، وهذا ظاهرٌ، و (ما): موصولة، وهي مرفوع فاعل.
قوله: (وَعَالَةً): هو بتخفيف اللام، و (العالَة): الفقراء.
قوله: (جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا): هذا الكلام قاله الراوي كناية عمَّا قاله عَلَيهِ السَّلام، قال ابن إسحاق: (وحدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدريِّ ... )؛ فذكر القصَّة، وفيها: («أَمَا والله لو شئتم؛ لقلتم، فلصَدقتم ولصُدِّقتم [3]: أتيتنا مكذَّبًا فصدَّقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك»، انتهى.
قوله: (وَشِعْبًا): هو بكسر الشين، تَقَدَّم ما هو.
قوله: (الأَنْصَارُ شِعَارٌ): تَقَدَّم ما (الشعار)، وكذا (الدِّثَار)، وكذا (الأثرَةً) بلغاتها، وتَقَدَّم أنَّ (الأثرة) كانت زمن معاوية.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (فكأنَّهم).
[2] قوله: (في أنفسهم): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).
[3] في (أ): (ولصدقتهم)، والمثبت موافق لما في المصادر.

(1/7784)


[حديث: فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم]
4331# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ، و (هِشَامٌ): هو ابن يوسف، قاضي صنعاء، و (مَعْمَرٌ): هو ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم، تَقَدَّم الكلُّ مترجمين.
قوله: (فَطَفقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الفاء وكسرها؛ لغتان؛ ومعناه: جعل.
قوله: (رِجَالًا الْمِئَةَ مِنَ الإِبِلِ): اعلم أنِّي ذكرت في الباب المشار إليه أعلاه من أعطاه عَلَيهِ السَّلام مئة من الإبل، ومن أعطاه مئتين، ومن أعطاه ثلاث مئة؛ وهو صفوان بن أُمَيَّة، كما في «مسلم»، في أوَّل (المناقب)، ومن أعطاه خمسين، ومن أعطاه أربعين، ثُمَّ كمَّل له مئة، أو كمَّل له تسعين؛ فانظر ذلك، والله أعلم.
تنبيهٌ: في السيرة بعد أن أعطى المئة من الإبل المئة: ثُمَّ أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، ثُمَّ فضَّها على الناس، فكانت سهمانهم لكلِّ رجل أربعًا من الإبل أو أربعين شاة، فإن كان فارسًا؛ أخذ اثني عشر بعيرًا أو مئة وعشرين من الغنم، وإن كان معه أكثر من فرس واحد؛ لم يسهم له، انتهى.
قوله: (فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ): (حُدِّث): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (لَمَا [1] يَنْقَلِبُونَ بِهِ): (لَما)؛ بفتح اللام، وتخفيف الميم، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (أُثْرَةً شَدِيدَةً): تَقَدَّمتُ اللغات في (الأثرة)، وأنَّها كانت زمن معاوية، قاله ابن سيِّد الناس في «سيرته».

(1/7785)


[حديث: لو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار]
4332# قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): هو بفتح المثنَّاة فوق، وتشديد المثنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، واسمه يزيد بن حُمَيد، تَقَدَّم.
قوله: (لَمَّا كَانَ يَوْم فَتْحِ مَكَّةَ): كذا قال، وهذا فيه تجوُّز، ومَكَّة لم تكن فيها غنائم تُقسَم، والمراد: حنين، والله أعلم.
قوله: (أَوْ شِعْبًا): تَقَدَّم ما (الشِّعب).
==========
[ج 2 ص 221]

(1/7786)


[حديث: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير]
4333# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مراراً أنَّه ابن المَدينيِّ، الحافظ الجِهْبِذ، و (أَزْهَرُ): هو ابن سعد السمَّان، أبو بكر البصريُّ، عن سليمان التيميُّ وطبقتِه، وعنه: ابن راهويه، وابن الفرات، والكديميُّ، حجَّة، تُوُفِّيَ سنة (203 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، و (ابْنُ عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان، أحد الأعلام، لا عبد الله بن عون ابن أمير مصر، هذا ليس له في «البُخاريِّ» شيء، إنَّما روى له مسلم والنَّسائيُّ، وقد قدَّمتُ ذلك مرارًا.
[ج 2 ص 221]
قوله: (عَشَرَةُ آلاَفٍ وَالطُّلَقَاءُ): تَقَدَّم أنَّ أهل فتح مَكَّة كانوا عشرة آلاف، والطلقاء كانوا ألفين، وقدَّمتُ ما قاله الحاكم، في أوَّل (غزوة الفتح)، وما قيل في عددهم.
قوله: (شِعْبًا): تَقَدَّم ما (الشِّعب).

(1/7787)


[حديث: إن قريشًا حديث عهد بجاهلية ومصيبة]
4334# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا ضبطه، وأنَّ لقب محمَّد بُنْدَار، وتَقَدَّم ضبط (غُنْدُر)، وأنَّه محمَّد بن جعفر.
قوله: (حَدِيثُ عَهْدٍ): قال الدِّمْياطيُّ: الوجه: (حديثو عهدٍ).
قوله: (أَنْ أَجْبُرَهُمْ): هو بالموحَّدة والراء، من الجبر، كذا للرواة، وعند النسفيِّ والمستملي والحمُّوي: (أجيزهم)؛ بالمثنَّاة تحت، والزاي؛ من الجائزة، قال ابن قُرقُول: والأوَّل أبين.
==========
[ج 2 ص 222]

(1/7788)


[حديث: رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر]
4335# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح القاف، وكسر الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وهو ابن عقبة، و (سُفْيَانُ) بعده: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريُّ فيما يظهر، ومستندي في ذلك: أنَّ الحافظ عبد الغنيِّ في «الكمال» ذكر الثوريَّ في مشايخه، ولم يذكر ابن عيينة، وأمَّا الذهبيُّ؛ فأطلق، وقال: روى سفيان، فحملت المطلق على المقيَّد، والله أعلم، و (الأَعْمَشُ): سليمان بن مهران، أبو محمَّد الكاهليُّ القارئ، و (أَبُو وَائِلٍ): شقيق بن سلمة، تَقَدَّم مِرارًا، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود.
قوله: (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللهِ): هذا الرجل من الأنصار لا أعرفه، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّ هذا الرجلَ تَقَدَّم عن الواقديِّ: أنَّه معتِّب بن قُشير، انتهى، والله أعلم، وسيجيء قريبًا ما قاله شيخنا فيه.
==========
[ج 2 ص 222]

(1/7789)


[حديث: رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر]
4336# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه جَرِير بن عبد الحميد الضبيُّ القاضي، وتَقَدَّم أيضًا (مَنْصُورٌ): أنَّه ابن المعتمر، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، و (عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.
قوله: (أَعْطَى الأَقْرَعَ [1] بْنَ حَابِسٍ [2] مِئَةً مِنَ الإِبِلِ): تَقَدَّم، ونسبه معروف، وقد شهد معه عَلَيهِ السَّلام الفتح وحنينًا وحصار الطائف، وشهد مع خالد بن الوليد فتح العراق والأنبار، وكان على مقدِّمة خالد، قال ابن دريد: اسم الأقرع: فراس، ولُقِّب بالأقرع؛ لقرع كان في رأسه، ترجمته معروفة، وقد قدَّمتُ من أعطاه عَلَيهِ السَّلام مئة، ومن أعطاه مئتين، ومن أعطاه ثلاث مئة؛ وهو صفوان بن أُمَيَّة، كما رواه مسلم في أوَّل (المناقب)، وقدَّمتُ من أعطاه دون المئة، والله أعلم، وقدَّمتُ الخلاف قريبًا في الذي أُعطِيَ منه، والله أعلم.
قوله: (وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ): (عيينة): ترجمته معروفة، واسمه حذيفة، وسُمِّيَ عيينة؛ لشتر كان بعينه.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللهِ): تَقَدَّم الكلام على اسم هذا الرجل أعلاه، وأنَّه من الأنصار، وفي كلام شيخنا هنا: اسمه عريب، انتهى، هذه صورته في النسخة، ولا أعلم النطق به، والله أعلم.

(1/7790)


[حديث: يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا ... ]
4337# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم ضبطه، وأنَّ (محمَّدًا) بُنْدَار، وتَقَدَّم ما معنى (البُنْدَار)، و (ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّم قريبًا أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، أحد الأعلام، لا عبد الله بن عون ابن أمير مصر، وأنَّ الثاني ليس له في «البُخاريِّ» شيء، إنَّما روى له مسلم والنَّسائيُّ.
قوله: (وَذَرَارِيِّهِمْ): تَقَدَّم أنَّ (الذراري) بتشديد الياء وتخفيفها، وهذا معروف.
قوله: (وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلاَفٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ): كذا في أصلنا، وفي نسخة هي خارجًا من أصلنا في الحاشية: (و) عوض (مِنْ)، فيبقى الكلام: (عشرة آلاف والطلقاء)، وهذه النسخة هي الصواب؛ لأنَّه تَقَدَّم أنَّ أهل الفتح كانوا عشرة آلاف على الأصحِّ، وقدَّمتُ ما قاله الحاكم: أنَّه عَلَيهِ السَّلام خرج من المدينة في اثني عشر ألفًا، انتهى، والطلقاء كانوا ألفين، فالطلقاء هم أهل مَكَّة الذين منَّ عليهم النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، والله أعلم.
قوله: (حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ): الظاهر أنَّ معناه _والله أعلم_: حتَّى تَقَدَّم أمام الناس، ولم ينفرد عَلَيهِ السَّلام في حنين ولا في غيرها وحده؛ بمعنى: أنَّ الناس كلَّهم فرُّوا عنه، هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، ومن عرف الغزوات؛ يعرف ذلك، والله أعلم.
قوله: (وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ): تَقَدَّم الكلام على هذه البغلة التي ركبها يوم حنين مطوَّلًا في أوَّل (غزوة حنين)؛ فانظره.
قوله: (غَنَائِمَ كَثِيرَةً): تَقَدَّم الكلام على عدد هذه الغنائم كم مِن رأس مِن النساء والذريَّة، وكم الإبل، وكم الغنم، وكم الفضَّة، في أوَّل هذه الغزوة وقبله أيضًا.
قوله: (فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ): تَقَدَّم أنَّ الطلقاء كانوا ألفين غيرَ مرَّةٍ، وتَقَدَّم الكلام أعلاه على رواية: (عشرة آلاف)، وأنَّ الصواب إثبات الواو، وحذف (مِن)، والله أعلم.
قوله: (وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا): (يُعطى): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (غيرُنا)؛ بالرفع: نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (الغنيمةَ)؛ بالنصب: مفعول ثان.
قوله: (شِعْبًا): تَقَدَّم ما (الشِّعب)، وأنَّه بكسر الشين، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (قَالَ هِشَامٌ: قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؛ وَأَنْتَ شَاهِدٌ): (هشام) هذا: هو المذكور في السند، هشام بن زيد بن أنس بن مالك، وهو ابن ابن أنس، و (أبو حمزة)؛ بالحاء والزاي: هي كنية أنس بن مالك، والحمزة: البقلة، رآه عَلَيهِ السَّلام يجتنيها، فقال له: «يا أبا حمزة»، فكانت كنيتَه رضي الله عنه.
==========
[ج 2 ص 222]

(1/7791)


[باب السرية التي قبل نجد]
(بابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ) ... إلى (حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ [1] سَنَةَ تِسْعٍ)
تنبيهٌ: ذكرت سؤالًا وجوابه في أوَّل (المغازي) في ذكر البُخاريِّ الغزوات دون العدد المذكور فيها بكثير، وكذا السرايا؛ فانظره من هناك.
تنبيهٌ آخر: كان ينبغي للإمام البُخاريِّ رحمة الله عليه أن يرتِّب
[ج 2 ص 222]
السرايا والبعوث التي وقعت له؛ كما رتَّب المغازي غير تبوك، فإنَّه ذكرها بعد حجَّة الوداع، ولا خلاف أنَّها في التاسعة، وأنَّ الحجَّة في العاشرة، وسأذكر لِمَ فعل ذلك، فيقدِّم غزوة ذات السلاسل؛ لأنَّها في جمادى سنة ثمان، ثُمَّ غزوة سيف البحر؛ لأنَّها في رجب سنة ثمانٍ، ثُمَّ سريَّة أبي قتادة؛ لأنَّها في شعبان سنة ثمانٍ، ثُمَّ سريَّة خالد إلى بني جَذيمة؛ لأنَّها في شوَّال سنة ثمانٍ، ثُمَّ بعْثَ أبي موسى؛ لأنَّ أبا عمر بن عبد البرِّ ذكر في ترجمته أنَّه في سنة ثمانٍ، وقد قدَّمتُ في أوَّل (الزكاة) الخلاف في بعثه، وبعثِ معاذ متى هو، ثُمَّ سريَّة علقمة؛ لأنَّها في ربيع الآخر سنة تسع، ثُمَّ بعثَ عليٍّ رضي الله عنه؛ لأنَّه كان مرَّتين؛ إحداهما: في رمضان سنة عشر، وقدم مَكَّة في سنة عشر، والأخرى: الإرسال في رمضان سنة عشر؛ فانظر كلام أبي الفتح ابن سيِّد الناس في «سيرته»؛ تعرف ما هنا، وبعثَ خالد في ربيع الآخر وجمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، وقصَّته معروفة، ثُمَّ ذي الخلصة؛ لأنَّ السهيليَّ قال: إنَّها قبل الوفاة بشهرين، ثُمَّ إرسال جَرِير إلى اليمن؛ لأنَّه سنة إحدى عشرة، وقدم بعد الوفاة، والله أعلم.
قوله: (بابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ): قال الدِّمْياطيُّ: بعث النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلًا إلى غطفان؛ وهي أرض محارب بنجد في شعبان سنة ثمانٍ، فقتلوا من أَشرف لهم، واستاقوا النَّعَم، فكانت الإبل مئتي بعير، والغنم ألفي شاة، وسبَوا سبيًا كثيرًا، وجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخمس وعزلوه، وقسموا ما بقي على أهل السريَّة، فأصاب كلَّ واحد اثنا عشر بعيرًا، وعدل البعير بعشر من الغنم، انتهى.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (في).

(1/7792)


[حديث: بعث النبي سرية قبل نجد فكنت فيها]
4338# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه محمَّد بن الفضل، وأنَّ لقبه عَارم، و (حَمَّادٌ) بعده: هو حمَّاد بن زيد، وقد رأيت في ترجمة عَارم: أنَّه روى عن الحمَّادين، ورأيت في ترجمة أيوب: أنَّه روى عنه الحمَّادان، لكنَّ حمَّادَ بن سلمة لم يروِ له البُخاريُّ في الأصول، إنَّما علَّق له، فهذا هو ابن زيد، والله أعلم، ولكن قد ذكرت قاعدة غيرَ مرَّةٍ: أنَّ حمَّادًا إذا أطلقه سليمان بن حرب أو عَارم هذا؛ فهو ابن زيد، وإن أطلقه موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ أو عفَّان أو الحجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، والله أعلم، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، الإمام.
قوله: (قِبَلَ): هو بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وَنفّلنَا بَعِيرًا بَعِيرًا): (نفلنا): هو بفتح أوَّله، وفتح اللام، وبضمِّ أوله، وكسر الفاء، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ نسختان، الأولى: في أصلنا، والثانية: نسخة.
==========
[ج 2 ص 223]

(1/7793)


[باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة]
قوله: (بابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ): (خالدَ): منصوب مفعولُ المصدر، و (جَذِيمة): بالذال المعجمة المكسورة، قال الدِّمْياطيُّ: وكانت في شوَّال سنة ثمانٍ، وكان بنو جَذِيمة بأسفل مَكَّة، على ليلة ناحية يلملم، بعث النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم خالدًا إليهم داعيًا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلًا، في ثلاث مئة وخمسين رجلًا من المهاجرين والأنصار، فخرجوا إليه وعليهم السلاح، وكانوا أسلموا، وبنَوا المساجد، وأذَّنوا، وصلَّوا، فقال: ما هذا السلاح؟ قالوا: ظننَّا أنَّكم عدوٌّ، فقال: ضعوا السلاح، فوضعوه، واستأسرهم، وقتل منهم، وبعث عليًّا، فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم، قاله ابن سعد، انتهى.
==========
[ج 2 ص 223]

(1/7794)


[حديث: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد]
4339# قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّم مِرارًا، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بعده: هو ابن همَّام، الحافظ الكبير المصنِّف، و (مَعْمَرٌ)؛ بإسكان العين: هو ابن راشد، تَقَدَّم مِرارًا.
قوله: (ح [1] وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ): تَقَدَّم الكلام على (ح) كتابةً ونطقًا في أوَّل هذا التعليق، و (نعيم) هذا: هو ابن حمَّاد الخزاعيُّ المروزيُّ، أحد الأئمة الأعلام على لينٍ فيه، كنيته: أبو عبد الله، الأعور الحافظ، ترجمته معروفةٌ، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا بغيره، وهذا المكان هو قرن قرنه هنا بـ (محمود)؛ هو ابن غيلان، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن المبارك، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن راشد.
قوله: (صَبَأْنَا صَبَأْنَا): (صبأ)؛ إذا خرج من دين إلى دين، من قولهم: صبأ ناب البعير؛ إذا طلع، وصبأتِ النجومُ؛ إذا خرجت من مطالعها، وقد تَقَدَّم.
قوله: (وَيَأْسِرُ): هو بكسر السين، وهذا ظاهرٌ.
قوله: («اللَّهُمَّ [2]؛ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ»، مَرَّتَيْنِ): أنكر على خالد عَلَيهِ السَّلام موضع العجلة، وتَرْكَ التثبُّت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم: (صبأنا)؛ لأنَّ هذه الكلمة قد تدلُّ على الخروج من دين إلى دين، وإنَّما تأوَّل خالد أنَّه مأمور بقتالهم إلى أن يسلموا، وقد تَقَدَّم من عند الدِّمْياطيِّ غيرُ ذلك، انتهى، وقولهم: (صَبَأْنَا) غير صريح، وقيل: ظنَّ أنَّهم عدلوا عن أمر الإسلام أنفةً، فلم ير ذلك القول إقرارًا منهم [3].
==========
[1] (ح): ليس «اليونينيَّة» و (ق).
[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (إنِّي).
[3] هذه الفقرة جاءت في (أ) متقدِّمة مستدركةً بعد قوله: (قاله ابن سعد، انتهى).
[ج 2 ص 223]

(1/7795)


[سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي]
قوله: (سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ [1] الْمُدْلِجِيِّ وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ): قال الدِّمْياطيُّ: (كانت في ربيع الآخر سنة تسع، وكان الركب ثلاث مئة)، انتهى.
هذه السريَّة هي سرية علقمة بن مجزِّز المدلجيِّ، وقد تَقَدَّم ضبط (مجزِّز)، والخلاف فيه، وسأذكره أيضًا في (الفرائض)، وكانت إلى الحبشة في ربيع الآخر، كما قاله الدِّمْياطيُّ، قالوا: بلغ رسولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أنَّ ناسًا من الحبشة تراءاهم أهلُ جُدَّة، فبعث إليهم علقمة بن مجزِّز في ثلاث مئة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر، فهربوا منه، فلمَّا رجع؛ تعجَّل بعض القوم إلى أهليهم، فأذن لهم، فتعجَّل عبد الله بن حذافة السهميُّ فيهم، فأمَّره على من تعجَّل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق، وأوقدوا نارًا يصطلون عليها ويصطنعون، فقال: عزمت عليكم إلَّا تواثبتم في هذه النار ... ؛ القصَّة، فأمير السريَّة منه عَلَيهِ السَّلام علقمةُ بن مجزِّز، وعبد الله بن حذافة أمير من جهة علقمة، وكذا في «الغيلانيات» في الجزء السابع، ذكر بسنده إلى عمر بن الحكم: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بعث سريَّة وأمَّر عليهم رجلًا من أصحابه، وأمَّر ذلك الرجل عبدَ الله بن حذافة، وكان فيه دعابة ... )؛ الحديث، وانظر حديث «الصحيح» ممَّا يخالف ما ذكر، فمنه: (فاستعمل عليها رجلًا من الأنصار)، وعلقمة ليس أنصاريًّا ولا عبد الله بن حذافة، وقوله: (فغضب، فقال: أليس أمركم النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أن تطيعوني)، وقد علمت أنَّ الآمر بذلك هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، ولم يؤمِّره عَلَيهِ السَّلام عليهم، ولكنَّ هذا يمكن الجواب عنه، وكذا الذي قبله، لكن بتعسُّفٍ، وقد روى أحمد في «مسنده» عن ابن عبَّاس في قوله: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديٍّ، بعثه رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم في سريَّة ... ، وكذا في (تفسير النساء) من حديث ابن عبَّاس، فيحتمل أن يكون واقعتين، أو يكون حديث «الصحيح» الذي هو عن عليٍّ هو المحفوظ،
[ج 2 ص 223]
والله أعلم.
قال الخطيب البغداديُّ كما نقله النوويُّ عنه في «مبهماته»: حديث عنه _أي: عن عليٍّ رضي الله عنه_: (بعث رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم جيشًا، وأمَّر عليهم رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوا، فغضب ... )؛ الحديث، قال الخطيب: هذا الرجل الأمير هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، وقول بعض الرواة: (رجل من الأنصار) وَهم، إنَّما هو سهميٌّ، انتهى.
قال ابن طاهر في «مبهماته»: هو علقمة بن مجزِّز المدلجيُّ، أو عبد الله بن حذافة، انتهى.

(1/7796)


وقال النوويُّ في «شرح مسلم» في حديث عليٍّ المذكور: قيل: هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه قال في الرواية التي بعد هذه: إنَّه رجل من الأنصار، فدل على أنَّه غيره، انتهى.
وقال ابن شيخنا البلقينيِّ في (كتاب الأحكام): وأمَّر عليهم رجلًا هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، كما تَقَدَّم أنَّه مرويٌّ عن أبي سعيد الخدريِّ في «ابن ماجه» و «مسند أحمد»، وأنَّ أبا سعيد كان من جملة المأمورين، ولا يعترض على ذلك بأنَّه ليس من الأنصار؛ لأنَّه سهميٌّ؛ لاحتمال أن يقال: إنَّه من الأنصار بالمحالفة، انتهى، قال ابن شيخنا المشار إليه: والظاهر أنَّ علقمة بن مجزِّز إنَّما أمَّر هذا بأمر النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، إمَّا بأمر عامٍّ أو خاصٍّ، فلذلك نُسِبَ هذا الاستعمال إلى النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، انتهى، والله أعلم بهذه القصَّة وبمن أميرها.
==========
[1] في هامش (ق): (مُجَزِّز: كذا قيَّده ابن مَاكولا وغيره، وذكر الدارقطنيُّ و [عبد الغنيِّ] عن ابن جُريج: أنَّه قاله [بفتحها]، قال عبد [الغنيِّ: بكسر] الزاي [الصواب]؛ لأنَّه [يجزُّ نواصي] أسارى من العَربِ).

(1/7797)


[حديث: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة]
4340# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن زياد، وأنَّ له مناكير اجتنبها أصحاب «الصحيح»، وتَقَدَّم مترجمًا، و (الأَعْمَشُ): سليمان بن مهران، تَقَدَّم مِرارًا، و (سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ): بضمِّ العين، وفتح الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ جدًّا عند أهله، و (أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن حَبيب بن رُبيِّعة، الإمام، مقرئ الكوفة.
قوله: (فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا [1] رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ): تَقَدَّم الكلام مطوَّلًا قُبَيل هذا في أوَّل هذه السريَّة؛ فانظره.
قوله: (أَوْقِدُوا نَارًا): هو بقطع الهمزة، وكسر القاف، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ [2]): (خمدت)؛ كـ (نَصَرَ) و (سَمِعَ)، خمْدًا وخمُودًا: سكن لهبها، ولم يطفأ جمرها، وأخمدتُها.
قوله: (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ): إن قيل: فلو دخلوها؛ دخلوها طاعة لله ورسوله في ظنِّهم، فكانوا متأوِّلين، فكيف يُخلَّدون فيها؟
قيل: لمَّا كان إلقاء نفوسهم في النار معصية يكونون بها قاتلي أنفسهم، فهمُّوا بالمبادرة إليها من غير اجتهاد منهم هل هو طاعة أو قربة أو معصية؛ كانوا مقدمين على ما هو معصية محرَّم عليهم، ولا تُشرَع طاعةُ وليِّ الأمر فيه؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال السؤالَ والجواب ابن القيِّم شمس الدين بأطول من هذا، وهذا على أنَّ الحديث الذي سأل فيه وأجاب بغير قيد (يوم القيامة)، وقال النوويُّ في «شرح مسلم»: هذا ممَّا علمه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بالوحي، وهذا التقييدُ بـ «يوم القيامة» مبيِّن للرواية المطلقة: (لا يخرجون منها لو دخلوها)، انتهى، وقال شيخنا: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة)؛ أي: ذلك جزاؤهم لو فعلوا، انتهى.
==========
[1] قوله: (عليها): ليس في «اليونينيَّة»، وقد وضع فوقها في (ق) خطٌّ بالحمرة.
[2] في هامش (ق): (لم يذكر الجوهريُّ سوى «خَمَدَت»، وقال لي شيخي: إنَّ في «القاموس» الوجهَين).
[ج 2 ص 224]

(1/7798)


[باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع]
(بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ).
(أبو موسى): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، وقد تَقَدَّم متى بعثهم قريبًا وفي أوَّل (الزكاة).
==========
[ج 2 ص 224]

(1/7799)


[حديث: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا.]
4341# 4342# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه موسى بن إسماعيل، التَّبُوذَكيُّ الحافظ، و (أَبُو عَوَانَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (عَبْدُ الْمَلِكِ) بعده: هو ابن عمير، القبطيُّ، الكوفيُّ، رأى عليًّا، وسمع جَرِيرًا، والمغيرة، والنعمان بن بَشِير، وعنه: شعبة والسفيانان، قال أبو حاتم: صالح الحديث، ليس بالحافظ، وقال النَّسائيُّ وغيره: ليس بالقويِّ، مات سنة (136 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وإنَّما عُرِف بالقبطي؛ لفرس كان له قبطيٍّ، والله أعلم، و (أَبُو بُرْدَة): تَقَدَّم أنَّه الحارث أو عامر، القاضي، ولد أَبِي مُوسَى عبد الله بن قيس، وهذا الحديث هنا مرسل؛ لأنَّ أبا بُردة تابعيٌّ حكى قصَّة لم يدركها، ولا أسندها هنا لمن حضرها؛ كوالده أو غيره، وقد رواه البُخاريُّ في هذا «الصحيح» تارةً مسندًا، وتارةً مرسلًا، وكذا مسلم.
قوله: (عَلَى مِخْلاَفٍ [1]، وَالْيَمَنُ مِخْلاَفَانِ): (المِخْلاف): بكسر الميم، وإسكان الخاء، وفي آخره فاء، وهو في اليمن كالرستاق في العراق، وجمعه: المخاليف، وقال شيخنا: المراد بالمِخْلاف: الكورة من الإقليم، وقيل: المِخْلاف في لغة أهل اليمن كالرستاق من الرساتق، وعبارة الخليل: أنَّه الكورة بلغة أهل اليمن، وعبارة غيره: أنَّه الإقليم، والجمع: مخالف، انتهى.
قوله: (وَإِذَا عِنْدَهُ يَهُودِيٌّ [2]): هذا اليَهوديُّ المقتول على الردَّة لا أعرف اسمه.
قوله: (أيُّمَ هَذَا؟): (أيُّمَ): بفتح الهمزة، ثُمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة مضمومة، ثُمَّ ميم مفتوحة، كذا هو مضبوط في أصلنا، قال ابن قُرقُول: (أيَّمْ هذا؟): كذا وجدته مضبوطًا بخطِّه؛ بفتح الياء، وإسكان الميم، وأظنُّه وَهمًا، والصواب: (آيَّمَ هذا؟)، و (أيّمَ هذا؟)، كذا ضبطه الأصيليُّ، وعند ابن أبي صفرة: (أَيْمَ هذا؟)؛ بسكون الياء، وفتح الميم، وفتح الهمزة على كلِّ حال؛ وهما لغتان بتشديد الياء وإسكانها، مفتوح الميم، قاله الخطابيُّ، وهي كلمة استفهام، قال الحربيُّ: هي (أي)، و (ما): صلة، قال الله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28]، و {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110]، ومنه الحديث: «الأجر أيَّم هذا؟»، وعند السمرقنديِّ: (أيَّهم)، وهما بمعنًى، انتهى.
وقال ابن الأثير في قوله: «ويكثر الهرج»، قيل: أيَّم هو يا رسول الله؟ قال: «القتل القتل»، ما لفظه: يريد: ما هو؟ وأصله: أيُّ ما هو؟ أي: أيُّ شيءٍ هو؟ فخفَّف الياء، وحذف ألف (ما)، وما ضبط في أصلنا صحيح، وهي (أيُّ) دخل عليها (ما)، فأسقط الألف منها، والله أعلم.
قوله: (فَأَمَرَ بِهِ): هو مبنيٌّ للفاعل، وقيل: مبنيٌّ للمفعول، كذا هما في أصلنا.

(1/7800)


قوله: (أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا): هو بالفاء أوَّلًا، وفي آخره قاف؛ ومعناه: أقرؤه شيئًا بعد شيء، ولا أقرؤه دفعة، وهو من فواق الناقة؛ وهو حلبها ساعة بعد ساعة؛ لتدرَّ أثناء ذلك، وكذلك إذا شرب شربًا بعد شرب، وقال الحافظ الدِّمْياطيُّ بعد هذا في الحديث الآتي بعده: (أتفوَّقه تفوُّقًا)؛ أي: لا أقرأ جزئي بمرَّة، ولكنِّي أقرأ منه شيئًا بعد شيء، انتهى، وكذا ذكرت، ولكنَّ شرطي أن آتي على الحواشي التي وجدتها للدِّمْياطيِّ، والله أعلم.
[ج 2 ص 224]
قوله: (وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي): قال الدِّمْياطيُّ: (لعلَّه: وقد قضيت أَرَبي)، انتهى، ونقل شيخنا عن الدِّمْياطيِّ: (لعلَّه: أربي، وهو الوجه)، انتهى، قال شيخنا: ولا يتعيَّن ما ذكره، انتهى.

(1/7801)


[حديث: كل مسكر حرام]
4343# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ): (إسحاق) هذا: قال الجيَّانيُّ بعد أن ذكر مواضع من «البُخاريِّ» فيها: (حدَّثنا إسحاق، حدَّثنا خالد)، ما لفظه: فـ (إسحاق) في هذه المواضع كلِّها: هو إسحاق بن شاهين أبو بشر الواسطيُّ، عن خالد بن عبد الله الطحَّان، وكذلك نسبه ابن السكن في أكثر هذه المواضع من «الجامع»، وقال أبو نصر الكلاباذيُّ: إسحاق بن شاهين الواسطيُّ سمع خالد بن عبد الله، روى عنه البُخاريُّ في (الصلاة)، وفي غير موضع، فلم يزد على أن قال: (حدَّثنا إسحاق الواسطيُّ)، ولم ينسبه إلى أبيه، وكذلك قال أبو عبد الله الحاكم في «المدخل»، انتهى، وقد قدَّمتُ ذلك، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (عن إسحاق): هو ابن شاهين، فوضَّحه، وقال شيخنا في المكان الذي في (سورة القمر): هو ابن شاهين، كما صرَّح به غير واحد، وإن كان إسحاق الأزرق روى أيضًا عن خالد الطحَّان، لكنَّ البُخاريَّ ما روى عنه في «صحيحه»، انتهى.
وتَقَدَّم فيه أنَّ (خَالِدٌ) هو الطحَّان، وهو خالد بن عبد الله، أحد العلماء، تَقَدَّم مترجمًا، و (الشَّيْبَانِيُّ) بعده: هو سليمان بن أبي سليمان فيروز، ويقال: خاقان، أبو إسحاق الشيبانيُّ؛ بالشين المعجمة، تَقَدَّم، و (سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ): تَقَدَّم أنَّ اسم أبي بردة القاضي الحارثُ أو عامر، ووالده (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): عبد الله بن قيس.
قوله: (قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ): (البِتْع): هو بكسر الموحَّدة، وإسكان المثنَّاة فوق، وقد فتحها بعض أهل اللغة، ثُمَّ العين المهملة، وقد فسَّره هنا وفي غير هذا المكان بنبيذ العسل، و (المِزْر) معروفٌ.
قوله: (رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ): أمَّا (جَرِير)؛ فهو ابن عبد الحميد الضبيُّ القاضي، تَقَدَّم، وأمَّا (عبد الواحد)؛ فهو ابن زياد العبديُّ البصريُّ، تَقَدَّم أيضًا مترجمًا، و (الشيبانيُّ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه سليمان بن أبي سليمان فيروز، وقيل: خاقان، وما رواه جَرِير وعبد الحميد لم أره في شيء من الكُتُب السِّتَّة من طريقهما عن الشيباني، و (أبو بُردة): تَقَدَّم أعلاه أنَّه الحارث أو عامر القاضي، وقد تَقَدَّم مترجمًا.

(1/7802)


[حديث: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا]
4344# 4345# قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو مسلم بن إبراهيم الفراهيديُّ، وتَقَدَّم الكلام على نسبته هذه، وأنَّها إلى جدِّه فرهود، ويقال في النسبة إليه: الفرهوديُّ والفراهيديُّ.
قوله: (عَنْ [1] سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّهُ): هذا مرسلٌ، وسيأتي في التعليق تعليق وكيع، ومن ذكر معه مسندًا، وسأعزو تعليق وكيع ومن معه قريبًا، و (أبو بُردة) تَقَدَّم أعلاه، وهو تابعيٌّ.
قوله: (جَدَّهُ): الضمير في (جدِّه) عائد على سعيد لا على أبي بُردة؛ لأنَّ أبا بردة ولد أبي موسى، وأبو موسى هو جدُّ سعيد؛ فاعلمه.
قوله: (وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا [2]): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا، وقد ذكر هنا الدِّمْياطيُّ تفسيره، وقد ذكرته قبل هذا عنه قريبًا.
قوله: (وَضَرَبَ فُسْطَاطًا): تَقَدَّم الكلام على (الفسطاط) بلغاته.
قوله: (فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ): هذا الرجل يهوديٌّ، تَقَدَّم ويأتي قريبًا، وتَقَدَّم أنِّي لا أعرفه.
قوله: (تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ): أمَّا (العَقَديُّ)؛ فهو بفتح العين والقاف، وبالدال المهملة، وقد قدَّمتُ فيما مضى ضبطه، واسمه عبد الملك بن عَمرو، والعَقَدُ: بطن من بجيلة، وأمَّا (وهب)؛ فهو ابن جَرِير بن حَازم، تَقَدَّم، وكذا هو في «الأطراف»: (وهب)؛ مكبَّر، وكذا في كلام شيخنا في «شرحه»، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (وُهَيب)؛ بالتصغير، وكذا هو في نسخة في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، والله أعلم، والضمير في (تابعه) يعود على مسلم؛ هو ابن إبراهيم الفراهيديُّ، أمَّا متابعة العَقَدي؛ فأخرجها البُخاريُّ في (الأحكام) عن محمَّد بن بَشَّار عن العَقَدي عن شعبة، وأمَّا متابعة وهب عن شعبة؛ فلم أرها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجهما شيخنا.

(1/7803)


قوله: (وَقَالَ وَكِيعٌ وَالنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ): أمَّا (وكيع)؛ فهو ابن الجراح، أحد الأعلام، تَقَدَّم، وأمَّا (النضر)؛ فهو بالضاد المعجمة، وقد قدَّمتُ مرارًا أنَّه لا يلتبس بـ (نصر)؛ بالصاد المهملة، وذلك لأنَّ (نصرًا) لا يأتي بالألف واللام بخلافه، فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، وهو ابن شميل، الإمام المشهور، تَقَدَّم، وأمَّا (أبو داود)؛ فهو سليمان بن داود بن الجارود الطيالسيُّ الحافظ، تَقَدَّم، وأنَّه لم يخرِّج له البُخاريُّ في الأصول، وإنَّما علَّق له، وقد تَقَدَّم، وتعليق وكيع عن شعبة أخرجه البُخاريُّ في (الجهاد) عن يحيى عن وكيع عن شعبة بالقصَّة الأولى: «يسِّرا ولا تعسِّرا»، وأخرجه مسلم في (الأشربة) عن قتيبة وإسحاق بن إبراهيم؛ كلاهما عن وكيع به، وفي (المغازي): عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع بالقصَّة الأولى، وأمَّا ما رواه النضر عن شعبة؛ فأخرجه البُخاريُّ في (الأدب) عن إسحاق عن النضر عن شعبة به، وأمَّا ما رواه أبو داود عن شعبة؛ فأخرجه ابن ماجه في (الأشربة) عن محمَّد بن بشار عن أبي داود الطيالسيِّ عن شعبة به مختصرًا: «كلُّ مسكر حرامٌ»، والله أعلم، ولم يخرِّج شيخنا شيئًا من هذه التعليقات.
قوله: (رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ): ما رواه جَرِير لم أره في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حَدَّثَنَا).
[2] في هامش (ق): («أتفوَّقه تفوُّقًا»؛ أي: لا أقرأ جُزئي [بمرَّة]، ولكنِّي أقرأ منه شيئًا بعد شيء).
[ج 2 ص 225]

(1/7804)


[حديث: أحججت يا عبد الله بن قيس]
4346# قوله: (حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ): كذا في أصلنا، وفي نسخة: (النرسيُّ)، و (عبَّاس): تَقَدَّم أنَّه بالموحَّدة، والسين المهملة، وقد قدَّمتُ الكلام عليه، وعلى عيَّاش بن الوليد؛ بالمثنَّاة، والشين المعجمة، وذكرت أنَّ كلَّ ما في «البُخاريِّ» عيَّاش بن الوليد، هو بالمثنَّاة، والشين المعجمة إلَّا هنا وفي (علامات النبوة) ومكان آخر، وهو في (كتاب الفتن) بعد حديث خرَّجه من طريق هشام الدستوائيِّ عن قتادة عن أنس ... ، فذكره، ثُمَّ قال: (وقال عبَّاس النرسيُّ: حدَّثنا يزيد، حدَّثنا سعيد، أخبرنا قتادة: أنَّ أنسًا حدَّثهم ... )؛ فذكره، وما في «البُخاريِّ» أكثر من هذه الأماكن الثلاث، والباقي: عيَّاش؛ بالمثنَّاة، والشين المعجمة، ونقل شيخنا هنا عن خطِّ الدِّمْياطيِّ: أنَّه بالإعجام، قال: وهو الرقَّام، وقال في (باب علامات النبوة) بعد أن ضبطه بالإهمال، فذكر كلام الدِّمْياطيِّ، وما قاله الدِّمْياطيُّ قال صاحب «المطالع» بعد أن ضبطه بالإهمال ما لفظه: وذكر بعضهم فيه عن أبي أحمد أنَّه كان يقوله بالشين المعجمة، ولم يحكِ الأصيليُّ عنه وعن أبي زيد إلَّا بالمهملة، انتهى، فهو مسبوق بذلك، وهو خطأ، والله أعلم.
و (عَبْدُ الْوَاحِدِ) بعده: هو ابن زياد، تَقَدَّم، و (أَيُّوبُ): هو ابن عائذ، كما نسبه هنا، وهو بالمثنَّاة تحت، وبالذال المعجمة، الكوفيُّ، عن الشعبيِّ، وقيس بن مسلم، وبُكَير بن الأخنس، وعنه: عبد الواحد بن زياد،
[ج 2 ص 225]
والسفيانان، وجَرِير بن عبد الحميد، وآخرون، وثَّقه أبو حاتم وغيره، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه فيها [1]، وأمَّا أبو زرعة؛ فسرد اسمه في كتاب «الضعفاء»، وكان من المرجئة، قاله البُخاريُّ، وأورده في «الضعفاء»؛ لإرجائه، والعجب من البُخاريِّ يغمزه وقد احتجَّ به! له عنده حديث، وعند مسلم له حديث آخر، فإنَّه مقلٌّ، انتهى.
قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا قريبًا وبعيدًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.
قوله: (مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ): (مُنيخٌ)؛ بضمِّ الميم؛ لأنَّه رباعيٌّ، و (الأبطح): تَقَدَّم الكلام عليه.
قوله: (أَحَجَجْتَ؟)؛ أي: أنويت الحج؟ تَقَدَّم.
قوله: (حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ): هذه المرأة لا أعرفها، وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: تَقَدَّم أنَّها لم تُسَمَّ، قال: وأظن المراد بـ (قيس) والده، وكأنَّها كانت من نساء أحد إخوانه، انتهى، وقد تَقَدَّم، و (مشطت)؛ بالتخفيف.
قوله: (حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ): (استُخلِف)؛ بضمِّ التاء، وكسر اللام: مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (عمرُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
==========
[1] زيد في (أ): (وثَّقه أبو حاتم وغيره)، وهو تكرار.

(1/7805)


[حديث: إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب]
4347# قوله: (حَدَّثَنِي حِبَّانُ): هو بكسر الحاء المهملة، وهو ابن موسى، وقد تَقَدَّم، وتَقَدَّم أنَّ ثلاثة في «البُخاريِّ» و «مسلم» بالكسر: هذا، وحِبَّان بن عطية، وحِبَّان ابن العَرِقَة الذي رمى سعد بن معاذ في الخندق، هلك ابن العَرِقَة على كفره، والباقي: بفتح الحاء: حَبَّان؛ فاعلمه، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن المبارك، تَقَدَّم، و (أَبُو مَعْبَدٍ): بفتح الميم، وبالموحَّدة، واسمه نافذ؛ بالنون، والفاء، والذال المعجمة، وروايته عن مولاه ابن عبَّاس متَّصلة في «البُخاريِّ» و «مسلم»، وروايته عن أخي مولاه الفضل بن عبَّاس مرسلة، والله أعلم.
قوله: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ): (كرائمَ): منصوب، ونصبه معروف، و (الكرائم) تَقَدَّمتُ، وأنَّها النفيسات.
قوله: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ)؛ يعني: لا تظلم أحدًا فيدعُوَ عليك.
==========
[ج 2 ص 226]

(1/7806)


[حديث: أن معاذًا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ ... ]
4348# قوله: (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و (عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ) هذا: هو الأوديُّ، أدرك النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وروى عن عمر، ومعاذ، وأبي ذرٍّ، وعائشة، وابن مسعود، وطائفةٍ، تَقَدَّم مترجمًا، وهو الذي رجم القردة، لا عَمرو بن ميمون بن مهران، هذا ابن بنت سعيد بن جُبَير، هذا متأخِّر الطبقة عن الأوَّل، والله أعلم.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، قال شيخنا: وروي: أنَّه قرأ (سورة الإخلاص)، فقال المأموم كذلك، فلم يأمره بالإعادة، انتهى.
واعلم أنَّ الكلام في الصلاة حرام سواء كان لحاجة أو غيرها، وقد قدَّمتُ المسألة في هذا التعليق في (الصلاة)، وتتخرَّج هذه المسألة المذكورة في الحديث: أنَّ المتكلِّم هنا جاهل، أو قريب العهد بالإسلام، أو هما، فهو عند الشافعيَّة كالناسي، فلا تبطل صلاته بالكلام اليسير دون الكثير، وهذا قليل، والله أعلم، فلهذا لم يأمره بالإعادة.
قوله: (زَادَ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ): هذا هو معاذ [1] بن معاذ التميميُّ العنبريُّ الحافظ، قاضي البصرة، قال أحمد: إليه المنتهي في التثبُّت بالبصرة، أخرج له الجماعة، وتَقَدَّم أنَّ (زاد) مثل: (قال)، فهو تعليق مجزوم به، وهذا التعليق على شرطه، ولم أر ما زاده في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا، و (حَبِيبٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن أبي ثابت، و (سَعِيدٌ) بعده: هو ابن جُبَير، و (عَمْرٌو): هو ابن ميمون الأوديُّ، تَقَدَّم.
==========
[1] زيد في (أ): (هو معاذ)، وهو تكرار.
[ج 2 ص 226]

(1/7807)


[بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع]
قوله: (بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [1] وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [2]، إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ): رأيت بخطِّ شيخنا شيخ الإسلام البلقينيِّ ما لفظه: هذه الترجمة يقتضي ظاهرها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بعث عليَّ بن أبي طالب وخالد بن الوليد دفعة واحدة، ولم يتَّفق ذلك، وحديث البراء الذي أخرجه البُخاريُّ صريح في أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بعث خالدًا أوَّلًا، ثُمَّ بعث عليًّا بعد ذلك مكانه، ومقتضى ذلك أن تكون الترجمة: بعْثُ خالد بن الوليد إلى اليمن، ثُمَّ بعثُ عليٍّ مكانه، وحديث بُريدة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بعث عليًّا إلى خالد ليقبض منه الخمس، وكأنَّ المصنِّف راعى تقديم عليٍّ في الترجمة؛ لتَقَدُّمه على خالد في المرتبة، انتهى.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة»: (عليه السلام).
[2] زيد في «اليونينيَّة»: (رضي الله عنه)، وفي (ق): (رضي الله عنهما).
[ج 2 ص 226]

(1/7808)


[حديث: بعثنا رسول الله مع خالد بن الوليد إلى اليمن]
4349# قوله: (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ): هو أحمد بن عثمان بن حَكِيم بن ذُبيان الأوديُّ، أبو عبد الله الكوفيُّ، يروي عن أبيه، وجعفر بن عون، وأبي نعيم، وطبقتِهم، وعنه: البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وغيرهم، وثَّقه النَّسائيُّ وابن خراش، مات يوم عاشوراء سنة (261 هـ)، أخرج له من الأئمَّة من روى عنه، و (شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ): بالشين المعجمة، والحاء المهملة، و (أبو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا، عَمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، و (البَرَاءُ): هو ابن عازب، صَحابيٌّ ابن صَحابيٍّ، تَقَدَّم.
قوله: (أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ): (يعقِّب): بكسر القاف المشدَّدة، و (التعقيب): الغزوة بإثر الأخرى في سنة واحدة، قاله ابن قُرقُول، وعن الخطابيِّ: التعقيب: أن يعود الجيش بعد القفول؛ ليصيبوا غرَّة من العدوِّ، انتهى، وقال ابن فارس: التعقيب: غزاة بعد غزاة.
قوله: (فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ): كذا في أصلنا، وفي أصل آخر: (أواقيَ)، (الأواقي): جمع أوقيَّة، وقد تَقَدَّم الكلام على (الأوقيَّة)، وأنَّها أربعون درهمًا.
==========
[ج 2 ص 226]

(1/7809)


[حديث: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك]
4350# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم ضبطه، وأنَّ (محمَّدًا) لقبه بُنْدَار، وتَقَدَّم ما (البُنْدَار)، و (عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ): (مَنْجُوْف): بفتح الميم، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ جيم مضمومة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ فاء، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و (بُرَيْدَةُ) هذا: هو ابن الحصيب الأسلميُّ، شهد خيبر، عنه: ابناه، والشعبيُّ، وعدَّةٌ، تُوُفِّيَ سنة (63 هـ)، أخرج له الجماعة، رضي الله عنه.
قوله: (وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا): قال الحافظ أبو ذرٍّ: إنَّما أبغض عليًّا؛ لأنَّه رآه أخذ من الغنيمة، فظنَّ أنَّه غلَّ، فلمَّا أعلمه رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أنَّه أخذ أقلَّ [من] حقِّه؛ أحبَّه، انتهى.
قوله: (وَقَدِ اغْتَسَلَ): يريد: أنَّه وقع على جارية، وقد صارت الجارية له في القسمة من الخمس، فاعتذر عنه الشارع بأنَّ له في الخمس أكثرَ من ذلك، وقد روي هذا الحديث بأتمَّ مما هنا، قال بُرَيدة: (كنت في جيش فغنموا، وبعث أمير الجيش إلى رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أن ابعث إليَّ بخمسها، فبعث عليًّا، وفي السبي وصيفة من أفضل السبي، فوقعت في الخمس، ثُمَّ خمَّس، فصارت في أهل بيت رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم،
[ج 2 ص 226]
ثُمَّ خمَّس، فصارت في آل عليٍّ، فأتى ورأسه يقطر ... )؛ وذكر الحديث، وفيه شيئان: قسمته لنفسه، وإصابته قبل الاستبراء، وقد أجاب عنهما الخطابيُّ كما نقله شيخنا عنه، وجوابه عن الإصابة قبل الاستبراء قال: فيحتمل أن تكون غير بالغة، وقد قال: بعدمه في حقِّها غير واحد من العلماء، وعدَّدهم، ثُمَّ قال: ويحتمل أن تكون عذراء _وهو رأي ابن عُمر_ وإن بلغت، انتهى، وهذا يتمشَّى على تخريج ابن سريج، وقد قدَّمتُه.
وأمَّا قسمته لنفسه؛ فيجوز أن يقع ذلك ممَّن هو شريك فيما يقسمه؛ كما يقسم الإمام بين الرعيَّة وهو منهم، ومن ينصِّبه الإمام؛ يكون قائمًا مقامه.
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني)، وكذا كتب فوقها في (ق) بالحمرة.

(1/7810)


[حديث: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء]
4351# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن زياد، وتَقَدَّم ما فيه، و (عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ): هو بضمِّ العين المهملة، وتخفيف الميم، و (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ): بضمِّ النون، وإسكان العين، و (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان، صَحابيٌّ مشهور، تَقَدَّم مِرارًا.
قوله: (بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ): (الذُّهَيبة): تصغير (ذهب)، وأدخل الهاء فيها؛ لأنَّ الذهب يؤنَّث، والمؤنَّث الثلاثيُّ إذا صُغِّر؛ أُلحِق في تصغيره الهاء؛ نحو قوله: قُويسة وشُميسة، وقيل: هو تصغير (ذهبة) على نيَّة القطعة منه، فصغَّرها على لفظها، و (مقروظ)؛ يعني: دبغ بالقرظ، والقرظ معروفٌ.
قوله: (لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا): (تُحصَّل)؛ بفتح الصاد المشدَّدة: مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ أي: لم تُخلَّص من تراب المعدِن.
قوله: (بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ ابْنِ بَدْرٍ): تَقَدَّم الكلام عليه، ونسبه هنا إلى جدِّه الأعلى، وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريُّ، قال الدِّمْياطيُّ: هو ابن حصن بن حذيفة بن بدر، واسم عيينة: حذيفة، وكان عيينة من المنافقين [1]، ارتدَّ بعد النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وبعث به خالد في وثاق [2] إلى أبي بكر، فأسلم وعفا عنه، انتهى.
قوله: (وَالأَقْرَعِ [3] بْنِ حَابِسٍ): تقدَّم الكلام على (الأقرع) قبل هذا.
قوله: (وَزَيْدِ الْخَيْلِ): هو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب، الطائيُّ النبهانيُّ، زيد الخيل، من المؤلَّفة _وقد تَقَدَّم_ ثُمَّ حسن إسلامه، وفد سنة تسع، وسمَّاه النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: زيد الخير، وأثنى عليه، وأقطعه أرضين، وله ابنان: مُكنَّف وحُرَيث، لهما صحبة، وكان زيد شاعرًا خطيبًا بليغًا جوادًا، مات في آخر خلافة عمر، وقيل: قبل ذلك، رضي الله عنه.
قوله: (وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ): أمَّا (علقمة)؛ فقد جزم به في (التوحيد) في (بابٌ في قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4])، وفي (الزكاة) في «مسلم»، وفي «مسلم» أيضًا الشكُّ، والجزم أيضًا في «أبي داود» في «السُّنَّة»، لكن قال الشيخ محيي الدين النوويُّ في «شرحه لمسلم»: قال العلماء: ذِكر عامر هنا غلطٌ ظاهر؛ لأنَّه تُوُفِّيَ قبل هذا بسنين، والجزم بأنَّه علقمة بن علاثة، كما هو مجزوم به في باقي الروايات، انتهى، وقال الدِّمْياطيُّ: ذِكره وَهم؛ لأنَّه مات كافرًا، انتهى.

(1/7811)


وأمَّا (علقمة)؛ فهو علقمة بن علاثة بن عوف العامريُّ الكلابيُّ، من الأشراف، ومن المؤلِّفة قلوبهم، ثُمَّ ارتدَّ، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، واستعمله عمر على حوران، فمات بها، وأمَّا (عامر بن الطُّفيل)؛ فقد تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ بعضهم ذكره في الصَّحابة، فوهِم في ذلك، وقد مات كافرًا وقد أخذته غُدَّة، فكان يقول: (غدَّة كغدَّة البَكْر في بيت سلوليَّة!)، كما تَقَدَّم في هذا «الصحيح»، والله أعلم.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ): هذا الرجل لا أعرفه.
قوله: (فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ... )؛ الحديث: في هامش أصلنا: اسمه نافع، ذكره أبو داود، وقيل: اسمه حرقوص، والأوَّل أصحُّ، انتهى، ونافعٌ إنَّما هو ذو الثديَّة، وقيل: اسم ذي الثديَّة ثرملة، وقيل: بلبول، وأمَّا هذا؛ فهو ذو الخويصرة، وهو الذي قال له عَلَيهِ السَّلام: «اعدل»، وتَقَدَّم ذو الخويصرة التميميُّ، وأنَّه قُتِل في الخوارج يوم النهروان، وأنَّ والده اسمه زُهير، وتَقَدَّم ما وقع في هذا «الصحيح» في (كتاب استتابة المرتدين)، وهذا قال للنَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: (اتق الله)، والظاهر أنَّهما واحد.
قوله: (وَهْوَ مُقَفِّي): كذا في أصلنا، وهذه لغة، والوجه: (مقفٍّ)، وجُعلت الثانية نسخةً في هامش أصلنا، وكتب عليها: (صح)؛ ومعناه: مولٍّ.
قوله: (مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا): تَقَدَّم الكلام على (الضئضئ)، واختلاف الرواة فيه.
قوله: (رَطْبًا): قيل: سهلًا، كما جاء في الرواية الأخرى: (ليِّنًا)، وقيل: أي: يواظب عليها، فلا يزال لسانه رطبًا بها، ويكون أيضًا من تحسين الصوت بالقراءة، ويقال في معناه غيرُ ذلك.
قوله: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ): أي: الطاعة، دون الملَّة.
قوله: (قَتْلَ ثَمُودَ): إن قلت: إذا كان قتلهم واجبًا؛ فكيف منع خالد بن الوليد أن يقتله، وفي رواية: (منع عمر)؟
فالجواب _كما قال الخطَّابيُّ_: إنَّما منعه؛ لعلمه بأنَّ الله سيمضي قضاءه فيه، حتَّى يخرج من نسله من يستحقُّ القتل؛ لسوء فعله ومروقه من الدِّين، فيكون قتلُهم عقوبةً لهم، فيكون أدلَّ على الحكمة، وأبلغَ في المصلحة، انتهى، نقله شيخنا.
==========
[1] في حاشية الدمياطيِّ التي في هامش (ق): (المتألَّفين).
[2] في (أ): (وفاق)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[3] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (وأقرعَ).
[ج 2 ص 227]

(1/7812)


[حديث: فأهد وامكث حرامًا كما أنت]
4352# قوله: (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج أحد الأعلام، و (عَطَاءٌ) بعده: هو ابن أبي رَباح المَكِّيُّ، و (جَابِرٌ): هو ابن عبد الله بن عَمرو بن حرام رضي الله عنهما.
قوله: (زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ): (محمَّد بن بكر) هذا: هو البُرسانيُّ، من الأزد، بصريٌّ، عن ابن جُرَيج وطبقته، وعنه: عبدٌ وخلقٌ، ثِقةٌ صاحب حديث، مات سنة (203 هـ)، أخرج له الجماعة، وهذا الحديث هنا والزيادة لم يطرِّفها المِزِّيُّ، وإنَّما ذكرها في (الحجِّ) لا هنا، ولعلَّه سقط من نسختي، وهو في (الحجِّ) بهذا السند، وشيخنا لم يطرِّفها أيضًا؛ أعني: الزيادة.
[ج 2 ص 227]
قوله: (بِسِعَايَتِهِ): وفي «مسلم»: (من سِعايته)، اعلمْ أنَّ (السِّعاية) بكسر السين المهملة، وبالعين المهملة أيضًا؛ وهي العمل في السعي على الصدقات، قال القاضي عياض رحمه الله: قال بعض علمائنا: الذي في غير هذا الحديث أنَّه إنَّما بعث عليًّا أميرًا لا عاملًا على الصدقات؛ إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصَّدقات؛ لقوله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم للفضل بن عبَّاس وعبد المطَّلب بن ربيعة حين سألاه ذلك: «إنَّ الصَّدقة لا تحلُّ لمحمَّد، ولا لآل محمَّد»، ولم يستعملهما، قال: ويحتمل أنَّ عليًّا وَلِيَ الصدقات بغير أجر احتسابًا، أو أُعطِي عُمالتَه عليها من غير الصدقة، قال الشيخ محيي الدِّين: وهذا الذي قاله حسنٌ إلَّا قوله: إنَّ السِّعاية تختص بالعمل على الصدقات، وليس كذلك؛ لأنَّها تستعمل في مطلق الولاية وإن كان أكثر استعمالها في الولاية على الصَّدقة، واستدلَّ لما قاله بحديث: «ليردنَّه عليَّ ساعيه»، انتهى.
واعلمْ أنَّ الصدقة الواجبة محرَّمة على آل النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، سواء كانت بسبب العمل أو بسبب الفقر والمسكنة، وغيرها من الأسباب الثمانية، هذا هو الصحيح عند الشَّافعيَّة، وجوَّز بعض أصحابه لبني هاشم وبني المطَّلب العمل عليها بسهم العامل؛ لأنَّها إجارة، وهذا ضعيف أو باطل، والحديث في «مسلم» في قصَّة ربيعة بن عبد المطَّلب والفضل بن عبَّاس يردُّ هذا الوجه، والله أعلم.
قوله: (فَأَهْدِ): هو بقطع الهمزة، فعل أمر، وهو رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

(1/7813)


[حديث: أن النبي أهل بعمرة وحجة ... ]
4353# 4354# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ): (بِشْر): هو بكسر الموحَّدة، وبالشين المعجمة، و (المفضَّل): بتشديد الضَّاد المعجمة المفتوحة، اسم مفعول من المشدَّد.
قوله: (حَدَّثَنَا بَكْرٌ): هذا هو بكر بن عبد الله المزنيُّ البصريُّ، أحد الأعلام، عن المغيرة بن شعبة، وابن عبَّاس، وابن عمر، وأنس، وطائفة، وعنه: قتادة، وثابت، وحُمَيد، وسُليمان التَّيميُّ، وخلق، قال محمَّد بن سعد: كان ثِقةً ثبتًا مأمونًا حجَّةً فقيهًا، انتهى، تُوُفِّيَ سنة ستٍّ ومئة، ويقال: سنة ثمان، قال ابن سعد: وهو أثبت عندنا، أخرج له الجماعة.
قوله: (ذُكِرَ لاِبْنِ عُمَرَ): (ذُكر): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (فَأَمْسِكْ): هو بقطع الهمزة، رباعيٌّ.
==========
[ج 2 ص 228]

(1/7814)


[باب غزوة ذي الخلصة]
قوله: (غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ): قال السُّهيليُّ: وذلك قبل وفاة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بشهرين أو نحوهما، وقد تَقَدَّم ذلك في أوَّل السَّرايا أنَّ البُخاريَّ ما رتَّبها كما رتَّب الغزوات إلَّا في تبوك، والله أعلم، و (ذو الخَلَصة): تَقَدَّم أنَّها بفتح الخاء المعجمة واللَّام، قال ابن قُرقُول: ويقال: بضمِّهما، وكذا ضبطناه عن ابن سراج، وبالفتح قيَّدناه عن أبي بحر، لكن بسكون اللَّام، وكذا قال ابن دريد، وهو بيت صنم ببلاد دوس، وهو اسم صنم، لا اسم بيته، وكذا جاء تفسيره في الحديث، انتهى.
وقال السُّهيليُّ: (ذو الخُلُصة): بضمِّ الخاء واللَّام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام، وقال القُرْطبيُّ في «تذكرته» بعد أن ذكر اللغتين اللَّتَين ذكرتهما من كلام ابن دحية الحافظ أبي الحسن: وقيَّده الإمام أبو الوليد الكنانيُّ الوقشيُّ بفتح الخاء، وسكون اللام، وكذا قال ابن دريد، انتهى.
قال في «النِّهاية» في (ذي الخلصة): هو بيت كان فيه صنم لدوس، وخثعم، وبجيلة، وغيرهم، وقيل: ذو الخلصة: الكعبة اليمانية التي كانت باليمن، فأنفذ إليها رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم جَرِير بن عبد الله، فخربها، وقيل: ذو الخلصة: اسم الصنم نفسه، وفيه نظر؛ لأنَّ (ذو) لا تضاف إلَّا إلى أسماء الأجناس، انتهى.

(1/7815)


[حديث: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ ... ]
4355# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا هو خالد بن عبد الله الطَّحَّان الواسطيُّ، أحد العلماء، تَقَدَّم، و (بَيَانٌ) بعده: هو بيان بن بِشْر المؤدِّب، عن أنس وقيس بن أبي حَازم، وعنه: شعبة، وزائدة، وعدَّة، أخرج له الجماعة، قال أحمد وابن معين: ثِقةٌ، تُوُفِّيَ في حدود أربع عشرة [ومئة]، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم أعلاه، و (جَرِير): تَقَدَّم أنَّه ابن عبد [الله] البجليُّ، يوسف هذه الأمة، تَقَدَّم رضي الله عنه.
==========
[ج 2 ص 228]

(1/7816)


[حديث: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا .. ]
4356# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو يحيى بن سعيد القطَّان شيخ الحفَّاظ، تَقَدَّم، و (إِسْمَاعِيلُ): هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم، و (جَرِيرٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن عبد الله البجليُّ أعلاه وقبله أيضًا.
قوله: (وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا): تَقَدَّم أنَّ هذا من المقلوب؛ أي: مهديًّا هاديًا، وهذا ظاهرٌ [1].
قوله: (فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ): (رسول جَرِير) سيأتي قريبًا في هذا «الصحيح» بكنيته؛ وهي أبو أرطاة، قال الدِّمْياطيُّ: واسمه حُصَين بن ربيعة بن الأزور، انتهى، وقيل: حصن _مكبَّرًا_ ابن ربيعة بن عامر بن الأزور، أبو أرطاة، صَحابيٌّ رضي الله عنه، وقد قدَّمتُ الكلام عليه أطول من هذا.
تنبيه: وقع في «مسلم» لبعض الرواة له: (حسين)، والصواب: بالصَّاد المفتوحة، والسينُ وَهَمٌ، والله أعلم.
قوله: (أَجْرَبُ): أي: مدهونًا بقطران؛ يعني: محترقةً، وهذا ظاهرٌ.
==========
[1] زيد في هامش الأصل بخط مغاير: (لا يحتاج أن تجعله من المقلوب، فإنَّ المراد أن يكون ممَّن اتَّصف بهاتين الصفتين، وليس معنا حرف يدلُّ على تأخر «مهديًّا» حتى يكون من المقلوب، وقدَّم «هاديًا»؛ لأنَّها صفة أعلى من «مهديًّا»، حرَّره أبو الوفا القرطبيُّ).
[ج 2 ص 228]

(1/7817)


[حديث: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا ... ]
4357# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم أعلاه.
قوله: (فِيهِ نُصُبٌ): تَقَدَّم الكلام على النُّصُب، وأنَّه بضمِّ النُّون والصاد المهملة وإسكانها.
قوله: (كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.
قوله: (بِالأَزْلاَمِ): والاستقسام بالأزلام ذكرت معناه، وذكرت الكلام على الأزلام، وأنَّ واحدَها فيه لغتان.
قوله: (وَلَتَشْهَدْ [1]): هو بإسكان اللَّام؛ لأنَّ اللَّام هي لام الأمر، وهي مكسورة إذا لم يتقدَّمها واو ولا فاء، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ [2]): تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه؛ فانظره.
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (ولَتَشْهَدًا)، ورواية أبي ذرٍّ عن الحمُّوي والكشميهنيِّ: (ولَتَشْهَدَنَّ).
[2] في هامش (ق): (هو حصين بن ربيعة بن الأزور).
[ج 2 ص 228]

(1/7818)


[باب غزوة ذات السلاسل]
[ج 2 ص 228]
قوله: (بَاب غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ): قال الدِّمْياطيُّ: كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وكانت قبل سريَّة الخَبَط، وكانت الخَبَط في رجب سنة ثمان، انتهى، و (السَّلاسِل): بفتح السين الأولى، وكسر الثانية المهملتين على المشهور على الألسنة، وقال السُّهيليُّ: بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية: ماء بأرض جذام، به سُمِّيت الغزاة، وفي «النِّهاية»: هو بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية؛ ماء بأرض جذام، به سميت الغزوة، وهو في اللُّغة: الماء السَّلسال، وقيل: بمعنى: السَّلسال، انتهى.
وقد اقتصر المحبُّ الطَّبريُّ في «أحكامه» على ضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية، وقيل: سُميَّت ذات السَّلاسل؛ لأنَّ المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض؛ مخافة أن يفرُّوا.
تنبيه: ذكر النَّوويُّ في «تهذيبه» غزوة ذات السَّلاسل وتاريخها، ثُمَّ قال عن ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: إنَّها كانت بعد مؤتة فيما ذكر أهل المغازي سوى ابن إسحاق، فإنَّه قال: هي قبل تبوك، انتهى.
قوله: (قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ): تَقَدَّمتُ ترجمته.
قوله: (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ): (ابن إسحاق): هو محمَّد بن إسحاق بن يسار، إمام أهل المغازي، تَقَدَّم، و (يزيد) بعده: لعلَّه ابن رُومان، والله أعلم.
قوله: (بِلاَدُ بَلِيٍّ): هو بفتح الموحَّدة، وكسر اللَّام، وتشديد الياء، بوزن (عَلِيٍّ)، والنسبة إليها: بَلَوِيٌّ.
قوله: (وَعُذْرَةَ): هو بضمِّ العين المهملة، وإسكان الذَّال المعجمة، وهذا معروف ظاهر.
قوله: (وَبَنِي الْقَيْنِ): هو بفتح القاف، وإسكان المثنَّاة تحت، وبالنُّون، وهذا ظاهرٌ معروفٌ.

(1/7819)


[حديث: أن رسول الله بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل ... ]
4358# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم الكلام عليه قريبًا؛ فانظره، وقال فيه المِزِّيُّ هنا: عن إسحاق بن شاهين، و (خالد بن عبد الله): هو الطَّحَّان، تَقَدَّم، و (خَالِد الْحَذَّاء): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن مهران أبو المُنازل، و (أَبُو عُثْمَان): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في (مَلٍّ) غيرَ مرَّةٍ، وهذا الحديث هنا مرسل؛ لأنَّ أبا عثمان تابعيٌّ إلَّا أنَّ قوله: (قال: فأتيته): هذا متَّصل إلى آخره، وقد تَقَدَّم متَّصلًا عن عمرو بن العاصي في (فضل أبي بكر رضي الله عنه)، وأخرجه مسلم متَّصلًا عن عمرو بن العاصي، وكذلك التِّرْمِذيُّ، وكذلك النَّسائيُّ، والله أعلم.
قوله: (بَعَثَهُ [1] عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ): قال ابن سعد: إنَّهم كانوا ثلاث مئة من سَراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرسًا.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ).
[ج 2 ص 229]

(1/7820)


[باب ذهاب جرير إلى اليمن]
قوله: (ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ): هو جَرِير بن عبد الله البجليُّ رضي الله عنه، تَقَدَّم، وكان بعثه سنة إحدى عشرة، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 229]

(1/7821)


[حديث: كنت بالبحر فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو]
4359# قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ): هذا هو الحافظ الكبير المصنِّف أبو بكر، و (العبسيُّ)؛ بالموحَّدة، والسين المهملة، و (ابْنُ إِدْرِيسَ): هو عبد الله بن إدريس بن يزيد الأوديُّ، أبو محمَّد، أحد الأعلام، عن أبيه، وعمِّه داود، وحُصَين، وهشام بن عروة، وعنه: أحمد، وإسحاق، والعطارديُّ، قال أحمد: كان نسيجَ وَحْدِه، تُوُفِّيَ سنة (192 هـ)، أخرج له الجماعة، قال ابن معين: ثِقةٌ في كلِّ شيء، وقال يعقوب بن شيبة: كان عابدًا فاضلًا، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم.
قوله: (رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ ذَا كَلاَعٍ وَذَا عَمْرٍو): رأيت في حاشية نسخة من «استيعاب ابن عبد البَرِّ» بخطِّ ابن الأمين الحاشية والأصل: (قال أحمد ابن حنبل: من كان من أهل اليمن يقال له: «ذو»؛ فهو شريف، يقال: فلان له ذو، وفلان لا ذي له) انتهت، قال أبو عُمر: ذو الكلاع: اسمه أيفع بن ناكور من اليمن، أظنُّه من حِمْيَر، يقال: إنَّه ابن عمِّ كعب الأحبار، يكنى أبا شرحبيل، ويقال: أبا شراحيل، كان رئيسًا مُطَاعًا في قومه ... ؛ فذكر ترجمته، وفي هامش «الاستيعاب» بخطِّ ابن الأمين: (قال ابن دريد: اسمه سُميقع بن ناكور، تصغير «سَمْقَع» إن كان أوَّله مضمومًا، وإلَّا؛ فهو مثل: سَميدَع، والسَّمْقَع: الجُرْأَة والإقدام، و «ناكور»: «فاعول» من النُّكر؛ وهو المكر والدَّهاء) انتهت.
(ذو الكلاع): اسمه سميفع؛ بالفاء وبالقاف، وقيل: اسمه أيفع، أبو شرحبيل الحِمْيَريُّ، أسلم في حياة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، تابعيٌّ، له ترجمة في «الاستيعاب»، و (ذو عَمرو): تابعيٌّ أيضًا، وله ترجمة في «الاستيعاب»، قال ابن عبد البَرِّ في ترجمته: وأظنُّه أحدَ الوفود عليه، والله أعلم.
فائدة: ذكر شيخنا عن «المنثور» لابن دريد: أنَّ ذا الكلاع ادَّعى الربوبيَّة في الجاهليَّة، وأنَّ إسلامه كان زمن عمر رضي الله عنه، وذكر عن ابن عبد البَرِّ: أنَّه أعتق عشرة آلاف أهل بيت، انتهى، والظاهر أنَّ هذا في غير «الاستيعاب»، ولم أر ذلك في «الاستيعاب»، والله أعلم.
قوله: (مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ): (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة.
قوله: (قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبض): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مرفوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا (وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ).
قوله: (خَبَرًا): هو بالموحَّدة، وكذا في أصلنا.
قوله: (تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ): من الائتمار والمشاورة، قاله أبو ذرٍّ، انتهى.
==========
[ج 2 ص 229]

(1/7822)


[باب غزوة سيف البحر]
قوله: (بَابُ غَزْوَةِ سِيْفِ الْبَحْرِ): (سِيْف)؛ بكسر السين المهملة، وإسكان المثنَّاة تحت، وبالفاء، وهذا ظاهرٌ، و (سِيْف البَحر): ساحله، وهذه سريَّة الخَبَط، بعثهم عَلَيهِ السَّلام إلى حيٍّ من جُهينة ممَّا يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمسُ ليالٍ، فأصابهم جوع شديد، وأكلوا الخَبَط، انتهى، قاله الدِّمْياطيُّ، وكانت هذه السريَّةُ في رجب سنة ثمان.
قوله: (وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ): كذا في «الصَّحيح»، وفيه نظر؛ لأنَّه لم يكن بعد الحُدَيْبيَة يُعترض لعير قريش، وهي سنة ثمان، والظاهر أنَّ ابن إسحاق جعلها في هذه الرتبة، وكذا أبو الفتح ابن سيِّد النَّاس جعلها بعد مؤتة، وبعد سريَّة عَمرو بن العاصي إلى ذات السَّلاسِل، وهي في جمادى الآخرة سنة ثمان، وعمرٌو إنَّما هاجر على الصَّحيح إلى المدينة في صفر سنة ثمان، وظاهر سريَّة الخَبَط أنَّها كانت
[ج 2 ص 229]
قبل الهُدنة بالحُدَيْبيَة، فإنَّه من حين صالح أهل مَكَّة لم يكن يرصُدُ لهم عيرًا، بل كان زمن أمنٍ وهدنة إلى حين الفتح، وقد تعقَّب الحافظ شمس الدين بن قيِّم الجوزيَّة سريَّة الخَبَط في جعلها سنة ثمانٍ بهذا التعقُّب، وهو تعقُّبٌ صحيحٌ لا شكَّ فيه، وتعقَّب أيضًا كونها في رجب، فقال: الظاهر أنَّه غير محفوظ؛ إذ لم يُحفَظ عن النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أنَّه غزا في الشهر الحرام، ولا أغار فيه، ولا بعث فيه سريَّة، وقد عَيَّر المشركون المسلمين بقتالهم في أوَّل رجب في قصَّة عمرو بن الحضرميِّ، وقالوا: استحلَّ محمَّدٌ الشهر الحرام ... إلى آخر كلامه، فإن أردته؛ فانظره من «الهدي»، وهذا بناء منه على أنَّ القتال لم يُنسَخ في الشهر الحرام، وهو مذهب جماعةٍ قليلةٍ، والأكثرون على نسخه، والله أعلم.
قوله: (وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الجَرَّاح [1]): وكذا في «مسلم»، وهنا أيضًا، قال شيخنا: (وفي «الأطعمة» لابن أبي عاصم من حديث جابر: أنَّ الأمير عليهم يومئذٍ سعدُ بن عبادة، وهو عجيبٌ)، انتهى، ذكر ذلك في (الأطعمة)، واعلم أنَّ سعدًا لم يكن معهم في سريَّة الخَبَط، كما هو ظاهر هذه القصَّة؛ فانظرها أيضًا من السير تجدْ ذلك، والله أعلم.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

(1/7823)


[حديث: بعث رسول الله بعثًا قبل الساحل وأمر عليهم أبا عبيدة]
4360# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس عبد الله، وأنَّه [ابن] أخت الإمام مالك بن أنس المجتهد، أحد الأعلام.
قوله: (أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ الْجَرَّاحِ): تَقَدَّم أنَّ اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح الفهريُّ، أمين الأمَّة، وأحد العشرة، تَقَدَّم مترجمًا.
قوله: (فَجُمِعَ): هو بضمِّ الجيم، وكسر الميم، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (إِلاَّ تَمْرَةٌ): هي مرفوعة منوَّنة، وكذا الثانية.
قوله: (مِثْلُ الظَّرِبِ): هو بفتح الظاء المعجمة المشالة، وكسر الراء، وبالموحَّدة، الجُبيل، وبعضهم قال: الرابية الصغيرة، وهما قريب.
قوله: (فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانَ [1] عَشْرَةَ لَيْلَةً): وسيأتي: (فأكلنا منها نصف شهر)، وفي «مسلم»: (نصف شهر)، وفي رواية: (ثمانية عشر يومًا)، وفي رواية أبي الزُّبَير عن جابر في «مسلم»: (شهرًا)، وفي حديث وهب بن كيسان عنه عند الحاكم: (اثني عشر يومًا)، ولا تنافي؛ لأنَّه ليس في ذكر القليل ما ينافي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، والله أعلم، قال شيخنا: قال ابن التين: إحدى روايتي البُخاريِّ: (نصف شهر) أو (ثمان عشرة [2] ليلة) وَهم، أو يتجاوز أحدهما؛ لتقارب ذلك، انتهى.
قوله: (بِضِلعَيْنِ): (الضِّلع)؛ بكسر الضاد، وفتح اللام وإسكانها، معروفة.
قوله: (فَنُصِبَا): الوجه: (فنُصبتا)؛ لأنَّ الضِّلع مؤنَّثة، وسهَّل ذلك أنَّه مؤنَّث غير حقيقيٍّ.
قوله: (فَرُحِلَتْ): هو بكسر الحاء مخفَّفة، وهو مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.

(1/7824)


[حديث: بعثنا رسول الله ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح]
4361# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن المَدينيِّ، الحافظ الجهبذ، و (سُفْيَانُ) بعده: ابن عيينة.
قوله: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح المثلَّثة، والضمير مفعول، و (رسولُ): مرفوع فاعل، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ): تَقَدَّم قريبًا أنَّه عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمين الأمَّة، وأحد العشرة، الفهريُّ، رضي الله عنه.
قوله: (نَرْصُدُ): هو بضمِّ الصاد، وفتح أوَّله، ثلاثيٌّ، و (العِيْرُ): تَقَدَّم ما هو، وتَقَدَّم أنَّ قوله: (نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ) مع تأريخه هذه السريَّة فيه نظر.
قوله: (الْخَبَطَ): هو بفتح الخاء المعجمة والموحَّدة، وبالطاء المهملة، ورق الشجر، وقال بعضهم: ورق السَّمُر، و (الخبْط)؛ بإسكان الموحَّدة: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق المتساقط: خَبَط؛ بالتحريك (فَعَل)؛ بمعنى: مفعول، وهو من علف الإبل.
قوله: (حَتَّى ثَابَتْ): هو بالثاء المثلَّثة، وبعد الألف موحَّدة، ثُمَّ تاء التأنيث؛ أي: رجعتْ، و (أَجْسَامُنَا)؛ بالضمِّ: فاعل (ثابَتْ)، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (ضِلعًا): تَقَدَّم أعلاه أنَّه بكسر الضاد، وفتح اللام، وتُسكَّن، وتَقَدَّم (فَعَمَدَ): أنَّه بفتح الميم في الماضي، وكسرها في المستقبل، وقد ذكرت ما رأيته في «حاشية عن شرح الفصيح»: أنَّ الماضي بالكسر، والله أعلم.
قوله: (قَالَ سُفْيَانُ): تَقَدَّم أنَّه ابن عيينة المذكور في السند.
قوله: (وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ): هذا الرجل هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قاله النوويُّ في «شرح مسلم»، انتهى، وهنا في هذا «الصحيح» ما يرشد إليه، ترجمته معروفة، صَحابيٌّ ابن صَحابيٍّ، وفي كلام شيخنا: والظاهر أنَّه قيس بن سعد بن عبادة، وبه صرح الدِّمْياطيُّ بخطِّه في (الذبائح)، انتهى.
تنبيهٌ: قال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين في قيس هذا: إنَّه مرَّ على بعيره راكبًا تحت ضِلع الحوت، انتهى، وسيجيء أيضًا.
تنبيهٌ ثانٍ: لم يكن في الأوس والخزرج أربعة مطعمون إلَّا قيس بن سعد بن عُبادة بن دُليم، وفي قريش خمسةٌ مطعمون؛ وهم: عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أُمَيَّة بن خلف، وقد نظمت الفريقين في بيت رجز، فقلت:
~…والمطعمون من قريشٍ خمسةٌ…في نسقٍ وخزرج أربعةُ
تنبيهٌ شاردٌ: أزواد الراكب ثلاثة أشخاص: مسافر بن أبي عمرو، وأبو أُمَيَّة حذيفة بن المغيرة، وربيعة بن الأسود، وقد نظمتهم في بيت رجز، فقلت:
~…أزوادُ راكبٍ هم ثلاثةُ…مسافرٌ ربيعةٌ حذيفةُ
كلٌّ منهم يقال له: زاد الراكب؛ لأنَّه لم يكن أحد يتزوَّد معهم في سفر، يطعمونه ويكفونه الزاد.
قوله: (ثَلاَثَ جَزَائِرَ): (الجزائر)؛ بفتح الجيم: جمع جزور، ويجمع أيضًا الجزور على جزر، و (الجزور): البعير ذكرًا كان أو أنثى، إلَّا أنَّ اللفظة مؤنَّثة، تقول: (هذه الجزور) وإن أردت ذكرًا.

(1/7825)


قوله: (وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ): هو عَمرو بن دينار المذكور في السند، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ): هو ذكوان الزَّيَّات السَّمَّان فيما يظهر، تَقَدَّم.
قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لِأَبِيهِ): هذه القصَّة مرسلة؛ لأنَّ أبا صالح ذكوان ذكر قصَّة لم يدركها، ولو أدركها؛ لكان صحابيًّا، ولا يحتمل أن يكون سمع قيسًا يذكر ذلك لأبيه، وذلك أنَّ أباه سعد بن عبادة تُوُفِّيَ [سنة] خمس عشرة بحوران، وقيل: سنة أربع عشرة، ويقال: في سنة إحدى عشرة، وقد شهد الدار أبو صالح زمن عثمان سنة خمس وثلاثين، وهذا أقدم ما رأيت له، وما أظن أنَّه أدرك سعد بن عبادة، والله أعلم، وقد قال أبو زرعة: لم يلق أبا ذرٍّ، وهو عن أبي بكر وعن عمر وعن عليٍّ رضي الله عنهم مرسلٌ، والله أعلم.
قوله: (نُهِيتُ): هو بضمِّ النون، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، والتاء مضمومة على التكلُّم، والناهي هو أميره أبو عبيدة كما في «سيرة ابن سيِّد النَّاس».

(1/7826)


[حديث: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم]
4362# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعيد، يحيى القطَّان، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، و (عَمْرٌو) بعده: هو ابن دينار، و (جَابِرٌ): هو ابن عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ، تَقَدَّموا.
قوله: (فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ): قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ من المعاصرين لمَّا ذكر قيسًا في أنَّه الذي نحر؛ قال: (وهو الذي مرَّ على بعيره راكبًا تحت ضلع الحوت)، وقد تَقَدَّم.
قوله: (فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ): قائل هذا هو سفيان بن عيينة، وقد أخرج هذا النَّسائيُّ في (الصيد) عن محمَّد بن منصور، عن سفيان، عن أبي الزُّبَير، عن جابر، ولم يعلِّم عليه المِزِّيُّ سوى النَّسائيِّ، و (أبو الزُّبَير): محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس، علَّق له البُخاريُّ وقرنه، وقد قدَّمتُ ترجمته، وأنَّه أخرج له مسلم والأربعة، والله أعلم.
[ج 2 ص 230]
قوله: (أَطْعِمُونَا): هو بفتح الهمزة، وكسر العين، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ): (بعضهم): لا أعرف اسمه.
فائدةٌ: اتَّفق للنَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم مثل ما جرى لجيش الخَبَط في العنبر، كما رواه مسلم في الحديث المطوَّل في أواخر «صحيحه»، وفي آخر الحديث: (وشكا الناس إلى النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم الجوع، فقال: «عسى الله أن يطعمكم»، فأتينا سِيْف البحر، فزخر البحرُ زخرة، فألقى دابَّة، فأورينا على شقِّها النار، فأطبخنا واستوينا فأكلنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان حتَّى عدَّ خمسة في حِجاج عينها حتَّى ما يرانا أحد حتَّى خرجنا، وأخذنا [1] ضِلَعًا من أضلاعه، فقوَّسناه، ثُمَّ دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفلٍ في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه)، انتهى.
وهذه الغزوة يقال لها [2]: بواط، كما هو مصرَّح به في الرواية في «مسلم»: (وهو يطلب النجديَّ بن عمرو الجهنيَّ) كذا في «مسلم»، قال ابن إسحاق: إنَّها في ربيع الأوَّل، يريد قريشًا من ناحية رضوى، جعلها بعد الأبواء في أوائل (المغازي)، والله أعلم.
==========
[1] في (أ): (وأخذ)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[2] في (أ): (له)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

(1/7827)


[حج أبي بكر بالناس في سنة تسع]
(حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ) .... إلى (بابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ)
اعلم أنَّ أوَّل من أقام للناس الحجَّ عتَّابُ بن أَسِيد، سنة ثمانٍ من الهجرة، وهي عام الفتح، وحجَّ بالناس تلك السنة وهو أمير البلد على ما كانت عليه العرب في الجاهليَّة، وكان عَلَيهِ السَّلام استعمله على مَكَّة، ومضى عَلَيهِ السَّلام إلى حنين، وقال أبو الوليد الأزرقيُّ: لم يبلغنا أنَّه استعمله على الحجِّ في هذه السنة، فلمَّا كان وقت الحج؛ حجَّ المسلمون والمشركون، وكان المسلون بمعزل، يدفع بهم عتَّاب بن أَسِيد، ويقف بهم المواقف؛ لأنَّه أمير البلد، وذكر الماورديُّ في «الحاوي» في (السير): أنَّه عَلَيهِ السَّلام لمَّا فتح مَكَّة؛ استعمل عتَّاب بن أَسِيد للصلاة والحجِّ، وذكر أيضًا في (كتاب الحجِّ): أنَّه عَلَيهِ السَّلام أمَّر عتَّاب بن أَسِيد أن يحجَّ بالناس عام الفتح، وهذا إثباتٌ لم يبلغ الأزرقيَّ، فليعتمد عليه.
ثُمَّ حجَّ أبو بكر الصدِّيق سنة تسع على ذلك، ولم يزل عتَّاب بن أَسِيد أميرًا حتَّى تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وأقرَّه أبو بكر إلى أن تُوُفِّيَ، وكانت وفاته على ما ذكر الواقديُّ يوم تُوُفِّيَ الصديق، قاله المحبُّ الطبريُّ بأطول من هذا، ثُمَّ ذكر في (عمرة الجعرانة) في أواخر (كتاب الحجِّ) عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1]، قال: لمَّا قفل رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم من حنين؛ اعتمر من الجعرانة، ثُمَّ أمَّر أبا بكر في تلك الحجَّة، أخرجه أبو حاتم، ثُمَّ عقَّبه بأن قال: قلت: وهذا مغاير لما تَقَدَّم في صفة حجِّ النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: أنَّ الذي حجَّ بالناس تلك السنة عتَّابَ بن أَسِيد، وهي سنة ثمان، فإنَّ تأمير أبي بكر كان سنة تسع، وهو الأظهر، انتهى.
فائدةٌ ثانيةٌ هي تنبيهٌ: اختلف في حجَّة الصِّدِّيق هذه؛ هل هي التي أسقطت الفرض، أو المسقطة هي حجَّة الوداع معه عَلَيهِ السَّلام؟ قال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدين: على قولين، أصحُّهما الثاني، والقولان مبنيَّان على أصلين؛ أحدهما: هل كان الحجُّ فُرِض قبل عام حجَّة الوداع، أو لا؟ والثاني: هل كانت حجَّة الصِّدِّيق في ذي الحجَّة، أم وقعت في ذي القعدة من أجل النسيء الذي كان في الجاهليَّة يؤخِّرون له الأشهر ويقدِّمونها؟ على قولين، والثاني قول مجاهد وغيره، انتهى.
وقد حكى القولين أيضًا الحافظ العلَّامة محبُّ الدين الطبريُّ في (كتاب الصوم) من «أحكامه» في ذكر الأشهر الحرم، قال المحبُّ الطبريُّ: إنَّ حج الصدِّيق وقع في ذي القعدة، وعزا ذلك إلى الماورديِّ في «نكته»، والثعلبيِّ، والرمَّانيِّ، وغيرِهم، قال: وذكر الأزرقيُّ: أنَّ حجَّ أبي بكر في ذي الحجَّة في السنة التاسعة، وذكر بعض المفسرين الروايتين، وذكر كلامًا متعلِّقًا بهذا، وفي «سيرة مغلطاي الصُّغرى»: وكان حجُّهم ذلك العام في ذي القعدة، انتهى.

(1/7828)


وكذا نقل شيخنا عن الداوديِّ: أنَّها في ذي القعدة، وأنا أستبعد _أو أقول: إنَّه مستحيل_ أن يكون حجُّ أبي بكر وقع في ذي القعدة وقد أمَّره عَلَيهِ السَّلام عليها، نعم، يحتمل أنَّه لم يكن فُرِض الحجُّ وإن كانت الشافعيَّة قالوا: إنَّه كان فُرِض، وإنَّما اختلفوا في وقت فرضه، وقد ذكرت الأقوال في وقت فرضه في أوَّل (الحجِّ)، ومن أغربه: أنَّه فُرِض قبل الهجرة، حكاه الإمام وجهًا، وهو غريب جدًّا، والله أعلم.
واعلم أنَّ ابن سعد قال: قالوا: استعمل رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أبا بكر الصديق على الحجِّ، فخرج في ثلاث مئة رجل من المدينة، وبعث معه عَلَيهِ السَّلام بعشرين بدنة قلَّدها وأشعرها بيده، عليها ناجية بن جندب الأسلميُّ، وساق أبو بكر خمس بدنات، فلمَّا كان بالعرج _وابن عائذ يقول: بضجنان_؛ لقيه عليُّ بن أبي طالب على ناقته عَلَيهِ السَّلام القصواء، وابن إسحاق قال: العضباء، نقله ابن القيِّم شمس الدين.
==========
[ج 2 ص 231]

(1/7829)


[حديث: أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره النبي]
4363# قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الفاء، وفتح اللام، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب، أوحد الأعلام، و (حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّم أنَّه الزُّهريُّ، وهو حُمَيد بن عبد الرَّحمن بن عوف الزُّهريُّ، وليس بحُمَيد بن عبد الرَّحمن الحميريِّ، الثاني عن أبي هريرة، ليس له في «البُخاريِّ» شيء، وإنَّما روى له مسلم حديثًا واحدًا: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم ... »؛ الحديث، وهذا الحديث ليس في «البُخاريِّ»، فلا شيء للحميريِّ عن أبي هريرة في «البُخاريِّ» شيءٌ، والله أعلم، وإنَّما له في «البُخاريِّ» عن غير أبي هريرة، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (أَمَّرَهُ): هو بتشديد الميم، من التأمير، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (فِي رَهْطٍ): تَقَدَّم الكلام على (الرهط)، والله أعلم.
[ج 2 ص 231]

(1/7830)


[حديث: آخر سورة نزلت كاملةً براءة]
4364# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عَمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، و (البَراءُ): هو ابن عَازبٍ، صحابيَّان؛ البَراء وعَازبٌ.
قوله: (آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ): كذا هنا، ولم يذكر في (التفسير): (كاملة)، اعترض الداوديُّ _كما قاله شيخنا_ على قوله: (كاملة)، وقال: إنَّه ليس بشيء، إنَّما أُنزِلت شيئًا بعد شيء، وقال ابن عبَّاس _كما نقله النحَّاس_: آخر سورة نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، وسيأتي في آخر (سورة البقرة): أنَّ آخر آية نزلت آيةُ الربا، انتهى، وقد تَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق الاختلاف في آخر سورة أُنزِلت، وكذا في آخر آية؛ فانظره.
قوله: (وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ): كذا في أصلنا، وعليها: (صح)، قال ابن قرقول: (كذا لكافَّة الرواة، ولابن السكن: وآخر آية نزلت خاتمة «سورة النساء»، وهو الصواب)، انتهى.
==========
[ج 2 ص 232]

(1/7831)


[باب وفد بني تميم]
قوله: (وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ): من هنا بدأ الإمام البُخاريُّ بالوفود، و (الوفد): جمع وافد؛ كزائرٍ وزَوْرٍ؛ وهم القوم يأتون الملوك ركبانًا، وقد وفد وَفْدًا ووفادةً، ثُمَّ سُمِّي القوم بالفعل.
تنبيهٌ: ذكر الإمام شيخ الإسلام البُخاريُّ من الوفود ما صحَّ عنده على شرطه، وقد عدَّدوا وفودًا كثيرة، ومن أجمع ما رأيته فيهم كلام الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخ شيوخنا في «سيرته الصغرى»، وقد ذكر غالبهم الحافظ فتح الدين ابن سيِّد النَّاس وشيخُنا الحافظ زين الدين العراقيُّ في «سيرته» التي نظمها بضعًا وستِّين، ولفظ مغلطاي: وفد عليه وفد ثقيف، وتتابعت الوفود، فوفد عليه وفد تميم، وعبس، وفزارة، ومرَّة، وثعلبة، ومحارب، وسعد بن بكر، وكلاب، ورؤاس، وعُقيل، ولقيط، وجعدة، وقُشير، والبكَّاء، وكنانة، وعبد بن عديٍّ، وناهلة، وأشجع، وسُليم، وهلال بن عامر، وقدر _بالراء_ بن عمَّار_كذا رأيته في نسخة صحيحة قُرِئت على المؤلِّف، وعليها خطُّه، وقد نظمه شيخنا العراقيُّ: وقدد؛ بالدال المهملة في آخره_، وعامر بن صعصعة، وعبد القيس، وبكر بن وائل، وتغلب، وحنيفة، وطيِّئ، وتُجيب، وخولان، وجُعف، ومُراد، وزُبيد، وكندة، والصَّدِف، وخُشين، وسعد هُذيم، وبليٍّ، وبهراء، وعُذْرة، وسلامان، وجُهينة، وكلب، وجَرْم، والأسد، وغسَّان، والحارث بن كعب، وهَمْدان، وسعد العَشِيرة، وعنس، والدار، والرَّهَا، وغامد، والنَّخَع، وبَجيلة، وخثعم، وحضرموت، وأزد، وعُمان، وغافق، وبارق، ودَوْس، وثُمالة، والحُدَّان، وأسلم، وجذام، ومهرة، وحِمْيَر، ونَجران، وجيشان، ومن الوحش: السباع والذئاب، انتهى، وهذا اثنان وسبعون وفدًا، وقد قال شيخنا العراقيُّ في «سيرته» لمَّا نظم الوفود:
~…وفدُ السباعِ والذئابِ ذُكرا…في غابةٍ وغيرِها واستُنكِرا
تنبيهٌ: وفد الذئاب هو في «سنن الدارميِّ» في أوائله بإسناد صحيح، غير أنَّ الصحابيَّ راويَه مجهولٌ، ولا يضرُّ الجهل بعين الصَّحابة؛ لأنَّهم كلَّهم عدولٌ على الصحيح، والله أعلم، واعلم أنَّه عَلَيهِ السَّلام بعث عيينة بن حصن الفزاريَّ إلى بني تميم، وكانوا فيما بين السُّقيا وأرض بني تميم، وذلك في المحرَّم سنة تسع في خمسين راكبًا من العرب ليس فيهم مهاجريٌّ ولا أنصاريٌّ، فلمَّا رأوا الجمع؛ ولَّوا، وأُخِذ منهم أحد عشر رجلًا، ووجدوا في المحلَّة إحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيًا، فجلبهم إلى المدينة، وأمر بهم عَلَيهِ السَّلام، فحبسوا في دار رملة بنت الحارث، فقدم فيهم عدَّةٌ من رؤسائهم: عطاردُ بن حاجب، والزِّبْرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، والأقرع بن حابس، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، ورِياح بن الحارث بن مجاشع، وقصَّتهم معروفة، فإن أردتها؛ فانظر من «سيرة ابن سيِّد النَّاس» أو غيرها.
==========
[ج 2 ص 232]

(1/7832)


[حديث: اقبلوا البشرى يا بني تميم ... ]
4365# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّم أنَّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريُّ، و (أَبُو صَخْرَةَ): اسمه جامع بن شدَّاد، المحاربيُّ الكوفيُّ، أخرج له الجماعة، قال أبو حاتم وغيره: ثِقةٌ، قال ابن سعد: تُوُفِّيَ سنة ثماني عشرة ومئة، وقال في موضع آخر: سنة سبع.
قوله: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ): هو بضمِّ الميم، وإسكان الحاء المهملة، ثُمَّ راء مكسورة، ثُمَّ زاي، اسم فاعل من (أحرز)، و (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ): تَقَدَّم، وأنَّ الأسماء بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وأنَّ الكنى بالفتح، وحُصَين صَحابيٌّ أيضًا؛ كابنه عمران، ووالد حُصَين اسمه عُبيد بن خلف بن عبد نهم الخزاعيُّ، أُخرِج له شيء، رحمه الله ورضي عنه، وقد قال المِزِّيُّ: مختلف في إسلامه، وقد قيل: إنَّه مات مشركًا، وتعقَّبه علاء الدين مغلطاي، وأمَّا الذهبيُّ؛ فقال: مختلف في إسلامه، روى عنه: عمران بن حُصَين قصَّة إسلامه إن صحَّ، والله أعلم.
قوله: (أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ): قد ذكرت من جاء فيهم من رؤسائهم أعلاه.
قوله: (فَأَعْطِنَا): هو بقطع الهمزة، وكسر الطاء، وقد تَقَدَّم في أوَّل (بدء الخلق) من قال ذلك، وأنَّه الأقرع بن حابس، قاله ابن الجوزيِّ.
==========
[ج 2 ص 232]

(1/7833)


[باب مناقب بني تميم]
قوله: (بَابٌ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ): تَقَدَّم الكلام على (عيينة) غيرَ مرَّةٍ، وقد قدَّمتُ من بعثه عَلَيهِ السَّلام في هذه السريَّة قريبًا، وهو سبب مجيء وفد بني تميم.
قوله: (وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا، وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً): تَقَدَّم أعلاه أنَّه أخذ منهم أحد عشر رجلًا، وثلاثين صبيًا، وإحدى وعشرين امرأةً.
==========
[ج 2 ص 232]

(1/7834)


[حديث: هم أشد أمتي على الدجال ... ]
4366# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الراء، وهذا هو جَرِير بن عبد الحميد القاضي، تَقَدَّم، و (عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ): بضمِّ العين، وتخفيف الميم، معروف ذلك عند أهله، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّم أنَّ اسمه هَرِم، وقيل غير ذلك، تَقَدَّم مطوَّلًا مترجمًا.
قوله: (وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ): هي بتشديد الياء لا بالهمز، وهي ما غُلِب عليه من بنات المشركين واستُرِقَّت، تَقَدَّم أنَّ اسمها أمُّ سمرة في (العتق).
قوله: (فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم نسبهم في (العتق)؛ فانظره.
==========
[ج 2 ص 232]

(1/7835)


[حديث: قدم ركب من بني تميم على النبي ... ]
4367# قوله: (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ (ابن جُرَيج) عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، أحد الأعلام، و (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وزُهيرٌ صَحابيٌّ، و (عَبْدُ اللهِ): هو مؤذِّن ابن الزُّبَير وقاضيه، تَقَدَّم مترجمًا.
[ج 2 ص 232]
قوله: (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ ... ) إلى أن قال: (وَقَالَ [1] عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ): سأذكر في (تفسير الحجرات) ذلك، وما وقع في «التِّرْمِذيِّ»؛ فانظره، وقد ذكر السهيليُّ في (قدوم الوفود): وقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما اختلفا في أمر الزِّبرقان وعمرو بن الأهتم، فأشار أحدهما بتقديم الزبرقان، وأشار الآخر بتقديم عمرو بن الأهتم، حتَّى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقَدَّموا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] ... إلى آخر كلامه.
وفي «الاستيعاب» في ترجمة خالد بن ربعيٍّ: أنَّه تنافر هو والقعقاع بن معبد إلى ربيعة بن جذار، فقال لهما رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: «قد عرفتكما»، وأراد أن يستعمل أحدهما على بني تميم، فقال أبو بكر: يا رسول الله؛ استعمل فلانًا، وقال عمر: يا رسول الله؛ استعمل فلانًا، فقال رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: «أَمَا إنَّكما لو اجتمعتما؛ لأخذت برأيكما، ولكنَّكما تختلفان عليَّ أحيانًا»، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقَدَّموا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]، هكذا في رواية ابن المنكدر، وأمَّا حديث ابن الزُّبَير؛ ففيه: أنَّ الرجلين اللذَين جرت لهما هذه القصَّة [فاختُلِف] فيهما بين أبي بكر وعمر القعقاعُ بن معبد والأقرعُ بن حابس، وسيأتي ذلك في (باب القعقاع)، انتهى.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (قال) من غير واو.

(1/7836)


[باب وفد عبد القيس]
قوله: (بابُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ): (وفد عبد القيس): وفدوا عام الفتح قبل خروجه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إلى مَكَّة، وقد ذكرت في أوَّل هذا التعليق أسماءَ جماعة من هذا الوفد، وقد اختلف في عددهم، فقال بعض الحفَّاظ: إنَّهم كانوا أربعين، انتهى، والمعروف أنَّهم أربعة عشر، وقد ذكرت منهم خمسة عشر رجلًا، والله أعلم، وقد ذكرته في أوَّل هذا التعليق بأطول من هذا؛ فانظره إن أردته.
==========
[ج 2 ص 233]

(1/7837)


[حديث: مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا الندامى]
4368# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ): قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: قال _يعني: البُخاري_ في (باب وفد عبد القيس): (حدَّثنا إسحاق، حدَّثنا أبو عامر العَقَديُّ)، فذكر هذا المكان، ذكر أبو نصر: أنَّ إسحاق بن راهويه يروي عن أبي عامر العَقَديِّ في «الجامع»، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ ولا شيخنا، والله أعلم، و (أبو عامر العَقَديُّ): تَقَدَّم مرَّات أنَّه بفتح العين المهملة والقاف، وبالدال المهملة، وأنَّ اسمه عبد الملك بن عمرو، و (أَبُو جَمْرَةَ): تَقَدَّم أنَّه بالجيم، والراء، وأنَّ اسمه نصر بن عمران الضُّبعيُّ، وتَقَدَّم مترجمًا.
قوله: (يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ): (يُنتَبذ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (نبيذٌ): مرفوع منوَّن ناب مناب الفاعل.
قوله: (فِي جَرٍّ): تَقَدَّم أنَّه فُسِّر في الحديث: كلُّ شيء يصنع من المَدَر، والمراد: الجرار؛ وهي أواني الخزف.
قوله: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ): تَقَدَّم أنَّهم أربعة عشر، ويقال: أربعون، قدموا عام الفتح قبل خروجه عَلَيهِ السَّلام إلى مَكَّة، وتَقَدَّم الكلام في (كتاب الإيمان) على (خَزَايَا)، وعلى (غَيْر)، وأنَّها بالنصب والجرِّ أيضًا، وعلى قوله: (لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ)، وعلى قوله: (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ)، وعلى قوله: (مَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ): و (انتُبِذ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وعلى (الْحَنْتَمِ)، و (النَّقِيرِ)، وعلى أنَّ الانتباذ في هذه الأواني الأربعة منسوخ على قول الجمهور، وذكرت ناسخه، وذكرت من قال بعدم النسخ، كلُّ هذا في (كتاب الإيمان).
==========
[ج 2 ص 233]

(1/7838)


[حديث: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع.]
4369# قوله: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا انَّه بالجيم، والراء، وأنَّه نصر بن عمران الضُّبعيُّ، وتَقَدَّمت ترجمته.
قوله: (إِنَّا هَذَا الْحَيَّ): (الحيَّ): منصوب، وتَقَدَّم أنَّه منصوب على الاختصاص، و (مِنْ رَبِيعَةَ): الخبر، كذا أعربه النوويُّ.
قوله: (نَأْخُذْ [1] بِهَا): هو مجزومٌ، جواب الأمر، وهو (فَمُرْنَا).
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (نأخذُ).
[ج 2 ص 233]

(1/7839)


[حديث: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر ... ]
4370# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، و (عَمْرٌو) بعده: هو ابن الحارث، كما قاله بكر بن مضر، وهو عَمرو بن الحارث بن يعقوب، أبو أُمَيَّة، أحد الأعلام، تَقَدَّم مترجمًا.
قوله: (وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ): هو بكر بن مضر بن محمَّد المصريُّ، مولى شرحبيل بن حسنة الكنديِّ، يروي عن أبي قبيل المعافريِّ، وجعفر بن ربيعة، وعمارة بن غَزيَّةَ، وطائفةٍ، وعنه: ابنه إسحاق بن بكر، وابن وهب، وابن القاسم، ويحيى ابن بُكَير، وقتيبة، وطائفةٌ، وثَّقه أحمد وابن معين، تُوُفِّيَ سنة [1] (174 هـ)، كان عبدًا صالحًا، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وهذا التعليق لم أره في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وتَقَدَّم الكلام على (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ)، وأنَّه ابن أخي عبد الرَّحمن بن عوف، وأنَّه شهد حنينًا، رضي الله عنه، و (الْمِسْوَرَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه صَحابيٌّ صغير، وأنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّ (مَخْرَمَةَ): من مُسْلِمة الفتح، وتَقَدَّمتُ ترجمة (أُمِّ سَلَمَةَ)، وأنَّها هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة المخزوميَّة، وأنَّها آخر أمهات المؤمنين وفاةً، وتاريخ وفاتها، وما وقع فيها.
قوله: (وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ): هؤلاء النسوة لا أعرفهنَّ، و (حرام) في نسب الأنصار؛ بالراء، تَقَدَّم مِرارًا، وتَقَدَّم أنَّ هذه الخادم لا أعرف اسمها.
==========
[1] زيد في (أ): (سنة)، وهو تكرار.
[ج 2 ص 233]

(1/7840)


[حديث: أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله]
4371# قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ محمَّدٍ الْجُعْفِيُّ): هذا هو المسنديُّ، وهو مولى البُخاريِّ من فوق، وتَقَدَّم الكلام لِمَ قيل له: المسنديُّ، حافظ مشهور، و (أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ) بعده: هو عبد الملك بن عمرو، القيسيُّ العَقَديُّ، الحافظ، تَقَدَّم مترجمًا، و (أَبُو جَمْرَةَ)؛ بالجيم، والراء: نصر بن عمران، تَقَدَّم مِرارًا، وأدناها أعلاه.
قوله: (جُمِّعَتْ): هو بضمِّ الجيم، وكسر الميم مشدَّدة، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا الثانية، و (جُوَاثَى [1]): تَقَدَّم الكلام عليها وعلى (الْبَحْرَيْنِ).
==========
[1] في هامش (ق): («جواثى»: قال القاضي: بواوٍ محضة مخفَّفة، ومنهم من يهمزها).
[ج 2 ص 233]

(1/7841)


[باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال]
قوله: (وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ): تَقَدَّم أنَّ (أُثَالًا) بضمِّ الهمزة، ثُمَّ ثاء مثلَّثة، و (ثُمَامة): صَحابيٌّ مشهور، تَقَدَّم الكلام عليه، رضي الله عنه.
==========
[ج 2 ص 233]

(1/7842)


[حديث: ما عندك يا ثمامة؟]
4372# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، الإمام الجواد، و (سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ): هو المقبريُّ، تَقَدَّم.
قوله: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: ذكر سيف في «الردَّة»: أنَّ الذي لقي ثُمَامة وأخذه
[ج 2 ص 233]
هو العبَّاس بن عبد المطَّلب، قال ابن شيخنا: وفيه نظر، انتهى، والنظر فيه ظاهر، وانظر آخر الحديث تعرفْ ذلك، وإسلام العبَّاس معروف، ومجيئه إلى المدينة لمَّا خرج عَلَيهِ السَّلام إلى الفتح لقيه بالطريق، فرجع معه، وجاء عياله إلى المدينة، فأين هذا من هذا؟! والله أعلم.
قوله: (تَقْتُلْ ذَا دَمٍ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ معناه: صاحب دم يُستشفى بقتله، ويدرك به قاتلُه ثأرَه، فاختُصِر؛ اعتمادًا على مفهوم الكلام، وروى بعضهم عن أبي داود في «مصنَّفه»: (ذا ذمٍّ)؛ بذال معجمة، وفسَّره: بالذمام والحرمة في قومه؛ أي: إذا عقد ذمَّة؛ وفى له ولم يُخفِر، قال شيخنا: قال القاضي أبو الفضل: بالدال المغفلة أصحُّ؛ لأنَّه لو كان ذا ذِمام؛ لم يجز قتله، كأنَّ شيخنا حمله على الذمَّة؛ أي: أن يقبل بقتل من عُقِدت له ذمَّة، وهذا لا يليق بالحديث، قاله ابن قُرقُول.
قوله: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ): هو بقطع الهمزة، وكسر اللام، أمرٌ من الرباعيِّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ): تَقَدَّم أنَّه بالخاء المعجمة، وأنَّه الرواية، وأنَّ ابن دريد ذكره بالجيم، وهو الماء الجاري.
قوله: (قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ): هذا القائل لا أعرفه، و (صبوت): تَقَدَّم أنَّ معناه: خرجت من دينك إلى دين غيره.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (النَّبِيُّ).

(1/7843)


[حديث: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك]
4373# 4374# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة.
قوله: (قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ): تَقَدَّم الكلام على مسيلمة، وما يتعلَّق به، والاختلاف في قاتله باليمامة، في (غزوة أحُد).
قوله: (وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ): تَقَدَّم الكلام عليه، وعلى (لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ)؛ أي: يقتلنَّك، وعلى قوله: (وَإِنِّي لَأُرَاكَ)، وأنَّه بضمِّ الهمزة؛ أي: لأظنُّك، وعلى (يَدَيَّ)، وأنَّه بتشديد الياء، وعلى (سِوَارَيْنِ [1])، وأنَّ (السّوار)؛ بكسر السين وضمِّها، و (أُسوار)؛ بضمِّ الهمزة، وعلى (فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا)، وأنَّه مرفوع فاعل، وعلى (أُوحِيَ)، وأنَّه مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وعلى قوله: (يَخْرُجَانِ بَعْدِي).
قوله: (أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ): هو بالنون الساكنة، وسيأتي في قصَّته ما ذكر فيه، واسمه الأسود أشهر من أن يُذكَر، وهو الأسود بن كعب، ويقال له: ذو الخمار؛ إمَّا لأنَّه شيطانه، أو لأنَّه كان يخمِّر وجهه، وهو بالخاء المعجمة، كذا قيَّده جماعة؛ كابن ماكولا، والزمخشريِّ في «مشتبه النسبة» له، والذهبيِّ، ورأيت في «الذيل والصلة لكتاب التكملة» للإمام أصمعيِّ زمانه أبي الحسن الصغانيِّ _وعندي من هذا الكتاب نسخة عظيمة، عليها تخاريج غالبها بخطِّ الصغانيِّ_ في «البُخاريِّ»، و «مسلم»، و «أبي داود» بالحاء المهملة ما لفظه: والأسود العنسيُّ كان يُلقَّب: ذا الحمار، اسمه عَبْهلة، وقيل له: الأسود؛ لعلاط أسود كان في عنقه، انتهى، وقد ذكر أيضًا في «البُخاريِّ» و «مسلم» و «أبي داود» بالخاء المعجمة شخصًا يقال له: ذو الخمار، ولم يذكر الأسود، وهذا غريب، انتهى.
والأسود يلقَّب عبهلة، وكان يدَّعي أنَّ سُحيقًا وشُقيقًا يأتيانه بالوحي، ويقول: هما مَلَكان يتكلَّمان على لساني، في خُدَع كثيرة يزخرف بها، قتله فيروز الديلميُّ، وقيس بن مكشوح، وداذَوَيْهِ رجلٌ من الأبناء، دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة كان قد غلب عليها _ولعلَّها التي أذكرها في آخر الكلام عليه، والله أعلم_ فوجدوه سكران لا يعقل، وقيل في سبب قتله غير ذلك، والله أعلم، وسيأتي الكلام على فيروز رضي الله عنه في (التعبير)، وأذكر معه هناك الاختلاف في الوقت الذي قُتِل فيه الأسود، وهل حُمِل رأسُه إلى النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أم لا؟ إن شاء الله تعالى ذلك وقدَّره، قال شيخنا: ولقبه عبهلة؛ أي: أمرُه لا يُرَدُّ، انتهى.
فائدةٌ: ذكر الذهبيُّ في «تجريده»: مَرْزُبانة زوجة الأسود العنْسيِّ، كانت صالحة، فسقته البنج، وأعانتهم على قتله، انتهى.
==========

(1/7844)


[1] في هامش (ق): (قال بعض أهل العلم بالتعبير: تأويل نفخه إياهما: أنَّهما بريحه قُتِلا؛ لأنَّه لم يغزهما بنفسه، وتأويل الذهب: أنَّه زخرف، فدلَّ لفظه على زخرفتهما، ودلَّ الإسواران بلفظهما على أنَّهما ملكين؛ لأنَّ الأساورة هم الملوك، وبمعناهما على التضييق عليه؛ لكون السوار يضيق على الذراع).
[ج 2 ص 234]

(1/7845)


[حديث: بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض]
4375# قوله: (أُتِيتُ): هو بضمِّ الهمزة، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وفي آخره تاء المتكلِّم المضمومة، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَكَبُرَا): هو بضمِّ الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَأُوحِيَ إِلَيَّ): (أُوحِيَ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (صَاحِبَ صَنْعَاءَ): (صاحبَ): منصوبٌ؛ لأنَّه بدل من (الكَذَّابَيْنِ)، وهو منصوبٌ، وهو الأسود العنسيُّ، و (صَنْعَاء) تَقَدَّمتُ، وأنَّها قاعدة اليمن، و (صنعاء) أيضًا: قرية، قريب من الربوة من دمشق، وأخرى بالروم، والمراد: الأولى، وقد تَقَدَّم، وكذا (صَاحِبَ) الثانية، (وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ): مسيلمة، و (اليمامة) تَقَدَّمتُ، وأنَّها مدينة باليمن، على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مَكَّة، ولها [1] عمائر، وقاعدتها حَجْر اليمامة.
==========
[1] في (أ): (وله)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[ج 2 ص 234]

(1/7846)


[حديث: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه ... ]
4376# 4377# قوله: (سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ): اسم (أبي رجاء) هذا: عمران بن ملحان، وقيل في اسم أبيه غير ذلك، وقد تَقَدَّم، أسلم في حياته عَلَيهِ السَّلام بعد فتح مَكَّة، ولم يرَ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، أخرج له الجماعة، ترجمته معروفة، وقد تَقَدَّمت، تُوُفِّيَ سنة (107 هـ)، قاله غير واحد، وقيل غير ذلك.
قوله: (هُوَ أَخْيَرُ): كذا في أصلنا، وهذه لغة، وفي نسخة في هامش أصلنا: (خير)، وهذه الفصحى، وفي نسخة: (أحسن)، وهذه معروفة معناها.
قوله: (جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ): (الجُثوة): بضمِّ الجيم وكسرها وفتحها؛ ثلاث لغات معروفات، ثُمَّ ثاء مثلَّثة ساكنة، ثُمَّ واو مفتوحة [1]، ثُمَّ تاء التأنيث؛ وهو التراب المجموع المرتفع، وأصله: كلُّ شيء مرتفع.
قوله: (مُنْصِلُ [2] الأَسِنَّةِ): (مُنْصِل)؛ بضمِّ الميم، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ صاد مهملة مكسورة، ثُمَّ لام، وفي أصلنا: الصاد مشدَّدة مكسورة أيضًا، وكأنَّ هذه على المبالغة، وقد أنشد الجوهريُّ في «صَحاحه» بيتًا للأعشى لا يستقيم وزنه إلَّا بالتخفيف، وسيأتي أنَّ ابن الأسير ذكره بالتشديد، قال ابن قُرقُول: من أنصلتُ الرمح؛ إذا نزعتَ نصله، فإن جعلت له نصلًا؛ قلت: نصلتُه؛ يعني: أنَّ العرب كانت لا تقاتل فيه، فكأنَّ أسنَّة الرماح فيه قد أُزيلَت من العصيِّ، وقد قيل: إنَّهم كانوا يزيلونها، انتهى، وهذا القول هو الصحيح؛ للحديث الذي نحن فيه: (فلا ندع رمحًا فيه حديدةً ولا سهمًا فيه حديدة إلَّا نزعناه وألقيناه)، وفي «النِّهاية»: (منصِل الأسنَّة)؛ أي: مخرج الأسنَّة من أماكنها، كانوا إذا دخل رجب؛ نزعوا أسنَّة الرماح ونصال السهام؛ إبطالًا للقتال فيه، وقطعًا لأسباب الفتن لحرمته، فلمَّا كان سببًا لذلك؛ سُمِّيَ به، فقلت: نصَّلتُ الرمح تنصيلًا؛ إذا جعلتَ له نصلًا، وإذا نزعت نصله، فهو من الأضداد، وأنصلته فانتصل؛ إذا نزعتَ سهمه، انتهى.

(1/7847)


[قصة الأسود العنسي]
[ج 2 ص 234]
قوله: (باب قِصَّةُ الأَسْوَدِ [1] الْعَنْسِيِّ): تَقَدَّم أنَّه بالنون الساكنة، ولا أعلم في ذلك خلافًا إلَّا ما نقله شيخنا عن ابن التين هنا: أنَّه ضبطه بالإسكان والفتح، قال: ولم يحك في (التعبير) سوى الإسكان، فقال: به قرأناه، انتهى، وقد تَقَدَّم الكلام على الأسود العنسيِّ قُبَيل هذا في (وفد بني حنيفة)؛ فانظره، والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (ابن كعب، وكان يقال له: ذو الخِمار، ويلقَّب عَبْهَلة، وكان يدَّعي أنَّ سحيقًا وشقيقًا يأتيانه بالوحي، ويقول: هما مَلكان يتكلَّمان على لساني، في خُدع كثيرة يُزَخرِف بها، قتله فيروز الديلميُّ، وقيس بن مكشوح، ودَاذَوَيْه رجل من الأبناء، دخلوا عليه من سربٍ صنعته لهم امرأة كان قد غلب عليها فوجدوه سكران، ذكره الدولابيُّ، وذكر ابن إسحاق في رواية يونس عنه: أنَّ امرأته سقته البنج تلك الليلة وهي التي احتفرت السرب للدخول عليه، وكان اغتصبها؛ لأنَّها كانت من أجمل النساء، وكانت مسلمة صالحة، وكانت تُحدِّث عنه أنَّه كان لا يغتسل من الجنابة، واسمها المرزبانة).

(1/7848)


[حديث: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه]
4378# 4379# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ محمَّد الْجَرْمِيُّ): هو بفتح الجيم، وإسكان الراء، وضبطه ابن السكن: (الحَرَمي)؛ بحاء، وراء مفتوحة، وهو تصحيف، قاله ابن قُرقُول، و (يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هو ابن سعد، عن أبيه، و (صَالِحٌ): هو ابن كيسان، تَقَدَّم.
قوله: (عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ): وكان في موضع آخر اسمه عبد الله، وهو كذلك، عبد الله بن عُبَيدة _بضمِّ العين، وفتح الموحَّدة_ ابن نَشِيط؛ بفتح النون، وكسر الشين المعجمة، ثُمَّ مثنَّاة تحت، ثُمَّ طاء مهملة، الرَّبَذيُّ، أخو موسى ومحمَّد، مولى قريش، قال البُخاريُّ: يُنسَبون في حمير، عن عقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله مرسلًا، وعن سهل بن سعد، وعليِّ بن الحسين، وعبيد الله بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وغيرِهم، وعنه: أخواه، وصالح بن كيسان، وغيرُهم، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عديٍّ: يتبيَّن على حديثه الضعف، وقال الدارقطنيُّ وغيره: ثِقةٌ، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس، قال الواقديُّ: قتلته الحروريَّة بقديد سنة (130 هـ)، وكذا قال غيره، له في «الصحيح» هذا الحديث الواحد في ذكر مسيلمة، أخرج له البُخاريُّ فقط، له ترجمة في «الميزان».
قوله: (فَنَزَلَ فِي دَارِ ابْنَةِ [1] الحَارثِ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِر): قال الدِّمْياطيُّ: صوابه: أمُّ ولد عبد الله بن عامر، وعامر: هو شقيق أروى أمِّ عثمان بن عفَّان، انتهى، وسأذكر كلام السهيليِّ، فتبيَّنه منه على التصويب، إنَّه صواب، قال السهيليُّ في «روضه» في بني قريظة: اسمها كيِّسة بنت الحارث بن كُرَيز بن حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثُمَّ خلف عليها عبد الله بن عامر بن كُرَيز، ثُمَّ قال في آخر كلام ذكره: ووقع اسمها في «السيرة» من غير رواية ابن هشام: زينب بنت الحارث النجاريَّة، والله أعلم، انتهى.
و (كيِّسة)؛ بالمثنَّاة تحت مشدَّدة، ثُمَّ سين مهملة، و (كُرَيز)؛ بضمِّ الكاف، وقد ذكرها في وفد بني حنيفة، فقال ما لفظه: وقول ابن إسحاق: (أُنزلوا _يعني: وفد بني حنيفة_ بدار بنت الحدث [2])، الصواب: (بنت الحارث)، واسمها كيِّسة بنت الحارث بن كُرَيز بن حبيب بن عبد شمس، وقد تَقَدَّم في (غزوة بني قريظة) الكلام على كيِّسة، وكيْسة؛ بالتخفيف، وأنَّها كانت امرأة مسيلمة قبل ذلك، فلذلك أنزلهم بدارها، ثُمَّ خلف عليها عبد الله بن عامر بن كُرَيز، وذكرنا هناك أنَّ الصواب ما قاله ابن إسحاق: إنَّ اسم تلك المرأة زينب بنت الحارث، كذا وقع في رواية يونس عن ابن إسحاق المذكورة هنا: هي كيِّسة بنت الحارث، انتهى.
وكيَّسة هذه لا أعلم لها ذكرًا في الصحابيَّات، وقد قال ابن إسحاق: وكان منزلهم _يعني: وفد بني حنيفة_ في دار بنت الحارث؛ امرأة من الأنصار، ثُمَّ من بني النجَّار، انتهى.

(1/7849)


وهذا يشعر بأنَّ التي نزلوا بدارها مسلمة، والله أعلم، وكيِّسة لا أعلمها في الصحابيَّات، بل ولا أعلم فيهنَّ امرأةً اسمها كيِّسة، قال ابن شيخنا البلقينيِّ: صوَّب بعضهم على البُخاريِّ، وقال: إنَّما نزل في دار بنت الحارث، وهي رملة، وهذا قد ذكره ابن سعد في «الطبقات»، انتهى، وفي الصحابيَّات: رملة بنت الحارث بن ثعلبة النجاريَّة، والله أعلم أهي هي أم لا؟ والله أعلم.
قوله: (وَإِنِّي لَأُرَاكَ): هو بضمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّك، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (ذُكِرَ لِي): (ذُكِر)؛ بضمِّ الذال، وكسر الكاف، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وقد رواه ابن عبَّاس عن أبي هريرة في هذا «الصحيح» في (المغازي)، وفي (علامات النبوة)، والله أعلم.
قوله: (وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ): (وُضِع)؛ بضمِّ الواو، وكسر الضاد المعجمة: مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (يديَّ): بتشديد الياء، و (سِواران): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّ (السّوار) بكسر السين وضمِّها، وبالهمزة المضمومة.
قوله: (فَفُظِعْتُهُمَا [3]): كذا في أصلنا: بضمِّ الفاء، وكذا رأيته مضبوطًا بالقلم بخطِّ شيخنا الشارح في «شرحه لهذا الكتاب»، قال ابن قُرقُول: (ففُظِعتهما)؛ بضمِّ الفاء، وكسر الظاء؛ أي: كرهتهما أشدَّ الكراهية، والشيء الفظيع: الشديد الكراهة، انتهى، وقال الجوهريُّ: فَظُع الأمر؛ بالضمِّ، فظاعةً، فهو فَظِيع؛ أي: شديدٌ شنيعٌ، جاوز المقدار، وكذلك أُفظِعَ الرجل، على ما لم يُسَمَّ فاعله؛ أي: نزل به أمر عظيم، ثُمَّ قال: وأفظعتُ الشيء استفظعته؛ أي: وجدته فَظِيعًا، وقال ابن الأثير ما لفظه: (فَظِعتهما): هكذا روي متعدِّيًا؛ حملًا على المعنى؛ لأنَّه بمعنى: أكبرتهما، يقال: فُظِع الأمر؛ بالضمِّ، فظاعةً، فهو فَظيع [4]؛ أي: شديد شنيع، جاوز المقدار، وكذلك أفظع الأمر، فهو مفظِع، وأُفظِع الرجل، على ما لم يُسَمَّ فاعله؛ أي: نزل به أمر عظيم، وأفظعت الشيء واستفظعته: وجدته فظيعًا؛ والمعنى على هذا: وجدتهما فظيعين، انتهى.
والحاصل: أنَّه يقال: (فُظِعتهما)؛ بضمِّ الفاء وكسر الظاء، وبفتح الفاء أيضًا.
قوله: (فَأُذِنَ لِي): هو مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ): الذي قتله فيروز باليمن، تَقَدَّم قريبًا.
قوله: (وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ [5]): تَقَدَّم الكلام عليه في (أحُد)، وذكرت من شارك في قتله، وأنَّه قُتل باليمامة سنة اثنتي عشرة.
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (بنت).
[2] كذا، وعبارة «الرَّوض» (&): (وقول ابن إسحاق: أُنزلوا _يعني: وفد بني حنيفة_ بدار الحارث؛ الصواب: بنت الحارث).
[3] في هامش (ق): (قال ابن الأثير: «ففظعتهما» هكذا رُوِيَ متعدِّيًا، والمعروف: فُظِعتُ به، والتعدية تُحمَل على المعنى؛ لأنَّه بمعنى: أكبرتهما وخفتهما).
[4] في (أ): (فضاعة، فهو فضيع)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[5] في هامش (ق): (الذي قتله خالد بن الوليد، وأفنى قومه قتلًا وسبيًا).
[ج 2 ص 235]

(1/7850)


[قصة أهل نجران]
قوله: (قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرَانَ): اعلم أنَّ ابن سيِّد النَّاس بعد أن فرغ من دخول بني هاشم في الشعب، وقبل ذكر وفاة خديجة قال: قال ابن إسحاق: ثُمَّ قدم على رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم وهو بمَكَّة عشرون رجلًا أو قريبٌ من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة ... إلى أن قال: ويقال: إنَّ النفر من النصارى من أهل نَجْران، ويقال: فيهم نزلت: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
[ج 2 ص 235]
مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} ... إلى قوله: {الْجَاهِلِينَ} [القصص: 52 - 55]، وقال الزُّهريُّ: ما زلت أسمع من علمائنا أنَّهنَّ نزلن في النَّجاشيِّ وأصحابِه، انتهى.
هذا بمَكَّة، وأمَّا بالمدينة؛ فقال: وقال ابن إسحاق: إنَّ أهل نجران كانوا ستِّين راكبًا، فيهم أربعة عشر من أشرافهم، من الأربعة عشر ثلاثة إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، واسمه عبد المسيح، والسيِّد ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أُسقفُّهم وحبرهم وإمامهم ... إلى أن قال: وكانت تسمية الأربعة عشر: العاقب، والسيد، وأبو حارثة، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبَيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويَحنس، وهذا مراد البُخاريِّ لا الأوَّل؛ أعني: الستِّين الذين أتَوا المدينة، وقد رأيت في كتاب «في هدم الكنائس» للإمام العلَّامة تقيِّ الدين أبي الحسن السبكيِّ الشافعيِّ ما لفظه: عن ابن سعد: فلم يلبث السيِّد والعاقب إلَّا يسيرًا حتَّى رجعا إلى النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب، انتهى، ولم أر أنا من ذكرهما في الصَّحابة، وكذا عزا شيخنا إلى ابن سعد: أنَّ السيِّد والعاقب رجعا فأسلما، والله أعلم.
و (نَجْران)؛ بفتح النون، وإسكان الجيم: بلدة معروفة، كانت منزلًا للنصارى، وهي بين مَكَّة واليمن، على نحو سبع مراحل من مَكَّة، وليست من الحجاز الذي هو مَكَّة والمدينة واليمامة ومخاليفُها، وفي كلام أبي بكر الحازميِّ: (أنَّ نَجْران من مخاليف مَكَّة من صوب اليمن) تساهلٌ، وصرَّح الجوهريُّ بأنَّ (نَجْران) بلد باليمن، انتهى.
وفي «صحيح مسلم» في (المناقب): أنَّ أهل اليمن قدموا على رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فقالوا: ابعث معنا رجلًا يعلِّمنا السُّنَّة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال: «هذا أمين هذه الأمَّة»، ففي هذا أنَّ نَجْران من اليمن، والله أعلم.

(1/7851)


[حديث: لأبعثن معكم رجلًا أمينًا حق أمين ... ]
4380# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عبَّاس بْنُ الْحُسَيْنِ): هو بالموحَّدة، والسين المهملة، وهو عبَّاس بن الحسين القنطريُّ، روى عنه: البُخاريُّ، وموسى بن هارون، وعبد الله بن أحمد، وجماعةٌ، تُوُفِّيَ سنة (240 هـ)، وله ترجمة في «الميزان»، انفرد بالإخراج له البُخاريُّ من بين رفاقه، و (إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّم أنَّه ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيِّ عَمرو بن عبد الله، تَقَدَّما، و (صِلَةُ بْنُ زُفَرَ): تَقَدَّم، وكذا (حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِي)، و (اليماني): صَحابيٌّ جليلٌ، حُسيل، ويقال: حسل.
قوله: (جَاءَ الْعَاقِبُ): هو بالعين المهملة، وبعد الألف قاف مكسورة، ثُمَّ موحَّدة، قال ابن الأثير: السيِّد والعاقب هما من رؤسائهم وأصحاب مراتبهم، والعاقب يتلو السيِّد، وفي «الصحاح»: والعاقب يخلف السيِّد بعده، وقد تَقَدَّم كلام السبكيِّ وشيخِنا عن ابن سعد: أنَّهما رجعا فأسلما.
قوله: (وَلاَ عَقِبُنَا): (العَقِبُ) هنا: الذرية، وقيل: كلُّ الورثة، قاله شيخنا.
قوله: (يَا أَبَا عُبَيْدَةَ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمين الأمَّة، وأحد العشرة.
قوله: (هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ): (الأمين): الحافظ، والله أعلم.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).
[ج 2 ص 236]

(1/7852)


[حديث: لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين ... ]
4381# قوله: (حَدَّثَنَا محمَّد بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه: بُنْدَار، وهو حافظ، و (محمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) بعده: تَقَدَّم مِرارًا أنَّه غُنْدُر، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه السَّبِيعيُّ، عَمرو بن عبد الله، وتَقَدَّم مترجمًا، وتَقَدَّم عدد من جاء من أهل نَجْران، وقدَّمتُ عدد رؤسائهم الأربعة عشر، وذكرتهم قريبًا جدًّا.
==========
[ج 2 ص 236]

(1/7853)


[حديث: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح]
4382# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك، الطياليسيُّ الحافظ، و (خَالِدٌ) بعد (شعبة): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحذَّاء، خالد بن مهران، أبو المُنازل، و (أَبُو قِلَابَةَ): تَقَدَّم ضبطه [1]، وأنَّه عبد الله بن زيد الجَرْميُّ.
==========
[1] في (أ): (ضبط)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[ج 2 ص 236]

(1/7854)


[باب قصة عمان والبحرين]
قوله: (قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ): أمَّا (عُمَان)؛ فهي بضمِّ العين المهملة، وتخفيف الميم: من بلاد اليمن، وأمَّا (البَحْرين)؛ فقد تَقَدَّمت غيرَ مرَّةٍ.

(1/7855)


[حديث: لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا]
4383# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن عيينة، و (ابْنُ الْمُنْكَدِرِ) بعده: هو محمَّد بن المنكدر، و (ابن المنكدر): مرفوعٌ، فاعل (سمع)، و (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ): منصوبٌ مفعول، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبِض): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (مُنَادِيًا فَنَادَى): هذا المنادي من قِبَل أبي بكر لا أعرف اسمه.
قوله: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ): (أدوأُ): مهموزٌ مقصور، كذا في أصلنا بالقلم، ونقله شيخنا كذلك عن خطِّ الدِّمْياطيِّ، قال ابن قُرقُول: (أدوى): كذا يقوله المحدِّثون غير مهموزٍ، والصواب: (أدوأُ)؛ بالهمز؛ لأنَّه من الداء، والفعل منه: داء يُداء، وغيرُ المهموز من دَوِيَ؛ إذا كان به مرض باطن في جوفه، فهو دوٍ، وقال الأصمعيُّ: أَدَى الرجلُ يَدِي؛ إذا صار في جوفه داءٌ، وبالوجهين قيَّدناه عن أبي الحسين، انتهى، وقال في «النِّهاية»: («أدوى»؛ أي: أيُّ عَيْبٍ أقبح منه، والصواب: أدوأُ؛ بالهمز، وموضعه أوَّل الباب؛ يعني: في المهموز)، قال: (ولكن هكذا يُروى، إلَّا أن يجعل من باب دَوَى يَدْوي دوًى، فهو دَوٍ؛ إذا هلك بمرض باطن)، وقد تَقَدَّم ذلك.
قوله: (وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ محمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ): (عَمرو): هو ابن دينار، وهذا معطوف على السند الذي قبله، وقائله هو سفيان بن عيينة، رواه بالطريقين معًا، من طريق ابن المنكدر عن جابر، ومن طريق محمَّد بن عليٍّ الباقر بن زين العابدين عن جابر، وليس تعليقًا، والله أعلم.

(1/7856)


[باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن]
قوله: (بابُ قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ): (الأشعريُّون): قبيلة أبي موسى عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار رضي الله عنه.
[ج 2 ص 236]

(1/7857)


[حديث: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا ... ]
4384# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ محمَّد وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ): (عبد الله بن محمَّد): هو المسنديُّ، وابن أبي شيبة روى عن يحيى بن آدم، لكن عند مسلم، قاله ابن طاهر، و (ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ): هو يحيى بن زكريَّا بن أبي زائدة، تَقَدَّم، و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عَمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، و (الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ): هو ابن قيس النخعيُّ، أبو عَمرو الكوفيُّ، و (أَبُو مُوسَى): تَقَدَّم قريبًا جدًّا.
قوله: (قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي): قال بعض حفَّاظ العصر هنا: إنَّه أبو رُهم، انتهى، وفي رواية في «الصحيح»: (أنا وأخوان لي؛ أحدهما: أبو بُردة، والآخر: أبو رُهم)، تَقَدَّم أنَّ أبا موسى له عدَّة إخوة: أبو رُهم، وأبو بُردة واسمه عامر، ومجديُّ بن قيس، استدركه أبو عليٍّ الغسانيُّ، ومحمَّد بن قيس، ذكره ابن حبَّان في «ثقاته»، كنيته أبو زهير، قال الذهبيُّ عقيب تسميته في «تجريده»: ورد اسمه في حديث لا يصحُّ، وأمَّا أبو عمر في «الاستيعاب»؛ فإنَّه ذكر في ترجمة أبي رُهم ما لفظه: هاجر إلى المدينة في البحر مع إخوته، وكانو أربعة: أبو موسى، وأبو بُردة عامر، وأبو رُهم، ومجديٌّ، وقيل: أبو رُهم اسمه مجديٌّ، بنو قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، فنسبه، ثُمَّ قال: قدموا مَكَّة في البحر، ثُمَّ قدموا المدينة في البحر مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة حين افتتح خيبر، فأسهم له مع من شهدها، انتهى.
وله أخٌ آخر يقال له: أبو عامر، واسمه هانئ، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: عبيد، وقيل: عبَّاد، ذكره الذهبيُّ في «تجريده»، والله أعلم، تَقَدَّم، فالمراد بأخيه لا أعلمه بعينه؛ لتصريح أبي عمر بأنَّهم قدموا معه من اليمن مَن ذكر، والله أعلم، وفي مكان صرَّح _كما تَقَدَّم أعلاه_ بأنَّه قدم معه أبو بُردة وأبو رُهم، فعلى هذه هو أحدهما، والله أعلم، وتَقَدَّم ما قاله بعض الحفَّاظ العصريِّين أعلاه.
قوله: (مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ): (نُرَى): بضمِّ النون؛ أي: نظنُّ، و (ابن مسعود): هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذليُّ، مشهور جدًّا، رضي الله عنه، وأمُّه أمُّ عبد بنت سود بن قريم بن صاهلة، فرض لها عمر رضي الله عنه ألفين، وهي من المهاجرات، وقد تَقَدَّمتْ.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).
[ج 2 ص 237]

(1/7858)


[حديث: أجل ولكن لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا .. ]
4385# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكين، الحافظ، و (عَبْدُ السَّلاَمِ) بعده: هو عبد السلام بن حرب النهديُّ، أبو بكر الملائيُّ، عن أيوب، وخُصَيف، وعطاء بن السائب، وعنه: ابن معين وهنَّاد، ثِقةٌ، عاش ستًّا وتسعين سَنةً، وتُوُفِّيَ سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، قال التِّرْمِذيُّ في «جامعه»: ثِقةٌ حافظ، وقال الدارقطنيُّ: ثِقةٌ حُجَّة، وقال ابن سعد: فيه ضعف، وقال يعقوب بن شيبة: ثِقةٌ، في حديثه لين، وفيه توثيق لغير من ذكرت، له ترجمة في «الميزان»، و (أَيُّوبُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (أبو قِلَابَة): تَقَدَّم ضبطه، وأنَّه عبد الله بن زيد الجَرْميُّ، و (أَبُو مُوسَى): تَقَدَّم قريبًا أنَّه عبد الله بن قيس.
قوله: (دَجَاجًا): هو مثلَّث الدال؛ كمفرده.
قوله: (وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ): هذا الرجل لا أعرفه، غير أنَّ في بعض طرقه في «الصحيح»: (وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللهِ، أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوْالِي [1]) [خ¦6721]؛ أي: كأنَّه من سبي الروم.
قوله: (فَقَذِرْتُهُ): هو بكسر الذال المعجمة في الماضي، وتُفتَح في المستقبل؛ أي: كرهتُه.
قوله: (هَلُمَّ): تَقَدَّم الكلام عليها بلغتَيها، و (أُخْبِرْكَ): مجزومٌ، جواب الأمر؛ وهو (هلمَّ)، وبخطِّ الشيخ أبي جعفر: مرفوع ومجزوم، وهو ظاهرٌ.
قوله: (نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ): تَقَدَّم أنَّ (النفر) ما دون العشرة من الرجال؛ كـ (الرهط).
قوله: (فَاسْتَحْمَلْنَاهُ)؛ أي: طلبنا منه شيئًا يحملنا، وكان ذلك في غزوة تبوك، كما هو مصرَّح به في «الصحيح» في بعض الطرق.
قوله: (ثمَّ [2] أُتِيَ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر التاء، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (بِنَهْبِ إِبِلٍ): هو بفتح النون، ولا أعلم فيه خلافًا، وسأذكره مطوَّلًا، فإنِّي سمعت من يقوله بكسر النون ممَّن لا تحقيق عنده، وسمعته عن بعض فضلاء العصريِّين القاهريِّين، ثُمَّ أُخبِرتُ أنَّه رجع عنه إلى الفتح.
قوله: (بِخَمْسِ ذَوْدٍ): تَقَدَّم الكلام على (الذود) غيرَ مرَّةٍ.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة»: (كأنَّه مولًى).
[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (لم يلبث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ).
[ج 2 ص 237]

(1/7859)


[حديث: اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم]
4386# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو الحافظ الصيرفيُّ الفلَّاس، و (أَبُو عَاصِمٍ) بعده: هو الضَّحَّاك بن مَخْلد، النَّبيلُ، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثوريُّ، سفيان بن سعيد بن مسروق، و (صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ)؛ بضمِّ الميم، وإسكان الحاء المهملة، وكسر الراء، وبالزاي، من أحرز، اسم فاعل منه، وهذا ظاهرٌ عند أهله.
قوله: (جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): تَقَدَّم في وفدهم من جاء من رؤسائهم؛ فانظر ذلك بُعَيد (حجِّ أبي بكر بالناس).
قوله: (أَبْشِرُوا): تَقَدَّم أنَّه بقطع الهمزة، وكسر الشين، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا؛ فَأَعْطِنَا): (أَمَّا): بفتح الهمزة، وتشديد الميم، و (أَعطِ): رباعيٌّ، بقطع الهمزة، وكسر الطاء، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وتَقَدَّم في (بدء الخلق) وقريبًا من قال ذلك من كلام ابن الجوزيِّ أبي الفرج الحافظ، وأنَّه الأقرع بن حابس.

(1/7860)


[حديث: الإيمان هاهنا والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين]
4387# قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ محمَّدٍ الْجُعْفِيُّ): تَقَدَّم أنَّه المسنديُّ، وأنَّه مولى البُخاريِّ من فوق، حافظٌ مشهور، وتَقَدَّم لِمَ قيل له: المسنديُّ.
قوله: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عقبة بن عمرو، الأنصاريُّ البدريُّ، وتَقَدَّم نسبه، وأنَّه نُسِب إلى ماء ببدر كان ينزله، ولم يحضرها وإن عدَّه البُخاريُّ في «الصحيح» فيهم، وتُعقِّب عليه.
قوله: (وَالْجَفَاءُ): هو بفتح الجيم، ممدودٌ: غِلَظُ الطبع، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم (الفَدَّادِينَ)، و (قَرْنَا الشَّيْطَانِ).

(1/7861)


[حديث: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدةً وألين قلوبًا]
4388# قوله: (حَدَّثَنَا محمَّد بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم ضبطه مرارًا، وأنَّه بُنْدَار، وفي «أطراف المِزِّيِّ» في نسختي _وهي مقابلة_: (محمَّد بن المثنَّى) عوض (ابن بَشَّار)، وكما في أصلنا القاهريِّ: (محمَّد بن بَشَّار) في أصلنا الدِّمَشْقيِّ بلا خلاف فيهما، وتَقَدَّم (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): أنَّه محمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ، وتَقَدَّم مترجمًا، و (سُلَيْمَانُ) بعد (شعبة): هو سليمان بن مهران الأعمش، و (ذَكْوَانُ): هو أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات، تَقَدَّم مِرارًا.
[ج 2 ص 237]
قوله: (هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه جمع (فؤاد) على غير القياس، وكذا (أَلْيَنُ قُلُوبًا)، قال ابن قُرقُول: (أرقُّ قلوبًا، وأرقُّ أفئدة)، ويروى: (أضعف قلوبًا)، الرِّقَّة: اللين، والضعف مثله، وهو ههنا ضدُّ القسوة والشدة التي وصف بها غيرهم في الحديث، والإشارة به إلى سرعة إجابتهم للإيمان وقَبولهم الهدى؛ كما فعلتِ الأنصار، وفرَّق بعض أرباب المعاني بين اللين في هذا والرِّقَّة، وجعل اللين ما تَقَدَّم ذكره، والرقة: عبارة عن صفاء القلب، وإدراكِه من المعرفة ما لا يدركه من ليس قلبُه كذلك، وأنَّ ذلك موجب لقَبولهم وسرعة إجابتهم، وقيل: يجوز أن تكون الإشارة بلين القلب وضعفه إلى خفض الجناح وحسن العشرة، وبرقَّة القلب إلى الشفقة على الخلق والعطف والرحمة، انتهى، وفي «النِّهاية»: (أرقُّ قلوبًا)؛ أي: ألين [1] وأقبل للموعظة؛ والمراد بالرِّقَّة: ضدُّ القسوة والشدة، انتهى.
قوله: (وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ): هي بتخفيف الياء، قال ابن قُرقُول: و (الحكمة): ما منع من الجهل، فالحاكم: المانع من الظلم والعِداء ... إلى أن قال: قيل: (الحكمة): الإصابة في القول من غير نبوَّة، وقيل: الفقه في الدين والعلم به، وقيل: الخشية، وقيل: الفهم عن الله، وقال فيه غيرَ ذلك، والله أعلم.
قوله: (وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ): تَقَدَّم أنَّه التكبُّر واستحقار الناس.
قوله: (وَقَالَ غُنْدَرٌ ... ) إلى آخره: أمَّا (غُنْدُر)؛ فهو محمَّد بن جعفر، وقد تَقَدَّم ضبطه مرارًا، وهذا تعليق مجزوم به، وهو شيخ مشايخه، وإنَّما أتى به؛ لأنَّ (سليمان) في السند تَقَدَّم قريبًا أنَّه الأعمش سليمان بن مِهران، وهو مدلِّس، وقد عنعن في السند الأوَّل، فأتى بهذا التعليق؛ لأنَّ فيه التصريح بسماعه من ذكوان أبي صالح السَّمَّان الزَّيَّات، والله أعلم، وتعليق غُنْدُر أخرجه مسلم في (الإيمان) عن بِشْر بن خالد، عن غُنْدُر، عن شعبة به، والله أعلم، ولم يخرِّجه شيخنا.
==========
[1] في (أ): (اللين)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.

(1/7862)


[حديث: الإيمان يمان والفتنة هاهنا هاهنا يطلع ... ]
4389# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس عبد الله، وأنَّه ابن أخت مالكٍ الإمام، و (أَخُوهُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الحميد بن أبي أويس، وتَقَدَّم مترجمًا، وما قيل فيه لا يصحُّ، و (ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ): كذا في أصلنا، وهو الصواب، وفي أصلٍ لنا دمشقيٍّ في الهامش كهذا، وفي الأصل: (ثور بن يزيد)، والصواب _كما تَقَدَّم_ ما في الهامش، وهو ثور بن زيد الديليُّ المدنيُّ بلا خلاف، و (أَبُو الغَيْثِ): سالمٌ مولى ابن مُطيع، تَقَدَّم.
قوله: (قَرْنُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّم الكلام عليه.
==========
[ج 2 ص 238]

(1/7863)


[حديث: أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبًا وأرق أفئدة ... ]
4390# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي حمزة، و (أَبُو الزِّنَادِ): تَقَدَّم أنَّه بالنون مرارًا، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، و (الأَعْرَجُ): تَقَدَّم أيضًا أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ) أيضًا: عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً): تَقَدَّم أعلاه، وتَقَدَّم الكلام على (الْحِكْمَةُ) أعلاه أيضًا، و (يَمَانِيَةٌ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنّه بتخفيف الياء.
==========
[ج 2 ص 238]

(1/7864)


[حديث: يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا]
4391# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وأنَّ (عَبْدان) لقب له، و (أبو حَمْزَةَ): تَقَدَّم أنَّه بالحاء، والزاي، محمَّد بن ميمون السُّكريُّ، وتَقَدَّم أنَّه إنَّما قيل له: السُّكريُّ؛ لحلاوة كلامه، و (الأَعْمَشُ): سليمان بن مهران، أبو محمَّد الكاهليُّ، تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا، و (إِبْرَاهِيمُ): تَقَدَّم أنَّه ابن يزيد النخعيُّ.
تنبيهٌ: إبراهيم بن سويد النخعيُّ عن علقمة عن ابن مسعود: ليس له في «البُخاريِّ» شيء بهذا، إنَّما روى له مسلم وأبو داود والنَّسائيُّ حديثًا واحدًا، والله أعلم.
و (عَلْقَمَةُ): هو ابن قيس النخعيُّ، أبو شبل الكوفيُّ.
قوله: (فَجَاءَ خَبَّابٌ): هو خبَّاب بن الأرتِّ، تَقَدَّم مترجمًا، وقصَّته في هذا الخاتم مع ابن مسعود مشهورةٌ عنه، ذُكِرتْ في ترجمته، وكأنَّه خفي على خبَّابٍ النهيُ، والله أعلم.
قوله: (أَمَا إِنَّكَ): (أمَا): تَقَدَّم مرَّات أنَّها بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، بمنزلة (ألَا)، ولهذا كُسِرَتْ همزة (إنَّ) بعدها.
قوله: (أَمَرْت بَعْضَهُمْ): التاء [في] (أمرت): مضمومة على التكلُّم، ومفتوحة على الخطاب، وبهما ضُبِطَتْ في أصلنا.
قوله: (فَقَالَ [1]: أَجَلْ): هو بإسكان اللام؛ ومعناه: نعم، وقد تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ.
قوله: (فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ، أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ): (حُدَيْر)؛ بضمِّ الحاء وفتح الدال المهملتين، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، وهو زيد بن حُدَيْر الأسديُّ الكوفيُّ، أخو زياد، له ذكر في هذا المكان من «صحيح البُخاريِّ»، وهو من أصحاب ابن مسعود، ولا رواية له فيما أعلم، وقد تعقَّب الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخ شيوخنا الحافظَ جمال الدين المِزِّيَّ ترجمة زيد هذا في «تهذيبه»، وقد تابع الذهبيُّ المِزِّيَّ في «تذهيبه»، قال مغلطاي ما لفظه: لأنَّ في الكُتُب السِّتَّة ذكرَ جماعة كثيرة من السلف والخلف لم يُترجِم هو ولا غيره لأحد منهم ترجمةً إلَّا إذا كان راويًا، فأيُّ خصوصية لهذا؟! فينظر، والله أعلم، وهو تعقُّبٌ جيِّدٌ، والله أعلم.
وأمَّا أخوه (زياد) الأسديُّ الكوفيُّ؛ فروى عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعود، وغيرِهم، وعنه: حَبِيب بن أبي ثابت، وجامع بن شدَّاد، وأبو حَصِين، وإبراهيم بن مهاجر، وجماعةٌ، وثَّقه أبو حاتم، وكان خيِّرًا صالحًا، أخرج له أبو داود فقط في (نصارى بني تغلب).
قوله: (ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ): تَقَدَّم أنَّه ابن الأرتِّ رضي الله عنه.
قوله: (وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه خفي على خبَّابٍ النهيُ، والله أعلم.
قوله: (أَمَا إِنَّكَ): تَقَدَّم أعلاه الكلام على (أَمَا) و (إنَّك)، وقبله أيضًا.

(1/7865)


قوله: (رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ): تَقَدَّم أنَّ (غُنْدُرًا) محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم ضبطه، و (شعبة)؛ يعني: رواه عن الأعمش به، والله أعلم، وما رواه غُنْدُر عن شعبة لم يذكره المِزِّيُّ، ولم أره في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (قال).
[ج 2 ص 238]

(1/7866)


[قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي]
قوله: (قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ): هو الطُّفيل بن عمرو بن طريف بن العاصي بن ثعلبة بن سُلَيم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسيُّ، أسلم وصدَّق النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بمَكَّة، ثُمَّ رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس، فلم يزل مقيمًا بها حتَّى هاجر رسولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، ثُمَّ قدم على رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم وهو بخيبر بمن تبعه من قومه، فلم يزل مقيمًا مع رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم حتَّى قُبِض عَلَيهِ السَّلام، ثُمَّ كان مع المسلمين حتَّى قُتِل باليمامة شهيدًا، وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال: قُتِل الطُّفيل بن عمرو الدوسيُّ عام اليرموك، في خلافة عمر بن الخَطَّاب، وذكر المدائنيُّ عن أبي معشر: أنَّه استشهد باليمامة، يقال له: ذو النور؛ لأنَّه وفد عليه عَلَيهِ السَّلام، فقال: يا رسول الله؛ إنَّ دوسًا قد غلب عليهم الزنى، فادع الله عليهم، فقال عَلَيهِ السَّلام: «اللهمَّ اهد دوسًا»، ثُمَّ قال: يا رسول [الله]؛ ابعثني إليهم، واجعل لي آية يهتدون بها، فقال: «اللهمَّ نوِّر له»، فسطع نورٌ بين عينيه، فقال: يا ربِّ؛ أخاف أن يقولوا: مثلة، فتحولَّت إلى سوطه، فكان يضيءُ في الليلة المظلمة، فسُمِّيَ ذا النور، والله أعلم، وقد تَقَدَّم أنَّ أصحابَ النور ستَّةُ رجال فيما مضى؛ فانظره.
==========
[ج 2 ص 238]

(1/7867)


[حديث: اللهم اهد دوسًا وأت بهم.]
4392# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، و (سُفْيَانُ) بعده: هو سفيان بن عيينة، و (ابْنُ ذَكْوَانَ) بعده: هو أبو الزناد، عبد الله بن ذكوان، و (عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ): هو ابن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
تنبيهٌ: هذا الحديث هنا أغفله المِزِّيُّ في «أطرافه»، إنَّما عزاه إلى البُخاريِّ في (الدعوات)، فأغفل هذا هنا، وهو ثابتٌ في أصلنا القاهريِّ، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ، وقد استدركه شيخنا البلقينيُّ عليه في هذا المكان، والله أعلم.
قوله: (قَدْ هَلَكَتْ): قال شيخنا: قال الدارقطنيُّ: قوله: (هلكت) ليس بمحفوظ، إنَّما قال: (عصت وأبت)، قال شيخنا: وفيه بُعدٌ.

(1/7868)


[حديث: يا أبا هريرة هذا غلامك]
4393# قوله: (حَدَّثَنَا [1] محمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ): هذا هو أبو كُرَيبٍ، الحافظ، و (أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة، و (إِسْمَاعِيلُ): هو ابن أبي خالد، تَقَدَّم، وكذا (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم.
قوله: (مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ): (دارة)؛ أي: دار الكفر، وحيث مجتمع أهله، يقال: دارة القوم، ودارُ القوم.
قوله: (وَأَبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ): قال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: لم أعرف اسمه، ويحتمل أن يكون هو سعدٌ الدَّوسيُّ، انتهى.
قوله: (وَأَبَقَ): قال شيخنا: قوله: (وأبق) وَهم، وإنَّما ضلَّ كلُّ واحد منهما من صاحبه، لا دليل له على ذلك، انتهى، وهذا الكلام سقط منه شيء، وحاصله: أنَّ لفظة: (أَبَقَ) وُهِّمَتْ، ولا دليل على توهيمها، وهذا الغلام لم يأبق، وإنَّما ضلَّ أحدُهما من صاحبه، كما في رواية أخرى، والله أعلم، وقد قدَّمتُ ذلك أنَّ الصواب: (ضلَّ) فيما تَقَدَّم، و (غلامه): تَقَدَّم أنِّي لا أعرف اسمه.
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).
[ج 2 ص 239]

(1/7869)


[باب قصة وفد طيء وحديث عدي بن حاتم]
قوله: (قِصَّةُ وَفْدِ طَيِّئٍ، وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ [1]): (عديُّ بن حاتم): كنيته أبو ظريف، وقيل: أبو وهب، عديُّ بن حاتم بن عديِّ بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عديِّ بن ربيعة بن جَرْول _بفتح الجيم، وإسكان الراء_ ابن ثُعَل _بضمِّ الثاء المثلَّثة، وفتح العين المهملة_ ابن عَمرو بن الغوث بن طيِّئ بن زيد بن أُدد بن كهلان بن يشجبَ بن يعرُبَ بن قحطان الطائيُّ، ويختلف النَّسَّابون في بعض الأسماء، قدم على النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم، وقصَّته معروفة، وكان نصرانيًّا، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، قال ابن قتيبة: كان عديٌّ طويلًا، إذا ركب الفرس؛ كادت رجله تخطُّ الأرض، شهد مع عليٍّ الجمل، ثُمَّ صفين، قال: ولم يبقَ له عقب إلَّا من قِبَل ابنتيه: أسدة وعمرة، وإنَّما عَقِبُ حاتم من ولده عبدِ الله بن حاتم، وهم ينزلون كربلاء، ترجمة عديٍّ معروفةٌ، وليس لحاتمٍ بنتٌ سوى سَفَّانة، أسلمت، وهي صحابيَّة، والسَّفَّانة: الدُّرَّة، وهي بفتح السين المهملة، وتشديد الفاء، وبعد الألف نون، ثُمَّ تاء التأنيث.

(1/7870)


[حديث عدي: أتينا عمر في وفد فجعل يدعو ... ]
4394# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ الحافظ، وتَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (عَبْدُ الْمَلِكِ) بعده: هو ابن عُمير الكوفيُّ، رأى عليًّا، وسمع جَرِيرًا، والمغيرة، والنعمان بن بَشِير، وعنه: شعبةُ والسفيانان، قال أبو حاتم: صالح الحديث، ليس بالحافظ، وقال النَّسائيُّ وغيره: ليس به بأس، مات سنة (136 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّم.
==========
[ج 2 ص 239]

(1/7871)


[باب حجة الوداع]
(بابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) ... إلى (بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ)
اعلم أنَّه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم لم يحجَّ من حين هاجر إلى المدينة غير هذه المرَّة، هذا لا خلاف فيه، ولا خلاف أنَّها كانت سنة عشر، واختلف؛ هل حجَّ قبل الهجرة؟ في «التِّرْمِذيِّ» عن جابر: (أنَّه حجَّ عَلَيهِ السَّلام ثلاث مرَّات؛ حجَّتين قبل أن يهاجر، وحجَّة بعدما هاجر)، استغربه التِّرْمِذيُّ، وفي «ابن ماجه» عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس: (أنَّه عَلَيهِ السَّلام حجَّ ثلاث حجج؛ حجَّتين قبل أن يهاجر ... )؛ الحديث، أخرجه في (الحجِّ)، وهو في «المستدرك» على شرط مسلم، وسيأتي قريبًا في هذا «الصحيح» من كلام أبي إسحاق _هو السَّبِيعيُّ عَمرو بن عبد الله_: (أنَّه حجَّ عَلَيهِ السَّلام وهو بمَكَّة أخرى)، وقال الإمام في «النِّهاية»: (إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم كان يحجُّ قبل الهجرة كلَّ سَنَة)، قال: واختلف أصحابنا؛ هل كان الحجُّ واجبًا قبل الهجرة؟ على وجهين، انتهى.
وقد ذكرتُ في (كتاب الحجِّ) الجملة الثانية، وهي والأولى غريبتان، وقال أبو الفرج ابن الجوزيِّ في «مثير العزم الساكن»: وقد حجَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم حججًا قبل النبوَّة وبعدها لا يعرف عددُها، انتهى.
وفي «المستدرك» في آخر (المغازي) قبل (فضل أبي بكر) عن الثوريِّ: (أنَّه عَلَيهِ السَّلام قبل أن يهاجر حجَّ حججًا، وحجَّ بعدما هاجر حَجَّة الوداع).
تنبيهٌ: حجَّ معه حجَّة الوداع أربعون ألفًا، كذا رُوِّيناه عن أبي زرعة الرازيِّ، وقال السهيليُّ في (الإسراء) في «روضه»: وحجَّ معه ذلك العام نحوٌ من سبعين ألفًا من المسلمين، انتهى.
وقد تُوُفِّيَ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا ممَّن روى عنه وسمع منه، فيما قاله أبو زرعة أيضًا، وقال شيخنا العراقيُّ في «سيرته»: إنَّهم في حجَّة الوداع كانوا أربعين ألفًا، وما معناه: أنَّهم كانوا مئة ألف وعشرين ألفًا، وفي «سيرة مغلطاي»: تسعون ألفًا، ويقال: مئة وأربعة عشر ألفًا، ويقال: أكثر من ذلك، فيما حكاه البَيهَقيُّ.
تنبيٌه: كان ينبغي لشيخ الإسلام البُخاريِّ أن يقدِّم غزوة تبوك على حجَّة الوداع كعادته في ذلك؛ لأنَّ تبوك في التاسعة، والوداع في العاشرة، فكأنَّه لمَّا ذكر حجَّ أبي بكر، وهو في التاسعة، [و] ذكر الوفود، وهو في التاسعة؛ استطرد حجَّة الوداع، ثُمَّ ذكر بعدها تبوك، وهذا جوابٌ غير مرضيٍّ، ومقتضى الاستطراد أن يذكر تبوك مع ما ذكر، لا بعد ذلك، والله أعلم.

(1/7872)


واعلم أنَّه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ساق معه ثلاثًا وستِّين بدنة هديًا، كما رواه التِّرْمِذيُّ، وجاء عليٌّ معه بتكملة المئة، والظاهر أنَّه عَلَيهِ السَّلام نحر ما ساقه معه من الهدي الذي جاء معه، وأعطى عليًّا البدن التي جاءت معه من اليمن، وهي تكملة المئة، فنحرها، وإنَّما نحر ثلاثًا وستِّين؛ إشارة إلى سني حياته عَلَيهِ السَّلام، وإنَّما قيل لها: حجَّة الوداع؛ لأنَّه ودَّعهم فيها، وتُسمَّى حجَّةَ البلاغ؛ لقوله: «هل بلَّغت؟»، وحجَّةَ الإسلام؛ إذ لا مشرك فيها.
==========
[ج 2 ص 239]

(1/7873)


[حديث: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة]
4395# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هذا تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت الإمام مالك بن أنس، و (ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الزُّهريُّ.
قوله: (فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ): تَقَدَّم أنَّ (الإهلال) رفع الصوت بالتلبية.
[ج 2 ص 239]
قوله: (فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ): تَقَدَّم أنَّها حاضت بسَرِف يوم السبت، وتَقَدَّم متى طهرت فيما مضى، وقد طهرت عشيَّة الجمعة يوم عرفة، وكذا تَقَدَّم (التَّنْعِيمُ): أنَّها المساجد، وتَقَدَّم لِمَ سُمِّيَت التنعيم، وتَقَدَّم أنَّ بين مكان الإحرام منها وباب المسجد ستةَ عشرَ ألف خطوة، ذهابًا وإيابًا اثنتان وثلاثون ألف خطوة، وتَقَدَّم الكلام على (هَذِهِ مَكَانُ)؛ بالرفع، و (مكانَ)؛ بالنصب، وأنَّه يجوز بهما.

(1/7874)


[حديث: إذا طاف بالبيت فقد حلَّ ... ]
4396# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفلَّاس الحافظ، أحد الأعلام، و (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) بعده: هو القطَّان، شيخ الحفَّاظ، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، الإمام، أحد الأعلام، وتَقَدَّم (عَطَاءٌ): أنَّه ابن أبي رَباح.
قوله: (بَعْدَ الْمُعَرَّفِ): هو بضمِّ الميم، وفتح العين المهملة، وتشديد الراء المفتوحة، ثُمَّ بالفاء؛ يعني: الوقوف بعرفة؛ وهو التعريف أيضًا، و (المعرَّف) في الأصل: موضع التعريف، ويكون بمعنى المفعول.
قوله: (قَبْلُ وبَعَدُ): هما بالضمِّ، مقطوعان عن الإضافة.
==========
[ج 2 ص 240]

(1/7875)


[حديث: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل ... ]
4397# قوله: (حَدَّثَنِي بَيَانٌ): هذا هو بيان بن عمرو البُخاريُّ العابد، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له، تَقَدَّم، و (النَّضْرُ): هو ابن شميل الإمام، تَقَدَّم، و (قَيْسٌ): هو ابن مسلم، الجَدَليُّ الكوفيُّ العابد، عن ابن الحنفيَّة، وطارق بن شهاب، وعنه: شعبة، وسفيان، والناس، ثبتٌ، تُوُفِّيَ سنة (120 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تَقَدَّم، و (طَارِقٌ): هو ابن شهاب، تَقَدَّم أعلاه، و (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، تَقَدَّم مِرارًا.
قوله: (بِالْبَطْحَاءِ): تَقَدَّم الكلام عليها، وكذا تَقَدَّم على (أَحَجَجْتَ؟)؛ أي: أنويتَ الحجَّ، وعلى المرأة التي من قيس التي فلت رأسه، لا أعرف اسمها، و (فَلَتْ)؛ بفتح اللام المخفَّفة.
==========
[ج 2 ص 240]

(1/7876)


[حديث: لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي]
4398# قوله: (إنِّي [1] لَبَّدْتُ): تَقَدَّم الكلام على (التلبيد)، وأنَّه سُنَّة، وما هو، وتَقَدَّم (تَقْلِيدُ الهَدْي) ما هو.
==========
[1] (إني): ليس «اليونينيَّة» و (ق)، وهي رواية الحديث رقم (1566).
[ج 2 ص 240]

(1/7877)


[حديث: أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله ... ]
4399# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): هو ابن أبي حمزة، تَقَدَّم، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (وَقَالَ محمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): تَقَدَّم أنَّه محمَّد بن يوسف بن واقد، الفريابيُّ الحافظ، شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّم الفرق بينه وبين محمَّد بن يوسف البيكنديِّ، وذِكْرُ الأماكن التي روى فيها البُخاريُّ عن محمَّد بن يوسف البيكنديِّ، وتَقَدَّم أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلانٌ شيخُه؛ كهذا؛ فإنَّه كـ (حدَّثنا)، غير أنَّه يكون أخذه عنه مذاكرةً غالبًا، وتَقَدَّم ذلك مطوَّلًا، و (الأَوْزَاعِيُّ): هو أحد الأعلام، أبو عَمرو، عبد الرَّحمن بن عَمرو، و (ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، و (سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ): هو بتقديم المثنَّاة تحت، ثُمَّ السين المهملة، مشهور عند أهله.
قوله: (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ): وجاء في رواية في «الصحيح»: (أنَّ امرأة من جُهينة)، وخثعم وجهينة لا يجتمعان، فهما اثنتان، قاله شيخنا، انتهى، وقد تَقَدَّم ذلك في (الحجِّ)، ولا شك أنَّهما اثنتان؛ لأنَّ الجهنيَّة قالت: (إنَّ أمي نذرت ... )؛ الحديث، وقالت الخثعميَّة: (إنَّ فريضة الله على عباده في الحجِّ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا ... )؛ الحديث، والله أعلم، ولا أعرفهما، وأبو الخثعميَّة هذه لا أعرفه، وقد تَقَدَّم ذلك، وقد تَقَدَّم في (الحجِّ) ما قاله شيخنا في المرأة الخثعميَّة.
==========
[ج 2 ص 240]

(1/7878)


[حديث: أقبل النبي عام الفتح وهو مردف أسامة على القصواء]
4400# قوله: (حَدَّثَنِي محمَّدٌ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ): (محمَّد) هذا: قال الجيَّانيُّ: وقال _يعني البُخاري_ في (باب الرمل في الحجِّ والعمرة): (حدَّثنا محمَّد، حدَّثنا سريج بن النعمان) ... إلى أن قال: وقال أيضًا في (المغازي) في (باب حجَّة الوداع) _يعني: هذا المكان_: (حدَّثنا محمَّد، حدَّثنا سريج)، فذكر هذا، ثُمَّ قال: لم يقل أبو نصرٍ في (محمَّد) هذا شيئًا، وقال أبو عبد الله الحاكم: هو محمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، وقد قال البُخاريُّ في (كتاب الصلح) في (باب عمرة القضاء): (حدَّثنا محمَّد بن رافع، حدَّثنا سريج بن النعمان، حدَّثنا فُلَيح ... )، فذكره، ثُمَّ قال: والأشبه عندي أن يُحمل ما أهمل البُخاريُّ من نسبة (محمَّد) في الحديثين المتَقَدِّمَين على ما بيَّن في هذا الموضع الثالث، فنقول: إنَّ محمَّدًا هذا هو محمَّد بن رافع النيسابوريُّ، لا سيَّما والأحاديث الثلاثة من نسخة واحدة من رواية سريج عن فُلَيح عن نافع عن ابن عمر، وهي كلُّها في معنى الحجِّ، ونسب ابن السكن الذي في (الحجِّ): محمَّد بن سلَام، والله أعلم، وقد قدَّمتُ ذلك في (الحجِّ)، وزدت هناك في (محمَّد) المذكور في (الحجِّ) قولين من كلام شيخنا؛ فانظره.
و (سريج) هذا: هو بالسين المهملة، وبالجيم، قال الدِّمْياطيُّ: روى عنه البُخاريُّ، وروى عن واحد عنه، مات سنة (217 هـ)، روى له الجماعة إلَّا مسلمًا، انتهى، وله ترجمة في «الميزان»، وتَقَدَّم أنَّ أحمد بن أبي سريج، وسريج بن النعمان هذا، وسريج بن يونس؛ الثلاثة بالسين المهملة والجيم، فأحمد روى عنه البُخاريُّ، وكذا ابن النعمان، وأمَّا ابن يونس؛ فهو في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، والله أعلم، و (فُلَيْحٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الفاء، وفتح اللام.
قوله: (وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ): تَقَدَّم الكلام على أردافه عَلَيهِ السَّلام في أوائل هذا التعليق، وأنَّهم بضع وثلاثون نفرًا، وأنَّه أفردهم ابن منده بالتأليف، وذكرتُ أنا من وقفتُ عليه منهم، و (مردفٌ): منوَّن، و (أسامةَ): منصوب مفعول اسم الفاعل؛ وهو (مُردِف)، و (أسامة): هو ابن زيد بن حارثة، تَقَدَّموا، و (القَصواء): تَقَدَّم أنَّها بفتح القاف، وبالمدِّ، وتَقَدَّم [الكلام] على القصواء، والجدعاء، والعضباء؛ هل هنَّ ثلاث، أو اثنتان، أو واحدة؟ والله أعلم.
قوله: (وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ): تَقَدَّم الكلام عليه رضي الله عنه.
قوله: (فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ): (فَتح)؛ بفتح الفاء: مبنيٌّ للفاعل، والفاعل (هو)، راجع على عثمان، و (البابَ): منصوبٌ مفعول، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (سَطْرَيْنِ): هو في أصلنا بإهمال السين بالقلم، وفي نسخة في الهامش: بإعجام الشين، قال الدِّمْياطيُّ: (سطرين)؛ بالسين المهملة: للجماعة، وعند الأصيليِّ: (شطرين)؛ بالمعجمة، وهو تصحيفٌ، قاله عياض، انتهى، وكذا قال ابن قُرقُول أيضًا.

(1/7879)


قوله: (مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ): هو بالمهملة أيضًا في أصلنا، وينبغي أن يجيء فيه ما جاء في (سطرين)، والله أعلم.
قوله: (وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى): تَقَدَّم أنَّه سأله، وأجابه بركعتين، وتَقَدَّم عزوُهُ.
قوله: (مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ): (المرمرة): الرخامة، و (حمراء)؛ بالمدِّ، وهذا ظاهرٌ.

(1/7880)


[حديث عائشة: أحابستنا هي؟]
4401# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم، وتَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه ابن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل.
قوله: (أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حيَيٍّ): تَقَدَّم ترجمة صفية بنت حُييِّ بن أخطب النَّضَريَّة، وأنَّ أباها بضمِّ الحاء وكسرها، رضي الله عنها.
قوله: (إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ): أي: طافت طواف الإفاضة، وقد تَقَدَّم، وهو ظاهرٌ.

(1/7881)


[حديث: ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته]
4402# 4403# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب المصريُّ، أحد الأعلام، و (عُمَرُ بْنُ محمَّدٍ): هو بضمِّ العين، وهو عمر بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب، العمريُّ المدنيُّ، نزيل عسقلان، تَقَدَّم.
قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ): تَقَدَّم الكلام عليه، ومن أراد الإمعان فيه؛ فلينظر «التذكرة» للقُرْطبيِّ.
قوله: (فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ): (أطنب)؛ أي: أطال الكلام فيه وبالغ، مأخوذ من أطناب الخِباء.
قوله: (أَنْذَرَهُ نُوحٌ): تَقَدَّم لِمَ خصَّص نوحًا بالذكر دون غيره من الأنبياء.
قوله: (طَافِئَةٌ): قال ابن قُرقُول: تهمز، ولا تهمز، وقال: (طافية)؛ أي: بارزة؛ كحبَّة العِنَب الطافية على الماء، وقيل: نابتة من بين صواحبها في العُنقود، قال: ورُوِّيناه عن بعضهم بالهمز، وأنكره أكثرهم، ولا وجه لإنكاره؛ إذ قد رُوِيَ: أنَّه ممسوح العين، ومطموس العين، وليست بحجراء ولا ناتئة [1]، وهذه صفة حبَّة العِنَب إذا سال ماؤها، فشجَّنت وطفيت، وقد جاء: أنَّه جاحظ العينين؛ كأنَّهما كوكب، وهذه حُجَّة للرواية الأخرى، وقد يُجمَع بينهما: بأن يكونا مختلفَي الصفة، كما قد جاء: أنَّه أعور عين اليمنى، وفي بعضها: اليسرى، انتهى، وقوله: (وفي بعضها: اليسرى): هي روايةٌ في «مسلم»، وكلاهما مَعيب، والعور: العيب في العين.
قوله: (وَيْلَكُمْ، أَوْ وَيْحَكُمْ): تَقَدَّم الكلام [على] (ويل) و (ويح)، وهذا شكٌّ من الراوي، وكذا (يَضْرِبُ): أنَّه بالرفع، وأنَّه الرواية، وتَقَدَّم ما جُوِّز فيه، في أوائل هذا التعليق.
==========
[1] في «المطالع» (&): (نابتة)، وهو تصحيف.
[ج 2 ص 241]

(1/7882)


[حديث: أن النبي غزا تسع عشرة غزوةً]
4404# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا هو زُهير بن معاوية، أبو خيثمة، تَقَدَّم مِرارًا، و (أَبُو إِسْحَاقَ): عَمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، تَقَدَّم أيضًا مرارًا.
قوله: (غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً): تَقَدَّم الكلام على عدد غزواته وسراياه في أوَّل (المغازي)، وتَقَدَّم الكلام على هذا الحديث هناك.
قوله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى): تَقَدَّم أنَّ هذا هو أبو إسحاقَ السَّبِيعيُّ عَمرو بن عبد الله المذكور في سند هذا الحديث، وقد قدَّمتُ ذلك _أعني: الكلام على حججه_ مطوَّلًا في أوَّل هذه؛ وهي حجَّة الوداع؛ فانظره.
==========
[ج 2 ص 241]

(1/7883)


[حديث جرير: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض]
4405# قوله: (عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ): هو اسم فاعل من أدرك، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و (أَبُو زُرْعَةَ) بعده: هو أبو زرعة بن عمرو بن جَرِير، تَقَدَّم أنَّه اسمه هَرِم، وقيل غير ذلك؛ كعبد الله، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: جَرِير، وقيل: عَمرو، والأوَّل أصحُّ، وقدَّمتُ ترجمته، ووقع في أصلنا: (عن أبي زرعة عن عَمرو بن جَرِير)، وهو تصحيف، وصوابه: (أبو زرعة بن عمرو بن جَرِير)، والله أعلم.
قوله: (يَضْرِبُ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه بالرفع، وأنَّه الرواية، وقد جوَّز فيه بعضُهم الجزمَ على تقدير شرط، وقد تَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق مطوَّلًا.
==========
[ج 2 ص 241]

(1/7884)


[حديث أبي بكرة: الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات ... ]
4406# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): هذا هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفيُّ الحافظ، تَقَدَّم مِرارًا، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (مُحَمَّدٌ): هو ابن سيرين، و (ابْنُ أَبِي بَكْرَةَ): هو عبد الرَّحمن بن أبي بكرة نفيعِ بن الحارث.
قوله: (ثَلَاثٌ [1] مُتَوَالِيَاتٌ): كذا في أصلنا، وفي نسخة في هامش أصلنا: (ثلاثة)، وهذه جارية على القاعدة، وما في الأصل مؤوَّل بالمُدَد، فكأنَّه عبَّر عن الشهر بالمدَّة، والله أعلم.
قوله: (ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ): تَقَدَّم أنَّ فيهما الكسرَ والفتحَ، وتَقَدَّم الكلام على (رَجَبُ مُضَرَ): قال ابن قُرقُول: نُسِب إليهم؛ لتعظيمهم له، وكانوا لا يُغِيرون فيه، ولا يستحلُّون حرمته، خلافًا لربيعة، فإنَّها كانت تستحلُّه، وفي «النِّهاية»: أضاف (رجب) إلى (مضر)؛ لأنَّهم كانوا يعظِّمونه، خلاف غيرهم، فكأنَّهم اختصُّوا به.
وقوله: (بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ): تأكيد للبيان وإيضاح؛ لأنَّهم كانوا ينسؤونه ويسمُّونه على حساب النسيء، انتهى، وفي هامش أصلنا بخطِّ بعض فضلاء الحنفيَّة: إنَّما قال ذلك؛ لأنَّ ربيعة كانت تحرِّم رمضان، وتسمِّيه رجبًا، فبيَّن عَلَيهِ السَّلام أنَّه رجب مضر، لا رجب ربيعة، وأنَّه الذي بين جمادى وشعبان، انتهى.
قوله: (قَالَ محمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ): (محمَّد) هذا: هو ابن سيرين الراوي لهذا الحديث.
قوله: (يَضْرِبُ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّ الرواية بالرفع، ومن جوَّز فيه الجزم على تقدير شرط، في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (يُبَلَّغُهُ): هو بضمِّ الياء، وفتح الموحَّدة، ثُمَّ لام مشدَّدة مفتوحة، كذا هو مضبوط في أصلنا، وهو مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (فَكَانَ محمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ): (محمَّد) هذا: هو ابن سيرين المذكور في سند الحديث، وقد تَقَدَّم أعلاه.
==========
[1] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (ثلاثة)، وهي نسخة في هامش (ق).
[ج 2 ص 241]

(1/7885)


[حديث: أن أناسًا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا]
4407# قوله: (حَدَّثَنَا محمَّد بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ): تَقَدَّم في أوائل هذا التعليق أنَّ هذا هو الفريابيُّ، وقد ذكرت أنَّهما اثنان: محمَّد بن يوسف هذا، والآخر: البيكنديُّ البُخاريُّ، وذكرت الأماكن التي حدَّث فيها البُخاريُّ عن البيكنديِّ، والله أعلم.
قوله: (أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْيَهُودِ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: تَقَدَّم أنَّ هذا كلام كعب الأحبار، كما أخرجناه من «الطبرانيِّ الأوسط» في (كتاب الإيمان) انتهى، وكذا قال غيره من حُفَّاظ مِصْرَ، وقد قدَّمتُ أنا ما في ذلك، والله أعلم.
قوله: (أَيَّ مَكَانٍ): (أيَّ): منصوب، ونصبه معروف.

(1/7886)


[حديث: خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة]
4408# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس عبد الله، وأنَّه ابن أخت مالك الإمام.
==========
[ج 2 ص 241]

(1/7887)


[حديث: والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً]
4409# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، و (ابْنُ شِهَابٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم، و (عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ): هو عامر بن سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة، والده سعد بن مالك رضي الله عنهم.
[ج 2 ص 241]
قوله: (وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ): تَقَدَّم أنَّ هذه اسمها عائشة، وأنَّها تابعيَّة، لها رؤية، وتَقَدَّم كلام بعض حُفَّاظ مِصْرَ من أنَّه وَهم، وإنَّما هي أمُّ الحكم الكبرى، وتَقَدَّم أنَّ سعدًا رُزِق بعد ذلك عدَّة أولاد ذكرتهم في (كتاب البيع)؛ فانظرهم.
قوله: (أَنْ تَذَرَ): تَقَدَّم الكلام على (أنْ) فيما تَقَدَّم، وكذا الثانية، وعلى (عَالَةً)، وأنَّه بتخفيف اللام، و (العالَة): الفقراء، وعلى (يَتَكَفَّفُونَ)، وأنَّ معناه: يأخذون الصدقات في أكفِّهم، وعلى قوله: (حَتَّى اللُّقْمَة)، وأنَّه يجوز فيها النصب والجر والرفع، وتَقَدَّم الكلام على قوله: (وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ)، وأنَّه كان ما يرضاه النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، حتَّى تُوُفِّيَ سنة خمس وخمسين من الهجرة، فتخلَّف بعد الواقعة خمسًا وأربعين سَنةً، وعلى قوله: (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)، وعلى (أَمْضِ)، وأنَّه بقطع الهمزة، رباعيٌّ، وعلى قوله: (لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ)، وأنَّ قائله هو الزُّهريُّ، وقيل: غيره ممَّن ذكرتُه، وأنَّ (سعد بن خولة) هو من بني عامر بن لؤيٍّ، وقيل: حليف لهم، وقيل: مولى أبي رُهم العامريِّ، من السابقين، بدريٌّ، تُوُفِّيَ عن سُبيعة الأسلميَّة سنة عشر بمَكَّة، قال الدِّمْياطيُّ في «حواشيه» في غير هذا المكان: سعد بن خولة: من أهل اليمن، حليف بني عامر بن لؤيٍّ، كنيته أبو سعيد، هاجر إلى الحبشة، ثُمَّ إلى المدينة وهو ابن خمس وعشرين سَنةً، وشهد أحُدًا، والخندق، والحُدَيْبيَة، وخرج إلى مَكَّة فمات بها قبل الفتح، ولمَّا كان يوم الفتح؛ مرض سعد بن أبي وقاص، فأتاه رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم يعوده لمَّا قدم من الجعرانة معتمرًا، فقال رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: («اللهمَّ أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردَّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة»، يرثي له رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أن مات بمَكَّة)، قاله ابن سعد، انتهى، وقد قدَّمتُ هذا الكلام وتعقيبه بأنَّ قصَّة سعد كانت في حجَّة الوداع، كما في «الصحيح»، والله أعلم.

(1/7888)


[حديث: أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع]
4410# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ): تَقَدَّم أنَّه أنس بن عياض.
قوله: (حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ): الذي حلق رأسه الشريف في حجة الوداع هو مَعْمَرُ بن عبد الله، كذا في «مسند أحمد» من حديثه، وهو مَعْمَر _بفتح الميمين، وإسكان العين_ ابن عبد الله بن نافع بن نضلة القرشيُّ العدويُّ، وأمَّا الحالق في الحُدَيْبيَة؛ فهو خراش بن أُمَيَّة الخزاعيُّ، وقد تَقَدَّم ذلك، قال ابن شيخنا البلقينيِّ عن «الأُسْد»: مَعْمَر هو الذي حلق رأس رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، اختُلِف في اسمه؛ فقيل: خراش بن أُمَيَّة، وقيل: الحالق مَعْمَر بن عبد الله العدويُّ، وهذا أصحُّ وأشهر، قال: وفي «صحيح البُخاريِّ»: قال: زعموا أنَّه مَعْمَر بن عبد الله، انتهى، قال: وهذا الخلاف متعقَّب، فإنَّ كلًّا منهما حلق بالحُدَيْبيَة، ومَعْمَرٌ حلق في حجَّة الوداع، وقد قدَّمتُ اسم الذي حلقه في الجعرانة، ولم أستحضر اسم الذي حلقه في القضيَّة، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 242]

(1/7889)


[حديث: أن النبي حلق في حجة الوداع وأناس من أصحابه ... ]
4411# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج الإمام، أحد الأعلام.
قوله: (حَلَقَ رَأْسَهُ [1] فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ): المقصِّر في حجة الوداع لا أعرفهم، وأمَّا في الحُدَيْبيَة؛ فقد ذكرتُ بعضَهم فيها.
==========
[1] (رأسه): ليس «اليونينيَّة»، وهي مضروبٌ عليها في (ق).
[ج 2 ص 242]

(1/7890)


[حديث ابن عباس: أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله ... ]
4412# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هذا هو الزُّهريُّ، تَقَدَّم مِرارًا، محمَّد بن مسلم.
اعلم أنَّ المِزِّيَّ لم يذكر في «أطرافه» طريق يحيى بن قَزَعة، وإنَّما قال: وفي (المغازي): وقال الليث، واستدركه عليه شيخنا الحافظ البلقينيُّ سراج الدين، وهو استدراكٌ صحيح، والله أعلم.
قوله: (ح [1]): تَقَدَّم الكلام عليها كتابةً ونطقًا في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ): أمَّا (الليث)؛ فهو ابن سعد الإمام، وأمَّا (يونس)؛ فهو ابن يزيد الأيليُّ، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود، تَقَدَّم.
==========
[1] (ح): ليس «اليونينيَّة».
[ج 2 ص 242]

(1/7891)


[حديث: سئل أسامة وأنا شاهد عن سير النبي في حجته ... ]
4413# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان، شيخ الحفَّاظ، مرارًا، و (هِشَامٌ): هو ابن عروة بن الزُّبَير بن خويلد.
قوله: (الْعَنَقَ): تَقَدَّم أنَّه بفتح العين المهملة والنون، وبالقاف، وأنَّه سيرٌ سهلٌ ليس بالشديد، وكذا تَقَدَّم الكلام على (الفَجْوَة)، وعلى (النَّصِّ)؛ وهو منتهى الغاية في السير.
==========
[ج 2 ص 242]

(1/7892)


[حديث أبي أيوب: أنه صلى مع رسول الله في حجة الوداع .. ]
4414# قوله: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ): هذا هو الأنصاريُّ، قاضي السفَّاح، و (أَبُو أَيُّوبَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه خالد بن زيد، [أبو] أيوب الأنصاريُّ، رضي الله عنه.
==========
[ج 2 ص 242]

(1/7893)


[باب غزوة تبوك]
(بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ) ... إلى (بابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ)
قال الحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلف الدِّمْياطيُّ شيخ شيوخنا: كانت في رجب سنة تسع، قدمها في ثلاثين ألفًا من الناس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين يومًا يصلِّي ركعتين، انتهى.
فقول الدِّمْياطيِّ: (إنَّه خرج إلى تبوك في رجب)، وكذا قال غيره، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدين في «الهدي» في (غزوة تبوك) فيما تضمَّنته من الفقه: ومنها: جواز القتال في الشهر الحرام إن كان خروجه في رجب محفوظًا على ما قاله ابن إسحاق، ولكن ههنا أمرٌ آخر؛ وهو أنَّ أهل الكتاب لم يكونوا يحرِّمون الشهر الحرام، بخلاف العرب، فإنَّها كانت تُحرِّم، وقد تَقَدَّم أنَّ في نسخ تحريم القتال فيه قولين، وذكرنا حجج الفريقين، انتهى.
وقول الدِّمْياطيِّ: (إنَّه قدَّمها في ثلاثين ألفًا)، في الربع الأخير من «مسلم» في نحو نصفه في حديث كعب بن مالك ما لفظه: وغزا رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان حافظ، انتهى، وإن كان هذا لا ينافي الأقوال في عدد أهل تبوك إلَّا أنَّ مثلَ هذه العبارة لا تقال في ثلاثين ألفًا، ولا فيما زاد، والأقوال التي وقفت عليها في عددهم: ثلاثون ألفًا، يزيدون على عشرة آلاف، كما في «مسلم»، وعن «الإكليل» للحاكم: (أكثر من ثلاثين ألفًا)، وفي «علوم الحديث» لابن الصلاح عن أبي زرعة: (سبعون ألفًا)، وقال بعضهم في رواية عنه: (أربعون ألفًا)، وذكر بعض العلماء عن ابن إسحاق: (ثلاثين ألفًا)، وعن أبي زرعة: (سبعين ألفًا)، ثُمَّ قال: وجُمِع بينهما بأنَّ أبا زرعة عدَّ التابع والمتبوع، وابنَ إسحاق عدَّ المتبوع فقط، والله أعلم، انتهى، ولعلَّ من قال: عشرة آلاف؛ عدَّد الرؤساء، والله أعلم.
قوله: (بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ): هي بفتح التاء المثنَّاة فوق، وضمِّ الموحَّدة، وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرَّفة
[ج 2 ص 242]
نحو أربع عشرة مرحلة، واليوم يأخذها الحاجُّ في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، والمشهور عدم صرفها؛ للعلميَّة والتأنيث، ومُحِيَ آخرُ هذا الباب من هذا «الصحيح»: (حتَّى بلغ تبوكًا)، هكذا في النسخ، وهو في هذا الأصل الذي لنا: (تبوك) على عدم الصرف، وفي غالب نسخ «مسلم» مصروف؛ تغليبًا للموضع، والله أعلم.
قوله: (وَهْيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ): هي بضمِّ العين وإسكان السين المهملتين، سُمِّيَت غزوة العُسْرة؛ لمشقَّة السفر فيها وعُسره على الناس؛ لأنَّها كانت في زمن الحرِّ، ووقت طيب الثِّمار، ومفارقة الظلال، وكانت في مفاوز صعبة، وشُقَّة بعيدة، وعدوٍّ كثير، وأمَّا غزوة العشيرة؛ فقد تَقَدَّم الكلام عليها في أوَّل (كتاب المغازي) فيما مضى، والله أعلم.

(1/7894)


[حديث: والله لا أحملكم على شيء]
4415# قوله: (حَدَّثَنِي محمَّد بْنُ الْعَلاَءِ): هو أبو كُرَيب الحافظ، تَقَدَّم، و (أَبُو أُسَامَةَ) بعده: حمَّاد بن أسامة، و (بُرَيْدٌ) بعده: بضمِّ الموحَّدة، وفتح الراء، تَقَدَّم، و (أَبُو بُرْدَةَ): تَقَدَّم [أنَّه] الحارث أو عامر القاضي، ولد أَبِي مُوسَى عبدِ الله بن قيس الأشعريِّ.
قوله: (أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي): هؤلاء أصحابه لا أعرفهم، إلَّا أنَّهم أشعريُّون، كما في بعض الطرق.
قوله: (وَلاَ أَشْعُرُ): أي: أعلم، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وَجَدَ [1] عَلَيَّ): أي: غضب عليَّ.
قوله: (هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ): قال شيخنا: قال ابن التين: صوابه: (هاتين)؛ لأنَّ القرينتين تؤنَّثان، انتهى، وما صوَّبه هو نسخة في هامش أصلنا، قال ابن قُرقُول: وفي رواية أخرى: (هذين القرينتين)؛ يعني: الناقتين أو الراحلتين، انتهى، أراد: النظيرين المتساويين في السنِّ.
قوله: (ابْتَاعَهُنَّ [2] مِنْ سَعْدٍ): هذا لا أعرف ابن من هو، وفي الصَّحابة جماعةُ سعودٍ، والله أعلم.
قوله: (ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ): هو منصوبٌ، معطوف على المفعول.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (في نفسه).
[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (حينئذٍ).
[ج 2 ص 243]

(1/7895)


[حديث: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى]
4416# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعيد القطَّان الحافظ، و (الْحَكَمِ) بعد (شُعْبَةَ): هو ابن عتيبة، القاضي المشهور، تَقَدَّم.
قوله: (أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟): تَقَدَّم الكلام على ذلك في (مناقب عليٍّ)، وأنَّه ممَّا تمسَّك به الإمامِيَّة، وردُّه.
قوله: (وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ مُصْعَبًا): أمَّا (أبو داود)؛ فهو سليمان بن داود بن الجارود الطيالسيُّ الحافظ، تَقَدَّم أنَّ البُخاريَّ علَّق له، وأخرج له مسلم والأربعة، وتَقَدَّم بعض ترجمته، وهذا تعليق مجزوم به، فهو صحيح إلى المعلَّق عنه، وهو أبو داود الطيالسيُّ، وإنَّما أتى بهذا التعليق؛ لأنَّ يحيى _هو ابن سعيد القطَّان_ عنعن في الحديث عن شعبة، وإن حوشي القطَّان عن التدليس، إلَّا ليخرج من خلاف في المسألة تَقَدَّم.
وشعبة في السند الأوَّل عنعن عن الحكم؛ وهو ابن عتيبة، وشعبة من أبعد الناس عن التدليس، وقد قدَّمتُ عنه أنَّه قال: لَأن أزنيَ أحبُّ إليَّ من أن أدلِّس، وأنَّ هذا محمول على المبالغة في التنفير عن التدليس، وقال أيضًا: إنَّه أخو الكذب، فلا فرق بين أن يقول: (عن) أو (حدَّثنا) ونحوها.
والحَكَمُ في الأوَّل عنعن عن مُصعب، وفي هذا التعليق صرَّح بالسماع من مُصعب، والحَكَم وصفه بالتدليس غيرُ واحد، فأتى به للتصريح فيه بالسماع من مُصعب، والله أعلم، قال شيخنا الشارح في تعليق أبي داود: أسنده البَيهَقيُّ في «دلائله» من حديث يونس بن حَبِيب: حدَّثنا أبو داود الطيالسيُّ، حدَّثنا شعبة ... ، فذكره، انتهى، والله أعلم.

(1/7896)


[حديث: أفيدع يده في فيك تقضمها كأنها في في فحل يقضمها]
4417# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّم أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، و (عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَباح، و (يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه يعلى بن أُمَيَّة بن أبي عبيدة التميميُّ المَكِّيُّ، حليف قريش، وأنَّه يعلى ابن مُنية، وهي أمُّه، ويقال: جدَّته، من مسلمة الفتح، شهد حنينًا والطائف وتبوك، عن يعلى قال: دخلت على عنبسة وهو في الموت، قال الليث وخليفة: حجَّ عنبسة بالناس سنة (47 هـ)، وهذا يردُّ على أبي حسَّان الزياديِّ؛ لأنَّه ذكر يعلى فيمن قُتِل بصِفِّين، رضي الله عنه.
قوله: (كَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ): هذا هو الصحيح المعروف: أنَّه أجير يعلى لا يعلى، ووقع في «مسلم» في رواية: (قاتل يعلى بن أُمَيَّة أو ابن منية رجلًا، فعضَّ أحدهما صاحبه)، وفي رواية: أنَّ المعضوض أجير يعلى لا يعلى، ويحتمل أنَّهما قصَّتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين، وأجيرُ يعلى لا أعرف اسمه، ولا اسم العاضِّ، وقد تَقَدَّم ذلك، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر هنا: تَقَدَّم أنَّ الأجير لم يُسَمَّ، وأنَّ يعلى هو الذي عضَّ يد أجيره، انتهى.
قوله: (فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ): أي: أبطلها دون قصاص ولا دية، يقال: هدر الدمُ يهدِر هدْرًا، وأهدره السلطان.
قوله: (قَالَ عَطَاءٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن أبي رَباح.
قوله: (تَقْضَمُهَا): هو بفتح الضاد في الموضعين على المشهور الأكثر، وقد تَقَدَّم مطوَّلًا.

(1/7897)


[حديث كعب بن مالك]
قوله: (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ): قال شيخنا: سلف بعضه في (الجهاد)، قال: وأشرنا إلى أنَّ البُخاريَّ خرَّجه في عشرة مواضع من «صحيحه» مطوَّلًا ومختصرًا، انتهى، وقد طرَّفه الحافظ المِزِّيُّ في «أطرافه»، فأغنى عن ذكره هنا، والله أعلم.
و (كعب بن مالك): هو ابن أبي كعب عمرِو بن القين، الخزرجيُّ السَّلَميُّ، عقَبيٌّ، فاتته بدر، كان يهجو المشركين ويتهدَّدهم بالحرب، روى عنه بنوه: عبد الله، وعبد الرَّحمن، ومحمَّد، ومعبد، وعبيد الله، وآخرون، ذكر ابن الكلبيِّ أنَّه شهد بدرًا، فوهم، قال الواقديُّ: تُوُفِّيَ سنة (50 هـ)، ويقال: سنة (51 هـ)، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، رضي الله عنه.
==========
[ج 2 ص 243]

(1/7898)


[حديث: لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها ... ]
4418# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، و (اللَّيْثُ): هو ابن سعد، و (عُقَيْلٌ)؛ بضمِّ العين: ابن خالد، و (الزُّهْرِيُّ [1]): محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
[ج 2 ص 243]
قوله: (مِنْ بَنِيهِ): جمع: ابنٍ، كذا لهم، وهو المعروف، ولابن السكن: (من بيته)، وكذا للقابسيِّ في (المغازي)، وهو وَهم في الرواية، وله وجه على حذف مضاف؛ أي: من أهل بيته، قاله ابن قُرقُول.
قوله: (غَيْرَ أَنِّي [2] تَخَلَّفْتُ عَنْ [3] غَزْوَةِ بَدْرٍ): في هذا ردٌّ على ابن الكلبيِّ حيث قال: إنَّه شهد بدرًا، وقد تَقَدَّم قريبًا.
قوله: (وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا): قال الدِّمْياطيُّ: تَقَدَّم في (غزاة بدر) بهذا السند بعينه في هذا الحديث: (وَلَمْ يُعَاتِبِ اللهُ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا) [خ¦3951]، انتهى، هذا الذي قاله صحيح، وقد تَقَدَّم في أصلنا هناك: (ولم يعاتَبْ أحدٌ): (يُعاتَب): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (أحدٌ): مرفوع منوَّن نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وفي بعض النسخ _وهي في هامش أصلنا_ كما قال الدِّمْياطيُّ: (ولم يعاتِب اللهُ أحدًا)، ولا شكَّ أنَّ قوله: (ولم يعاتب رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أحدًا) هو مثلُ قوله: (ولم يعاتب الله أحدًا)؛ لأنَّ من عاتبه رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؛ فقد عاتبه الله تعالى، فلمَّا كانا متلازمين؛ قال الراوي مرَّة هذا، ومرة هذا، والله أعلم.
قوله: (يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ): تَقَدَّم ما (العير)، وتَقَدَّم كم كانت هذه العير، وبكم بيعتْ، وكم ذبحوا فيها، وتَقَدَّم تسمية بعض من كان بها، والله أعلم.
قوله: (لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ)؛ يعني: العقبة الثالثة، وإن شئت؛ قلت: الثانية، وقد تَقَدَّم عددُ كم كانوا من رجل، وكم النسوة، وهما امرأتان: نَسِيبة بنت كعب أمُّ عُمَارة، وأسماء بنت عمرو بن عديٍّ، كنيتها: أمُّ مَنيع.
قوله: (إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ [4]): وقال ابن إسحاق في (تبوك): (وكان رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قلَّما يخرج في غزوة إلَّا كنَّى عنها وورَّى بغيرها، إلَّا ما كان من غزوة تبوك)، وقال في (غزوة الفتح): (ثُمَّ إنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أعلم الناس أنَّه سائر إلى مَكَّة)، فإن صحَّ ما قاله ابن إسحاق؛ فتأويل ما في «الصحيح» ممكنٌ؛ لأنَّ في بعض طرق «الصحيح»: (قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً [يَغْزُوهَا] إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ) [خ¦2948]، وإلَّا؛ فالقول قول «الصحيح»، والله أعلم.

(1/7899)


قوله: (فَجَلَى [5] لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ): هو بتخفيف اللام؛ أي: كشف، كذا قيَّده النوويُّ في «شرح مسلم»، وكذا شيخنا في هذا الشرح، وفي الأصل الذي سمعت فيه على العراقيِّ: بتشديد اللام بالقلم، قال شيخنا لمَّا نقل التشديد عن نسخة الدِّمْياطيِّ: خطأ، انتهى، وفي ذلك نظرٌ؛ لأنَّ الله تعالى قال: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]، والذي ينبغي أن يكون مشدَّدًا في الحديث أيضًا، ويجوز فيه التخفيف، والتشديد أفصح، والله أعلم.
قوله: (لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ): كذا في أصلنا، وعليها (صح)، وفي نسخة: (عدوِّهم)، قال ابن قُرقُول: («عدوِّهم»: كذا لابن ماهان، وسائر الرواة: «غزوهم»؛ بالزاي)، انتهى.
قوله: (وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ): تَقَدَّم الاختلاف في عددهم في أوَّل هذه الغزوة؛ فانظره.
قوله: (كِتَابٌ حَافِظٌ): (كتابٌ): مرفوع منوَّن، و (حافظٌ): صفة له، ويجوز في (كتاب) الرفع من غير تنوين، وجرُّ (حافظ) على الإضافة.
قوله: (يُرِيدُ الدِّيوَانَ): هو بكسر الدال على المشهور، وحُكِيَ فتحها، وهو فارسيٌّ معرَّب، وقيل: عربيٌّ، قال الجوهريُّ: أصله: دَوَّان، فعُوِّض من إحدى الواوين ياء؛ لأنَّه يُجمَع على دواوين، ولو كانت الواو أصليَّة؛ لقالوا: دياوين، وذكر الماورديُّ في تَسمِّيه وجهين؛ أحدهما: أنَّ كسرى اطَّلع يومًا على كُتَّاب ديوانه، فرآهم يحسُبون مع أنفسهم، فقال: دوانه؛ أي: مجانينُ، ثُمَّ حُذِفَت الياء؛ لكثرة الاستعمال، تخفيفًا، والثاني: أنَّ الديوان بالفارسيَّة اسمٌ للشيطان، فسُمِّيَ الكُتَّاب باسمهم؛ لحِذْقِهم بالأمور، انتهى.
وهو الكتاب الذي يُكتَب فيه أهل الجيش وأهل العطيَّة، وأوَّل من دوَّن الدواوين في الإسلام عمرُ بن الخَطَّاب رضي الله عنه، وقد ذكر الماورديُّ في «أحكامه» في الديوان وشروطه وأحكامه وما يتعلَّق به أكثرَ من كرَّاسة مشتملة على نفائسَ؛ فانظر ذلك إن شئت من «الأحكام السلطانيَّة» له، والله أعلم.
قوله: (فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ [6] إِلاَّ ظَنَّ أنَّه سَيَخْفَى): كذا الصواب، ووقع في «مسلم»: (فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيَّب [7] يظنُّ أنَّ ذلك سيخفى): كذا في جميع النسخ.
قوله: (فَطَفقْتُ): تَقَدَّم أنَّ (طفِق) بكسر الفاء وفتحها؛ لغتان، وأنَّ معناه: جعل.
قوله: (الْجِدُّ): هو بكسر الجيم [8]، ضدُّ الهزل، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جهَازِي شَيْئًا): (الجهاز)؛ بفتح الجيم وكسرها.
قوله: (وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ): أي: تَقَدَّم الغُزاة، وسبقوا، وفاتوا.
قوله: (فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي): (يُقدَّر): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، مشدَّد الدال.
قوله: (مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ): أي: متَّهمًا به، وهو بالغين المعجمة، وبالصاد المهملة، وهذا ظاهرٌ.

(1/7900)


قوله: (حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ): كذا في أصلنا، وقد تَقَدَّم في أوَّل الغزوة أنَّ المعروف في النسخ: (تبوكًا) مصروفة، وأنَّه كذا في أكثر نسخ «مسلم»، على إرادة الموضع.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ): هذا الرجل لا أعرفه، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّه عبد الله بن أنيس، قاله الواقديُّ في «سيره»، انتهى، و (بنو سلِمة)؛ بكسر اللام: قبيلٌ من الأنصار، من الخزرج، تَقَدَّم.
[ج 2 ص 244]
قوله: (فِي عِطْفَيهِ [9]): (عطفاه): جانباه.
قوله: (قَافِلًا): (القُفول): الرُّجوعُ، وقد تَقَدَّم، وكذا (فَطَفقْتُ [10]): أي: جعلت، وذكرت فيها كسر الفاء وفتحها قريبًا وبعيدًا، و (أَظَلَّ): تَقَدَّم أنَّه دنا وقَرُبَ، و (زَاحَ [11]): ذهب، وهذا ظاهرٌ، و (بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ): هو بالهمز، وهذا معروفٌ.
قوله: (جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ): هو بتشديد اللام مفتوحة، اسم مفعول.
قوله: (وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا): تَقَدَّم أنَّ (البضع) في العدد بكسر الباء وفتحها، وكم هو، في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (الْمُغْضَبِ): هو بفتح الضاد، اسم مفعول، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (خَلَّفَكَ): هو بتشديد اللام.
قوله: (لَقَدْ [12] ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ): أي: ما يُركَبُ.
قوله: (أَنْ سَأَخْرُجُ): هو [13] بالرفع، وهي مخفَّفة من الثقيلة، وهي بفتح الهمزة.
قوله: (جَدَلًا): هو بفتح الجيم والدال المهملة؛ وهو القوَّة في الفصاحة.
قوله: (قَطُّ): تَقَدَّمتُ اللغات فيها ومعناها.
قوله: (أَمَّا هَذَا): هو بفتح الهمزة، وتشديد الميم.
قوله: (وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ): هؤلاء الرجال لا أعرفهم، و (سَلِمة): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بكسر اللام، قبيل من الأنصار، من الخزرج.
قوله: (لَقَدْ عَجَزْتَ): هو بفتح الجيم على اللغة الفصحى، وفيه الكسر، والمضارع على الأولى بالكسر، وعلى الثانية بالفتح.
قوله: ([قَدْ كَانَ] كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (استغفارُ): مرفوع غير منوَّن، وهو اسم (كان)، و (كافيَك): منصوبٌ خبرها، و (ذنبَك): منصوب، مفعول اسم الفاعل؛ وهو (كافي)، وقال شيخنا: أي: كافيك من ذنبك، فأسقط حرف الجرِّ، انتهى، يعني: أنَّه منصوب بنزع الخافض.
قوله: (يُؤَنِّبُونِي): أنَّبه تأنيبًا: لامه، وبكَّته أيضًا، وسأله فنجهَهُ، والمراد الأوَّل.
قوله: (فَأُكَذِّبَ نَفْسِي): (أكذِّبَ): منصوب، ونصبُه ظاهر.
قوله: (مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ): (مُرَارة)؛ بضمِّ الميم، وتخفيف الراء، و (الرَّبِيع)؛ بفتح الراء، وكسر الموحَّدة، و (العَمْريُّ)؛ بفتح العين المهملة، وإسكان الميم: نسبة إلى بني عمرو بن عوف، وقد تَقَدَّم.
قوله: (وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ): هو نسبة إلى بني واقِف؛ بالقاف المكسورة، وبالفاء، قال الدِّمْياطيُّ: (واسمه _أي: اسم واقِف_: سالم) انتهى، وقد تَقَدَّم.

(1/7901)


قوله: (قَدْ شَهِدَا بَدْرًا): قال ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدين: هذا وَهم من الزُّهريِّ، فإنَّه لا يُحفَظ عن أحد من أهل المغازي والسير ذكرُ هذين الرجلين في أهل بدر، لا ابنِ إسحاق، ولا موسى بن عقبة، ولا الأمويِّ، ولا الواقديِّ، ولا أحدٍ ممَّن عَدَّ أهل بدرٍ، ولكن ينبغي ألَّا يكونا من أهل بدر، فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم لم يهجر حاطبًا ولا عاقبه، وقد جسَّ عليه، وقال لعمر رضي الله عنه لمَّا همَّ بقتله: «وما يدريك أنَّ الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم»، فأين ذنب التخلُّف من ذنب الجسِّ؟!
قال ابن الجوزيِّ أبو الفرج الحافظ: ولم أزل حريصًا على كشف ذلك وتحقيقه حتَّى رأيت أبا بكرٍ الأثرم قد ذكر الزُّهريَّ، وذكر فضلَه وحفظه وإتقانه، وأنَّه لا يكاد يُحفَظ عنه غلطٌ إلَّا في هذا الموضع، فإنَّه قال: إنَّ مُرَارة بن الرَّبِيع وهلالَ بن أُمَيَّة شهدا بدرًا، وهذا لم يقله أحد غيره، والغلط لا يُعصَم منه إنسان، انتهى.
وقد تَقَدَّم الكلام على ذلك في (غزوة بدر)، وذكرت أيضًا كلام الحافظ الدِّمْياطيِّ، فإنَّه نبَّه على أنَّ ذِكرَهما في أهل بدر غلطٌ، والله أعلم.
قوله: (فِيهِمَا إسْوَةٌ): تَقَدَّم أنَّها بضمِّ الهمزة وكسرها؛ لغتان قرئ بهما في السبع.
قوله: (وَنَهَى النَّبِيُّ [14] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [15] عَنْ كَلاَمِنَا): إنَّما اشتدَّ غضبه على من تخلَّف عنه ونزل فيهم من الوعيد ما نزل حتَّى تاب الله على الثلاثة منهم وإن كان الجهاد من فروض الكفاية لا من فروض الأعيان، لكنَّه في حقِّ الأنصار خاصَّة كان فرضَ عينٍ، وعليه بايعوا رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، ألا تراهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمَّدا
على الجهاد ما بقينا أبدا
قاله السهيليُّ عن ابن بطَّال، انتهى.
وفي مذهب الشافعيِّ وجهان؛ هل الجهاد في زمنه عَلَيهِ السَّلام فرض عين أو كفاية؟ والأصحُّ الثاني؛ وهو كفاية، وقال الماورديُّ: كان فرض عين على المهاجرين، وكفاية على غيرهم، وقال بعض العلماء من أصحاب الشافعيِّ: كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم؛ لأنَّهم بايعوا عليه، والله أعلم، وهذا موافقٌ لما قاله السهيليُّ عن ابن بطَّال، وقد قدَّمتُ الكلام على الجهاد في أوَّل (كتاب الجهاد)؛ هل هو كفاية أو عين؟ أو عين على الأنصار؟ أو عين على المهاجرين؟
قوله: (أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ): قال الدِّمْياطيُّ: (أيُّها الثلاثة)؛ بالرفع، وهو موضع النصب على الاختصاص، قال سيبويه عن العرب: (اللهمَّ اغفر لنا أيَّتُها العصابة)، انتهى.
قوله: (فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ): هو بفتح الموحَّدة، والضمير مفعولٌ، و (الناسُ): مرفوع فاعل.
قوله: (فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً): إن قيل: لِمَ لم يزدهم على الخمسين، ولم ينقصهم عنها؟

(1/7902)


فالجواب: لعلَّه كانت غيبته عن المدينة في هذه الغزوة خمسين ليلة؛ لأنَّه عَلَيهِ السَّلام خرج إليها في رجب، كما تَقَدَّم إن كان محفوظًا، وقدم المدينة في رمضان، هذا ما ظهر لي، وأنت من وراء البحث عن ذلك [16].
قوله: (فَاسْتَكَانَا): أي: خضعا.
قوله: (وَأَجْلَدَهُمْ): هو بالجيم؛ أي: أقواهم، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (وَآتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (آتِي): هو بمدِّ الهمزة، وكسر التاء المثنَّاة فوق، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (حَتَّى تَسَوَّرْتُ): أي: علوت، يقال من حيث اللغة: تسوَّر الحافظ وسوَّره؛ أي: علاه.
[ج 2 ص 245]
قوله: (أَبِي قَتَادَةَ): تَقَدَّم أنَّ (أبا قتادة) هو الحارث بن ربعيِّ بن بُلدمة بن خناس الأنصاريُّ، تَقَدَّم.
قوله: (فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ): قال القاضي عياض رحمه الله: لعلَّ أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه؛ لأنَّه منهيٌّ عن كلامه، وإنَّما قال ذلك لنفسه لمَّا ناشده اللهَ، فقال أبو قتادة مظهرًا لاعتقاده لا ليُسمعَهُ، ولو حلف رجل لا يكلِّم رجلًا، فسأله عن شيء، فقال: الله أعلم، يريد بذلك إسماعه وجوابه؛ حنث، انتهى.
قوله: (إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ): (النبط) و (النَّبيط): قوم ينزلون بين العراقين، والجمع: أنباط، ويقال: رجل نَبَطيٌّ، ونَباطيٌّ، ونباط، وحكى يعقوب: نُباطيٌّ، قال ابن قُرقُول: هم أهل سواد العراق، وقيل: بل هم جيل وجنس من الناس، ويقال: سُمُّوا بذلك؛ لإنباطهم المياه، واسم الماء: النَّبط، وقيل: سُمُّوا بذلك؛ لعمارتهم الأرض، انتهى، وأوضح من هذا: الفلاحون من العجم، وهذا النَّبَطيُّ لا أعرفه.
قوله: (فَطَفقَ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بكسر الفاء وفتحها، وأنَّ معناه: جعل.
قوله: (مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ): (ملك غسَّان): يحتمل أن يكون الحارثَ بن أبي شمر، ويحتمل أن يكون جبلة بن الأيهم، وكذا قال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّه الحارث بن أبي شمر، فإنَّه الذي كان في زمنه، وذكرنا في (اعتزال النساء) أنَّه هو، وقيل: جبلة بن الأيهم، وهذا الخلاف يُحرَّر، انتهى، وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرة: هو الحارث بن أبي شمر، انتهى.
قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّم الكلام على إعرابها، والاختلاف في أوَّل من قالها، في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (وَلاَ مَضْيَعَةٍ [17]): فيها لغتان: سكون الضاد وفتح الياء، والثانية: كسر الضاد وسكون الياء.
قوله: (فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ): (تيمَّمت)؛ أي: قصدت، وأنَّث هنا على إرادة الصحيفة.
قوله: (إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا الرسول الذي جاء كعبًا لا أعرف اسمه.

(1/7903)


قوله: (أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ): امرأة كعب بن مالك لا أعرفها، قال ابن شيخنا البلقينيِّ: ولكعب زوجة تُسمَّى خيْرةَ؛ فتُحرَّر؛ أهي هذه أم غيرها؟ انتهى، وخيْرة زوج كعب بن مالك؛ بالخاء المعجمة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، قال ابن عبد البَرِّ: ويقال: حَبْرة؛ بالحاء غير معجمة، حديثها عند الليث بن سعد من رواية ابن وهب وغيره بإسناد ضعيف لا تقوم به حُجَّة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم قال: «لا يجوز لامرأة في مالها أمرٌ إلَّا بإذن زوجها»، انتهى، صحابيَّة، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (الأحكام) عن حرملة، عن ابن وهب، عن الليث، عن عبد الله بن نجيٍّ رجلٍ من ولد كعب بن مالك، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ جدته خيْرة ... ؛ فذكره، وقال الذهبيُّ: خيْرة امرأة كعب بن مالك لها حديث غريب في «الوُحدان» لابن أبي عاصم، انتهى، أخرج لها ابن ماجه، والله أعلم، وجزم بعض حُفَّاظ مِصْرَ من المعاصرين: أنَّها خيْرة.
قوله: (إِلَى صَاحِبَيَّ): هو بتشديد الياء على التثنية، وهما: مُرَارة، وهلال، تَقَدَّما.
قوله: (فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ): امرأة هلال لا أعرف اسمها، وقال بعض حُفَّاظ مِصْرَ: اسمها خولة بنت عاصم، انتهى.
قوله: (لاَ يَقْرَبْكِ): هو بالجزم على النهي.
قوله: (فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي): بعض أهله القائل له ذلك لا أعرفه، والظاهر أنَّه امرأة، فإنَّ الظاهر أنَّ النساء لم يدخلن في النهي؛ لأنَّ الحديث: «ونهى المسلمين»، وإن كان رجلًا؛ فلعلَّه قال ذلك بالإشارة، والله أعلم.
قوله: (حَتَّى كَمَلَتْ): هو مثلَّث الميم، والأفصح: الفتح، ويجوز الضمُّ، ويليه الكسر، وقد تَقَدَّم.
قوله: (مِنْ حِينَ نَهَى): يجوز في (حين) الفتح _وهو أفصح_ والكسر؛ لأنَّ (حين) بعدها فعلٌ ماضٍ.
قوله: (صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ ... ) إلى أن قال: (فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي؛ نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ): هذا الرجل الذي جاء كعب بن مالك يبشِّره بالتوبة، قال الذهبيُّ في «تذهيبه»: يقال: هو حمزة بن عمرو الأسلميُّ، ذكر ذلك في ترجمته، ويؤيِّد ذلك أنَّ في «الصحيح» _كما سيجيء_: (وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ)، وقد ذكر ذلك أيضًا الإمام الحافظ وليُّ الدين أبو زرعة ابنُ شيخنا العراقيِّ، فقال: هو حمزة بن عمرو الأسلميُّ، قاله الواقديُّ، انتهى، وسيأتي نقله عنه من «طبقات ابن سعد» قريبًا.
قوله: (أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ): (أَوْفَى)؛ أي: صعد، و (سَلْع)؛ بفتح السين، وإسكان اللام، وعند ابن سهل: بفتح اللام وسكونها، وذكر بعضهم: أنَّه رواه بغين معجمة، وكلُّه خطأ، جبل معروف بسوق مدينة النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، وقد تَقَدَّم.
قوله: (يَا كَعْب بْن مَالِكٍ): تَقَدَّم أنَّ (كعبًا) يجوز فيه الفتح والضمُّ، وأنَّ (ابنًا) كذلك.
قوله: (أَبْشِرْ): هو بقطع الهمزة، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

(1/7904)


قوله: (وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا): هذا الرجل الذي ركض الفرسَ لا أعرف اسمه، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر: لم أعرف اسمه، وفي «مغازي الواقديِّ»: أنَّ الذي استعار منه كعبٌ الثوبين أبو قتادة، فيحتمل أن يكون هو صاحبَ الفرس؛ لأنَّه كان فارس رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم.
قوله: (وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا): أي: من اللباس، وإلَّا؛ فقد كان له مال؛ ولذلك قال: (إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً)، والله أعلم.
قوله: (وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: ذُكِر عن «طبقات ابن سعد» عن محمَّد بن عمر: كان حمزة بن عمرو هو الذي بشَّر كعبَ بن مالك بتوبته وما نزل فيه من القرآن، فنزع كعب ثوبين كانا عليه، فكساهما إيَّاه، قال كعب: والله ما كان عليَّ غيرُهما، واستعرت ثوبين من أبي قتادة، انتهى، ذكر ذلك ابن سعد في حمزة بن عمرو الأسلميِّ، انتهى، وقد تَقَدَّم ذلك عن بعض حفَّاظ العصر، لكنَّه عزاه للواقديِّ، وهو شيخ ابن سعد.
قوله: (لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ): (تَهنِك): بفتح أوله، وقيل: مكسورٌ، كذا قيَّده بعضهم به، قال: وبعضهم يفتحها، قال: وهو الصواب، لأنَّ أصله (يهنَأُ)؛ بفتح النون، كذا عن السفاقسيِّ، وفيه نظرٌ، والله أعلم، و (توبةُ): مرفوع فاعل، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ [18] بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ ... ) إلى أن قال: (وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرهُ): إن قيل: لِمَ قام إليه دون غيرِه؟
وجوابه: أنَّه كان أخاه، آخى بينهما النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم حين قدم المدينة، قاله السهيليُّ، وقد رأيته عن ابن إسحاق في «سيرة ابن سيِّد النَّاس»، والله أعلم.
[ج 2 ص 246]
قوله: (وَهَنَّأنِي [19]): هو بهمزة مفتوحة بعد النون الأولى وقبل الثانية، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (أَبْشِرْ): هو بقطع الهمزة، وكسر الشين؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ): يعني: سوى يوم إسلامك؛ لأنَّه يوم التوبة الكبرى، وإنَّما لم يستثنِه النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم؛ لأنَّه معلومٌ، ما منه بُدٌّ.
قوله: (إِذَا سُرَّ): هو بضمِّ السين، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.
قوله: (أَمْسِكْ): تَقَدَّم أنَّه بفتح الهمزة، وكسر السين، رباعيٌّ، وهو ظاهرٌ.
قوله: (مِمَّا أَبْلاَنِي): قال الدِّمْياطيُّ: (أبلاني) هنا: بمعنى: أنعم عليَّ، ومنه قوله: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [الأعراف: 141]؛ أي: نعمة، و (الابتلاء): الاختبار، يُطلَق على الخير والشرِّ، وأكثر ما يأتي مطلقًا في الشرِّ، فإذا جاء في الخير؛ جاء مقيَّدًا؛ كما قال: {بَلَاءً حَسَنًا} [الأنفال: 17]، وكما قال هنا: (أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي)، انتهى، ونحوُه قاله ابن قُرقُول في «مطالعه».
قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بما فيها من اللغات.

(1/7905)


قوله: (أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ): كذا في كثير من نسخ «البُخاريِّ»، وكذا في أصلنا، وكذا في كثير من نسخ «مسلم»، قال العلماء: (لا): زائدة؛ ومعناه: أن أكون كذبتُه، وهو مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، والله أعلم.
قوله: (فَأَهْلِكَ): هو منصوب، ونصبه ظاهر.
قوله: (وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أرجأ): يهمز ولا يهمز؛ لغتان، وقد قُرِئ بهما في السبعة؛ ومعناه: أخَّر.
تنبيهٌ: روى الحاكم في «المستدرك» بإسناد سكتَ عليه الذهبيُّ في «تلخيصه» من حديث كعب بن عُجرة: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصليَ سجدتين).
فائدةٌ: روى أبو بكرٍ المقرئ في كتاب «الرخصة في تقبيل اليد» بسند ضعيف من حديث كعب بن مالك، قال: (لمَّا نزلت توبتي؛ أتيت النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فقبَّلتُ يدَهُ).
==========
[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (ابن شهاب).
[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (كنتُ).
[3] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (في).
[4] كذا في (أ)، وهي رواية الحديث رقم (2948)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (كانت تلك الغزوةُ).
[5] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (فجلَّى).
[6] في (أ): (يتغب)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[7] في (أ): (يتغب)، والمثبت موافق لما في «صحيح مسلم».
[8] في (أ): (الجد)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[9] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (عطفِه).
[10] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (وطَفِقْتُ).
[11] في هامش (ق): (يُقال: زاح عني الباطل وانزاح؛ أي: ذهب، والمصدر: زُيُوحًا وزِيحانًا؛ إحداهما عن الأصمعيِّ، والأخرى عن الكسائيِّ. «روض»).
[12] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (قَد).
[13] زيد في (أ): (هو)، ولعلَّه تكرار.
[14] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (رسول الله).
[15] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (المسلمين).
[16] هذه الفقرة جاءت في (أ) متقدِّمة بعد قوله: (أيَّتها العصابة، انتهى).
[17] في هامش (ق): (قال الجوهريُّ: ومنه قولهم: فلان بِدَارِ مَضِيْعَةٍ؛ مثالُ: مَعِيشَة).

(1/7906)


[18] في هامش (ق): ([فيه: جواز السرور بالقيام إلى الرجل؛ كما سُرَّ كعبٌ بقيام طلحةَ إليه، وقد قال عليه السَّلام في خبر سعد بن مُعاذ: «قوموا إلى سيِّدكم»، وقام هو صلى الله عليه وسلم] إلى قوم؛ منهم: صفوان بن أميَّة حين قدم عليه، وإلى عديِّ بن حاتم، وإلى زيد بن حارثة حين قدم عليه من مكَّة، وليس هذا بمعارض لحديث: «مَن سرَّه أن يمثل له الرجال قيامًا؛ فليتبوَّأ مَقعده من النار»، ويُروى: «يستجمَّ له الرجال قيامًا»؛ أي: يستجمع له الرجال قائمين؛ لأنَّ هذا الوعيد إنَّما توجَّه للمتكبِّرين وإلى مَن يغضب ويسخط ألَّا يقام له، وقد قال بعض السلف: يقام للوالد برًّا به، وإلى الولد سُرورًا به، وكانت فاطمة رضي الله عنها تقوم لأبيها برًّا به، ويقوم هو صلى الله عليه وسلم لها سرورًا بها، وكذلك كلُّ قيام أثمره الحُبُّ في الله وَالسرور لأخيك بنعمة الله وَالبرُّ بمَن يجب بره في الله).
[19] كذا في (أ) و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (وهنَّاني).

(1/7907)


[باب نزول النبي الحجر]
قوله: (نُزُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ): قال شيخنا: أُخِذ على البُخاريِّ في قوله: (نزوله)، وإنَّما مرَّ به مسرعًا، انتهى، وفي هذا «الصحيح» في (كتاب الأنبياء) في (باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم لمَّا نزل الحجرَ في غزوة تبوك؛ أمرهم ألَّا يشربوا من مائها ... )؛ الحديث، ففي هذا ردٌّ لمن أَخَذ على البُخاريِّ (نزوله)، وفيه أيضًا غيرَ هذا المكان: أنَّه نزله، والله أعلم.
قوله: (الْحِجْرَ): هو بكسر الحاء المهملة، وإسكان الجيم، وكان نزوله عَلَيهِ السَّلام الحِجْر في غزوة تبوك، في ذهابه إلى تبوك، ولهذا ذكره البُخاريُّ هنا، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 247]

(1/7908)


[حديث: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم]
4419# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محمَّد الْجُعْفِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو المسنديُّ الحافظ، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو الحافظ الكبير ابن همَّام، تَقَدَّم، و (مَعْمَرٌ)؛ بإسكان العين، وفتح الميمَين، وهو ابن راشد، تَقَدَّم مِرارًا، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (أَنْ يُصِيبَكُمْ): (أَنْ)؛ بفتح الهمزة، وسكون النون، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ): أي: غطَّاه، وقد تَقَدَّم أنَّ (التقنُّع) ليس التطيلُس في كلام طويل، والله أعلم.
==========
[ج 2 ص 247]

(1/7909)


[حديث: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا .. ]
4420# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر.
قوله: (لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ): أي: لأجل أصحاب الحِجْر.
==========
[ج 2 ص 247]

(1/7910)


[باب في تتمة أحداث تبوك]

(1/7911)


[حديث: هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه]
4422# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تَقَدَّم أنَّه بإسكان الخاء، و (سُلَيْمَانُ) بعده: هو ابن بلال، تَقَدَّم، و (عبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ)؛ بالموحَّدة، والسين المهملة، مشهور عند أهله، و (أَبُو حُمَيدٍ)؛ بضمِّ الحاء، وفتح الميم: قيل: اسمه عبد الرَّحمن، وقيل: المنذر، وقيل: إنَّه ابن عمِّ سهل بن سعد، تَقَدَّم ببعض ترجمةٍ.
قوله: (أُحُدٌ [1] يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ): تَقَدَّم الكلام على حبِّ أُحُد، وأنَّ الصحيح أنَّه حقيقةٌ، وقد تَقَدَّم أنَّه عَلَيهِ السَّلام في مرجعه من خيبر ومرجعه من تبوك قاله مرَّتين، وتَقَدَّم الكلام على جبل أُحُد في (غزوة أحد)، وما ذكر فيه.
==========
[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (جبلٌ).
[ج 2 ص 247]

(1/7912)


[حديث: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا .. ]
4423# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمَّد: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): قال الجيَّانيُّ: وقال _يعني: البُخاري_ في مواضع من الكتاب: (حدَّثنا أحمد بن محمَّد عن ابن المبارك): قال أبو عبد الله النيسابوريُّ: هو أحمد بن محمَّد بن موسى المروزيُّ، [يُكنَّى]: أبا العبَّاس، ويُلقَّب: مردويه، وقال الدارقطنيُّ: هو أحمد بن محمَّد بن ثابت، يُعرَف بابن شَبُّويَه، وقد تَقَدَّم ذلك، و (عبد الله): هو ابن المبارك، كما تَقَدَّم في كلام الغسانيِّ.
==========
[ج 2 ص 247]

(1/7913)


[باب كتاب النبي إلى كسرى وقيصر]
(كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ) ... إلى (بابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
اعلم أنَّه لم يَذكر من كتبه صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إلَّا إلى هذين الاثنين، ولم يَذكر في كتابه إلى قيصر حديثًا، وكأنَّه اكتفى بذكره له في غير هذا الموضع؛ لأنَّه تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ، ويأتي أيضًا، وقد كتب عَلَيهِ السَّلام إلى كلِّ جبَّارٍ عنيد، كما في «مسلم»، وقال السهيليُّ في «روضه» في حديث الإسراء: وكُتِب عنه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض ... إلى آخر كلامه، انتهى.
فبعث دحيةَ الكلبيَّ إلى قيصر الروم، وعبدَ الله بن حذافة إلى كسرى، وعمرَو بن أُمَيَّة
[ج 2 ص 247]
الضمريَّ إلى النجاشيِّ ملكِ الحبشة، وحاطبَ بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندريَّة، وعَمرَو بن العاصي إلى جيفر وعبْدٍ ابنَي الجُلندَى ملكَي عُمان، وسَلِيطَ بن عمرو العامريَّ إلى ثُمَامة بن أُثَال وهوذة بن عليٍّ الحنفيَّين ملكَي اليمامة، والعلاءَ بن الحضرميِّ إلى المنذر بن ساوى العبديِّ ملكِ البَحْرين، وشجاعَ بن وهب الأسديَّ إلى الحارث بن أبي شمر الغسانيِّ ملكِ تَخوم الشام، ويقال: بعثه إلى جبلة بن الأيهم الغسانيِّ، والمهاجرَ بن أبي أُمَيَّة المخزوميَّ إلى الحارث بن عبد كُلال الحميريِّ ملكِ اليمن، وقد ذكر هذا كلَّه أبو الفتح ابن سيِّد النَّاس.
وزاد عليه شيخنا العراقيُّ في «سيرته» في رسله إلى الملوك، فذكر: عمرَو بن أُمَيَّة إلى النجاشيِّ، ودحيةَ بن خليفة لقيصر، وعبدَ الله بن حذافة لكسرى، وحاطبَ بن أبي بلتعة للمقوقس، وعمرَو بن العاصي إلى ابنَي الجُلندى، وسَلِيطَ بن عمرو لهوذة، وشجاعًا الأسديَّ للحارث بن أبي شمر، وقيل: إلى جبلة بن الأيهم، والمهاجرَ بن أبي أُمَيَّة للحارث بن عبد كُلال، والعلاءَ بن الحضرميِّ للمنذر بن ساوى، ومعاذًا وأبا موسى إلى اليمن، وجَرِيرًا إلى ذي الكلاع، وعمرًا الضمريَّ أيضًا إلى مسيلمة، والسائبَ إليه أيضًا، وعيَّاشًا إلى بني عبد كُلال، فزاد شيخنا: معاذًا، وأبا موسى، وجَرِيرًا، وعمرًا الضمريَّ إلى مسيلمة، والسائبَ إليه أيضًا، وعيَّاشًا.
ثُمَّ قال شيخنا العراقيُّ: وأرسل أيضًا لعدَّة، ولم يُسمِّ من ذهب بها، فذكر أنَّه أرسل لعروة بن عمرو الجذاميِّ، ولبني عمرو من حمير، ولمعد يكرب المشهور، ولأساقفة نَجْران، ولمن أسلم من حدس، ولخالد بن ضماد الأزديِّ، ولعمرو بن حزم، ولتميم أخي أوس، وليزيد بن الطُّفيل الحارثيِّ، ولبني زياد بن الحارث، والله أعلم، والظاهر أنَّ هذه الرسل إنَّما أرسلهم بكتب، والله أعلم، وقد ذكر ابن سيِّد النَّاس بعضَ هذه الكتب إلى الملوك، وصورةَ ما كتب به إليهم، فإن أردت ذلك؛ فانظره.

(1/7914)


قوله: (إِلَى كسْرَى): تَقَدَّم أنَّه بكسر الكاف وفتحها، واسم كسرى المكتوب إليه: أَبْرَوِيْز بن هرمز، كذا سمَّاه غير واحد؛ منهم السهيليُّ، ولفظه: (كسرى؛ وهو أَبْرَوِيز بن هرمز بن أنوشروان الذي كتب إليه النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ليلة الثلاثاء، العاشر من جمادى الأولى، سنة سبع من الهجرة، قتله بنوه، والمتولِّي لقتله شيرويه)، انتهى.
وتفسير أَبْرَوِيْز: المُظفَّر، نقله البكريُّ عن المسعوديِّ والطبريِّ، ابن أنوشروان، وتفسير أنوشروان بالعربيَّة: مجدِّد الملك، فيما ذكروا، قاله السهيليُّ، و (قيصر): تَقَدَّم الكلام عليه، والكتاب الذي كتبه عَلَيهِ السَّلام إلى قيصر ذكره البُخاريُّ في أوَّل «الصحيح»، وكرَّره، وكان بعث هذا الكتاب سنة ستٍّ، قاله أبو عمر، وقال خليفة: سنة خمس، وفيه نظر؛ لأنَّ صلح الحُدَيْبيَة كان في السادسة، وسيأتي كلام الواقديِّ؛ وهو أنَّه لقيه بحمص، فدفع إليه الكتاب في المحرَّم سنة سبع، وقال السهيليُّ في «روضه»: إنَّه عَلَيهِ السَّلام كتب له من تبوك، وفيه نظر إلَّا أن يقال: إنَّه كتب إليه مرَّتين.
تنبيهٌ: في «سيرة ابن سيِّد النَّاس»: لمَّا كان شهر ربيع الأوَّل _وقيل: المحرَّم_ سنة سبع من الهجرة؛ كتب رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم إلى النجاشيِّ كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث به مع عَمرو بن أُمَيَّة، كذا في (هجرة الحبشة)، والله أعلم.

(1/7915)


[حديث: أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة ... ]
4424# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): (إسحاقُ) هذا: قال الجيَّاني كلامًا ذكرته غيرَ مرَّةٍ؛ منها: في (الحُدَيْبيَة)؛ فانظره، و (صَالِحٌ): هو ابن كيسان، و (ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود.
قوله: (مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ): إنَّما خصَّ عبدَ الله بن حذافة بإرساله إلى كسرى؛ لأنَّه كان يتردَّد إليهم كثيرًا، ويختلف إلى بلادهم، وقيل: إنَّ الذي مضى بكتابه إلى كسرى خنيسُ بن حذافة أخو المذكور، وقيل: شجاع بن وهب الأسديُّ، ذكر ذلك ابن بشكوال في «مبهماته»، وفي القول بأنَّه خنيس نظرٌ؛ لأنَّ خنيسًا قَبْلُ أصابته جراحةٌ بأُحُد، فمات منها، والمعروف أنَّه مات بالمدينة على رأس خمسة عشر شهرًا بعد رجوعه من بدر، وأين هذا من بعثه إلى كسرى؟! لأنَّه عَلَيهِ السَّلام بعثه إلى كسرى منصرفه من الحُدَيْبيَة، كما ذكره الواقديُّ من حديث الشفاء بنت عبد الله، كما تَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق، وقال السهيليُّ: كتب إليه النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم ليلة الثلاثاء العاشر من جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة _وقد قدَّمتُ الخلاف قريبًا في تاريخ الكتابة_: «بسم الله الرَّحمن الرحيم، من محمَّد رسول الله إلى كِسرى عظيم فارس: سلامٌ على من اتَّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أدعوك بداعية الله، فإنِّي أنا رسول الله إلى الناس كافَّة؛ لينذر من كان حيًّا، ويحقَّ القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت؛ فعليك إثم المجوس».
قوله: (أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ): (عظيم البَحْرين): هو المنذر بن ساوَى كما تَقَدَّم، وساوَى _بفتح الواو، كذا أحفظه، ورأيت عن الحافظ قطب الدين الحلبيِّ ما لفظه: بكسر الواو، كذا رأيت بخطِّ شيخنا الرضيِّ الشاطبيِّ، وقال: ذكره عياض في «التنبيهات» _ ابن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم الدارميُّ، صاحب البَحْرين، الأسبذيُّ؛ بالباء الموحَّدة، والذال المعجمة: نسبة إلى إسبذ؛ قرية بهجر، كانوا ينزلون بها، وقيل: فرس كانوا يعبدونه، وقيل: اسم رجل بالفارسيَّة، ويقال له: العبديُّ؛ منسوب إلى عبد الله بن دارم، انتهى.

(1/7916)


وهو المنذر بن ساوَى التميميُّ الداريُّ، نقله الدارميُّ، صاحب البَحْرين وعاملُها لرسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، ذكره ابن قانع وجماعة، قال ابن قانع: وفد على النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، قال أبو الربيع بن سالم: ولا يصحُّ، انتهى، ذكره الذهبيُّ في الصَّحابة، ولم يحمِّر عليه، فهو عنده صَحابيٌّ، ولم يذكره ابن عبد البَرِّ فيهم، وقد رأيت بخطِّ الحافظ فتح الدين ابن سيِّد النَّاس حاشية على «الاستيعاب» لفظها: المنذر بن ساوَى العبديُّ ملك البَحْرين، كتب له رسول الله صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم بكتاب بعثه إليه مع العلاء بن الحضرميِّ، فأسلم وحسن إسلامه، وخبره بذلك مشهور، انتهى، وكلام أبي الربيع بن سالم ذكره في غير هذا المكان ابنُ سيِّد النَّاس، والله أعلم.
قوله: (فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيّبِ): قائل هذا الحسبان عن ابن المُسَيّب الظاهر أنَّه الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم بن عُبيد الله بن عبد الله بن شهاب، العالم المشهور، وقول سعيد