روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الاثنين، 13 يونيو 2022

مجلد3.و4. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

مجلد3.و4. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح)
المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

3. مجلد3.التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح)
المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

[باب إذا رأت المستحاضة الطهر]
قوله: (الصَّلَاةُ أَعْظَمُ): مرفوعان، مبتدأ وخبر؛ أي: الصَّلاة أعظم من إتيان زوجها إيَّاها، والإتيان: الوطء.
==========
[ج 1 ص 135]

(1/863)


[حديث: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة]
331# قوله: (عن زُهَيْرٍ): تقدَّم أنَّه ابن معاوية أبو خيثمة، الحافظ، شيخ الجزيرة.
تنبيه: لهم زهير آخر، يروي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وهو ابن محمَّد التَّيميُّ المروزيُّ، روى له الأئمَّة السِّتَّة، لكنَّ البخاريَّ لَمْ يرو له عن هشام عن عروة عن عائشة، ولا مُسْلِم، إنِّما روى له بهذه الطَّريق التِّرمذيُّ وابن ماجه حديثًا: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يسلِّم في الصَّلاة تسليمةً تلقاء وجهه)، وله حديث آخر بهذه الطَّريق في «ابن ماجه»: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خَطَبَ النَّاس يوم الجُمُعَةِ، فَرَأَى عليهم ثِيَابَ النِّمَارِ ... )؛ الحديث، والله أعلم.
قوله: (إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ): تقدَّم أنَّ الفتح في الحاء أظهر، وتقدَّم ما فيها قبل هذا بقليل [1]، وهي هنا في أصلنا مكسورة الحاء بالقلم.

(1/864)


باب الصلاة على النفساء وسنتها]
(باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ) ... إلى (كتاب التَّيمُّم)
[ج 1 ص 135]
قال ابن المُنَيِّر: (ظنَّ الشَّارح _يعني: ابن بطَّال_ أنَّ مقصود التَّرجمة التَّنبيه على أنَّ النُّفساء طاهرة العين لا نجسة؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صلَّى عليها، فأوجب لها بصلاته حكم الطَّهارة، فينقاس المؤمن الطَّاهر مطلقًا عليها في أنَّه لا ينجس، وذلك كلُّه أجنبيٌّ عن مقصوده، وإنَّما قصد أنَّها وإن ورد أنَّها من الشُّهداء؛ فهي ممَّن يصلَّى عليها؛ كغير الشَّهداء، وأراد التَّنبيه على أنَّها ليست بنجسة العين، لا [1] لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صلَّى عليها، فإنَّ هذا ليس من خصائصه، بل شيء سنَّه [2] لأمَّته عمومًا بالصَّلاة على الميِّت في الجملة تزكيةً له، ولو كان جسد المؤمن نجسًا؛ لكان حكمه أنَّ يُطرَح إطراح الجيفة [3]، ويبعد ولا يُوَقَّر بالغسل والصَّلاة وغير ذلك من الحرمة، والله أعلم) انتهى [4]
==========
[1] (لا): في (ج).
[2] في (ب): (سُنَّ)، وفي (ج): (منه).
[3] في (ب): (الحيضة).
[4] (انتهى): ليس في (ج).

(1/865)


[حديث: أن امرأةً ماتت في بطن فصلى عليها النبي فقام وسطها]
332# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي [1] سُرَيْجٍ): هو بالسِّين المهملة، وفي آخره جيم، واعلم أنَّ كلَّ ما في «الصَّحيحين» و «الموطَّأ»: شريح؛ بالشِّين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة، إلَّا ثلاثة أشخاص، وهم: هذا أحمد بن أبي سريج، وسريج بن يونس، وسريج بن النُّعمان، وأحمد هذا كنية أبيه أبو سريج، واسمه الصَّبَّاح، وكنية أحمد أبو جعفر النَّهشليُّ الرَّازيُّ المقرئ، وقيل: أحمد بن عمر بن أبي سريج الصَّبَّاح، يروي عن وكيع، ومروان بن معاوية، ويحيى القطَّان، وابن عليَّة، وأبي معاوية، وشعيب بن حرب، وشبابة، وطائفة، وقرأ القرآن على الكسائيِّ، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعليُّ بن الحسين بن الجنيد، وأبو بكر بن أبي داود، وطائفة سواهم، وثَّقه النَّسائيُّ وغيره، وأخرج له من أصحاب الكتب السِّتَّة من أخذ عنه، وقال أبو حاتم: صدوق، ولم يذكر له وفاةً المِزِّيُّ، ولا الذَّهبيُّ، ولا من قبلهما؛ مثل: ابن قانع وابن زبر، لكنِّي رأيت بخطِّ الحافظ أبي الفتح اليعمريِّ المشهور بابن سيِّد النَّاس على حاشية «الكمال» لعبد الغنيِّ المقدسيِّ: (توفِّي بعد «240 هـ») انتهى.
قوله: (أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ): هو ابن سوَّار _بتشديد الواو_ الفزاريّ مولاهم، أبو عمرو المدائنيُّ، يقال: اسمه مروان، ولقبه: شبابة، عن يونس بن أبي إسحاق، وحَرِيز بن عثمان، وعنه: أحمد، وعَبَّاس الدُّوريُّ، وكان مرجئًا صدوقًا، قال أبو حاتم: لا يُحتَجُّ به، تُوفِّي سنة (206 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد ذكره في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقال في أوَّل ترجمته: (صدوق مُكثِر، صاحب حديث، فيه بدعة)، ثُمَّ ذكر كلام النَّاس فيه، انتهى، وقد ذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، وقال: (مستقيم الحديث).
تنبيه: ليس في الكتب السِّتَّة من يقال له: شبابة سواه، وكذا ليس في مصنَّفاتهم، ولا في «الميزان»، ولا في «ثقات ابن حِبَّان»، ولا في «الجرح والتَّعديل» لابن أبي حاتم، والله أعلم.

(1/866)


قوله: (عن ابنِ بُرَيْدَةَ): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن بريدة بن الحُصَيْب [2]، قاضي مرو وعالمها [3]، عن أبيه، وعمران بن حُصَين، وعائشة، وسمُرة، وعنه: مالك بن مِغْوَل، وحسين بن واقد، وأبو هلال، ثقة، وُلِد عام اليرموك سنة خمسَ عشرةَ، ومات سنة (115 هـ)، وله مئة سنة، قال ابن مَعِين وأبو حاتم: ثقة، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ في بَطْنٍ ... )؛ الحديث: هذه المرأة هي أمُّ كعب، كما في «مُسْلِم» و «النَّسائيِّ»، وهي أنصاريَّة.
قوله: (فَقَامَ وَسَطَهَا): تقدَّم الكلام على الوسْط، وأنَّه يقال بالسُّكون والفتح [4] في (باب من بدأ بالحلاب والطِّيب عند الغسل).
==========
[1] (أبي): سقطت من (ج).
[2] في (ب): (الخصيب).
[3] (قاضي مرو وعالمها): ليس في (ج).
[4] في (ب): (بالفتح والسكون).
[ج 1 ص 136]

(1/867)


[باب عين الحائض والنفساء طاهرة]

(1/868)


[حديث ميمونة: أنها كانت تكون حائضًا لا تصلي وهي مفترشة]
333# قوله: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ [1] بْنُ مُدْرِكٍ): تقدَّم أنَّ مُدرِكًا؛ بكسر الرَّاء: اسم فاعل من أدرك.
قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ مِنْ كِتَابِهِ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّ اسمه الوضَّاح بن عَبْد الله اليشكريُّ، الحافظ، المُتقِن لكتابه [2]، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ): تقدَّم أنَّه بالشِّين المعجمة، وأنَّ اسم أبيه فيروز، وقيل: خاقان، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (بِحِذَاءِ): أي: بإزاء؛ ومعناه: قُبَالتُه.
قوله: (مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أي: مكان سجوده، ليس المسجد المعروف.
قوله: (على خُمْرَتِهِ [3]): هي [4] بضمِّ الخاء المعجمة، ثُمَّ ميم ساكنة، ثُمَّ راء، ثُمَّ تاء التَّأنيث؛ حصير صغير من سَعَف، سُمِّيت بذلك؛ لسترها الوجه والكفَّين من حرِّ الأرض وبردها، والجمع خمر، فإن كبرت عن ذَلِكَ؛ فهي حصير.
==========
[1] في (ب): (الحسين)، وهو تحريفٌ.
[2] في هامش (أ): (من كتابه) مصحَّحًا، وفي (ج): (بكتابه).
[3] في (ج): (خمرة).
[4] في (ج): (هو).
[ج 1 ص 136]

(1/869)


((7)) (كِتَابُ التَّيَمُّمِ) ... إلى (كتاب الصَّلَاةِ)
اعلم أنَّ التَّيمُّم نزل فرضه سنة ستٍّ، وقيل: سنة أربع، كذا قالوا، وسيأتي ما فيه قريبًا، وهو رخصة، وقيل: عزيمة، وقيل: إنْ تيمَّم لعدم الماء؛ فعزيمة، أو لعذر؛ فرخصة، والله أعلم.
==========
[ج 1 ص 136]

(1/870)


[حديث: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر]
334# قَولُهُ: (فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ... ) إلى قوله: (انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي): اعلم أنَّ في «الصَّحيح»: أنَّ عقدها ضاع في الإفك، واتَّفق الإفك [1] في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق، وكانت سنة ستٍّ في شعبان عند ابن إسحاق، وفي سنة أربع عند موسى بن عقبة، وفي [2] شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد، والخندق عنده في ذي القعدة من السَّنة، والذي ظهر لي من الأحاديث: أنَّها فقدت العقد مرَّتين؛ بدليل أنَّها استعارت قلادة من أسماء، فهلكت، ورواية: (انقطع عقدٌ لي)، فإنْ أوَّلت هذه؛ فماذا نصنع بما رواه الطَّبرانيُّ من حديثها؟ قالت: (لمَّا كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا؛ خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة أخرى، فسقط أيضًا عقدي حتَّى حُبِس النَّاسُ على التماسه ... ) إلى قولها: (فأنزل الله الرُّخصة في التَّيمُّم)، وفي «التِّرمذيِّ» و «المسند» لأحمد: (أنَّ قلادتها سقطت ليلة الأبواء، والأبواء على رأس اثني عشر شهرًا من مهاجره، وقد عيَّن ابن قيِّم الجوزيَّة: أنَّ في حديث الإفك سقط عقد لأختها) انتهى، وقد تقدَّم متى كان الإفك أعلاه، وقد تقدَّم أنَّ التَّيمُّم نزل في المريسيع سنة ستٍّ أو سنة أربع، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي» لمَّا ذكر حديث الطَّبرانيِّ: (وهذا يدلُّ على أنَّ قصَّة العقد التي نزل التَّيمُّم لأجلها بعد هذه الغزوة _يعني: بعد المريسيع_ قال: وهو الظَّاهر، ولكن فيها كانت قصَّة الإفك بسبب فَقْد العقد والتماسه، فاشتبه على بعضهم إحدى القصَّتين بالأخرى، والله أعلم) انتهى.
قَولُهُ: (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ): هي بفتح الموحَّدة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال مهملة، ثُمَّ همزة ممدودة: الشَّرف الذي قُدَّام ذي الحُلَيفة في طريق مكَّة، قال شيخنا: وسمَّى البكريُّ المكان: الضُّلْضُل؛ بمعجمتين، قال: وهو الصَّحيح، وسيأتي بقيَّة الكلام على (البيداء).

(1/871)


قَولُهُ: (أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ): هي بفتح الجيم، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ شين معجمة: من المدينة على بريد، وقال النوويُّ: (البيداء وذات الجيش: موضعان بين المدينة وخيبر [3]) انتهى، وفي ذلك نظر؛ إذ البيداء ما ذكرته لك هذا الظَّاهر، وذكره [4] غير واحد، وهو علم على ما ذكرته لك، ولكن البيداء في اللُّغة: (كلُّ مفازة لا شيء فيها، فيحتمل أنَّه أراد ذلك، والله أعلم) [5].
[ج 1 ص 136]
قَولُهُ: (انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي): وقد قدَّمت أنَّ في رواية: أنَّها استعارت من أسماء قلادة، فهلكت، وقد قدَّمت لك أنَّ القصَّة اتَّفقت مرَّتين فيما مضى، وذكرت لك عنِ ابن القيِّم أنَّ الذِي سقط في المريسيع عقد أختها أسماء؛ فانظر ذلك قبيل هذا، واعلم أنَّ العقد [6] الذي سقط في الإفك من جزع ظفار، كما في «الصَّحيح» كما سيأتي.
فائدة: قال شيخنا الشَّارح: ورد في خبر: أنَّ ثمنه اثنا عشر درهمًا، كما ذكره ابن بطَّال، قال شيخنا: وقيل: كان ثمنه يسيرًا، كما حكاه [7] ابن التِّين.
قَولُهُ: (يَطْعنُنِي): هو بضمِّ العين، ويجوز فتحها، حكاهما الجوهريُّ.
قوله: (إِلَّا مَكَانُ): هو بالرَّفع استثناء مفرَّغ.
قوله: (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى [8] غَيْرِ مَاءٍ): كذا في أصلنا: (فقام)؛ بالقاف، قال [9] ابن قُرقُول: (قوله في «التَّيمُّم»: «فنام [10] رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم»: كذا في «الموطَّأ»، وكذا عند ابن السَّكن، وعند المروزيِّ، وأبي [11] ذرٍّ، والنَّسفيِّ: «فقام»، وكلاهما صحيح، والأوَّل أوجه، وعند الجرجانيِّ: «فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أصبح»، وهو وهم بيِّنٌ) انتهى.

(1/872)


قَولُهُ: (فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ): اعلم أنَّه لَمْ يقل: آية الوضوء وإنْ كان في آيتي (المائدة) و (النِّساء) ذكره؛ وذلك لأنَّ الذي طرأ لهم التَّيمُّمُ؛ بدليل قوله: (وليس معهم ماء)، والله أعلم، ثُمَّ اعلم أنَّه يحتمل [12] أنَّ المرادَ الآيةُ التي تلاها البخاريُّ أوَّل الباب، وهي التي في (المائدة)، وقد ذكر البخاريُّ في (تفسير النِّساء) من حديث هشام، عن أبيه، عن عائشة قال: (هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في طَلَبِهَا رِجَالًا، فَحَضَرَت الصَّلاة وَلَيْسُوا على وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ [13] على غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ التَّيَمُّم)، وفي نسخة: (يَعْنِي: آيَةَ التَّيَمُّمِ)، وكذا رواه البخاريُّ في (المائدة) من حديث عَمرو _هو ابن الحارث_ عن عَبْد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة؛ فذكر الحديث، وفيه: (فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... }؛ الآيَةَ)، وفي «الواحديِّ» ذكرها في سورة (النِّساء)، فقال: قوله تَعَالَى من سورة (النِّساء): {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]، ثُمَّ ساق حديث البخاريِّ، وقال ابن العربيِّ فيما نقله شيخنا المؤلِّف: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ آيتان فيهما ذكر التَّيمم في (النِّساء) و (المائدة)، فلا نعلم أيَّتهما [14] عنت عائشة؟ وجزم بعضهم بأنَّها آية (النِّساء)، والله أعلم.
قَولُهُ: (فَقَالَ [15] أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ): (أُسَيد)؛ بضمِّ الهمزة، وفتح السِّين، و (حُضَير)؛ بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الضَّاد المعجمة، صحابيٌّ جليل كبير القدر، معروف.
قَولُهُ: (فَبَعَثْنَا البَعِيرَ): أي: أقمناه من بُرُوكِه.
==========
[1] في (ج): (الأول).
[2] في (ج): (في).
[3] في (ب): (وحنين)، وهو تحريفٌ.
[4] في (ج): (وذكر).
[5] ما بين قوسين سقط من (ب).
[6] (العقد): ليس في (ب).
[7] في (ج): (ذكره).
[8] في (ج): (إلى).
[9] في (ب): (وقال).
[10] في (ب): (فقام)، وهو تحريفٌ؛ لمجيء هذه الرواية لاحقًا.
[11] في (ج): (وابن)، وهو تحريفٌ.
[12] (يحتمل): سقطت من (ب).
[13] (وهم): ليس في (ب).
[14] في (ب): (أيهما).
[15] في (ج): (فقام)، وهو تحريفٌ.

(1/873)


[حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي]
335# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ): هو ابن [1] بَشِير _بفتح الموحَّدة، وكسر الشِّين المعجمة_ أبو معاوية السُّلميُّ الواسطيُّ، حافظ بغداد، عن عمرو بن دينار، وأبي الزُّبير، وعنه: أحمد، وابن مَعِين، وهَنَّاد، إمام ثقة مدلِّس، عاش ثمانين سنة، تُوفِّي سنة (183 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».
قَولُهُ: («ح» [قَالَ]: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ): أمَّا (ح)؛ فقد تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق، وأمَّا (النَّضر)؛ فهو بالضَّاد المعجمة، وهذا لا يشتبه بـ (نصر)، وسببه أنَّ (نصرًا) بالصَّاد لا يأتي بالألف واللَّام، وإنَّما يأتي بهما: (النَّضر) بالمعجمة، وقد تقدَّم ذلك، إلَّا أنَّه قد يكون يشتبه على بعضهم ممَّن لا يعرف ذلك.
قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ): هو بفتح السِّين المهملة، ثُمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، وهو سيَّار بن سلامة، أبو المنهال، الرِّياحيُّ _بكسر الرَّاء، وبالمثنَّاة تحت_ البصريُّ، عن أبيه، وأبي برزة، وعنه: شعبة، وحمَّاد بن سلمة، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن مَعِين والنَّسائيُّ.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَقِيرُ): هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الكوفيُّ، عنِ ابن عمر، وجابر، وعنه: أبو حنيفة، ومسعر، وجماعة، ثقة، وإنَّما قيل له: الفقير؛ لأنَّه كان يشكو فقار ظهره، كنيته أبو عثمان، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن مَعِين وغيره: ثقة، أخرج له الجماعة خلا التِّرمذيَّ.

(1/874)


قَولُهُ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ... )؛ فذكرها: (أعطيت) و (لَمْ يُعطَهنَّ): مبنيَّان لما لَمْ يسمَّ فاعلهما، ثمَّ [2] اعلم أنَّه اجتمع لي من الأحاديث التي وقفت عليها في الكتب السِّتَّة أو بعضها أو «المسند» أو [3] غير ذلك أنَّه أُعطيَه عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يُعطَه أحدٌ قبله: النَّصر بالرُّعب (مسيرة شهر كما في «الصَّحيح»، وفي حديث السَّائب ابن أخت نمر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس»؛ فذكر منها: «نصرت بالرُّعب مسيرة شهر أمامي وشهرٍ [4] خلفي») [5]، ومفاتيح الأرض، وحلُّ الغنائم، والأرضُ مسجدًا وطهورًا، والشَّفاعة؛ يعني: العظمى، وجوامع الكلم، وتسميته: أحمد، وأمَّته خير الأمم، وخُتِمَ به النَّبيُّون، والآيات من خواتيم سورة البقرة، والمفصَّل من القرآن، وجعل صفوف أمَّته كصفوف الملائكة، وفي «التِّرمذيِّ» في (التَّفسير): «فُضِّلت على الأنبياء بثلاث؛ بالصَّلوات الخمس، وغُفِر لمن لَمْ يشرك من أمَّتي المقحماتُ»، وذكر خصلة هي مذكورة فيما تقدَّم، وقال: (حسن صحيح)، وفُضِّلَ أيضًا على النَّاس بأنَّ كلَّ نبيِّ سأل وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَّر مسألته إلى يوم القيامة، «فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلَّا الله»، فيحتمل أن يكون تأخير المسألة، ويحتمل أنْ تكون الشَّفاعة، فإن كانت الشَّفاعة؛ فقد تقدَّمت، وإِلَّا؛ فهي غير ما ذكرت، ويحتمل أنْ يُعَدُّ [6] مع هذه الخصال استفتاح باب الجنَّة، فإنَّه أيضًا فُضِّل على النَّاس به، وسأذكرها في الشَّفاعات، (وفي «الشفا» لعياض: «وعرض عليَّ أمَّتي، فلم يخف عليَّ التَّابعُ من المتبوع») [7]، واعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام فُضِّل على النَّاس بأشياء كثيرة، المذكور هنا نوع منها.
[قَولُهُ: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ): كذا في «الصَّحيح»، وروينا من حديث السَّائب ابن أخت نمر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس ... »؛ فذكر منها: «ونُصِرْتُ بالرُّعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي».
قَولُهُ: (مَسْجِدًا): هو بكسر الجيم وفتحها، تقدَّم] [8].
قَولُهُ: (وَطَهُورًا): هو بفتح الطَّاء، والمراد الطُّهر [9]، ويجوز ضمُّها، وقد تقدَّم.
قَولُهُ: (وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، كذا في أصلنا، وفي نسخة أخرى: مبنيٌّ للفاعل.

(1/875)


قَولُهُ: (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ): هي الشَّفاعة العامَّة التي تكون في المحشر؛ لأن الشَّفاعة في الخاصَّة جُعِلت لغيره أيضًا، قال القاضي عياض: وقيل: شفاعة لا تُردُّ، قال: وقد تكون شفاعة بخروج مَنْ في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان من النَّار؛ لأنَّ الشَّفاعة لغيره إنَّما جاءت قبل هذه، وهذه مختصَّة به كشفاعة المحشر) انتهى.
فائدة: للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شفاعاتٌ:
أولاهنَّ: الشَّفاعة العظمى، هذه التي تقدَّمت.
والثَّانية: في جماعة يدخلون الجنَّة بغير حساب.
والثَّالثة: في أناس قد استحقُّوا دخول النَّار، فلم يدخلوها [10].
والرَّابعة:
[ج 1 ص 137]
في جماعة دخلوا النَّار، فيخرجون منها.
والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنَّة.
والأولى من خصائصه، وكذا الثَّانية، قال النوويُّ في «الرَّوضة»: (ويجوز أنَّ تكون الثَّالثة والخامسة أيضًا)؛ يعني: تكونان من خصائصه، وما قاله في الثَّالثة قال القاضي عياض في «شرح مسلم» له كما نقله النَّوويُّ عنه: (إنَّه يشاركه فيها من شاء الله، وكذا نقله عنه القرطبيُّ في «التَّذكرة»، انتهى؛ أي [11]: والرَّابعة يشاركه فيها غيره من الأنبياء والعلماء والأولياء، وقال عياض القاضي: إنَّ شفاعته لإخراج من في قلبه مثقال حبَّة من إيمان مختصَّة به؛ إذ لَمْ تأت شفاعات لغيره إلَّا قبل هذه، وقد قدَّمت ذلك عنه.
والسَّادسة: تخفيف العذاب عن من استحقَّ الخلود فيها، كما في حقِّ أبي طالب.
فإن قيل: فما الجمع بين هذا وبين قوله: «لعلَّه تنفعه شفاعتي، ولولا أنا؛ لكان في الدرك الأسفل من النَّار»، وكذا [12] قوله تَعَالَى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]؟
فجوابه [13]: أنَّها شفاعة بالحال لا بالمقال، فبسببه صلَّى الله عليه وسلَّم يُخفَّف عنه، أو أنَّ قوله تَعَالَى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} في الإخراج بالكليَّة، ذكر هذا القرطبيُّ.
والسَّابعة: شفاعته لمن مات بالمدينة المشرَّفة؛ لما روى التِّرمذيُّ وصحَّحه عنِ ابن عُمر رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من استطاع أنْ يموت بالمدينة؛ فليمت بها، فإنِّي أشفع لَمن مات بها».

(1/876)


والثَّامنة: شفاعته لمن صبر على لأواء المدينة وجهدها، وقد روى مُسْلِم من حديث أبي سعيد الخدريِّ وغيره مرفوعًا: «لا يثبت أحد على لأوائها [14] وجهدها إلَّا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة»، قال بعض أهل العلم: إنَّ [15] (أو) بمعنى: الواو، وجاء في رواية خارج الكتب من رواية ابن عمر: «كنت له شفيعًا، وكنت له شهيدًا»، وقد ذكروا في الكلام على: «كنت له شفيعًا أو شهيدًا» غيرَ ما ذكرت، والله أعلم؛ [منه ما قاله القاضي عياض في «شرح مسلم»: (قال بعض شيوخنا: «أو» هنا: للشكِّ، والأظهر عندنا: أنَّها ليست للشَّكِّ؛ لأنَّ هذا الحديث رواه جَابِر بن عَبْد الله، وسعد بن أبي وقَّاص، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفيَّة بنت عبيد عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويبعد اتِّفاق جميعهم على الشَّكِّ) انتهى] [16]
[وله صلَّى الله عليه وسلَّم شفاعة تاسعة: لفتح [17] باب الجنَّة، والشَّفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف، وهما متغايرتان، وقد رواها مُسْلِم في «صحيحه» في (كتاب الإيمان): بكسر الهمزة، وهي: «فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يا أَبَانَا؛ اسْتَفْتِحْ لنا الجَنَّةَ ... »؛ الحديث.
وله صلَّى الله عليه وسلَّم شفاعة عاشرة: وهي عنِ ابن عُمر رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من زار قبري؛ وجبت له شفاعتي»، رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث موسى بن هلال العبديِّ، عن عبيد الله بن عُمر، عن نافع، عنِ ابن عُمر به، وقد ذكر الرَّافعيُّ في (الحجِّ): «من زار قبري؛ فله الجنَّة»، رواه الدَّارقطنيُّ من رواية ابن عمر بلفظ: «من زار قبري؛ وجبت له شفاعتي»، سكت عنه عبد الحقِّ، وتعقَّبه ابن القطَّان، لكن أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»، انتهى، قاله شيخنا [18] المؤلِّف في «تخريج أحاديث الرَّافعيِّ»، وعن ابن عمر [19] أيضًا قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «من جاءني زائرًا لَمْ تنزعه حاجة إلَّا زيارتي؛ كان حقًّا عليَّ أنْ أكون له شفيعًا يوم القيامة»، رواه ابن السَّكن في كتابه المُسمَّى بـ «الصِّحاح»، انتهى، ذكرهما _أعني: الأوَّل والثالث_ شيخنا المؤلِّف في «تخريج أحاديث المنهاج»، المُسمَّى بـ «التُّحفة».

(1/877)


وله شفاعة حادية عشرة: وهي في إجابة المؤذِّن: «ثمَّ صلَّى عليه؛ حلَّت عليه شفاعتي»، (رواه عَبْد الله بن عمرو كما رواه مسلم، ورواه البخاريُّ من حديث جَابِر بن عَبْد الله) [20].
وله صلَّى الله عليه وسلَّم شفاعاتٌ جاءت في أحاديث، وكلُّها داخل فيما تقدَّم من الشَّفاعات، أو غالبها داخل فيما تقدَّم، والله أعلم] [21].
==========
[1] (ابن): سقطت من (ج).
[2] (ثم): ليس في (ب).
[3] في (ب): (وغير).
[4] في النسخ: (شهرًا)، وليس بصحيح.
[5] ما بين قوسين سقط من (ج).
[6] في (ج): (تعد).
[7] ما بين قوسين سقط من (ب) و (ج).
[8] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[9] في (ب) و (ج): (المطهر).
[10] (فلم يدخلوها): سقطت من (ج).
[11] (أي): ليس في (ب).
[12] (وكذا): ليس في (ب).
[13] في (ب): (فجوابها).
[14] في (ج): (لأواء المدينة)، وهو مروي من غير هذه الطريق.
[15] (إنَّ): ليس في (ج).
[16] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[17] في (ب): (يفتح).
[18] (شيخنا): ليس في (ب).
[19] في (أ): (وعنه).
[20] ما بين قوسين سقط من (ب).
[21] ما بين معقوفين سقط من (ج).

(1/878)


[باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا]
قَولُهُ: (بَاب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا): وجه مطابقة هذا التَّبويب للحديث المذكور قوله فيه: (فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ)، وظاهره أنَّهم صلُّوا بغير ماء ولم تنزل [1] آية التَّيمُّم، فبلا تيمُّمٍ أيضًا، وقد جاء في رواية أخرى: التَّصريح بأنَّهم صلُّوا بغير وضوء، وهي في «مسلم»، فظهرت المطابقة، وهذا ظاهر، إلَّا أنِّي سئلت عنه؛ فلهذا ذكرته، وفقدان الماء في حقِّهم كفقدان الماء والتُّراب بعد مشروعيَّة التَّيمُّم، ولأنَّهم مأمورون بالصَّلاة بالطَّهارة، فإذا [2] عجزوا عنِ البعض؛ أتَوا بالباقي، والله أعلم.

(1/879)


[حديث عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت]
336# قَولُهُ: (مِنْ أَسْمَاءَ): هي أختها لأبيها بنت أبي بكرٍ الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عنهما، أمُّ عَبْد الله بن الزُّبير، تقدَّم بعض ترجمتها، تُوفِّيت بعد ابنها بقليل.
قَولُهُ: (رَجُلًا فَوَجَدَهَا): اعلم أنَّ في «مبهمات ابن بشكوال»: (فأرسل رجلين من المسلمين في طلبها ... )؛ الحديث، وسمَّى الرَّجلين: أُسيد بن الحُضير والزُّبير، قال: (والشَّاهد لذلك في «أبي داود» من رواية ابن داسة وغيرها) انتهى، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (هو أُسَيد بن الحُضير؛ أعني: في حديث «الصَّحيح»: «رجلًا فوجدها» كما جاء [1] في رواية: بعث أُسَيدَ بن حُضير وأناسًا معه) انتهى.
قَولُهُ: (فَقَالَ [2] أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ): تقدَّم ضبطهما في الصَّفحة قبل هذه.
قَولُهُ: (جَزَاكِ اللهُ): هو بكسر الكاف، وكذا: (بكِ)، و (ذلكِ)، و (كذلكِ) [3]، خطاب لمؤنَّث، وهذا في غاية الظُّهور.
==========
[1] (جاء): ليس في (ج).
[2] (فقال): ليس في (ج).
[3] في (ب): (وكذلك، وذلك).
[ج 1 ص 138]

(1/880)


[باب التيمم في الحضر]
قَولُهُ: (وَبِه قَالَ عَطَاءٌ): تقدَّم مرَّات أنَّ هذا هو عطاء بن أبي رَباح، مفتي أهل مكَّة.
قَولُهُ: (وَقَالَ الحَسَنُ): تقدَّم مرارًا أنَّ هذا هو الحسن بن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور.
قَولُهُ: (بِالجُرُفِ): هو بالجيم والرَّاء المضمومتين، ثمَّ الفاء، قال الدِّمياطيُّ: (الجرف على ثلاثة أميال من المدينة) انتهى، وقال شيخنا الشَّارح: (قال الزُّبير: الجرف على ميل من المدينة، وقال ابن إسحاق: على فرسخ، وهناك كان المسلمون يعسكرون إِذَا أرادوا الغزو) انتهى، وفي «المطالع»: على ثلاثة أميال إلى [1] جهة الشَّام، ويُعرَف اليوم ببئر جشم وبئر جمل، وكذا عزاه شيخي لـ «المطالع».
قَولُهُ: (بِمِرْبَدِ النَّعَمِ): المِربد؛ بكسر الميم _قال شيخنا: (قال ابن التِّين: رُوِّيناه: بفتح الميم، وهو في اللُّغة بكسرها) انتهى_ وإسكان الرَّاء، ثُمَّ [2] موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ دال مهملة، قال الدِّمياطيُّ: والمِربد بينه وبين المدينة ميلان، تُحبَس فيه الإبل.
==========
[1] في (ب): (على).
[2] (ثم): سقطت من (ب).
[ج 1 ص 138]

(1/881)


[حديث: أقبل النبي من نحو بير جمل]
337# قَولُهُ: (عن الأَعْرَجِ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن هرمز الأعرج.
قَولُهُ: (سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ): هو عمير _بالتَّصغير_ ابن عَبْد الله الهلاليُّ، عن مولاته أمِّ الفضل _وقيل: إنَّه مولى ابنها عَبْد الله، (كما وقع هنا في «الصَّحيح») [1]_، وابن عبَّاس، وعنه: سالمٌ أبو النَّضر، وجماعة، مات بالمدينة سنة (104 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.
تنبيه: قولي: (عمير بن عَبْد الله): كذا سمَّى أباه الذَّهبيُّ في «الكاشف» و «التَّذهيب» تبعًا للمزِّيِّ، وقد اعترض الحافظ علاء الدِّين مغلطاي شيخ شيوخي على المِزِّيِّ في تسمية أبيه عَبْد الله، وقال [2]: (ابن سعد، وخليفة، والبخاريُّ، ومسلم، وابن أبي حاتم، وابن حِبَّان، والنَّسائيُّ في «الكنى والتَّمييز»، و «الكنى» لأبي أحمد، ولأبي [3] بكر ابن أبي شيبة، وابن صاعد [4]، والدُّولابيُّ في «تاريخه»، ويعقوب بن سفيان في «تاريخه»، وابن خلفون في كتاب «الثِّقات»، وابن إسحاق في «السِّير» في جماعة يطول ذكرهم لَمْ نرَ أحدًا [5] سمَّى أباه، فينظر من سلف المِزِّيَّ في ذلك) انتهى.
قَولُهُ: (وَعَبْدُ الله بْنُ يَسَارٍ): هو بالمثنَّاة تحتُ، وبالسِّين المهملة، مولى ميمونة زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، هذا لَمْ أر له رواية في الكتب السِّتَّة ولا في مصنَّفاتهم، لكن ذكره ابن حِبَّان في «ثقاته»، فقال: (عبد الله بن يسار مولى ميمونة أخو سُلَيْمَان وعبد الملك وعطاء بني [6] يسار، يروي عن رجل من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عداده في أهل المدينة [7]، يروي عنه أهلها، وليس هو بصاحب سُلَيْمَان بن [8] صُرَد وخالد بن عرفطة) انتهى لفظه [9]، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب «الجرح والتَّعديل»، فقال ما لفظه: (عبد الله بن يسار مولى ميمونة، أخو سُلَيْمَان بن يسار المدينيِّ [10]، هو أخو عَبْد الملك بن يسار وأخو عطاء بن يسار، كانوا إخوة) انتهى، لَمْ يزد على هذا.

(1/882)


قَولُهُ: (حَتَّى دَخَلنَا على أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ [11]): (أبو جُهَيم) هذا: هو بضمِّ الجيم، وفتح الهاء، مصغَّر، صحابيٌّ معروف، واسمه عَبْد الله بن الحارث بن الصِّمَّة بن عَمرو، ويقال: ابن الصِّمَّة بن حارثة الأنصاريُّ الخزرجيُّ، له صحبة ورواية، وعنه: بُسر ومُسْلِم ابنا سعيد، وعمير مولى ابن عبَّاس، وعبد الله بن يسار، له في الكتب حديثان، أخرج له الجماعة رَضِيَ الله عنه، قال الدِّمياطيُّ: (الصِّمَّة بن عَمرو بن عتيك بن عَمرو بن مبذول عامر بن مالك بن النَّجَّار، وأخوه سعد [بن الحارث] له
[ج 1 ص 138]
صحبة أيضًا، قتل بصفِّين مع عليٍّ، وأبوه [12] الحارث [13] كُسِر بالرَّوحاء يوم بدر فرُدَّ، وضرب له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسهمه وأجره، وقَتَل يوم أحُد عثمانَ بن عبيد الله بن المغيرة المخزوميَّ، وأخذ سَلَبه درعًا ومغفرًا وسيفًا جيِّدًا، فسلَّبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يسلِّب يومئذ غيره، وقُتِل يوم بئر معونة) انتهى.
قَولُهُ: (بِئْرِ جَمَلٍ): هو بفتح الجيم والميم: موضع بالمدينة فيه مال من أموالهم، وقد تقدَّم قبيله [14] أنَّه بئر جشم، تقدَّم [15] في (الجرف) [16]، وأين هو [17] من المدينة.
قَولُهُ: (فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ): هذا الرَّجل قال شيخنا: (روى الدَّارقطنيُّ: أنَّه أبو جهيم) انتهى [18]، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (روى الحديث الشَّافعيُّ في «الأمِّ» من طريق إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الحُوَيْرِثِ عنِ الأَعْرَجِ عنِ ابن الصِّمَّةِ قال: مَرَرْت على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يَبُولُ فَسَلَّمْت عليه، فلم يَرُدَّ عَلَيَّ حتَّى قام إلى جِدَارٍ فَمسحهُ بِعَصًا كانت معه، ثُمَّ مَسَحَ يَده على الجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه»، ففي هذا تعيين المبهم، وهو أبو جُهَيم نفسه، كنَّى عن نفسه) انتهى، وقد نقل شيخنا عزوه في «شرحه» للدَّارقطنيِّ وإلى [19] الشَّافعيِّ.
==========
[1] ما بين قوسين ليس في (ج).
[2] في (ب): (فقال).
[3] في (ج): (و «الكنى» لأبي).
[4] في (ب): (ضباعة).
[5] (لم نر أحدًا): ليس في (ج).
[6] في النسخ: (بنو)، وكُتِب فوقها: (كذا)، والمثبت موافق لما في «الثقات».
[7] في (ب): (الحديبية)، وهو تحريفٌ.
[8] (بن): سقطت من (ب).
[9] زيد في (ب): (قوله).

(1/883)


[10] في (ب): (المدني).
[11] في هامش (ق): (الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول عامر بن مالك بن النجار، وأخوه سعد بن الحارث، له صحبة أيضًا، قتل بصفين مع علي، وأبوه الحارث كُسر بالروحاء يوم بدر فرد، وضرب له رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسهم وأجره، وقَتَل يوم أُحُد عثمان بن عبيد الله بن المغيرة المخزومي وأخذ سلبه درعًا ومغفرًا وسيفًا).
[12] في (ب): (وأبو)، وليس بصحيح.
[13] (الحارث): ليس في (ج).
[14] (قبيله): ليس في (ب).
[15] في (ب) و (ج): (وتقدم)، وضُرِب على الواو في: (أ).
[16] أي: تقدم في كلامه على (الجرف) أعلاه.
[17] في (ج): (وأنَّه).
[18] زيد في (ب): (قرأته عليه).
[19] في (ب): (كذا في).

(1/884)


[باب: المتيمم هل ينفخ فيهما؟]

(1/885)


[حديث: إنما كان يكفيك هكذا]
338# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا [1] الحَكَمُ): هو ابن عتيبة، تصغير عتبة، تقدَّم، وتقدَّم [2] بعض ترجمته، وأنَّ لهم آخر يقال له: الحكم بن عتيبة، وَهِم [3] البخاريُّ فجعلهما واحدًا.
قَولُهُ: (عن ذَرٍّ): هو بفتح الذَّال المعجمة، وتشديد الرَّاء، وهو ابن عَبْد الله بن زُرارة الهمْدانيُّ الكوفيُّ، عنِ المُسَيَّب بن نَجَبَة، وعبد الله بن شدَّاد، وعنه: عمر بن ذرٍّ، ومنصور، والأعمش، هجره سعيد بن جبير؛ لإرجائه، أخرج له الجماعة، وهو موثَّق [4]، وثَّقه ابن مَعِين وغيره، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، قال في ترجمته: (قال أحمد: لا بأس به، هو أوَّل من تكلَّم في الإرجاء) انتهى، وقد قدَّمت في (كتاب الإيمان) [خ¦48]: أنَّ أوَّل المرجئة: الحسن [5] بن محمَّد [6] ابن الحنفيَّة، وأنَّ له مصنَّفًا [7]، وذكرت هناك جمعًا بين هذين الكلامين، والله أعلم.
قَولُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ إلى عُمَرَ بن الخطَّاب): هذا الرَّجل لا أعرف اسمه.
قَولُهُ: (فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ): هو بضمِّ الهمزة، وهو رباعيٌّ، أصاب: وجد.

(1/886)


[باب التيمم للوجه والكفين]

(1/887)


[حديث عمار وفيه: ثم مسح وجهه وكفينه]
339# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ): هو ابن منهال الأنماطيُّ البصريُّ، عن قُرَّة، وشعبة، وعنه: البخاريُّ، وعن [1] واحد عنه أيضًا، وروى عنه: عبد بن حميد والكجِّيُّ، وكان دلَّالًا ثقة ورِعًا، ذا سنَّة وفضل، تُوفِّي سنة (217 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به رحمه الله.
قَولُهُ: (عَنِ الحَكَم): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن عتيبة، وتقدَّم بعض ترجمته قبل ذلك.
قَولُهُ: (عن ذَرٍّ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.
قَولُهُ: (وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ): أمَّا (النَّضر)؛ فقد تقدَّم أنَّه بالضَّاد، وأن (نصرًا) _ بالمهملة_ لا يأتي بالألف واللَّام، وهذا هو ابن شُميل _ بضم الشين المعجمة_ أبو الحسن المازنيُّ البصريُّ النَّحويُّ، شيخ مرو ومحدِّثها، عن حميد، وهشام بن عروة، وعنه: ابن مَعِين، وإسحاق، والدارميُّ، ثقة إمام، صاحب سنَّة، مات في سلخ سنة (203 هـ)، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به، وهذا تعليق مجزوم به [2]، فهو على شرطه، والحكمة في الإتيان به: أنَّه أتى فيه الحَكَمُ بالسَّماع من ذرٍّ، وهو مدلِّس، فانتفى [3] به ما يُحذَر منه مع أنَّ فيه فائدةً أخرى؛ وهي أنَّه سمعه من ابن عَبْد الرَّحمن بن أبزى؛ يعني: سعيدًا أيضًا؛ يعني: شيخ ذرٍّ، فعَلَا رجلًا، وزال التَّدليس، وتعليقه هذا أخرجه مُسْلِم في (الطَّهارة) عن إسحاق بن منصور، عنِ النَّضر به.
قَولُهُ: (عن ابْنِ عَبْدِ الرَّحمن بْنِ أَبْزَى): تقدَّم أنَّه سعيد، وهذا ظاهر.
قَولُهُ: (كُنَّا في سَرِيَّةٍ): السَّريَّة: قال يعقوب: هي ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مئة، وقال الخليل: هي نحو أربع مئة، وقد تقدَّم.
قَولُهُ: (فَأَجْنَبْنَا): تقدَّم أنَّه يقال: أجنب الرَّجل وجُنِب؛ بضمِّ الجيم، وكسر النُّون، والأوَّل أفصح.
قَولُهُ: (وَقَالَ تَفَلَ فيهمَا): التَّفل: هو بالمثنَّاة فوق، لا المثلَّثة، وهو البصق القليل، والنَّفث مثله إلَّا أنَّه ريح بغير بزاق، وقيل: هما بمعنًى، وعليه يدلُّ قوله: (وتفل فيهما)، ليس بموضع بزاق، وقيل: بعكس ما تقدَّم فيهما، والتَّفل: البزاق نفسه، يقال فيه: تفل يتفِل ويتفُل؛ لغتان في المستقبل.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه بفتح الكاف، وبالثَّاء المثلَّثة.

(1/888)


قَولُهُ: (عنِ الحَكَمِ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه ابن عتيبة، وتقدَّم بعض ترجمته ووَهَمُ البخاريِّ فيه.
قَولُهُ: (عنْ ذَرٍّ): تقدَّم أعلاه ترجمته، وما يتعلَّق به.
قَولُهُ: (عن ابْنِ عَبْدِ الرَّحمن بْنِ أَبْزَى): تقدَّم أعلاه أنَّه سعيد.
قَولُهُ: (يَكْفيكَ الوَجْهَ وَالكَفَّيْنِ): كذا في أصلنا بالنصب، وفي نسخة طارئة في هامش أصلنا: (الوجهُ والكفَّان)، وهذه لا تحتاج كلامًا، وأمَّا التي في أصلنا؛ أي: للوجه والكفَّين، أو الجرُّ على تقدير: يكفيك مسحُ الوجهِ والكفَّين؛ فحُذِفَ (مسح)، وبقي الإعراب، والله أعلم.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ): تقدَّم أنَّه مُسْلِم بن إبراهيم الأزديُّ الفراهيديُّ؛ نسبة إلى جدِّه فُرهود، وقد قدَّمت أنَّ النِّسبة: فراهيديٌّ وفُرهوديٌّ، الحافظ أبو عمرو، عنِ ابن عون حديثًا واحدًا، وعن قُرَّة [4]، وهشام الدَّستوائيِّ، وشعبة، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، والدارميُّ، وعبد، ومحمَّد بن الضُّرَيس، وأبو خليفة، ولم يسمع بغير البصرة، قال ابن معين: ثقة مأمون، تُوفِّي سنة (222 هـ) في صفر، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم لكن [5] طال العهد به.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم غير مرَّة أنَّ بَشَّارًا _بفتح الموحَّدة، وشين معجمة مشدَّدة_ بندار، وتقدَّم شيء من ترجمته، وما هو البندار.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا غُنْدرٌ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، تقدَّم بعض ترجمته.
==========
[1] في (ج): (عن).
[2] (به): سقطت من (ب).
[3] في (ج): (وانتفى).
[4] في (ب): (فروة)، وهو تحريفٌ.
[5] في (ج): (ولكن).
[ج 1 ص 139]

(1/889)


[باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء]
قَولُهُ: (وَضُوءُ المُسْلِمِ): هو بفتح الواو: الطَّهور، وتقدَّم أنَّه يجوز ضمُّ الواو.
[ج 1 ص 139]
قَولُهُ: (يَكْفيه): هو بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ، وهذا ظاهر جدًّا.
قَولُهُ: (وَقَالَ الحَسَنُ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحسن بن أبي الحسن يسار البصريُّ، العالم المشهور.
قَولُهُ: (يَجْزِيهُ): هذا يجوز فيه الثُّلاثيُّ والرُّباعيُّ: جزى وأجزأ، والله أعلم، وهو في أصلنا مهموز رباعيٌّ.
قَولُهُ: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا الظَّاهر أنَّه يحيى بن سعيد الأنصاريُّ؛ لأنِّي رأيتهم ينقلون عنه في مسائل، وقد تكرَّر ذكره في «مختصر المزنيِّ»، وذكره صاحب «المهذَّب» في أوَّل (الرَّضاع) وأوَّل (حدِّ القذف)، ولم ينبِّه عليه شيخنا ولا عزا أثره، وهو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن يزيد بن ثعلبة بن غنم بن النَّجَّار، الأنصاريُّ النَّجَّاريُّ المدنيُّ التَّابعيُّ القاضي، قاضي المدينة المشرَّفة، وأقدمه المنصورُ العراقَ، فولَّاه قضاء الهاشميَّة، وقيل: تولَّى القضاء ببغداد، ولم يثبت، وقيل في نسبه [1]: إنَّه يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد [2]، ولا يصحُّ، وهو حافظ فقيه إمام حجَّة، أخرج له الجماعة، مات سنة (143 هـ).
قَولُهُ: (على السَّبَخَةِ): هي واحدة السِّباخ، وهي بفتح السِّين، والباء الموحَّدة؛ وهي الأرض المالحة، وجمعها: سِباخ، فإذا وصفت بها الأرض؛ قلت: سبِخة؛ بكسر الباء.
قَولُهُ: (وَالتَّيَمُّمِ بِهَا): هو بجرِّه معطوف على (الصَّلاة).
==========
[1] في (ج): (تسميته).
[2] في (أ) و (ج): (قهدم)، وفي (ب): (فهدم)، والمثبت موافق لما في المصادر.

(1/890)


[حديث: كنا في سفر مع النبي وإنا أسرينا]
344# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ): وفي نسخة هي في أصلنا وعليها علامة راويها: (ابن مسرهد)، واعلم أنَّ هذا الرَّجل مشهور جدًّا، ولا يوجد مثل أسماء آبائه، واسمه مسدَّد بن مسرهَد بن مُسربل بن مغربل بن مُطَربل [1]، أبو الحسن البصريُّ، وذكر ابن ماكولا عن أبي عليٍّ الخالديِّ: أنَّه مسدَّد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرغبل [2] بن أزندل بن سرندل [3] بن عرندل بن ماشك بن المستورد الأسَديُّ، وقال أحمد ابن يونس الرقيُّ: (جئت إلى أبي نعيم بالكوفة، فقال: من مُحدِّث البصرة؟ قلت: مسدَّد بن مسرهد بن مسربل الأسَديُّ، فقال: لو كان في هذه التَّسمية: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم؛ كانت رقية للعقرب [4]) انتهى، وهو أبو الحسن الحافظ البصريُّ، عن جويرية بن أسماء، وحمَّاد بن زيد، وأبي عوانة، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو خليفة، مات سنة (228 هـ)، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، قال بعضهم: اسمه عبد الملك بن عَبْد العزيز، ومسدَّد ومسرهد لقبان، قال ابن معين عن يحيى بن سعيد القطَّان: لو أتيتُ مسدَّدًا فحدَّثتُه في بيته؛ لكان يستأهل [5]، وسيأتي هذا الكلام في هذا «الصَّحيح»، وثناء النَّاس عليه كثير، وثَّقه ابن معين، وقال [6]: ثقة ثقة [7]، والعجليُّ فقال: ثقة، وقال ابن حنبل [8]: صدوق.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو القطَّان، حافظ الإسلام، ومحدِّث الدُّنيا الذي قال فيه أحمد: ما رأت عيناي مثل يحيى بن سعيد، وقد تقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ): هذا هو عوف الأعرابيُّ، وإنَّما قيل له: الأعرابيُّ؛ لدخوله [9] درب الأعراب، قاله ابن دقيق العيد أبو الفتح العلَّامة، روى عن أبي العالية، والنَّهديِّ، وأبي رجاء، وخلق، وعنه: القطَّان، وغُنْدر، وهوذة، وعثمان بن الهيثم، وخلق، قال النَّسائيُّ: ثقة ثبت، مات سنة (147 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

(1/891)


قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ): هذا هو العطارديُّ، واسمه عمران بن تيم، وقيل: ابن ملحان، وقُدِّمَ، وقيل: ابن عَبْد الله أبو رجاء، أسلم في حياته صلَّى الله عليه وسلَّم، وروى عن عمر، وعليٍّ، وعدَّة، وعنه: أيُّوب، وجرير بن حازم، ومهديُّ بن ميمون، وخلق، وكان عالمًا عاملًا مُعمَّرًا نبيلًا من القرَّاء، مات سنة (107 هـ)، وقِيلَ: سنة (108 هـ)، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (عن عِمْرَانَ): هذا هو ابن حُصَين؛ مصغَّرًا، وقد تقدَّم أنَّ الأسماء بالضَّمِّ، والكنى بالفتح، وهو خزاعيٌّ أبو نُجَيْد، أسلم مع أبي هريرة، وعنه: مطرِّف ويزيد ابنا [10] الشِّخِّير، وجماعة، وبعثه عمر رضي الله عنه إلى البصرة؛ ليفقِّههم، مناقبه كثيرة؛ منها: أنَّ الملائكة كانت تسلِّم عليه، كما رواه مسلم [11]، توفِّي سنة (52 هـ)، أخرج له الجماعة، وأمَّا أبوه [12] الحُصَين بن عبيد بن خلف بن عَبْد نهم؛ فذكره غير واحد في الصَّحابة؛ منهم: ابن عبد البَرِّ وغيره، وجزم بها الذَّهبيُّ في «تجريده»،، وقال: (ذكره الثلاثة) [13]، وروى له النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة»، قال المِزِّيُّ في «تهذيبه» وكذا الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: مُختلَف في إسلامه، زاد المِزِّيُّ: وقد قيل: إنَّه مات مُشرِكًا، قال الشَّيخ علاء الدِّين مغلطاي شيخ شيوخي: فيه نظر، ثُمَّ ذكر ردَّ ذلك مُطوَّلًا؛ فانظره إن أردته من كتابه «التَّقريب»، فإنَّ فيه فوائدَ، ولا يستغني عنه مَن عنده «تهذيب الكمال» للمزِّيِّ، وكذا مَنْ عنده «التَّذهيب» للذهبيِّ، والله أعلم.

(1/892)


قَولُهُ: (كُنَّا في سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قال شيخنا المؤلِّف: (اختُلِف في تعيينه؛ ففي «مُسْلِم» من طريق أبي هريرة: (حين قفل [14] من غزوة خيبر)؛ بالخاء المعجمة، ورواه بعضهم: (حنين)، قال: والأوَّل غلط، وصحَّح غيرُ واحد قول مَنْ قال: (خيبر)، وفي حديث ابن مسعود: (أنَّ نومه كان عام الحديبية)، وذلك في زمن خيبر؛ يعني: إِذَا قلنا: إنَّها في سَنَةَ ستٍّ، قال: وفي رواية: (بتبوك)، أخرجها البيهقيُّ في «دلائله» في مسيره إليها، وفي رواية: (حين قفل)؛ أي: منها، وقال شيخنا الشَّارح بعد ذلك: قال ابن العربيِّ: ثبت في «الصَّحيح» عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم النَّومُ عنِ الصَّلاة ثلاثَ مرَّات؛ إحداها: رواية أبي قتادة، ولم يحضر مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكر وعمر، ثانيها: رواية عمران بن الحُصَين حضراها، ثالثها: رواية أبي هريرة، حضرها أبو بكر وبلال، ووقع في «أبي داود» في حديث أبي قتادة: (بَعَثَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جَيْشَ الأُمَرَاءِ ... )؛ فذكره، وفيه نظر؛ لأنَّ جيش الأمراء كان في مؤتة سنة ثمانٍ، ولم يشهدها عليه السَّلام، لا شكَّ في [15] غيبته عنها.

(1/893)


ومن تأمَّل الأحاديث؛ وجد نومه أكثر من مرَّة، ووجه الجمع بين الرِّوايات فيه صعوبة، وقال الشَّيخ مُحيِي الدِّين في «شرح مسلم»: (هذه الأحاديث جرت في سفرتين أو أسفار، لا في سفرة واحدة، وظاهر ألفاظها يقتضي ذلك) انتهى، وقال قبل ذلك بقليل: (واختلفوا في هذا النوم هل كان مرَّة أو مرَّتين؟ وظاهر الأحاديث مرَّتان) انتهى، والظَّاهر: أنَّ هذا من تكملة كلام القاضي، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في (غزوة خيبر) في «الهدي» لمَّا ذكر حديث النَّوم عنِ الصَّلاة مقفله عن خيبر؛ قال: (وهذه أصحُّ مِنْ قول مَنْ قال: كان ذلك في غزوة حنين، ومن قال في روايته للحديث: كان ذلك عام الحُدَيْبِيَة؛ فليس بمخالف للرواية الأولى، وقال أيضًا: اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا انصرف عن وادي القرى راجعًا إلى المدينة؛ فلمَّا كان ببعض الطَّريق؛ سار ليلة حتَّى إِذَا كان ببعض الطَّريق [16]؛ عرَّس، وقال لبلال: «اكلأ لنا [17] اللَّيل»، فغلبت بلالًا عيناه، والقصَّة معروفة، وقد رُوِي: أنَّ هذه القصَّة كانت في مرجعهم من الحديبية، ورُوِيَ: أنَّها كانت مرجعه من تبوك، وقد روى قصَّة النَّوم عن صلاة الصُّبح عمران بن حُصَين، ولم يوقِّت مدَّتها، ولا ذكر في أيِّ غزوة كانت، وكذلك رواها أبو قتادة، وكلاهما في قصَّة طويلة محفوظة، وروى مالك عن زيد بن أسلم: أنَّ ذلك كان بطريق
[ج 1 ص 140]
مكَّة، وهذا مُرسَل، وقد روى شعبة عن جامع بن شدَّاد قال: سمعت عَبْد الرَّحمن بن علقمة قال: سمعت عَبْد الله بن مسعود قال: (أقبلنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زمن الحديبية، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «من يكلؤنا؟» فقال بلال: أنا ... )؛ وذكر القصَّة، ولكن قد اضطربت الرِّواية [18] في هذه القصَّة، فقال عَبْد الرَّحمن بن مهديٍّ، عن شعبة، عن جامع: إنَّ الحارس فيها كان ابن مسعود، وقال غُنْدر عنه: إنَّ الحارس كان بلالًا، واضطربت الرِّواية في تاريخها، فقال المعتمر بن سُلَيْمَان عن شعبة عنه: إنَّها كانت في غزوة تبوك، وقد قال غيره عنه: إنَّها كانت في مرجعهم من الحديبية، فدلَّ على وهمٍ وقع فيها، ورواية الزُّهْرِيِّ عن سعيد سالمةٌ من ذلك) انتهى، وكان ينبغي أنْ نؤخِّر هذا الكلام إلى ما بعد ذلك، ولكن انجرَّ بنا الكلام إلى ذلك.

(1/894)


قَولُهُ: (وَإِنَّا أَسْرَيْنَا): أي: سرينا ليلًا، يقال: سرى وأسرى، وقد قرئ: {فاسر} و {فَأَسْرِ} [هود: 81]، والاسم السُّرى [19]، وقال السُّهيليُّ في أوَّل حديث الإسراء في «روضه»: (اتَّفقت الرُّواة على تسميته: إسراء، ولم يسمِّه أحد منهم: سُرًى، وإن كان أهل اللُّغة قد قالوا: سرى وأسرى بمعنًى واحدٍ، فدلَّ على أنَّ أهل اللُّغة لم يحقِّقوا العبارة، وذلك أنَّ [20] القرَّاء لم يختلفوا في التِّلاوة من قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]، ولم يقل: سرى، وقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي} [الفجر: 4]، ولم يقل: يُسري، فدلَّ على أنَّ السُّرى من سريت؛ إذا سرت ليلًا، وهي مؤنَّثة، تقول: طالت سُراك اللَّيلة، والإسراء: متعدٍّ في المعنى، لكن حُذِفَ مفعوله كثيرًا حتَّى ظنَّ أهل اللُّغة أنَّهما بمعنًى واحدٍ؛ لما رأوهما غير متعدِّيين إلى مفعول في اللَّفظ، وإنَّما {أَسْرَى بِعَبْدِهِ}؛ أي: جعل البراق [21] يسري به، كما تقول: أمضيتُه؛ أي: جعلته يمضي [22]، لكن كثر حذف المفعول؛ لقوَّة الدَّلالة عليه، أو للاستغناء عن ذكره؛ إذ المقصود بالخبر ذكر محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم لا ذكر الدابَّة التي سارت به، وجاز في قصَّة لوط أنْ يقال: {فَاسْرِ بِأَهْلِكَ}؛ أي: سِرْ بهم: وأن تقرأ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}؛ بالقَطْع؛ أي [23]: فأسر بهم ما يتحمَّلون عليه من دابَّة أو نحوها، ولم يُتصوَّر ذلك في السُّرى بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ لا يجوز أ ن يقال: سرى بعبده بوجه من الوجوه، فلذلك لم تأت التِّلاوة إلَّا بوجه واحد في هذه القصَّة؛ فتدبَّرْه)، وهو كلام حسن، ولو لخَّصناه؛ كان أولى بنا.
قَولُهُ: (فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ): (أيقظَ) [24]: هو بفتح الظاء، فعل ماض ومفعوله، و (حرُّ): بالرَّفع فاعل.
قَولُهُ: (وَكَانَ أَوَّلَ مَن اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ... ) إلى أن قال: (ثُمَّ عُمَرُ الرَّابعُ): قال شيخنا الشَّارح: (جاء في رواية سَلْم بن زَرِير عن أبي رجاء قال: «أوَّل من استيقظ أبو بكر، ثُمَّ عُمر»، وفي رواية أبي هريرة: «فكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أوَّلَهم استيقاظًا») قال: (وهذا يدلُّ على أنَّ ذلك وقع أكثر من مرَّة) انتهى، وقد قدَّمت كلام ابن قيِّم الجوزيَّة؛ فانظره، فإنَّه قريب ذكرته، وأبو رجاء: تقدَّم أنَّه عمران بن ملحان، وقيل في اسم أبيه غير ذلك، وقد تقدَّم بظاهرها.

(1/895)


قَولُهُ: (مَا أَصَابَ النَّاسَ): (النَّاس): بالنصب مفعول، وهذا ظاهر.
قَولُهُ: (جَلِيدًا): هو بفتح الجيم، وكسر اللَّام؛ أي: قويًّا.
قَولُهُ: (لَا ضَيْرَ): أي: ما جرى لا يضُرُّ.
قَولُهُ: (بِالوَضُوءِ): هو بفتح الواو: الماء، وقد تقدَّم مرارًا أنَّه يجوز الضَّمُّ.
قَولُهُ: (إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ [25]): قال شيخنا الشَّارح: (وقد سلف تعيين هذا المبهم)، ولم أنظره أنا في كلامه، ولا رأيته في «مبهمات ابن شيخنا البلقينيِّ»، بل تركه مفتوحًا، (وقال حافظ عصري: هذا الرَّجل لَمْ يسمَّ، ووهم من زعم أنَّه خلَّاد بن رافع، انتهى) [26]
قَولُهُ: (فَإِنَّهُ يَكْفيكَ): هو بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ، وهذا ظاهر جدًّا.
قَولُهُ: (فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ [نَسِيَهُ عَوْفٌ] وَدَعَا عَلِيًّا [27]): قال شيخنا: (فلان هو عمران بن حُصَين، كما جاء في رواية سَلْم بن زَرِير) انتهى، ورواية سَلْم في «البخاريِّ» في (باب علامات النُّبوَّة في الإسلام) أوَّل حديث في الباب فيه، وهو حديث عمران بن حُصَين، وفيه: (وجعلني رسولُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ركوب بين يديه)، قال ابن شيخنا البلقينيِّ [28]: (والظَّاهر: أنه الزُّبير بن العوَّام)، ثُمَّ ذكر شاهده من عند البيهقي في «دلائله».
قَولُهُ: (فَابْتَغِيَا المَاءَ): أي: اطلباه.
قَولُهُ: (فَلَقِيَا [29] امْرَأَةً): هذه المرأة لا أعرف اسمها، وقد أسلمت بعد ذلك، كما في القصَّة.
قَولُهُ: (مَزَادَتَيْنِ): المَزادة؛ بفتح الميم: أكبر من القربة، وقال ابن قُرقُول: (قيل: المَزادة: ما زيد فيه جلد ثَالِث بين جلدين؛ ليتَّسع، وقيل: هي [30] القربة الكبيرة التي تُحمَل على الدابَّة، سُمِّيت من الزيادة فيها من غيرها، مفعلة من ذلك، وهو من معنى الأوَّل، وهي الرَّاوية [31] بعينها) [32].
قوله: (أَوْ سَطِيحَتَيْنِ): قال ابن قُرقُول: (هو وعاء من جلدين، وقال ابن الأعرابيِّ: هي المزادة إِذَا كانت من جلدين أحدهما على الآخر) [33].
قَولُهُ: (هَذِهِ السَّاعَةَ): هي بالنصب والجرِّ، كذا في أصلنا، وعليها: (معًا).

(1/896)


قَولُهُ: (وَنَفَرُنَا خُلُوفًا): النَّفَر؛ بالتَّحريك: يقع على جماعة من الرِّجال خاصَّة، ما بين الثَّلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه، قال في «المطالع»: أي: جماعة رجالنا مسافرون، والخُلُوف: الذين غاب رجالهم عن نسائهم، والنَّفر: ما بين الثَّلاثة إلى العشرة، وقد يريد ههنا بالنَّفر: من بقي من النِّساء، ويريد به: الرِّجال الغُيَّب، وقوله: (خُلُوفًا): كما في أصلنا: حال سدَّ مسدَّ الخبر، كما قرئ: {وَنَحْنُ عُصْبَةً} [يوسف: 8]، وقد تقدَّم عزوها لعليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، وأمَّا الرَّفع؛ فظاهر.
قَولُهُ: (الصَّابِئُ): قال البخاريُّ عقب [34] هذا الحديث: (صبأ: خرج من دين إلى غيره، وقال أبو العالية: الصَّابِئِينَ: فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزَّبور) انتهى، وقال ابن قُرقُول: («هذا الصَّابئ» و «آوَيْتُم [35] الصُّباة»: جمع صاب؛ مثل: رامٍ ورُمَاة، سُهِّلَتْ [36] همزه، ثُمَّ حُذِفت، ومن أظهر الهمزة؛ قال: الصَّبَأَة؛ مثل: كافر وكَفَرَة، وصابئون: مثل: كافرين؛ ومعناه: الخارج من دين إلى دين غيره، والصَّابئون: أهل ملَّة تشبه النَّصرانيَّة، وتخالفها في وجوه تعلَّقوا فيها بشيء من اليهود، فكأنَّهم خرجوا من الدِّيْنَين إلى ثَالِث، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الدَّراريَّ؛ أي: الكواكب الدُّريَّة، قال [37]: وقبلة صلاتهم مَهَبُّ الجنوب،
[ج 1 ص 141]
ويزعمون أنَّهم على ملَّة نوح عليه السَّلام) [38] انتهى.
قَولُهُ: (وَأَوْكَأَ [39]): هو في أصلنا: مهموز بالقلم، وفيه نظر، وإنَّمَا هو معتلٌّ، وهو بغير همز؛ أي: شدَّ.
قَولُهُ: (العَزَالِيَ): هو بفتح العين المهملة، وبالزاي، واللَّام في آخره مكسورة، ولم يذكر ابن قُرقُول غيره، وقال في «الصِّحاح»: (والعزلاء: فم المزادة الأسفل، والجمع: العزالِي؛ بكسر اللَّام، وإن شئت فتحت؛ مثل: الصَّحارَى والصَّحارِي، والعذارَى والعذارِي).

(1/897)


قَولُهُ: (وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى): (آخر): منصوب في أصلنا بالقلم على أنَّه خبر مقدَّم، و (أن أعطى): الاسم في موضع رفع، ويجوز رفع (آخر)، ونصب (أن أعطى)؛ لأنَّ كليهما معرفة، وفي القرآن العظيم: {لَيْسَ البِرّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177]، و {فَمَا كَان جَوَاب قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا} [النمل: 56]؛ بالنَّصب والرَّفع على قراءة من قرأ الرَّفع في الثانية، و {لَيْسَ البِرّ}: النَّصب والرَّفع في السَّبع.
قَولُهُ: (فَأَفْرِغْهُ): هو بقطع الهمزة، رباعيٌّ.
قَولُهُ: (يُفْعَلُ بِمَائِهَا): (يُفعل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قَولُهُ: (وَايْمُ اللهِ): هو بوصل الهمزة عند أكثر النَّحويِّين، وقد ذكر فيها الجوهريُّ في «صحاحه» كلامًا كثيرًا ولغاتٍ؛ فانظر ذلك إن أردته في (يمن)، وقال ابن قُرقُول: (وأيم الله)؛ بقطع الهمزة ووصلها؛ وهي حَلِفٌ، قال الهرويُّ وغيره كقولهم: يمين الله، ويجمع [40]: أَيْمُنًا، فيقال: وايمُنُ الله، ثُمَّ كثر في الكلام فحذفوا النُّون؛ فقالوا: أَيْمُ الله، ومُ الله، ومَ الله، ومِ الله، ومُنِ [41] الله، ومُنُ الله، وأيمَنُ الله، وأيمُنُ [42] الله، وإِيمُ الله، وأَيمُ الله، وكلُّ ذلك قد قيل، وبسبب هذا الاشتقاق لَمْ يجعل بعضهم الألف أصليَّة، وجعلها زائدة، وجعل بعضهم هذه الكلمة عوضًا من واو القسم، وهو مذهب المبرِّد، كأنَّه يقول: والله لأفعلنَّ، ورُوِيَ عنِ ابن عبَّاس أنَّه قال: إنَّ (يمين): اسم [43] من أسماء الله؛ مثل: (قدير)، قال أبو الهيثم: فالياء منه من اليُمن؛ فيمينٌ ويامُنٌ؛ مثل: قدير وقادِر.
قَولُهُ: (لَقَدْ أُقْلِعَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قَولُهُ: (مِلأَةً): هو بكسر الميم، ثُمَّ لام ساكنة، ثُمَّ همزة مفتوحة قبل تاء التَّأنيث.
قَولُهُ: (وَدُقيقَةٍ [44] وَسُويقَةٍ): هما بالتَّصغير في أصلنا الذي سمعنا فيه على العراقيِّ، وكذا في نسخة الدِّمياطيِّ [45]، وقال شيخنا: (يجوز فيه ضمُّ الدَّال وفتحها، قال ابن التِّين: هما روايتان، قوله: «وسُوَيِّقة»: هو بتشديد الياء) انتهى لفظه.
قَولُهُ: (تَعْلَمِينَ): بفتح أوَّله، وإسكان ثانيه، وفتح ثَالِثه مخفَّفًّا، وفي نسخة الدِّمياطيِّ: مشدَّد اللَّام بالقلم، قَالَ الجوهريُّ: (تَعَلَّمْ) في موضع: (اعْلَمْ)؛ يعني: فهما [46] لغتان.

(1/898)


قَولُهُ: (مَا رَزِئْنَا): قال في «المطالع»: (بكسر الزاي، ومعناه: ما نقصنا)، وقال شيخنا مجد الدِّين في «القاموس»: (رَزَأَه مالَهُ _كـ «جَعَلَهُ وعَلِمَه» _ رُزْءًا؛ أصاب منه شيئًا)، فهذا قد ذكر في الماضي لغتين، وقال شيخنا الشَّارح: (قال ابن التِّين: ورُوِّيناه: بكسر الزاي وفتحها).
قَولُهُ: (وَلَكِنِ اللهُ): الاسم الجليل في أصلنا: مرفوع، فعلى هذا (لكن) مخفَّفة، ولا مانع من تشديد (لكنَّ)، ونصب الاسم الجليل، ويكون من أخوات (إنَّ)، اللهمَّ إلَّا أن تكون الرِّواية كذا.
قَولُهُ: (أَسْقَانَا): يقال: سقى وأسقى؛ لغتان، وهما في القرآن: {نَسْقِيكُم} [النحل: 66]، و {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21]، وكذا ذكره الخليل وابن القوطيَّة، ويقال: بينهما فرق، يقال: سقيته: ناولته يشرب، وأسقيته: جعلت له سُقيًا يشرب مِنْهُ.
قَولُهُ: (احْتَبَسَتْ): أي: تأخَّرت، وكذا قوله: (ما حَبَسَكِ)؛ أي: أخَّرك.
قَولُهُ: (لَهُ الصَّابِئُ): تقدَّم الكلام عليه في الصَّفحة قبل هذه.
قَولُهُ: (بِإِصْبَعَيْهَا): الإصبع فيها عشر لغات؛ تثليث الهمزة، ثمَّ تثليث الباء، والعاشرة: أصبوع.
فائدة شاردة: في الأنملة تسع لغات؛ تثليث الهمزة وتثليث الميم، ثلاثة في ثلاثة بتسعة، وقد حُكي عاشرة، حكاها بعض مشايخي؛ وهي [47] أنمولة، ولغات الأنملة حكاها ابن السِّيد وغيره، قال شيخنا المشار اليه: وأفصح اللُّغات: فتح الهمزة والميم، قال: وحَكى اللَّبليُّ في «شرح الفصيح» عنِ ابن سيده في «المخصَّص» عنِ ابن جنِّي: أنَّ في الأنملة من اللُّغات مثل ما في الإصبع) انتهى، وإذا كان كذلك ولغات الإصبع مشهورات وكذا الأصبوع؛ ففيها الأنمولة، والله أعلم.
قوله: (يُغِيرُونَ): هو بضمِّ أوَّله، رباعيٌّ.
قَولُهُ: (الصِّرْمَ): هو بكسر الصَّاد المهملة، وإسكان الرَّاء، ثُمَّ ميم، قال الدِّمياطيُّ: (قال الخليل: الصِّرم: الطَّائفة من النَّاس) انتهى، وقال ابن قُرقُول: (الصِّرم: القطعة من النَّاس، ينزلون على الماء بأهلهم).

(1/899)


قَولُهُ: (مَا أُرَى): وفي نسخة: (ما أدري) (أَنَّ هَؤُلَاءِ ... ) إلى آخره: هو بضمِّ الهمزة في أصلنا؛ أي: أظنُّ، وعن ابن مالك: أنَّه بفتح الهمزة، و (ما) بمعنى: الذي، و (أنَّ)؛ بفتح الهمزة؛ ومعناه: الذي أعتقد أنَّ هؤلاء يدعونكم عمدًا، لا جهلًا ونسيانًا، وقال غير ابن مالك: يجوز أن تكون (ما): نافية، و (إِنَّ)؛ بكسر الهمزة، و (أدري)؛ بالدَّال؛ ومعناه: لا أعلم حالكم في تخلُّفكم عنِ الإسلام مع أنَّهم يَدَعونكم عمدًا.
قَولُهُ: (يَدَعُونَكُمْ): هو بفتح الدَّال: أي: يتركونكم، والكلام في (ودع) معروف، وقد جاء في القرآن والحديث خلافًا لمن زعم من النُّحاة من إماتة العرب للمصدر والفعل الماضي، وتركهم النُّطق بهما، وقد جاءا في الكلام الفصيح.
قَولُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْد الله: صَبَأَ): هو مهموز وغير مهموز، وقد تقدَّم في الصِّفحة قبل هذه.
قَولُهُ: (وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ): هذا الظَّاهر لي أنَّه رُفَيع بن مِهْران، وذلك لأنَّه من كبار التَّابعين، وهو مخضرم؛ أدرك الجاهليَّة والإسلام، ولم ير النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أسلم بعده عليه الصَّلاة والسَّلام بسنتين، وقد قدَّمت بعض ترجمته، قال أبو بكر بن أبي داود في كتاب «شريعة القارئ»: (ليس أحد بعد الصَّحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير، ثُمَّ السُّديُّ، ثُمَّ سفيان الثَّوريُّ) انتهى، وأبو العالية فيروز لَمْ أَرَهم ترجموه بهذه الأشياء، ولا ذكروا له قولًا بين العلماء، والله أعلم، ولم يذكره شيخنا، بل قال: إنَّ أثره أسنده ابن جرير في «تفسيره».
==========
[1] في (ب): (كطربل).
[2] في (ب): (مرغل).
[3] في (ج): (شرندل).
[4] في (ج): (للعرب)، وهو تحريفٌ.
[5] في (ج): (تساهل).
[6] في (ب): (فقال).
[7] (ثقة): ليس في (ب).
[8] زيد في (ب): (ثقة).
[9] في (ج): (لدخول).
[10] في (ب): (ابن).
[11] زيد في (ب): (قال المزي في «تهذيبه»: وكذا الذهبي في «تذهيبه»)، ولعله تكرار لما سيأتي.
[12] في (ب): (أبو)، هو تحريف.
[13] «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 132)، والمراد بالثلاثة: ابن منده، وابن عبد البر، وأبو نعيم.
[14] في (ب): (دخل)، وهو تحريفٌ.
[15] (في): سقطت من (ج).
[16] (الطريق): سقط من (ب).
[17] في (ب): (اكلأنا).
[18] في (ج): (الرواة).
[19] في (ج): (السَّري).
[20] في (ب): (لأن).
[21] في (ب): (السرى و).

(1/900)


[22] (يمضي): سقطت من (ب).
[23] (أي): سقطت من (ج).
[24] (أيقظ): ليس في (ج).
[25] في (ب): (معترك)، وهو تحريفٌ.
[26] ما بين قوسين ليس في (ج).
[27] (ودعا عليًّا): ليس في (ج).
[28] (البلقيني): ليس في (ج).
[29] كذا في النسخ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فتلقَّيا).
[30] (هي): ليس في (ب).
[31] في (ج): (الرِّواية)، وهو تحريفٌ.
[32] «مطالع الأنوار».
[33] «مطالع الأنوار».
[34] في (ج): (عقيب).
[35] في «اليونينيَّة» (3950) و «المطالع»: (فأويتم).
[36] في (أ): (سُهِّل).
[37] (قال): ليس في (ب).
[38] «مطالع الأنوار».
[39] في هامش (ق): (لا أعرفه إلا بغير همز معتلًا، والله أعلم).
[40] في (ج): (ومجمع).
[41] في «المطالع»: (ومِنِ الله).
[42] في «المطالع»: (وإيمَن الله).
[43] (اسم): ليس في (ج).
[44] في هامش (ق): (بالتصغير فيها، كذا في «اليونينية»، وفي نسخة بخط الحافظ الدِّمياطيّ).
[45] في (ج): (للدمياطي).
[46] في (ج): (فيهما).
[47] في النسخ: (وهو)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.

(1/901)


[باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت ... ]
قَولُهُ: (وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِي): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تقدَّم أنَّ هذا تمريض لهذا، وذكرت أنَّ هذا مُشعِر بصحَّة أصله، ولولا حال الطُّول؛ لذكرتُ كلَّ ما ذُكِر فيه من الأحاديث بصيغة تمريض ما سبَّب ضعفه عنده، والله أعلم، وقد أخرج حديث عمرٍو أبو داود مُطوَّلًا.
قَولُهُ: (أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِي): تقدَّم الكلام على ياء (العاصي) في أوائل هذا التَّعليق مُطوَّلًا، وكلام النَّوويِّ أنَّ الأصحَّ إثبات الياء فيه وفي (ابن الهادي) و (ابن أبي الموالي) و (ابن اليماني)، وتقدَّم كلام ابن الصَّلاح في ياء (العاصي)، والله أعلم.
[ج 1 ص 142]
قَولُهُ: (فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ذُكِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/902)


[حديث عبد الله: لو رخصت لهم في هذا]
345# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ): هو بكسر الموحَّدة، وبالشِّين المعجمة.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ): كذا في أصلنا، وتوضيحُه نسخة _لكن في الأصل_ وعليها علامة راويها: (غُنْدرٌ)، وقد تقدَّم أنَّ غُنْدرًا؛ بضمِّ الغين المعجمة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وأنَّ ابن جريج لقَّبه بذلك، والغُنْدر: المُشغِّب بلغة أهل الحجاز.
قَولُهُ: (عن سُلَيْمَانَ): هذا هو ابن مهران الأعمش أبو محمَّد الكاهليُّ، تقدَّم مرارًا.
قَولُهُ: (عن أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، المشهور، أحد العلماء العاملين، وتقدَّم بعض ترجمته، وسيأتي عقيبه مسمًّى منسوبًا لأبيه.
قَولُهُ: (قَالَ أَبُو مُوسَى): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار الأشعريُّ، الصَّحابيُّ المشهور الكبير.
==========
[ج 1 ص 143]

(1/903)


[حديث أبي موسى: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد .. ]
346# قَولُهُ: (عَنِ الأَعْمَشُ): تقدَّم أعلاه أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ.
قَولُهُ: (إِذَا أَجْنَبَ): تقدَّم أنَّ هذه هي اللُّغة الفصيحة، وأن فيه لغةً أخرى، وهي جُنِب؛ بضمِّ الجيم، وكسر النُّون.
قوله: (كَانَ يَكْفِيكَ): هو بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ، وقد تقدَّم، وهو ظاهر جدًّا.
قَولُهُ: (فَمَا دَرَى): هو معتلُّ الآخر، درى يدرِي؛ أي: علِم.
قَولُهُ: (لَأَوْشَكَ): أي: لأسرع، يُقَال: أَوشَك أنْ يقع في كذا؛ بفتح الهمزة والشِّين؛ ومعناه عند الخليل: أسرع أنَّ يكون كذا وقَرُبَ، وقال أبو عليٍّ: جعلوا له الفعل، كأنَّهم قالوا: يوشِك الفعل، وقال [1] أبو عليٍّ: مثل (عسى) الفعل، قال: ولا يقال: يُوشَك في المستقبل، ولا أَوشَك في الماضي، وأنكر الأصمعيُّ (أوشك) أيضًا، إِنَّمَا يأتي عنده مستقبلًا، والوشك: السُّرعة، وفي «الصِّحاح»: (والعامَّة تقول: يوشَك؛ بفتح الشِّين، وهي لغة رديئة).
قَولُهُ: (إِذَا بَرَدَ): بفتح الرَّاء وتُضَمُّ؛ لغتان.

(1/904)


[باب: التيمم ضربة]
قَولُهُ: (بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ): إن نوَّنتَ (بابًا) مرفوعًا؛ فـ (ضربةٌ) مثله، وإن أضفتَ؛ فـ (ضربة) بالنَّصب حالًا.
==========
[ج 1 ص 143]

(1/905)


[حديث شقيق: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى]
347# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ): كذا في أصلنا، وعلى (سلَام) نسخة وعلامة راويها، وقد تقدَّم أنَّ سلَامًا؛ بتخفيف اللَّام على الأصحِّ، وتقدَّم بعض ترجمة محمَّد ابنه، وقد ذكر هذا الحديث المِزِّيُّ في «أطرافه» في مسند عمَّار، وعنه: أبو موسى، فقال في (الطَّهارة): (عن عُمر [1] بن حفص بن غياث، وعن محمَّد عن أبي معاوية)، فلم ينسبْه.
قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ): تقدَّم أنَّه الضَّرير، محمَّد بن خَازم؛ بالخاء المعجمة، وتقدَّم شيء من ترجمته، وأنَّه حافظ، وأنَّه كان مرجئًا.
قَولُهُ: (عن الأَعْمَشِ): تقدَّم أعلاه أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ، أبو محمَّد الكاهليُّ، وتقدَّم قبل ذلك بكثير ترجمتُه.
قَولُهُ: (لَأَوْشَكُوا): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.
قَولُهُ: (إِذَا بَرَدَ): تقدَّم أنَّ فيه لغتين؛ فتح الرَّاء وضمَّها.
قَولُهُ: (فَأَجْنَبْتُ): تقدَّم أنَّ هذه هي اللُّغة الفصيحة، وأن فيه لغةً أخرى: جُنِب؛ بضمِّ الجيم وكسر النُّون.
قَولُهُ: (كَمَا تَمَرَّغُ): هو بفتح أوَّله وثانيه وثَالِثه مع التَّشديد، وهو محذوف إحدى التَّاءين، وهو فعل مضارع مرفوع، ومعناه معروف.
قَولُهُ: (زَادَ يَعْلَى عنِ الأَعْمَشِ): أمَّا (الأعمش)؛ فقد تقدَّم أعلاه أنَّه سُلَيْمَان بن مِهْرَانَ، وأمَّا (يعلى)؛ فهو ابن عبيد الطَّنافسيُّ [2]، أخو محمَّد وعمر، عن يحيى بن سعيد والأعمش، وعنه: ابن نمير والصَّاغانيُّ، ثقة عابد، وقال ابن معين: ثقة إلَّا في سفيان الثَّوريِّ، مات في شوَّال سنة (209 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وزيادة يعلى بن عبيد لم أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وقال شيخنا: (وصله الإِسْمَاعِيليُّ عنِ ابن زيدان، عن أحمد بن حازم، عن يعلى به) انتهى [3]
قَولُهُ: (عن شَقِيقٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه أبو وائل شقيق بن سلمة [4].
==========
[1] في (ج): (عمرو)، وهو تحريفٌ.
[2] زيد في (ب): (وهو).
[3] (عن يعلى به انتهى): سقطت من (ب) و (ج).
[4] زيد في (ب): (عن يعلى انتهى).
[ج 1 ص 143]

(1/906)


[باب تابع لما سبق]

(1/907)


[حديث: عليك بالصعيد فإنه يكفيك]
348# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرارًا [1] أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، ولقبه عبدان، ولماذا لُقِّب، أوَّل هذا التَّعليق.
قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): تقدَّم أنَّه ابن المبارك، الزَّاهد العالم المشهور، شيخ خراسان.
قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا عَوْفٌ): تقدَّم أنَّه عوف الأعرابيُّ، وتقدَّم أنَّه إنَّما قيل له [2]: الأعرابيُّ؛ لدخوله درب الأعراب، قاله ابن دقيق العيد أبو الفتح، وتقدَّم بعض ترجمته [3]، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ.
قَولُهُ: (عن أَبِي رَجَاءٍ): تقدَّم أنَّه العطارديُّ، وأنَّ اسمه عمران بن ملحان، أو ابن تيم، أو ابن عَبْد الله، تقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا): تقدَّم أنَّ هذا الرَّجل لا أعرفه.
==========
[1] في (ج): (أعلاه).
[2] (له): سقط من (أ).
[3] (وتقدم بعض ترجمته): جاءت في (ب) بعد قوله: (ثقة ثبت).
[ج 1 ص 143]

(1/908)


((8)) (كتاب الصَّلاة)

(1/909)


[باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء]
(باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاة فِي الإِسْرَاءِ ... ) إلى (باب الصَّلَاةِ فِي [1] الْقَمِيصِ ... ) إلى آخره.
سؤال: إن قيل: أيُّ اللَّيلتين أفضل؛ ليلة القدر أم ليلة الإسراء؟
وجوابه: أنَّ ليلة الإسراء في حقِّ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من ليلة القدر، وليلة القدر بالنِّسبة إلى الأمَّة أفضل من ليلة الإسراء، هذا جواب العلَّامة أبي العبَّاس ابن تيمية، والله أعلم.
فائدة: اختلف العلماء في المعراج والإسراء، هل كانا في ليلة واحدة أم لا؟ وأيُّهما كان قبل الآخر؟ وهل كان ذلك كلُّه في اليقظة أو في المنام أو بعضه في اليقظة وبعضه في المنام، أو أنَّه أسري به، ولا يقال: يقظة ولا منامًا؟ حكى هذا ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي»، وهل كان المعراج مرَّةً أو مرَّاتٍ، وقد أنكر هذا الأخير ابن القيِّم في «الهدي»، وقال مغلطاي في «سيرته الصُّغرى»: (إنَّ الإسراء كان في اليقظة بجسده، وإنَّه مرَّات، وإنَّه رأى ربَّه بعين رأسه) انتهى.
وحاصل الأقوال في الإسراء خمسة: يقظة، منام، مرَّة يقظة ومرَّة منام، الرَّابع: الإسراء [2] بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة وبروحه إلى فوق سبع سماوات، والخامس: الذي حكاه ابن القيِّم.
تنبيه: ينبغي أنْ يُعلَم الفرقُ بين قوله: كان الإسراء منامًا، وبين القول: أُسرِيَ بروحه دون جسده، قال ابن القيِّم: (وبينهما فرقٌ عظيم ... ) إلى أنْ قال: (لكن [3] لمَّا كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مقام خرق
[ج 1 ص 143]

(1/910)


العادات حتَّى يُشقَّ بطنه، وهو حيٌّ لا يتألَّم بذلك؛ عرج بذات روحه المقدَّسة حقيقة من غير إماتة، ومن سواه لا تنال [4] ذات روحه الصعودَ إلى السَّماء إلا بعد الموت والمفارقة، فالأنبياء إنَّما استقرَّت [5] أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صعِدت إلى هناك في حال الحياة، ثمَّ عادت، وبعد وفاته استقرَّت في الرَّفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء، ومع هذا؛ فلها [6] إشراق [7] على البدن وإشراف وتعلُّق به؛ بحيث [8] يردُّ السَّلام على من سلَّم عليه، وبهذا التَّعلُّق رأى موسى قائمًا يصلِّي في قبره، كما أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم في أعلى مكان في الرَّفيق الأعلى مستقرًّا، وبدنه في ضريحه غير مفقود، وإذا سلَّم عليه المُسلِّم؛ ردَّ الله عليه روحه حتَّى يردَّ السَّلام، ثمَّ مثَّل ذلك بالشمس في علوِّ محلِّها وتعلُّقها، وتأثيرها في الأرض، وحياة النَّبات والحيوان بها، وشأن الرُّوح فوق هذا، ثمَّ مثَّل بالنَّار تكون في محلِّها وحرارتها تؤثِّر في الجسم البعيد عنها، مع أنَّ الارتباط بين الرُّوح والبدن أقوى وأكمل وأتمُّ) انتهى.
واختلفوا في تاريخ الإسراء كما سيأتي قريبًا، وقد ذكر السُّهيليُّ خلاف السَّلف في الإسراء؛ هل كان يقظةً أو منامًا؟ وحكى القولين وما يُحتَجُّ به لكلِّ قول منهما، ثمَّ قال: (وذهبت طائفة ثالثة _منهم: شيخنا أبو بكر ابن العربيِّ_ إلى تصديق المقالتين، وتصحيح المذهبين، وأنَّ الإسراء كان مرَّتين؛ إحداهما: في نومه؛ توطئةً وتيسيرًا عليه كما كان بدء نبُوَّته الرُّؤيا الصَّالحة؛ ليسهل عليه أمر النُّبوَّة، فإنَّه عظيمٌ تضعُف [9] عنه القوى البشريَّة، وكذلك الإسراء سهَّله الله عليه بالرُّؤيا؛ لأنَّ هوله عظيم، فجاء في اليقظة على توطئة وتقدمة؛ رفقًا من الله بعبده وتسهيلًا عليه، ورُجِّحَ هذا القول أيضًا؛ للجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك، فإنَّ في ألفاظها اختلافًا، وتعدُّد الواقعة أقرب؛ لوقوع جميعها) انتهى.

(1/911)


وقد قال ابن القيِّم: إنَّه مرَّة، وإنَّه أصحُّ الأقوال، وفي مكان آخر من «الهدي» قال: (إنَّه الصَّواب الذي عليه أئمَّة النَّقل) انتهى، وحكى السُّهيليُّ قولًا رابعًا: أنَّه كان بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة، ثمَّ أُسرِي بروحه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى فوق سبع سماوات؛ ولذلك شنَّع الكفَّار قوله: «أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه»، ولم يشنِّعوا قوله فيما سوى ذلك، وقد تكلَّم العلماء في رؤية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لربِّه ليلة الإسراء؛ ففي «الصَّحيح» عن مسروق عن عائشة: أنَّها أنكرت ذلك، وجاء مثل قول عائشة عن أبي هريرة وجماعة، وهو المشهور عنِ ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدِّثين والمتكلِّمين، وروي عنِ ابن عبَّاس: أنَّه رآه، ومثله عن أبي ذرٍّ، وكعب، والحسن وكان يحلِف على ذلك، وحُكي مثلُه عنِ ابن مسعود، وأبي هريرة، وأحمد ابن حنبل، وسيأتي الكلام في نقل ذلك عن أحمد ابن حنبل من عند ابن القيِّم، وحُكي عنِ الأشعريِّ وأصحابه.
وأمَّا ابن قيِّم الجوزيَّة؛ فإنَّه قال: (وهي مسألةُ خلافٍ بين السَّلف والخلف، وإن كان جمهور الصَّحابة _بل كلُّهم_ مع عائشة، كما حكاه عثمان بن سعيد الدارميُّ إجماعًا للصحابة) انتهى، وفي هذا الإجماع نظرٌ، وفي «التِّرمذيِّ»: (قال كعب: إنَّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمَّد وموسى، فكلَّم موسى مرَّتين، ورآه محمَّد مرَّتين)، وهذا في «المستدرك» أيضًا، وفي «مسلم»: عن أبي ذرٍّ: (هل رأيت ربَّك؟ قال: «رأيت نورًا»)، وفي آخرَ عند مسلم: «نورٌ، أنَّى أراه؟»، من حديث أبي ذرٍّ، [وقد قال أحمد في حديث أبي ذرٍّ هذا: (ما زلت له منكرًا)] [10]، وقال ابن خزيمة: في القلب من صحَّة إسناده شيءٌ، مع أنَّ في رواية أحمد في حديث أبي ذرٍّ: «رأيت [11] نورًا [12]»، ورجال إسنادها رجال «الصَّحيح»، وفي «الطَّبرانيِّ الصَّغير» و «الأوسط» من حديث مجالد عنِ الشَّعبيِّ عنِ ابن عبَّاس: أنَّه كان يقول: (إنَّ محمَّدًا رأى ربَّه مرَّتين؛ مرَّة ببصره، ومرَّةً بفؤاده)، قال الطَّبرانيُّ: (لم يروه عن مجالد إلا ابنه إسماعيل)، وفيهما أيضًا عنه موقوفًا: (نظر محمَّد إلى ربِّه)، [وقال عكرمة: (فقلت لابن عبَّاس: نظر محمَّد إلى ربِّه؟] [13] قال: نعم ... )؛ الحديث، قال الطَّبرانيُّ: (لم يروه عن ميمون إلا موسى، تفرَّد به حفص).

(1/912)


وفي «تفسير النَّقاش»: (عن ابن عبَّاس: أنَّه سُئل: هل رأى محمَّد ربَّه؟ فقال: رآه، رآه، رآه، حتَّى انقطع صوته)، وفي «تفسير عبد الرَّزاق»: (عن معمر عنِ الزُّهريِّ وذكر إنكار عائشة: أنَّه رآه، فقال الزُّهريُّ: ليست عائشة رضي الله عنها عندنا أعلم من ابن عبَّاس)، وفي «تفسير ابن سلَّام»: (عن عروة: أنَّه كان إذا ذكر إنكار عائشة؛ يشتدُّ ذلك عليه)، وقول أبي هريرة في ذلك كقول ابن عبَّاس: أنَّه رآه، وتقدَّم النَّقل عنه إنكارها، وقد وقف بعض المشايخ في ذلك، فقال: ليس عليه دليل [14] واضح، ولكنَّه جائز، ورؤيته تعالى في الدُّنيا جائزة، وسؤال موسى عليه السلام إيَّاها دليلٌ على جوازها، وحكى الشيخ محيي الدِّين النَّوويُّ: ترجيح القول بأنَّه رآه عن أكثر العلماء، انتهى، وقال السُّهيليُّ: (والمتحصِّل من هذه الأقوال: أنَّه رآه، لا على أكمل ما تكون الرُّؤية على نحو ما يراه في حظيرة [15] القدس عند الكرامة العظمى والنَّعيم الأكبر، ولكن دون ذلك، وإلى هذا يومئ [16] قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «رأيت نورًا»، وأجاب الجماعة عنِ الآية، وهي قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]: بأنَّ الإدراكَ الإحاطةُ، والله لا يحاط به).
تنبيه سبقتِ الإشارة إليه: لما ذكر ابن القيِّم في «الهدي» رؤية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الجزء الثَّالث تجزئة ستَّة؛ قال: (وقد صحَّ عنه أنَّه قال: «رأيت ربِّي تبارك وتعالى»، ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان بالمدينة لمَّا احتبس عنهم في صلاة الصُّبح، ثمَّ أخبرهم عن رؤية ربِّه تبارك وتعالى تلك اللَّيلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد، وقال: نعم؛ رآه، فإنَّ رؤيا الأنبياء حقٌّ ولا بُدَّ، ولكن لم يقل أحمد: إنَّه رآه بعيني رأسه، ومن حكى عنه ذلك؛ فقد وَهم عليه، ولكن مرَّة قال: رآه، ومرَّةً قال: رآه بفؤاده، فحُكِيت عنه روايتان، وحُكِيت عنه الثَّالثة من تصرُّف بعض أصحابه: أنَّه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوصه موجودة [17] ليس [18] فيها ذلك) انتهى.

(1/913)


وفرض الصَّلوات [19] الخمس كان ليلة المعراج، فعنِ الواقديِّ: كان ليلة السبت لسبعَ عشرةَ خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانيةَ عشرَ شهرًا، من مكَّة إلى السَّماء، ومن يرى المعراج من بيت المقدس، وأنَّه هو والإسراء في تاريخ واحد؛ فالإسراء كان [20] ليلة سبعَ عشرةَ من ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسنة، وبعد المبعث بتسعٍ أو اثني عشرَ، على حسب اختلافهم في ذلك، وهذا هو المشهور، وقيل: إنَّ الإسراء وفرض الصَّلاة بعد المبعث بخمس سنين [21]، وأبعدُ منه أنَّه أُسرِي به من مكَّة، وعُرِج به إلى السَّماء بعد مبعثه بثمانيةَ عشرَ شهرًا، قال ابن عبد البَرِّ: (ولا أعلم أحدًا من أهل السِّير قال ذلك، ولا أسند قوله إلى أحد ممَّن يضاف إليه هذا العلم، وفي صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل وإمامته به عليه الصَّلاة والسَّلام) انتهى.
ونقل القاضي: أنَّ أقلَّ ما قيل [22] في الإسراء أنَّه بعد المبعث بخمسةَ عشرَ شهرًا، بيَّنتْه [23] رواية شريك: (وذلك قبل أن يُوحَى إليه)، سيأتي الكلام عليها في (كتاب التَّوحيد) حيث ذكرها البخاريُّ وتَوهِيَتها مع ألفاظٍ غيرها.
(وحصل في ليلة الإسراء: أنَّها ليلة السبت لسبعَ عشرةَ خلت من رمضان) [24]، وحصل في شهر الإسراء خمسة أقوال: ربيع الأوَّل، ربيع الآخر، رجب، رمضان، وعن [25] الماورديِّ: أنَّه في شوَّال، وقد جزم النَّوويُّ في «الرَّوضة»: بأنَّه كان في رجب، وقال في «الفتاوى»: إنَّه كان في ربيع الأوَّل، وجزم في «شرح مسلم»: بأنَّه كان في ربيع الآخر، تبعًا للقاضي.
وتحصَّل في السَّنة أقوال أيضًا؛ غالبها ذكرته فيما تقدَّم قبل هذا، وهي [26] أنَّه كان بعد المبعث بسنة ونصفٍ، وقيل: بخمسٍ، وهو الأشبه عند القاضي عياض في «الشفا»، وقيل: قبل الهجرة بعام، وقيل: بعد المبعث بخمسة عشر شهرًا، ونقل شيخنا المؤلِّف عنِ السُّديِّ: قبل الهجرة بستَّة أشهر، وقال ابن الجوزيِّ: كان قبل الهجرة بثمانية أشهر، وقال ابن عبد البَرِّ وغيره: إنَّ بين الهجرة والإسراء سنةً وشهرين، [وقال العراقيُّ شيخنا: (إنَّه سنة اثنتي عشرة إلا ثلاثة [27] شهور)، هذا مقتضى كلامه، وهو نحو القول الذي قبله، أو هو هو، وقدَّم مغلطاي من الأقوال أنَّه كان ليلة السبت لسبعَ عشرةَ ليلةً خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانيةَ عشرَ شهرًا] [28]، فهذه سبعة أقوال.
ثمَّ اعلم أنَّ أفضل
[ج 1 ص 144]

(1/914)


عبادات البدن بعد الشَّهادتين: الصَّلاة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصَّلاة»، رواه ابن ماجه من حديث ثوبان بإسناد جيِّد، لكن من رواية سالم بن أبي الجعد عنه، وقد قال أحمد: لم يَسمَع منه، وذكره في «الموطَّأ» مرسلًا مُعضَلًا، قال: (بلغني أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال ... )؛ فذكره، ورواه ابن ماجه أيضًا من رواية عبد الله بن عَمرو مرفوعًا، وحديث ثوبان أصلح منه، وقال ابن حِبَّان في «صحيحه»: (خبر سالم بن أبي الجعد عن ثوبان منقطع)، ثمَّ أخرجه من حديث حسَّان بن عطيَّة: أنَّ [29] أبا كبشة السَّلوليَّ حدَّثه: أنَّه سمع ثوبان؛ فذكر نحوه، ولأنَّ الصَّلاة تلو [30] الإيمان الذي هو أفضل القُرَب وأشبه به؛ لاشتمالها على نطق باللِّسان، وعمل بالجَنَان، واعتقاد بالقلب كما هي فيه؛ ولذلك سمَّاها الله تعالى: إيمانًا، فقال: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس؛ كما ثبت مُبيَّنًا في «صحيح ابن حِبَّان» من حديث ابن عبَّاس، ولأنَّها تجمع من القُرب ما تفرَّق في غيرها؛ من ذكر الله تعالى ورسوله، والإمساك عنِ الأكل، والكلام، والإتيان بالقراءة، والتَّسبيح، والاستقبال، والطَّهارة، والسِّتارة ... إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى أنَّه من القرب، مع اختصاصها بمقاصد تشتمل عليها؛ كالرُّكوع والسُّجود.

(1/915)


وقولي: (البَدَن): احتراز من عبادة القلب؛ وهي الإيمان، فإنَّه أفضل العبادات، ولا يقال في العرف: إنَّه من عمل البدن، قال الفقيه العلَّامة [31] ابن الرفعة في قول صاحب «التَّنبيه»: (أفضل عبادات البدن): (وقد ادَّعى بعضهم أنَّه احتُرِز عنِ العبادات الماليَّة، فإنَّها أفضل من الصَّلاة؛ لتعدِّي نفعها)، قال: (فإنْ صحَّ هذا؛ فمنه يؤخذ أنَّ العبادة المشتملة على المال والبدن أفضل من المتمحِّضة، وهي الحجُّ؛ لجمعها بين الأمرين)، وبه صرَّح القاضي الحسين [32] في أوَّل (الحجِّ)، ولأنَّا دُعينا [33] إليه في أصلاب آبائنا، فكان كالإيمان الذي جعل فيه كذلك، قال: (وهذه العلَّة تقتضي أنَّ الجهاد لا يلحق الحجَّ في هذا المعنى، والأُولى تقتضي أنَّه كهو؛ لأنَّه يشتمل على عمل بدن ومال، وحينئذٍ يكون أفضل من الصَّلاة، بل أقول: إنَّ الخبر يدلُّ على أنَّه يُقدَّم [34] عليه؛ حيث سُئل عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام عن أفضل الأعمال، فقدَّمه على الحجِّ) انتهى، وبه قال ابن أبي عُصرون، قال النَّوويُّ في شرح «المهذَّب»: (والمذهب الصَّحيح أنَّ الصَّلاة أفضل من الصَّوم وسائر عبادات البدن، كما جزم به الشيخ؛ لأحاديث؛ فذكرها، وقال صاحب «المستظهريِّ» في (الصِّيام): (اختُلِف في الصَّوم والصَّلاة أيُّهما أفضل؛ فقال [35] قوم: الصَّوم أفضل) انتهى، وهو [36] ما جزم به الماورديُّ فيه؛ حيث قال: الصَّوم أفضل أعمال القرب، وقال آخرون: الصَّلاة أفضل، وقال آخرون: الصَّلاة بمكَّة أفضل، والصَّوم بالمدينة أفضل، والأوَّل أصحُّ، قال ابن الرفعة: وادَّعى الماورديُّ في (الحجِّ) أنَّ الطواف أفضل من الصَّلاة، ورجَّحه ابن عبد السَّلام، وللغزاليِّ في المسألة كلام، وكذا لابن عبد السَّلام، وبه يطول الكلام.

(1/916)


وقال [37] النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: (واعلم: أنَّه ليس المراد بقولهم: «الصَّلاة أفضل من الصَّوم» أنَّ صلاة ركعتين أفضل من صيام أيَّام أو يوم، فإنَّ الصَّوم أفضل من ركعتين بلا شكٍّ، وإنَّما مَن لم يمكنه الاستكثار من الصَّلاة والصَّوم، وأراد أنْ يستكثر من أحدهما ويكون غالبًا عليه منسوبًا إلى الإكثار منه، ويقتصر من الآخر على المتأكِّد منه؛ فهذا محلُّ الخلاف والتَّفضيل، والصَّحيح: تفضيل الصَّلاة) انتهى، وقال العبَّاديُّ في «الزيادات»: الاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة من القرآن أفضل من صلاة التَّطوُّع؛ لأنَّ حفظه فرض كفاية، نقله [النَّوويُّ عنه في «شرح المهذَّب»، وأقرَّه عليه، وقول صاحب «التَّنبيه»: وتطوُّعُها أفضل التَّطوُّع؛ لعموم الحديث المتقدِّم، قال] [38] النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: فإنْ قيل: يَرِدُ عليه الاشتغال بالعلم، فإنَّه أفضل من تطوُّع الصَّلاة، كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ وسائر الفقهاء.
فالجواب: أنَّ هذا الإيراد غلط وغفلة من مُورِده؛ فإنَّ الاشتغال بالعلم فرض كفاية، وكلامنا هنا في صلاة التَّطوُّع، والله أعلم.
وقد أطلت الكلام في ذلك؛ لأنَّ الكلام يجرُّ بعضه بعضًا، ولكنَّ فيه فوائدَ لا يُستغنى عنها، والله أعلم.
قَولُهُ: (حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ): تقدَّم أنَّه صخر بن حرب بن أميَّة بن عَبْد شمس بن عَبْد مناف، القرشيُّ الأمويُّ، والد معاوية، ويزيد، وأمِّ حبيبة رَضِيَ اللهُ عنهم، وقد تقدَّم أنَّه مشهور التَّرجمة، فلا نطوِّل بها.
قَولُهُ: (في حَدِيثِ هِرَقْلَ): تقدَّم أنَّ (هرقل) فيه لغتان: هِرَقل؛ بفتح الرَّاء، وكسر الهاء، والثَّانية: بكسر الهاء، وإسكان الرَّاء، وكسر القاف، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه هلك سنة عشرين من الهجرة، وتقدَّم ما [39] قال العلماء فيه.
قَولُهُ: (وَالعَفَافِ): هو بفتح العين؛ وهو ترك المحارم، وترك خوارم المروءة.
==========
[1] في (ج): (على)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة».
[2] في (ج): (للإسراء).
[3] (لكن): ليس في (ج).
[4] في (ج): (يقال)، وليس بصحيح.
[5] في (ج): (استوت).
[6] في (ج): (فلهذا).
[7] في (ج): (إشراف).
[8] في (ب): (حيث).
[9] في (ج): (يضعف).
[10] ما بين معقوفين ليس في (ب).
[11] في (ج): (أنه).
[12] في (ج): (نور).
[13] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[14] (دليل): ليس في (ج).
[15] في (ج): (خظرة)، وهو تحريفٌ.

(1/917)


[16] في (ج): (يؤمن)، وهو تحريفٌ.
[17] في (ج): (مأخوذة).
[18] في (ب): (وليس).
[19] في (ج): (الصَّلاة).
[20] زيد في (ج): (في).
[21] في (ج): (بخمسين سنة)، وليس بصحيح.
[22] في (ج): (فيه).
[23] في (ب): (قوله)، وفي (ج): (تنبيه).
[24] ما بين قوسين ليس في (ج).
[25] في (ج): (وعند).
[26] في (ج): (ومن).
[27] في (أ) و (ب): (ثلاث)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[28] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[29] في (ج): (ابن)، وليس بصحيح.
[30] في (ج): (تكون).
[31] (الرفعة): ليس في (ج).
[32] في (ج): (حسين).
[33] في (ب): (رغبنا).
[34] في (ج): (مقدم).
[35] في (ج): (فقام)، وليس بصحيح.
[36] (هو): ليس في (ج).
[37] في (ج): (قال).
[38] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[39] (ما): سقطت من (أ).

(1/918)


[حديث: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري]
349# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تقدَّم أنَّه ابن سعد، العَلَم المشهور الصَّالح، أحد الأجواد.
قَولُهُ: (عن يُونُسَ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، أحد الأثبات، تقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.
قَولُهُ: (كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ [1]): تقدَّم أنَّ (أبا ذرٍّ): جُندب بن جنادة، وتقدَّم [2] بقيَّة نسبه وبعض ترجمته رَضِيَ اللهُ عنه، وقد شبَّهه عليه الصَّلاة والسَّلام في زهده بعيسى ابن مريم.
قَولُهُ: (فُرِجَ عن سَقْفِ بَيْتِي): (فُرِج): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله؛ ومعناه: شُقَّ، وإنَّما لَمْ تدخل الملائكة من الباب، بل من السَّقف؛ ليكون أوقع في القلب صدق ما جاؤوا به، وسيأتي الجمع بين هذا وبين الرِّوايات في ذلك في (الإسراء) إن شاء الله تَعَالَى.
قَولُهُ: (وَأَنَا بِمكَّة): هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا أنَّ الإسراء كان بمكَّة، ووقع في «تفسير ابن عَبْد السَّلام [3]» العلَّامة عزِّ الدِّين بن [4] سلطان العلماء في سورة (سبحان) ما لفظه: (وقيل: أُسرِي به مرَّتين، بمكَّة والمدينة، في اليقظة والنَّوم) انتهى، فانظر ما أغرب هذا! ويحتمل أن يكون زلةَّ قلم، ويحتمل أن يكون من النُّسَّاخ، والله أعلم.
قَولُهُ: (فَفَرَجَ صَدْرِي): (فَرَج)؛ بالتَّخفيف: مبنيٌّ للفاعل.
قَولُهُ: (صَدْرِي ... ) إلى آخره: في هذا دلالة [5] أنَّ شرح الصَّدر كان ليلة المعراج، وفُعِل ذلك؛ لزيادة الطُّمأنينة، وفي «السِّيرة» لابن إسحاق: أنَّ الشَّقَّ عَرَض له حين كان مُسترضَعًا عند حليمة، ومعناه في «صحيح مسلم»، وقد تكلَّم ابن حزم في رواية شقِّ الصَّدر في (الإسراء).

(1/919)


واعلم: أنَّ في «الدلائل» لأبي نعيم، و «الأحاديث الجياد» للشيخ ضياء الدِّين المقدسيِّ محمَّد بن عَبْد الواحد: أنَّه شُقَّ صدره وعمره عشر سنين، ذكره شيخنا المؤلِّف، وذكره [6] في مكان آخر، وقال: أشار أبو نعيم إلى غرابته، انتهى، وقد رأيت أنا في «المسند» للإمام أحمد من «زوائد [7] عَبْد الله» ابنه من حديث أبي هريرة: «وأنا ابن عَشْرِ سِنِينَ وَأَشْهُرٍ»، وقد ذكر الدُّولابيُّ كما نقله [8] ابن سيِّد النَّاس عنه في «سيرته» بسنده إلى بكر بن محمَّد بن عَمرو بن حزم: (أنَّه كان من بدء أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
[ج 1 ص 145]
أنَّه رأى في المنام رؤيا، فشقَّ عليه [9]، فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد، فقالت له [10]: أبشر، فإنَّ الله لا [11] يصنع بك إلَّا خيرًا، فذكر لها أنَّه رأى أنَّ [12] بطنه أُخرِج، فطُهِّر وأُعيد كما كان، وعن القرطبيِّ المفسِّر: أنَّه ذكر عن «مسند أبي داود الطَّيالسيِّ»: أنَّه شُقَّ صدره بحراء حين جاءه الملَك، وأنَّه قال: إنَّ ذلك اتَّفق له ثلاث مرَّاتٍ؛ مرَّة عند حليمة، ومرَّة بحراء، ومرَّة ليلة الإسراء.
فحصل من الرِّوايات: عند ظئره حليمة، ولمَّا كان له عشر سنين أو عشر سنين وأشهر، وبحراء، وما ذكره الدُّولابيُّ، وليلة الإسراء، فهذه خمس مرَّات، والتَّعدُّد أحسن؛ لما في رواية الدُّولابيِّ: (أنَّه كان من بدء أمره)، فالظَّاهر: أنَّمَا [13] أراد من بدء أمر النُّبوَّة، أو يُجمَع بين الرِّوايات، فيقال كما قال الجمهور: إنَّ الشَّقَّ مرَّتين؛ عند حليمة، وليلة الإسراء، إن هذا كان [14] في اليقظة، وأمَّا في النَّوم كما ذكره الدُّولابيُّ؛ فلعلَّه رآه وله عشر سنين أو عَشْر سِنِينَ وَأَشْهُر، فأسقط (الأشهر) في رواية، وفي رواية أثبتها، ثُمَّ أخبر خديجة بالرُّؤيا حين تزوَّج بها، فإنَّه ليس في قصَّتها أنَّه رأى تلك اللَّيلة، ولا تلك الأيَّام، وكذا الباقي إن قلنا: إنَّ الإسراء كان يقظة كما هو الصَّحيح، وإن قلنا: إنَّه منام كما في قول في المسألة؛ فالشَّقُّ مرَّة واحدة، والباقي منام، والظَّاهر التَّعدُّد، وأنَّ المنام مرَّة والباقي يقظة، والله أعلم أيَّ ذلك كان.
قَولُهُ: (ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ): تقدَّمت بما فيها من اللُّغات؛ وهي فتح الطَّاء، وإسكان السِّين، ويقال: بكسر الطَّاء، ويقال: طسٌّ؛ بتشديد السِّين وحذف التَّاء، وطسَّة أيضًا، وجمعها: طساس وطسوس وطسات.

(1/920)


قَولُهُ: (مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا): فَائِدَة: أخذ بعض الفقهاء من هذا جواز تحلية المصحف، نقله السُّهيليُّ عنه واستحسنه، وهو حسن ظاهر.
قوله: (مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا): ذكر (ممتلئًا) على معنى الإناء؛ لأنَّ الطَّسْت مؤنَّثة، وقد قال بعض المحدِّثين كما تقدَّم: قد يؤنَّث؛ لأنَّه يقال في تصغيرها: طُسَيْسَة.
قَولُهُ: (حِكْمَةً): بالنَّصب على التَّمييز، وَ (إِيمَانًا): معطوف عليه.
فَائِدَة: إن قيل: كيف مُلِئ الطَّست بالحكمة والإيمان، وليسا بجسم؟
قيل: هذا ضرب مثل؛ ليكشف بالمحسوس ما هو معقول، وقيل: إنَّ الطَّست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادة لهما، فسُمِّي: إيمانًا وحكمةً؛ لكونه سببًا لهما، قال الثَّاني النَّوويُّ مقتصرًا عليه.
قَولُهُ: (فَعَرَجَ بِه): (عَرَج): فعل ماض؛ بفتح العين والرَّاء، لازم، لا يجوز أنَّ يُبْنَى منه [فعلٌ] على رأي الجمهور.
قَولُهُ: (لخازِنِ السَّماءِ: افتح): إن قيل: ما اسم خازن السَّماء الدُّنيا [15]؟
فالجواب: أنَّ في «معجم الطَّبرانيِّ الأوسط» على ما ظهر لي من اصطلاح شيخنا نور الدِّين الهيثميِّ الذي أفرد «زوائد المعجمين؛ الصَّغير والأوسط» على الكتب السِّتَّة من حديث أبي سعيد الخدريِّ، فذكر متنًا إلى أنْ قال فيه: «فإذا أنا بملَكٍ يقال له: إِسْمَاعِيل، وهو صاحب السَّماء الدُّنيا»، والظَّاهر [16] أنَّ المراد بـ (صاحب السَّماء الدُّنيا): خازنها.
فَائِدَة: إِسْمَاعِيل معناه: مُطِيع [17] الله، قاله السُّهيليُّ في إِسْمَاعِيل بن إبراهيم صلَّى الله علَيْهِما وَسَلَّم عنِ ابن هشام في غير «السِّيرة».
قَولُهُ: (أُرْسِلَ إِلَيْهِ): هو استفهام محذوف الآلة، وهو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله؛ ومعناه: أُرسِل اليه للإسراء، وإِلَّا؛ فلا يخفى على أهل السَّماوات بعثته [18]، وقال السُّهيليُّ: (ولو أراد بعثه إلى الخلق؛ لقالوا: أوَبُعِث إليه؟! مع أنَّه [19] يبعد أنْ يخفى على الملائكة بعثه إلى الخلق، فلا يعلمون به إلَّا ليلة الإسراء) انتهى.
وقال النوويُّ في هذا القول: (إنَّه الصَّحيح)، قال: (ولم يذكر الخطَّابيُّ وجماعة من العلماء غيره وإن كان القاضي قد ذكر خلافًا أو أشار إلى خلاف في أنَّه استفهم عن أصل البعثة [20] أو عمَّا ذكرته) انتهى.

(1/921)


قَولُهُ: (أَسْوِدَةٌ): هو جمع سواد؛ مثل: قَذَال وأَقذِلة، وهو الشَّخص، وسواد كلِّ شيء: شخصه.
قَولُهُ: (نَسَمُ بَنِيهِ): هو بفتح النُّون والسِّين المهملة؛ أي: أرواح بنيه، وهو جمع نَسَمة؛ بفتحهما؛ وهي الإنسان، وقيل: النَّفس، وحَكى الأزهريُّ: أنَّ النَّسمة النَّفس، وأنَّ كلَّ دابَّة في جوفها روح؛ فهي نَسَمة، والله أعلم.
[تنبيه: قوله: (نَسَمُ): تقدَّم أنَّه بالسِّين المهملة، قال ابن قُرقُول: (وضبطه بعضهم عنِ القابسيِّ: «شِيَم»: جمع شيمة؛ وهو الطِّباع، وهو تصحيف) انتهى، و (شِيَم) في كلام القابسيِّ؛ بالشِّين المعجمة المكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحت مفتوحة، ثُمَّ ميم، وهذه النُّسخة في هامش أصلنا] [21].
قَولُهُ: (وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ): (يُثْبِت): بضمِّ أوَّله، وبعد الثَّاء المثلَّثة موحَّدة مكسورة، كذا هو في أصلنا بالقلم، وكذا هو في أصلنا عُلِّم؛ ومعناه: يبيِّن.
قَولُهُ: (وَإِبْرَاهِيمَ في [السَّمَاءِ] السَّادِسَةِ): اعلم: أنَّه سيأتي في آخر «البخاريِّ»: أنَّ إبراهيم في السَّادسة كما هنا، وأن موسى في السَّابعة، وذاك من حديث شَرِيك، وقد ذكر الحاكم أنَّه وهم في ذلك، وأنَّه تواتر أنَّ إبراهيم في السَّابعة، انتهى، فإنْ كان الإسراء مرَّتين؛ فلا إشكال، وإنْ كان مرَّة واحدة؛ فهذا هنا من حديث أنس، وفي (الملائكة) من حديثه: أنَّه في السَّابعة، وفي (الملائكة) الرَّاوي عنه قتادة، عن أنس، عن مالك بن صَعْصَعَةَ، وهنا ابن شهاب _وهو الزُّهْرِيُّ_ عن أنس، عن أبي ذرٍّ، واختُلِف في موسى؛ هل هو في السَّابعة أو [22] السَّادسة؛ ففي آخر «الصَّحيح» من حَدِيث شريك: أنه في السَّابعة، ووهم فيها، واحتجَّ بأنَّه في السَّابعة بأنَّه أوَّل من مرَّ به، ولذلك كلَّمه في نقص [23] الصَّلاة، قاله ابن التِّين، وهذه مسألة أشكلت عليَّ، وسوف أذكر في آخر «الصَّحيح» عنها جوابين إن شاء الله تَعَالَى وقدَّره؛ فانظرهما من هناك.

(1/922)


قَولُهُ: (بِإِدْرِيسَ)، وقوله للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مرحبًا بِالنَّبي الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ): تقدَّم أنَّه [24] اختلف النَّاس على قولين في إدريس؛ هل هو في عمود النَّسب الشَّريف أم لا؟ فقال ابن إسحاق والأكثرون: إنَّ خنوخ هو إدريس، وأنكره آخرون، وقالوا: ليس في عمود النَّسب، وإنَّما إدريس إلياس، واختاره ابن العربيِّ وتلميذه السُّهيليُّ؛ لهذا الحديث حين قال: «وَالأَخِ الصَّالِحِ»، وقال في آدم: «بالابن الصَّالح»، وكذا في إبراهيم، وفي إدريس: «بالأخ»، وقال [25] النَّوويُّ: (يحتمل أنَّه قال تلطُّفًا وتأدُّبًا وهو أخ وإن كان ابنًا، والأبناء [26] إخوة، والمؤمنون إخوة) انتهى، وقال أبو العبَّاس ابن المُنَيِّر: أكثر الطُّرق على أنَّه خاطبه بـ (الأخ الصَّالح)، قال: وقال لي ابن أبي الفضل: صحَّت لي طريق أنَّه خاطبه فيها بـ (الابن الصَّالح)، وقال المازريُّ: (ذكر المؤرِّخون أنَّ إدريس جدُّ نوح، فإن قام دليل على أنَّ إدريس أُرسِل؛ لم يصحَّ قول النَّسَّابين: إنَّه قبل نوح؛ لإخبار نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصَّحيح: «ائتوا نوحًا؛ فإنَّه أوَّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»، وإن [27] لم يقم دليل؛ جاز ما قالوا، وصحَّ أنَّ إدريس كان نبيًّا ولم يُرسَل، قال السُّهيليُّ: (وحديث أبي ذرٍّ الطَّويل يدلُّ على أنَّ آدم وإدريس رسولان) انتهى، قال شيخنا المؤلِّف: (وقد أخرجه بطوله ابن حِبَّان).
قَولُهُ: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ الذي [28] تقدَّم مرارًا، وأنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب [29].
قوله: (فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ): قال الدِّمياطيُّ: (ابن حزم: هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عَبْد عوف بن مالك بن النَّجَّار، قاضي المدينة زمان الوليد، وأميرها زمن ابن عمِّه عُمر [30]، مات سنة (120 هـ)، وقد بلغ ستًّا وثمانين سنة، قُتِل أبوه يوم الحرَّة، ورواية أبي بكر عن أبي حبَّة منقطعة؛ لأنَّه قُتِل يوم أحُد؛ وأخوه لأبويه النُّعمان بن ثابت بن النُّعمان بن أميَّة بن البُرَك _وهو امرؤ القيس_ بن ثعلبة، شهد مع أخيه أبي حبَّة بدرًا وأحُدًا، وقُتِل بخيبر، وأخوهما لأمِّهما سعد بن خيثمة، أمُّهم هند بنت أوس بن عديِّ بن أميَّة) انتهى.
وهذا قد ذكره قبله الرَّشيد
[ج 1 ص 146]

(1/923)


العطَّار وزاد، ومن خطِّه نقلت: حديثٌ وقع في أثنائه ألفاظٌ في اتِّصالها نظر، أخرجه مُسْلِم في (كتاب الإيمان) من حديث ابن شهاب، عن أنس بن مالك، عن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما في (المعراج)، وفيه: قال ابن شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابن حَزْمٍ: أَنَّ ابن عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ يَقُولَانِ: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: عرجَ بِي حتَّى ظَهَرْتُ بمُسْتَوًى أَسْمَعُ فيه صَرِيفَ [31] الأَقْلَامِ».
وابن حزم: هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاريُّ المدنيُّ قاضيها، يقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمَّد، ويقال: اسمه كنيته، ولا نعلم له سماعًا من أحد من الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، وإنَّما يروي عن أبيه، وعمر بن عَبْد العزيز، وعمرة بنت عَبْد الرَّحمن، وغيرهم من التَّابعين، وإنْ كان أبوه وُلِد في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سنة تسع من الهجرة، وقيل: سنة عشر، لكنَّه معدود في التَّابعين.
فأمَّا [32] رواية أبي بكر ابن حزم عن أبي حبَّة الأنصاريِّ البدريِّ؛ فغير متَّصلة بلا شكٍّ؛ لأنَّ أبا حبَّة قُتِل يوم أحُد، وكانت غزوة أحُد في السَّنة الثَّالثة من الهجرة، وأبو بكر ابن حزم تُوفِّي سنة عشرين ومئة [33]، ابن أربع وثمانين سنة فيما ذكر غير واحد من العلماء، فيكون مولده على هذا سنة سبع وثلاثين من الهجرة، فلا يُتصوَّر إدراكه له [34].
وأمَّا روايته عنِ ابن عبَّاس؛ فغير معروفة، لكنَّها [35] جائزة ممكنة؛ لإدراكه له؛ لأنَّ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما تُوفِّي سنة ثمان وستِّين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وستِّين، وقيل: سنة سبعين، فإدراكه له معلوم غير مشكوك فيه، وسماعه منه ممكن جائز، وهذا محمول على الاتِّصال عند مُسْلِم رحمه الله حتَّى يقوم دليل على أنَّه لَمْ يسمع مِنْهُ، والله أعلم.
وأبو حبَّة البدريُّ: اسمه عامر، وقيل: مالك، وقيل: ثابت، واختُلِف في ضبطه على ثلاثة أقوال؛ فقيل: أبو حبَّة؛ بالباء بواحدة، وقيل: بالنُّون، وقيل: بالياء باثنتين من تحتها، والصَّحيح الأوَّل، ذكر ذلك اِبْن عبد البَرِّ في «استيعابه» بنحوه، وقيل في اسمه غير ذلك، ولا خلاف أنَّه بالحاء المهملة، والله أعلم، انتهى لفظه بحروفه.

(1/924)


والرَّشيد العطَّار حافظ كبير، تُوفِّي في جمادى الأولى سنة اثنتين وستِّين وستِّ مئة، وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو الحافظ رشيد الدِّين، أبو الحسين، يحيى بن عليِّ بن عَبْد الله بن عليِّ بن مُفرِّج القرشيُّ الأمويُّ النَّابلسيُّ، ثُمَّ المصريُّ المالكيُّ، ترجمته معروفة، روى عنه: الحافظ الدِّمياطيُّ شيخ شيوخنا، والحافظ جمال الدِّين ابن الظَّاهريِّ، واليونينيُّ، وخلقٌ، والله أعلمُ أنَّ الدِّمياطيَّ أخذ ما ذكره من شيخه الرَّشيد العطَّار.
وقد ذكر الحافظ العَلائيُّ أبا بكر ابن حزم في «مراسيله»، ولم يذكر أنَّه أرسل إلَّا عن جدِّه، ونقل ذلك عن «التَّهذيب»، ولم يقع له هذا المكان، وهو مكان حسن.
قوله: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه أنَّه ممكنٌ لقاؤه، ولكنَّ أبا بكر بن محمَّد بن عَمرو بن حزم لَمْ يسمع من أحد من الصَّحابة، وأن هذا جار [36] على قواعد مسلم؛ لأنَّهما متعاصران [37]، جمعهما وقتٌ واحدٌ، ولم يُذكَر أبو بكر بتدليس، فهو محمولٌ عند مُسْلِم على السَّماع، والله أعلم.
قوله: (وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ): تقدَّم الكلام أعلاه على رواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبَّة، وأنَّها منقطعة، وتقدَّم [38] الكلام في ضبط أبي حبَّة أعلاه، فأغنى عن إعادته هنا، وتقدَّم الكلام في اسمه، وبقي عليه أنَّه قيل: إنَّه عمرو، وقد اختلف أصحاب المغازي في أبي حبَّة الأنصاريِّ، وأبي حبَّة البدريِّ؛ هل هما واحد أو اثنان؟ وهل هما بالباء أو النون؟
قَولُهُ: (ثُمَّ عرجَ بِي [39]): تقدَّم أنَّ (عرج) لازم، لا يُبنَى منه على الصَّحيح فعلٌ.
قَولُهُ: (حَتَّى ظَهَرْتُ): أي: علوتُ.
قَولُهُ: (لِمُسْتَوًى [40]): هو بفتح الواو، وكذا قيَّده النَّوويُّ، وهو في أصل سماعنا على العراقيِّ منوَّن، وكذا في أصلنا عُلِّم؛ وهو المصعد والمكان العالي، يقال: استوى إلى الشَّيء وعليه؛ إِذَا علا عليه، وهو عبارة عن فضاء فيه استواء.
قَولُهُ: (صَرِيفَ الأَقْلَامِ): الصَّرِيف: بفتح الصَّاد المهملة، وكسر الرَّاء، وبالفاء في آخره؛ وهو صوت حركتها وجريانها على [41] المخطوط فيه ممَّا تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه من اللَّوح المحفوظ، أو ما شاء الله تعالى من أمره وتدبيره، وقال بعضهم: (صرير)؛ بالرَّاء في آخره عوض الفاء، هو الأشهر في اللُّغة، حكاه بعضهم عن عَبْد الغافر الفارسيِّ، كما نقله شيخنا عنه، قال: ولا يُسلَّم له.

(1/925)


[قوله: (الأَقْلَامِ): هل هو قلم واحد جُمِع تعظيمًا؟ ويحتمل أنَّ تكون هناك أقلام تكتب ما شاء الله من تقديراته] [42].
قَولُهُ: (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ [43] بْنُ مَالِكٍ): (ابنُ) و (أنسُ): مرفوعان، وقائل: (قال ابن حزم): هو ابن شهاب الزُّهْرِيُّ، (كما صرَّح به [44] المِزِّيُّ في «أطرافه») [45]، فروى هذه الزيادة [46] عنِ ابن حزم وأنس بن مالك عنه عليه السَّلام، فتكون هذه الزيادة في الحديث مُعضَلة أو مُنقطِعة من جهة ابن حزم، وذلك لما تقدَّم من أنَّ ابن حزم لَمْ يسمع من أحد [47] من الصَّحابة، وقد قال بعض الحفَّاظ: إنَّه من أتباع التَّابعين، فإذا قلنا: إنه من التَّابعين؛ فتكون الزيادة مُرسَلةً، وإن قلنا: من أتباعهم؛ فمُعضَلة، وابن شهاب لا شكَّ أنَّه سمع من أنس وابن حزم، وفي هذا الكلام وضبطِ أنسٍ كونه بالرَّفع محافظةٌ على كلام الرَّشيد: إنَّ أبا بكر بن حزم لَمْ يسمع من أحد من الصَّحابة، ومتى قلنا: إنَّ (أنسًا) منصوب؛ يكون ابن حزم رواه عن أنس؛ لأنَّ (أن) و (عن) و (قال) في حقِّ غير المدلِّس سواءٌ محمولةٌ على السَّماع، وأبو بكر ليس مدلِّسًا، فيكون محمولًا على السَّماع، ويفوت قولُ الرَّشيد: إنَّه لَمْ يسمع من أحد من الصَّحابة، مع أنِّي لَمْ أر له رواية في «الأطراف» عن أنس في شيء من الكتب السِّتَّة، ولم أر عَبْد الغنيِّ في «الكمال» ولا الذَّهبيَّ في «التَّذهيب» ذكرا [48] أنسًا فيمن روى عنه أبو بكر هذا، وعلى هذا؛ فيتعين الرَّفع في أنس، ولا عبرة بما ضُبِط في بعض نسخ «البخاريِّ» بالقلم: (أنسَ) [49]؛ بالنَّصب، والله أعلم.
قَولُهُ: (فَوَضَعَ شَطْرَهَا): وفي رواية مالك بن صعصعة كما سيأتي في (المعراج): (فوضع في كلِّ مرَّة عشرًا، وفي الخامسة أمر بخمس)، وفي حديث آخر: (كلَّما عاد؛ وضع خمسًا)، والخمس داخل في العشر [50]، والرَّاوي في رواية: (عشرًا عشرًا) اختصر الرِّواية المطوَّلة فبقيتا [51]؛ يريد أنْ يجمع بين رواية: (عشر عشر) وبين رواية: (فَوَضَعَ عنِّي شَطْرَهَا)، ووجه الجمع: أنَّ الشَّطر: هو الجزء، لا النَّصف، قاله القاضي عياض.

(1/926)


فَائِدَة: إنَّمَا اعتنى موسى عليه السَّلام بهذه الأمَّة وألحَّ على نبيِّها أنْ يشفع لها ويسأل التَّخفيف عنها؛ لأنَّه عليه السَّلام _والله أعلم_ حين قُضِي إليه بالجانب الغربيِّ، ورأى صفات أمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في الألواح؛ جعل يقول: (إنِّي أجد في الألواح أمَّة صفتهم كذا، اللَّهمَّ؛ اجعلهم أمَّتي، فيقال له: تلك أمَّة أحمد ... حتَّى قال: اللَّهمَّ؛ اجعلني من أمَّة أحمد)، وهو حديث مشهور في (التَّفسير)، فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بهم كما يعتني بالقوم مَن هو منهم، قاله السُّهيليُّ في «روضه» انتهى.
وكانت أمَّة موسى صلَّى الله عليه وسلَّم كُلِّفت من الصَّلاة ما لَمْ تُكلَّف غيرُها، فثقلت عليهم،
[ج 1 ص 147]
فخاف على أمَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ذلك.
وسمعت شيخنا العلَّامة الذي لَمْ ترَ عيناي أحفظ منه في مجموع ما يحفظه، فقيه وقته، سراج الدِّين أبا حفص، عُمر بن رسلان بن نصير البلقينيَّ الشَّافعيَّ بمدرسته [52] بالقاهرة يقول ما معناه أو نحوه: إِنَّمَا قصد موسى صلَّى الله عليه وسلَّم مع التَّخفيف على أمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم تكرارَ رؤية محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك لأنَّ موسى عليه السَّلام سأل ربَّه الرُّؤية فمُنِعَها، وعَلِم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قد رأى ربَّه، فجعل يقصد تكرار رؤية من رأى: [من الطويل]
لعلِّي أَرَاهمْ أَوْ أَرَى مَنْ يَرَاهُمُ
قَولُهُ: (وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ): اعلم أنَّ هذا اللَّفظ سيأتي الكلام عليه في آخر «الصَّحيح»، وأنَّه وهم، ولا يجوز أن يقول موسى هذا بعد قول الله تَعَالَى: «لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ» والمراجعة والله أعلم، ويحتمل أنَّه قال قبل أنْ يعلم أنَّه تَعَالَى قال: «لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ» والله أعلم، ولكن في بعض الرِّوايات [53] [في هذا «الصَّحيح» في (الأنبياء) في (باب ذكر إدريس)] [54]: [أنَّه قاله [55] بعد علمه بقوله تَعَالَى: «لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ»] [56].
قَولُهُ: (إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى): إن [57] قلت: لَم اختيرت السِّدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشَّجر؟

(1/927)


قيل: لأنَّها تختصُّ بثلاثة أوصاف؛ ظلٍّ مديد، وطعام [58] لذيذ، ورائحة ذكيَّة، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولًا ونيَّة وعملًا [59]، فظلُّها من الإيمان بمنزلة العمل؛ لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النِّية؛ لكمونه، ورائحتُها بمنزلة القول؛ لظهوره، قاله شيخنا الشَّارح رحمه الله.
قَولُهُ: (حَبَائلُ اللُّؤْلُؤِ): قال الدِّمياطيُّ: (قال القاضي عياض: «حبائل» تصحيف من الكاتب بلا شكٍّ، والصَّواب: «جنابذ»، واحدها: جُنْبذة؛ وهي القِباب، وقد ورد في «كتاب الأنبياء» من حديث يونس: «جنابذ» على الصَّواب، ورواه مُسْلِم من حديث ابن وهب عن يونس، وفيه: «جنابذ»؛ بالجيم على الصَّواب) انتهى، وفي «المطالع»: (حبائل اللُّؤلؤ): كذا لجميعهم في «البخاريِّ»، وفي «مُسْلِم»: (جنابذ اللُّؤلؤ)، وهو الصَّواب، وقد جاء في حديث آخر: «حافتاه قباب اللُّؤلؤ»، والجنابذ: جمع جُنبذة؛ وهي القبَّة، وقال من ذهب إلى صحَّة الرِّواية: إنَّ الحبائل القلائد، أو تكون [60] من حبال الرَّمل؛ (أي: فيها اللُّؤلؤ كحبال الرَّمل) [61]، أو من الحُبلة؛ وهو ضرب من الحليِّ معروف، قال: وكلُّ هذا تخيُّل ضعيف، وهو بلا شكٍّ تصحيف من الكاتب، والحبائل إنَّمَا تكون جمع حَبالة أو حَبيلة، انتهى.
فَائِدَة: ممَّا يُسأل عنها كثيرًا؛ لقاؤه صلَّى الله عليه وسلَّم لآدم عليه السَّلام في السَّماء الدُّنيا، ولإبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم في السَّماء السَّابعة وغيرهما من الأنبياء الذين لقيهم في غيرها بين السَّماءين، والحكمة في اختصاص كلِّ واحدٍ منهم بالسَّماء التي رآه فيها.
وسؤال آخر: في اختصاص هؤلاء الأنبياء باللِّقاء دون غيرهم، وإنْ كان رأى الأنبياء كلَّهم؛ فما الحكمة في اختصاص هؤلاء الأنبياء بالذكر؟

(1/928)


قال السُّهيليُّ: وقد تكلَّم أبو الحسن بن بطَّال في «شرح البخاريِّ» على هذا السُّؤال، فلم يصنع شيئًا، ومغزى كلامه الذي أشار إليه: أنَّ الأنبياء لمَّا علموا بقدومه عليهم؛ ابتدروا إلى لقائه ابتدار الغائب للغائب القادم [62]، فمنهم من أسرع، ومنهم من أبطأ، إلى هذا المعنى أشار، ولم يزد عليه، قال السُّهيليُّ: (والذي أقول في هذا: أنَّ مأخذ فهمه من علم التَّعبير، فإنَّه من علم النُّبوَّة، وأهل التَّعبير يقولون: من رأى نبيًّا بعينه في المنام؛ فإنَّ رؤياه تُؤذِن بما يشبه من حال ذلك النَّبيِّ من شدَّةٍ أو رخاءِ أو غير ذلك من الأمور التي أُخبِر بها عنِ الأنبياء في القرآن والحديث، وحديث الإسراء كان بمكَّة، ومكَّة حرم الله وأمنه، وقُطَّانُها جيران الله تَعَالَى؛ لأن فيها بيتَه.
فأوَّل ما [63] رأى من الأنبياء آدم الذي كان في أمن الله وجواره، فأخرجه عدوُّه إبليس منها، وهذه القصَّة تشبهها الحالة الأولى من أحواله عليه الصَّلاة والسَّلام حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته، فأشبهت قصَّتُه قصَّةَ آدم، مع أنَّ آدم تُعرّض عليه أرواح ذرِّيَّته؛ البَرُّ والفاجر، فكان في السَّماء الدُّنيا بحيث يرى الفريقين؛ لأنَّ أرواح أهل الشَّقاء لا تلج السَّماء، ولا تُفتَّح لهم أبوابُها.
ثُمَّ رأى في الثَّانية عيسى ويحيى، وهما الممتحنان باليهود، أمَّا عيسى؛ فكذَّبوه، وآذَوه، وهمُّوا بقتله، فرفعه الله تَعَالَى، وأمَّا يحيى؛ فقتلوه، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الامتحان، وكانت محنته فيها باليهود، آذَوه، وظاهروا عليه، وهمُّوا بإلقاء الصَّخرة عليه، فنجَّاه [64] الله تعالى كما نجَّى عيسى منهم، ثُمَّ سَمُّوه في الشَّاة، فلم تزل تلك الأُكْلة تعاوده حتَّى قطعت أبهره، هكذا فُعِل بابني الخالة عيسى ويحيى؛ لأنَّ أمَّ يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم.
وأمَّا لقاؤه في الثَّالثة ليوسف؛ فإنَّه يُؤذِن بحالة ثَالِثة تشبه حاله، وذلك أنَّ يوسف ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانَيهم، فصفح عنهم، وقال: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ [65] ... } [يوسف: 92]؛ الآية، وكذلك هو عليه الصَّلاة والسَّلام أسر يوم بدر جملةً من أقاربه الذين أخرجوه، ثُمَّ ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم، فقال: أقول ما قال أخي يوسف: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ}.

(1/929)


ثُمَّ لقاؤه لإدريس في الرَّابعة، وهو المكان الذي سمَّاه الله تعالى: {مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57]، وإدريس أوَّل من آتاه الله الخطَّ بالقلم، فكان ذلك مُؤذِنًا بحالة رابعة، وهو علوُّ شأنه حتَّى أخاف الملوك، وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته، حتَّى قال أبو سفيان عند خروجه من عند هرقل: (لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة حتَّى أصبح يخافه ملك بني الأصفر)، وكُتِب عنه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض، فمنهم من اتَّبعه؛ كالنَّجاشيِّ وملك عُمَان، ومنهم من هادنه وأهدى إليه وأتحفه؛ كهرقل والمقوقس، ومنهم من تعصَّى عليه، فأظفره الله تَعَالَى به، فهذا مقامٌ عليٌّ وخطٌّ بالقلم؛ كنحو [66] ما أُوتِي إدريس.
ولقاؤه في الخامسة هارون المُحَبَّ في قومه يُؤذِن بحبِّ قريش وجمع العرب له بعد بغضهم فيه.
ولقاؤه في السَّادسة موسى يُؤذِن بحالة تشبه حاله حين أُمِرَ بغزو الشَّام، فظهر على الجبَّارين الذين كانوا فيها، وأدخل بني إسرائيل البلدَ الذِي خرجوا منه بعد إهلاك عدوِّهم، وكذلك غزا عليه الصَّلاة والسَّلام تبوك من أرض الشَّام، وظهر على صاحب دومة حتَّى صالحه على الجزية بعد أنْ أُتِي به أسيرًا، وافتتح مكَّة ودخل أصحابُه البلدَ الذي خرجوا مِنْهُ.
ثُمَّ لقاؤه في السَّابعة إبراهيم لحكمتين؛ إحداهما: أنَّه رآه عند البيت المعمور مسندًا ظهره إليه، والبيت المعمور حيالَ الكعبة، وإليه
[ج 1 ص 148]
تحجُّ الملائكة، كما أنَّ إبراهيم هو الذي بنى الكعبة، وأذَّن في النَّاس بالحجِّ إليها، والثَّانية: أنَّ آخر أحوال النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حجُّه إلى البيت، وحجَّ معه في ذلك العام نحوٌ [67] من سبعين ألفًا من المسلمين، ورؤية إبراهيم عند أهل التَّأويل تُؤذِن بالحجِّ؛ لأنَّه الدَّاعي إليه والرَّافع [68] لقواعد الكعبة المحجوجة.
فقد انتظم في هذا الكلام الجواب عنِ السُّؤالين، وكان الحزم تركَ التَّكلف لتأويل ما لَمْ يرد فيه نصٌ عنِ السَّلف، ولكن عارض هذا الغرضَ ما يجب من التَّفكُّر في حكمته تَعَالَى والتَّدبُّر لآياته ... إلى آخر كلامه) انتهى ملخَّصًا.

(1/930)


وقد وقع في كلامه فوائدُ؛ منها فائدتان؛ إحداهما: أنَّ هرقل أهدى إليه، وأنا لا أستحضر هذا، ولكن فوق كلِّ ذي علم عليم، والثَّانية: أنَّه حجَّ معه [69] حجة الوداع نحوُ سبعين [70] ألفًا، وقد قال أبو زُرعة الرَّازيُّ عبيد الله بن عَبْد الكريم: إنَّه حجَّ معه أربعون ألفًا، ونقل بعض مشايخ مشايخي: أنَّهم كانوا تسعين ألفًا، وقال بعض مشايخي: ويقال: مئة ألف وأربعةَ عشرَ ألفًا، ويقال: أكثر من ذلك، فيما حكاه البيهقيُّ، وسيأتي الخلاف في عدد من حجَّ معه بأطول من هذا إن شاء الله تَعَالَى وقدَّره في (حجَّة الوداع) [71].
مسألة: قال ابن الجوزيِّ في «مشكله»: (إن قلت: كيف رأى الأنبياء في السَّماء ومدفنهم في الأرض؟).
ثُمَّ قال: (أجاب عنه ابن عَقيل، فقال: شكَّل الله أرواحهم على هيئة صور أجسادهم)، قال شيخنا: ومثله ذكر ابن التِّين، وقال: إِنَّمَا تعود الأرواح _ يعني: إلى الأجساد_ يومَ البعث إلَّا عيسى عليه السَّلام، فإنَّه حيٌّ لَمْ يمت، وهو ينزل إلى الأرض، قال شيخنا: والأنبياء أحياء، فلا يبعد أن يراهم حقيقة، وقد مرَّ على موسى عليه السَّلام وهو قائم يصلِّي في قبره، ورآه في السَّماء السَّادسة) انتهى، وسأذكر ما قاله العلماء في اجتماع موسى بآدم وحجاجه إيَّاه _إن شاء الله تَعَالَى_ عند مجيء ذاك [72] الحديث، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (محدث)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة».
[2] زيد في (ج): (فيه).
[3] (ابن عبد السلام): ليس في (ج).
[4] (بن): ليس في (ب).
[5] زيد في (ج): (على).
[6] في (ج): (وذكر).
[7] في (ج): (رواية).
[8] في (ب): (ذكر).
[9] في (ج): (عليَّ).
[10] (له): ليس في (ب).
[11] في (ج): (لن).
[12] (أنَّ): ليس في (ب).
[13] في (ج): (أنَّه).
[14] (كان): مثبت من (ب).
[15] (الدنيا): ليس في (ب).
[16] في (ج): (والمراد).
[17] في (ج): (يطيع).
[18] في (ج): (بعينه)، ولعله تحريف.
[19] في (ب): (إليه؛ لأنَّه).
[20] في (ج): (البيعة).
[21] ما بين معقوفين ليس في (ج)، و (هذه النسخة في هامش أصلنا): سقطت من (ب).
[22] زيد في (ب): (في).
[23] في (ب): (نقض)، وفي (ج): (بعض).
[24] (تقدم أنه): ليس في (ج).
[25] في (ج): (قال).
[26] في (ب) و (ج): (والأنبياء).
[27] (إن): سقطت من (ب).
[28] (الذي): ليس في (ب).
[29] زيد في (ب): (الزُّهري).
[30] (عمر): ليس في (ج).

(1/931)


[31] في (ب) و (ج): (صرير).
[32] في (ب): (قلنا)، وفي (ج): (فلهذا).
[33] زيد في (ب): (وهو).
[34] (له): سقطت من (ج).
[35] في (ب): (ولكنها).
[36] في (ج): (جائز).
[37] في (ج): (متعارضان)، وليس بصحيح.
[38] في (ب): (وقد تقدم).
[39] في (ج): (بنا)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة».
[40] في هامش (ق): (يروى منونًا وغير منون، وضبطه الشيخ محيي الدين غير منون).
[41] زيد في (ب): (على).
[42] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[43] في هامش (ق): (رفع (وأنسُ بنُ مالك) متحتم كذا قال شيخنا بعد أن أطال الكلام عليه، وضبطه بعضهم بالنصب عطفًا على اسم (إنَّ) في قوله: (إنَّ ابن عباس وأبا حبَّة)، وهو خطأ من حيث الصنعة).
[44] (به): ليس في (ج).
[45] ما بين قوسين سقط من (ج).
[46] (الزيادة): ليس في (ب).
[47] (من أحد): ليس في (ب).
[48] في النسخ: (ذكر)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[49] (أنس): سقطت من (ب)، وزيد فيها: (وفي حديث آخر: كلما عاد؛ وضع خمسًا).
[50] في (ب): (العشرة).
[51] في (ج): (فبقيا).
[52] في (ج): (بمدرسة).
[53] (ولكن في بعض الروايات): ليس في (ج).
[54] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).
[55] في (ب): (قال).
[56] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[57] في (ج): (فإنْ).
[58] في (ج): (وطعمها).
[59] (وعملًا): ليس في (ب).
[60] في (ب) و (ج): (يكون).
[61] ما بين قوسين ليس في (ب).
[62] في (ج): (القادر)، وليس بصحيح.
[63] في (ب): (من)، والمثبت موافق لما في «الرَّوض».
[64] في (ج): (فأنجاه).
[65] زيد في (ب): ({اليَوْمَ}).
[66] في (ب): (بنحو).
[67] في (ب): (نحوًا).
[68] في (ج): (والرابع)، وهو تحريفٌ.
[69] في (ج): (بعد).
[70] في النسخ: (سبعون)؛ ذلك أنَّ كلمة (نحو) مستدركة في (أ).
[71] زيد في (ب): (وكيف رأى الأنبياء).
[72] في (ج): (ذلك).

(1/932)


[حديث: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين]
350# قَولُهُ: (فَرَضَ الله الصَّلاة حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الحَضَرِ وَالسَّفَرِ): اعلم: أنَّ البخاريَّ ذكر هذا الحديث عقب [1] حديث الإسراء وفرض الصَّلاة؛ إشارةً إلى أنَّها فُرِضَت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين، وهذه مسألة خلاف، وما قالته عائشة رَضِيَ اللهُ عنها هو مذهبها [2]، وذهب إليه الشعبيُّ، وميمون بن مهران، ومحمَّد بن إسحاق، وغيرهم، ومنهم من ذهب إلى أنَّها فُرِضَت أوَّل ما فُرِضت أربعًا إلَّا المغرب، ففُرِضت ثلاثًا والصُّبح ركعتين، كذلك قال الحسن البصريُّ ونافع بن جبير بن مُطْعِم، ومنهم من ذهب إلى أنَّها فُرِضت في الحضر أربعًا وفي السَّفر ركعتين، يروى عنِ ابن عبَّاس، وقال إسحاق الحربيُّ: أوَّل ما فُرِضت الصَّلاة فُرِضت ركعتين أوَّلَ النَّهار وركعتين آخره، وقول الحربيِّ ضعيف، غير أنَّ الصَّلاة قد قيل: إنَّها قبل فرضها كانت كذلك، وقد ذكر ابن سيِّد النَّاس في «سيرته» حجَّة كلِّ قول؛ فلينظر منها من (المعراج).
فَائِدَة غريبة: نقل شيخنا الشَّارح عنِ القزَّاز أنَّه قال: فُرِضت الصَّلاة أوَّلًا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيِّ إلى ليلة الإسراء؛ فُرِضت عليه الخمس بغير أوقات، فكان الرَّجل يصلِّيها في وقت واحد إن شاء، وإن شاء؛ فرَّقها، ثُمَّ لمَّا هاجر؛ صلَّاها بأوقات ركعتين ركعتين، ثُمَّ زيد في صلاة الحضر، وفُرِض الوضوء والغسل، قال: ولم أرَه لغيره، انتهى وصدق.
وإنَّما المعروف أنَّ صبيحة الإسراء نزل جبريل وقت الزوال فصلَّى به عليهما الصلاة والسَّلام في يومين، وقد جاء أنَّه ابتدأ به صبيحة الإسراء بالصُّبح، وهو غريب.
فَائِدَة ثانية: صلاته عليه الصَّلاة والسَّلام إلى أيِّ جهة صبيحة الإسراء؛ مِنَ النَّاس مَنْ قال: كانت صلاته عليه الصَّلاة والسَّلام إلى بيت المقدس من حين فُرِضت بمكَّة إلى أنْ قدم المدينة، ثُمَّ بالمدينة إلى وقت التَّحويل، وقد ذكر دليله أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته الكبرى»، وقال آخرون: إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صلَّى أوَّل ما صلَّى إلى الكعبة، ثُمَّ صُرِف إلى بيت المقدس، وقد ذكر أيضًا دليله في المكان المشار إليه.

(1/933)


وقال ابن شهاب: [وزعم ناس _والله أعلم_ أنَّه كان يسجد نحو بيت المقدس، ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكَّة] [3]، ويزعم ناس أنَّه لَمْ يزل يستقبل الكعبة حتَّى خرج منها، فلمَّا قدم المدينة؛ استقبل بيت المقدس، قال أبو عُمر [4] بن عبد البَرِّ: وأحسن من ذلك قولُ من قال: إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يصلِّي بمكَّة مستقبل القبلتين، يجعل مكَّة بينه وبين بيت المقدس، قال أبو الفتح اليعمريُّ: وقد رُوِّيناه من طريق: مجاهد عنِ ابن عبَّاس؛ فذكره، وأمَّا الحديث الذي فيه: «أمَّني جبريل عليه السَّلام عند باب الكعبة»؛ فهو حديث صحيح، رواه الشَّافعيُّ في «المسند»، وكذا أحمد في «مسنده»، و «أبو داود»، و «التِّرمذيُّ»، وغيرهم، وليس في رواياتهم: (عند باب الكعبة)، وإنَّما فيها: (عند باب البيت)، نعم؛ في رواية الشَّافعيِّ في «مسنده»: (عند باب الكعبة)، ويمكن تأويله إذا قلنا: إنَّه استقبل بيت المقدس حين فُرِضت إلى وقت التَّحويل؛ بأنْ يجعل البيت عن يساره، والحَطِيم عن يمينه، وينحرف يسيرًا إلى جهة يساره قريبًا من الباب في تلك الوهدة قريبًا من الحِجْر؛ فإنَّ عند أهل مكَّة أنَّ تلك الوهدة موقف جبريل عليه السَّلام، والله أعلم [5].
ثالثة [6]: زيد في صلاة الحضر على القول به بعد مقدمه صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة بشهر، وكان ذلك لاثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر، قال الدُّولابيُّ: يوم الثُّلاثاء، وقال السُّهيليُّ: بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقال المحبُّ الطَّبريُّ: الزيادة في الرُّباعيَّة [7] إِنَّمَا كانت بعد الهجرة بسنة، وقال ابن سيِّد النَّاس: (ومن قال بهذا من أهل السِّير؛ فإن الصَّلاة أُتمَّت بعد الهجرة بشهر وعشرة أيَّام، وقيل: بشهر) انتهى.
فتحصَّلنا على أقوال في تاريخ الزيادة في الرُّباعيَّة على القول به: شهر، شهر وعشرة أيَّام، أو عام، أو نحوه.
==========
[1] في (ج): (عقيب).
[2] في (ج): (مذهبنا).
[3] ما بين معقوفين ليس في (ب).
[4] في (ب): (عمرو).
[5] (والله أعلم): ليس في (ب).
[6] (ثالثة): ليس في (ب)، وزيد فيها: (البخاري).
[7] في (ب): (الرابعة).
[ج 1 ص 149]

(1/934)


[باب وجوب الصلاة في الثياب وقول الله تعالى {خذوا زينتكم عند .. }]
قَولُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ)؛ انتهى: الظَّاهر أنَّ النَّظر الذي في إسناد هذا الحديث موسى بن إبراهيم الرَّاوي عن سلمة، وهو موسى بن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميُّ، مُنكَر الحديث، وقد قال البخاريُّ في «الضُّعفاء»: (في حديثه مناكير) انتهى.
والحديث المشار إليه أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ من هذا الوجه، وأخرجه غيرهما من غيره وصُحِّح، وقد قدَّمت أنَّه إذا علَّق شيئًا بصيغة [1] جزم؛ فهو صحيح إلى مَنْ أبرزه عنه، وإنْ كان بصيغة تمريض كهذا؛ فهو عنده ضعيف على شرطه، غير أنَّ فيه إشعارًا بصحَّة أصله، كما تقدَّم، والله أعلم.
قَولُهُ: (يُجَامِعُ فيه): هو بكسر الميم، مبنيٌّ للفاعل.
قَولُهُ: (عُرْيَانٌ): مصروف؛ لأنَّ الألف والنُّون إذا زيدت [2] في الوصف؛ فشرطه أنْ يكون مؤنَّثه على (فَعلى)؛ كـ (سكرى)، فإذا كان كذلك؛ امتنع، [وهنا وجدت (فُعْلَانة)، فلهذا [3] صُرِف] [4].
==========
[1] في (ج): (بصورة).
[2] في (ب): (زيدتا).
[3] في (ب): (ولذا).
[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[ج 1 ص 149]

(1/935)


[حديث: لتلبسها صاحبتها من جلبابها]
351# قَولُهُ: (عن مُحَمَّدٍ عن أُمِّ عَطِيَّةَ): أمَّا (محمَّد)؛ فهو ابن سيرين، الإمام المشهور، تقدَّم.
وأمَّا (أمُّ عطيَّة)؛ فاسمها نُسَيبة؛ بضمِّ النُّون على الصَّحيح، وتقدَّم [1] بعض ترجمتها.
قَولُهُ: (أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ): (أُمِرْنَا): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تقدَّم [الكلام] على (أُمِرْنَا) و (نُهِينا): أنَّه مرفوع مسند على الصَّحيح، وقد ذكرت فيما مضى في حديثها هذا مَنْ خالف فيه، وذكرت أنَّ بعضهم خصَّ الخلاف بما إذا قاله غير أبي بكرٍ الصِّدِّيق، أمَّا إذا قاله الصِّدِّيق؛ فإنَّه مرفوع بلا خلاف، والله أعلم.
قَولُهُ: (قَالَت امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ الله): هذه المرأة: قال ابن شيخنا البلقينيِّ: هذه المرأة هي أمُّ عطيَّة كنَّت [2] عن نفسها، ففي رواية: (قلت: يا رسول الله؛ إحدانا ... )؛ الحديث، انتهى.
قَولُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ رَجَاءٍ ... ) إلى آخره: هذا عَبْدُ الله بْنُ رَجَاءٍ الغُدَانيُّ البصريُّ، والغُدانيُّ؛ بضمِّ الغين المعجمة، ثُمَّ دال مهملة، وبعد الألف نون، ثُمَّ ياء النِّسبة إلى غُدَانة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يروي عن هشام الدَّستوائيِّ، وشعبة، وطائفة، وعنه: البخاريُّ، وأبو مُسْلِم الكجِّيُّ، وأبو خليفة، قال أبو حاتم: ثقة رضًا، مات سنة (220 هـ)، أخرج له البخاريُّ والنَّسائيُّ، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
وقد تقدَّم أنَّ هذا وأمثاله ممَّا قال فيه: (وقال فلانٌ)، وفلانٌ المذكور شيخُه _كهذا_ أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة [غالبًا]، وتقدَّم الشَّرط في ذلك _أعني: فيما قال الرَّاوي مطلقًا: (قال فلانٌ)، وفلانٌ شيخُه_ ما حكمه وما شرطه.
وتعليقه هذا أخرجه الطَّبرانيُّ في «الكبير» [3]: عن عليِّ بن عَبْد العزيز عنه، وإنَّما أتى به البخاريُّ؛ لتصريح محمَّد بن سيرين فيه بالتَّحديث من أمِّ عطيَّة وإنْ حُوْشِي من التَّدليس.

(1/936)


قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عِمْرَانُ): هذا هو عمران القطَّان، واسم أبيه داور، كنيته أبو العوَّام، العمِّيُّ البصريُّ، أحد علمائها، عنِ الحسن، وابن سيرين، وبكر المزنيِّ، وقتادة، وأبي جمرة الضُّبعيِّ، وجماعة، وعنه: ابن مهديٍّ، وأبو داود، وأبو عليٍّ الحنفيُّ، وآخرون، قال يزيد بن زُرَيْع: كان حَروريًّا [4]، يرى السَّيف، وقال أحمد: أرجو أنْ يكون صالح الحديث، وقال ابن معين: ليس بالقويِّ، وقال أبو داود: ضعيف أفتى إبراهيمَ بن عَبْد الله بن حسن بفتوى شديدة، فيها سفك دماء، وقال النَّسائيُّ: ضعيف، له ترجمة في «الميزان»، أخرج له الأربعة [5]، ولم يخرِّج له البخاريُّ ومُسْلِم شيئًا في الأصول، وإنَّما ذكر البخاريُّ [6] هذا الذي صورته صورة تعليق عنه.
والحكمة في إتيان البخاريِّ بهذا: أنَّ يزيد بن إبراهيم هو التَّستريُّ عنعن في روايته الحديث عن محمَّد _هو ابن سيرين_، وكذا محمَّد بن سيرين عنعن عن أمِّ عطيَّة، فأتى بهذا؛ لكونه فيه تحديث عمران عنِ ابن سيرين، وتحديث ابن سيرين عن أمِّ عطيَّة، ولتصريح أمِّ عطيَّة بسماعها من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ليخرج مِنْ خلاف مَنْ قال: إنَّ (أُمِرْنا) و (نُهينا) بخلاف ذلك، وقد تقدَّم أنَّ الصَّحيح أنَّه مرفوع ومُسنَد،
[ج 1 ص 149]
وليخرج مِن خلاف مَن قال: إنَّ العنعنة تُرَدُّ وإنْ كانت من غير مدلِّس؛ مثل هذين؛ لأنَّ يزيد بن إبراهيم التَّستريَّ لا أعلم أحدًا [7] ذكره بالتَّدليس، وكذلك محمَّد بن سيرين، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (وقد تقدم).
[2] في (ج): (كتبت)، ولعله تحريف.
[3] (في «الكبير»): ليس في (ج).
[4] زيد في (ج): (كان).
[5] في (ب): (الجماعة).
[6] (البخاري): سقطت من (ج).
[7] زيد في (ب): (أنَّه).

(1/937)


[باب عقد الإزار على القفا في الصلاة]
قَولُهُ: (بَابُ عَقْدِ الإِزَارِ على القَفَا): أمَّا (الإِزَارِ)؛ فمعروف، وهو يؤنَّث ويذكَّر، وكلُّ ما كان على أسافل البدن؛ فهو إزار، وما كان على أعاليه؛ فهو رداء، وقَولُهُ [1]: (القَفَا): هو بالقصر، وإيَّاك أنْ تمدَّه، وقد شافهني شيخنا الشَّارح بأنَّه يُمدُّ أيضًا، ونُقل لي ذلك عن «شرح التَّنبيه» لشيخنا المشار إليه أنَّه ذكر فيه المدَّ عنِ الفرَّاء، والله أعلم.
قَولُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عن سَهْلٍ): أمَّا (أبو حَازم)؛ فهو بالحاء المهملة، واسمه سلمة بن دينار الأعرج المدينيُّ، أحد الأعلام، عن سهل بن سعد وابن المُسَيّب، وعنه: مالك وأبو ضمرة، قال ابن خزيمة: ثقة، لم يكن في زمانه مثله، أخرج له الجماعة، تُوفِّي سنة (140 هـ).
وأمَّا (سهلٌ) هذا؛ فهو ابن سعد، (وإنَّما قيَّدته؛ لِما يجيء قريبًا) [2]، أبو العبَّاس السَّاعديُّ، صحابيٌّ مشهور رَضِيَ اللهُ عنه، روى عنه: ابنه عبَّاس، والزُّهْرِيُّ، وأبو حازم، مات سنة ثمانين أو إحدى وتسعين، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (عَاقِدِي أُزْرِهِمْ): الأزر: جمع إزار، وهو مجرور للإضافة، ويجوز من حيث العربيَّةُ [3] نصبه، وهو لغة، وقد قُرِئ بها قوله تَعَالَى: {وَالمُقِيمِي الصَّلاة} [البقرة: 3]؛ بالنَّصب شاذًّا، والمتواترة: بالجرِّ.
قَولُهُ: (عَلَى عَوَاتِقِهِمْ): هو جمع عاتق؛ وهو المنكب إلى أصل العنق، قاله أبو عُبيد، وقال الأصمعيُّ: هو موضع الرِّداء من الجانبين.
==========
[1] زيد في (ج): (على).
[2] ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).
[3] في (ج): (اللُّغة).
[ج 1 ص 150]

(1/938)


[حديث: عقد الإزار على القفا في الصلاة]
352# قَولُهُ: (حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو بالقاف، وليس في الكتب السِّتَّة من الرُّواة أحد اسمه وافد؛ بالفاء.
قَولُهُ: (مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ): (قِبَلِ)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، وهذا ظاهر جدًّا.
قَولُهُ: (على المِشْجَبِ): هو بكسر الميم، ثُمَّ شين معجمة ساكنة، ثُمَّ جيم مفتوحة، ثُمَّ موحَّدة: عيدان تُضمُّ رؤوسها، ويُفرَج بين قوائمها، وتُوضَع عليها الثِّياب، وقد تعلَّق عليها الأسقية؛ لتبريد الماء وهو مِنْ (تشاجبَ الأمرُ)؛ إذا اختلط.
قَولُهُ: (قَالَ لَهُ قَائِلٌ): القائل لجَابِر لا أعرف اسمه، إلَّا أنَّ في «مُسْلِم» في حديث جَابِر الطَّويل في أواخره: (أنَّ عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت قال: ثُمَّ مضينا حتَّى دخلنا على جَابِر بن عَبْد الله في مسجده وهو يصلِّي في ثوب واحد مشتملًا به، فتخطَّيت القوم حتَّى جلست بينه وبين القبلة، فقلت: يرحمك الله، أتصلِّي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟! قال: فقال بيده في صَدْرِي هَكَذَا، وَفَرَّقَ بين أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الأَحْمَقُ مِثْلُكَ، فَيَرَانِي كَيْفَ أَصْنَعُ، فَيَصْنَعُ مثله)، فلعلَّ الشَّخص المبهم ههنا هذا [1]، ويحتمل أنْ يكون غيره، وقد نقل ابن شيخنا البلقينيِّ عن بعض الشَّروح ما في آخر «مُسْلِم»، وسكت عليه، انتهى، (وكذا جزم به بعض حفَّاظ العصر) [2]، ولكن سيأتي في (باب الصَّلاة بغير رداء)، فساق سندًا إلى محمَّد بن المنكدر، قال: (دَخَلتُ على جَابِرِ بن عَبْد الله وهو يصلِّي في ثَوْبٍ مُلتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ، فلمَّا انْصَرَف؛ قُلنَا: يا أَبَا عَبْد الله؛ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ؟! ... )؛ الحديث، فهذا محمَّد بن المنكدر أحد القائلين له ذلك، والله أعلم، وإنَّ محمَّدَ بن المنكدر القائلُ له ذلك، ولمَّا أقرَّه [3] الجماعة على قوله؛ فكأنَّهم قائلون لما [4] قال، (وقال بعض حفَّاظ العصر: وعند البخاريِّ أنَّ محمَّد بن المنكدر وسعيد بن الحارث سألاه ذلك أيضًا، وفي «جزء عامر بن سنان»: أنَّ سعيدًا المقبريَّ سأله عن ذلك أيضًا [5]) [6].
قَولُهُ: (أَحْمَقُ): الأحمق؛ من الحُمْق؛ بضمِّ الحاء، وإسكان الميم، وتُضمُّ: قلَّة العقل.
==========
[1] (هذا): في (ب).
[2] ما بين قوسين ليس في (ب).
[3] في (ب): (أقر).
[4] في (ب): (بما).

(1/939)


[5] (عن ذلك أيضًا): ليس في (ب).
[6] ما بين قوسين ليس في (ج)، وجاء في (ب) بعد قوله: (بالمتوشح من عند الزُّهري).
[ج 1 ص 150]

(1/940)


[حديث: رأيت النبي يصلي في ثوب]
353# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ [1]): هو بضمِّ الميم، وفتح الطَّاء المهملة، وكسر الرَّاء المشدَّدة، اسم فاعل.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمن بْنُ أَبِي المَوَالِي): تقدَّم أنَّ النَّوويَّ قال: إنَّ [2] الأصحَّ في (ابن أبي الموالي) و (ابن العاصي) و (ابن الهادي) و (ابن اليماني) إثباتُ الياء.
==========
[1] في هامش (ق): (المديني).
[2] (إنَّ): ليس في (ب).
[ج 1 ص 150]

(1/941)


[باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به]
قَولُهُ: (مُلتَحِفًا بِهِ): فسر البخاريُّ الملتحف بـ (المُتوشِّح) من عند الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ قال: (وهو المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفيه على عَاتِقَيْهِ، وهو الاشْتِمَالُ على مَنْكِبَيْهِ)، فالذي يظهر من حيث الصِّيغة [1] أنَّه من قوله، وهو المخالف من توضيح البخاريِّ، ويحتمل أنْ يكون من تتمة كلام الزُّهْرِيِّ، والله أعلم، وقد تقدَّم أنَّ الزُّهْرِيِّ هو محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور، والتَّوشُّح: أنْ يأخذ طرف الثَّوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ [2] طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى، ثُمَّ يعقدهما على صدره، قال شيخنا: صرَّح به ابن سيده وغيره، وقال الجوهريُّ: (التحفت بالثَّوب: تغطَّيت به).
[قَولُهُ: (قَالَ: وقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ): كذا في أصلنا؛ أي: قال البخاريُّ: وقالت أمُّ هانئ؛ فهو تعليق، وسيأتي بعده مُسنَدًا، وفي أصلنا الدِّمشقيِّ: (قال: قالت أمُّ هانئ)، وهو هو، ولا يُتوهَّم أنَّ (قال: قالت أمُّ هانئ) أنَّ الزُّهْرِيَّ رواه عنها، وبيانه: أنَّه ولد سنة بضع وخمسين، وأمُّ هانئ تأخَّرت بعد الخمسين، ولم أرَ أحدًا ذكر أنَّه أرسل عنها، والصَّواب: أنَّ (قال _يعني: البخاريُّ_: قالت أمُّ هانئ) تعليقٌ، وسيأتي مُسنَدًا قريبًا كلامه [3]، والله أعلم، وكذا فعل شيخنا في شرحه] [4].
قَولُهُ: (أُمَّ هَانِئٍ): تقدَّم أنَّها بهمزة في آخرها، وقد تقدَّم الاختلاف في اسمها، هل هي فاختة، أو فاطمة، أو هند، أو عاتكة، أو جمانة، أو رملة؟ أقوال، أسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها هُبيرة بن أبي وهب، واسمه عَمرو المخزوميُّ إلى نجران، وهلك على كفره، ولها منه أولاد، قال الذَّهبيُّ: ولعلَّها تُوفِّيت بعد الخمسين رَضِيَ اللهُ عنها، وهي بنت عمِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أخت عليٍّ، وإخوته من الأبوين وأولاد أبي طالب عَبْد مناف أسلموا كلُّهم إلَّا طالبًا، فيقال: إنَّ الجنَّ اختطفته؛ وهم: طالب، وعقيل، وعليٌّ، وجعفر، وأمُّ هانئ، وجمانة قسم لها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثين وسقًا من خيبر، وكانت جمانة هذه عند أبي سفيان بن الحارث، وأمُّ طالب يقال: إنَّ اسمها ريطة.

(1/942)


[حديث ابن أبي سلمة: أنه رأى النبي يصلي في ثوب واحد]
355# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هو ابن سعيد القطَّان، الحافظ المشهور، تقدَّم مرارًا.
قَولُهُ: (أُمِّ سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّ اسمها هند بنت أبي [1] أميَّة؛ حذيفة بن المغيرة بن عَبْد الله بن عُمر بن مخزوم، أمُّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عنها، وتقدَّم بعض الكلام عليها.
==========
[1] (أبي): سقط من (ج).
[ج 1 ص 150]

(1/943)


[حديث ابن أبي سلمة: رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد مشتملًا]
356# قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا [1] أَبُو أُسَامَةَ [2]): تقدَّم مرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة.
==========
[1] في (ب): (حدثنا)، وهي رواية ابن عساكر، وينظر هامش «اليونينية».
[2] في (ج): (سلمة)، وليس بصحيح.
[ج 1 ص 150]

(1/944)


[حديث: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ]
357# قَولُهُ: (عن أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ [1] اللهِ): (أبو النَّضر)؛ بالضَّاد المعجمة، تقدَّم مرَّات أنَّه لا يلتبس؛ لأنَّ (نصرًا) بالصَّاد المهملة لا يأتي بالألف واللَّام، بخلاف (النَّضر) بالمعجمة، فإنَّه لا يأتي إلَّا بالألف واللَّام، وتقدَّم أنَّه سالم بن أبي أميَّة أبو النَّضر المدنيُّ، عن أنس، وكتب إليه ابن أبي أوفى، وعنه: مالك واللَّيث، ثقة نبيل، تُوفِّي سنة (129 هـ)، أخرج له الجماعة، وإنَّما أعدت بعض ترجمته؛ لطول العهد بها.
قَولُهُ: (أَنَّ أَبَا مُرَّة مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ): تقدَّم أنَّ (أبا مُرَّة) اسمُه يزيد مولى عَقيل، ويقال: مولى أخته أمِّ هانئ، روى عنهما [2]، وعن أبي الدَّرداء، وعنه: زيد بن أسلم وأبو حاتم، ثقة، أخرج له الجماعة، وقد قدَّمت بعض ترجمته [3]، ولكن طال العهد بها.
قَولُهُ: (أُمَّ هَانِئٍ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه رَضِيَ اللهُ عنها، وقبله أيضًا.
قَولُهُ: (عَامَ الفَتْحِ): تقدَّم أنَّه سنة ثمانٍ في رمضان، وسيجيء ما وقع في ذلك من الاختلاف، كم كان في شهر رمضان، والوهم الذي وقع في «صحيح البخاريِّ»، وقد تقدَّم.
قَولُهُ: (مَرْحَبًا): الكلام فيها معروف، وقد ذكرتُ مرَّة، ولم أتكلَّم عليها كثيرًا؛ لظهورها، ثُمَّ عنَّ لي أنْ أتكلَّم عليها، فأقول: (مرحبًا): كلمة تُقال عند المسرَّة للقادم، ولمن يُسَرُّ برؤيته والاجتماع به، وهو منصوب بفعل لا يظهر؛ أي: صادفت رُحْبًا؛ أي: سَعة، وقيل: بل انتصب على المصدر؛ أي: رحَّب الله بك مرحبًا، فوضع المَرْحَب موضع التَّرحيب، وهو قول الفرَّاء، ومكان رَحْب ورَحيب: واسع، والجمع: رِحاب.
[ج 1 ص 150]
قَولُهُ: (بِأُمِّ هَانِئٍ [4]): كذا في أصلنا، وفي رواية أخرى ليست في أصلنا: (يا أمَّ هانئ)، قال القاضي: والرِّوايتان معروفتان صحيحتان، والباء أكثر استعمالًا.
قَولُهُ: (ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ): كذا في نسخة، وفي نسخة: (ثمانَ)، و (ثمانيَ)؛ بنصب الياء، وكذا (ثمانَ)؛ بنصب النُّون.
قَولُهُ: (زَعَمَ ابْنُ أُمِّي): يعني: عليَّ بن أبي طالب، وهو أخوها لأبويها، كما تقدَّم قريبًا، وإنَّما قالت ذلك؛ لتأكُّد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن وكثرة ملازمة الأمِّ، وهو موافق لقوله تَعَالَى _حكاية عن هارون حين قال لموسى_: {يَا بْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94].

(1/945)


قَولُهُ: (رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ): (رَجُلًا)؛ بالنَّصب مع التَّنوين، مفعول اسم الفاعل، وهو (قاتل).
قَولُهُ: (فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ): هو بالنَّصب بدل من (رَجُلًا)، ويجوز الرَّفع على القطع، قال شيخنا الشَّارح في هذا المكان: (هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، كذا هو في «كتاب الزُّبير بن بكَّار»، وفي «الطَّبرانيِّ»: فقلت: يا رسول الله؛ إنِّي أجرت حموي، وفي رواية: (حموي ابن هبيرة)، وفي رواية: (حموي ابني هبيرة)، وفي «كتاب الأزرقيِّ»: (أنَّها أجارت عَبْد الله بن أبي ربيعة المخزوميَّ والحارث بن هشام).
وقال اِبْن عبد البَرِّ: استتر عندها رجلان من بني مخزوم وأجارتهما، قيل: إنَّهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أميَّة، وقيل: أحدهما جعدة، وقال: والأوَّل أصحُّ، قال: وهبيرة بن أبي وهب زوجها، ولدت له جعدة وغيره، وقال ابن الجوزيِّ: قولها: (فلان ابن هبيرة) إن كان من أولاده منها؛ فالظَّاهر أنَّه جعدة، قلت: لكن رواية: (حموي) تبعده، ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها، انتهى.
وقال الخطيب البغداديُّ وابن بشكوال في قولها: (أجرت رجلين من بني مخزوم يوم الفتح، فأراد عليٌّ قتلهما ... )؛ الحديث: هما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة، وقال ابن بشكوال: الحارث بن هشام وزهير بن أبي أميَّة بن المغيرة، ذكره ابن إسحاق، انتهى.
وقال السُّهيليُّ: (قيل: إيَّاه _يعني: جعدة_ عنتْ في حديث مالك: زعم ابن أمِّي عليٌّ أنَّه قاتلٌ رجلًا أجرته فلانَ ابن هبيرة) انتهى.
(والحاصل من الرِّوايات: أنَّها أجارت جعدة بن هبيرة ولدها، والحارث بن هشام، وزهير بن أبي أميَّة، وعبد الله بن أبي ربيعة، والله أعلم) [5].
والذي يظهر من هذا كلِّه ما قاله ابن الجوزيِّ _في فلان ابن هبيرة وأنَّه [6] ليس [7] واحدًا ممَّن تقدَّم ذكره أنَّها أجارته_ هبيرة، وليس [8] في [9] عمود نسب [10] الحارث بن هشام، ولا عَبْد الله بن أبي ربيعة، ولا زهير بن أبي أميَّة سوى جعدة [11].
وقول شيخنا متعقِّبًا كلام ابن الجوزيِّ مُتعقَّب أيضًا، بل الذِي يظهر أنَّه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزوميُّ ولدها.
وأمَّا رواية: (حموي) بالإفراد، و (حموَيَّ) بالتَّثنية؛ لا تنافي إجارتها جعدة ابنها، وتكون قد أجارت الجميع، لكنَّ قولها: (حموي ابن هبيرة) و (حمويَّ ابني هبيرة) لا يظهر لي، ولعلَّه مؤوَّلٌ [12] إن صحَّ الإسناد بذلك.

(1/946)


وأمَّا حديث إجارتها الحارث بن هشام وزهير بن أبي أميَّة؛ فكلٌّ منهما من أحمائها، فلعلَّها أجارتهما وأجارت ابنها، وكان الأحسن بنا ألَّا نذكر هنا إلا جعدة بن هبيرة ابنها؛ لأنَّه لَمْ تقع هنا تلك الرِّوايات التي ساقها شيخنا، ولا نطوِّل بذلك، ولا يظهر لي إلَّا أنَّه جعدة ابنها، وجعدة هذا ذكره ابن عبد البَرِّ في «الصَّحابة»، ولم يتعقَّبه، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (اختُلِف في صحبته) انتهى، وقد قال ابن مَعِين: إنَّه لَمْ يسمع من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا، وقد روى عن [13] خاله عليٍّ رَضِيَ الله عنه، قال أبو عُمر: قال أبو عبيدة: ولدت أمُّ هانئ من هبيرة ثلاثة بنين؛ أحدهم: جعدة، والثَّاني: هانئ، والثَّالث: يوسف، وقال الزُّبير والعدويُّ: ولدت لهبيرة أربعة [14] بنين: جعدة، وعمْرًا، وهانئًا، ويوسف، قال أبو عُمر: وهذا أصحُّ إن شاء الله، انتهى، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميُّ زوجها، فرَّ يوم [15] الفتح، ولم يسلم، ولحق بنجران، ومات على شركه، انتهى.
وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (ويُتعجَّب ممَّا في بعض الشَّروح من قولها: «فلان ابن هبيرة»: هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، كذا هو في «كتاب الزُّبير بن بكَّار»، فإنَّ الحارث بن هشام لا يقال له: ابن هبيرة) انتهى، (وما قاله ابن شيخنا صحيحٌ حسنٌ) [16].
==========
[1] في (ج): (عبد)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ج): (عنها)، وهو تحريفٌ.
[3] في (ج): (ترجمتها)، وليس بصحيح.
[4] في هامش (ق): (أم هانئ أسلمت يوم الفتح، وهي شقيقة علي بن أبي طالب، وعَقِيل، وجعفر، وطالب، واستجار بها رجلان؛ قيل: هما: الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية، وقيل: أحدهما جعدة بن هبيرة، فأجارتهما، فأراد علي قتلهما، فدخلت على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يصلي الضحى، فذكرت ذلك له، فأمضى جوارها، وأمَّا اسمها؛ فقيل: فاختة، وقيل: هند، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي فرَّ يوم الفتح ولم يُسلم).
[5] ما بين قوسين ليس في (ج).
[6] (وأنَّه): سقطت من (ج).
[7] في (ج): (وليس).
[8] (وليس): سقطت من (ب) و (ج).
[9] زيد في (ب): (نفس).
[10] في (ج): (نسبه لا)، وضرب على (لا) في (أ).
[11] (سوى جعدة): سقطت من (ج).
[12] في (ب): (مازل)، وليس بصحيح.
[13] في (ج): (له على).
[14] في النسخ: (أربع)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[15] في (ج): (جمع)، وليس بصحيح.

(1/947)


[16] ما بين قوسين ليس في (ج).

(1/948)


[حديث: فقال رسول الله أولكلكم ثوبان]
358# قَولُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهْرِيُّ مرارًا [1]، واسمه محمَّد بن مُسْلِم بن [2] عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.
قَولُهُ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ): تقدَّم أنَّ في ياء أبيه الفتحَ والكسر، وتقدَّم أنَّ غير أبيه لا يقال إلَّا بالفتح.
قَولُهُ: (عَن أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قَولُهُ: (أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا السَّائل لا أعرف اسمه، (وقال لي بعض فضلاء الحنفيَّة: إنَّ شمس الأئمَّة السَّرخسيَّ قال في «المبسوط»: إنَّ السَّائل ثوبان) [3].
==========
[1] في (ب): (تقدم مرارًا أنه الزُّهري).
[2] (بن): سقطت من (ب).
[3] ما بين قوسين ليس في (ج).
[ج 1 ص 151]

(1/949)


[باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه]

(1/950)


[حديث: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء]
359# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الضَّحاك بن مَخْلَد النَّبيل، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله بن ذكوان، وأبو الزناد؛ بالنُّون بعد الزاي، وتقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ): كذا هو في أصلنا: بإثبات الياء، فعن ابن الأثير: وقع في «الصَّحيحين» بإثبات الياء، وهو لا يجوز؛ للجزم، فإن صحَّت؛ فتُحمَل على أنَّ (لا) نافية، قال الخطَّابيُّ: النَّهي للاستحباب، لا للإيجاب؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام ثبت أنَّه صلَّى في ثوب واحد كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، والثَّوب الواحد لا يتَّسع طرف منه ليتَّزر به ويجعل على عاتقه منه شيئًا.
==========
[ج 1 ص 151]

(1/951)


[حديث: من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه]
360# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، فإنَّ [1] (دُكَينًا [2]) بالدَّال المهملة، وتقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): هذا هو ابن عَبْد الرَّحمن النَّحويُّ، تقدَّم مرارًا، وأنَّه منسوب إلى القبيلة، لا إلى علم النَّحو، [كذا قال ابن الأثير في كتابه: إنَّ شيبان منسوب للقبيلة [3]، وقال (ابن أبي داود وغيره: إنَّ المنسوب إلى القبيلة يزيد) [4] بن أبي سعيد النَّحويُّ، لا شيبان النَّحويُّ هذا، والله أعلم] [5]، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم مرارًا أنَّ كَثِيرًا؛ بالثَّاء المثلَّثة، وتقدَّم بعض ترجمة يحيى هذا.
قَولُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم أعلاه أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا مرارًا.
==========
[1] في (ب): (وأنَّ)، وفي (ج): (وابن).
[2] في (ج): (دُكين).
[3] في (ب): (إلى القبيلة).
[4] ما بين قوسين ليس في (ب).
[5] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[ج 1 ص 151]

(1/952)


[باب إذا كان الثوب ضيقًا]

(1/953)


[حديث: ما السرى يا جابر؟]
361# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الفاء، وفتح اللَّام، وهذا ظاهر جدًّا.
قَولُهُ: (في بَعْضِ أَسْفَارِهِ): لا أعرف هذه السَّفرة بعينها.
قَولُهُ [1]: (فَاشْتَمَلتُ بِهِ): الاشتمال: الالتفاف بالثَّوب، ولا يُخرِج يده مِنْهُ، فلذا أنكر عليه.
قَولُهُ: (مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟): السُّرى: الاسم؛ ومعناه: ما أوجب سُرَاك أو [2] مجيئك ليلًا؟
[ج 1 ص 151]
قَولُهُ: (مَا هذا الاشْتِمَالُ): تقدَّم قبيله الكلام على الاشتمال، ولماذا أنكر عليه.
قَولُهُ: (كَانَ ثَوْبٌ): كذا في أصلنا، وفي نسخة خارج الأصل: (ثوبًا)، وفي نسخة: (كَانَ ثَوْبٌ؛ يَعْنِي: ضَاقَ)، فعلى رواية: (كَانَ ثَوْبٌ)؛ فـ (كَانَ) تَامَّة، وعلى رواية: (كَانَ ثَوْبًا)؛ تقديره: [كان الموجود ثوبًا، أو نحو هذا من التَّقدير، فيكون (ثوبًا): خبرًا، والله أعلم] [3].
قَولُهُ: (فَاتَّزِرْ بِهِ): يجيء في النُّطق به ما تقدَّم في (باب مباشرة الحائض)؛ فراجعه.
==========
[1] (قوله): سقطت من (ج).
[2] في (ج): (و).
[3] ما بين معقوفين بياض في (ج).

(1/954)


[حديث: كان رجال يصلون مع النبي عاقدي أزرهم على أعناقهم]
362# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى عن سُفْيَانَ): (يحيى) هذا: هو ابن سعيد القطَّان، حافظ الإسلام، العلم المشهور.
قَولُهُ: (عن سُفْيَانَ): هذا هو ابن سعيد بن مسروق الثَّوريُّ، العالم المشهور.
قَولُهُ: (حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ): تقدَّم أنَّه سلمة بن دينار، وتقدَّم بعض ترجمته، وأن حَازمًا؛ بالحاء المهملة.
قَولُهُ: (عن سَهْلِ): هو ابْنِ سَعْدٍ السَّاعديُّ، صحابيٌّ مشهور، وإنَّما قُيِّد به؛ لأنَّ في الصَّحابة من اسمه: سهل جماعة، هم خمسة وثلاثون به، والرُّواة منهم ستَّة أشخاص به.
قَولُهُ: (كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ): هؤلاء الرِّجال لا أعرفهم بأعيانهم [1].
قَولُهُ: (عَاقِدِي أُزْرِهِمْ): (أزرهِم)؛ بالجرِّ؛ للإضافة، وحذفت النُّون من (عاقدي)؛ لذلك، ويجوز من حيث العربيَّةُ [2] النَّصب في (أزرهم)، وقد تقدَّم قريبًا، كما قرئ: {وَالمُقِيمِي الصَّلاةَ} [الحج: 35]؛ بالنَّصب شاذٌ [3]، والمتواترة بالجرِّ: {الصَّلاةِ}، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (بعينهم).
[2] في (ج): (اللغة).
[3] في (ب) بدل من (بالنصب شاذ): (في رواية).
[ج 1 ص 152]

(1/955)


[باب الصلاة في الجبة الشامية]
قَولُهُ: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، تقدَّم مرارًا.
قَولُهُ: (يَنْسجُهَا): هو بضمِّ السِّين وكسرها؛ لغتان في «الصِّحاح» وغيره.
قَولُهُ: (وَقَالَ مَعْمَرٌ): تقدَّم أنَّه بفتح الميمين [1]، وإسكان العين، وهو ابن راشد، عالم اليمن، تقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (الزُّهْرِي): هو العالم المشهور، ابن شهاب أبو بكر محمَّد بن مُسْلِم [2] بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم الفرد.
قَولُهُ: (مَا صُبِغَ بِالبَوْلِ): يعني: وغُسِل بعد ذلك.
==========
[1] في (ج): (الميم).
[2] (بن مسلم): مثبت من (ب) و (ج).
[ج 1 ص 152]

(1/956)


[حديث: يا مغيرة خذ الإداوة]
363# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى [1] [قَالَ]: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ): قال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ في «تقييده»: (قال البخاريُّ في «الصَّلاة في الجبَّة الشَّامية»، وفي «الجنائز» و «الدَّجَّال» [2]: «حَدَّثَنَا يحيى: حَدَّثَنَا أبو معاوية»، فنسب ابن السَّكن الذي في «الجنائز»: يحيى بن موسى، وأهمل الموضعين الآخرين، ولم أجدهما منسوبين لأحد من شيوخنا، فالله أعلم) انتهى.
وقد ذكر شيخنا الشَّارح كلام الجيَّانيِّّ، لكن قال عوض (الدَّجال) [3] (الرَّحمن) معزوًّا إليه، ثُمَّ قال: (وذكر الكلاباذيُّ أنَّ يحيى بن موسى ختًّا روى عن أبي معاوية، وأنَّ يحيى بن جعفر بن عون روى عن أبي معاوية أيضًا، قال: ورواه الطَّبرانيُّ في «معجمه» من طريق يحيى الحمانيِّ عن أبي معاوية، ويحيى هذا ليس من شيوخ البخاريِّ) انتهى؛ يعني: يحيى [4] الحمانيَّ، وهو يحيى بن عَبْد الحميد، لم يخرِّج له أحد من أصحاب الكتب السِّتَّة في شيء من الكتب السِّتَّة [5]، وله ترجمة في «التَّهذيب»، و «التَّذهيب»، و «الميزان».
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) [6]: هو محمَّد بن خازم _بالخاء المعجمة_ أبو معاوية الضَّرير، تقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ، أبو محمَّد الكاهليُّ، القارئ، الإمام المشهور، وتقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (عَنْ مُسْلِمٍ): هذا هو مُسْلِم بن صُبَيح، و (مسْلم): بإسكان السِّين، وصُبَيح: بضمِّ الصَّاد المهملة؛ مصغَّر، وهو أبو الضُّحى الهمْدانيُّ العطَّار، عنِ ابن عبَّاس وعلقمة، وعنه: منصور، والأعمش، وقطر، وثَّقه ابن مَعِين وأبو زُرعة، تُوفِّي في خلافة عمر بن عبد العزيز، وعمر رحمة الله عليه تولَّى الخلافة في سَنَة تسع وتسعين، وتُوفِّي سنة إحدى ومئة، فمكث فيها ثلاثين شهرًا، أخرج لمسلم هذا الأئمَّةُ السِّتَّةُ.
قَولُهُ: (في سَفَرٍ): تقدَّم أنَّ هذا السَّفر غزوة تبوك، كما في «الصَّحيح»؛ فاعلمه، وتقدَّم أنَّها في السَّنة التَّاسعة من الهجرة.
قَولُهُ: (الإِدَاوَةَ): تقدَّم أنَّها بكسر الهمزة؛ وهي إناء صغير من جلد؛ كالسَّطيحة، وأنَّ جمعها أَداوى.
قَولُهُ: (وُضُوءَهُ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز فيه الفتح، وقد تقدَّم مرارًا.

(1/957)


[باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها]
قَولُهُ: (بَاب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي في الصَّلاة وَغَيْرِهَا): (كَرَاهِيَةِ)؛ بتخفيف الياء، والمراد بالكَرَاهِيَةِ: التَّحريم، وهذا كثير في كلام الأقدمين، يريدون بالكراهة [1] التَّحريم، لا [2] الكراهة المعروفة اليوم التي [3] يريدون أنَّها جائزة الإقدام، وإنَّما يعدلون عن قولهم: تحريم؛ لمعنًى معروف.
وقوله: (وَغَيْرِهَا): يعني: أنَّه يجب ستر العورة في غير الصَّلاة أيضًا؛ كالخلوة، وهو أحد الوجهين عند الشَّافعيَّة، وهو الأصحُّ عندهم.
==========
[1] في (ب): (الكراهية).
[2] في (ج): (لأن).
[3] في (أ): (الذي)، وفي (ب) و (ج): (الذين)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[ج 1 ص 152]

(1/958)


[حديث جابر: أن رسول الله كان ينقل معهم الحجارة للكعبة]
364# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا رَوْحٌ): تقدَّم أنَّه بفتح الرَّاء، وعن بعضهم: أنَّه يجوز ضمُّها، وهو ابن عُبَادة؛ بضمِّ العين، وتخفيف الباء، وتاء في آخره، القيسيُّ أبو محمَّد، الحافظ البصريُّ، عنِ ابن عون وابن جريج، وعنه: أحمد، وعبد، والكديميُّ [1]، صنَّف الكتب، وكان من البحور العلماء، تُوفِّي سنة (205 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد قال ابن مَعِين وغيره: صدوق.
قَولُهُ: (كَانَ يَنْقُلُ معهُم الحِجَارَةَ لِلكَعْبَةِ): هذا لمَّا بنت قريش الكعبة، وكان عمره خمسًا وثلاثين سنة، ويقال: خمسًا وعشرين سنة، وقال شيخنا في شرحه هذا: (كان عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا بنت قريش الكعبة لَمْ يبلغ الحلم، كما قال الزُّهْرِيُّ) [انتهى.
وسيأتي مثله عنِ ابن إسحاق، قال شيخنا] [2]: وقال ابن بطَّال وابن التِّين: كان عمره خمسَ عشرةَ سنةً ... إلى آخر كلامه، وسأذكر أنا فيما يأتي في (بنيان الكعبة) ما ذكروه في ذلك إن شاء الله تَعَالَى وقدَّره.
قَولُهُ: (فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا): (رُئِيَ): هو بضمِّ الرَّاء، ثُمَّ همزة مكسورة، وفي نسخة: (رِيْءَ)؛ بكسر الرَّاء، ثُمَّ همزة مفتوحة.

(1/959)


[باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء]
(باب الصَّلاة في القَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالقَبَاءِ) ... إلى (باب مَا جَاءَ في القِبْلَةِ) ... إلى آخره.
قَولُهُ: (وَالسَّرَاوِيلِ): تقدَّم الكلام عليه، ولنذكره هنا؛ لطول العهد به؛ فاعلم أنَّه معروف، يذكَّر ويؤنَّث، والجمع: السَّراويلات، قال سبيويه: سراويل: واحدة أعجميَّة أُعرِبت، فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؛ فهي مصروفة في النَّكرة، قال: وإن سَمَّيتَ بها رجلًا؛ لَمْ تصرفها، وكذلك إن حقَّرتها اسم رجل؛ لأنَّها مؤنَّث على أكثر من ثلاثة أحرف؛ مثل: عناق، وفي النَّحويِّين مَن لا يصرفه أيضًا في النَّكرة، ويزعم أنَّه جمع سروالٍ وسروالةٍ، وينشد:
عليه من اللُّؤم سِروالة
ويحتجُّ في ترك صرفه بقول ابن مقبل:
... & فتًى فارسيٌّ في سراويلَ رامحٌ
قال الجوهريُّ: والعمل على القول الأوَّل، والثَّاني أقوى، انتهى، وقال شيخنا المؤلِّف: (والسَّراويل: فارسيٌّ معرَّبٌ، يذكَّر ويؤنَّث، وبالنُّون بدل اللَّام، وبالشِّين المعجمة بدل المهملة) انتهى، وقد تقدَّم هل لبس عليه الصَّلاة والسَّلام السَّراويل، وتقدَّم حديث السُّنَّن أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اشترى سراويل، وتقدَّم بكم اشتراها، كلُّ ذلك فيما مضى؛ فانظره، وها أنا أذكره هنا أيضًا؛ لبعده، روى شراءه عليه الصَّلاة والسَّلام السَّراويل أصحابُ السُّنَّن الأربعة والطَّبرانيُّ أيضًا، واشتراه بأربعة دراهم، كما رواه البزَّار، وفي «الإحياء» للغزاليِّ في (كتاب فضل الفقر) حديث: أنَّه اشتراه بثلاثة دراهم، والمعروف الأوَّل، ولم يصحَّ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لبسه، وسمعت بعض مشايخي الحلبيِّين يقول: إنَّه لَمْ يصحَّ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لبس سراويل، وصحَّ أنَّه اشتراهُ، وقد وقع في كلام ابن القيِّم في «الهدي» أنَّه لبسه، جزم به، وقال قبله بقليل: واشترى عليه الصَّلاة والسَّلام سراويل، إنَّه إنَّمَا اشتراها؛ ليلبسها، وقد روي في غير حديث: أنَّه لبس السَّراويل، وكانوا يلبسون السَّراويلات بإذنه) انتهى لفظه.
(فائدة: صاحب السَّراويل مخرمة العبديُّ وشريكه سويد بن قيس) [1].
قَوْله: (وَالتُّبَّان): هو بضمِّ المثنَّاة فوقُ، وَتَشْدِيد الموحَّدة، قصير، شبه السَّراويل، مذكَّر.
==========
[1] ما بين قوسين سقط من (ج).
[ج 1 ص 152]

(1/960)


[حديث: أوكلكم يجد ثوبين]
365# قَولُهُ: (عن أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة كيسان السَّختيانيُّ [1]، الإمام المشهور، تقدَّم.
قَولُهُ: (عن مُحَمَّدٍ): هذا هو ابن سيرين، العلم الفرد، تقدَّم مرارًا.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قَولُهُ: (قَامَ رَجُلٌ): تقدَّم قبيله اسمه [2].
قَولُهُ: (ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه [3]): السَّائل لعمر لا أعرفه أيضًا.
قَولُهُ: (في إِزَارٍ): تقدَّم قريبًا أنَّ الإزار ما كان على أسافل البدن بزيادةٍ؛ فانظرها.
قَولُهُ: (وَرِدَاءٍ): تقدَّم أنَّ ما كان على أعالي [4] البدن؛ فهو رداء.
قَولُهُ: (وَقَبَاءٍ): القباء؛ بالمدِّ: الذي يُلبَس، معروف.
قَولُهُ: (في سَرَاوِيلَ): تقدَّم قريبًا الكلام عليه، وكذا بعيدًا.
==========
[1] في (ج): (السخستاني)، وليس بصحيح.
[2] في (ج): (أني لا أعرفه)، وضرب عليها في (أ).
[3] الترضية: ليست في (ق) ولا «اليونينيَّة».
[4] في (ج): (أعلى).

(1/961)


[حديث: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبًا .. ]
366# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه محمَّد بن عَبْد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، العالم المشهور.
قَولُهُ: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم الفرد.
قَولُهُ: (عن سَالِمٍ): هو سالم بن عَبْد الله بن عُمر بن الخطَّاب، أحد الفقهاء السَّبعة؛ فقهاء المدينة على قول، مشهور التَّرجمة رحمة الله عليه، وقد تقدَّم.
قَولُهُ: (سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم): هذا الرَّجل لا أعرف اسمه، وقد تقدَّم ذلك.
قَولُهُ: (لَا يَلْبَس): هو بكسر السِّين على النَّهي، ويجوز ضمُّها أيضًا على النَّفي.
قَولُهُ: (وَلَا البُرْنُسَ): هو بضمِّ الباء، وبالنُّون بعد الرَّاء: كلُّ ثوب رأسه مُلتصِق به، دُرَّاعة كان أو جُبَّة، وقال ابن دريد: البُرنس؛ بضمِّ الباء: نوع من الطَّيالسة، يلبسه العبَّاد وأهل [1] الخير) انتهى كلام «المطالع»، وقال ابن الأثير نحوه، إلَّا أنَّه لَمْ يذكر كلام ابن دريد، وذكر كلام الجوهريِّ، فقال: (وقال الجوهريُّ: قلنسوة طويلة كان النُّسَّاك يلبسونها في صدر الإسلام، وهو من «البِرس [2]»؛ بكسر الباء: القطن، والنُّون زائدة، وقيل: إنَّه غير عربيٍّ) انتهى، وهو كما قال في «الصِّحاح» إلى آخر قوله: (الإسلام)، والباقي له.

(1/962)


قَولُهُ: (وَعن نَافِعٍ، عنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ [3]): هذا ليس تعليقًا، وإنَّما رواه البخاريُّ: عن عاصم بن عليٍّ: حَدَّثَنَا ابن أبي ذئب، عن نافع، عنِ ابن عُمر، وقوله: (مِثْلَهُ): أي: مثل الحديث الذي قبله، وهو الذي ساقه من هذه الطَّريق، لكنَّ ابن أبي ذئب رواه عنِ الزُّهْرِيِّ، عن سالم، عنِ ابن عُمر، وهذا رواه ابن أبي ذئب عن نافع، عنِ ابن عُمر، وقوله: (مِثْلَهُ): بالنَّصب؛ أي: مثلَ الحديث الذي قبله، وفي الأصل: (مثلُه): مرفوع، وكأنَّه ظنَّه تعليقًا، وكذا كان في أصلنا الدِّمشقيِّ، فأصلحته فيه، وإنَّما هو معطوف على السَّند قبله؛ فاعلمه، وأحبب أنْ يكون تعليقًا! وقد غلط في مثل هذا بعضُ الشَّرَّاح، وربَّما يكون قد غلط في هذا، فإنِّي لَمْ أراجعه، ولا عندي به [4] نسخة، والله أعلم، وقد طرَّفه المِزِّيُّ من حديث ابن أبي ذئب عنِ الزُّهْرِيِّ عن سالم عنِ ابن عُمر، وطرَّفه من حديث ابن أبي ذئب عن نافع عنِ ابن عُمر، وعزاه إلى البخاريِّ، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (ذو أهل).
[2] في (ب): (البرنس).
[3] في هامش (ق): (الصواب في (مثله) النصب لا الرفع؛ فاعلمه، واجتنب الرفع).
[4] في (ج): (منه).
[ج 1 ص 153]

(1/963)


[باب ما يستر من العورة]
قَوْله: (بَاب مَا يسْترُ مِن العَوْرَةِ): (يستر): مبنيٌّ للفاعل وللمفعول؛ فاعلمه [1].
==========
[1] في (ج): (فانتهى علمه).
[ج 1 ص 153]

(1/964)


[حديث: نهى رسول الله عن اشتمال الصماء]
367# قَولُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم قريبًا أنَّه الزُّهْرِيُّ، وكذا بعيدًا مرَّاتٍ، واسمه محمَّد بن مُسْلِم [1]، العالم المشهور.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ): تقدَّم مرارًا [2] أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ، وأنَّ الخدريَّ بالدَّال المهملة، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَوْله: (عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ): هي بفتح الصَّاد المهملة، وتشديد الميم، وبالمدِّ، قال ابن قُرقُول: (الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه، يجلِّل به جسده، ويُسمَّى: الشَّملة الصَّمَّاء، سُمِّيت بذلك؛ لشدِّها وضمِّها جميع الجسد، ومنه: صمام القارورة.
قلت: هذا قول أهل اللُّغة، فأمَّا مالك وجماعة من الفقهاء؛ فهو عندهم: الالتفاف بثوب واحد، ويرفع جانبه على كتفه وهو بغير إزار، فيفضي ذلك إلى كشف عورته) [3]، وذكر في (حرف الشِّين) بنحوه، وذكرها ابن الأثير وغيره من أهل اللُّغة والغريب والفقهاء، وفسَّرها البخاريُّ في (كتاب اللِّباس): بأنْ يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقَّيه ليس عليه ثوب، والله أعلم.
قَولُهُ: (وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ): قال ابن قُرقُول: (الاحتباء: أنْ ينصب ساقيه ويدير عليهما ثوبه، ويعقد يديه على ركبتيه معتمدًا على ذلك، والاسم: الحبوة؛ بالضَّمِّ والكسر، والحِبية، والحُبية؛ بالياء) [4]، وأتمُّ منه في العبارة وأوضح في تفسير الاحتباء: أنْ يقعد على ألييه [5]، وينصب ساقيه، ويحتزم بالثَّوب على حقويه [6] وركبتيه وفرجُه بادٍ، كانت العرب تفعله؛ لأنَّه أرفق لها في جلوسها، وقال البخاريُّ في (اللِّباس): (هو أنَّ يحتبي بثوب، وهو جالس ليس على فرجه منه شيء).
==========
[1] زيد في (ب): (بن عبيد الله).
[2] في (ج): (مرات).
[3] «مطالع الأنوار».
[4] «مطالع الأنوار».
[5] في (ب): (إليتيه).
[6] في (ب): (حقوته).
[ج 1 ص 153]

(1/965)


[حديث: نهى النبي عن بيعتين عن اللماس والنباذ]
368# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ): تقدَّم أنَّ قَبِيصة؛ بفتح القاف، وكسر الموحَّدة، وهذا ظاهر جدًّا، إلَّا أنَّ بعض العجم وقع فيه.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هو ابن سعيد بن مسروق الثَّوريُّ، العالم الشَّهير، تقدَّم.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تقدَّم أنَّه بالنُّون، وأنَّ اسمه عَبْد الله بن ذكوان مرارًا.
قَولُهُ: (عَنِ الأَعْرَجِ): تقدَّم أنَّه عَبْد الرَّحمن بن هرمز مرارًا.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قَولُهُ: (عن بَيْعَتَيْنِ): هو بفتح الباء، تثنية بَيعة [1]؛ بفتحها أيضًا، وهذا ظاهر جدًّا، وقد ضبطه بالكسر [2] بعضهم، وقال: المراد: الهيئة، وسيأتي.
قَولُهُ: (اللِّمَاسِ): هو بكسر [3] اللَّام، وتخفيف الميم، وبالسِّين المهملة في آخره، وهو الملامسة [4]؛ بأنْ يلمس ثوبًا مطويًّا، ثُمَّ يشتريه على أنْ لا خيار له إذا رآه، أو [5] يجعل نفس اللَّمس بيعًا، فيقول: إذا لمسته؛ فهو مَبيعٌ لك، أو أن يبيعه شيئًا على أنَّه متى لمسه؛ انقطع الخيار ولزم البيع، وكلُّه باطل؛ لأنَّه غَرَرٌ، أو تعليق، أو عدول عنِ الصِّيغة الشَّرعيَّة.
[ج 1 ص 153]
قَولُهُ: (وَالنِّبَاذِ): هو بكسر النُّون، ثُمَّ موحَّدة مخفَّفة، وفي آخره ذال معجمة، بيع المنابذة: وهو أنْ يجعلا [6] النَّبذ بيعًا، والنَّبذ: الطَّرح، أو تقول: بعتك على أنِّي إِذَا نبذت إليك؛ وجب البيع، والمراد: نبذ الحصاة، وكلُّه باطل، وستأتي في بابه إعادتُه إن شاء الله تعالى.
قَولُهُ: (وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ): تقدَّم الكلام عليه قبيله.
قَولُهُ: (وَأَنْ يَحْتَبِيَ): تقدَّم الكلام عليه قبيله.

(1/966)


[حديث: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان]
369# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ [1] [قَالَ]: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): وفي أصلنا الدِّمشقيِّ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) فقط غير منسوب، وكذا وقف شيخنا الشَّارح عليه، فإنَّه تكلَّم على إسحاق مَن هو، وقد ذكر أبو عليٍّ الجيَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاري_ في «الصَّلاة» في موضعين، وفي «الأنبياء»، وفي «شُهُودِ المَلَائِكَةِ بَدْرًا»، وفي «عمرة الحُدَيْبِيَة»، وفي «باب قول الله تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}»، وفي «كِتَابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى قيصر وكِسْرَى»، وتفسير سورة «براءة»، و «الممتحنة»، و «الذبائح»، و «الاستئذان»: «حَدَّثَنَا إسحاق: حَدَّثَنَا يعقوب»، نسبه ابن السَّكن في بعض هذه المواضع: إسحاق بن إبراهيم؛ يعني: ابن راهويه، وقد أتى إسحاق هذا عن يعقوب منسوبًا من رواية الأصيليِّ وابن السَّكن في «كتاب الحجِّ» في موضعين، فقال في «باب الفتيا على الدابَّة»: «حَدَّثَنَا إسحاق بن منصور: أخبرنَا يعقوب بن إبراهيم»؛ فذكر حديثًا في «الحجِّ»، وقال في «باب حجِّ الصِّبيان»: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يعقوب بن إبراهيم»؛ فذكر حديثًا آخر فيه، نسبه الأصيليُّ وحده [2] في هذه [3] المواضع: إسحاق بن منصور، وذكر أبو نصر: أنَّ ابن إبراهيم وابن منصور يرويان عن يعقوب هذا، وهو ابن إبراهيم بن سعد الزُّهْرِيُّ) انتهى.
وقال شيخنا الشَّارح: (وإسحاق في هذا الحديث: هو الكوسج إسحاق بن منصور، كما صرَّح به أبو نعيم في «مستخرجه» بعد أنْ رواه من طريق عقيل عنِ الزُّهْرِيِّ، وأبو مسعود وخلف في أطرافهما، ثُمَّ نقل عنِ الجيَّانيِّ ما ذكرته ولخَّصته، قال: وذكر المِزِّيُّ أنَّ الذي هنا: ابن إبراهيم، وأنَّ الذي في (براءة): ابن منصور، انتهى، والذي في نسختي من «أطرافه» _وهي مقابلة على نسخة ابن كثير الشَّيخ عماد الدِّين شيخ شيوخنا_ قال عنِ الذي في (التَّفسير): إسحاق بن منصور، وأمَّا [4] هذا المكان الذي في (الصَّلاة) طرَّفه إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم؛ فلم ينسبه فيه بالكليَّة؛ فاعلمه، والله أعلم.

(1/967)


قَولُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ): هذا هو محمَّد بن عَبْد الله بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهْرِيُّ، عن عمِّه الزُّهْرِيِّ وأبيه فقط، وعنه: معن، والقعنبيُّ، وطائفة، ليَّنه ابن معين، ووثَّقه أبو داود وغيره، أخرج له الجماعة، مات سنة (157 هـ) [5]، ذكره في «الميزان»، وقال في ترجمته: انفرد عن عمِّه بأربعة [6] أحاديث: «كلُّ أمَّتي معافًى إلَّا المجاهرين»، و (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يأكل بكفِّه كلِّها)، و (أنَّ أبا هريرة كان إذا خطب؛ قال: كلُّ ما هو آت قريب، ولا بُعْدَ لما هو آتٍ)، والرَّابع: (اشترُوا على الله، واستقرضوا عليه)، لكنَّه عنِ الواقديِّ عنه، انتهى.
قَولُهُ: (عن عَمِّهِ): تقدَّم أعلاه أنَّ عمَّه الزُّهْرِيُّ، العالم المشهور، محمَّد بن مسلم.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي [7] هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قَولُهُ: (في مُؤَذِّنِينَ): هو جمع مُؤذِّن.
قَولُهُ: (قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحمنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: قال شيخنا الشَّارح: (يحتمل أنْ يكون تلقَّاه من أبي هريرة، ويكون الزُّهْرِيُّ رواه عنه موصولًا عند البخاريِّ، وكأنَّ هذا هو مستند أبي نعيم حين قال في آخره عند استخراجه له: رواه _ يعني: البخاري_ عن إسحاق بن منصور) انتهى، ولمَّا طرَّف المِزِّيُّ هذا الحديث؛ قال في «تطريفه»: (سبعتهم عنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى أنْ قال: (وفي حديث عقيل عنِ الزُّهْرِيِّ: قال حميد: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعليٍّ [8]؛ فذكر قصَّة طويلة مُرسَلة) انتهى، وقد رأيت ذلك في سورة (براءة) في مكانين، كما ذكر المِزِّيُّ من طريق عقيل عنِ الزُّهْرِيِّ، والذي في أصلنا قول حميد المُرسَل: (ثمَّ أردف ... ) إلى (عريان)، وهو في طرف حديث ابن أخي الزُّهْرِيِّ عن عمِّه.
فالحاصل: أنَّ قول حميد مرسل؛ لأنَّه تابعيٌّ، حكى عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا لَمْ يدركه، وأيضًا (ثمَّ أردف) المُرسَل: ذكره [9] البخاريُّ أيضًا في طرف ابن أخي الزُّهْرِيِّ عن عمِّه، وفي طرف حديث عقيل عنِ الزُّهْرِيِّ، والله أعلم.

(1/968)


قَولُهُ: (ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ): هذه الحجَّة كانت سنة تسع من الهجرة، وقوله: (فأمره ... ) إلى آخره: قيل: الحكمة في إعطاء براءة لعليٍّ أنَّ (براءة) تضمَّنت نقض العهد، وكانت سيرة العرب ألَّا يحل عقدًا إلاَّ الذي عقده أو رجل من أهل بيته، فأراد عليه الصَّلاة والسَّلام أنْ يقطع ألسنة العرب بالحجَّة.
وجواب آخر: وهو أنَّ في سورة (براءة) فضلَ الصِّدِّيق، ويعني به: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]، فأراد عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ غيره يقرؤها، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي» في أوائله قبل ذكر القولين المذكورين: (قيل: لأنَّ أوَّلها نزل بعد أن خرج أبو بكر للحجِّ) انتهى.
ونقل شيخنا الشَّارح في (التَّفسير) في (براءة) عنِ البيهقيِّ في «دلائله»: (أنَّها نزلت بعد خروج الصِّدِّيق)، ونقل البيهقيُّ ذلك عنِ ابن إسحاق، وقال: (إنَّه موجود في الأحاديث الموصولة) انتهى.
==========
[1] (بن إبراهيم): ليس في «اليونينيَّة»، وهو مثبت من النسخ و (ق).
[2] في (ج): (وجده).
[3] في (أ) و (ج): (هذا).
[4] في (ج): (وإنَّما)، وهو تحريفٌ.
[5] في (ج): (57 هـ).
[6] كتب في هامش (أ): (في أصل من «الميزان»: بثلاثة).
[7] كذا في (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أن أبا)، وكذا في هامش (ق) مصحَّحًا عليه.
[8] زيد في (ج): (خلفه).
[9] في (ج): (ذكر).
[ج 1 ص 154]

(1/969)


[باب الصلاة بغير رداء]
قَولُهُ: (بِغَيْرِ رِدَاءٍ): تقدم أنَّ الرداء: كلُّ ما كان على أعالي البدن.
==========
[ج 1 ص 154]

(1/970)


[حديث: دخلت على جابر وهو يصلي في ثوب ملتحفًا به]
370# قَولُهُ: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي المَوَالِي): (ابن أبي الموالي) [1]: هو عَبْد الرَّحمن بن أبي الموالي، وقد تقدَّم أنَّ (ابن أبي الموالي) و (ابن العاصي) و (ابن الهادي) و (ابن اليماني) بإثبات الياء على الصَّحيح في الكلِّ، قاله النَّوويُّ، وعَبْد الرَّحمن هذا يروي عن محمَّد بن كعب، والباقر، وعبد الرَّحمن بن أبي عمرة، وعنه: القعنبيُّ ويحيى بن يحيى، ثقة، تُوفِّي سنة (173 هـ)، أخرج له البخاريُّ والأربعة، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به، وأنَّ له ترجمةً في «الميزان»، وقال الدِّمياطيُّ: عبد الرَّحمن بن زيد بن أبي الموالي مولى عليٍّ، انفرد به البخاريُّ، [مات سنة (173 هـ) انتهى، وقد قدمت أنا ذلك] [2].
قَولُهُ: (مُلتَحِفًا بِهِ): تقدَّم تفسير (الملتحف) قبل هذا بيسير؛ فانظره.
==========
[1] (ابن أبي الموالي): ليس في (ب).
[2] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[ج 1 ص 154]

(1/971)


[باب ما يذكر في الفخذ]
قَولُهُ: (بَاب مَا يُذْكَرُ في الفَخِذِ): فيه لغات: فَخِذ، وفَخْذ، وفِخذ؛ بكسر الفاء.
قَولُهُ: (وَيُرْوَى عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... ) إلى آخره: هذا ذكره بصيغة تمريض، وقد [1] تقدَّم أنَّ هذا وأمثاله ليس على شرطه، وسأذكر عزو الأحاديث التي ذكرها بصيغة تمريض بعيد [2] هذا.
قَولُهُ: (وَجَرْهَدٍ [3]): هو بفتح الجيم، وإسكان الرَّاء، ثُمَّ هاء مفتوحة، ثُمَّ دال مهملة، قال الدِّمياطيُّ: (جرهد بن عَبْد الله بن رزاح بن عديِّ بن سهم بن الحارث بن مالك بن سلامان بن أسلم، شهد الحديبية، من أهل الصُّفَّة، وقيل: جرهد بن خويلد) انتهى، ذكره اِبْن عبد البَرِّ، وذكر الخلاف في والده وغير ذلك، وذكر هذا الحديث، ثُمَّ قال: وحديثه ذلك مضطرب، ومات جرهد سنة (61 هـ) انتهى، أخرج له أبو داود والتِّرمذيُّ.
قَولُهُ: (وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ): قال الدِّمياطيُّ: محمَّد بن عَبْد الله بن جحش، قُتِل أبوه بأحُد، وأوصى به إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، انتهى، له عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن عائشة، وحمنة، وعنه: ابنه إبراهيم، ومولاه أبو كثير، وغيرهما، قال الذَّهبيُّ في «كاشفه»: قُتِل أبوه بمؤتة، وقال البخاريُّ: قتل أبوه بأحُد، انتهى، والصَّحيح: أنَّه قتل بأحُد، وقد ذكر هو في «التَّذهيب»: أنَّ أباه قتل بأحُد، ولم يذكر فيه خلافًا، أخرج له النَّسائيُّ وابن ماجه.
فَائِدَة: حديث ابن عبَّاس المشار إليه أخرجه التِّرمذيُّ وقال: (حسن غريب)، وأمَّا حديث جرهد؛ فرواه مالك في «الموطَّأ»، وأبو داود في (كتاب الحمام) من «السُّنَّن»، والتِّرمذيُّ من طرق، وحسَّنه مرَّة، وزاد مرَّة: أنَّه غريب، وقال مرَّة: ما أُرَى إسنادَه بمتَّصل، وصحَّحه ابن حِبَّان والحاكم، وحديث محمَّد بن جحش رواه أحمد والحاكم في «مستدركه» [4]، وذكره التِّرمذيُّ، قال البيهقيُّ في «خلافياته» [5] و «سننه» في الأحاديث الثَّلاثة: هذه أسانيد صحيحة يُحتجُّ بها، وخالفه ابن حزم في ذلك فقال [6]: إنَّها ساقطة واهية، وقال الطَّبريُّ في «تهذيبه»: الأخبار التي رُوِيت عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف عن فخذيه [7] واهية الأسانيد، لا تثبت بمثلها حجَّةٌ، والأحاديث الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنَّهي عن كشفها أخبار صحاح، والله أعلم.

(1/972)


قَولُهُ: (حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بحاء وسين مهملتين مفتوحة [8]، وبالرَّاء؛ أي: كشف.
قَولُهُ: (وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ ... ) إلى آخره؛ أي: أقوى إسنادًا، ولا شكَّ أنَّه كما قال، وقد قدَّمت لك الكلام على حديث جرهد، والله أعلم.
قَولُهُ [9]: (وَقَالَ أَبُو مُوسَى): هو عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار، الصَّحابيُّ المشهور الأشعريُّ رَضِيَ اللهُ عنه، تقدَّم بعض الشَّيء من ترجمته.
قَولُهُ: (وَفَخِذُهُ على فَخِذِي): تقدَّم ما في الفخذ من اللُّغات؛ فانظره أعلاه.
قَولُهُ: (أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي): (تَرُضَّ)؛ بفتح المثنَّاة فوق، وضمِّ الرَّاء، مبنيٌّ للفاعل، وكذا هو في أصلنا: مبنيٌّ للفاعل، ومعنى (تَرُضَّ): تدق.

(1/973)


[حديث أنس: أن رسول الله غزا خيبر فصلينا عندها]
371# قَولُهُ: (غَزَا خَيْبَرَ): قال ابن إسحاق: إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج في بقيَّة المحرَّم من السَّنة السَّادسة عاريًا إلى خيبر، قال: ولم يبق من السَّنة السَّادسة من الهجرة إلَّا شهر وأيَّام، وقد تقدَّم أنَّها _يقال_ في أوَّل السَّابعة، وقد قدَّمت لك مدرك الخلاف فيها، وأنَّه مبنيٌّ على أوَّل التَّاريخ، وفيه خلاف، والله أعلم.
قَولُهُ: (صَلَاةَ الغَدَاةِ): في هذا جواز تسمية [1] الصُّبح بالغداة، وكرهه بعض أصحاب الشَّافعيِّ، قال النوويُّ في «الرَّوضة» من زياداته: (والاختيار
[ج 1 ص 154]
أنْ يقول [2] للصُّبح: الفجر أو الصُّبح، وهما أولى من الغداة، ولا تقول: الغداة مكروهة).
قَولُهُ: (وَرَكِبَ أَبُو طَلحَةَ): هو زيد بن سهل، عمُّ أنس بن مالك، زوج أمِّه، صحابيٌّ جليل رَضِيَ اللهُ عنه، وقد روى أبو يعلى الموصليُّ: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة»، وقد تقدَّم أنَّه بدريٌّ نقيب، وأنَّه تُوفِّي سنة (34 هـ)، روى له الجماعة.
قَولُهُ: (ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ): (الإزارَ): مفعول، وتقدَّم أنَّ (الإزار) ما كان على أسافل البدن.
قَولُهُ: (حَتَّى إِنِّي): (إِنِّي)؛ بكسر الهمزة.
قَولُهُ: (خَرِبَتْ خَيْبَرُ): هل كان ذلك على سبيل الخبريَّة، فيكون ذلك من باب الإخبار بالغيب، أو على جهة الدُّعاء عليهم، أو على جهة التَّفاؤل لمَّا رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، وذلك من آلات الخَراب، والأوَّل أولى، قاله شيخنا عنِ القرطبيِّ؛ لقوله: «إنَّا إِذَا نزلنا بساحة قوم» [3]، ويجوز أنْ يكون أخذه من اسمها.
قَولُهُ: (بِسَاحَةِ قَوْمٍ): هي النَّاحية والجهة.
قَولُهُ: (قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ): هو عَبْد العزيز المذكور في السَّند ابن صهيب.
قَولُهُ: (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا): بعض أصحاب عَبْد العزيز لا أعرفه، (وقال بعض حفَّاظ العصر: هو ثابت البنانيُّ، انتهى) [4]
قَولُهُ: (وَالخَمِيسُ؛ يَعْنِي: الجَيْشَ): هو برفع (الخميس) عطفًا على (محمَّدٌ)، ونصبه على أنَّه مفعول معه، وسُمِّي الجيش خميسًا؛ لأنَّه يقسم خمسة [5] أخماس؛ القلب، والميمنة، والميسرة، والجناحان، وقيل: المقدِّمة والسَّاقة، وقيل: لأنَّه يخمس ما وجده، وضُعِّف بأنَّ هذا الاسم كان معروفًا في الجاهليَّة، ولم يكن لهم تخميس.

(1/974)


قَولُهُ: (عَنْوَةً): بفتح العين، وإسكان النُّون؛ أي: قهرًا.
قَولُهُ: (فَجُمِعَ السَّبْيُ): (جُمِع): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (السَّبيُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.
قَولُهُ: (فَجَاءَ دِحْيَةُ): هو ابن خليفة؛ بفتح الدَّال وكسرها، وجدُّه اسمه فروة بن فَضالة الكلبيُّ، صحابيٌّ مشهور، شهد أحُدًا، ويُضرَب بحسنه المثل، عنه: عَبْد الله بن شدَّاد والشَّعبيُّ، سكن المِزَّة، روى له أبو داود، بقي إلى خلافة معاوية، وقد تقدَّم، وتقدَّم ما الدِّحيةُ بلغة اليمن.
قَولُهُ: (فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ [6]): كان اسم صفيَّة قبل الاصطفاء: زينب، فسُمِّيت: صفيَّة، والصحيح: أنَّ هذا كان اسمها قبل ذلك، و (حيَيٍّ)؛ بضمِّ الحاء المهملة وكسرها، وفتح الياء المثنَّاة تحت، ثُمَّ مثنَّاة أخرى مشدَّدة، ترجمة [7] صفيَّة معروفة، وكيف لا وهي أمُّ المؤمنين وبنت هارون أخي موسى؟ أخرج لها الجماعة، وأبوها قُتِل صبرًا على كفره مع بني قريظة، تُوفِّيت سنة (50 هـ).
قَولُهُ: (فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... )؛ الحديث [8]: هذا الرَّجل لا أعرفه.
قَولُهُ: (قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِن السَّبْيِ غَيْرَهَا): رأيت بخطِّ بعض الفضلاء ما لفظه: نقل الشَّافعيُّ في «سير الأوزاعيِّ»: أنَّ [9] المأخوذة بدلَها هي أخت زوج [10] صفيَّة، وهو كنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيق، وذكر ابن لَهيعة عنِ الأسود عن عروة: أنَّها بنت عمِّ صفيَّة، وفي «سيرة ابن سيِّد النَّاس»: أنَّه أعطاه بنتي عمِّها، انتهى، وقد رأيت ما نقله عنِ ابن سيِّد النَّاس في «سيرته»، (وفي «صحيح مُسْلِم»: أنَّه اشتراها عليه الصَّلاة والسَّلام بسبعة أرؤس) [11].

(1/975)


قَولُهُ: (فَأَعْتَقَهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا ... ) إلى آخره: فيه استحباب عتق السَّيدُ أمته، وقد صحَّ أنَّ له آخرين من حديث أبي موسى، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد، والحسن، وابن المُسَيّب، ولا يجب لها مهر غيره، وتبعهم أبو محمَّد ابن حزم، فقال: هو سنَّة فاضلة، ونكاح صحيح، وصَداق صحيح، فإنْ طلَّقها قبل الدُّخول؛ فهي حرَّة، ولا يرجع عليها بشيء، ولو أبت أنَّ تزوَّجه؛ بطل عتقها، وفي هذا خلاف متأخِّر، والمسألة طويلة، وقد جعل ذلك الشَّافعيَّة خصوصًا به عليه الصَّلاة والسَّلام، وذكروه في الخصائص، وقد نقل [12] التِّرمذيُّ في «جامعه» [13] عنِ الشَّافعيِّ القول به؛ كأحمد والحسن، وهذا غريب عنِ المذهب، فإن شئت أنَّ تحيط بأطراف المسألة؛ فانظرها من كتب الفروع، والله أعلم.
قَولُهُ: (يَا أَبَا حَمْزَةَ): هي كنية أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه، كنَّاه بها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد رآه يجتني بقلة، فقال له: «يا أبا حمزة»، والحمزة: البقلة.
قَولُهُ: (جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ): تقدَّم أنَّها بضمِّ السِّين، وفتح اللَّام، وتقدَّم الاختلاف في اسمها، هل هي سهلة، أو رميلة، أو مليكة، أو غير ذلك مُطوَّلًا؛ فانظره في (العلم)، وتقدَّم بعض ترجمتها رَضِيَ اللهُ عنها.
قَولُهُ: (فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِن اللَّيْلِ): كذا هو في أصلنا، وقد رأيت عنِ الصَّغَّانيِّ أبي الحسن اللُّغويِّ: الصَّواب: (فهدتها له)؛ بلا ألف، من الهِدَاء، والمرأة: مَهديَّةٌ وهَدِيٌّ، وفي النُّسخ: (فأهدتها)؛ بالألف، انتهى، وقد راجعت كلام الجوهريِّ؛ فرأيته قال: (والهِداء: مصدر قولك: هَدَيتُ المرأة إلى زوجها هِداء، وقد هُدِيت إليه)، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال: (وهي مَهديَّة وهَديٌّ أيضًا على «فعيل») انتهى، وقال ابن قُرقُول: (ويقال من الهدي: هديت الهدي، وهديت المرأة إلى زوجها، وقيل: أهديت ... ) إلى آخر كلامه، وفي «المجمل» نحو كلام «الصِّحاح»، ولفظه: (الهديُّ: العروس، تقول: هديتها إلى بعلها هِداء، وقد هُدِيت إليه) انتهى، فما في الأصل جاء على لغة؛ هي في كلام صاحب «المطالع»، لا أنَّها خطأٌ، والله أعلم.
قَولُهُ: (عَرُوسًا): العروس: نعت يستوي فيه [14] المؤنَّث والمذكَّر ما داما في إعراسهما، يقال: رجل عروس في رجال عُرُس، وامرأةٌ عروس في نساء عرائسَ.

(1/976)


قَولُهُ: (وَبَسَطَ نِطَعًا): في النَّطع لغاتٌ أربعٌ: نَطْع، ونَطَع، ونِطع، ونِطَع، أفصحها آخرها.
قَولُهُ: (السَّوِيقَ): تقدَّم ما هو، وتقدَّمت اللُّغتان فيه، وهو قمح أو شعير يُقلى، ثُمَّ يُطحَن فيُتزوَّد به ويُستفُّ تارة بماء يُثرَّى به، أو بسمن، أو بعسل وسمن، قال ابن دريد: (وبنو العنبر يقولونه بالصَّاد).
قَولُهُ: (فَحَاسُوا حَيْسًا): الحَيْس؛ بفتح الحاء، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ سين، مهملتين؛ وهو خَلط الأَقِط بالتَّمْر وَالسَّمْن، وقال بعضهم: ربَّما جعلوا فيه خميرًا، وقال ابن وضَّاح: هو التَّمر يُنزَع نواه، ويُخلَط بالسَّويق، والأوَّل أعرف.
قَولُهُ: (فَكَانَتْ [15] وَلِيمَةَ): هي منصوبة، الخبر، والاسم ضمير فيها.
==========
[1] زيد في (ج): (صلاة).
[2] (أن يقول): سقطت من (ج).
[3] زيد في النسخ: (الآية)، ولعل الصواب حذفها.
[4] ما بين قوسين ليس في (ج).
[5] في النسخ: (خمس)، ولعل المثبت هو الصواب.
[6] في هامش (ق): (فائد: ماتت صفية سنة خمسين وورثت مئة ألف درهم، بقيمة أرض وأعراض، أوصت لابن أختها بالثلث، وكان يهوديًّا، ولمَّا تزوجها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم تكن بلغت سبع عشرة سنة وكانت جميلة).
[7] في (ب): (وترجمة).
[8] (الحديث): ليس في (ج).
[9] (أنَّ): ليس في (ج).
[10] في (ج): (هي زوج أخت).
[11] ما بين قوسين ليس في (ج).
[12] في (ب): (ذكر).
[13] (في «جامعه»): ليس في (ج).
[14] (فيه): سقطت من (ج).
[15] في (ب): (وكانت)، وهي رواية (عط)، ينظر هامش اليونينية.

(1/977)


[باب في كم تصلي المرأة في الثياب]
[ج 1 ص 155]
قَولُهُ: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ): هذا هو عكرمة مولى ابن عبَّاس على ما ظهر لي، وقد عزا شيخنا هذا المعلَّق المقطوع إلى ابن أبي شيبة، ولم يبيِّنه، فإنْ كان مولى ابن عبَّاس؛ فقد ذكرت له بعض ترجمة، وهو عكرمة بن عَبْد الله المفسِّر، يروي عن مولاه ابن عبَّاس، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة، وعنه: أيُّوب، وخالد الحذَّاء، وعبد الرَّحمن ابن الغسيل، وخلق، ثبتٌ، لكنَّه إباضيٌّ، يرى السَّيف، وتحايده مالكٌ، تُوفِّي سَنَة خمس أو ستٍّ أو سبع ومئة، روى له مُسْلِم مقرونًا، أخرج له الجماعة، لكنْ مُسْلِمٌ مقرونًا، وقد وثَّقه جماعة، واعتمده البخاريُّ، وأمَّا مُسْلِم؛ فتجنَّبه، وروى له قليلًا مقرونًا، وأعرض مالكٌ وتحايده إلَّا في حديث أو حديثين، له ترجمة مطوَّلة في «الميزان».

(1/978)


[حديث: لقد كان رسول الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء]
372# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ): تقدَّم غير مرَّة أنَّه ابن أبي حمزة، الحافظ، أبو بشر الحمصيُّ، مولى بني أميَّة.
قَولُهُ: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا ابن شهاب محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله الزُّهْرِيُّ، العالم المشهور.
قَولُهُ: (مُتَلَفِّعَاتٍ): هو بالعين المهملة؛ أي: متلفِّفات، وهو مرفوع منوَّنًا على الصِّفة، وكذلك منصوب منوَّنًا على الحال، وعلامة النَّصب فيه الكسرة، و (متلفِّعات): في حاشية أصلنا، وفي الأصل: (مُلْتَفِعات) [1].
قَولُهُ: (مُرُوطِهِنَّ): واحدها مِرْط؛ بكسر الميم، وإسكان الرَّاء، وبالطَّاء المهملة: كساء من صوف أو خزٍّ أو كتَّان، قاله الخليل، وقال ابن الأعرابيِّ: هو الإزار، وقال النَّضر: لا يكون المرط إلَّا درعًا، وهو من خزٍّ أخضرَ، ولا يُسمَّى المرط إلَّا الأخضر، ولا يلبسه إلَّا النِّساء، وظاهر الحديث يصحِّح [2] قول الخليل، وفي «الصَّحيح»: (مرط من شعر أسود)، قاله ابن قُرقُول.
==========
[1] (ملتفعات): سقطت من (ج).
[2] في (ج): (تصحيح).
[ج 1 ص 156]

(1/979)


[باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها]
قَولُهُ في التَّبويب: (وَنَظَرَ إلى عَلَمِهَا): كذا هو بالتَّأنيث، ولعلَّه أنَّثه [1] على إرادة الخَمِيصَة [2]؛ (لأنَّ القصَّة كانت في خميصة، أو أراد العباءة، وهما مؤنَّثتين) [3]، والله أعلم.

(1/980)


[حديث: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني ... ]
373# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ): تقدَّم أعلاه.
قَولُهُ: (في خَمِيْصَةٍ): هي بِفَتْحِ الخاء، وَكَسْر المِيم، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ صاد مُهْمَلَة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، قال ابن قُرقُول: كساء من صوف أو خزٍّ مُعلَّمة، كانت لباس النَّاس، قال غيره: هو البرنكان الأسود، وقال أبو عبيد: هو كساء مربَّع له علمان ... إلى آخر كلامه، وقد تقدَّم.
قَولُهُ: (إلى أَبِي جَهْمٍ): هو بفتح الجيم، وإسكان الهاء، ثُمَّ ميم، قال الدِّمياطيُّ: (أبو جهم عامر، وقيل: عبيد، أخو أبي حثمة ومُورِّق ونُبَيه [1]، وكلُّهم أسلموا، وصحبوا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بنو حذيفة بن غانم بن عامر، كان أبو جهم مُقدَّمًا في قريش مُعظَّمًا فيهم، وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم علم النَّسب، وكان من المُعمَّرين، بنى في الكعبة مرَّتين؛ مرَّة في الجاهليَّة، ومرَّة حين بناها ابن الزُّبير، وأولاده: عَبْد الله الأكبر، والأصغر، ومحمَّد، وحميد، وصخر، وصُخَير، وسُلَيْمَان، وعبد الرَّحمن؛ كلُّهم كانت فيه [2] شراسة وعرامة) انتهى.
وأمَّا أمُّ أبي جهم؛ فقال السُّهيليُّ: يسيرة بنت عَبْد الله بن أذاة بن رباح، وابن أذاة: هو خال بني قحافة، وسيأتي نسب أمِّه، انتهى، ويسيرة هذه لا أعلم لها إسلامًا.
قَولُهُ: (بِأَنْبِجَانِيَّةِ): (الأنبجانيَّة): فيها كلام كثير للناس، وقد اقتصرت أنا على يسيرٍ مِنْهُ؛ ليحفظ [3]، فنقول: المحفوظ فيها: بكسر الباء، ويروى: بفتحها، يقال: كساء أنبِجانيٌّ؛ منسوب إلى منبِج المدينة المعروفة، وهي بكسر الباء، ففتحت في النَّسب، وأبدلت الميم همزة، وقيل: إنَّها منسوبة إلى موضع اسمه أنبجان، وهو أشبه؛ لأنَّ الأوَّل فيه تعسُّف؛ وهو كساء يُتَّخذ من الصُّوف وله خمل ولا علم له، وهي أدون الثِّياب الغليظة، وإنَّما بعث الخميصة إلى أبي جهم؛ لأنَّه كان أهدى للنَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خميصةً لها أعلام، فلمَّا شغلته في الصَّلاة؛ قال: «ردُّوها عليه، وائتوني بأنبجانيَّة»، وإنَّما طلبها مِنْهُ؛ لئلَّا يُؤثِّر ردُّ الهديَّة في قلبه، وفي «المطالع»: أنبجانيَّة؛ بفتح الهمزة وكسرها، وشدِّ الياء وتخفيفها، وبتاء بعدها، وبهاء فقط، فيصير فيها وجوه، ثُمَّ شرع يذكرها، وما هي، انتهى.

(1/981)


قال السُّهيليُّ: (واسم أبي جهم عبيد، وهو الذي أهدى الخميصة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنظر إلى علمها ... ؛ الحديث، وقد رُوِي هذا الحديث على وجه آخر، وهو أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِي بخميصتين، فأعطى إحداهما أبا جهم، وأمسك الأخرى، وفيها علم، فلمَّا نظر إلى علمها في الصَّلاة؛ أرسلها إلى أبي جهم، وأخذ الأخرى بدلًا منها، هكذا رواه الزُّبير) انتهى.
سؤالان؛ أحدهما: كيف يخاف الافتتان من لَمْ يلتفت إلى الأكوان بليلة ما زاغ البصر وما طغى؟
والجواب: بأنَّه كان في تلك اللَّيلة خارجًا عن طباعه، فأشبه ذلك نظره من ورائه، فأمَّا إِذَا رُدَّ إلى طباعه البشريِّ؛ فإنَّه يُؤثِّر فيه ما يُؤثِّر في البشر.
الثَّاني: المراقبة في الصَّلاة شغلت خلقًا من أتباعه حتَّى إنَّه وقع السَّقف إلى جانب مُسْلِم بن يسار، ولم يعلم.
والجواب: بأنَّ أولئك كانوا يؤخذون عن طباعهم، فيغيبون عن وجودهم، وكان الشَّارع يسلك طريق الخواصِّ وغيرهم، فإذا سلك طريق الخواصِّ؛ عَبَرَ الكُلَّ، فقال: «لست كأحدكم»، وإذا سلك طريق غيرهم؛ قال: «إِنَّمَا أنا بشر»، فرُدَّ إلى حالة الطَّبع، فنزع الخميصة؛ ليُسْتَنَّ به في ترك كلِّ شاغل.
ذكر السُّؤالين والجوابين شيخنا الشَّارح عنِ ابن الجوزيِّ الحافظ أبي الفرج رحمه الله تَعَالَى.
قَولُهُ: (أَلْهَتْنِي): أي: شغلتني.
قَولُهُ: (آنِفًا): هو بمدِّ الهمزة وقصرها؛ لغتان، وقرئ بهما في السَّبع؛ ومعناها: الآن والسَّاعة، وقد تقدَّمت [4].
قَولُهُ: (وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه مُسْلِم من رواية وكيع عن هشام به [5].
قَولُهُ: (أَنْ تَفْتِنَنِي): هو ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، يقال: فتنه وأفتنه.
==========
[1] في (ب): (وثبيد).
[2] (كانت فيه): ليس في (ج).
[3] (ليحفظ): سقطت من (ج).
[4] (وقد تقدمت): ليس في (ج).
[5] (به): سقطت من (ب).
[ج 1 ص 156]

(1/982)


[باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟]
قَولُهُ في التَّرجمة: (مُصَلَّبٍ): هو بالصَّاد المهملة، وفتح اللَّام المشدَّدة؛ أي: فيه أمثلة الصَّليب، ويحتمل أنْ يريد به ضُمَّت أطرافه كهيئة الصَّليب، يقال: صلَّبت المرأة خمارها.
==========
[ج 1 ص 156]

(1/983)


[حديث: أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره .. ]
374# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه بفتح الميمين، بينهما عين مهملة ساكنة، واسمه عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو، كما قال هنا، وتقدَّم بعض ترجمته، وهو المقعد.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ): تقدَّم [1]، ابن سعيد بن ذكوان التَّيميُّ مولاهم، التَّنوريُّ البصريُّ أبو عبيدة، الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (قِرَامٌ): هو بكسر القاف، ثُمَّ راء مخفَّفة، وفي آخره ميم: هو السِّتر، قال الهرويُّ: هو الرَّقيق، قال ابن دريد: هو السِّتر الرَّقيق وراء السِّتر الغليظ، وهذا يعضد قوله في الحديث الآخر: (قِرَام ستر)؛ أي: أنَّه سترٌ لسترٍ، وقال الخليل: القِرَام: ثوب من صوف فيه ألوان، وهو شفيف، يُتَّخذ سترًا، فإذا خيط وصُيِّر بيتًا؛ فهو كِلَّة؛ بكسر الكاف، وتشديد اللَّام مفتوحة، وبالتَّاء.
قَولُهُ: (أَمِيطِي): هو بفتح الهمزة، رباعيٌّ، أماط يُميط.
قَولُهُ: (تَعْرِضُ): هو بفتح أوَّله، وضم ثَالِثه، كذا في أصلنا، وقال ابن قُرقُول: إنَّ جبريل عَرَضَ لي في صلاتي، وإنَّ تصاويره تَعرِض لي، كلُّ ذلك
[ج 1 ص 156]
بمعنى: الظُّهور والبدوِّ ... إلى أنْ قال: يقال من هذا كلِّه: عرَض يعرِض، وعَرِض يعرَض؛ لغتان صحيحتان ... إلى أنْ قال: وأنكر بعضهم: عرِض؛ بكسر الرَّاء إلَّا في (عَرِضت له الغول)، قال أبو زيد: ويقال فيه أيضًا بالفتح، انتهى، وكذا وجدته مكسور الرَّاء بخطِّي، وعليه تصحيح، ورأيته [2] بخطِّ شيخنا العلَّامة أبي جعفر _كما في أصلنا_ بضمِّ الرَّاء بالقلم، قال الجوهريُّ: (وعرَض العودَ على الإناء، والسَّيفَ على فخذه، يعرِضه ويعرُضه أيضًا؛ فهذه وحدها بالضَّمِّ) انتهى.
==========
[1] زيد في (ج): (أنَّه).
[2] في (ب): (ورأيت).

(1/984)


[باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه]
قَولُهُ: (في فَرُّوجِ حَرِيرٍ): هو في التَّرجمة والمتن: بفتح الفاء، والتَّشديد في الرَّاء مضمومةً، وقال ابن قُرقُول: بفتح الفاء، وبعد الفاء راءٌ مشدَّدة، وتُخفَّف أيضًا، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (بفتح الفاء، وضمِّ الرَّاء المشدَّدة، وهذا هو الصَّحيح المشهور، ولم يذكرِ الجمهور غيره، وحُكِي ضمُّ الفاء، وحكى القاضي في «الشَّرح» و «المشارق»: تخفيف الرَّاء وتشديدها، والتَّخفيف ضعيف غريب) انتهى، وفي «القاموس» لشيخنا مجد الدِّين: (وكـ «تنُّور»: قميص الصَّغير، وقَبَاء شُقَّ من خلفه) انتهى.
وقال شيخنا الشَّارح: (بفتح الفاء، ثُمَّ راء مضمومة مشدَّدة)، وقال ابن الجوزيِّ: (كذا ضبطناه عن شيوخنا في «كتاب أبي عبيد» وغيره، ويقال: بضمِّ الفاء من غير تشديد، على وزن «خُروج»، حُكي عنِ المعرِّيِّ، وقال القرطبيُّ: قُيِّد بفتح الفاء [1] وضمِّها، والضَّمُّ المعروف، وأمَّا الرَّاء؛ فمضمومة على كلِّ حال مشدَّدةً، وقد تُخفَّف، ثُمَّ ذكر كلام ابن قُرقُول، انتهى،
وأمَّا ولد الدَّجاجة؛ فكـ (سُبُّوح وقُدُّوس)؛ بالفتح والضَّمِّ، ذكرهما الجوهريُّ في «صحاحه» [وهو القباء، ويقال: هو الذي له شَقٌّ من خلفه، كذا فسَّره البخاريُّ في (اللِّباس)، ولم يذكرِ النَّوويُّ غير القول الثَّاني] [2].
==========
[1] في (ج): (الراء)، وليس بصحيح.
[2] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (في الراء المضمومة).
[ج 1 ص 157]

(1/985)


[حديث: لا ينبغي هذا للمتقين]
375# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن سعد، الزَّاهد العالم المشهور.
قَولُهُ: (عن يَزِيدَ): هو ابنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ بفتح الحاء المهملة، والباقي معروف، الأزديُّ، أبو رجاء، عالم أهل مصر، عن عَبْد الله بن الحارث بن جزء وأبي الطُّفَيل، وعنه: اللَّيث وابن لَهيعة، وكان حبشيًّا، من العلماء الحكماء الأتقياء، مات سنة (128 هـ)، أخرج له الجماعة، تقدَّم، ولكن طال العهد به.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي الخَيْرِ): هو بفتح الخاء المعجمة، ثُمَّ المثنَّاة تحت ساكنة، واسمه مرثد [1] بن عَبْد الله، اليزنيُّ المصريُّ، عن عمرو بن العاصي وأبي بصرة الغفاريِّ، وعنه: يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة، وكان مفتيَ أهلِ مصرَ، مات سنة (90 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» تمييزًا.
قَولُهُ: (أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُهدِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، [وفي حفظي: أنَّ الذي أهداه له عليه الصَّلاة والسَّلام هو أُكَيْدِر دومة، وستأتي ترجمة أُكيدر إن شاء الله تعالى [2]، لكن يعكِّر على ذلك أنَّ في بعض طرقه: أنَّ أُكَيْدِر أهدى له حلَّة حرير، والحلَّة غير الفرُّوج، بقي [3] أنَّ في بعض الأحاديث من حدِيْث أنس: (أهدى ملك الرُّوم للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم مُسْتَقة من حرير)، وقد ذكر الخطيب وتابعه النَّوويُّ: أنَّ المُهدِي أُكَيْدِر، والمُسْتَقة؛ بضمِّ الميم، وإسكان السِّين المهملة، وفتح التَّاء المثنَّاة فوق، وقيل: بضمِّ التَّاء، والفتح أشهر، وبالقاف؛ وهي فروة طويلة الكمِّ، وجمعها: مساتق، ولعلَّه أهدى الحلَّة، ومُسْتقةً، وفرُّوجًا، مع أنَّه قد تكون المُسْتَقة فرُّوجًا، والله أعلم] [4].
قَولُهُ: (فَرُّوجُ حَرِيرٍ): تقدَّم أعلاه ما في الفرُّوج من اللُّغات، وتقدَّم ما هو.
==========
[1] في (ب) و (ج): (يزيد)، وهو تحريفٌ.
[2] (تعالى): ليس في (ب).
[3] في (ب): (مع).
[4] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[ج 1 ص 157]

(1/986)


[باب الصلاة في الثوب الأحمر]
قَولُهُ: (بَاب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ): وسيأتي في (اللِّباس) (باب الثَّوب الأحمر)، وسيأتي بعض ما قال العلماء فيه هناك، وقال شيخنا هنا: (فيه _يعني: في الحديث_ أنَّه لا بأس بلباس الأحمر، وأنَّه غير قادح في الزُّهد، وهو رادٌّ على من كره لباسه، وزعم بعضهم أنَّ لبسها كان لأجل الغزو، وفيه نظر؛ لأنَّه كان عقب حجَّة الوداع، ولم يبق له عدوٌّ إذ ذاك) انتهى.
والنَّوويُّ [1] حكى في «شرح المهذَّب» على جوازه الإجماعَ، وفي «رياضه» في تبويبه جوازُه، لكن بغير ذكر إجماع، وقال [2] ابن القيِّم في كتاب «الهدي» في كلام طويل: وقد غلط من ظنَّ أنَّها كانت حمراء بحتًا، لا يخالطها غيرها، وإنَّما الحلَّة الحمراء: بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمنيَّة، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، وإِلَّا؛ فالأحمر البحت منهيٌّ عنه أشدَّ النَّهي، ثُمَّ شرع يذكر الأحاديث التي فيها النَّهي عنِ الأحمر، ثُمَّ قال: فكيف يُظنُّ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه لبس الأحمر القانئ؟! كلَّا [3]، أعاذه الله مِنْهُ، وإنَّما وقعت الشُّبهة من [4] «الحلَّة الحمراء»، وقال في (العيدين) في «الهدي»: (والذي يقوم عليه الدَّليل تحريم لبس الأحمر أو كراهته كراهة شديدة) انتهى.

(1/987)


[حديث: رأيت رسول الله في قبة حمراء من أدم]
376# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ): هو بفتح العينين المهملتين، وراءين؛ الأولى ساكنة، تقدَّم غير هذه المرَّة.
قَولُهُ: (حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ): اسم أبي زائدة خالدٌ.
قَولُهُ: (عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ): (أبو جُحَيْفَة)؛ بضمِّ الجيم، ثُمَّ حاء مهملة مفتوحة [1]، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء مفتوحة، ثُمَّ تاء، وتقدَّم أنَّه [2] وهب بن عَبْد الله السُّوائيُّ، وقيل: وهب بن وهب رَضِيَ اللهُ عنه، صحابيٌّ مشهور.
قَولُهُ: (وَضُوءَ): هو بفتح الواو: الماء، ويجوز فيه الضَّمُّ، وقد تقدَّم مرارًا، وكذا (الوضوء) بعده بالفتح، ويجوز فيه الضَّمُّ.
قَولُهُ: (عَنَزَةً): تقدَّمت [3] أنَّها بفتح العين مهملة [4] والنُّون، وبالزَّاي، مفتوحاتٍ، ثمَّ تاء، وأنَّها عصًا في أسفلها زُجٌّ من حديد، في (باب حمل العنزة)، وتقدَّم من أين جيء بها، ومَنْ جاء بها.
قَولُهُ: (فِي حُلَّةٍ): تقدَّم ما الحلَّة؛ وأنَّها ثوبان غير لفيقين؛ رداء وإزار، وسُمِّيا بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما يَحُلُّ على الآخر، قال الخليل: ولا يقال: حلَّة لثوبٍ واحدٍ، وقال أبو عبيد: الحلل: برود اليمن، وقال بعضهم: ولا يقال لها: حلَّة حتَّى تكون جديدة بحلِّها على طيِّها، وفي الحديث: (أنَّه رأى رجلًا عليه حلَّة اتَّزر بأحدهما وارتدى بالآخر)، فهذا يدلُّ على أنَّهما ثوبان.
قَولُهُ: (حَمْرَاءَ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه، وسيأتي في (اللِّباس) أيضًا إن شاء الله تَعَالَى [5].
قَولُهُ: (مُشَمِّرًا): هو بكسر الميم المشدَّدة، اسم فاعل.
==========
[1] (مفتوحة): سقطت من (ج).
[2] في (ج): (أنَّ).
[3] في (ب): (تقدم).
[4] في (ب): (المهملة).
[5] (تعالى): ليس في (ب).
[ج 1 ص 157]

(1/988)


[باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب]
قَولُهُ: (وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، واسم أبي الحسن: يسار، تقدَّم بعض ترجمة [1] الحسن فيما مضى.
قَولُهُ: (عَلَى الْجمْدِ): هو بفتح الجيم، وإسكان الميم، وبالدَّال المهملة، وقال شيخنا: (بفتح الجيم وضمِّها، كما قاله ابن التِّين؛ مثل: عَشر وعُشر) انتهى، قال [2] الجوهريُّ: (ما جمد من الماء، وهو نقيض الذَّوب، وهو مصدر يُسمَّى به، والجَمَد؛ بالتَّحريك: جمع «جامد»؛ مثل: «خَادم وخَدَم») انتهى، وقال في «المطالع»: (الجمْد)؛ بسكون الميم، وفي كتاب الأصيليِّ وأبي ذرٍّ: بفتحها، والصَّواب: السُّكون؛ وهو ههنا الماء الجامد مِن شدَّة البرد؛ بدليل التَّرجمة [3]، وذكر الصَّلاة على الثَّلج، والجَمْد والجُمْد؛ بفتح الجيم وضمِّها مع سكون الميم: الأرض الصُّلبة، انتهى.
قَولُهُ: (وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
==========
[1] في (ب): (أبي).
[2] في (ج): (وقال).
[3] في (ج): (الرحمة)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 157]

(1/989)


[حديث: ما بقي بالناس أعلم مني هو من أثل الغابة]
377# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، أستاذ الدُّنيا في العلل، تقدَّم.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، العالم المشهور، وكذا جعله المِزِّيُّ في «مسند ابن عيينة»: عن أبي حازم عن سهل.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ): تقدَّم أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ اسمه سلمة بن دينار المدينيُّ، أحد الأعلام.
[ج 1 ص 157]
قَولُهُ: (سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ): تقدَّم أنَّه أبو العبَّاس السَّاعديُّ، الصَّحابيُّ رَضِيَ اللهُ عنه، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه تُوفِّي سنة (88 هـ)، ويقال: سنة (91 هـ).
قَولُهُ: (مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ [1]): (الأَثْل)؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ ثاء مثلَّثة ساكنة، وباللَّام: شجر شبيه بالطَّرفاء، لكنَّه أعظم مِنْهُ، وقيل: هو الطَّرفاء نفسها، وفي «الصِّحاح»: نوع من الطَّرفاء، وسيجيء في هذا «الصَّحيح»: (من طَرفاء الغابة)، فدلَّ على أنَّه نوع مِنْهُ، أو هو هو، والله أعلم.
قَولُهُ: (الغَابَةِ): هي بالغين المعجمة، وبعد الألف موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء، قال في «المطالع»: (مال من أموال عوالي المدينة ... إلى أن قال: وقد صحَّفه بعض [2] النَّاس، فقال: الغاية، وكذلك غلِط بعض الشَّارحين في تفسيره، فقال: الغابة: موضع الشَّجر التي ليست بمربوبة، لاحتطاب النَّاس ومنافعهم، فغلِط فيه من وجهين، وإنَّما الغابة: هي الشَّجر المُلتُّف، والأجَمُ من الغابة وشبهها) [3].

(1/990)


قَولُهُ: (عَمَلَهُ فُلَانٌ [4] مَوْلَى فُلَانَةَ): هو ميمون النَّجَّار، أو قبيصة المخزوميُّ، أو صباح غلام العبَّاس، أو إبراهيم، أو باقوم _بالميم وباللَّام [5]_ غلام سعيد بن العاصي [6]، أقوال عنِ ابن الأثير، وعن المنذريِّ: أنَّه ميناء، وقيل: تميم الداريُّ، وكذا في «أبي داود»، وفي «ابن بشكوال» من هذه الأقوال: ميمون، وقبيصة، وصباح، وباقوم [7]_بالميم واللَّام_ وميناء وقدَّمه، وفي «مبهمات الخطيب» قولان: ميناء وميمون، وقال بعضهم: عمله غلام لسعد بن عبادة، وقيل: للعبَّاس، وقيل: لامرأة، ورأيت في «تاريخ المدينة المشرَّفة» لزين الدين ابن [8] حسين _وهو رجل من أهل العلم، من طلبة الإمام جمال الدين الإسنويِّ، وقد تولَّى زين الدين قضاء المدينة، وعُمِّر، وأجاز له الحجَّار فيما بلغني، وقد اجتمعتُ به في منزله بالمدينة في ذي الحِجَّة سنة ثلاثَ عشرةَ_: أنَّ اسم صانعه صباح غلام العبَّاس، وقيل: كلاب، انتهى، وقد عزا ابن شيخنا البلقينيِّ أنَّه كلاب غلام العبَّاس إلى «طبقات ابن سعد».
قَولُهُ: (مَوْلَى فُلَانَةَ): هي من بني ساعدة، ووقع في «تجريد» الذَّهبيِّ: (عُلَاثة)، وإنَّما هي (فُلَانَةَ)، كما نبَّه عليه الذَّهبيُّ في «تجريده»، وجاء أنَّ اسمها عائشةُ الأنصاريَّة، نقله ابن شيخنا البلقينيِّ، قال: وفي الأنصار جماعةٌ عوائشُ، والله أعلم.
فائدة: عمل هذا المنبر في السَّنة الثَّامنة، وقيل: السَّابعة من الهجرة، وعلى القول بأنَّ تميمًا نجره؛ فيكون في التَّاسعة أو بعدها، وذلك لأنَّ تميمًا أسلم سنة تسع، كما قاله اِبْن عبد البَرِّ في «استيعابه»، اللهمَّ؛ إلَّا أنْ يقال: نجره وهو كافر، فيكون قبل ذلك، (لكن جاء في حديث: أنَّه نجره وهو مُسْلِم) [9]، وهو أوَّل منبر عُمِل في الإسلام، وكان ثلاث دُرَج، ومن قال درجتين أسقط موضع المقام، وقد رُوِّينا في «مُسْلِم» عن سهل بن سعد: أنَّه كان ثلاث درجات، وقد ذكر النَّوويُّ في «شرح المهذَّب» ما لفظه: (يُستحَبُّ أنْ يقف على الدَّرجة التي تلي المستراح، لما [10] ذكره المصنِّف.
قال الشَّيخ أبو حامد: فإنْ قيل: قد رُوِي: أنَّ أبا بكر رضي الله عنه [11] نزل عن موقف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم درجة، وعمر درجة أخرى، وعثمان أخرى، ووقف عليٌّ رضي الله عنه في موقف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

(1/991)


قلنا: كلٌّ منهم له مقصد صحيح ... إلى آخر كلامه، فهذا يدلّث على أنَّ المنبر كان أكثر من درجتين ومكان الجلوس، ويمكن جمعه مع كلام مَنْ قال: ثلاث درجات؛ يعني: والمجلس، ويكون وقوفه عليه الصَّلاة والسَّلام في المجلس، لكن يَبعُد، وهذا ذُكِر بصيغة تمريض؛ فليُعلَم.
فائدة: ذكر شيخنا الإمام غياث الدِّين ابن العاقوليِّ شيخ بغداد وبلاد المشرق في كتاب «الرَّصف» له _وهو كتاب مفيد نظرته أجمع قبل فتنة تَمُر_ ما لفظه: (قال محمَّد بن الحسن [12] بن زبالة: كان طول منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الأوَّل ذراعين في السَّماء، وثلاث أصابع، وعرضه ذراع راجح، وطول صدره _وهو مستند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم_ ذراعٌ، وطول رمَّانتي المنبر اللَّتين كان يمسكهما النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيديه الكريمتين إذا جلس شبرٌ وإصبعان، وعرضُه ذراع في ذراع، وعدد درجاته ثلاث بالمقعد، وفيه خمسة [13] أعواد من جوانبه الثلاثة)، أخرجه الشيخ محبُّ الدِّين بن النَّجَّار، هذا ما كان عليه المنبر في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، فلمَّا حجَّ معاوية في خلافته؛ كساه قبطيَّةً، ثمَّ كتب إلى مروان _وهو عامله على المدينة_: أن ارفع المنبر عنِ الأرض، فدعا له النَّجَّارين، ورفعوه عنِ الأرض، وزاد من أسفله ستَّ درجات، ورفعوه عليها، فصار المنبر تسعَ درجات بالمجلس، ثمَّ إنَّ هذا المنبر تَهَافَت على طول الزَّمان، فجدَّده بعض خلفاء بني العبَّاس، واتَّخذ من بقايا أعواد منبر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمشاطًا للتَّبرُّك بها، ذكره بعض المؤرِّخين، انتهى ما نقله شيخنا ابن العاقوليِّ.
وابن زبالة: روى عن مالك وذويه [14]، قال أبو داود: كذَّاب، وفيه كلام غير هذا، وله ترجمة في «الميزان»، وقد روى له أبو داود في «سننه».
قَولُهُ: (رَجَعَ القَهْقَرَى): هو بفتح القافين، بينهما هاء ساكنة؛ مقصور: الرُّجوع إلى خلف، فإذا قلت: رجعت القهقرى؛ فكأنك قلت: رجعت الرُّجوع الذي يُعرَف بهذا الاسم؛ لأنَّ (القَهْقَرَى): ضربٌ من الرُّجوع، وسيجيء بزيادة [15].
==========
[1] في (ج): (العامة)، وليس بصحيح.
[2] (بعض): ليس في (ج).
[3] «مطالع الأنوار».

(1/992)


[4] في هامش (ق): (فلان قيل: هو ميمون النجار، وقيل: قبيصة المخزومي، وقيل: صباح مولى العباس، وقيل: إبراهيم، وقيل: باقوم _ويقال باللام_ غلام سعيد بن العاص أقوال ذكرها ابن الأثير، وقيل: عمله غلام لسعد بن عبادة، وكان في السنة السابعة، وقيل: الثامنة، وقيل: صنعه مولى امرأة من الأنصار، وقيل: تميم الداري، كذا في «أبي داود»).
[5] في (ج): (واللَّام).
[6] (غلام سعيد بن العاصي): سقط من (ج).
[7] في (أ)، (ج): (باقون).
[8] (ابن): سقط من (ب).
[9] ما بين قوسين ليس في (ج).
[10] في (ب): (كما).
[11] زيد في (ج): (قد).
[12] في (ج): (الحسين)، وهو تحريفٌ.
[13] في (ج): (خمس).
[14] في (ب): (ودونه).
[15] (بزيادة): سقطت من (ب).

(1/993)


[حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا]
378# قَولُهُ: (عن فَرَسِهِ): هذه الفرس لا أعرفها بعينها، وللنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة أفراس مُتَّفق عليها، وخمسةَ عشرَ فرسًا مُختلَف [فيها]، وسيأتي ذلك في (الجهاد) _إنْ شاء الله تَعَالَى وقدَّره_ من كلامي.
قَولُهُ: (فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ): (جُحِشَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهو بجيم، ثُمَّ حاء مهملة، ثُمَّ شين معجمة؛ أي: خُدِشَت، قال الخليل: هو كالخدش أو أكثر، وسيأتي (فَجُحِشَ سَاقُهُ)؛ بغير شكٍّ، قال شيخنا الشَّارح: (وكان ذلك في ذي الحجَّة سَنَةَ خمس من الهجرة) انتهى، وسيأتي من عند ابن سيِّد النَّاس: أنَّ الإيلاء كان في السَّنة التَّاسعة؛ فعلى هذا قوله: (وَآلَى)؛ أي: بعد سقوطه، والذي أفهمه؛ أنَّ [1]: الإيلاء وقع عندما انفكَّت رجله وجلس في المشربة، فلا بدَّ لك أنْ تجمع بين قول شيخنا: إنَّ وهن السَّاق [2] كان في سَنَةِ خمسٍ، وبين قول ابن سيِّد النَّاس: إنَّ الإيلاء كان سنة تسعٍ، والله أعلم، [وفي «مسلم» في (الإيلاء): أنَّ الإيلاء كان في مبتنى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بزينب بنت جحش، وأكثر ما قيل: في مبتناه بها أنَّه سَنَةَ خمس، وهذا يُؤيِّد ما قاله شيخنا: إنَّه سنة خمسٍ، والله أعلم] [3].
وقوله [4]: (سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ): كذا بالشَّكِّ هنا، [وقد تقدَّم أعلاه أنَّه سيأتي (سَاقُهُ)؛ بغير شكٍّ] [5]، وسيأتي في (الإيلاء)، وهو في (كتاب الطَّلاق): (وكانت انفكَّت رجله)، (ولا منافاة بين السَّاق والرِّجل) [6]، والله أعلم.
قَولُهُ: (وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا): أي: حلف، وليس المراد الإيلاءَ المعروف عند الفقهاء، واعلم أنَّ الإيلاء ذكره ابن سيِّد النَّاس في «سيرته» في الحوادث في سَنَة تسعٍ من الهجرة، وقد تقدَّم أعلاه ما ذكره شيخنا، والله أعلم.
قَولُهُ: (في مَشْرُبَةٍ): هي بفتح الميم، وإسكان الشِّين المعجمة، ثُمَّ راء مضمومة ومفتوحة، ثُمَّ موحَّدة، ثُمَّ تاء التَّأنيث؛ كالغُرفة، قال الخليل: (هي الغرفة)، وقال الطَّبريُّ: (كالخزانة، فيها الطِّعام والشَّراب، وبه سُمِّيت مَشرُبة)، وقيل غير ذلك، وكلُّه متقاربٌ.
==========
[1] في (أ) و (ب): (أي).
[2] زيد في (ج): (أو الكتف)، وضرب عليها في (أ).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[4] في (ب): (قوله).
[5] ما بين معقوفين ليس في (ب)، (ج).

(1/994)


[6] ما بين قوسين سقط من (ج).
[ج 1 ص 158]

(1/995)


[باب إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد]
قَولُهُ: (ثَوْبُ المُصَلِّي امْرَأَتَهُ): (ثَوْبُ): مرفوع فاعل، و (امْرَأَتَهُ): منصوب مفعول.
==========
[ج 1 ص 158]

(1/996)


[حديث: كان رسول الله يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض]
379# قَولُهُ: (عن خَالِدٍ [1]): هذا هو الطَّحان، واسم والده عَبْدُ الله، أحد العلماء، تقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ): تقدَّم أنَّه بالشِّين المعجمة، وأنَّه سُلَيْمَان بن [2] فيروز الكوفيُّ، الحافظ، تقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (وَأَنَا حِذَاءَهُ): تقدَّم أنَّ معناه: قبالته وإِزَاءَهُ.
[ج 1 ص 158]
قَولُهُ: (على [3] الخُمْرَةِ [4]): هي بضمِّ الخاء المعجمة، وإسكان الميم، تقدَّم ما هي قبيل (التَّيمُّم)؛ فانظره إن أردته.
==========
[1] في هامش (ق): (خالد هذا: هو ابن عبد الله الطحان).
[2] (بن): سقطت من (ب).
[3] في (ج): (عن)، وليس بصحيح.
[4] في هامش (ق): (الخمرة: السجادة).

(1/997)


[باب الصلاة على الحصير]
قَولُهُ: (وَأَبُو سَعِيدٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الخدريُّ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ [1]، وأنَّ [2] الخدريَّ [3] بالدَّال المهملة، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (في السَّفينَةِ قَائِمًا): كذا في أصلنا؛ أي: صلَّى كلُّ واحد منهما قائمًا، وفي نسخة أخرى ليست [4] في هامش أصلنا: (قيامًا).
قَولُهُ: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، تقدَّم بعض ترجمته، واسم أبيه يسار.
==========
[1] (الخدري): سقطت من (ب).
[2] في (ج): (وأنَّه).
[3] (الخدري): ليس في (ج).
[4] في النسخ: (ليس)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[ج 1 ص 159]

(1/998)


[حديث: قوموا فلأصل لكم]
380# قَولُهُ: (أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ): قال الدِّمياطيُّ: الضَّمير في (جدَّته) [1] يعود على إسحاق، وهي أمُّ سليم أمُّ أنس، انتهى.
تنبيه: جاء ما يوهم أنَّها جدَّة أنس، روى مُقدَّم بن يحيى بن محمَّد، عن عمِّه القاسم بن يحيى، عن عبيد الله بن عُمر، عن إسحاق، عن أنس قال: أرسلت جدَّتي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واسمها مليكة، والصَّحيح الذي ذكره الدِّمياطيُّ، وكذا ذكره غيره أيضًا، ولفظ «المطالع»: (ومليكة جدَّة أنس ... ) إلى آخر كلامه، وفي «العمدة الصُّغرى» لعبد الغنيِّ [2] المقدسيِّ: (عن أنس: أنَّ جدَّتَه)، وهذا وَهم حصل بسبب الاختصار؛ لأنَّه حذف (إسحاق)، فحصل هذا، وقوله: (مُلَيكة): هي بضمِّ الميم، وفتح اللَّام، وزعم الأصيليُّ أنَّها بفتح الميم، وكسر اللَّام، قال في «المطالع»: (فيما ذكر عنه ابنُ عتَّاب، ولا يصحُّ) انتهى، وفي اسمها اختلاف ذكرته فيما مضى أقوالًا، والله أعلم.
قَولُهُ: (فَلأُصَلِّ [3] لَكُمْ): قال الدِّمياطيُّ: (قال ابن السِّيْد: يرويه كثير من النَّاس بالياء، ومنهم مَنْ يفتح اللَّام، ويسكِّن الياء، ويتوهَّمُه قسمًا، وذلك غلط؛ لأنَّه لا وجه للقسم هنا، ولو كان قسمًا؛ لقال: فلأصليَنَّ، وإنَّما الرِّواية الصَّحيحة: «فلِأصلِّ» على معنى الأمر، والأمر إِذَا كان للمتكلِّم والغائب؛ كان باللَّام أبدًا، وإذا كان للمخاطب؛ كان باللَّام وغير اللَّام) انتهى، وقال ابن قُرقُول: (فلأصلِّ لكم): على الأمر لأكثر رواة يحيى، وكذا لابن بكير والأصيليِّ في «الصَّحيحين»، ولعامَّة رواتهما، كأنَّه أمر نفسه على جهة العزم على فعل ذلك، كما قال تَعَالَى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]، وعند ابن وضَّاح: (فلأصلِّي لكم)، وكذا للقعنبيِّ في رواية الجوهريِّ: (فلِنُصَلِّ)؛ بالنُّون، وكسر اللَّام الأولى، والجزم، كأنَّه أمر الجميع، ولبعض شيوخنا: (فلأصلِّيَ) لام (كي)، قال: وهي روايةٌ ليحيى، وكذا لابن السَّكن والقابسيِّ في «البخاريِّ»، انتهى لفظه.
قوله: (فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ): أي: رشَشْتُه.

(1/999)


قَولُهُ: (وَاليَتِيمَ): هذا اليتيم هو ضُميرة الحميريُّ، وقيل: رَوح، حكاهما شيخنا الشَّارح، وقال ابن بشكوال: اليتيم ضُميرة، وكذا قال النوويُّ أيضًا: هو ضُميرة بن سعد الحميريُّ، زاد ابن بشكوال: وقيل: سُليم، قال: وكذا وقع في حديث يحيى بن يحيى التَّميميِّ _وأخشى أنْ يكون تصحيفًا_ مكان (يتيم): (سليم)، والأوَّل هو المحفوظ إن شاء الله تعالى، انتهى.
ولمَّا ذكر ابن شيخنا البلقينيِّ (اليتيم)؛ لم يذكرِ القول الثَّالث فيه؛ وهو سليم [4]، لكن قال: (وأمَّا ما قاله في بعض الشَّروح من قوله: رَوح؛ فرَوح اسم أبي ضُميرة، فقد رأيت بخطِّ مغلطاي: أبو ضُميرة مولى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قيل: اسمه رَوح بن سندر، وقيل: ابن شيرزاد، وعن البخاريِّ: اسمه سعد الحميريُّ، من آل ذي يزن، كذا ذكره في (باب الضَّاد)، وهذا في (الكنى) في «أُسْد الغابة»، فلا حاجة لاستدراكه، فيجوز أنْ يكون سقط من الشَّرح شيء، وهو: (اسم أبي ضُميرة سعد، وقيل: رَوح) انتهى.
و (اليَتيم): يجوز فيه الرَّفع والنَّصب، أمَّا النَّصب؛ أي: مع اليتيم، [وجاء في رواية ضُعِّفَت: (واليتيمَ)، والأوَّل] [5] أحسن [6]؛ لأنَّ الضَّمير لا يُعطَف عليه إلَّا بعد أنْ يُؤكَّد؛ كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، وقال الدِّمياطيُّ: صوابه: (أنا واليتيمُ وراءه)، أو نصب (اليتيم)؛ أي: مع اليتيم، انتهى.
قَولُهُ: (وَالعَجُوزُ [7] مِنْ وَرَائِنَا): تقدَّم أعلاه أنَّها أمُّ سليم، وقد ذكرت في اسمها أقوالًا؛ فراجعها من (كتاب العلم) وغيره.
==========
[1] في (ج): (حدثه).
[2] في (ب): (المغني).
[3] في (ق): (قوموا فلأصلِّ لكم).
[4] (سليم): سقط من (ج).
[5] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[6] في (ج): (وحسن)، وزيد فيها: (على الرفع)، وكذا كان في (أ) قبل الإصلاح.
[7] في هامش (ق): (والعجوز هي أم سُليم، قاله شيخي ومن قبله النووي).
[ج 1 ص 159]

(1/1000)


[باب الصلاة على الخمرة]
قَولُهُ: (عَلَى الْخُمْرَةِ): تقدَّم أعلاه ضبطها، وما هي قبله.
==========
[ج 1 ص 159]

(1/1001)


[حديث: كان النبي يصلي على الخمرة]
381# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ): تقدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عَبْد الملك الطَّيالسيُّ، الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ): تقدَّم في ظاهرها [1] أنَّ (الشَّيبانيَّ)؛ بالشِّين المعجمة، وأنَّ اسم والده فيروزُ.
==========
[1] (في ظاهرها): ليس في (ب).
[ج 1 ص 159]

(1/1002)


[باب الصلاة على الفراش]

(1/1003)


[حديث: كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته]
382# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم أنَّه إِسْمَاعِيل بن أبي [1] أويس، ابن أخت الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب، وهو ابن عمِّه مِن علوٍّ، وأنَّ اسم أبي أويس عَبْدُ الله.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي النَّضْرِ): تقدَّم أنَّه بالضَّاد المعجمة، وأنَّه لا يحتاج إلى تقييده بالإعجام؛ لأنَّ (نصرًا) بالمهملة لا يأتي بالألف واللَّام، بخلاف (النَّضر) بالإعجام؛ فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، وقد تقدَّم أنَّه سالم بن أبي [2] أميَّة المدنيُّ، الثِّقة النَّبيل، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تقدَّم أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل.
قَولُهُ: (غَمَزَنِي): أي: طعن بإصبعه فيَّ؛ لأقبض رجليَّ من قبلته، وقيل: معناه: أشار، والأوَّل أولى [3]؛ لأنَّ معناه جاء في رواية.
قَولُهُ: (رِجْلَيَّ): هو بالتَّثنية.
==========
[1] (أبي): سقطت من (ج).
[2] (أبي): سقطت من (ج).
[3] (والأول أولى): سقطت من (ج).
[ج 1 ص 159]

(1/1004)


[حديث: أن رسول الله كان يصلي وهي بينه وبين القبلة .. ]
383# قَولُهُ: (عَنْ عُقَيْلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، ابن خالد، وأنَّه ليس في «البخاريِّ» أحد يقال له: عُقِيل؛ بالضَّمِّ سواه، وقد تقدَّم ما في «مُسْلِم» من ذلك، والله أعلم.
قَولُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم كثيرًا أنَّه الزُّهْرِيُّ، العالم المشهور، محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.
قَولُهُ: (الْجَنَازَةِ): يجوز فيها فتح الجيم وكسرها.
==========
[ج 1 ص 159]

(1/1005)


[حديث: أن النبي كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة]
384# قَولُهُ: (عَن يَزِيدَ): هو ابن أبي حَبِيب؛ بفتح الحاء المهملة، تقدَّم، وأنَّه أبو رجاء، عالم أهل مصر، وتقدَّم بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عن عِرَاكٍ): هو بكسر العين، وبعدها راء مخفَّفة، وفي آخره كاف، وهو ابن مالك الغفاريُّ المدنيُّ، عن أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما، وعنه: ابناه خُثيم وعبد الله، ويحيى بن سعيد، وعدَّة، قال عمر بن عَبْد العزيز: ما أعلم امرأً أكثرَ صلاة مِنْهُ، وقال أبو الغصن ثابت: كان يصوم الدَّهر، مات في خلافة يزيد بن عَبْد الملك، أخرج له الجماعة، وخلافة يزيد: وُلِّي في رجب سنة إحدى ومئة، وتُوفِّي في شعبان سنة خمس ومئة، ذكره في «الميزان»، ولم يذكر فيه شيئًا غير أنَّ أحمد قال: إنَّه لَمْ يسمع من عائشة، انتهى.
[ج 1 ص 159]
قَولُهُ: (عن عُرْوَةَ: أَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ): هذا _كما ترى_ مُرسَل، قال المِزِّيُّ في «أطرافه» في عراك عن، عروة، عن عائشة بعد أنْ ذكر هذا الحديث: عروة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فذكره البخاريُّ في (الصَّلاة): عن عَبْد الله بن يوسف، عنِ اللَّيث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عِرَاكٍ بن مالك به، هكذا مُرسَلًا، انتهى.
وكَتَب بخطِّه على الحاشية _أعني: الحافظ جمال الدِّين المِزِّيَّ_ ما لفظه: (روي عن عراك عن عائشة، وروي عن عراك عن أبي سلمة عن عائشة) انتهى، وقال شيخنا الشَّارح فيه: (إنَّه مرسل كما [1] شهد له، وأخرجه صاحبا «المستخرجين» الإِسْمَاعِيليُّ وأبو نعيم، وكذا قال الحميديُّ: كذا وقع مرسلًا، وقد سلف أنَّ عروة روى نحوه عن عائشة) انتهى، ويعني بذلك: حديث عروة عنها، الحديث الثَّاني في التَّرجمة، والله أعلم.
==========
[1] (كم): سقطت من (ج).

(1/1006)


[باب السجود على الثوب في شدة الحر]
قَولُهُ: (وَقَالَ الحَسَنُ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن أبي الحسن يسارٍ البصريُّ، العالم المشهور.
قَولُهُ: (وَالقَلَنْسُوَةِ): (القلنسوة): هي التي تُلبَس، والنُّون فيها زائدة، وهي معروفة، وهي [1] غشاء يُبطَّن، يُلبَس على الرَّأس، وفيها لغتان، ذكرهما الجوهريُّ وغيره، قَالَ الجوهريُّ: (والقَلَنْسُوَةُ والقُلَنْسِيَةُ إِذا فَتَحْتَ القَافَ؛ ضَمَمْتَ السِّين، وإِذا ضَمَمْتَ القَافَ؛ كَسَرْتَ السِّين، وقَلَبْتَ الوَاوَ ياءً ... ) إلى آخر كلامه؛ فانظره، فإنَّه مفيد، وقصدي الاختصار، وذكر اللُّغتين في «المطالع» ... إلى أن قال: (وقال ابن الأنباريِّ: فيها سبع لغات: قُلنسية، وقُلَيْنسة، وقُلَيسة، وقَلْسَاة [2]؛ ثلاثة مصغَّرة، وهي التي بالياء، وما عداها مُكبَّر) انتهى كلامه، ولم يزد.
قَولُهُ: (وَيَدَاهُ في كُمِّهِ): أي: كلُّ يد في كُمٍّ.
==========
[1] في غير (ج): (وهو).
[2] في (ج): (وقلنساة)، وهو تحريفٌ.
[ج 1 ص 160]

(1/1007)


[حديث: كنا نصلي مع النبي فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر]
385# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّل): هو بكسر الموحَّدة، وبالشِّين المعجمة، و (المفضَّل): مشدَّد الضَّاد المعجمة مفتوحة.
==========
[ج 1 ص 160]

(1/1008)


[باب الصلاة في الخفاف]

(1/1009)


[حديث: رأيت النبي صنع مثل هذا.]
387# قَولُهُ: (عن الأَعْمَشِ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ، أَبُو محمَّد الكاهليُّ، القارئ، الإمام المشهور.
قَولُهُ: (سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ): هو إبراهيم بن يزيد النَّخعيُّ، أبو عمران الكوفيُّ، الفقيه، تقدَّم شيء من ترجمته.
قَولُهُ: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ ... ) إلى آخره: تقدَّم أعلاه أنَّه إبراهيم بن يزيد النَّخعيُّ، [ووقع في «البيهقيِّ» [1] أنَّه ابن أدهم، وابن أدهم أخرج له التِّرمذيُّ تعليقًا، وهو أبو إسحاق البلخيُّ الزَّاهد، روى عن منصور، وأبي إسحاق، وطائفة، وعنه: بقيَّةُ، وأبو إسحاق الفزاريُّ، وضمرة، وعدَّة، قال ابن مَعِين: هو عجليٌّ، وقال ابن قتيبة: تميميٌّ، تُوفِّي سنة (162 هـ).
وقال بعض مُحدِّثي العصر: يعني: تعجَّب أصحاب [2] عَبْد الله بن مسعود، كما صرَّح به ابن خزيمة وغيره، انتهى] [3]، ومعنى هذا الكلام: أنَّ الله تَعَالَى قال في سورة (المائدة): {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، فلو كان إسلام جرير متقدِّمًا على نزول هذه الآية في (المائدة)؛ لاحتمل كون حديثه منسوخًا بالآية، فلمَّا كان إسلامه متأخِّرًا عن نزول (المائدة)؛ عُلِم أنَّ حديثه يُعمَل به، وهو مبيِّن أنَّ المراد بالآية غير صاحب الخفِّ، فتكون السُّنَّة مُخصِّصة للآية، والله أعلم، وقد تقدَّم في ترجمة جَرِير متى أسلم، ورُدَّ قول مَنْ قال: إنَّه أسلم قبل وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام بأربعين يومًا؛ لما صحَّ في «الصَّحيح» أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال له في حجَّة الوداع: «استنصتِ النَّاس».
==========
[1] في (أ): (وفي «البيهقي» وقع).
[2] (أصحاب): ليس في (ب).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[ج 1 ص 160]

(1/1010)


[حديث: وضأت النبي فمسح على خفيه وصلى]
388# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابنُ نَصْرٍ): هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاريُّ، أخرج له البخاريُّ فقط، وينسبه إلى جدِّه، تُوفِّي سنة (232 هـ).
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تقدَّم مرَّات أنَّه حمَّاد بن أسامة الكوفيُّ، الحافظ، مولى بني هاشم رحمه الله [1].
قَولُهُ: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سُلَيْمَان بْنُ [2] مِهْرَانَ أعلاه، وقبله مرارًا.
قَولُهُ: (عن مُسْلِمٍ): هذا هو مُسْلِم بن صُبيح، أبو الضُّحى، تقدَّم.

(1/1011)


[باب إذا لم يتم السجود]

(1/1012)


[حديث حذيفة: رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده]
389# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ): هذا هو ابن ميمون المَعْوليُّ، عن أبي رجاء وابن سيرين، وعنه: يحيى، وابن مهديٍّ، ومسدَّد، ثقة، تُوفِّي سنة (172 هـ)، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (عن وَاصِلٍ): هو ابن حَيَّان _بالمثنَّاة تحت المشدَّدة_ الأحدب الأسَديُّ الكوفيُّ، مولى أبي بكر بن عيَّاش _من فوق_ عن شريح القاضي، والمعرور بن سويد، وأبي وائل، وإبراهيم النَّخعيِّ، وجماعةٍ، وعنه: مغيرة بن مِقْسَم، ومِسْعَر، وشعبة، وطائفة، وثَّقه اِبْن مَعِين وأبو داود، قال أبو داود: مات سنة (120 هـ)، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، مخضرم، تقدَّم.
قَولُهُ: (رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ): هذا الرَّجل الذي رآه حذيفة لا أعرف اسمه.
==========
[ج 1 ص 160]

(1/1013)


[باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود]
قَولُهُ: (بَاب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ): (يُبْدِي)؛ بضمِّ أوَّله؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهو غير مهموز، معتلٌّ؛ أي: يُظهِر، والضَّبعان: العضدان، و (ضَبْعَيه) [1]؛ بفتح الضَّاد، وإسكان الموحَّدة، وقيل: الضَّبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد، وقيل: هو وسط العضد.
قَولُهُ: (وَيُجَافي فِي السُّجُودِ): هو بضمِّ أوَّله، وكسر الفاء، غير مهموز، معتلٌّ.
==========
[1] في (ب): (وضبعته).
[ج 1 ص 160]

(1/1014)


[حديث: أن النبي كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض أبطيه]
390# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ): (مُضَرَ): غير مصروف؛ للعلميَّة والعدل؛ لأنَّه معدول عن (ماضِر).
قَولُهُ: (عَنْ جَعْفَرٍ): هذا هو ابْن [1] رَبِيعَةَ الكنديُّ، عن أبي سلمة والأعرج، وعنه: اللَّيث وبكر بن مضر، تُوفِّي سنة (136 هـ)، أخرج له الجماعة، قال أحمد: ثقة، وقال أبو زُرعة: صدوق.
قَولُهُ: (عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ): هو عَبْد الرَّحمن بن هرمز الأعرج، تقدَّمت بعض ترجمته.
قَولُهُ: (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ): (مالكٌ): منوَّن، و (ابن): يكتب بالألف، و (بُحَيْنَة): أمُّه على الصَّحيح، وهي بموحَّدة مضمومة، ثُمَّ حاء مهملة مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ نون مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، قال الدِّمياطيُّ: (بُحَيْنَة: لقب، واسمها عبْدة، أخت عبيدة المقتول
[ج 1 ص 160]
ببدر، ابن الحارث الأرتِّ بن المطَّلب بن عَبْد مناف بن قُصيٍّ، أسلمت وبايعت، وهي أمُّ عَبْد الله بن مالك بن القِشب، جندب بن نضلة، أسلم عَبْد الله قديمًا، وصحب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان ناسكًا فاضلًا، يصوم الدَّهر، تُوفِّي في خلافة معاوية، وأخوه لأبويه جبير بن مالك، له صحبة، قتل يوم اليمامة شهيدًا في خلافة أبي بكرٍ الصِّدِّيق) انتهى، وما قاله الحافظ الدِّمياطيُّ كلُّه معروف.
وقد أسلم عَبْد الله صاحب التَّرجمة وأبوه مالك، وصحبا، وأنكر الدِّمياطيُّ في مكان من حواشيه على «البخاريِّ» أنْ يكون لمالك صحبةٌ، أو رؤيةٌ، أو إسلامٌ، وإنَّما ذلك لعبد الله، والصَّواب فيه أنْ يقال: (عَبْد الله بن مالكٍ ابن بُحَيْنَة)؛ بتنوين (مالكٍ)، وكتابة (ابن بُحَيْنَة)؛ بألف، ويُعرَب إعراب (عَبْد الله)؛ لأنَّه صفة له لا لـ (مالك)، وقال اِبْن عبد البَرِّ: (عبد الله ابن بُحَيْنَة؛ وهي أمُّه بُحَيْنَة، ثُمَّ أبوه مالك بن القِشب، وقد قيل في أبيه: مالك ابن بُحَيْنَة، وهو وهم، وإنَّما بُحَيْنَة امرأته، وأمُّ ابنه عَبْد الله) انتهى ملخَّصًا، والله أعلم.
قَولُهُ: (فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ): هو بتشديد الرَّاء في أصلنا، و (فرج [2] بين يديه)؛ بالتَّخفيف: فتح، وعن السَّفاقسيِّ _وهو ابن التِّين_: (رُوِّيناه بالتَّشديد، والمعروف في اللُّغة: التَّخفيف) انتهى.
قَولُهُ: (حَتَّى يَبْدُوَ): (يبدو): معتلٌّ؛ ومعناه: يظهر.

(1/1015)


قَولُهُ: (بَيَاضُ إِبْطَيْهِ): اعلم أنَّ بياض الإبط من خصائصه صلَّى الله عليه وسلَّم، بخلاف غيره، فإنَّها أسود؛ لمكان الشَّعر، نصَّ على ذلك أبو نعيم الأصبهانيُّ في «دلائله»، فقال: (بياض إبطه صلَّى الله عليه وسلَّم من علامات نبوَّته)، وقد ذكره أيضًا غيره، ورأيته في «مُهمَّات الفقيه العلَّامة جمال الدِّين الإسنويِّ» شيخ شيوخنا في (الحجِّ)، وهو في «خصائص شيخنا العلامة الشَّارح»، وقد قرأتها عليه، والله أعلم.
قَولُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ): هذا تعليق مجزوم به [3]، وإنَّما أتى به؛ لأنَّ بكر بن مضر عنعن في السَّند الأوَّل وإنْ كان غير مدلِّس، إلَّا ليخرج من خلاف من خالف في العنعنة وإنْ كانت [4] من غير مدلِّس، فجاء بتعليق اللَّيث الذي فيه التَّحديث من [5] جعفر الذي عنعن عنه بكر، ونسبه في رواية اللَّيث، فزاده توضيحًا، وهذا التَّعليق أخرجه مُسْلِم مسندًا، والله أعلم.
==========
[1] في (ب): (أبي)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ج): (وقدح)، وهو تحريفٌ.
[3] (به): سقطت من (ج).
[4] في (ب): (كان).
[5] في (ب) و (ج): (عن).

(1/1016)


[باب فضل استقبال القبلة]
قَولُهُ: (قَالَه [1] أَبُو حُمَيْدٍ): هو بضمِّ الحاء المهملة؛ مصغَّر، واسمه عَبْد الرَّحمن بن عَمرو بن سعد، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجيُّ مدنيٌّ، توفِّي في آخر خلافة معاوية، روى عنه: جماعة، ووصف صلاته صلَّى الله عليه وسلَّم، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند».
==========
[1] كذا في النسخ و (ق)، وفي «اليونينية»: (قال).
[ج 1 ص 161]

(1/1017)


[حديث: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا .. ]
391# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): هو بالموحَّدة، والسِّين المهملة في آخره، الباهليُّ البصريُّ الرَّازيُّ، أبو عثمان، والد محمَّد، عنِ ابن عيينة، وغُنْدر، وابن مهديٍّ، وجماعة، وعنه: البخاريُّ، وعيسى بن شاذان، وعبدان الأهوازيُّ، وآخرون، قيل: مات في ذي الحجَّة سنة (235 هـ)، انفرد به البخاريُّ عنِ الجماعة.
وإيَّاك أن تصحِّف (عبَّاسًا) بـ (عيَّاشٍ)؛ بالمعجمة، فإنَّه ليس في الكتب السِّتَّة أحد من الرُّواة يقال له: عَمرو بن عيذَاش، فضلًا عنِ «البخاريِّ»، وليس فيها أيضًا: عُمر _بضمِّ العين_ ابن عبَّاس ولا ابن عيَّاش، والله أعلم.
قَولُهُ: (حَدَّثَنا ابنُ المَهْدِيِّ): كذا في أصلنا، وفي نسخة: (ابن مهديٍّ)، وهو عَبْد الرَّحمن بن حسَّان، الحافظ، أبو سعيد البصريُّ، مولى الأزد، اللُّؤلؤيُّ، أحد الأعلام في الحديث، ثناء النَّاس عليه كثير، منه ما قاله ابن المدينيِّ: أعلم النَّاس بالحديث عَبْد الرَّحمن [1] بن مهديٍّ، تُوفِّي سنة (197 هـ)، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (عَنْ مَيْمُونِ بنُ سِياهٍ): قال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ في «تقييده»: (بكسر السِّين _يعني: المهملة_ بعدها ياء معجمة باثنتين من أسفلَ، وهاء في آخر الكلمة) انتهى، وهو مصروف في أصلنا بالقلم، وكأنَّه ليس بعَلَمٍ في العجمة، وكذا نحفظه، وهو بلغة العجم: الأسود، أبو بحر البصريُّ، عن أنس، وجندب بن عَبْد الله، وشهر بن حَوْشَب، وعنه: حميد الطَّويل، وسلَّام بن مسكين، وجماعة، ضعَّفه ابن معين، وقال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو حاتم وابن حِبَّان: ثقة، أخرج له مع البخاريِّ النَّسائيُّ، وحديثه يقع عاليًا [2] في «جزء هلال الحفَّار»، وقد روينا «جزء هلال»، وله ترجمة في «الميزان».
قَولُهُ: (ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ): أي: ضمان الله وضمان رسوله، يقال: الذِّمَّة: الأمان، وقيل: العهد.
قَولُهُ: (فَلَا تُخْفِرُوا): هو رباعيٌّ؛ بضمِّ أوَّله، اعلم أنَّ (الخَفَير) المُجير، والخُفَارة: بالضَّمِّ: الذِّمَّة والعهد، ومثله: الخَفَرة والخَفْرة، وخفرتُه: عقدتُ له ذمَّةً وجوارًا، وأخفرتَه: لَمْ تَفِ بذمَّته وغدرته.
392# قَولُهُ: (وحَدَّثَنَا نُعَيْمٌ [3]: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ): كذا في أصلنا، وعليه علامة راويه، وكُتِب في الهامش: (سقط نُعَيمٌ عند «ص») انتهى.

(1/1018)


قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (وقال: ابن المبارك: عن حميد به، وفي «كتاب ابن شاكر») _[يعني: حمَّاد بن شاكر راوي «البخاريِّ» عنه: وهم ثلاثة؛ أعني: رواة «البخاريِّ» عنه: الفربريُّ، وحمَّاد بن شاكر، وإبراهيم بن مَعقِل_ قال المِزِّيُّ] [4]: («قال نعيم: قال ابن المبارك»: هكذا ذكره خلف، وفي رواية أبي الوقت: «حَدَّثَنَا نعيم: حَدَّثَنَا ابن المبارك») انتهى.
و (نُعَيم) هذا: هو ابن حمَّاد الخزاعيُّ أبو عبيد الله المروزيُّ، الحافظ الأعور، ذو التَّصانيف، امتُحِن وقُيِّد، فمات بسامرَّاء محبوسًا في سنة (229 هـ)، له ترجمة في «الميزان»، أخرج له البخاريُّ مقرونًا، وأخرج له أبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه في الأصول.
قَولُهُ: (أُمِرْتُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قَولُهُ: (حَرُمَتْ): هو بفتح الحاء، وضم الرَّاء مخفَّفةً، كذا في أصلنا، و (حُرِّمت)؛ بضمِّ الحاء، وكسر الرَّاء المشدَّدة، وقدَّم هذا بعضُهم على الأوَّل.
393# قَولُهُ: (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله: حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا هو ابن [5] المَدينيِّ، عليُّ بن عَبْد الله بن جعفر بن نجيح ابن المَدينيِّ، أبو الحسن، الحافظ المشهور، وقد تقدَّم بعض ترجمته، وهذا تعليق بصيغة الجزم، وقد أخذه عنه في حال المذاكرة، وذلك لأنَّ عليًّا شيخ البخاريِّ، وقد تقدَّم في مثل هذا الكلام مُطوَّلًا، وأنَّه محمول على السَّماع إِذَا كان المسند إليه القولُ شيخَه، وأنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة، وكذا القول في غير البخاريِّ أيضًا، إذا كان الذي حكى ذلك عنه شيخَه؛ بشرط سلامة الرَّاوي من التَّدليس، وأنَّه كقوله: (حدَّثني)، ولكنَّ المِزِّيَّ والذَّهبيَّ يعلِّمان على هذا وعلى أمثاله: (خت)؛ يعنيان: رواه البخاريُّ تعليقًا، وإنَّما هو محمول على السَّماع بالشَّرط الذي ذكرته، وهو سلامة الرَّاوي من التَّدليس، وأنْ يكون الذي [6] أسند إليه القولَ شيخَه، والله أعلم.
قَولُهُ: (سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ): تقدَّم بعض ترجمته أعلاه، وتقدَّم ضبط (سِيَاه) أعلاه أيضًا.
قَولُهُ: (يَا أَبَا حَمْزَةَ): تقدَّم أنَّ كنية أنس بن مالك أبو حمزة؛ بالزَّاي، وبالحاء قبلها، وأنَّ الحمزة: البقلة، وقد رآه عليه الصَّلاة والسَّلام وهو يجتني بقلة، فقال له [7]: «يا أبا حمزة»، فكانت كنيتَه رَضِيَ اللهُ عنه.

(1/1019)


قَولُهُ: (يُحَرِّمُ دمَ العَبْدِ [8]): (يُحَرِّمُ)؛ بتشديد الرَّاء المكسورة، و (دَمَ): منصوب مفعول، وهذا ظاهر جدًّا.
[ج 1 ص 161]
قَولُهُ: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ): هو سعيد بن الحكم، وهو شيخ البخاريِّ، والعمل فيه كالعمل في الذي قبله، وقد تقدَّم مثله غير مرَّة، فأغنى عن إعادته، وهو سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمَّد، مولى بني جُمَح، أبو محمَّد المصريُّ، الحافظ، عن مالك ونافع بن عُمر، وعنه: البخاريُّ وأحمد بن حمَّاد، قال أبو حاتم: ثقة، تُوفِّي سنة (224 هـ)، وقد وثَّقه العجليُّ، وقال أبو داود: هو عندي حجَّة، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به.
والحكمة في الإتيان بتعليق [9] ابن أبي [10] مريم؛ لأنَّ فيه حُميدًا، وقد [11] صرَّح بالتَّحديث من أنس، وحُميد مدلِّس، وقد قال شعبة: إنَّه لَمْ يسمع من أنس إلَّا أربعةً وعشرين حديثًا، والباقي سمعها من ثابت، أو ثبَّته فيها ثابت.
وحكمة ثانية: وهي أنَّ أنسًا رفع ذلك إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والتَّعليق الذي قبله تعليق ابن المَدينيِّ فيه ذلك موقوف على أنس، وليس فيه تصريح حميد بالسَّماع من أنس، إنَّمَا فيه سأل ميمون بن سِيَاه أنسَ بن مالك، وتعليق ابن أبي مريم صريح بالسَّماع من [12] أنس، ويرفع ذلك أيضًا إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فزاد فيه فائدتين، وقد يكون لحكمة أخرى غير ما ذكرته أيضًا، والله أعلم، وهذا الإمام دقيق الغور لا يُدرَك شأوه، والله يرحمه ويرضى عنه ما أغزر فوائده!
و (يَحْيَى) الذي أخبر [13] عنه ابن أبي مريم: هو يحيى بن أيُّوب الغافقيُّ، أبو العبَّاس المصريُّ، كما في «أطراف المِزِّيِّ»، و (يحيى بن أيُّوب): هم أربعة أشخاص في الكتب السِّتَّة أو في بعضها [14]، سيأتي الكلام عليهم قريبًا.
وهذا التَّعليق أخرجه البخاريُّ هنا فقط عقيب حَدِيث منصور بن سِيَاهٍ عنْ أنَس، وأخرجه أبو داود في (الجهاد): عن سُلَيْمَان بن داود المهري [15]، عنِ ابن وهب، عن يحيى بن أيُّوب _هو الغافقيُّ_ به، والله أعلم.

(1/1020)


[باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق]
قَولُهُ: (لَيْسَ في المَشْرِقِ وَلَا في المَغْرِبِ قِبْلَةٌ): يريد: أنَّ قبلة هؤلاء المسمَّين ليست في الشَّرق منهم ولا في الغرب؛ بدليل أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أباح لهم قضاء الحاجة في جهة المشرق منهم [والمغرب؛ بقوله: «ولكن شَرِّقوا أو غَرِّبوا»، قال شيخنا المؤلِّف: وقد أُنكِر على البخاريِّ تنوينه وتأوُّلَه بأنْ قال تقدير التَّرجمة: بابٌ: قبلة أهل المدينة وأهل الشَّام] [1] والمغرب [2] ليس في التَّشريق ولا في التَّغريب؛ يعني: أنَّهم عند الانحراف للتَّشريق والتَّغريب ليسوا مواجهين إلى القبلة ولا مستدبرين لها، وذكر ابن بطَّال تقدير التَّرجمة: بَاب قِبْلَةِ أَهْلِ المَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّام وَالمَشْرِقِ، ليس في التَّشريق ولا في التَّغريب، قال شيخنا: (وهذا صحيح ... ) إلى آخر كلامه.
==========
[1] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[2] زيد في (ب): (قوله).
[ج 1 ص 162]

(1/1021)


[حديث: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها]
394# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، الإمام المشهور، تقدَّم بعض ترجمته، وقد [1] قال الشَّافعيُّ في حقِّه: لولا سفيان ومالك؛ لذهب علم الحجاز.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا [2] الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.
قَولُهُ: (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ): هو خالد بن زيد، بدريٌّ جليل، عنه: جبير بن نفير [3]، وعروة، وأبو سلمة، وقد تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه تُوفِّي سنة (52 هـ)، وفي «الكاشف»: سنة (51 هـ)، وفي «التَّذهيب» [4]: سنة (50 هـ)، وقيل بعد ذلك، أخرج له الجماعة.
قَولُهُ: (فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ): هو الإقليم المعروف، وهو بهمزة ساكنة، وقد تقدَّم ما فيه من اللُّغات في أوَّل هذا التَّعليق في حديث هرقل وحده؛ فانظره إن أردته، وذكرت أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام دخله أربع مرَّاتٍ.
قَولُهُ: (مَرَاحِيضَ): هي المذاهب والخلوات، وأصله من الرحْض؛ وهو الغسل.
قَولُهُ: (قِبَلَ القِبْلَةِ): هو بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، ظرف؛ أي: مقابلتها بحيث يقابلها.
قَولُهُ: (وَنَسْتَغْفِرُ [5] اللهَ): لعلَّه لَمْ يبلغه حديث ابن عُمر رَضِيَ اللهُ عنهما في ذلك، أو لَمْ يره مخصِّصًا، وحمل ما رواه على العموم، وهذا الاستغفار لنفسه لا للباني على هذه الهيئة، وقال أبو الفتح في «شرح العمدة»: (قيل: يُرَاد به: ويستغفر الله لباني الكنف على هذه الصِّفة [6] الممنوعة عنده، وإنَّما حملهم على هذا التَّأويل أنَّه إِذَا انحرف عنها؛ لَمْ يفعل ممنوعًا، فلا يحتاج إلى الاستغفار، والأقرب أنَّه استغفار لنفسه، ولعلَّ ذلك لأنَّه تُسبِّب موافقتُه لمقتضى البناء غلطًا أو سهوًا، فيتذكَّر فينحرف ويستغفر الله.
فإنْ قلت: فالغالط والسَّاهي لَمْ يفعل إثمًا، فلا حاجة إلى الاستغفار؟
قلت: أهل الورع والمناصب العليَّةِ في التَّقوى قد يفعلون مثل هذا؛ بناء على نسبتهم التَّقصير إلى أنفسهم في التَّحفُّظ ابتداء، والله أعلم) انتهى.
قَولُهُ: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى آخره: هو عنده معطوف على السَّند الذي قبله، عن عليِّ بن عَبْد الله، عن سفيان، عنِ الزُّهْرِيِّ، وإنَّما أتى بهذه الطَّريق؛ لأنَّ فيها تصريحَ عطاء بالسَّماع من أبي أيُّوب وإنْ كان عطاء هذا غير مدلِّس؛ ليخرج من الخلاف.

(1/1022)


قَولُهُ: (مِثْلَهُ): هو بالنَّصب؛ أي: مثل حديث قبله، والله أعلم.
==========
[1] (قد): ليس في (ب).
[2] (حدثنا): سقط من (ب).
[3] في (ج): (نفيل)، وهو تحريفٌ.
[4] في (ج): («التهذيب»).
[5] في (ب) و (ج): (ويستغفر).
[6] في (ج): (الصِّيغة).
[ج 1 ص 162]

(1/1023)


[باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}]
قَولُهُ: (بَاب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]): اعلم أنَّه اختلف أصحاب الشَّافعيِّ؛ هل كان استقبال النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيت المقدس برأيه أو بوحي؟ على قولين، وهل ذلك الوحي قرآنًا أو غيره؟ أَفهَم كلامُهم أنَّ فيه خلافًا، وقد تقدَّم الخلاف في مدَّة صلاته إلى بيت المقدس منذ قدم المدينة، وتقدَّم أيضًا كيف كانت صلاته بمكَّة قبل المَقْدَم، قال بعض مشايخي: ولا خلاف أنَّ ذلك كان سنة اثنتين؛ يعني: التَّحويل [1]، قال ابن عبَّاس: أوَّل ما نسخ من القرآن بيان القبلة والصِّيام الأوَّل، انتهى.
قَولُهُ: ({مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}): قال الدِّمياطيُّ: (قيل: المقام: عرفة، والمزدلفة، ومِنًى، وقيل: الحرم، وقيل: الحجُّ، وقيل: الحَجَر الذي قام عليه، وقوله: {مُصَلًّى}: هو من صلوتُ؛ إذا دعوتَ، وقيل: الصَّلاة) انتهى.

(1/1024)


[حديث: قدم النبي فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام]
395# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ): تقدَّم مرَّات، وفي أوَّل «الصَّحيح»: أنَّه عَبْد الله بن الزُّبير، وأنَّه بضمِّ الحاء، وفتح الميم، وتقدَّم في أوَّل هذا لماذا نسب، وبعض ترجمته؛ فأغنى عن إعادته هنا.
قَولُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هو ابن عيينة، الإمام المشهور، إمام أهل الحجاز، وقد جالسه الحُمَيديُّ، وهو تَلِيدُه [1] من مكَّة تسعَ عشرةَ [2] سنة، وحمل عنه [3] سائر ما عنده.
قَولُهُ: (سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ): (سألْنا): فعل وفاعل، و (ابنَ عمر): منصوب مفعول، وكذا الذي بعده: (سألْنا جَابِرَ بنَ عَبْد الله)، وهذا ظاهر لا خفاء به.
قَولُهُ: (أُسْوَةٌ): هي بضمِّ الهمزة وكسرها؛ لغتان، وهما قراءتان في السَّبع.
قَولُهُ: (وَسَأَلْنَا جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ فقال: لا يَقْرَبَنَّها [4] ... ) إلى آخره: هذا معطوف على السَّند الذي قبله، وقائل ذلك هو عَمرو بن دينار، سأل ابن عُمر قبله، فأجابه بمرفوع، وسأل جَابِرًا، فأتاه بموقوف، وهذا ظاهر جدًّا، لا يتوقَّف أحد في معرفته، وإنَّما ذكرته؛ لاحتمال أنْ يجيء فيمن بعدنا من لا يفهمه، والله أعلم.

(1/1025)


[حديث: أصلى النبي في الكعبة]
397# قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): (يحيى) هذا: هو ابن سعيد القطَّان، الحافظ العلم، الفرد المشهور، الذي قال أحمد فيه: ما رأت عيناي مثل يحيى بن سعيد القطَّان، تقدَّم.
قَولُهُ: (عن سَيْفٍ): هذا هو ابْنَ سُلَيْمَانَ، ويقال: ابْنَ أبي سُلَيْمَان المخزوميُّ مولاهم، المكِّيُّ، عن مجاهد وعَديِّ بن عديٍّ، وعنه: القطَّان وأبو نعيم، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ، تُوفِّي سنة (151 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، ذكره في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قَولُهُ: (أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ): (أُتِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (ابنُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، وهذا ظاهر جدًّا.
[ج 1 ص 162]
قوله: (فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ): يعني: في جهة الباب؛ لأنَّ وجهَها: بابُها.
فائدة: أفضل جهات الكعبة جهة بابها، قاله ابن عَبْد السَّلام عزُّ الدِّين.

(1/1026)


[حديث: لما دخل النبي البيت دعا في نواحيه كلها]
398# قوله: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تقدَّم أنَّه عَبْد الملك بن عَبْد العزيز بن جريج، أبو الوليد وأبو خالد القرشيُّ مولاهم، المكِّيُّ، الفقيه، أحد الأعلام، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه كان يُبِيح المتعة ويفعلها بزيادة؛ فانظره رحمه الله وعفا عنه [1].
قوله: (عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ): (عطاء) هذا: هو ابن أبي رَباح، أبو محمَّد المكِّيُّ، الفقيه، مشهور التَّرجمة، وقد تقدَّمت، وإنَّما ميَّزتُه؛ لأنَّ جماعة كلٌّ منهم اسمه عطاء يروي عنِ ابن عبَّاس؛ وهم: عطاء بن أبي رَباح هذا، وعطاء بن أبي مُسْلِم الخراسانيُّ، مولى المهلَّب بن أبي صفرة الأزديِّ، وعطاء بن يسار المدنيُّ، مولى ميمونة بنت الحارث زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعطاء أبو الحسن السُّوائيُّ.
قوله: (وَلَمْ يُصَلِّ فِيْه [2]): وقد تقدَّم من حديث بلال أنَّه صلَّى فيه، وجمعوا بين روايتي النَّفي والإثبات بأنَّ المثبت مقدَّم [3]، أو باعتبار حالين، أو أنَّ من أثبت؛ أراد النَّافلة، ومن نفى؛ أراد الفريضة، والله أعلم.
قوله: (فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ): (قُبُل)؛ بضمِّ القاف والموحَّدة، وكذا في أصلنا، ويجوز إسكانها، والمراد: وجهها المذكور قبله، وهذا الضَّبط من أنَّه بضمِّ القاف ذكره النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وقال: مقابلها، ويؤيِّده رواية ابن عُمر: (في وجه الكعبة)، وهذا ظاهر، ورأيت بخطِّ شيخنا الإمام أبي جعفر الأندلسيِّ _وقد كتب نسخة من «البخاريِّ» في ثلاثين [4] جزءًا، وكتب عليها حواشيَ [5]، وكذا كتب «مسلمًا» في أجزاء_: ضَبَط في «البخاريِّ»: بكسر القاف، وفتح الباء بالقلم، وقد قال النوويُّ في «تهذيبه»: (قُبُل الكعبة): [ضبطناه بضمِّ القاف والباء، قال صاحب «المطالع»: (وقِبَله وقُبْله: ما استقبلك مِنْهُ)، قال القلعيُّ في تفسير هذا الحديث: (قِبَل الكعبة)؛ أي] [6]: مقابلتها بحيث يقابلها [7] ويعاينها [8]، يقال: قبل وقبل، قلت: وجاء في رواية ابن عمر في «الصَّحيح»: (فصلَّى ركعتين في وجه الكعبة)، وهذا هو المراد بقُبلها، وهو أحسن ما قيل فيه إن شاء الله تعالى، انتهى، وما ذكره عن «المطالع» رأيته فيه، والله أعلم.

(1/1027)


قوله: (وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ): أي: قد [9] استقرَّ أمرها، فلا يُنسَخ كما نُسِخَت قبلةُ بيت المقدس، ويحتمل أنْ يكون أعلمهم السُّنَّة في مقام الإمام واستقبال البيت من وجه الكعبة وإنْ كانت الصَّلاة من كلِّ جهاتها جائزة، ويحتمل أنْ يكون دلَّهم على أنَّ حكم مَنْ عاين البيت وشاهده في استقباله خلافُ حكم مَنْ غاب عنه، فيصلِّي تحرِّيًا واجتهادًا، قاله الخطَّابيُّ، (وقد نقل النَّوويُّ الاحتمالين الأوَّلين عنِ الخطَّابيِّ في «تهذيبه»، وغيرُه نقل عنه الثَّلاثة) [10].
==========
[1] (وعفا عنه): ليس في (ب).
[2] كذا في النُّسخ، وليس (فيه) في «اليونينيَّة» ولا في (ق).
[3] في (ب) و (ج): (تقدَّم).
[4] (في ثلاثين): سقطت من (ج).
[5] في (ب): (الحواشي).
[6] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[7] (بحيث يقابلها): ليس في (ج).
[8] في (ج): (ومعاينتها).
[9] (قد): ليس في (ج).
[10] ما بين قوسين ليس في (ج).
[ج 1 ص 163]

(1/1028)


[باب التوجه نحو القبلة حيث كان]
قوله: (اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ): (استقبل) وكذا (كبِّر): أمر بهما، فهما مجزومان، ولكن (استقبل) حُرِّك بالكسرة؛ طلبًا للخفَّة، وأصله السُّكون.
==========
[ج 1 ص 163]

(1/1029)


[حديث: كان رسول الله صلى نحو بيت المقدس ستة عشر]
399# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): تقدَّم أنَّه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عَمرو بن عَبْد الله [1] السَّبيعيُّ، تقدَّم الكلام على إسرائيل وعلى جدِّه الرَّاوي عنه هنا عَمرو بن عَبْد الله غير مرَّة فأغنى عن إعادتهما، والله أعلم.
قوله: (عَنِ البَرَاءِ): هو ابن عازب، الصَّحابيُّ الشَّهير، وأبوه عازب أسلم وصحب رضي الله عنهما، وإنَّما قيَّدته؛ لأنَّ في الصَّحابة سبعةً يقال لكلٍّ منهم: البَراء؛ هذا أحدهم، أوَّل مشاهد البراء بن عازب بن الحارث بن عديٍّ الأنصاريِّ الأوسيِّ هذا أحُد، وقيل: الخندق، وافتتح الرَّيَّ سنة (24 هـ) في قول أبي [2] عَمرو الشَّيبانيِّ، وشهد مع عليٍّ الجمل، وصفِّين، والنَّهروان، ونزل الكوفة، ورَوى الكثير، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند»، تُوفِّي بعد السَّبعين، وأمَّا عازب؛ فقال [3] الواقديُّ: لَمْ نسمع له بذكر في المغازي رَضِيَ اللهُ عنهما.
قوله: (سِتَّةَ عَشَرَ شهرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا): تقدَّم الاختلاف في المدَّة التي صلَّاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيت المقدس بعد المَقْدَم، وكيف كانت صلاته بمكَّة، في (كتاب الإيمان) في (باب الصَّلاة من الإيمان).
قوله: (فَصَلَّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رَجُلٌ): قال الدِّمياطيُّ: (واسمه عبَّاد بن نهيك) انتهى، وقد تقدَّم هذا بزيادة في الباب المشار إليه أعلاه.
قوله: (فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ): قال الدِّمياطيُّ: (زار النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّ [4] بشر بن البَراء بن معرور بن صخر بن خنساء، واسمها خُلَيدة بنت قيس بن ثابت بن خالد من [5] بني دُهمان، فقعد هو وأصحابه، وحانت الظُّهر، فصلَّى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظُّهر إلى الشَّام، ثُمَّ أمر أنْ يستقبل الكعبة، وهو راكع في الرَّكعة الثَّالثة، فاستدار إلى الكعبة، ودارت الصُّفوف خلفه، ثُمَّ أتمَّ الصَّلاة، فسُمِّي: مسجد القبلتين؛ لهذا، وكان البراء يصلِّي إلى الكعبة، وأوصى عند موته أنْ يوجَّه في قبره إلى الكعبة، ومات في صفر قبل قدوم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة بشهر، وكان البراء أحد النُّقباء وأوَّل من بايع ليلتئذٍ، وأوَّل من أوصى بثلث ماله، وأوَّل من توجَّه إلى الكعبة حيًّا وميتًا) انتهى.

(1/1030)


فقوله: [(إنَّ التَّحويل وقع في مسجد القبلتين)؛ فقد تقدَّم قوله: إنَّه وقع التَّحويل في مسجده.
قوله] [6]: (أوَّل من بايع ليلتئذٍ): هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال، ستأتي إن شاء الله تعالى وقدَّره في (وفود الأنصار وبيعة العقبة).
واعْلَم: أَنَّ بني النَّجَّار يزعمون أنَّ أبا أمامة أسعدَ بنَ زرارة كان أوَّل من ضَرَب على يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبنو عَبْد الأشهل يقولون: (بل أبو الهيثم [7] بن التَّيِّهان) انتهى، ويقال: بل البراء بن معرور، وفي «المستدرك في معرفة الصَّحابة» في (البراء بن معرور) عنِ ابن عبَّاس قال: (كان البراء بن معرور أوَّلَ من ضرب على يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في البيعة ليلة العقبة)؛ وذكر الحديث، قال الذَّهبيُّ في «تلخيصه»: (صحيح) انتهى، وفيه عنعنة ابن إسحاق، والله أعلم.
قوله: (فِي صَلَاةِ العَصْرِ): قال الدِّمياطيُّ: (وكذلك رواه «التِّرمذيُّ» من حديث: وكيع عن إسرائيل، وفيه: «فصلَّى رجل معه العصر، ثُمَّ مرَّ على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: وهو يشهد أنَّه صلَّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ... »؛ الحديث) انتهى، وقد تقدَّم الخلاف في أيِّ صلاة وقع التَّحويل في الباب المشار إليه أعلاه؛ فانظره.
==========
[1] زيد في النسخ: (أبي إسحاق)، ولعل الصواب حذفها.
[2] (أبي): مثبت من (ج).
[3] في النسخ: (قال)، ولعل المثبت هو الصواب.
[4] (أم): سقطت من (ب).
[5] في (ب): (بن)، وهو تحريفٌ.
[6] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[7] في (ج): (يقولون: مثل الهيثم).
[ج 1 ص 163]

(1/1031)


[حديث: كان رسول الله يصلي على راحلته حيث توجهت]
400# قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ): هذا هو ابن إبراهيم الأزديُّ الفراهيديُّ، تقدَّم، وتقدَّم الكلام أنَّه نُسِب إلى جدِّه: فُرهود، وأنَّ النِّسبة إليه: الفُرهوديُّ والفَراهيديُّ فيما مضى، فلا نعيده، والله أعلم.
[ج 1 ص 163]
قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامُ): هذا هو الدَّستوائيُّ، وهو ابن أبي عَبْد الله، أبو بكر، الحافظ، تقدَّم الكلام عليه، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه بالثَّاء المثلَّثة، وهذا ظاهر عند أهله، كاد أنْ يكون بديهيًّا.

(1/1032)


[حديث: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به]
401# قوله: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ): هذا هو ابن شيبة، وهو عثمان بن محمَّد بن إبراهيم أبي [1] شيبة بن عثمان بن خُواسْتَى، الحافظ، المشهور، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ له ترجمةً في «الميزان».
[تنبيه: تقدم أنَّ للبخاريِّ من المشايخ في «الصحيح» ثلاثةً كلٌّ منهم اسمه: عثمان؛ أحدهم: عثمان ابن أبي شيبة المتقدِّم، والثاني: عثمان بن صالح السَّهميُّ المصريُّ، والثالث: عثمان بن الهيثم مؤذِّن البصرة، والله أعلم] [2].
قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عَبْد الحميد الضَّبِّيُّ، القاضي، تقدَّم، وأنَّ له مصنَّفاتٍ.
قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): تقدَّم أنَّه ابن المعتمر، أبو عتَّاب السُّلميُّ، من أئمَّة الكوفة، وتقدَّم [3] بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): تقدَّم أنَّه ابن يزيد النَّخعيُّ، الفقيه الكوفيُّ [4]، ابن أخت الأسود، تقدَّم.
قوله: (عَنْ عَلقَمَةَ): هو ابن قيس أبو شبل، الفقيه، عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الله، وعنه: ابن أخيه [5] عَبْد الرَّحمن بن يزيد، وابن أخته [6] إبراهيم النَّخعيُّ، وسلمة بن كُهيل، وآخرون، [قال أبو معمر]: (قوموا بنا إلى أشبه النَّاس بعبد الله هديًا، ودلًّا، وسمتًا، فقمنا إلى علقمة)، تُوفِّي سنة (62 هـ) [7]، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به.
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ): هذا هو ابن مسعود، أبو عَبْد الرَّحمن الهذليُّ، حليف بني زُهرة، أحد السَّابقين الأوَّلين والبدريِّين، عنه: علقمة، والأسود، ومسروق، روى الحارث الأعور عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: (لو كنت مُؤمِّرًا أحدًا عن غير مشورة؛ لأمَّرتُ عليهم ابن أمِّ عبد)، أخرجه التِّرمذيُّ، رُوي: أنَّه خلَّف تسعين ألف دينار سوى الرَّقيق والماشية، مات بالمدينة لمَّا وفد سنة اثنتين وثلاثين، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، وهو مشهور التَّرجمة رضي الله عنه، وقد تقدَّم منسوبًا، فلهذا لم أترجمه، ولكن هنا لمَّا [8] ورد غير منسوب؛ احتجتُ أن أميِّزه وأذكر بعض ترجمته [9]، وفي الصَّحابة من اسمه عَبْد الله نحو خمس مئة.
قوله: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي أزَادَ أَوْ نَقَصَ؟): تقدَّم أعلاه أنَّه إبراهيم بن يزيد النَّخعيُّ.

(1/1033)


فائدة: قال شيخنا الشَّارح: هذه الصَّلاة روى الطَّبرانيُّ من حديث طلحة بن مصرِّف عن إبراهيم: (أنَّها العصر، فنهض في الرَّابعة ولم يجلس حتَّى صلَّى الخامسة)، ومن حديث شعبة عن حمَّاد عن إبراهيم: (أنَّها الظُّهر، وأنَّه صلاها خمسًا)، (فعلى كلِّ تقدير تعيَّن أنَّه زاد) [10].
قوله: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ؟): قال شيخنا الشَّارح: (الصَّحيح _كما قال الحميديُّ في «جمعه» _: أنَّه زاد) انتهى، وقد تقدَّم أعلاه أنَّه صلَّاها خمسًا.
قوله: (قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ الله): القائل له لا أعرفه بعينه، [ولعلَّه ذو اليدين الخرباق بن عمرو، والله أعلم] [11].
قوله: (فَثَنَى رِجْلَيْهِ): هو بتخفيف النُّون.
قوله: (أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ): (أَنْسَى)؛ بفتح الهمزة، وسين مخفَّفة، ومن قيَّده بضمِّ أوَّله وتشديد سينه؛ لم يُناسبِ التَّشبيه [12].
==========
[1] في (ج): (بن)، وهو تحريفٌ.
[2] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[3] في (ب): (وقد تقدم).
[4] في (ب): (الكوفي الفقيه).
[5] في (ب): (أخته)، وهو تصحيفٌ.
[6] في (ج): (أخيه)، وهو تصحيفٌ.
[7] في (ب): (92 هـ)، وليس بصحيحٍ.
[8] (لما): سقطت من (ج).
[9] في (ب): (الترجمة).
[10] ما بين قوسين سقط من (ج).
[11] ما بين معقوفين سقط من (ج)، وهذه الفقرة جاءت في (أ) و (ب) متأخِّرة بعد قوله: (لم يناسب التشبيه)، على أن الفقرتين اللاحقتين مستدركتان في (أ).
[12] في (ب): (النسبة).
[ج 1 ص 164]

(1/1034)


[باب ما جاء في القبلة ... ]
(باب مَا جَاءَ في القِبْلَةِ ... ) إلى آخر التبويب ... إلى (باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاة في المَقَابِرِ)
==========
[ج 1 ص 164]

(1/1035)


[حديث عمر: وافقت ربي في ثلاث]
402# قوله: (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ [1]): هذا هو ابن بشير، أبو معاوية، السُّلميُّ الواسطيُّ، حافظ بغداد، عن عمرو بن دينار وأبي الزُّبير، وعنه: أحمد، وابن مَعِين، وهنَّاد، [تقدَّم] أنَّه ثقة مدلِّس، عاش ثمانين سنة، تُوفِّي في سنة (183 هـ)، أخرج له الجماعة، وليس في الكتب السِّتَّة راوٍ اسمه هُشَيم سواه، له ترجمة في «الميزان».
قوله [2]: (عن حُمَيْدٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه حميد الطَّويل، وهو ابن تير، ويقال: تيرويه، تقدَّم بعض ترجمته قريبًا وبعيدًا مرارًا.

(1/1036)


قوله: (وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ)، فذكر المقام، وآية الحجاب، و {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [التحريم: 5]، وفي «مسلم» وافقه في أسارى بدر [3] بدل التَّخيير، وهي رابعة، وفيهما منع الصَّلاة على المنافقين، وهي خامسة، وفي «مسند أبي داود الطَّيالسيِّ»: عن أنس [4] قال عمر: وافقت ربِّي في أربع ... ؛ فذكر ما في «البخاريِّ»، قال: ونزلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ... } إلى قوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 12 - 14]، فقلت أنا: تبارك [5] الله أحسن الخالقين، فنزلت كذلك، وهي سادسة، وجاءت [6] موافقته أيضًا في تحريم الخمر، وهي سابعة، وفي شأن عائشة رضي الله عنها لمَّا قال لها أهل الإفك ما قالوا، فقال: يا رسول الله من زوَّجكها؟ قال: «الله»، قال: أفتظنُّ أنَّ ربَّك دلَّس عليك فيها، سبحانك هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ! فأنزل الله ذلك، ذكره المحبُّ الطَّبريُّ في «أحكامه»، ورُوِي: أنَّ قائل ذلك رجل من الأنصار، وهو أبو أيُّوب الأنصاريُّ، وسيأتي في (التَّوحيد) طرف من حديث الإفك، وفيه: (وقَالَ رَجُل مِن الأَنْصَار: سُبْحَانَك مَا يَكُون لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا! سُبْحَانَك هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ!)، وذكر القاضي أبو بكر بن العربيِّ إحدى ما تقدَّم، وقال: هي إحدى التَّسع التي وافق ربَّه فيها، وذكر أنَّه فسَّرها في «شرح النَّيِّرين»، وقال مرَّة: قد بيَّنا أنَّه وافق ربَّه تلاوةً ومعنًى في أحد عشر موضعًا، ويشهد لما قاله ابن العربيِّ ما رواه التِّرمذيُّ مصحَّحًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فيه وَقَالَ فيه عُمَرُ؛ إِلَّا نَزَلَ [7] فيه القُرْآنُ على نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ)، واعْلَم: أَنَّ هذا ملخَّصٌ من كلام شيخنا، [وفيه بعض شيء ليس منه] [8]، وموقوف ابن عمر قال فيه [9] التِّرمذيُّ: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه) انتهى.
[وفي «الرِّياض النَّضرة في مناقب العشرة» _وقد أُخبِرت أنَّه للشيخ الحافظ محبِّ الدين الطَّبريِّ_ عدد موافقات عمر سبعةَ عشرَ، فذكرها مَعزوَّة [10] كلُّ واحدة لمن [11] ذكرها في «مصنَّفه»، ثمَّ قال ما لفظه: فتحصَّلنا في الموافقات لما أنزل الله على خمسة عشر؛ تسع لفظيَّات، وأربع معنويَّات، واثنتين في التَّوراة، انتهى، فإن أردت لفظه بتعدُّدها؛ فانظر كتاب «الرياض النضرة» المشار إليه، والله أعلم.

(1/1037)


وفي «أحكام المحبِّ الطَّبريِّ»: (وقد ورد لعمر موافقاتٌ؛ منها: قوله للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنْ كنت طلَّقت نساءك؛ فإنَّ الله هو معك، وجبريل، وأنا، وأبو بكر، وصالح المؤمنين، فأنزل الله عليه [12]: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، ومنها: موافقته في قوله: والله لا يغفر الله لهم سواء أستغفرت لهم أم [13] لَمْ تستغفر [14]، وعنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا أُنزِل عليه: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مرَّة فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ}؛ فقال: لأزيدنَّ على السَّبعين، وأخذ في الاستغفار، فقال عُمر: يا رسول الله؛ والله لا يغفر الله لهم سواء أستغفرت لهم أو لَمْ تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم، أخرجه الفضائليُّ) انتهى] [15]
وقد رأيت أنا بالقاهرة كرَّاسة جَمَع فيها جامعُها _وهو شخص من الجند من خدَّام بعض العلماء_ ما ذكره القرطبيُّ في «تفسيره» مفرَّقًا [16] أنَّ عمر وافق ربَّه فيه، وأظنُّه زاد على الثَّلاثين.
فإن قلت: قد أسلفت أنَّه وافق ربَّه في أكثر من ثلاث، فما الجمع بينه وبين حديث: «وافقت ربِّي في ثلاث»؟
والجواب: أنَّه يجوز أنْ يكون قد [17] أَخْبَر بذلك قبل وقوع غيرها؛ لأنَّ الرَّاوي عنه صحابيٌّ، ويجوز أنْ يكون قالها والرَّاوي اختصر فروى ثلاثة، واختصار الحديث جائز إذا كان الذي اختصر عالمًا، وأنْ يكون منفصلًا عمَّا ذكره _أعني: ألَّا يكون المحذوف استثناءً ولا قيدًا_ وليس في كلام عمر ذكر الثَّلاث، ويحتمل أنَّ قوله: (وَافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ)، ليس فيه نفي ألَّا يكون وافقه في غيرها أو [18] أنَّ الثَّلاث أعظمها، والله أعلم.
قوله: (في الغَيْرَةِ): هي بفتح الغين، المصدر من قولك: غار الرَّجل على أهله يغار غيرًا وغيرةً وغارًا.

(1/1038)


قوله: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ): كذا في نسخة هي في هامش أصلنا، وعليها علامة رواتها، وفي الأصل: (وحَدَّثَنَا ابن أبي مريم)، وفي أصلنا الدِّمشقيِّ: (حَدَّثَنَا ابن أبي مريم)، وقد تقدَّم أنَّه سعيد بن أبي مريم الحكمِ، في الورقة التي قبل هذه، وأنَّه شيخه، فإن كان الصَّحيح: (حَدَّثَنَا ابن أبي مريم) كما في الأصل وعليه (صح)؛ فهذا لا كلام فيه، وإنْ كان كما في الهامش: (وقال ابن أبي مريم)؛ فقد تقدَّم أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة، وقد تقدَّم الكلام فيما قال الرَّاوي: (قال فلان)، وفلان المعزوُّ إليه القولُ شيخُه: أنَّه محمول على السَّماع بشرط ألَّا يكون قائلُ: (قال فلان) مدلِّسًا، والبخاريُّ سالم من التَّدليس، خلافًا لابن منده، كما تقدَّم، فيكون محمولًا على السَّماع، ويكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة، والله أعلم، والمِزِّيُّ لمَّا طرَّفه؛ قال: (وقال ابن أبي مريم ... )؛ فذكره، وهذا يدلُّ لما في الهامش وفي أصلنا الدِّمشقيِّ.
وهذا التَّعليق ذكره البخاريُّ عقيب حديث أنسٍ عن عُمر: (وافقت ربِّي في ثلاث)، أخرجه البخاريُّ في (الصَّلاة) هنا، وفي (التَّفسير) في (البقرة)، قال شيخنا _ ولفظه_: وكذا ذكره _يعني: تعليقًا [19]_ خلفٌ في «أطرافه»، والإِسْمَاعِيليُّ وأبو نعيم في «مستخرجيهما»، قال شيخنا: وهو الظَّاهر؛ لأنَّ يحيى لَمْ يحتجَّ به البخاريُّ، ونسبه أحمد إلى سوء الحفظ، وإنَّما ذكره استشهادًا ومتابعةً، وسيجيء بقيَّة كلام شيخنا قريبًا [20].
وفائدة هذا التَّعليق صورةً المحمولُ على السَّماع: أنَّ هشيمًا
[ج 1 ص 164]
مدلِّسٌ، وقد عنعن في السَّند الأوَّل عن حميد، ويحيى بن أيُّوب في السَّند الثَّاني صرَّح بالتَّحديث.
وفائدة ثانية: وهي أنَّ حميدًا مدلِّس أيضًا، وقد قال شعبة: إنَّه لم يسمع من أنس إلَّا أربعة وعشرين حديثًا، والباقي سمعه من ثابت، أو ثبَّته فيها ثابت، فجاء بما علَّقه صورة عنِ ابن أبي مريم؛ لأنَّ فيه تصريحَ حميد بالسَّماع من أنس، والله أعلم.

(1/1039)


وأمَّا (يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) هذا؛ فهو الغافقيُّ، ومَنْ اسمه (يحيى بن أيُّوب) في السِّتَّة أو بعضها؛ هذا الغافقيُّ وهو المراد هنا، ويحيى بن أيُّوب أبو زكريا المصريُّ، أخرج له النَّسائيُّ فقط، ويحيى [21] بن أيُّوب بن أبي زرعة [22] بن عمرو بن جرير البجليُّ [23] علَّق له البخاريُّ في أول كتاب «الأدب»، وأخرج له أبو داود والتِّرمذيُّ، ويحيى بن أيُّوب المقابريُّ، أخرج له مُسْلِم وأبو داود، (وقد تقدَّم ذلك قريبًا مختصرًا) [24]، فأمَّا المراد هنا؛ فيحيى بن أيُّوب الغافقيُّ، أبو العبَّاس المصريُّ، مولى بني أميَّة، وأحد علماء مصر، فقال أحمد: سيِّئ الحفظ، وهو دون حيوة [25]، وقال ابن مَعِين مرَّة: ثقة، ومرَّة: صالح، وقال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق، ولا يُحتجُّ به، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، وله ترجمة في «الميزان»، وقد عُلِّم عليه في «التَّذهيب»، و «الكاشف»، و «الميزان»: (ع)؛ يعني: أنَّ أصحاب السِّتَّة _وهم الجماعة_ أخرجوا له.
وقد تقدَّم هل قال فيه: (حَدَّثَنَا) أو قال: (قال ابن أبي مريم)، وقد تقدَّم أنَّه كذلك تعليقًا في (التَّفسير)، قال شيخنا الشَّارح _كما تقدَّم_: وهو الظَّاهر؛ لأنَّ يحيى لَمْ يحتجَّ به البخاريُّ، ونسبه أحمد إلى سوء الحفظ، وإنَّما ذكره؛ استشهادًا ومتابعةً، وإنْ وقع في كلام ابن طاهر أنَّه أخرج له مع مسلم؛ فقد ذكره في «أفراد مسلم»، وأغرب صاحب «الكمال» فقال: (روى له الجماعة إلَّا مسلمًا)، وقال في «التَّهذيب»: (روى له الجماعة)، وأطلق، (وكذلك «التَّذهيب» و «الكاشف» و «الميزان»، والله أعلم) [26]، قال الغسَّانيُّ: يحيى بن أيُّوب، ويحيى بن أيُّوب، ويحيى بن أيُّوب ثلاثة رجال _[ولم يذكر الرَّابع؛ لأنَّه لا يلزمه؛ لأنَّه إنَّما يتكلَّم على «البخاريِّ» و «مسلم» فقط] [27]_؛ فالأوَّل منهم: الجريريُّ، فهذا ذكره البخاريُّ مستشهدًا به في أوَّل «الأدب»، والثَّاني: أبو العبَّاس المصريُّ، أسند عنه مُسْلِم، وعلَّق له البخاريُّ، والثَّالث: المقابريُّ، شيخ مُسْلِم، تفرَّد به [28]، انتهى ملخَّصًا.
==========
[1] في (ب): (هشام)، وهو تحريفٌ.
[2] (قوله): سقطت من (ب).
[3] (بدر): سقطت من (ج).
[4] (عن أنس): ليس في (ب).
[5] كتب في هامش (أ) و (ج): (التلاوة: {فتبارك}).
[6] في (ب): (وكان).
[7] في (ج): (ونزل).
[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[9] في (ب): (عنه).

(1/1040)


[10] في (ب): (مفردة).
[11] في (ب): (عمن).
[12] (عليه): ليس في (ب).
[13] في (ب): (أو).
[14] زيد في (ب): (لهم).
[15] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[16] في (ج): (موقوفًا)، وهو تحريفٌ.
[17] في (ج): (يجوز أنَّه قد).
[18] في (ج): (و).
[19] (يعني: تعليقًا): ليس في (ب).
[20] في هامش (أ): (حاشية: يُقرأ بعد «لِما» التخريجة التي أوَّلها: «قال شيخنا»، ويُقرأُ بعدُ قوله: «في الهامش وفي أصلنا الدمشقيِّ»، ويُقرأ بعده: «وهذا التعليق ذكره البخاريُّ ... » إلى آخر التخريجة، وبعدها: «وفائدة هذا التعليق»، والله أعلم)، ولعلَّ المثبت الموافق لما في (ب) و (ج) هو الصَّواب.
[21] في (ب): (وهو يحيى).
[22] (بن أيوب بن أبي زرعة): سقط من (ب).
[23] في (ب): (العجلي)، وهو تحريفٌ.
[24] ما بين قوسين ليس في (ج).
[25] في (ب): (حي)، وفي (ج): (حيية)، وكلاهما تحريفٌ.
[26] ما بين قوسين سقط من (ب).
[27] ما بين قوسين جاء في (ب) و (ج) بعد قوله: (انتهى ملخصًا).
[28] في (ب): (رواية) بدل (تفرد به).

(1/1041)


[حديث: بينا الناس بقباء في صلاة ... ]
403# قوله: (بِقُبَاءٍ): تقدَّم أنَّ (قُبَاء) مذكَّر منوَّن مصروف، هذه اللُّغة الفصيحة المشهورة، وحكى صاحب «المطالع» فيه لغة أخرى؛ وهي القصر، عنِ الخليل، وأخرى: وهي التَّأنيث وترك الصَّرف، والمختار ما تقدَّم، وهو على ثلاثة أميال من المدينة المشرَّفة.
قوله: (فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ): قال الدِّمياطيُّ: (كذلك رواه مُسْلِم والنَّسائيُّ من حديث مالك عنِ ابن دينار، وكذلك رواه مُسْلِم من حديث حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أنَّها صلاة الصُّبح، فيُقدَّم على حديث البراء الذي فيه أنَّها العصر) انتهى، وقد تقدَّم في أيِّ صلاة كان التَّحويل في (بابٌ: الصَّلاة من الإيمان).
قوله: (إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ): تقدَّم الخلاف فيه في الباب المشار إليه أعلاه، وقد تعقَّب ذلك ابن شيخنا البلقينيِّ فقال: (وهذا فيه نظر؛ لأنَّ ذلك هو الآتي في العصر بمسجد بني سلمة، فيحتاج إلى دليل) انتهى.
قوله: (قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ): (أُنزِل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (قرآنٌ): قائم مقام الفاعل.
قوله: (وَقَدْ أُمِرَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (فَاسْتَقْبَلُوهَا [1]): قال ابن قُرقُول: (بفتح الموحَّدة لغير يحيى، كذا أصلحه ابن وضَّاح، وكذلك رواه غير الأصيليِّ في «البخاريِّ» من سائر رواته، وكذلك قيَّدناه عن أبي بحر عنِ العذريِّ في «مسلم»، وبالكسر على الأمر رُوِّيناه عن يحيى، وعن الأصيليِّ في «البخاريِّ»، وعن غير أبي بحر) انتهى.
وقال النوويُّ: (إنَّ الكسر أصحُّ وأشهر، وهذا الذي يقتضيه تمام الكلام بعده).
==========
[1] في هامش (ق): (حاشية: (فاستقبلولها)؛ بفتح الباء في «البخاريِّ» من سائر رواياته غير الأصيليِّ، فإنَّه رواه بكسرها).
[ج 1 ص 165]

(1/1042)


[حديث: صلى النبي الظهر خمسًا فقالوا: أزيد في الصلاة؟]
404# قوله: (عَنْ يَحْيَى): الظَّاهر أنَّ هذا هو [1] يحيى بن سعيد القطَّان، الإمام في الحديث، فإنْ كان هو؛ فقد تقدَّم بعض الشَّيء من ترجمته.
قوله: (عَن الحَكَمِ): هو ابن عتيبة الإمام، تقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم وَهم البخاريِّ فيه.
قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): تقدَّم قريبًا أنَّه النَّخعيُّ.
قوله: (عَنْ عَلقَمَةَ): تقدَّم قريبًا أنَّه ابن قيس، أبو شبل، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عن عَبْدِ الله): تقدَّم قريبًا أنَّه ابن مسعود رضي الله عنه، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (فَثَنَى رِجْلَيْهِ): (ثَنَى) [2]؛ بتخفيف النُّون، وهذا ظاهر [3]، وقد تقدَّم بمقلوبها.
==========
[1] (هو): ليس في (ب).
[2] (ثنى): ليس في (ب).
[3] زيد في (ج): (جدًّا).
[ج 1 ص 165]

(1/1043)


[باب حك البزاق باليد من المسجد]
قوله: (بَابُ حَكِّ البُزَاقِ): تقدَّم أنَّ (البزاق) فيه لغات ثلاث: بالزاي، والصَّاد، والسِّين.
==========
[ج 1 ص 165]

(1/1044)


[حديث: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه]
405# قوله: (عن حُمَيْدٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الطَّويل حميد بن تير، وقيل: تيرويه، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (رَأَى نُخَامَةً): هي بضمِّ النُّون: من الصَّدر؛ وهو البلغم اللَّزج، وقد تقدَّم أنَّ النُّخاعة والنُّخامة شيء واحد عند ابن الأنباريِّ، وأنَّ منهم من قال: النُّخاعة من الصَّدر، والنُّخامة من الرَّأس.
[قوله: (فِيْ القِبْلَةِ [1]): اعْلَم أنِّي رأيت في «تاريخ المدينة المشرَّفة» للمطريِّ: أنَّ المسجد الذي رأى فيه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النُّخامة في قبلته؛ قال: وهذا المسجد بعيد عن مسجد الفتح من جهة الغرب على رابية في شفير وادي العقيق وحوله خراب عتيق على الحرَّة، يُعرَف موضعه بالقاع، وحوله آبار ومزارع تُعرَف بالعرض في قبلة مزارع الجرف المعروفة [2]، والمسجد المذكور في قرية بني [3] سلِمة، ويقال: خَرِبا، ثُمَّ قال: قلت: وفي هذا المسجد وهو مسجد بني حرام من بني سلِمة رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النُّخامة، فحكَّها بعُرجون كان في يده، ثُمَّ دعا بخلوق، فجعله على رأس العرجون، ثُمَّ جعله على موضع النُّخامة، فكان أوَّل مسجد خُلِّق، انتهى] [4]
قوله: (رئِيَ): هو بضمِّ الرَّاء، ويجوز كسرها، وهما نسختان في أصلنا وفي الهامش، الأولى في الأصل، والثَّانية في الهامش.
قوله: (عن يَسَارِهِ): تقدَّم أنَّها بفتح الياء وتكسر، وهذا في غير المسجد، أمَّا فيه؛ فلا يبزقنَّ إلَّا في ثوبه، كذا قاله النَّوويُّ، وساق الأحاديث الدَّالة على أنَّه فيه.

(1/1045)


[حديث: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه]
406# قوله: (فَإِنَّ الله قِبَلَ وَجْهِهِ): (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: قبالة؛ ومعناه: أنَّ الجهة التي عظَّمها الله قبل وجهه، وقيل: قِبَلَه اللهُ، وقيل: ثوابه، ونحو هذا، فلا تُقابَل الجهةُ بالبصاق الذي هو الاستخفاف [1] بمَنْ يبزق إليه، وإهانتُه، وتحقيرُه.
==========
[1] في (ج): (الاستحياء و).
[ج 1 ص 165]

(1/1046)


[باب حك المخاط بالحصى من المسجد]
قوله: (إِنْ وَطِئْتَ): هو بكسر الطَّاء، ثُمَّ همزة ساكنة، والتَّاء مفتوحة للخطاب.
==========
[ج 1 ص 165]

(1/1047)


[حديث: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه]
408# 409# قوله: (أخبرنا ابْنُ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.
قوله: (عن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ): (حميد بن عَبْد الرَّحمن): هو ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف الزُّهْرِيُّ، أمُّه أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، روى عن أبويه، وعمر، وأبي هريرة، وعنه: ابنه عَبْد الرَّحمن، والزُّهْرِيُّ، وقتادة، تُوفِّي سنة خمس وتسعين، روى له الجماعة.
واعلم أنَّ كلَّ مكان من هذا «الصَّحيح» فيه: حميد بن عَبْد الرَّحمن؛ فهو هذا، وقد روى أحاديث في «البخاريِّ»، و «مسلم»، وغيرهما، وأنَّ حميد بن عَبْد الرَّحمن الحِمْيَرِيَّ البصريَّ الذي يروي عن أبي هريرة وأبي بكرة، وعنه: أبو بشر وأبو التَّيَّاح، قال ابن سيرين: هو أفقه أهل البصرة؛ ليس له شيء في «البخاريِّ» عن أبي هريرة، بل ولا في الكتب السِّتَّة عن أبي سعيد، وإنَّمَا روى له مُسْلِم عن أبي هريرة حديثًا واحدًا: «أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللَّيل»، وهو في «مسلم»، و «أبو داود» و «النَّسائيِّ»، و «ابن ماجه»، و «التِّرمذيِّ»، وهذا ليس في «البخاريِّ»، فحميد بن عَبْد الرَّحمن الحميري ليس له في «البخاريِّ» شيء عن أبي هريرة، إنَّمَا [1] الذي له عن أبي هريرة في «البخاريِّ» حميد بن عَبْد الرَّحمن بن عوف الزُّهْرِيُّ؛ فاعلمه.
قوله: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ): (أَبَو هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا، وتقدَّم أنَّ (أَبَا سَعِيدٍ) هو سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ؛ بالدَّال المهملة، صحابيَّان مشهوران رضي الله عنهما.
قوله: (رَأَى نُخَامَةً): تقدَّم أعلاه ما النُّخامة، وما النُّخاعة.
قوله: (قِبَلَ وَجْهِهِ): بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: قبالة، وقد تقدَّم.
[ج 1 ص 165]
قوله: (أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى): تقدَّم قريبًا ما قاله النَّوويُّ رحمه الله.
==========
[1] في (ج): (وإنَّما).

(1/1048)


[باب: لا يبصق عن يمينه في الصلاة]

(1/1049)


[حديث: لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه]
412# قوله: (لَا يَتْفِلَنَّ [1]): هو بكسر الفاء وضمِّها.
==========
[1] في هامش (ق): (حاشية: قال الجوهري في «صحاحه»: قال: يتفِل ويتفل ضبطه بالضم).
[ج 1 ص 166]

(1/1050)


[باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى]

(1/1051)


[حديث: أن النبي أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة]
414# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): تقدَّم مرارًا أنَّه عليُّ بن عَبْد الله بن جعفر بن نجيح ابن المَدينيِّ، الحافظ الإمام.
قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هو ابن عيينة، الإمام المشهور، تقدَّم شي من ترجمته.
قوله: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن شهاب محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.
قوله: (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): تقدَّم قريبًا جدًّا أنَّ هذا الزُّهْرِيُّ، وأنَّه ليس في الكتب السِّتَّة حميد بن عَبْد الرَّحمن الحِمْيريُّ عن أبي سعيد.
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): تقدَّم قبيله أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ، الصَّحابيُّ الشَّهير، رضي الله عنه.
قوله: (وَعن الزُّهْرِيِّ: سَمِعَ حُمَيْدًا عن أَبِي سَعِيدٍ نَحْوَهُ): الذي ظهر أنَّ هذا رواه البخاريُّ أيضًا بالسَّند الذي قبله [1]: (عليٌّ عن سفيان به)، وليس تعليقًا؛ لأنَّه لو كان تعليقًا؛ لقال: (وقال الزُّهريُّ)، ثمَّ إنِّي راجعت «أطراف المزِّيِّ»؛ فرأيته قال: البخاريُّ في (الصلاة): عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، وعن عليِّ بن عبد الله ... ؛ يعني: هذه الطريق التي نحن فيها عن سفيان ابن عيينة، وعن يحيى ابن بكير، عنِ الليث، عن عقيل؛ ثلاثتهم عنِ الزُّهريِّ عنه؛ يعني: عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سعيد وأبي هريرة، ولم يذكر سفيانُ أبا هريرة، انتهى، ومراده هذه الطريق التي نحن فيها، فإنَّ فيها: عليًّا عن سفيان، وأخرجه مسلم في (الصلاة): عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وعمرو النَّاقد؛ ثلاثتهم عن سفيان به، وأخرجه النَّسائيُّ فيها: عن قتيبة عن سفيان به.
وفائدة هذا: أنَّ الزُّهْرِيَّ مدلِّسٌ، وقد عنعن في الأوَّل عن حميد، وإنْ قبل الأئمَّة قوله: (عن) [2] مطلقًا، فأتى بهذا؛ لأنَّه صرَّح فيه بالتَّحديث من حميد، والله أعلم.
==========
[1] (بالسند الذي قبله): سقط من (ب).
[2] (عن): ليست سقطت من (ب).
[ج 1 ص 166]

(1/1052)


[باب دفن النخامة في المسجد]

(1/1053)


[حديث: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه]
416# قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الميم، وإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ هَمَّامٍ): هو همام بن مُنبِّه _بكسر الباء الموحَّدة المشدَّدة [1]، اسم فاعل_ ابن كامل اليماني الأبناويُّ الصَّنعانيُّ، عن أبي هريرة ومعاوية، وعنه: ابن أخيه عَقِيل بن معقل ومَعْمَر، تُوفِّي سنة (132 هـ)، صدوق، أخرج له الجماعة.
قوله: (سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة): تقدَّم مرارًا كثيرةً أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا): رأيت في كلام المنذريِّ على «أبي داود»: (الحكمة أنَّه ذكر الملَك عنِ اليمين، ولم يذكر أنَّ ملَكًا على الشَّمال؛ لأنَّه في حالة الصَّلاة ليس ثَمَّ ما [2] يكتب ملك الشَّمال [3]) انتهى، وقال شيخنا المؤلف: بيَّن فيه علَّة ذلك؛ وهو إكرام [4] الملك وتنزيهُه؛ لا يقال: إنَّ مفهومه أنَّه ليس على يساره مَلَك، انتهى.
قوله: (فَيَدْفِنَهَا): هو بنصب (يدفنَ)؛ لأنَّه جواب الأمر، وكان قبل هذه السَّاعة مرفوعًا في أصلنا بالقلم، وهو جائز، ثُمَّ أُصلِح على النَّصب.
==========
[1] في (ج): (والمشددة).
[2] في (ج): (ملك).
[3] في (ج): (اليمين).
[4] في (ج): (إلزام).
[ج 1 ص 166]

(1/1054)


[باب: إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه]
قوله: (إِذَا بَدَرَهُ البُزَاقُ): اعلم أنَّ بعض العلماء قد واخذه بأنْ قال: («بَدَرَ» إنَّمَا يتعدَّى بـ «إلى»، يقال: بدر إلى كذا، وبادر به، ولا يقال: بدر به، وأجيب عنه: بأنَّ هذا يُستعمَل في باب المغالبة؛ لأنَّه يقال: بادرت البصاق؛ فبدرني؛ أي: سبقني وغلبني) انتهى [1]
==========
[1] هذه الفقرة جاءت في (أ) مستدركة بعد فقرة قوله: (حدثنا زهير ... ).
[ج 1 ص 166]

(1/1055)


[حديث: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه]
417# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا هو ابن معاوية الجعفيُّ أبو خيثمة، الكوفيُّ، تقدَّم شيء من ترجمته.
قوله: (حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ): تقدَّم مرارًا أنَّه الطَّويل، ابن تير، ويقال: تيرويه، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (وَرُئِيَ): هو بضمِّ الرَّاء، ثُمَّ همزة مكسورة، وفي نسخة: «رِيْءَ»؛ بكسر الرَّاء، ثُمَّ همزة مفتوحة، وقد تقدَّم.
قوله: (كَرَاهِيَةٌ): الكراهِيَة: بتخفيف الياء معروفة، وحكى أبو زيد: (كراهي).
قوله: (عَنْ يَسَارِهِ): تقدَّم كلام النَّوويِّ فيه قبله بقليل.
==========
[ج 1 ص 166]

(1/1056)


[باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة]
قوله: (وَذِكْرِ القِبْلَةِ): هو بالجرِّ معطوف على (عظة).

(1/1057)


[حديث: هل ترون قبلتي هاهنا؟! فوالله ما يخفى علي .. ]
418# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تقدَّم مرارًا أنّه بالنُّون وأنَّ اسمه عَبْد الله بن ذكوان، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن هرمز، المشهور.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (خُشُوعُكُمْ): سيأتي الكلام على الخشوع في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: (مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي): اعلم أنَّه من خصائصه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه ينظر من وراء ظهره كما ينظر أمامه، وقال النوويُّ في «شرح مسلم» في (باب الأمر بتحسين الصَّلاة): (قَالَ العُلَمَاء: إنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ لَهُ إِدْرَاكًا في قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَد انْخَرَقَتِ العَادَةُ لَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم بِأَكْثَر مِنْ هذا، وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هذا عَقْل وَلَا شَرْع، بَل وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ، فَوَجَبَ القَوْل بِهِ، قَالَ القَاضِي عياض: قَالَ أحمد ابن حنبل وَجُمْهُور العُلَمَاء: هَذِهِ الرُّؤْيَة رُؤْيَة بِالعَيْنِ حَقِيقَة) انتهى، وفي «مُسْلِم»: «إنِّي لأبصر من ورائي كما أبصر [1] من بين يديَّ»، وعن «الشَّامل»: أنَّ معناه: الحسُّ والتَّحفُّظ، قال شيخنا الشَّارح في «الخصائص»: ومن الغريب المستفاد ما ذكره الزَّاهديُّ [2]_مختار بن محمود الحنفيُّ، شارح «القدوري» ومصنِّف «القنية» _ في «رسالته النَّاصريَّة»: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان بين كتفيه عينان مثل سَمِّ الخياط، فكان يُبصِر بهما، ولا تحجبهما الثِّياب) انتهى.
فائدة شاردة: ذكر في هذه الرِّسالة [3] أيضًا أنَّ من معجزاته صلَّى الله عليه وسلَّم إنباتَ النَّخلة في سنام البعير وإدراكَ ثمرها في الحال، ثُمَّ يناولها [4] الحاضرين، فمن عَلِم الله أنَّه [5] يؤمن؛ كانت التَّمرة في فمه حلوة، ومن عَلِم الله [6] أنَّه لا يؤمن؛ عاد حجرًا في فمه، انتهى.

(1/1058)


تنبيه: ذكر القاضي في «الشِّفا» أنَّ سائر الأنبياء كذلك؛ يعني: رؤيتهم من ورائهم كما ينظرون أمامهم، وذكر قصَّة كلام الله لموسى أنَّه بعد الكلام كان [7] يرى النَّملة السَّوداء في اللَّيل على الصَّفا من مسيرة عشرة فراسخ، قال: وهذا ينبغي أن يكون بعد الإسراء، انتهى، (يعني: في رؤيته عليه الصَّلاة والسَّلام من ورائه كما ينظر [8] أمامه) [9].

(1/1059)


[حديث: إني لأراكم من ورائي كما أراكم]
419# قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الفاء، وفتح اللَّام، وهذا ظاهر.
قوله: (ثُمَّ رَقِيَ المِنْبَرَ): هو بكسر القاف وفتحها، قال في «المطالع»: (رقي: بكسر القاف وفتحها في المستقبل، وضبطناه عنِ ابن عتَّاب وابن حمدين: (فرقَى)، وكلاهما مقولان، والأوَّل أفصح، والهمز مع فتح القاف لغة طيِّئ) انتهى، وقد تقدَّم.
==========
[ج 1 ص 166]

(1/1060)


[باب هل يقال: مسجد بنى فلان؟]

(1/1061)


[حديث: أن رسول الله سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء]
420# قوله: (سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ): هو بضمِّ الهمزة، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، يقال: ضمَّرتُ الفرسَ وأضمرتُّه [1]؛ وهو الذي يُسمَّن أوَّلًا [2]، ثُمَّ يُقصَر بعد ذلك على قُوْتِه، ويُحبَس في بيت، ويُعرَّق؛ ليصلبَ لحمُه، ويذهب رهلُه ورخاوتُه، وفي «الصِّحاح»: (وتضمير الفرس [3]: أنْ تعلفه [4] حتَّى يسمن، ثُمَّ تردَّه [5] إلى القُوْت وذلك في أربعين يومًا، وهذه المدَّة تسمَّى: المضمار، والموضع الذي يُضمَر فيه الخيلُ أيضًا: مضمار).
[تنبيه: سابق النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام بين الخيل في السَّنة الخامسة من الهجرة، قاله [6] أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»، وسيأتي أيضًا] [7].
قوله: (مِن الحَفْيَاءِ): هي بفتح الحاء المهملة، ثُمَّ فاء ساكنة، ثُمَّ مثنَّاة تحت، ممدود ومقصور، قال الدِّمياطيُّ: (الحفياء: يُمَدُّ ويُقصَر،
[ج 1 ص 166]
قال البخاريُّ: قَالَ سُفْيَانُ [8]: بَيْنَ الحَفْيَاءِ إلى الثَّنِيَّةِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وقال ابن عقبة: ستَّةٌ أو سبعةٌ) انتهى، وما قاله الدِّمياطيُّ هو في «المطالع» بزيادةٍ؛ وهي: (ضبطه بعضهم: بضمِّ الحاء والقصر، وهو خطأ) انتهى.
قوله: (مِن الثَّنِيَّةِ إلى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ): المراد بـ (الثَّنيَّة): ثنيَّة الوداع المذكورة قبله، وبين الثَّنية ومسجد بني زريق ميلٌ، و (زُرَيق)؛ بتقديم الزَّاي المضمومة على الرَّاء المفتوحة، وزُرَيق هذا في نسب الأنصار، وهو زريق بن عبيد بن حارثة بن مالك بن غضب بن جُشَم بن الخزرج، وكلُّ شيء في نسب الأنصار؛ فهو بتقديم الزاي على الرَّاء.
قوله: (الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ): هو بإسكان الضَّاد المعجمة وإنْ كان يجوز فيه: ضمَّرته [9]، إلَّا أنَّ الرَّاوي استعمل هنا: أضمر، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (وأطمرته).
[2] كتب فوقها في (أ): (لعله).
[3] زيد في (ب): (وأضمرته وهو الذي).
[4] (أن): ليس في (ب)، وفي (ب): (يعلفه).
[5] في (ب): (رده).
[6] في (ب): (قال).
[7] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[8] في (ج): (شعبان)، وهو تحريف.
[9] في (ج): (ضمَّره).

(1/1062)


[باب القسمة وتعليق القنو في المسجد]
قوله: (وَتَعْلِيقِ القِنْوِ)، وكذا قوله: (القِنْوُ العِذْقُ): (القِنْو)؛ بكسر القاف، وحُكِي: ضمُّها، وإسكان النُّون، وبالواو، و (العِذق)؛ بكسر العين: الكِباسة _بكسر الكاف، وبالموحَّدة_؛ وهو العُرجون، وهو من التَّمر بمنزلة العنقود من العنب.
فائدة: لم يذكر البخاريُّ في الحديث الذي ذكره (القِنْو) الذي بوَّب عليه، قال بعضهم: أُنسيه، وقال بعضهم: أغفله، ثُمَّ قال: وتعليق (القِنْو) في المسجد أمر مشهور، وقد يقال: أخذه من وضع المال في المسجد بجامع أنَّ كلًّا منهما وُضِع؛ للأخذ، وقد ذكر ابن قتيبة: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج فرأى أقناءً مُعلَّقةً في المسجد، ومن عادة البخاريِّ الإحالةُ على أصل الحديث، وذكر ثابت في «غريبه» أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أمر من كلِّ حائط بقِنْو يُعلَّق في المسجد؛ ليأكل منه مَنْ لا شيء له، قال: وكان عليها على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم معاذ بن جبل، انتهى.
والظَّاهر: أنَّه إنَّما أشار البخاريُّ إلى ما رواه أبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه من حديث عوف بن مالك الأشجعيِّ قال: (خَرَجَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وَبِيَدِهِ عَصًا، وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ قِنْوَ حَشَفٍ' فَجَعَلَ يَطْعن في ذَلِكَ القِنْوِ، وقَالَ: «لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ؛ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْ هذا، إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ حَشَفًا يَوْمَ القِيَامَةِ»).
قوله: (وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ): هو بكسر القاف [1]: تثنية (قِنْو) كما قال.
قوله: (وَالجَمَاعَةُ [2]: قِنْوَانٌ؛ مِثْلَ: صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ): (قِنْوَانٌ): مرفوع منوَّن، و (صِنْوٍ)؛ بكسر الصَّاد؛ كقِنْو، و (صِنْوان)؛ بكسر الصَّاد أيضًا: مرفوع منوَّن، والصِّنو: إذا خرج نخلتان وثلاث من أصل واحد، وكلُّ واحدة منهن: صِنو، والاثنان: صنوان، والجماعة: صنوانٌ، منوَّن النُّون.
==========
[1] في النسخ: (النون)، ولعل المثبت هو الصواب.
[2] زيد في هامش «اليونينية» وهامش (ق): (أيضًا).
[ج 1 ص 167]

(1/1063)


[حديث: أتي النبي بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد]
421# قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ _ يَعْنِي: ابْنَ طَهْمَانَ_ عن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ): كذا في أصلنا غير أنَّ على (يعني: ابْنَ طَهْمَانَ) وهو توضيحه: (نسخة)، وعليها علامة راويها، قال الحافظ جمال الدِّين المِزِّيُّ: البخاريُّ في (الصَّلاة)، وفي (الجهاد)، وفي (الجزية)، وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عن عَبْدِ العَزِيزِ عن أَنَسٍ بهذا؛ يعني: أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِمَالٍ مِن البَحْرَيْنِ [1]، فَقَالَ: «انْثُرُوهُ في المَسْجِدِ ... »؛ الحديث بطوله، قال المِزِّيُّ: هكذا هو في «البخاريِّ» غير منسوب، وذكره أبو [2] مسعود الدِّمشقيُّ وخلف الواسطيُّ في ترجمة عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ، وكذلك رواه عمر بن محمَّد بن بجير البجيريُّ في «صحيحه» من رواية إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ، وقيل: إنَّه عَبْد العزيز بن رُفيع، وقد روى أبو عوانة في «صحيحه» حديثًا من رواية إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عن عَبْدِ العَزِيزِ بن رفيع عن أَنَسٍ: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً»، وروى أبو داود والنَّسائيُّ حديثًا من رواية إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ، عن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن عَائِشَةَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا في إِحْدَى ثَلَاثٍ»، فيحتمل أن يكون هذا، ويحتمل أن يكون هذا [3]، والله أعلم أيُّهما هو) انتهى.
وقد ذكرت لك أنَّه [4] في أصلنا الذي سمعنا فيه على العراقيِّ مصرَّحٌ فيه بـ (ابن صهيب) بلا خلاف فيه، وكذا في أصلنا الدِّمشقيِّ، والله أعلم.
[قوله: (بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ): قال بعض حفَّاظ العصر: في «ابن أبي شيبة» بسند جيِّد مع إرساله: أنَّ المال كان مئة ألف، والمُرسَل به العلاء بن الحضرميِّ من الخراج، وفي «الرِّدَّة» للواقديِّ: أنَّ الرَّسول به العلاءُ بن جارية الثَّقفيُّ، وسيأتي هذا بزيادة كثيرة ضمن (باب الجزية والمُوَادَعَةِ) إن شاء الله تعالى] [5].
قوله: (مِنَ البَحْرَيْنِ): هو بلفظ التَّثنية، بلاد معروفة باليمن، وهو عَمَل فيه مدن، قاعدتها هَجَر، وقد تقدَّمت بما فيها.

(1/1064)


قوله: (فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا): عَقِيل؛ بفتح العين: ابن أبي طالب أخو عليٍّ وإخوته، تقدَّم، وقد أسلم وصحب قبل الحديبية، وفادى أيضًا نوفل بن الحارث بن [6] عَبْد المطَّلب، وهو ابن أخيه أيضًا، [وهو صحابيٌّ، ذكره فيهم أبو عمر، وكان أسنَّ بني هاشم الصَّحابة، أسلم وهاجر أيَّام الخندق، وقيل: بل هو الذي فدى نفسه برماحه، وشهد الفتح وحُنين، وثبت في حُنين، وشهد الطَّائف، تُوفِّي بالمدينة سنة (15 هـ) في خلافة عُمر [7]، وصلَّى عليه عُمر، ومشى معه إلى البقيع، ووقف على قبره حتَّى دُفِنَ] [8]، والفداء كان في أسرى بدر [9] من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين [10] إلى ألف درهم، وكان يُفادَى بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكَّة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداءٌ؛ دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلِّمهم، فإذا حَذِقُوا؛ فهو فداؤه، وفي آخر (الجهاد) من «المستدرك» للحاكم: أنَّ فِدَاءَ الجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعُ مِئَةٍ، [وكذا في «أبي داود» و «النَّسائيِّ»، وهذا] [11] في «تلخيص المستدرك» للذهبيِّ، ثُمَّ قال: على شرط البخاريِّ ومسلم، [وقد أخرجه مرَّتين في «النَّسائيِّ»؛ الأوَّل: بسند فيه أبو العنبَسِ عن أَبِي الشَّعْثَاءِ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، والثَّاني: كذلك من الطَّريق غير أنَّ الرَّاوي عن شعبة في الأوَّل سُفْيَانُ، والحاكم عن ابْنُ حَبِيبٍ، وفي الثَّاني أبو بحر البكراويُّ، وقال في الثَّاني: صحيحٌ] [12].
قوله: (يَرْفَعُهُ): هو بالجزم، جزاء، ويجوز رفعه.
قوله: (قَالَ: لَا): قيل: لَمْ يأمر بذلك؛ زجرًا له عنِ الحرص على الكثرة حتَّى لا يأخذ فوق حاجته، وكذا امتنع هو أيضًا من رفعه عليه [13]؛ لئلَّا يعينه على ما لا يختاره له، والله أعلم.
قوله: (كَاهِلِهِ): الكاهل من الإنسان: ما بين كتفيه، وقيل: موضع العنق في الصُّلب، وهو الكتد، قال الخليل: هو مُقَدَّمُ أعلى الظَّهْرِ ممَّا يَلي العُنُقَ، وهو الثُّلث الأعلى، وفيه ستُّ فِقارات.
قوله: (وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ): (ثَمَّ)؛ بفتح الثَّاء، وقد تقدَّم أن معناها: هناك.
==========
[1] في (ج): (البحر).
[2] في (ج): (ابن)، وليس بصحيح.
[3] (ويحتمل أن يكون هذا): سقطت من (ب).
[4] في (ج): (أنَّ).
[5] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[6] في (ج): (من)، وزيد فيها: (أهل).
[7] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

(1/1065)


[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[9] (في أسرى بدر): سقطت من (ب).
[10] في (ب): (الألفين).
[11] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[12] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[13] في (ب): (عنه).
[ج 1 ص 167]

(1/1066)


[باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه]

(1/1067)


[حديث: وجدت النبي في المسجد معه ناس]
422# قوله: (آرْسَلَكَ أَبُو طَلحَةَ؟): هو بهمزة ممدودة، هي همزة الاستفهام.
قوله: (أَبُو طَلحَةَ): تقدَّم أنَّه زيد بن سهل، صحابيٌّ شهير رضي الله عنه، تقدَّم بعض ترجمته.
==========
[ج 1 ص 167]

(1/1068)


[باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء]

(1/1069)


[حديث: أن رجلًا قال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد .. ]
423# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى [1]: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): (يحيى) هذا: قال الجيَّانيُّ: قال البخاريُّ في (كتاب الصَّلاة) في (باب اللِّعان في المسجد)، وفي (المناقب)، وفي (علامات النُّبوَّة)، وفي (اقرأ)، وفي (اللِّعان)، و (النَّفَقَاتِ)، و (اللِّباس)، و (الأَحْكَامِ): (حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ)، نسبه ابن السَّكن: يحيى بن موسى؛ وهو يحيى بن موسى بن عَبْد الله بن سالم أبو زكريَّا الحُدَّانيُّ، يقال له: ختٌّ؛ لقب، ويقال له أيضًا: ابن ختٍّ، ويعرف بالختِّيِّ، وذكره غيره: (أنَّ يحيى عن عَبْد الرَّزاق)؛ في بعض هذه المواضع _يعني: التي ذكرها الجيَّانيُّ_ هو يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريَّا البلخيُّ، ويحيى بن جعفر البخاريُّ، روى البخاريُّ عنهما [عن] عَبْد الرَّزاق في «الجامع»، ووجدنا رواية يحيى بن جعفر عن عَبْد الرَّزاق في (كتاب الاستئذان)، وقال ابن عديٍّ: يحيى بن جعفر هذا: هو قال للبخاريِّ: مات عَبْد الرَّزاق، ولم يكن مات في ذلك الوقت بل كان حيًّا، وكان البخاريُّ متوجِّهًا إليه فانصرف، فلمَّا مات عَبْد الرَّزاق؛ سمع البخاريُّ كتب عَبْد الرَّزاق من يحيى هذا، انتهى، ونقل [2] شيخنا عنِ الجيَّانيِّ القولين: أنَّه ختٌّ أو ابن جعفر، ولم يزد.
قوله: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الملك بن عَبْد العزيز بن جريج، الإمام المشهور، أحد الأعلام، وتقدَّم بعض ترجمته.
[ج 1 ص 167]
قوله: (أَخْبَرَنا ابْنُ شِهَابٍ): تقدَّم [3] أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.

(1/1070)


قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله): هذا الرَّجل هو عويمر العجلانيُّ، كما جاء مصرَّحًا به في «الصَّحيح»، قاله الخطيب، وتابعه النَّوويُّ في «مبهماته»، وحكى فيه في «تهذيبه» قولين؛ أحدهما: أنَّه سعد بن عبادة، والثَّاني: عاصم بن عديٍّ، وعن البلقينيِّ إنكار الأوَّل من القولين، وقال: لم يصحَّ هذا عن سعد بن عبادة، ورأيت في «مبهمات» ولده الإمام جلال الدِّين، قال: وهذا مُتعقَّب، وإنَّ سعد بن عبادة لم يقل هذه المقالة، وإنَّما قال: (يا رسول الله؛ أريت الرَّجل يجد مع امرأته رجلًا أيقتله؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا»)، رواه مسلم، وفي رواية في «مُسْلِم»: (إنْ وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتَّى آتيَ بأربعةِ شهداء؟)، قال: وكنية هذه المرأة أمُّ ثابت، كما جاء في «ابن ماجه» في جملة حديث: قيل لأبي ثابت سعد بن عبادة حين نزلت آية الحدود: «أرأيت لو أنَّك رأيت مع أمِّ ثابت رجلًا؟»؛ فذكر الحديث.
==========
[1] زيد في «اليونينية»: (قال)، وليست في النسخ و (ق).
[2] في (ب): (وذكر).
[3] زيد في (ب): (مرارًا).

(1/1071)


[باب إذا دخل بيتًا يصلى حيث شاء أو حيث أمر ولا يتجسس]
قوله: (أَوْ حَيْثُ أُمِرَ): (أُمِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (وَلَا يَتَجَسَّسُ): كذا في أصلنا بالجيم، وقال بعضهم: بالجيم والحاء، ولم أرَ ذلك في «مطالع ابن قُرقُول».
==========
[ج 1 ص 168]

(1/1072)


[حديث: أين تحب أن أصلي لك من بيتك]
424# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أعلاه.
قوله: (عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ): (عِتبان)؛ بكسر العين وتضمُّ أيضًا، وهو عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج السَّالميُّ، وقيل في نسبه غير ذلك، تُوفِّي بالمدينة في خلافة معاوية، وخلافته من سنة إحدى وأربعين، وتُوفِّي سنة ستِّين في رجب، ترجمة عِتبان معروفة، وسيأتي قريبًا في كلامي بعضٌ منها.
==========
[ج 1 ص 168]

(1/1073)


[باب المساجد في البيوت]

(1/1074)


[حديث: أين تحب أن أصلي من بيتك؟]
425# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابنُ عُفَيْرٍ): تقدَّم مرارًا أنَّ عُفَيرًا [1] بضمِّ العين المهملة؛ مصغَّر.
قوله: (حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ): تقدَّم مرارًا أنَّه بضمِّ العين، وأنَّه ليس في «البخاريِّ» عُقَيل _ بالضَّمِّ _ سواه، وتقدَّم ما في «مُسْلِم» من ذلك.
قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أعلاه.
قوله: (قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي): وجاء في رواية: أنَّه عمي، وفي أخرى: ضرير البصر، وفي أخرى: (أصابني في بصري بعضُ الشَّيء)، فيجوز أنَّ يكون أراد بالإنكار والإصابة العمى، ويجوز أنَّ يكون ذهب معظمه، وأطلق عليه عمًى؛ لقربه منه.
قوله: (وَوَدِدْتُ): هو بكسر الدَّال الأولى، وحُكِي فتحُها؛ ومعناه: تمنَّيت.
قوله: (فَأَتَّخِذَهُ): هو منصوب في أصلنا بالقلم، ثُمَّ أُصلِح على الضَّمِّ، والضَّمُّ ظاهر، والله أعلم، والنَّصب معطوف على (فأصلِّيَ) قبلها.
قوله: (على خَزِيْرَةٍ): هي بفتح الخاء المعجمة، وكسر الزاي، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، وجاء في رواية أخرى: بحذف تاء التَّأنيث، وفي تفسيرها أقوال؛ منها: أنَّها لحم يُقطَع صغارًا، ويُصبُّ عليه ماء كثير، وإذا نضج؛ ذُرَّ عليه الدَّقيقُ، وسيأتي في هذا الكتاب: أنَّ النَّضر قال: (الخَزِيرَة: من النَّخالة، والحريرة _يعني: بالحاء_ من اللَّبن) انتهى، وكذا قال أبو الهيثم أيضًا، وقال النَّوويُّ: (نخالة فيها غليظ الدَّقيق) انتهى.
قوله: (فَثَابَ): هو بالثَّاء المثلَّثة في أوَّله، وبالباء الموحَّدة في آخره؛ أي: اجتمع.
قوله: (مِنْ أَهْلِ [2] الدَّارِ): أي: المحلَّة والقبيلة.
قوله: (فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ): هذا القائل لا أعرفه.
قوله: (أَيْنَ مَالِك بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ [ابْنُ] الدُّخْشُنِ؟): هو بضمِّ الدَّال المهملة، ثُمَّ خاء مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ شين مكسورة، معجمتين، ثُمَّ نون، كذا في الأصل الذي سمعت فيه على العراقيِّ، قال ابن قُرقُول: والدُّخشن، والدُّخشم، والدُّخيشن، والدُّخيشم؛ كلُّ ذلك قيل في والد مالك المتَّهم بالنِّفاق، وليس به نفاق، وقال القاضي: رُوِّيناه: دخشم؛ مكبَّرًا، ودخيشم؛ مصغَّرًا، ورُوِّيناه في غير «مسلم»؛ بالنُّون بدل الميم؛ مكبَّرًا ومصغَّرًا) انتهى.

(1/1075)


وقال الغسَّانيُّ: (دُخْشُم؛ بضمِّ الدَّال، وسكون الخاء، وشين معجمة مضمومة: هو مالك من الدُّخشم، ويقال: بالنُّون، ويقال: دِخشِن؛ بكسر الدَّال والشِّين، ويقال مصغَّرًا: الدُّخَيشن، من الأنصار، ثُمَّ من بني عمرو بن عوف، ممَّن شهد بدرًا، وكان يُتَّهم بالنِّفاق، ولا يصحُّ عنه إن شاء الله، هو مذكور في حديث عِتبان بن مالك) انتهى، وهو مالك بن دخشم بن مالك بن غنم الأنصاريُّ، عَقَبيٌّ بَدريٌّ، كذا قال [3] الذَّهبيُّ.
وقيل في اسم جدِّه: مرضخة، ولعلَّه لقبه، وقال ابن عبد البَرِّ: لَمْ يُختلَف في شهوده بدرًا، واختُلِف في شهوده العقبة، انتهى، وقد نصَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على إيمانه باطنًا، وبراءته من النِّفاق؛ بهذا الحديث.
قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ [4]: ذَلِكَ مُنَافِقٌ): قال شيخنا الشَّارح: ذكر أبو عمر: أنَّ قائله عِتبان بن مالك، انتهى، والذي قال [5] أبو عمر فيه ذلك: إنَّه عِتبان بن مالك؛ يحتمل أن يكون هو، والظَّاهر أنَّها قصَّة أخرى، ولفظ أبي عمر [6] في ترجمة مالك بن الدُّخشم: وهو الذي أَسرَّ فيه الرَّجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أليس يشهد أنْ لا اله إلَّا هو؟»، فقال الرَّجل: بلى؛ ولا شهادة له، فقال له [7] رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أليس يصلِّي؟»، فقال: بلى؛ ولا صلاة له، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أولئك الذين نهاني الله عنهم»، فالرَّجل [8] الذي سارَّ [9] رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عِتبان بن مالك) انتهى.
والظَّاهر أنَّ هذه قصَّةٌ غير التي في «الصَّحيح»، والله أعلم، ثُمَّ إنِّي رأيت ابن شيخنا البلقينيِّ ذكر أنَّ فيه نظرًا، ومفهوم كلامه أنَّهما قصَّتان.
قوله: (فَإِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ على [10] النَّارِ ... ) إلى آخره: فإن قلت: كيف يُجمَع بين هذا وبين النُّصوص التي فيها تعذيب العاصي من الموحِّدين؟
والجواب: أنَّه قد ذُكِر في هذا الحديث عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّه قال: نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نُرَى أنَّ الأمر قد انتهى إليها، أخرجه مسلم، وعند الطَّبرانيِّ أنَّه من كلام عثمان، واعترض ابن الجوزيِّ وقال: إنَّه لا يشفي؛ لأنَّ الصَّلواتِ فُرِضت بمكَّة قبل هذه القصَّة بمدَّة، وظاهر الحديث: يقتضي أنَّ مجرَّد القول يدفع العذاب ولو ترك الصَّلاة.

(1/1076)


والجواب: أنَّ من قالها مخلَّصًا؛ فإنَّه لا يترك العمل بالفرائض؛ إذ إخلاص القول حامل على ردِّ اللَّازم، أو أنَّه يحرم عليه خلوده فيها، وقال بعضهم: إذا غُفِر له وتُقبِّل مِنْهُ، أو يكون أراد نار الكافرين، وأنَّها محرَّمة على المؤمنين، والله أعلم، وهذا ملَّخص من كلام شيخنا الشَّارح.
قوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه الزُّهْرِيُّ [11].
قوله: (ثُمَّ سَأَلتُ الحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ): هو بضمِّ الحاء، وفتح الصَّاد، المهملتين، كذا ذكره غير واحد، قال ابن قُرقُول: ووقع للأصيليِّ والقابسيِّ في «البخاريِّ»: (سألت الحضين بن محمَّد)؛ بضاد معجمة، قال القابسيُّ: ليس في «الكتاب» بالضَّاد غيره [12]، وكذا وجدت عنِ الأصيليِّ قيده، وصوابه _كما للجماعة_ بصاد مهملة، انتهى.
وهو الحصين بن محمَّد الأنصاريُّ السَّالميُّ، سأله الزُّهْرِيُّ عن حديث محمود بن الرَّبيع عن عِتبان بن مالك، فصدَّقه، أخرج له البخاريُّ ومُسْلِم والنَّسائيُّ في «عمل اليوم واللَّيلة»، قال في «الميزان» ما لفظه: (وأمَّا حصين بن محمَّد السَّالميُّ؛ فمُحتجٌّ به في «الصَّحيحين»، ومع هذا فلا يكاد يُعرَف) انتهى، قال شيخنا الشَّارح في ترجمته: (وذكره ابن حِبَّان في «ثقاته») انتهى، ثُمَّ إنِّي رأيته فيها في التَّابعين، ولم يذكر عنه راويًا سوى الزُّهْرِيِّ، ولا ذكر غيره عنه راويًا سواه، ثم إنِّي رأيته [13] في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم، ولفظه: (حصين بن محمَّد السَّالميُّ الأنصاريُّ المدنيُّ روى عن عِتبان بن مالك، روى عنه: الزُّهريُّ مُرسَلٌ: سمعت أبي يقول ذلك، انتهى.

(1/1077)


قوله: (وهو مِنْ سَرَاتِهِمْ) [14]: هو بفتح السِّين المهملة؛ أي: من رفعائهم وأشرافهم، قال السُّهيليُّ: (وكذلك لا ينبغي أنْ يقال في «سراة القوم»: إنَّه جمع «سُرًى»، لا [15] على القياس، ولا على غير القياس، كما لا يقال ذلك في «كاهل القوم»، والعجب كيف خفي هذا على النَّحويِّين، قلَّد الخالف [16] منهم للسَّالف، فقال: سراة: جمع «سُرًى»، ويا سبحان الله! كيف يكون جمعًا وهم يقولون في جمع سراة: سروات؛ مثل: قطاة وقطوات؟ يقال: هؤلاء من سراة النَّاس، كما يقال: من رؤوس النَّاس، ثُمَّ أنشد بيتًا لقيس بن الخطيم، ثُمَّ قال: ولو كان السَّراة جمعًا؛ ما جُمِع؛ لأنَّ على وزن «فَعَلَة» هذا البناء في الجموع [17] لا يجمع، وإنَّما سرى من السُّرو؛ وهو الشَّرف [18]، فإنْ جُمع على لفظه؛ قيل: سريٌّ وأسرياء؛ مثل: غنيٍّ وأغنياء، ولكنَّه قليلٌ وجوده، لا يُدفَع القياس فيه، وقد حكاه سيبويه) انتهى [19]
وقال الجوهريُّ: (وجمع السَّريِّ: سراة، وهو جمع [20] عزيز، أنْ يجمع «فعيل» على «فعلة»، ولا يعرف غيره، وجمع السَّراة: سروات) انتهى.
==========
[1] في (ب): (مرارًا أنَّه).
[2] في (ج): (أبي)، وليس بصحيح.
[3] في (ب): (قاله).
[4] في هامش (ق): (قال شيخنا: قال ابن عبد البَرِّ: إنَّ القائل هو عتبان بن مالك).
[5] في (ج): (قاله).
[6] في (ج): (عمرو)، وهو تحريف.
[7] (له): سقطت من (ب).
[8] في (ج): (قال الرَّجل).
[9] في (ب) و (ج): (سأل)، وليس بصحيح.
[10] في (ج): (علي)، وهو تحريف.
[11] هذه الفقرة جاءت في (أ) متقدِّمة عى قوله: (فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار ... ).
[12] زيد في (ب): (وكذا ذكره غير واحد، قال ابن قُرقُول).
[13] في (ب): (رأيت).
[14] زيد في (ب): (قال السُّهيلي)، وضرب عليها في (أ).
[15] (لا): سقطت من (ب).
[16] (ج): (المخالف)، وليس بصحيح.
[17] في (ج): (المجموع).
[18] في (ب): (شرف).
[19] (انتهى): ليس في (ج).
[20] (جمع): ليس في (ب).
[ج 1 ص 168]

(1/1078)


[باب التيمن في دخول المسجد وغيره]

(1/1079)


[حديث: كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله]
426# قوله: (عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ): (الأشعث)؛ بمثلَّثة في آخره، و (سُلَيم)؛ بضمِّ السِّين وفتح اللَّام، وهذا شيء ظاهرٌ جدًّا.
قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم أعلاه أنَّ أباه اسمه سُلَيم، وتقدَّم أعلاه ضبطه؛ وهو سليم بن أسود المحاربيُّ، أبو الشَّعثاء الكوفيُّ، عن عمر، وابن مسعود، وأبي ذرٍّ، وعنه: ابنه أشعث وأبو إسحاق، ولازم عليًّا، تُوفِّي سنة (82 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه جماعة.
قوله: (فِي طُهُورِهِ): هو بضمِّ الطَّاء: الفعل، ويجوز الفتح، وبه ضُبِط في أصلنا.
قوله: (وَتَرَجُّلِهِ): تقدَّم أنَّ (التَّرجُّل) تسريحُ الرَّأس بماء، أو دهن، أو شيء ممَّا يليِّنه، ويرسل ثائره، ويمدُّ مُنقبِضَه.

(1/1080)


[باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد]
قوله: (بابٌ: هَل تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي [1] الجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ): إنْ قيل: مَا وجه المطابقة بين أحاديث الباب والتَّرجمة؟
والجواب: أنَّ حديث أنس مطابق للتَّرجمة مطابقةً ظاهرةً، وأمَّا ما ذكره ثانيًا؛ وهو قوله: (وَمَا يُكْرَهُ مِن الصَّلاة في القُبُور)؛ فحديث عائشة مطابقٌ لذلك، والبخاريُّ قدَّم وأخَّر، فذكر أوَّلًا حديث عائشة الدَّالَّ على كراهة الصَّلاة في القُبُورِ، وأخَّر حديث أنس الدَّالَّ على نبش قُبُورُ المُشْرِكِين واتِّخاذ مَكَانهَا مَسَاجِدَ، وهو لفٌّ ونشرٌّ مشوَّشٌ، وهو نظير قوله تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ} [آل عمران: 106]، وقال شيخنا عن [2] الشَّيخ قطب الدِّين الحلبيِّ الحافظ في «شرحه»: إنَّ بعض الفضلاء في الدَّرس قال: إنَّ وجه المناسبة بين قوله: (هَل تُنْبَشُ قُبُورُ المُشْرِكِين، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ [3]؟) وبين قوله: «لَعن الله اليَهُودَ [4]»: أنَّ البخاريَّ أراد بقوله: (هَل تُنْبَشُ) الاستفهام، ثُمَّ ذكر حديث أنس بعده، فكأنَّه قال: وَهل يُتَّخَذُ مَكَانُهَا مسجدًا؟ لقوله [5]: «لَعن الله اليَهُودَ»؛ فيكون التَّعليل لقوله: (وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مسجدًا) انتهى.
قوله: (هَل تُنْبَشُ قُبُورُ): (تُنْبَشُ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (قُبُورُ): مرفوع [6] قائم مقام الفاعل.
قوله [7]: (وَيُتَّخَذُ مَكَانهَا مَسَاجِدَ [8]): (يُتَّخَذُ): مبنيٌّ أيضًا لما لَمْ يسمَّ فاعله، و (مَكَانُهَا مَسَاجِدَ)؛ إن رفعت (مَكَانُهَا)؛ كان مقام الفاعل، وإنْ نصبته؛ كان مفعولًا ثانيًا، و (مَسَاجِدُ): قائم مقام الفاعل؛ إنْ رفعت، وإنْ نَصبْتَ؛ كان مفعولًا ثانيًا، والله أعلم.
قوله: (وَمَا يُكْرَهُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (القَبْرَ القَبْرَ): هما منصوبان على التَّحذير.
==========
[1] (مشركي): سقطت من (ج).
[2] زيد في (ب): (شيخه).
[3] كتب فوقها في (أ)، (ج): (مسجدًا) وبدون علامة تصحيح.
[4] زيد في (ب): (والنصارى)، وضرب عليها في (أ).
[5] في (ب): (كقوله).
[6] (وقبور: مرفوع): سقط من (ج)، وزيد فيها: (ومكانها مساجدًا).
[7] (قوله): سقطت من (ج).
[8] في (ب): (مسجدًا).
[ج 1 ص 169]

(1/1081)


[حديث: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا ... ]
427# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): (يَحْيَى) هذا: تقدَّم أنَّه ابن سعيد القطَّان، الأستاذُ الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ): هي بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أميَّة بن عَبْد شمس، زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واسمها رملة [1]، أمها صفيَّة بنت أبي العاصي، عمَّة عثمان، وقيل: اسم أمِّ حبيبة هند، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش؛ فتنصَّر هناك ومات بالحبشة، وزوَّجها النَّجاشيُّ من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأرسلها، ومهرها أربع مئة دينار، ورَوى مسلم: أنَّ أباها طلب من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يتزوَّجها، فأجابه، وهذا ممَّا في «مُسْلِم» من الوهم؛ لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تزوَّجها وهي بالحبشة قبل إسلام أبي سفيان، لَمْ يختلف أهل السِّير في ذلك، وقد ذكرت على هامش نسختي بـ «صحيح مُسْلِم» عنه أجوبة لا تظهر، والله أعلم، روى عنها: أخواها معاوية وعنبسة، وعروة، تُوفِّيت سنة (44 هـ)، أخرج لها الجماعة رَضِيَ اللهُ عنها.
قوله: (وَأُمَّ سَلَمَةَ): هي بفتح اللَّام، واسمها هند بنت أبي أميَّة بن المغيرة، المخزوميَّة، وأبوها يُعرَف بزاد الرَّاكب، هاجرت إلى الحبشة مع أبي سلمة عبد الله بن عَبْد [2] الأسد، ثُمَّ تزوَّجها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد وفاة أبي سلمة، روى عنها: ولداها عمر وزينب، ونافع العمريُّ، وهي آخر أمَّهات المؤمنين موتًا، تُوفِّيت في إمرة يزيد، ووُلِّي يزيد في رجب سنة (60 هـ)، ومات في ربيع الأوَّل سنة (64 هـ)، وقد قدَّمت بعض ترجمتها ووفاتها، وقال الواقديُّ: في سنة (59 هـ)، وفيه نظر، أخرج لها الجماعة.
قوله: (إِنَّ أُولَئِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث، وكذا قوله: (تلكِ)، وكذا قوله: (فأُولَئِكِ).
==========
[1] (واسمها رملة): ليس في (ج).
[2] في (ب) و (ج): (أبي سلمة بن عبد الله عبد)، وليس بصحيح.
[ج 1 ص 169]

(1/1082)


[حديث: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا]
428# قوله: (عَبْدُ الوَارِثِ): هذا هو ابن سعيد بن ذكوان التَّيميُّ مولاهم، التَّنوريُّ، تقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): هو بفتح المثنَّاة فوق، ثُمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، وفي آخره حاء مُهْمَلة، يزيد بن حميد الضُّبعيُّ، أَحَد الأعلام، تقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (قَدِمَ [النَّبِيُّ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ): اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قدم المدينة لاثنتي عشرةَ ليلة مضت من ربيع الأوَّل يوم الاثنين، كما في «الصَّحيح»، وقِيلَ: يوم الجمعة، وقال بعضهم: قدمها يوم الاثنين لثمانٍ خلون منه، وادُّعِي فيه التَّواتر، وقِيلَ: الاثنين سابع ربيع المذكور، وقِيلَ: قدمها لليلتين خلتا منه، وقِيلَ: يوم الاثنين هلال ربيع الأوَّل، فالحاصل: خمسة أقوال، غرَّة [1] ربيع الأوَّل لليلتين خلتا منه، وقِيلَ: سابعه، وقِيلَ: ثامنه، وقِيلَ: ثاني عشره، وتقدَّم أنَّ يوم القدوم اختُلِف فيه، فالصَّحيح الاثنين، وقِيلَ: الجمعة حين اشتدَّ الضُّحاء، وهو قريب من الزَّوال، وقِيلَ: قدمها ليلًا، قاله ابن الرَّقِّيِّ، وهو غريب، كذا عزوه لابن البرقيِّ أنَّه قدمها ليلًا، ولا حاجة إلى عزوه لابن البرقيِّ، هذا في «صحيح مسلم» في أواخره قبيل [2] (كتاب التَّفسير)، وهو غير محفوظ عند أهل السِّير.
قوله: (فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعًا وَعِشْرِين لَيْلَةً [3]): كذا في الأصل، وعليها علامة راويها، وفي الهامش: (أربع عشرة)، وعليها (صح)، وكما وقع في الأصل؛ وقع في أصل مصريٍّ، وفي صحَّة الأولى نظر، وكما وقع في الهامش وعليه (صح)؛ وقع في «مُسْلِم» وغيره، قال ابن إسحاق: (وأقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بني عَمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثُّلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسَّس مسجدهم، ثُمَّ أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عَمرو بن عوف يزعمون أنَّه مكث فيهم أكثر من ذلك) انتهى، والمشهور عند أرباب المغازي ما ذكره ابن إسحاق، قاله ابن سيِّد النَّاس في «سيرته»، [انتهى، وصحَّح غيره ذلك [4] أيضًا، وقال في ما في «البخاريِّ» و «مسلم»: وقيل: أقام فيهم أربع عشرة، انتهى] [5]

(1/1083)


ولا يستقيم قولهم: إنَّه أقام فيهم أربع عشرة مع القول بأنَّه جاء يوم الجمعة وادي رانونة [6]، وجمع فيه يوم خروجه من عندهم، والله أعلم، إلَّا على قول مَن يقول: قدم قباء يوم الجمعة، وقال مغلطاي في «سيرته الصُّغرى»: (فأقام بضع عشرة ليلة، ويقال خمسًا، ويقال: أربعًا، ويقال: ثلاثًا، فيما ذكره الدُّولابيُّ، ويقال: اثنتين وعشرين ليلة).
[قوله: (ثُمَّ أَرْسَلَ [7] إلى بَنِي النَّجَّارِ): هذا بعد انفصاله من قباء، وسيأتي: (فأرسل إلى الأنصار) في «مسند عَبْد بن حميد» من حديث أنس: (حتى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبه أبو بكرٍ الصِّدِّيق، فَكَمَنا في بعض خراب المدينة، ثُمَّ بعثا رجلًا من أهل البادية؛ ليؤذن به الأنصار، فاستقبلهما زهاء خمس مئة من الأنصار حتَّى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار: انطلقا آمنين مطاعين ... )؛ الحديث، وسأذكره أيضًا في أحاديث (الهجرة) إن شاء الله تَعَالَى] [8].
قوله: (مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ): هو بجرِّ (السُّيوف) [9] بالإضافة، وحذفت النُّون من (متقلِّدين) لها، ويجوز من حيث العربيَّة على قلَّة (السُّيوفَ)؛ بالنَّصب، كما قُرِئ شاذًّا: {وَالمُقِيمِي الصَّلاةَ} [النساء: 162]؛ بالنَّصب، والمتواترة بالجرِّ.
قوله: (على رَاحِلَتِهِ): هي القصواء، وهي بفتح القاف والمدِّ، كذا قاله غير واحد، وفي هذا «الصَّحيح» في (غزوة الرَّجيع): أنَّها الجدعاء، وسيأتي الكلام في النُّوق الثَّلاث: الجدعاء، والعضباء، والقصواء، هل هنَّ ثلاث أو اثنتان أو واحدة إنْ شاء الله تعالى.
قوله: (وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ): تقدَّم أرداف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في (كتاب العلم)؛ فانظره إنْ أردته.
قوله: (بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ): الفِناء؛ بكسر الفاء، وبالمدِّ: المتِّسع أمام الدُّور.
قوله: (وَيُصَلِّي في مَرَابِضِ الغَنَمِ): تقدَّم ما المرابض والأعطان؛ فانظره.
قوله: (وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ): (إِنَّهُ): بكسر الهمزة، ويجوز فتحُها.
[ج 1 ص 169]
قوله: (أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ [10]): (أَمَرَ): مبنيٌّ للفاعل وللمفعول [11]، كذا قيَّده النَّوويُّ.
قوله: (ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ): أي: قدِّروا ثمنه؛ لأشتريه منكم، وبايعوني فيه، والحائط: البستان المحوط، وقد تقدَّم.

(1/1084)


قوله: (لَا، وَالله لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللهِ): هذا نصٌّ في أنَّهم لم يأخذوا ثمنه، ورُوِي: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم اشتراه من اليتيمين بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أنْ يعطيهما ذلك، وفي «طبقات ابن سعد»: أنَّه اشتراه من بني عفراء بذلك، ونقل ابن سيِّد النَّاس في «سيرته الكبرى» عنِ البلاذريِّ: (وكان أسعد بن زراة يُجمِّع ثمن ثلثه في مسجد له، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلِّي فيه، ثُمَّ إنَّه سأل أسعد بن زرارة أنْ يبيعه أرضًا متَّصلة بذلك المسجد، كانت في يده ليتيمين في حجره، يقال لهما: سَهل وسُهيل؛ ابنا رافع ... ) إلى أن قال: (فعرض عليه _ يعني: أسعد بن زرارة_ أنْ يأخذها ويغرم عنه لليتيمين ثمنها، فأبى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك، وابتاعها منه بعشرة دنانير، أدَّاها من مال أبي بكر) انتهى، وهذا الكلام والجمع بينه وبين غيره ليس هذا موضعه، [وفي «صحيح البخاريِّ» من رواية أبي ذرٍّ، عنِ الكشميهنيِّ، عنِ الفربريِّ، عنِ البخاريِّ: (فَأَبَى رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا_ يعني: من الغلامين، وفي «صحيحه» أيضًا: أنَّهما سَهل وسُهيل_ هِبَةً حتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا)] [12].
قوله: (وَفِيهِ خَرِبٌ): قال ابن قُرقُول: (خَرِبٌ)؛ بكسر الرَّاء، وفتح الخاء؛ يعني: المعجمة، و (خِرَب)؛ بكسر الخاء، وفتح الرَّاء [13]، كذا [14] ضبطناه، وكلاهما صحيح، وتميم تقول: خِربة؛ بكسر الخاء [15]، قال الخطَّابيُّ: لعلَّه (خُرَب): جمع خُرْبَة؛ وهي الخروق في الأرض، إلَّا أنَّهم يقولونها في كلِّ ثقبة مستديرة، قال: أو لعلَّها (خُرَف): جمع خِرَفة، وخِرَفة: جمع خُرُف، قال: وأبين من ذلك أنْ تكون حَدَبًا: جمع حدبة؛ وهي ما نتأ من الأرض، وإنَّما يُسَوَّى [16] المكان المحدوب [17]، قال القاضي: لا أدري ما قال، وكما قطع النَّخل الذي فيه كذلك؛ سوَّى بقايا الخرب وهدم أطلال الجدرات كما فعل في القبور، والرِّواية الصَّحيحة اللَّفظ والمعنى غنيَّة عن تكليف التَّغيير، وقال ابن الأثير بعد أن ذكره: وقد روي بالحاء المهملة، والثَّاء المثلَّثة؛ يريد به: الموضع المحروث للزراعة، انتهى.
قوله: (عِضَادَتَيْهِ): (العِضادة)؛ بكسر العين المهملة: جانب الباب.
==========
[1] في (ب) و (ج): (عشرة).
[2] في (ج): (قبل).

(1/1085)


[3] في (ق) عند الحديث «3932 «: (فأقام فيهم أربع عشرة ليلة)، وفي هامشها: (والمشهور عند أرباب المغازي ما ذكره ابن إسحاق: أنَّه أقام في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركت رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلَّى في المسجد الذي في بطن الوادي، فكانت أوَّل جمعة صلَّاها بالمدينة).
[4] في (ج): (وصحح ذلك غيره).
[5] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[6] في (ب): (دانونة)، وفي (ج): (زانونة).
[7] في النسخ: (فأرسل)، والمثبت موافق لما في «اليونينية» و (ق).
[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[9] (هو بجر السيوف): ليس في (ج).
[10] (المسجد): ليس في (ب).
[11] في (ب): (مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله وللفاعل).
[12] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[13] في (ج): (بفتح الراء، وكسر الخاء).
[14] في (ب): (فما)، وفي (ج): (يعني: المعجمة).
[15] (بكسر الخاء): سقطت من (ب).
[16] في (ج): (يستوي).
[17] كذا في النسخ، وفي «المطالع»: (المحدودب).

(1/1086)


[باب الصلاة في مرابض الغنم]
قوله: (في مَرَابِضِ): تقدَّم ما المَرَابِض فيما مضى.
==========
[ج 1 ص 170]

(1/1087)


[حديث: كان النبي يصلي في مرابض الغنم]
429# قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): تقدَّم قريبًا ضبطه، واسمه يزيد بن حميد.
قوله: (أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ): (يُبْنَى): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (المَسْجِدُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.
==========
[ج 1 ص 170]

(1/1088)


[باب الصلاة في مواضع الإبل]
قوله: (بَاب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ): قد اعتُرِض على البخاريِّ في هذه التَّرجمة مع إخراجه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّه صلَّى إلى بعيره، وأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يفعله؛ بأنْ قيل: ليس في الحديث بيان أنَّه صلَّى في موضع الإبل، وإنَّما صلَّى إليه، لا في موضعه، وليس إذا أنيخ بعير في موضع؛ صار ذلك عطنًا ومأوًى للإبل وموضعًا لها تُعرَف به، انتهى.
==========
[ج 1 ص 170]

(1/1089)


[حديث: رأيت ابن عمر يصلي إلى بعيره]
430# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ): هو بفتح الحاء المهملة، وتشديد المثنَّاة [1] تحت، هذا أبو خالد الأحمر الكوفيُّ، عن عاصم الأحول ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ، وعنه: أحمد، وإسحاق، وهنَّاد، صدوق إمام، قال ابن معين: ليس بحجَّة، تُوفِّي سنة (189 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله عن نَافِعٍ): هذا هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب، وإنَّما قيَّدته [2]؛ لأنَّه غير واحد ممَّن اسمه: عبيد [3] الله روَوا عن نافع عنِ ابن عمر عنه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ وهم: عبيد الله بن الأخنس أبو مالك الخزَّاز، وعبيد الله بن أبي جعفر القرشيُّ المصريُّ، والراوي هنا عبيد الله بن عمر بن حفص، هذا الذي روَوا في الكتب السِّتَّة أو بعضها.

(1/1090)


[باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله]
قوله: (بَاب مَنْ صلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ ... ) إلى آخر التَّرجمة: قيل: في مطابقة الحديث الذي أخرجه للتَّرجمة نظر؛ وذلك لأنَّه لم يفعله عليه الصَّلاة والسَّلام مختارًا، إنَّمَا عُرِض عليه ذلك بغير اختياره؛ لمعنًى أراده الله تنبيهًا للنساء [1] وغيرهنَّ.
قوله في التَّرجمة: (مِمَّا يُعْبَدُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه أبو بكر محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، الإمام الفرد، وهذا التَّعليق أسنده البخاريُّ في (باب وقت الظُّهر عند الزَّوال).
قوله: (عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ): (عُرِضت)؛ بضمِّ العين، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (النَّارُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، و (عَلَيَّ): جار ومجرور.
==========
[1] في (ج): (النِّساء)، وهو تحريف.
[ج 1 ص 170]

(1/1091)


[حديث: أريت النار فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع]
431# قوله: (عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ): هو بالمثنَّاة تحت، تقدَّم مرارًا، وهذا ظاهر جدًّا.
قوله: (انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ): تقدَّم أنَّه يقال: خسف القمر، وخسفت الشَّمس، وكسف، وانكسف [1]، وانخسف، وانخسفت، وانكسف، وانكسفت، وخسفًا، وكُسفًا؛ كلُّها لغاتٌ صحيحة، وثبتت كلُّها في «البخاريِّ» و «مسلم» من لفظ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال الأزهريُّ: قال أبو زيد: يقال: خسفت الشَّمس، وكسفت، وخسفت؛ بمعنًى واحد، وقد عقد البخاريُّ لذلك بابًا يأتي، والله أعلم.
[تنبيه: انكسفت الشَّمس في رمضان سنة ستٍّ كما سيأتي في بابه، وسيأتي ما فيه] [2].
قوله: (أَفْظَعَ): هو بالفاء، والظَّاء المعجمة، ثُمَّ عين مهملة؛ أي: أشدَّ وأهيب، و (أفظع) هنا: أشدَّ فظاعة؛ أي: أفظع ممَّا سواه من المناظر الفظيعة، فحُذِف اختصارًا؛ لدلالة الكلام عليه.
==========
[1] في (ج): (وكسفت، وانكسفت).
[2] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[ج 1 ص 170]

(1/1092)


[باب كراهية الصلاة في المقابر]
(بَاب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي المَقَابِرِ) ... إلى (بَاب الشِّعْرِ في المَسْجِدِ)
قوله: (بَاب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ في المَقَابِرِ): تقدَّم أنَّ (كراهية)؛ بتخفيف الياء، وأنَّه يقال فيها: كراهي، وقد تقدَّم ذلك قريبًا وبعيدًا.
قال ابن المُنَيِّر: إنْ قلت: ما وجه مطابقة التَّرجمة للحديث؟ يعني: حديث: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتَّخذوها قبورًا».
ثمَّ قال: قلت: دلَّ الحديث على الفرق بين البيت والقبر، فأمر [1] بالصَّلاة في البيت، وألَّا يجعل كالمقبرة، فأفهم أنَّ المقبرة ليست محلَّ صلاة، فلهذا أدخل الحديث تحتها، والله أعلم.
وفيه نظر من حيث إنَّ المراد بقوله: «ولا تتَّخذوها قبورًا»؛ أي: لا تكونوا فيها كالأموات في القبور، وانقطعت عنهم الأعمال وارتفعت التَّكاليف، فهو غير متعرِّض لصلاة الأحياء في ظواهر المقابر، والله أعلم، [ولهذا قال: «ولا تتَّخذوها قبورًا»؛ لأنَّ القبر هو الحفرة التي يستقرُّ فيها الميت، والمقبرة: اسم للمكان المشتمل على الحفرة وما ضمَّت، والله أعلم] [2]، انتهى لفظه.
وقال ابن قُرقُول: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، تأوَّله البخاريُّ: لا تجعلوها كالمقابر التي لا تجوز الصَّلاة فيها، ولذلك ترجم عليه: (باب كراهية الصَّلاة في المقابر)، وقال غيره: بل معناه: [اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبورًا؛ لأنَّ العبد إذا مات وصار في قبره؛ لم يصلِّ ولم يعمل، وهذا أولى؛ لقوله في الحديث الآخر] [3]: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتَّخذوها قبورًا»، انتهى، وذكر ابن الأثير في «نهايته» القولين في كلام ابن قُرقُول، ورجَّح ما رجَّحه، والله أعلم.
==========
[1] في (ج): (فأمرنا).
[2] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[ج 1 ص 170]

(1/1093)


[حديث: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا]
432# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو [1] ابن سعيد القطَّان، الإمام الحافظ، تقدَّم مرارًا.
قوله: (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ): تقدَّم أعلاه أنَّه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب، وتقدَّم لماذا قيَّدته أعلاه.
==========
[1] زيد في (ج): (يحيى).
[ج 1 ص 170]

(1/1094)


[باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب]
قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلاَةَ): (يُذْكَرُ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تقدَّم أنَّ هذه صيغةُ تمريض للحديث المشار إليه.
[ج 1 ص 170]
قوله: (بَابِلَ): هي بموحَّدتين [1] الثَّانية [2] مكسورة، قال الجوهريُّ: (اسم موضع بالعراق يُنسب إليه السِّحرُ والخمر)، قال الأخفش: (لا ينصرف؛ لتأنيثه، وذلك أنَّ اسم كلِّ شيء مؤنَّث [3] إذا كان أكثر [4] من ثلاثة أحرف؛ فإنَّه لا ينصرف في المعرفة) انتهى.
==========
[1] في (ب): (هو بالموحدتين).
[2] في (ج): (الأولى)، وليس بصحيح.
[3] في (ب): (يؤنث).
[4] (أكثر): سقطت من (ج).

(1/1095)


[حديث: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين]
433# قوله: (لَا يُصِيبُكُمْ): هو مرفوع، والوجه الجزم، لكنَّه يُخرَّج على لغة، وكان أوَّلًا في أصلنا كذلك، ثُمَّ أُصلِح بالجزم بالقلم.
قوله: (لَا تَدْخُلُوا على هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ): هو بفتح الذَّال، اسم مفعول، وهذا قاله عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا مرَّ بالحِجْر، كما جاء في «الصَّحيح» في بعض طرقه، وكان ذلك في طريقه إلى تبوك، وقد تقدَّم أنَّ تبوك كانت في السَّنة التَّاسعة من الهجرة في رجب، كذا قال ابن إسحاق، وستأتي منازعته في الشَّهر.
==========
[ج 1 ص 171]

(1/1096)


[باب الصلاة في البيعة]
قوله: (فِي الْبِيعَةِ): هي بكسر الموحَّدة، للنَّصارى، قاله الجوهريُّ، وقال ابن قُرقُول: (البيعة: كنيسة أهل الكتاب، وقِيلَ: البيعة: لليهود، والكنيسة: للنَّصارى، والصَّلوات: للصابئين، كما أنَّ المساجد للمسلمين) انتهى، وقال ابن عَبْد السَّلام: {صوامع}: بيوت النَّصارى، وقِيلَ: بيوت الصَابئين، سُمِّيت؛ لانضمام أطرافها، و {بيع}: للنَّصارى، و {صلوات} [الحج: 40]: كنائس اليهود، وهو معرَّب من قولهم: صلوتا.
قوله: (التَّمَاثِيلِ)، وكذا قوله: (إِلَّا بِيعَةً فيهَا تَمَاثِيلُ): هي تصاوير ذوات الأشخاص والأجرام.
قوله: (الَّتِي فِيهَا الصُّوَر): وفي نسخة: (الصُّورة)، اعلم أنَّ ابن مالك جوَّز في (الصُّور) الجرَّ على البدل، أو العطف وحذف العاطف، والرَّفع والنَّصب على القطع.
==========
[ج 1 ص 171]

(1/1097)


[حديث: أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا]
434# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ [1]: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ): قال الجيَّانيُّ ما لفظه: وقال _ يعني: البخاريُّ_ في (الاعتكاف)، و (الجهاد)، و (صفة إبليس)، و (الأنبياء)، و (مناقب الأنصار)، و (البقرة)، و (يوسف)، و (النِّكاح)، و (اللِّباس)، و (الأدب)، و (الأيمان والنُّذور)، و (الأحكام)، و (التَّمنِّي): (حَدَّثَنَا محمَّد: حَدَّثَنَا عبدة)، هكذا عند أبي محمَّد غير منسوب عن عبدة، وفي بعض هذه المواضع قد نسبه ابن السَّكن في بعضها: ابن سلَام [2]، وكذلك صرَّح البخاريُّ في بعض المواضع باسمه فقال: (حَدَّثَنَا محمَّد بن سلَام: حَدَّثَنَا عبدة)، وذكر أبو نصر: أنَّ محمَّد بن سلَام يروي عن عبدة، انتهى، فلم يذكر هذا المكان، ولو ظفر به؛ لقال فيه كما قال عن [3] غيره، والله أعلم، (وكذا هو في نسخة منسوبًا) [4]، وقال شيخنا الشَّارح هنا: إنَّه ابن سلَام [5]، قال: كما صرَّح به أبو نعيم وغيره، انتهى.
قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ): هو ابن سُلَيْمَان، وهو [6] بإسكان الموحَّدة، أبو محمَّد الكلابيُّ، المقرئ، اسمه عَبْد الرَّحمن، عن عاصم الأحول، والأعمش، والطَّبقة، وعنه: أحمد، وهنَّاد، والطَّبقة، قال أحمد: ثقة وزيادة مع صلاحه وشدَّة فقره، تُوفِّي سنة (188 هـ)، أخرج له الجماعة.
ثُمَّ اعلم أنَّه وقع في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «الموطَّأ»: عبْدة وعبَدة؛ بالسُّكون والفتح، فأمَّا مفتوح الموحَّدة؛ فليس فيها إلَّا اسمان؛ الأوَّل: عامر بن عبَدة البجليُّ الكوفيُّ، روى له مُسْلِم في المقدِّمة عنِ ابن مسعود قولَه: (إنَّ الشَّيطان ليتمثَّل في صورة الرَّجل) الموقوف إلى آخره، والثَّاني من الاسمين: بجالة بن عبَدة التَّميميُّ، ثُمَّ العنبريُّ، وسيأتي الكلام [7] فيهما، [وقد أخرج لبجالة البخاريُّ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ] [8].
والحاصل: أنَّ عبْدة بن سُلَيْمَان هذا؛ بإسكان الباء بلا خلاف، وكذا كلُّ ما كان في الكتب الثَّلاثة من ذلك؛ فهم كلُّهم عبْدة، سوى عامر بن عبَدة وبجالة بن عبَدة؛ فإنَّهما بفتح الباء، ويجوز سكونها، والله أعلم.
قوله: (أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ): تقدَّم الكلام عليها، وأنَّها زوجه عليه الصَّلاة والسَّلام، واسمها هند، وتقدَّم بعض ترجمتها رضي الله عنها، وأنَّها آخرهنَّ موتًا.

(1/1098)


قوله: (مَارِيَةُ): هي بتخفيف الياء: كنيسة بالحبشة، قاله ابن قُرقُول كما هنا.
قوله: (أُولَئِكِ قَوْمٌ): هو بكسر الكاف خطاب لمؤنَّث، وهذا ظاهر جدًّا، وكذا قوله: (تلكِ)، و (فأُولَئِكِ [9])، وقد تقدَّم أيضًا، وعن بعضهم: أنَّه جوَّز الفتح فيها كلِّها.
==========
[1] زيد في «اليونينية»: (قال)، وليست في النسخ ولا في (ق).
[2] كتب فوقها في (ج): (خف).
[3] في (ب): (في).
[4] ما بين قوسين في (ج).
[5] كتب فوقها في (أ)، (ج): (خف).
[6] في (ج): (هو).
[7] زيد في (ب): (عليه).
[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[9] في النسخ: (أولئك).
[ج 1 ص 171]

(1/1099)


[باب ذم اتخاذ القبور مساجد على العموم]

(1/1100)


[حديث: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد]
435# 436# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عن الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم [1] بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، العالم المشهور.
قوله: (لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ [2] اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (نُزِل)؛ بضمِّ النُّون، وكسر الزاي، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، كذا في أصلنا هنا، وفي الهامش: (نَزَل)؛ بفتحهما، مبنيٌّ للفاعل، وعليه (صح)، وفي أصلنا في (بني إسرائيل) حاشية قال فيها: ضُبِط في أصل الحافظ أبي ذرٍّ: (نَزَل)؛ بفتح النُّون والزاي، وهو الصَّواب، انتهت، وفي خطِّ شيخنا أبي جعفر في (بني إسرائيل): (نُزِل): مبنيٌّ للمفعول، وكذا ضبطه النَّوويُّ «في شرح مسلم» في (الصَّلاة)، ولفظه: (هكذا ضبطناه: بضمِّ النُّون وكسر الزَّاي) انتهى.
قوله: (طَفِقَ): تقدَّم أنَّه بكسر الفاء، وأنَّه يجوز فتحها، وأنَّ معناه: جعل.
قوله: (خَمِيصَةً): تقدَّم ضبطها، وما هي غير مرَّة.
==========
[1] (بن مسلم): سقطت من (ب).
[2] في (ج): (رسول).
[ج 1 ص 171]

(1/1101)


[حديث: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد]
437# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه الزُّهْرِيُّ، وهذا ظاهر جدًّا.
قوله: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ): تقدَّم أنَّ ياءه؛ بالفتح والكسر، بخلاف غيره ممَّن اسمه المسيَّب، فإنَّه لا يجوز فيه إلَّا الفتح؛ فاعلمه، وقد تقدَّم مرَّاتٍ.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
==========
[ج 1 ص 171]

(1/1102)


[باب قول النبي: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا]
قوله: (مَسْجِدًا): تقدَّم أنَّه بكسر الجيم، وتُفتَح.
قوله: (وَطَهُورًا): هو بفتح الطَّاء، ويجوز ضمُّها [1]، تقدَّم مرارًا.
==========
[1] زيد في (ب): (وقد).
[ج 1 ص 171]

(1/1103)


[حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي]
438# قوله: (حَدَّثَنَا سَيَّارٌ): هو بتقديم السِّين على المثنَّاة تحتُ المشدَّدةِ، وفي آخره راء، وهو أبو الحكم، العنزيُّ [1] الواسطيُّ، ويقال: البصريُّ، عن أبي وائل، وطارق بن شهاب، وزِرِّ بن حُبَيش، وسلمان [2] أبي [3] حازم، والشَّعبيِّ، وجماعة، وعنه: زيد بن أبي أنيسة، وشعبة، وقرَّة بن خالد، وغيرهم، وثَّقه ابن مَعِين، تُوفِّي سنة (122 هـ) بواسط [4]، أخرج له الجماعة.
قوله: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَقِيرُ): تقدَّم أنَّه كان يشكو فقار ظهره، فقِيلَ له: الفَقِير، وتقدَّم بعض ترجمته في (التَّيمُّم).
[ج 1 ص 171]
قوله: (أُعْطِيتُ خَمْسًا): تقدَّم في (التَّيمُّم) الخصال التي أُعطِيها صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يُعطَها نبيٌّ قبله، وقد وصَّلتها إلى خصال خمسَ عشرةَ [5]، والباب محتمل [6] الزيادة، لكنَّ هذا الذي وقفت عليه إلى الآن؛ فاعلمه.
قوله: (مَسْجِدًا): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بكسر الجيم، وتُفتَح.
قوله: (وَطَهُورًا): تقدَّم أنَّه بفتح الطَّاء، وتُضمُّ، مرارًا.
قوله: (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ): تقدَّم الكلام عليها، وأنَّها العظمى، في (التَّيمُّم)، وتقدَّم فيه [7] ما له صلَّى الله عليه وسلَّم من الشَّفاعات شفَّعه الله فيها.
==========
[1] في النسخ: (العنبري)، وهو تحريف.
[2] زيد في (ب): (بن)، وليس بصحيح.
[3] في (ج): (ابن)، وهو تحريف.
[4] (بواسط): ليس في (ب).
[5] في النسخ: (خمسة عشر)، ولعل المثبت هو الصواب.
[6] في (ب): (يحتمل).
[7] (فيه): ليس في (ج).

(1/1104)


[باب نوم المرأة في المسجد]

(1/1105)


[حديث: أن وليدة كانت سوداء]
439# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو [1] حمَّاد بن أسامة، تقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (أَنَّ وَلِيدَةً): هذه الوَليدة لا أعرف اسمها، والوَليدة: الصَّبيَّة والأَمة.
قوله: (لِحَيٍّ مِن العَرَبِ): (الحيُّ): اسم لمنزل القبيلة، ثُمَّ سُمِّيت القبيلة به؛ لأنَّ [2] بعضهم يحيا ببعض.
قوله: (فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ): (الصَّبيُّ): الغلام، وهو معروف [3]، و (الصَّبيَّة): تأنيثه.
قوله: (وِشَاحٌ أَحْمَرُ): هو بكسر الواو، ثُمَّ شين معجمة مخفَّفة، وفي آخره حاء مهملة، هو كالنظام [4] وغيره من خرز، وقال الخليل: هما خَيطان من لؤلؤ مُخالَف بينهما [5]، تتوشَّح به المرأة، وقال ابن دريد: الوِشاح: خرزٌ تتوشَّح به المرأة، والجمع: وُشُح، وهذيل تقول: إشاح، وقوله: (من سُيُور)؛ أي: من شراك أحمر، وقال الجوهريُّ: الوِشاح: ينسج من أديم عريضًا، ويُرصَّع بالجواهر، وتشدُّ به المرأة بين عاتقيها وكشحها [6]، يقال: وِشاح، وإشاح، ووُشاح، وأُشاح، والجمع: الوُشُح والأوشحة.
قوله: (حُدَيَّاةٌ): هو تصغير (حِدَأة)؛ كعِنَبة، والجمع: حِدَأ؛ كعِنَبٍ؛ وهو هذا الطَّائر المعروف، والكلام فيه انظره [7] من «المطالع»؛ فإنَّه ذكر فيه اختلاف الرُّواة.
قوله [8]: (فَخَطِفَتْهُ): هو بكسر الطَّاء، وهذه لغة القرآن، ويجوز فتحها في لُغيَّة.
قوله: (فَطَفِقُوا): تقدَّم أن (طَفِقَ)؛ بكسر الفاء وتُفتَح [9]؛ أي: جعلوا.
قوله: (خِبَاءٌ): هو بكسر الخاء المعجمة، ثُمَّ موحَّدة مخفَّفة، ثُمَّ همزة ممدودة: من بيوت العرب، قال أبو عبيد: يكون من وبر وصوف، ولا يكون من شعر.
قوله: (حِفْشٌ): هو بكسر الحاء المهملة _قال شيخنا الشَّارح: وفتحها_ ثُمَّ فاء ساكنة _قال شيخنا: وفتحها_ ثُمَّ شين معجمة: هو البيت الصَّغير الرَّديء، وقال الشَّافعيُّ: الحفش: هو البيت القريب السَّمْك، وقال مالك: هو الصَّغير الخَرِب.
قوله: (فَتَحَدَّثُ): هو بفتح التاء، والدَّال المشدَّدة، محذوف إحدى التاءين، فعل مضارع مرفوع.
قوله: (وَيَوْم الوِشَاحِ [10]): (يوم): يجوز رفعه ونصبه، و (الوِشاح): تقدَّم ما هو أعلاه، على أنَّه مبتدأ وخبره: (من تعاجيب)، وضُبِط في أصلنا: بالنَّصب على الظَّرف، والمشهور الأوَّل، وعُمِل الآن في أصلنا بهما.
قوله: (مِنْ تَعَاجِيبِ): هي بفتح التَّاء؛ العجائب، لا واحد لها من لفظها، قاله الجوهريُّ.

(1/1106)


[باب نوم الرجال في المسجد]
قوله: (وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ): هو بكسر القاف، ثُمَّ لام ألف مخفَّفة، ثُمَّ موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء [1]، وقد صحَّفه بعض الأعاجم ببلدنا على ما بلغني بـ (فلانة)، واسمه عَبْد الله بن زيد الجرميُّ، من أئمَّة التَّابعين، عن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، ومعاوية، وسَمُرة، قال الذَّهبيُّ في «الكاشف»: (عن [2] عمر، وأبي هريرة، وعائشة، ومعاوية، وسَمُرة، وذلك مُرسَل، وروايته عن عائشة في «مُسْلِم» و «النَّسائيِّ»، وعن عُمر في «النَّسائيِّ»، ولم يدركه، وعن سَمُرة في «النَّسائيِّ»، وحذيفة في «أبي داود»، وابن عبَّاس في «التِّرمذيِّ»، وأبي هريرة، والنُّعمان بن بشير، وأبي ثعلبة الخشنيِّ، وقِيلَ: روايته عن هؤلاء وعن غيرهم مرسلة، وروايته [3] عن أنس، وثابت بن الضَّحَّاك، ومالك بن الحويرث في الكتب السِّتَّة، وهذا الكلام مُلفَّق من «التَّذهيب» و «الكاشف».
وأمَّا العلائيُّ؛ فقال: (قال ابن المدينيِّ: لم يسمع من سَمُرة، ولم يسمع من معاوية، وبخطِّ الضياء: أنَّه لم يسمع من أبي ثعلبة، ولا يُعرَف له سماعٌ من عائشة، قلت: وروايته عن عائشة في «مُسْلِم»، وكأنَّه على قاعدته، وعن حذيفة في «أبي داود»، وعن أبي ثعلبة وابن عبَّاس في «الترمذيِّ»، وعن عمر بن الخطَّاب، وأبي هريرة، وابن عبَّاس، ومعاوية، وسمُرة، والنُّعمان في .... [4] «النَّسائيِّ»، قال: والظَّاهر في كلٍّ كلُّه الإرسال، نعم؛ روايته عن مالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وثابت بن الضَّحَّاك متَّصلة، وهي في الكتب السِّتَّة، انتهى.
كذا في نسختي من المراسيل بياض بعد (النُّعمان) وبعد (في)، غير أنَّه مكتوب بعد ذلك ما صورته: (س)، وتحرير ما له عن هؤلاء المذكورين الذين أوَّلهم عُمر، أمَّا روايته عن عُمر؛ فليست في الكتب السِّتة، وأمَّا أبو هريرة؛ ففي «النَّسائيِّ»، وأمَّا ابن عبَّاس؛ ففي «التِّرمذيِّ»، وأمَّا روايته عن معاوية؛ ففي «أبو داود» و «النَّسائيِّ»، وأمَّا روايته عن سمُرة؛ ففي «النَّسائيِّ»، وأمَّا روايته عنِ النُّعمان؛ ففي «أبي داود»، و «النَّسائيِّ»، و «ابن ماجه» [5]، والله أعلم.

(1/1107)


وكان الأولى بنا [6] ألَّا نذكر هذا، وقد تقدَّم بعضه [7] أيضًا؛ لأنَّ هذا لا يتعلَّق بالبخاريِّ [8]، نعم؛ إذا حدَّث أحد من الرُّواة عن أحد من النَّاس ولم يلقَه، وجاء معنا ذلك في «البخاريِّ»؛ نذكره إن شاء الله تَعَالَى، وأهل هذا العصر لا يستعملون هذا القدر، وحسب الواحد منهم أنْ يقرأ «صحيح البخاريِّ» سوادًا، ولا يعرف شيئًا من الصِّناعة، ويرى هذا تطويلًا من زَبَد [9] المعدة لا من زُبَدِها [10]، ومن جهل شيئًا؛ عاداه.
قوله: (مِنْ عُكْلٍ): تقدَّم ما في ذلك من الرِّوايات في «الصَّحيح»، وتقدَّم أنَّهم كانوا ثمانية وهو في «الصَّحيحين» [11]، وقِيلَ: سبعة، والله أعلم.
قوله: (فكَانَوا في الصُّفَّةِ): هي بضمِّ الصَّاد المهملة، وتشديد الفاء مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، وهي كالظلة والسَّقيفة، يُؤوَى إليها، قال الحربيُّ: هي موضع مُظلَّل من المسجد يأوي إليه المساكين، وقِيلَ: سُمُّوا: أصحاب الصُّفَّة؛ لأنَّهم كانوا يصفُّون على باب المسجد؛ لأنَّهم غرباء لا مأوى لهم، وسيأتي من [12] حديث أبي هريرة قريبًا: (لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفة)، وذكر شيخنا الشَّارح عن أبي نعيم في «الحلية» عدَّ منهم مئة ونيِّفًا، انتهى، وذكر السَّهرَوَردِيُّ في «عوارفه» أنَّهم كانوا نحو أربع مئة، والله أعلم.
قوله: (كانَ أصحَابُ الصُّفَّةِ فُقَرَاءَ): إنْ شئت؛ جعلت الاسم (أصحاب)، و (فُقَرَاءُ) الخبر، وإنْ شئت العكس.

(1/1108)


[حديث ابن عمر: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد]
440# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القطَّان، الحافظ الإمام، تقدَّم مرارًا [1]، وتقدَّم بعض ترجمته.
وتقدَّم أيضًا أنَّ ثلاثة كلٌّ منهم اسمه يحيى يروي عن عبيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخطَّاب، عن نافع، عنِ ابن عُمر؛ أحدهم: القطَّان هذا، والثَّاني: يحيى بن زكريَّاء بن أبي زائدة، والثَّالث: يحيى بن سُلَيم الطَّائفيُّ، ونزيد هنا: أنَّ رواية القطَّان عن عبيد الله به في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «أبي داود»، و «التِّرمذيِّ»، و «النَّسائيِّ»، و «ابن ماجه»، ورواية ابن [2] زكريَّاء بن أبي زائدة في «مسلم»، و «أبي داود»، و «التِّرمذيِّ»، و «النَّسائيِّ»، ورواية ابن سُلَيم في «التِّرمذيِّ» و «ابن ماجه»، والله أعلم، وهذا الكلام من جنس الكلام في أبي قِلابة الذي قدَّمته أعلاه.
قوله: (عن عُبَيْدِ الله): تقدَّم أعلاه مَن هو.
قوله: (أَعْزَبُ): كذا في أصلنا، وعليه (صح)، وفي الهامش نسخة الدِّمياطيِّ: (عزب)، قال الدِّمياطيُّ: رجل عزب، وامرأة عَزَبة، والاسم: العُزبة والعُزوبة، يقال: تعزَّب فلان زمانًا، ثُمَّ تأهَّل، وعزب عن فلان، يَعزُب، ويَعزِب؛ أي: بَعُد وغاب، وفي الحديث: «من قرأ القرآن في أربعين ليلة؛
[ج 1 ص 172]
فقد عزَّب»؛ أي: بَعُدَ عهدُه فيما ابتدأ مِنْهُ، وفي «الغريبين»: «من قرأ القرآن في [3] أربعين ليلة؛ فقد عزب عهدُه»؛ أي: بَعُدَ عهدُه بما ابتدأ منه، وأبطأ في تلاوته، انتهى.
قوله: (لَا أَهْلَ لَهُ): هو تأكيد أو توضيح؛ لأنَّ (العزب) الذي لا أهل له.

(1/1109)


[حديث: قم أبا تراب قم أبا تراب]
441# قوله: (ابْنُ أَبِي حَازِمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه بالحاء المهملة.
قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ [1]): تقدَّم أعلاه ضبطه، واسمه سلمة بن دينار، الإمام الأعرج المدينيُّ، أحد الأعلام، عن سهل بن سعد وابن المُسَيّب، وعنه: مالك، وضمرة، وابنه عَبْد العزيز، قال ابن خزيمة: لَمْ يكن في زمانه مثله، تُوفِّي سنة (140 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به.
قوله: (فَلَمْ يَقِل): هو من القَيْلُولَة؛ وهي النَّوم في الظَّهيرة، وهو بكسر القاف، وهذا ظاهر جدًّا.
قوله: (لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟): هذا الإنسان لا أعرف اسمه.
قوله: (رِدَاؤُهُ): تقدَّم أنَّ كلَّ ما كان على أعالي البدن يقال له: رِدَاء، وكلَّ ما كان على أسافله؛ فإزار.
قوله: (أَبَا [2] تُرَابٍ): هذا الحديث ظاهر في أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كنَّاه به في هذا الوقت، وقد وقع في «سيرة ابن إسحاق»: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كنَّاه بذلك في غزوة العُشَيرة، وهو في «مسند أحمد» من طريقه، وسيأتي مُطوَّلًا في العشيرة في (المغازي)، وذكر ابن قيِّم الجوزيَّة المكان في السِّيرة من عند الدِّمياطيِّ الحافظ شَرَفِ الدِّين، وتعقَّبه بالتَّغليط، وجعل [3] قصَّة «الصَّحيح» هذه التي نحن فيها الصَّحيحةَ، ولم يجمع كما سيأتي أنَّ غيره جمع، والله أعلم.
==========
[1] في هامش (ق): (سلمة بن دينار القاص).
[2] في النسخ: (يا أبا): والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[3] زيد في (ج): (فيه)، وليس بصحيح.
[ج 1 ص 173]

(1/1110)


[حديث: رأيت سبعين من أصحاب الصفة]
442# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ [1]): هو بضمِّ الفاء، وفتح [2] الضَّاد المعجمة، هو محمَّد بن فضيل بن غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم،، الحافظ، أبو عَبْد الرَّحمن، عن: أبيه، ومغيرة، وحُصين، وعنه: أحمد، وإسحاق، والعطارديُّ، ثقة، شيعيٌّ، مات سنة (194 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد منه.
قوله: (عن أَبِيهِ): هو فُضَيل _وتقدَّم أعلاه ضبطه_ ابنُ غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم،، عن عكرمة، وسالم، وأبي حازم الأشجعيِّ [3]، وعنه: ابنه محمَّد _المتقدَّم_ ووكيع، ويحيى القطَّان، وغيرهم، وثَّقه أحمد وابن مَعِين، قال الذَّهبيُّ: موته قريب من موت الأعمش، انتهى، وقد أرَّخوا موت الأعمش بربيع الأوَّل سنة (148 هـ)، أخرج لفُضَيل الأئمَّة السِّتَّة.
قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ [4]): تقدَّم من بعيد أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّه سلمان أبو حازم، مولى عزَّة الأشجعيَّة، جالس أبا هريرة خمس سنين، وعنه: محمَّد بن جحادة والأعمش، تُوفِّي سنة (100 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه أحمد وابن مَعِين، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به [5].
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ): تقدَّم الكلام على (الصُّفَّةِ)، وعلى عددهم بظاهرها، فأغنى عن إعادته.
قوله: (كَرَاهِيَةَ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّها بتخفيف الياء، وأنَّه يجوز فيها: كراهي؛ لغة.
قوله: (أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ): (تُرَى): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (عَوْرَتُهُ): مرفوعة قائمة [6] مقام الفاعل.

(1/1111)


[باب الصلاة إذا قدم من سفر]
قوله: (وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ): هذا صحابيٌّ مشهور، الأنصاريُّ السَّلميُّ، أحد الثَّلاثة الذين خلِّفوا، شهد العقبة، وله أحاديث، وكان من شعراء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، روى عنه بنوه؛ عَبْد الله وعبد الرَّحمن ومحمَّد، وغيرهم، تُوفِّي سنة (50 هـ)، أخرج له الجماعة رَضِيَ اللهُ عنه.
قوله: (بَدَأَ) [1]: هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهر.

(1/1112)


[حديث: صل ركعتين]
443# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ): أمَّا (مُحَاربٌ)؛ فهو [1] بضمِّ الميم، وبالحاء المهملة، وراء مكسورة، ثُمَّ موحَّدة، اسم فاعل من حارب، و (دِثَار)؛ بكسر الدَّال المهملة، ثُمَّ ثاء مثلَّثة مخفَّفة، وفي آخره راء، السَّدوسيُّ الكوفيُّ القاضي، عنِ ابن عمر، وجَابِر، والأسود بن يزيد، وعنه: شعبة والسُّفيانان، وكان من كبار العلماء والزُّهَّاد، تُوفِّي على ما قاله خليفة في آخر ولاية خالد بن عَبْد الله، وعُزِل خالد سنة عشرين ومئة، قال ابن قانع: مات سنة ستَّ عشرةَ، قاله الذَّهبيُّ في «تذهيبه»، وكذا هو في «تهذيب [2] المِزِّيِّ»، انتهى، وقال ابن حِبَّان في «الثِّقات»: تُوفِّي في ولاية خالد سنة ثمان ومئة، وتوقَّف في النَّقل عنِ ابن قانع، الحافظ مغلطاي فيما نظره [3] من نسخ التَّاريخ، وثَّقه أحمد وجماعة، وله ترجمة في «الميزان».
قوله [4]: (أُرَاهُ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.

(1/1113)


[باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين]

(1/1114)


[حديث: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس]
444# قوله: (عن عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ): هو بضمِّ السِّين، وفتح اللَّام، الزُّرَقيُّ؛ بضمِّ الزاي، وفتح الرَّاء المخفَّفة، ثُمَّ قاف، ثُمَّ ياء النِّسبة، عن أبي قتادة وأبي هريرة، وعنه: الزُّهْرِيُّ وبكير بن الأشجِّ وطائفة، ثقة، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان» من أجل قول ابن خِراش فيه بعد أنْ وثَّقه: (في حديثه اختلاط).
قوله: (عن أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ): (السَّلَميُّ)؛ بفتح السِّين واللَّام، وحُكِي كسرها ولُحِّن، من بني سَلِمة _بكسر اللَّام_ من الأنصار، واسمه الحارث بن ربعيٍّ، وهو فارس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل اسمه: النُّعمان أو عَمرو، روى عنه: ابن المُسَيّب، وابنه عَبْد الله، في موته اختلاف؛ قال يحيى بن عَبْد الله بن أبي قتادة: إنَّ جدَّه مات بالمدينة سنة (54 هـ)، وله سبعون سنة، وكذا قال يحيى ابن بكير وجماعة، وقال الهيثم بن عديٍّ وغيره: مات بالكوفة، وصلَّى عليه عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال بعضهم: سنة (38 هـ)، وقال الواقديُّ: لَمْ أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافًا أنَّ أبا قتادة تُوفِّي بالمدينة، ورَوى أهل الكوفة: أنَّه تُوفِّي بالكوفة، أخرج له الجماعة رَضِيَ اللهُ عنه.
==========
[ج 1 ص 173]

(1/1115)


[باب الحدث في المسجد]

(1/1116)


[حديث: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه]
445# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تقدَّم مرارًا أنَّه بالنُّون، وأنَّ اسمه عَبْد الله بن ذكوان، مولى بني أميَّة، وكنيته أبو عَبْد الرَّحمن، وتقدَّم أنَّ ذكوان أخو أبي لؤلؤة قاتلِ عُمر، روى أبو الزِّناد عن أنس، وعمر بن أبي سَلَمة، ولم يره فيما قيل، وابن المُسَيّب، والأعرج، وعدَّة، وعنه: مالك، واللَّيث، والسُّفيانان، ثقةٌ ثَبْتٌ، تُوفِّي في رمضان فجأة سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه، وقد تقدَّمت غيرَ هذه المرَّة ترجمتُه.
قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن هرمز.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
[ج 1 ص 173]
قوله: (والْمَلاَئِكَةُ [1] تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ): قال العلماء: الصَّلاة من الله رحمةٌ، ومن الملائكة استغفارٌ، ومن الآدميِّ تضرُّعٌ ودعاء، وممَّن ذكر هذا التفسير الأزهريُّ وآخرون.
قوله: (مَا لَمْ يُحْدِثْ): تقدَّم الكلام عليه، ونذكره أيضًا هنا؛ لطول العهد، فنزيد ونقول [2]: (يُحْدِث): هو بتخفيف الدَّال، فسَّره أبو هريرة: بحدث الوضوء، وابن أبي أوفى: بحدث الإثم، وفي رواية النَّسفيِّ في (باب الصَّلاة في السُّوق): (ما لم يؤذ فيه بحَدَث فيه)، وفي بعض الروايات: (ما لم يُحدِث فيه)، قال الدَّاوديُّ: (ما لم يحدِّث)؛ بالحديث من غير ذكر الله، وقال شيخنا الشَّارح: (ما لم يحْدِث؛ بتخفيف الدَّال، وفي رواية: (ما لم يؤذِ)، وتأوَّل العلماء الأذى بالغيبة وشبهها، وسببه أنَّ أذى ذلك أكبرُ مِن أذى الحدث، ومَن رواه بالتشديد؛ أراد بغير ذكر الله، قال ابن التِّين: (ولم يذكرِ التشديدَ أحدٌ)، وذكر ابن حبيب عن إبراهيمَ النَّخعيِّ: أنَّه سمع عبد الله بن أبي أوفى يقول: (هو حدث الإثم)، انتهى مُلخَّصًا.

(1/1117)


[باب بنيان المسجد]
قوله: (بَابُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ): فائدة: اعلم أنَّ مسجد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بناه عليه الصَّلاة والسَّلام، كما في الحديث، وهو معروف، وذكر ابن العاقوليِّ شيخنا الإمام غياث الدين شيخ بغداد، وكذا قال زين الدين ابن حسين قاضي المدينة المشرَّفة في «تاريخه»، واللَّفظ للثَّاني عن ابن النَّجَّار: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنى مسجده مرَّتين؛ بناه حين قدم أقلَّ من مئة في مئة، فلمَّا فُتِحت خيبر؛ بناه، وزاد عليه في الدُّور مثله) انتهى، وقال ابن العاقوليِّ أيضًا: عن ابن النَّجَّار: (إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بنى مسجده مُربَّعًا، وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وطوله سبعون ذراعًا في ستِّين ذراعًا [1]، أو تزيد، وجعل له ثلاثة أبواب؛ باب في مُؤخَّره، وباب عاتكة، وهو باب الرَّحمة، والباب الذي يدخل منه، وهو باب عثمان، ولمَّا صُرِفتِ القبلة إلى الكعبة؛ سَدَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الباب الذي كان خلفه، وفتح بابًا حذاءه، وكان المسجد له ثلاثةُ أبواب؛ باب خلفه، وباب عن يمين [2] المصلِّي، وباب عن يساره، ولم يبق من الأبواب التي كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدخل منها إلا باب عثمان المعروف بباب جبريل عليه السَّلام) انتهى.

(1/1118)


فلمَّا استُخلِف أبو بكر رضي الله عنه؛ لم يُحدِث فيه شيئًا، واستُخلِف عمر رضي الله عنه فوسَّعه، وكلَّم العبَّاس بن عبد المطَّلب في بيع داره؛ ليزيدها فيه، فوهبها العبَّاس لله وللمسلمين، فزادها عمر في المسجد، ثمَّ إنَّ عثمان بناه في خلافته بالحجارة والقصَّة، وجعل عُمُدَه حجارة، وسقفه بالسَّاج، وزاد فيه، ونقل إليه الحصباء من العقيق، وكان أوَّلَ منِ اتَّخذ فيه المقصورة مروانُ بن الحكم، بناها بحجارة منقوشة، وقال النَّوويُّ: (عن خارجة بن زيد أحد الفقهاء السبعة أنَّه قال: «بنى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مسجده سبعين ذراعًا في ستِّين [3] ذراعًا، أو [4] يزيد»، قال أهل السِّير: جعل عثمان طول المسجد مئة وستِّين ذراعًا، وعرضه مئة وخمسين، وجعل أبوابه ستَّة ... ) إلى آخره، انتهى، ثمَّ لم يحدث فيه شيء إلى أن وُلِّي الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، وهو عامله على المدينة يأمره [5] بهدم المسجد وبنائه، وبعث إليه بمال، وفسيفساء، ورخامٍ، وبثمانين صانعًا من الرُّوم والقبط من أهل الشَّام ومصر، فبناه وزاد فيه، وولَّى القيام بأمره والنَّفقة عليه صالحَ بن كيسان، وذلك في سنة سبع وثمانين، ويقال: (في سنة ثمان وثمانين) [6]، ثمَّ لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئًا حتَّى استُخلِف المهديُّ، قال الواقديُّ: (بعث المهديُّ عبدَ الملك بن شبيب الغسَّانيَّ، ورجلًا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة [7]؛ لبناء مسجدها، والزيادة فيه، وعليها يومئذٍ جعفرُ بن سليمان بن عليٍّ، فمكثا في عمله سنة، وزادا في مُؤخَّره مئة ذراع، فصار طوله ثلاث مئة ذراع، وعرضه مئتي ذراع)، قال السُّهيليُّ: (وذلك سنة ستِّين ومئة)، وقال مُحَمَّد بن عليٍّ المدائنيُّ: (ولَّى المهديُّ جعفرَ بن سليمان مكَّة، والمدينة، واليمامة، فزاد في مسجد مكَّة، ومسجد المدينة، فتمَّ بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستِّين ومئة، وكان المهديُّ أتى المدينة قبل الحجِّ، فأمر بقلع المقصورة، وتسويتها مع المسجد، ثمَّ إنَّ المأمون بن الرَّشيد زاد فيه زيادة، وذلك [8] في سنة ثنتين ومئتين، وأتقن بنيانه، ونقش فيه: (هذا ما أمر به عبد الله بن المأمون) في كلام كثير، ثمَّ لم يبلغنا أنَّ [9] أحدًا غيَّر منه [10] شيئًا، ولا أحدث فيه عملًا، ورأيت في كلام شيخنا المؤلِّف بعد عثمان: (ثمَّ بناه عبد الله بن الزُّبير، ثمَّ الوليد بن عبد الملك)

(1/1119)